دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > الفقه > متون الفقه > زاد المستقنع > كتاب النكاح

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 25 جمادى الأولى 1431هـ/8-05-2010م, 01:42 AM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,453
افتراضي فصل في النشوز

( فصلٌ ) النُّشوزُ مَعْصِيَتُها إيَّاه فيما يَجِبُ عليها، فإذا ظَهَرَ منها أَماراتُه بأن لا تُجيبَ إلى الاستمتاعِ أو تُجيبَه مُتَبَرِّمَةً أو مُتَكَرِّهَةً وَعَظَها، فإن أَصَرَّتْ هَجَرَها في الْمَضْجَعِ ما شاءَ وفي الكلامِ ثلاثةَ أَيَّامٍ، فإن أَصَرَّتْ ضَرَبَها غيرَ مُبَرِّحٍ.

  #2  
قديم 28 جمادى الأولى 1431هـ/11-05-2010م, 01:45 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي المقنع لموفق الدين عبد الله بن أحمد بن قدامة المقدسي

.......................

  #3  
قديم 28 جمادى الأولى 1431هـ/11-05-2010م, 01:46 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي الروض المربع للشيخ: منصور بن يونس البهوتي


فصلٌ
في النُّشُوزِ، وهو: (مَعْصِيَتُها إِيَّاهُ فيما يَجِبُ عليها)، مأخوذٌ مِن النَّشْزِ، وهو ما ارْتَفَعَ من الأرضِ، فكَأَنَّهَا ارْتَفَعَتْ وتَعَالَتْ عَمَّا فُرِضَ عليها من المُعَاشَرَةِ بالمعروفِ، (فإذا ظَهَرَ منها أَمَارَاتُه؛ بأنْ لا تُجِيبَه إلى الاستمتاعِ أو تُجِيبَه مُتَبَرِّمَةً) مُتَثَاقِلَةً، (أو مُتَكَرِّهَةً، وَعَظَهَا)؛ أي: خَوَّفَها مِن اللهِ تعالَى، وذَكَّرَها ما أَوْجَبَ اللهُ عليها مِن الحقِّ والطاعةِ، وما يَلْحَقُها مِن الإِثْمِ بالمخالفةِ، (فإنْ أَصَرَّتْ) على النُّشوزِ بعدَ وَعْظِها (هَجَرَهَا في المَضْجَعِ)؛ أي: تَرَكَ مُضَاجَعَتَها (ما شاءَ)، وهَجَرَهَا (في الكلامِ ثلاثةَ أيامٍ) فقطْ؛ لحديثِ أبي هُرَيْرَةَ مرفوعاً: ((لاَ يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ)). (فإنْ أَصَرَّتْ) بعدَ الهجرِ المذكورِ (ضَرَبَهَا) ضَرْباً (غيرَ مُبَرِّحٍ)؛ أي: شديدٍ؛ لقولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((لاَ يَجْلِدُ أَحَدُكُمُ امْرَأَتَهُ جَلْدَ الْعَبْدِ، ثُمَّ يُضَاجِعُهَا فِي آخِرِ الْيَوْمِ)). ولا يَزِيدُ على عَشَرَةِ أسواطٍ؛ لقولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((لاَ يَجْلِدْ أَحَدُكُمْ فَوْقَ عَشَرَةِ أَسْوَاطٍ إِلاَّ فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللهِ)). مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، ويَجْتَنِبُ الوَجْهَ والمواضِعَ المَخُوفَةَ، وله تَأْدِيبُها على تَرْكِ الفرائضِ، وإنِ ادَّعَى كلٌّ ظُلْمَ صَاحِبِه، أَسْكَنَهَا حَاكِمٌ قُرْبَ ثِقَةٍ يُشْرِفُ عليهما ويُلْزِمُهُما الحقَّ، فإنْ تَعَذَّرَ وتَشَاقَّا، بَعَثَ الحاكِمُ عَدْلَيْنِ يَعْرِفَانِ الجَمْعَ والتفريقَ، والأَوْلَى مِن أَهْلِهِما، يُوَكِّلاَنِهِما في فِعْلِ الأصلحِ من جمعٍ وتفريقٍ بعِوَضٍ أو دُونَه.

  #4  
قديم 28 جمادى الأولى 1431هـ/11-05-2010م, 01:51 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي حاشية الروض المربع للشيخ: عبد الرحمن بن محمد ابن قاسم


فصل في النشوز([1])

وهو (معصيتها إياه فيما يجب عليها)([2]) مأْخوذ من النشز، وهو ما ارتفع من الأرض([3]) فكأنها ارتفعت وتعالت، عما فرض عليها من المعاشرة بالمعروف([4]) (فإذا ظهر منها أَماراته([5]) بأن لا تجيبه إلى الاستمتاع([6]) أو تجيبه متبرمة) متثاقلة([7]) (أو متكرهة([8]) وعظها) أي خوفها من الله تعالى([9]).
وذكرها ما أوجب الله عليها من الحق والطاعة([10]) وما يلحقها من الإثم بالمخالفة([11]) (فإن أصرت) على النشوز بعد وعظها (هجرها في المضجع) أي ترك مضاجعتها (ما شاء([12]) و) هجرها (في الكلام ثلاثة أيام) فقط، لحديث أبي هريرة مرفوعًا «لا يحل لمسلم أن يهجر أَخاه فوق ثلاثة أيام » (فإن أصرت) بعد الهجر المذكور (ضربها) ضربا (غير مبرح) أي شديد([13])
لقوله صلى الله عليه وسلم «لا يجلد أحدكم امرأته جلد العبد، ثم يضاجعها في آخر اليوم»([14]) ولا يزيد على عشرة أسواط([15]) لقوله صلى الله عليه وسلم «لا يجلد أحدكم فوق عشرة أسواط، إلا في حد من حدود الله» متفق عليه([16]) ويجتنب الوجه والمواضع المخوفة([17]) وله تأْديبها على ترك الفرائض([18]).
وإن ادعى كل ظلم صاحبه([19]) أسكنهما حاكم قرب ثقة، يشرف عليهما([20]) ويلزمهما الحق([21]) فإن تعذر وتشاقا، بعث الحاكم عدلين، يعرفان الجمع والتفريق([22]) والأولى من أهلها([23]).
يوكلانهما في فعل الأصلح، من جمع وتفريق، بعوض أو دونه([24]).


([1]) وهو كراهة كل من الزوجين صاحبه، وسوء عشرته، يقال: نشزت المرأة على زوجها، فهي ناشزة وناشز. إذا عصت عليه، وخرجت عن طاعته، ونشز عليها زوجها، جفاها وأضر بها.

([2]) من المعاشرة بالمعروف.

([3]) وما ارتفع من الأرض يسمى "نشزا" كما في الأثر "أو علا نشزا كبر" ورجل ناشز الجبهة مرتفعها.

([4]) فسمي عصيانها نشوزا.

([5]) أي علامات النشوز.

([6]) كأن تمتنع من إجابته إلى الفراش.

([7]) متدافعة إذا دعاها إلى الاستمتاع.

([8]) ويختل أدبها في حقه، أو تخرج من بيته بغير إذنه، ونحو ذلك.

([9]) إذا عصته، فإن الله تعالى قد أوجب حق الزوج عليها وطاعته، وحرم
عليها معصيته، لما له عليها من الفضل، والوعظ بالقول، قال تعالى
]وَاللاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ[.


([10]) لزوجها.

([11]) أي وذكرها ما يلحقها من الإثم، كقوله صلى الله عليه وسلم «إذا باتت هاجرة فراش زوجها لعنتها الملائكة» وقوله «ثلاثة لا تصعد لهم إلى السماء حسنة، منهم المرأة الساخط عليها زوجها».
وذكرها ما يسقط بذلك من النفقة والكسوة، وما يباح له من هجرها وضربها، فإن رجعت إلى الطاعة والأدب حرم الهجر والضرب، لزوال مبيحه.

([12]) لقوله تعالى ]وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ[ أي يوليها ظهره في الفراش، ولا يكلمها، وقال ابن عباس: لا تضاجعها في فراشك، وقد هجر النبي صلى الله عليه وسلم نساءه، فلم يدخل عليهن شهرا، ولم يقيد بمدة.

([13]) لا تحتمله النفوس، قال الوزير وغيره: اتفقوا على أنه يجوز للزوج أن يضرب زوجته إذا نشزت، بعد أن يعظها، ويهجرها في المضجع.

([14]) متفق عليه، وللبخاري «ضرب الفحل» فدل على جواز ضربها ضربا خفيفًا، لا يبلغ ضرب الحيوانات والمماليك، ولا ريب أن عدم الضرب، والاغتفار والسماحة، أشرف، كما هو خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولأبي داود «ولا تضرب ضعينتك ضرب أمتك» ولعل علة النهي أن ضرب من يجامعها لا يستحسن، لأن الجماع والمضاجعة، إنما تليق مع ميل النفس، والرغبة في العشرة، والمجلود غالبا ينفر عمن جلده، بخلاف التأديب المستحسن، فإنه لا ينفر الطباع، ولا يلزمه ذلك، ولا يسن له. بل يباح له ذلك، فإن تركه فهو أولى.

([15]) وقيل: يضربها بدرة أو مخراق منديل ملفوف، لا بسوط، ولا بخشب.

([16]) والمراد هنا التأديب، والزجر عن النشوز، فيبدأ بالأسهل فالأسهل.

([17]) والمستحسنة، للنهي عنه، ولئلا يشوهها، فإن تلفت من ذلك فلا ضمان عليه، لأنه مأذون فيه شرعا، والأولى ترك ضربها، إبقاء للمودة كما سبق.

([18]) كالصلاة والصوم الواجبين، قال علي رضي الله عنه في قوله تعالى ]قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا[ قال: علموهم، وأدبوهم. وروي «رحم الله
امرأ علق في بيته سوطا، يؤدب به أهله» فإن لم تصل فقال أحمد: أخشى أن لا يحل للرجل أن يقيم مع امرأة لا تصلي، ولا تغتسل من الجنابة، ولا تتعلم القرآن.


([19]) بأن ادعت أنه لم يؤد حقها الواجب لها عليه، وادعى أنها لم تؤد حقه الواجب له عليها مثلا.

([20]) ويكشف حالهما، كما يكشف عن عدالة وإفلاس من خبرة باطنة، وليس مختصا بالحكم.

([21]) والإنصاف، وفي الاختيارات: نصب المشرف لم يذكره الخرقي والقدماء، ومقتضى كلامه رحمه الله: إذا وقعت العداوة، وخيف الشقاق، بعث الحكمان، من غير احتياج إلى نصب مشرف.

([22]) لأنه يفتقر إلى الرأي والنظر، وعليهما أن يستطلع كل واحد رأي من بعث إليه، إن كان رغبته في الصلح أو في الفرقة، ثم يجتمعان فينظران في أمرهما، واشترط كونهما حرين، ذكرين، مكلفين، مسلمين، وقال الوزير: اتفقوا على أنه إذا وقع الشقاق بين الزوجين، وخيف عليهما، أن يخرجهما ذلك إلى العصيان، أن يبعث الحاكم حكما من أهله، وحكما من أهلها.

([23]) لقوله تعالى ]فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا[ قال الشيخ: وهذا يقتضي وجوب كونهما من الأهل، وهو مقتضى قول الخرقي، فإنه اشترطه؛ كما اشترط الأمانة، وهذا أصح، فإنه نص القرآن، ولأن الأقارب أخبر بالعلل الباطنة، وأقرب إلى الأمانة، والنظر في المصلحة، وأيضًا فإنه نظر في الجمع والتفريق، وهو أولى من ولاية عقد النكاح، لا سيما إن جعلناهما حكمين، كما هو الصواب، ونص عليه أحمد، وهو قول علي، وابن عباس، ومذهب مالك، وعليهما أن ينويا الإصلاح، لقوله ]إِنْ يُرِيدَا إِصْلاحًا يُوَفِّقِ اللهُ بَيْنَهُمَا[ وأن يلطفا القول، وينصفا، ويرغبا، ويخوفا، ولا يخصا بذلك أحدهما دون الآخر، ليكون أقرب للتوفيق بينهما.

([24]) قال تعالى ]إِنْ يُرِيدَا إِصْلاحًا[ يعني الحكمين ]يُوَفِّقِ اللهُ بَيْنَهُمَا[ يعني الزوجين، والتوفيق: أن يخرج كل واحد منهما من الوزر، وذلك تارة يكون بالفراق، وتارة بصلاح حالهما، وقيل: فلا يرسلان إلا برضاهما، وتوكيلهما، لأنه حق لهما، فلم يجز لغيرهما التصرف إلا بالوكالة، وفي الإنصاف وغيره: اختار الشيخ أنهما حكمان، يفعلان ما يريان، من جمع وتفريق، وغير ذلك، كما تقدم.
وقال مالك والشافعي في أحد قوليه: إن رأيا الأصلح الطلاق بعوض، أو بغير عوض جاز، وإن رأيا الخلع جاز، وإن رأى الذي من جهة الزوج الطلاق طلق، ولا يحتاج إلى إذن الزوج في الطلاق، قال الوزير: وهذا ينبني من قولهما إنهما حكمان؛ لا وكيلان، وهو الصحيح عندي، لأن الله سماهما ذلك، فقال ]فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا[ فسماهما حكمين بنص القرآن، وأجمعوا على أنه إذا اختلف قولهما، فلا عبرة بقول الآخر، وأن قولهما نافذ في الجمع وفي التفرقة.


  #5  
قديم 23 ربيع الثاني 1432هـ/28-03-2011م, 04:03 PM
الصورة الرمزية ساجدة فاروق
ساجدة فاروق ساجدة فاروق غير متواجد حالياً
هيئة الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 6,511
افتراضي الشرح الممتع على زاد المستقنع / للشيخ ابن عثيمين رحمه الله

فَصْلٌ
النُّشُوزُ مَعْصِيَتُهَا إِيَّاهُ فِيمَا يَجِبُ عَلَيْهَا، فَإِذَا ظَهَرَ مِنْهَا أَمَارَاتُهُ، بِأَنْ لاَ تُجِيبَهُ إِلَى الاسْتِمْتَاعِ، أَوْ تُجِيبَهُ مُتَبَرِّمَةً، أَوْ مُتَكَرِّهَةً، وَعَظَهَا، ..........
هذا الفصل عقده المؤلف لبيان النشوز، والنشوز يكون من الزوج، ويكون من الزوجة، قال الله تعالى: {{وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ}} [النساء: 34] ، وقال الله تعالى: {{وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا}} [النساء: 128] .
قوله: «النشوز معصيتها إياه فيما يجب عليها» ، هذا ضابط النشوز، وأصله مأخوذ من النشز، وهو المرتفع من الأرض، ومنه ما ذكره أهل العلم في المناسك إذا علا نشزاً فإنه يلبي، ومناسبة المعنى للمحسوس ظاهرة؛ لأن المرأة تترفع على زوجها وتتعالى عليه، ولا تقوم بحقه.
أما شرعاً فيقول: «معصيتها إياه» ، «معصية» مصدر مضافٌ إلى فاعله، «وإياه» مفعول المصدر، أي: معصيتها الزوج فيما يجب عليها من حقوقه، أما ما لا يجب فإن ذلك ليس بنشوز، ولو صرحت بمعصيته، فلو قال لها: أريد منك أن تصبحي دلاَّلة في السوق تبيعين فقالت: لا، ما يلزمها، ولو قال: أريد منكِ أن تكوني خادمة عند الناس، فلا يلزمها، ثم ضرب المؤلف أمثلة لهذا فقال:
«فإذا ظهر منها أماراته، بأن لا تجيبه إلى الاستمتاع» ، يعني دعاها إلى الاستمتاع فأبت، أو أراد أن يستمتع بها بتقبيل أو غيره فأبت، فهذه ناشز.
وظاهر قوله: «بأن لا تجيبيه إلى الاستمتاع» أنها لو أبت أن تجيبه إلى الخدمة المعروفة، مثل لو قال: اغسلي ثوبي، اطبخي طعامي، ارفعي فراشي، فإن ذلك ليس بنشوز، وهو مبني على أنه لا يلزمها أن تخدم زوجها، والصحيح أنه يلزمها أن تخدم زوجها بالمعروف، ولهذا مر علينا في المحرمات بالنكاح أنه لا يجوز نكاح الأمة لحاجة الخدمة، فدل هذا على أن من مقصود النكاح خدمة الزوج، وهذا هو الصحيح.
قوله: «أو تجيبه متبرمة» التبرم بمعنى التثاقل في الشيء، فإذا دعاها إلى فراشه صنعت شيئاً آخر، فهذه تجيبه ولكنها تملله، فنقول: هذا نشوز.
قوله: «أو متكرهة» أي: تجيبه لكنها متكرهة، يظهر في وجهها الكراهة والبغض لهذا الشيء، وربما تسمعه ما لا يليق وما أشبه ذلك، فهذه في الحقيقة أجَابَتْهُ، لكن ما أجابته على وجهٍ يحصل به كمال الاستمتاع، حتى الزوج لا شك أنه يكون في نفسه أنفة إذا رأى منها أنها تعامله هذه المعاملة، فهذا نشوز، لكن ماذا يصنع معها؟ قال المؤلف:
«وعظها» والموعظة هي التذكير بما يرغِّب أو يخوِّف، فيعظها بذكر الآيات الدالة على وجوب العشرة بالمعروف، وبذكر الأحاديث المحذرة من عصيان الزوج، مثل قول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه فأبت أن تجيء لعنتها الملائكة حتى تصبح» [(307)] وأمثال ذلك.
فيعظها أولاً، وإذا استجابت للوعظ خير من كونها تستجيب للوعيد، أي: خير من كونه يقول: استقيمي وإلا طلقتك، كما يفعله بعض الجهال، تجده يتوعدها بالطلاق، وما علم المسكين أن هذا يقتضي أن تكون أشد نفوراً من الزوج، كأنها شاة، إن شاء باعها وإن شاء أمسكها، لكن الطريق السليم أن يعظها ويذكرها بآيات الله ـ عزّ وجل ـ حتى تنقاد امتثالاً لأمر الله ـ عزّ وجل ـ، فإن امتثلت وعادت إلى الطاعة فهذا المطلوب، وإلا يقول المؤلف:

فَإِنْ أَصَرَّتْ هَجَرَهَا فِي المَضْجَعِ مَا شَاءَ، وَفِي الكَلاَمِ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ، فَإِنْ أَصَرَّتْ ضَرَبَهَا غَيْرَ مُبَرِّحٍ،...........
«فإن أصرت هجرها في المضجع ما شاء» أي: يتركها في المضجع ما شاء، لقوله تعالى: {{وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ}} [النساء: 34] ولم يقيد، وهذه هي المرتبة الثانية، وتَرْكُها في المضجع على ثلاثة أوجه:
الأول: أن لا ينام في حجرتها، وهذا أشد شيء.
الثاني: أن لا ينام على الفراش معها، وهذا أهون من الأول.
الثالث: أن ينام معها في الفراش، ولكن يلقيها ظهره ولا يحدثها، وهذا أهونها.
ويبدأ بالأهون فالأهون؛ لأن ما كان المقصود به المدافعة فالواجب البداءة بالأسهل فالأسهل، كما قلنا في الصائل عليه: إنه لا يعمد إلى قتله من أول مرة، بل يدافعه بالأسهل فالأسهل، فإن لم يندفع إلا بالقتل قتله.
وقوله: «ما شاء» ليس على إطلاقه، بل المقصود أن يهجرها حتى تستقيم حالها، فربما تستقيم في ليلة، أو في ليلتين، وربما لا تستقيم إلا بشهر.
المهم أن قول المؤلف: «ما شاء» مقيد بما إذا بقيت على نشوزها، فالحكم يدور مع علته، والتأديب يرتفع إذا استقام المؤدَّب، فإذا استقامت حين هجرها أسبوعاً فالحمد لله، وليس له أن يزيد؛ لأن هذا مثل الدواء، يتقيد بالداء، فمتى شُفِي الإنسان لا يستعمل الدواء؛ لأنه يكون ضرراً، وعليه فمتى استقامت وجب عليه قطع الهجر.
قوله: «وفي الكلام ثلاثة أيام» أي: يهجرها في الكلام ثلاثة أيام، ولا يزيد على هذا، لقول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «لا يحل للمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث، يلتقيان، فيعرض هذا ويعرض هذا، وخيرهما الذي يبدأ بالسلام»[(308)] ، فله أن يهجرها يومين، أو ثلاثة أيام ولا يزيد على ذلك، ويزول الهجر بالسلام، فإذا دخل البيت وهي موجودة عند الباب، أو في الصالة القريبة، وقال: السلام عليكم، زال الهجر، وإذا قال لها: كيف أصبحت يا أم فلان فإنه يكفي؛ لأنه كلمها.
إذاً يبقى على رأس كل ثلاثة أيام يسلم مرة، ففي هذه الحال سوف تتفجر المرأة غيظاً ويحصل الأدب.
قوله: «فإن أصرت ضربها غير مبرح» هذه المرتبة الثالثة فيضربها ضرباً غير مبرح، لقول الله تعالى: {{وَاضْرِبُوهُنَّ}} لكن لو قال قائل: إن الله ـ تعالى ـ قال: {{فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ}} فذكرها بالواو الدالة على الاشتراك وعدم الترتيب؟
فالجواب: تقديم الشيء يدل على الترتيب في الأصل، ولهذا لما قال الله ـ عزّ وجل ـ: {{إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ}} [البقرة: 158] ، قال النبي صلّى الله عليه وسلّم: «أبدأ بما بدأ الله به»[(309)] ، وكذلك قال الفقهاء في قوله تعالى: {{إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ}} [التوبة: 60] قالوا: يُبدأ بالفقراء؛ لأنهم أشد حاجة، فعليه نقول: إن الله وإن ذكر هذه ثلاث المراتب بالواو، فإن المعنى يقتضي الترتيب؛ لأن الواو لا تمنع الترتيب، كما أنها لا تستلزمه.
فعليه نقول: المسألة علاج ودواء، فنبدأ بالأخف الموعظة، ثم الهجر في المضاجع، ويضاف إليها الهجر في المقال، ثم الضرب.
والآية مطلقة حيث قال الله تعالى: {{وَاضْرِبُوهُنَّ}}، لكن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال في حجة الوداع في حق الرجال وحق النساء: «لكم عليهن أن لا يوطئن فرشكم أحداً تكرهونه، فإن فعلن ذلك فاضربوهن ضرباً غير مبرح» ، وإذا كانت هذه المسألة الكبيرة تُضرَب فيها المرأة ضرباً غير مبرح، فما بالك في النشوز؟! فأولى أن لا يكون الضرب مبرحاً.
وعلى هذا فمطلق الآية يقيَّد بالقياس على ما جاء في الحديث، فنقول: ليس الضرب كما يريد، فلا يأتي بخشبة مثل الذراع ويضربها، مع أنه يمكن أن يضربها بسوط مثل الأصبع، فنقول: إنه أخطأ لا شك، فيضربها ضرباً غير مبرح.
ولا يجوز أن يضربها في الوجه، ولا في المقاتل، ولا فيما هو أشد ألماً؛ لأن المقصود هو التأديب.
أما عدد الضرب فهو ما يحصل به المقصود، ولا تتضرر به المرأة؛ لأن هذا للتأديب، والفقهاء ـ رحمهم الله ـ يقولون في العدد: لا يزيد على عشر جلدات، مستدلين بقول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «لا يجلد أحد فوق عشر جلدات إلا في حدٍّ من حدود الله»[(310)] ، لكن قوله في الحديث: «في حد» ليس المراد بالحد العقوبة، كحد الزنا مثلاً، إنما المراد بالحد ترك الواجب، أو فعل المحرم؛ لأن الله ـ تعالى ـ سمى المحرمات حدوداً، فقال: {{تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلاَ تَقْرَبُوهَا}} [البقرة: 187] وسمى الواجبات حدوداً فقال: {{تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلاَ تَعْتَدُوهَا}} [البقرة: 229] .
فالصواب أن المراد بالحد في الحديث الحد الشرعي، وليس الحد العقوبي، فإذا كانت لا تتأدب إلا بعشرين جلدة، نضيف إلى العشر عشراً أخرى، لكن نرجع إلى القيد الأول وهو أن يكون غير مبرح.
فإن لم يفد، أي: أنه وعظها، ثم هجرها، ثم ضربها ولا فائدة، فماذا نصنع؟
قيل: إنه إذا كان التعدي منها تسكن هي وزوجها بقرب رجل ثقة أمين، يراقب الحال، ويعرف أيهما الذي أساء إلى صاحبه.
ولكن هذا ليس بصحيح:
أولاً: أن هذا لم يرد لا في الكتاب ولا في السنة.
ثانياً: أنه مهما كان في الرقابة، فلا يمكن أن يكون عندهما في الحجرة مثلاً، فهو عمل لا فائدة منه.
لكن هنا طريقة ذكرها الله تعالى في القرآن فقال: {{وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ}} أي: أقاربه {{وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا}} [النساء: 35] أي: أقاربها، فالمسألة مهمة؛ لأن الخطاب للأمة كلها، للعناية بهذا الأمر، فكل الأمة مسؤولة عن هذين الزوجين الذين يتنازعان، فالإسلام لا يريد أن يقع النزاع بين أحد.
ويشترط في الحَكَم أن يكون عالماً بالشرع، عالماً بالحال، أي: ذا خبرة وأمانة؛ ولهذا كان من المهم في القاضي أن يكون عارفاً بأحوال الناس الذين يقضي بينهم، فالحكم لا بد فيه من العدالة حتى نأمن الحيف، ولا بد أن يكون عالماً بالشرع وبالحال.
وهذان الحكمان، قيل: إنهما وكيلان للزوجين، وعلى هذا لا بدّ أن توكل المرأة قريبها، ويوكل الرجل قريبه.
وقيل: إنهما حكمان مستقلان، يفعلان ما شاءا، يجمعان أو يفرقان بعوض أو بغير عوض.
وظاهر القرآن القول الثاني: أنهما حكمان مستقلان، فلم يقل الرب ـ عزّ وجل ـ: فإن خفتم شقاق بينهما فليوكلا من يقوم مقامهما، بل قال تعالى: {{فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا}}.
ولا يجوز للحكمين أن يريد كل واحد منهما الانتصار لنفسه وقريبه، فإن أراد ذلك فلا توفيق بينهما، لكن ماذا يريدان؟
يقول الله تعالى: {{إِنْ يُرِيدَا إِصْلاَحًا}} أي: الحكمان {{يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا}} أي: بين الحكمين، وبين الزوجين، يوفق الله بين الحكمين فيتفق الرأي؛ لأنه لو تنازع الحكمان، وكان لكل واحد منهما رأي ما استفدنا شيئاً، لكن مع إرادة الإصلاح يوفق الله بينهما، فيتفق الحكمان على شيء واحد، أو يوفق الله بينهما إن حكم الحكمان بأن يبقى الزوجان في دائرة الزوجية، فإن الله تعالى يوفق بين الزوجين من بعد العدواة، فالآية تحتمل هذا وهذا، ويصح أن يراد بها الجميع، فيقال: إن أراد الحكمان الإصلاح وفق الله بينهما، وجمع قولهما على قول واحد واتفقا، وإن أرادا الإصلاح وحكما بأن تبقى الزوجية، فإن الله يوفق بين الزوجين.
فصارت المراتب أربعاً:
وعظ، هجر، ضرب، إقامة الحكمين.
وأما المرتبة التي قبل إقامة الحكمين وهي الإسكان عند ثقة فهذه لا أصل لها، ولا دليل لها، ولا فائدة منها.
وكلام المؤلف فيما إذا خاف الزوج نشوز امرأته، فما الحكم إذا خافت هي نشوزه؟ لأنه أحياناً يكون النشوز من الزوج يعرض عنها، ولا يلبي طلبها الواجب عليه، أو يلبيه لكن بتكره، وتثاقل، وما أشبه ذلك.
نقول: الله بيَّن هذا في قوله: {{وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا}}، وفي قراءة سبعية أن يصَّالحا[(311)]، وقوله: {{نُشُوزًا}} يعني يترفع عليها ويستهجنها {{أَوْ إِعْرَاضًا}} أي: يعرض عنها ولا يقوم بواجبها، لا في الفراش، ولا في غير الفراش، ولا كأنه زوج، قال الله ـ عزّ وجل ـ: {{فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا}} أي يتصالحا بأنفسهما، وما ذكر الله ـ عزّ وجل ـ لا وعظاً ولا ضرباً، ولا هجراً، ولا حكمين، والحكمة في هذا ظاهرة جداً؛ لأن الأصل أن الرجل قوَّام على المرأة، فقد يكون إعراضه من أجل إصلاحها، بخلاف العكس، ولهذا هناك يعظها ويهجرها ويضربها، وهي لا تعظه ولا تهجره ولا تضربه، ولكن لا بد من مصالحة بينهما، فإذا لم يمكن أن يتصالحا فيما بينهما، فلا حرج في أن يتدخل الأقارب، لا على سبيل الحَكَم، ولكن على سبيل الإصلاح، ولهذا ما ذكر الله هنا المحاكمة، بل ذكر الإصلاح وندب إليه في قوله: {{وَالصُّلْحُ خَيْرٌ}} فهذه الجملة كلمتان فقط، وليست خاصة بهذه القضية، بل في كل شيء، وهي من بلاغة القرآن، فكل شيء يكون عن طريق الصلح فهو خير، خيرٌ من المحاصة؛ فإن في المحاصة مهما كان سيكون في نفسه شيء على صاحبه الذي غلبه، لكن في المصالحة تطمئن النفوس وتستريح، ومع ذلك أشار الله ـ عزّ وجل ـ إلى أنه قد يوجد فيه مانع وعائق، فقال تعالى: {{وَأُحْضِرَتِ الأَنْفُسُ الشُّحَّ}} [النساء 128] يعني عندما يتكلم أناس في نزاع بينهما يحبون الصلح، لكن نفسك تشح أن يهضم حقك مهما كان الأمر، ولكن على كل حال الذي عنده عقل يغلب النفس.
وفي قوله تعالى: {{وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا}} توجيهات عظيمة من الرب ـ عزّ وجل ـ، يعني ما قال: أطعنكم ورجعن إلى الصواب، فذكروهن ما مضى، وتقولون: فعلتِ كذا، وفعلتِ كذا، أو أنا قلت: كذا، وما أشبه ذلك، مما يبعث الأمور الماضية، بل قال: {{فَلاَ تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً}} أي: اتركوا كل ما مضى، ولا يكن في أذهانكم أبداً، وهذا من الحكمة؛ لأن ذكر الإنسان ما مضى من مثل هذه الأمور ما يزيد الأمر إلا شُقة وشدة {{فَلاَ تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا}} [النساء: 34] .


[307] سبق تخريجه ص(387).
[308] أخرجه البخاري في الأدب/ باب الهجرة... (6077)؛ ومسلم في الأدب/ باب تحريم الهجر فوق ثلاثة أيام بلا عذر شرعي (2560) عن أبي أيوب الأنصاري.
[309] أخرجه مسلم في الحج/ باب حجة النبي صلّى الله عليه وسلّم (1218) عن جابر ـ رضي الله عنه ـ.
[310] أخرجه البخاري في الحدود/ باب كم التعزير والأدب (6848)؛ ومسلم في الحدود/ باب قدر أسواط التعزير (1708) عن أبي بردة الأنصاري ـ رضي الله عنه ـ.
[311] قرأ بها سائر القرّاء عدا عاصم وحمزة والكسائي، كما في الوجيز للأهوازي (163).

موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
في, فصل

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 03:42 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir