بصيرة فى ذكر سليمان عليه السلام
وسليمان اسم أعجمى غير منصرف، وقيل مشتق من السلامة، سمى به لاستسلام أعدائه له، ولسلامته من غوائلهم. وفى بعض الأخبار أن النمل قال: أتدرى لم سميت سليمان؟ قال: لا. قال: معناه يا سليم آن لك أن تتوب. وكان فى الأصل يا سليم فخفف.
ودعاه الله عز وجل فى التنزيل بأحد عشر اسما تصريحا وتعريضا: مفضل {الحمد لله الذي فضلنا}، معلم {علمنا منطق الطير}، ضاحك {فتبسم ضاحكا}، شاكر {أأشكر أم أكفر}، صالح {وأدخلني برحمتك في عبادك الصالحين}، ناظر {سننظر أصدقت}، ملك {إن الملوك إذا دخلوا قرية}، متفقد {وتفقد الطير}، حاكم {وكنا لحكمهم شاهدين}، فهيم {ففهمناها سليمان}، عبد وأواب {نعم العبد إنه أواب}، منيب {ثم أناب}، موهوب وسليمان {ووهبنا لداوود سليمان}.
وذكره الله تعالى فى التنزيل فى خمسة عشر موضعا باسمه، غير المكرر: {كلا هدينا} إلى قوله: {وسليمان}، {وداوود وسليمان إذ يحكمان في الحرث}، {ولسليمان الريح عاصفة}، {ولسليمان الريح غدوها شهر ورواحها شهر}، {ولقد آتينا داوود وسليمان علما}، {وورث سليمان داوود}، {وحشر لسليمان جنوده من الجن والإنس}، {لا يحطمنكم سليمان وجنوده}، {إنه من سليمان وإنه بسم الله الرحمان الرحيم}، {فلما جآء سليمان}، {وأسلمت مع سليمان}، {ووهبنا لداوود سليمان}، {ففهمناها سليمان}، {ولقد فتنا سليمان}،
{وإن له عندنا لزلفى وحسن مآب}.
قال الثعلبى وورث سليمان داود أى نبوته وعلمه وحكمته دون سائر أولاد داود. قال: وكان لداود اثنا عشر ابنا. وكان سليمان ملك الشام إلى اصطخر، وقيل: ملك الأرض. وقد روى عن ابن عباس رضى الله عنهما قال: ملك الأرض مؤمنان سليمان وذو القرنين، وكافران نمروذ وبختنصر.
وقال كعب وابن منبه: كان سليمان أبيض جسيما وسيما وضاء جميلا خاشعا متواضعا، يلبس الثباب البيض، ويجالس المساكين ويقول: مسكين جالس مسكينا، وكان أبوه يشاوره فى كثير من أموره مع صغر سنه لوفور عقله وعلمه.
ولما ملك سليمان / كان كثير الغزو والجهاد لا يكاد يتركه، فتحمله الريح هو وعسكره ودوابهم حيث أراد، وتمر به وبعسكره الريح على المزرعة فلا يتحرك الزرع.
قال محمد بن كعب القرظى: بلغنا أن معسكر سليمان كان مائة فرسخ، خمسة وعشرون للإنس، ومثلها للجن، ومثلها للطير، ومثلها للوحش.
قال: وقال أهل التاريخ وكان عمر سليمان ثلاثا وخمسين سنة؛ وملك وهو ابن ثلاث عشرة سنة. وابتدأ بناء بيت المقدس بعد ابتداء ملكه بأربع سنين.
قال بعضهم:
*أعطى سليمان فى دنياه مملكة * لم يعط قط كما أعطاه إنسانا*
*طير بأجنحة ظلت مظلته * ريح رخاء أتته حيث ما كانا*
*آتاه من كل شئ ما يلائمه * حتى لمنطق طير زاد تبيانا*
*فصار ينصره يوما ويذكره * ليلا ويشكره قلبا وقربانا*
*أفديه من ملك أقواله حكم * والله قال: "ففهمنا سليمانا"*