دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > الفقه > متون الفقه > زاد المستقنع > كتاب النكاح

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 25 جمادى الأولى 1431هـ/8-05-2010م, 01:41 AM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,453
افتراضي فصل في سُنن الوطء

( فصلٌ ) ويَلْزَمُه أن يَبيتَ عندَ الْحُرَّةِ ليلةً من أربعٍ، ويَنفرِدَ إن أرادَ في الباقي، ويَلْزَمُه الْوَطْءُ إن قَدَرَ كلَّ ثلُثِ سَنَةٍ مَرَّةً، وإن سافَرَ فوقَ نِصْفِها وطَلَبَتْ قُدومَه وقَدِرَ لَزِمَه، فإن أَبَى أحدُهما فُرِّقَ بينَهما بطَلَبِها، وتُسَنُّ التَّسميةُ عندَ الوَطءِ وقولُ ما وَرَدَ، ويُكرهُ كَثرةُ الكلامِ، والنزْعُ قبلَ فَرَاغِها، والوَطءُ بِمَرْأَى أَحَدٍ، والتَّحَدُّثُ به ويَحْرُمُ جَمْعُ زَوْجَتَيْهِ في مَسكنٍ واحدٍ بغيرِ رِضاهما، وله مَنْعُها من الخروجِ من مَنْزِلِه، ويُسْتَحَبُّ إذنُه أن تُمَرِّضَ مَحْرَمَها وتَشْهَدَ جَنازتَه، وله مَنْعُها من إجارةِ نفسِها ومن إرضاعِ وَلَدِها من غيرِه إلا لضَرورتِه.

  #2  
قديم 28 جمادى الأولى 1431هـ/11-05-2010م, 01:37 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي المقنع لموفق الدين عبد الله بن أحمد بن قدامة المقدسي

....................

  #3  
قديم 28 جمادى الأولى 1431هـ/11-05-2010م, 01:38 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي الروض المربع للشيخ: منصور بن يونس البهوتي


فصلٌ
(ويَلْزَمُهُ) أي: الزوجَ (أنْ يَبِيتَ عندَ الحُرَّةِ لَيْلَةً من أربعِ) ليالٍ إذا طَلَبَتْ؛ لأنَّ أكثرَ ما يُمْكِنُ أنْ يَجْمَعَ معَها ثلاثاً مِثْلَها، وهذا قَضَاءُ كَعْبِ بنِ سِوَارٍ عندَ عمرَ بنِ الخطَّابِ، واشْتُهِرَ ولم يُنْكَرْ، وعندَ الأَمَةِ ليلةً مِن سَبْعٍ؛ لأنَّ أكثرَ ما يُجْمَعَ معَها ثلاثُ حَرَائِرَ، وهي على النصفِ، (و) لَه أنْ (يَنْفَرِدَ إذا أرادَ) الانفرادَ (في البَاقِي)، إذا لم يَسْتَغْرِقْ زَوجاتِه جميعَ الليالي، فمَن تَحْتَه حُرَّةٌ له الانفرادُ في ثلاثِ ليالٍ من كلِّ أربعٍ، ومَن تحتَه حُرَّتَانِ، له أنْ يَنْفَرِدَ في ليلتيْنِ، وهكذا، (ويَلْزَمُهُ الوَطْءُ إنْ قَدَرَ) عليهِ (كلَّ ثُلُثِ سَنَةٍ مَرَّةً) بطَلَبِ الزوجةِ؛ حُرَّةً كانَتْ أو أَمَةً، مُسْلِمةً أو ذِمِّيَّةً؛ لأنَّ اللهَ تعالَى قَدَّرَ ذلكَ في أربعةِ أَشْهُرٍ في حَقِّ المَوْلَى، فكذلكَ في حقِّ غيرِهِ؛ لأنَّ اليَمِينَ لا تُوجِبُ ما حَلَفَ عليهِ، فدَلَّ أنَّ الوَطْءَ واجِبٌ بِدُونِها، (وإنْ سَافَرَ فوقَ نِصْفِها)؛ أي: نِصْفِ سَنَةٍ في غيرِ حَجٍّ أو غَزْوٍ واجبيْنِ أو رِزْقٍ يَحْتَاجُه، (وطَلَبَتْ قُدُومَه وقَدَرَ، لَزِمَه) القدومُ، (فإنْ أَبَى أَحَدُهما)؛ أي: الوَطْءَ في كُلِّ ثُلُثِ سَنَةٍ مَرَّةً، أو القُدُومَ إذا سافَرَ فوقَ نصفِ سنةٍ، وطَلَبَتْه، (فُرِّقَ بينَهما بِطَلَبِها)، وكذا إنْ تَرَكَ المَبِيتَ؛ كالمَوْلَى، ولا يَجُوزُ الفسخُ في ذلكَ كلِّه إلاَّ بِحُكْمِ حاكمٍ؛ لأنَّه مُخْتَلَفٌ فيه.
(وتُسَنُّ التسميةُ عندَ الوَطْءِ، وقولُ الوارِدِ)؛ لحديثِ ابنِ عَبَّاسٍ مرفوعاً: ((لَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ حِينَ يَأْتِي أَهْلَهُ قَالَ: بِسْمِ اللهِ، اللَّهُمَّ جَنِّبْنَا الشَّيْطَانَ، وَجَنِّبِ الشَّيْطَانَ مَا رَزَقْتَنَا، فَوُلِدَ بَيْنَهُمَا وَلَدٌ، لَمْ يَضُرَّهُ الشَّيْطَانُ أَبَداً)). مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
(ويُكْرَهُ) الوَطْءُ مُتَجَرِّدَيْنِ؛ لِنَهْيِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عنه في حديثِ عُتْبَةَ بنِ عبدِ اللهِ عندَ ابنِ ماجَهْ، وتُكْرَهُ (كَثْرَةُ الكلامِ) حالتَه؛ لقولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((لاَ تُكْثِرُوا الْكَلاَمَ عِنْدَ مُجَامَعَةِ النِّسَاءِ؛ فَإِنَّ مِنْهُ يَكُونُ الْخَرَسُ وَالْفَأْفَاءُ))، (و) يُكْرَهُ (النَّزْعُ قبلَ فَرَاغِها)؛ لقولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((ثُمَّ إِذَا قَضَى حَاجَتَهُ فَلاَ يُعْجِلْهَا حَتَّى تَقْضِيَ حَاجَتَهَا))، (و) يُكْرَهُ (الوَطْءُ بِمَرْأَى أَحَدٍ) أو مَسْمَعِهِ؛ أي: بحيثُ يَرَاهُ أحدٌ أو يَسْمَعُه، غيرَ طفلٍ لا يَعْقِلُ، ولو رَضِيعاً، (و) يُكْرَهُ (التحدُّثُ به)؛ أي: بما جَرَى بينَهما؛ لِنَهْيِهِ عليهِ السلامُ عنه. رَوَاهُ أبو دَاوُدَ وغيرُه، وله الجمعُ بينَ وَطْءِ نِسَائِهِ أو معَ إِمَائِهِ بغُسْلٍ واحدٍ؛ لقولِ أنسٍ: (سَكَبْتُ لرَسولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِن نِسَائِهِ غُسْلاً واحداً في ليلةٍ واحدةٍ).
(ويَحْرُمُ جمعُ زَوْجَتَيْهِ في مَسْكَنٍ واحدٍ بغيرِ رِضَاهُما)؛ لأنَّ عليهما ضَرَراً في ذلكَ؛ لِمَا بينَهما مِن الغَيْرَةِ واجْتِمَاعُهما يُثِيرُ الخُصُومَةَ، (وله مَنْعُها)؛ أي: مَنْعُ زوجتِه (مِن الخُرُوجِ مِن مَنْزِلِهِ)، ولو لزِيَارَةِ أَبَوَيْها، أو عِيَادَتِهِما، أو حُضُورِ جِنَازَةِ أَحَدِهما، ويَحْرُمُ عليها الخروجُ بلا إذنِهِ لغيرِ ضرورةٍ، (ويُسْتَحَبُّ إذنُه)؛ أي: إذنُ الزوجِ لها في الخروجِ (أنْ تُمْرِضَ مَحْرَمَها)؛ كأخيها وعمِّها، أو لِتَعُودَهُ، (وتَشْهَدَ جِنَازَتَه)؛ لِمَا في ذلكَ مِن صِلَةِ الرحِمِ، وعدمُ إذنِه يكونُ حَامِلاً لها على مُخالَفَتِه، وليسَ له مَنْعُها من كلامِ أَبَوَيْها ولا مَنْعُهما مِن زِيَارَتِها، (وله مَنْعُها من إجارةِ نفسِها)؛ لأنَّه يَفُوتُ بِها حَقُّه، فلا تَصِحُّ إجارتُها نفسَها إلاَّ بإذنِهِ، وإنْ أَجَّرَتْ نفسَها قبلَ النكاحِ، صَحَّتْ ولَزِمَتْ.
(و) له مَنْعُها (مِن إرضاعِ وَلَدِها من غيرِهِ إلاَّ لِضَرُورَتِه)؛ أي: ضرورةِ الوَلَدِ؛ بأنْ لم يَقْبَلْ ثَدْيَ غَيْرِها، فليسَ له مَنْعُها إذن؛ لِمَا فيهِ من إهلاكِ نفسٍ معصومةٍ، وللزوجِ الوَطْءُ مُطْلَقاً ولو أَضَرَّ بمستأجِرٍ أو مُرْتَضِعٍ.

  #4  
قديم 28 جمادى الأولى 1431هـ/11-05-2010م, 01:40 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي حاشية الروض المربع للشيخ: عبد الرحمن بن محمد ابن قاسم


فصل([1])

(ويلزمه) أي الزوج (أن يبيت عند الحرة ليلة من أربع) ليال، إذا طلبت([2]) لأن أكثر ما يمكن أن يجمع معها ثلاثا مثلها([3]) وهذا قضاء كعب بن سوار عند عمر بن الخطاب واشتهر ولم ينكر([4]).
وعند الأَمة ليلة من سبع([5]) لأَن أكثر ما يجمع معها ثلاث حرائر، وهي على النصف([6]) (و) له أَن (ينفرد إذا أراد) الإنفراد (في الباقي)([7]) إذا لم يستغرق زوجاته جميع الليالي([8]) فمن تحته حرة، له الإنفراد في ثلاث ليال من كل أربع، ومن تحته حرتان له أَن ينفرد في ليلتين، وهكذا([9])
(ويلزمه الوطء إن قدر) عليه (كل ثلث سنة مرة)([10]) بطلب الزوجة، حرة كانت أَو أَمة، مسلمة أو ذمية([11]) لأن الله تعالى قدر ذلك في أربعة أَشهر في حق المولي، فكذلك في حق غيره([12]).
لأَن اليمين لا توجب ما حلف عليه، فدل أَن الوطء واجب بدونها([13]) (وإن سافر فوق نصفها) أي نصف سنة، في غير حج أَو غزو واجبين، أو طلب رزق يحتاجه([14]) (وطلبت قدومه وقدر لزمه) القدوم([15]) (فإن أبى أحدهما) أي الوطء في كل ثلث سنة مرة([16]) أو القدوم إذا سافر فوق نصف سنة وطلبته (فرق بينهما بطلبها)([17]) وكذا إن ترك المبيت، كالمولي([18]).
ولا يجوز الفسخ في ذلك كله([19]) إلا بحكم حاكم، لأَنه مختلف فيه([20]) (وتسن التسمية عند الوطء([21]) وقول الوارد)([22]) لحديث ابن عباس مرفوعا «لو أَن أحدكم حين يأْتي أهله، قال: بسم الله، اللهم جنبنا الشيطان، وجنب الشيطان ما رزقتنا([23]) فولد بينهما ولد، لم يضره الشيطان أَبدا» متفق عليه([24]).
(ويكره) الوطء متجردين([25]) لنهيه صلى الله عليه وسلم عنه في حديث عتبة بن عبد الله، عند ابن ماجه([26]) وتكره (كثرة الكلام) حالته([27]) لقوله صلى الله عليه وسلم «لا تكثروا الكلام عند مجامعة النساء، فإن منه يكون الخرس والفأْفأَة»([28]) (و) يكره (النزع قبل فراغها)([29]) لقوله صلى الله عليه وسلم «ثم إذا قضى حاجته فلا يعجلها حتى تقضي حاجتها»([30]) (و) يكره (الوطء بمرأَى أَحد) أَو مسمعه، أَي بحيث يراه أَحد أَو يسمعه([31]).
غير طفل لا يعقل، ولو رضيا([32]) (و) يكره (التحدث به) أي بما جرى بينهما([33]) لنهيه عليه السلام عنه، رواه أبو داود وغيره([34]) وله الجمع بين وطء نسائه أو مع إمائه بغسل واحد([35]).
لقول أنس: سكبت لرسول الله صلى الله عليه وسلم من نسائه غسلا واحدا، في ليلة واحدة([36]) (ويحرم جمع زوجتيه في مسكن واحد بغير رضاهما)([37]) لأَن عليهما ضررا في ذلك، لما بينهما من الغيرة، واجتماعهما يثير الخصومة([38]) (وله منعها) أي منع زوجته (من الخروج من منزله)([39]) ولو لزيارة أبويها أو عيادتهما([40]) أو حضور جنازة أحدهما([41])
ويحرم عليها الخروج بلا إذنه، لغير ضرورة([42]) (ويستحب إذنه) أي إذن الزوج لها في الخروج (إن تمرض محرمها)([43]) كأَخيها وعمها([44]) أَو مات لتعوده (وتشهد جنازته)([45]) لما في ذلك من صلة الرحم([46]) وعدم إذنه يكون حاملا لها على مخالفته([47]) وليس له منعها من كلام أبويها([48]).
ولا منعهما من زيارتها([49]) (وله منعها من إجارة نفسها) لأَنه يفوت بها حقه، فلا تصح إجارتها نفسها إلا بإذنه([50]) وإن أَجرت نفسها قبل النكاح صحت ولزمت([51]) (و) له منعها (من إرضاع ولدها من غيره([52]) إلا لضرورته) أي ضرورة الولد، بأن لم يقبل ثدي غيرها([53]).
فليس له منعها إذًا، لما فيه من إهلاك نفس معصومة([54]) وللزوج الوطء مطلقا، ولو أضر بمستأْجر أو مرتضع([55])


([1]) في أحكام الميت، والجماع، ولزومها المنزل، وما يتعلق بذلك.

([2]) ذلك، لأن الحق لها، ولم يكن ثم عذر.

([3]) هذا التعليل نظره الشيخ، كما يأتي.

([4]) وذلك في امرأة أثنت على زوجها، بقيام الليل، وصيام النهار، فقال إنها جاءت تشكوه. وأرى أنها امرأة عليها ثلاث نسوة، وهي رابعتهن، فأقضي له بثلاثة أيام ولياليهن، يتعبد فيهن، ولها يوم وليلة، فقال نعم القاضي أنت، رواه سعيد، ولم ينكر، فكان كالإجماع، وهكذا ذكر الأصحاب رحمهم الله.
وفي الاختيارات: يتوجه أن لا يقدر قسم الابتداء الواجب، كما لا يتقدر الوطء، بل يكون بحسب الحاجة، فإنه قد يقال: التزوج بأربع لا يقتضي أنه إذا تزوج بواحدة، يكون حال الإنفراد كحال الاجتماع، وعلى هذا فتحمل قصة كعب، على أنه تقدير شخص لا يراعى.
وقول أصحابنا: يجب على الرجل المبيت عند امرأته ليلة من أربع. هذا المبيت يتضمن شيئين، أحدهما المجامعة في المنزل، والثاني في المضجع؛ وقوله تعالى ]وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ[ مع قول صلى الله عليه وسلم «ولا يهجر إلا في المضجع» دليل على وجوب المبيت في المضجع، ودليل على أنه لا يهجر المنزل، ونص أحمد في الذي يصوم النهار، ويقوم الليل، يدل على وجوب المبيت في المضجع، وكذا ما ذكروه في النشوز، إذا نشزت هجرها في المضجع، دليل على أنه لا يفعله بدون ذلك.

([5]) أي ويلزمه أن يبيت عند الزوجة الأمة ليلة من سبع ليال، فلها ليلة وللحرة ليلتان، هذا فيما إذا تزوج أمة بحيث أبيح له، بخلاف سريته.

([6]) أي والزوجة الأمة على النصف من الزوجة الحرة، ومحله إن طلبت ذلك، لأن الحق لها، فلا يجب بدونه.

([7]) بنفسه، أو مع سريته، وقال أحمد: لا يبيت وحده، وتقدم تقرير الشيخ وجوب المبيت في المضجع، وأنه لا يهجر المنزل، وفي الصحيحين «وإن لزوجك عليك حقا».

([8]) الأربع، على ما قرروه، رحمهم الله.

([9]) ومن تحته حرة وأمة، قسم لهن ثلاث ليال من ثمان، وله الإنفراد في خمس، وإن كانت تحته حرتان وأمة، فلهن خمس، وله ثلاث، وهكذا،
وأما العبد فقياس قولهم: أن يقسم للحرة ليلة من ليلتين، والأمة ليلة من ثلاث وأربع، ولا يتصور أن يجمع عنده أربعا عند الجمهور، وفي الاختيارات: يأثم إن طلق إحدى زوجتيه وقت قسمها، وتعليلهم يقتضي أنه إذا طلقها قبل مجيء نوبتها، كان له ذلك.

ويتوجه أن له الطلاق مطلقا، لأن القسم إنما يجب ما دامت زوجة، كالنفقة، فليس هو شيء مستقر في الذمة قبل مضي وقته، حتى يقال: هو دين، نعم: لو لم يقسم لها حتى خرجت الليلة التي لها، وجب عليه القضاء، فلو طلقها قبله كان عاصيًا.
قال الشيخ: وقياس المذهب جواز أخذ العوض، عن سائر حقوقها من القسم وغيره، لأنه إذا جاز للزوج أن يأخذ العوض عن حقه منها، جاز أن تأخذ العوض عن حقها منه، لأن كلا منهما منفعة بدنية.

([10]) ولم يكن ثم عذر، وإن تنازعا فينبغي أن يفرضه الحاكم، كما تقدم، واختار الشيخ وجوبه بقدر كفايتها، ما لم ينهك بدنه، أو يشغله عن معيشة من غير تقدير مدة.

([11]) لأن الحق لها في ذلك، فلا يجب بدون طلبه.

([12]) أي غير المولي، فلا يلزمه إلا في كل ثلث سنة مرة.

([13]) ولأنه لو لم يكن واجبا، لم يصر باليمين على تركه موليا، كسائر ما لا يجب، ولأن النكاح شرع لمصلحتهما، ودفع الضرر عنهما، فكان حقا لهما جميعا.

([14]) لم يلزمه القدوم، لأن صاحب العذر يعذر من أجل عذره.

([15]) إن لم يكن عذر من تلك الأعذار ونحوها.

([16]) فرق بينهما، قال الشيخ: وحصول الضرر للزوجة بترك الوطء مقتض للفسخ بكل حال، سواء كان بقصد من الزوج أو بغير قصد، ولو مع قدرته وعجزه، كالنفقة وأولى، للفسخ بتعذره في الإيلاء إجماعًا.

([17]) والأولى بعد مراسلة الحاكم إليه، وهو المفتى به، لأنه ترك حقا عليه، تضرر به، أشبه المولي، وقال أبو محمد المقدسي: القول في امرأة الأسير والمحبوس – ونحوهما ممن تعذر انتفاع امرأته به – إذا طلبت فرقته، كالقول في امرأة المفقود بالإجماع.

([18]) أي وكذا إن ترك الزوج المبيت عندها، من الليالي المتقدم ذكرها فكالمولي.

([19]) أي في ترك الوطء، أو المبيت، أو القدوم.

([20]) وهذه قاعدة ما اختلف فيه، لا يفسح العقد إلا بحاكم، يرتفع به الخلاف، ويمنع التلاعب بالعقود.

([21]) أي يسن قول: بسم الله. حال مجلس الرجل من امرأته، قال ابن نصر الله: وتقوله المرأة أيضًا.

([22]) من الدعاء المأثور.

([23]) وفي رواية: إذا أراد أن يأتي أهله، يقول ذلك، طلبا للبركة والعصمة من الشيطان، وقال عطاء في قوله تعالى ]وَقَدِّمُوا لأَنْفُسِكُمْ[: هو التسمية عند الجماع.

([24]) ولابن أبي شيبة عن ابن مسعود «إذا أنزل يقول: اللهم لا تجعل للشيطان فيما رزقتني نصيبا» واستحسنه في الإنصاف، وينبغي أن يلاعبها قبل الجماع، لتنهض شهوتها، وكلام القاضي يقتضي أن التمكين من القبلة ليس بواجب عليها.
وقال الشيخ: ما أراه صحيحًا، بل تجبر على تمكينه من جميع أنواع الاستمتاع المباحة. اهـ. وقيل: تتخذ خرقة تناولها الزوج بعد فراغه، سوى التي تمسح بها فرجها، وأنه لا بأس بالنخر حالته، وقاله مالك.

([25]) أي عاريين، حال الجماع.

([26]) ولفظه «إذا أتى أحدكم أهله فليستتر، ولا يتجردا تجرد العيرين» شبههما بهما تنفيرا عن تلك الحالة.

([27]) أي حالة الجماع.

([28]) رواه أبو حفص، والخرس انعقاد اللسان عن الكلام، والفأفاء مردد الكلام، ومكثر الفاء في كلامه، وتقدم.

([29]) أي فراغ شهوتها.

([30]) رواه أبو حفص من حديث أنس، ولأن في ذلك ضررا عليها، ومنعا لها من قضاء شهوتها.

([31]) أي يسمع حسهما.

([32]) أي الزوجان، قال أحمد: كانوا يكرهون الوجس، يعني سمع الصوت الخفي، هذا إذا كانا مستوري العورة، وإلا حرم مع رؤيتهما، لحديث «احفظ عورتك» وتقدم.

([33]) والأولى التحريم، وقطع به جماعة، واستظهره في الفروع، وصوبه في الإنصاف.

([34]) وذلك لما قيل له: إنهم يفعلون ذلك. فقال صلى الله عليه وسلم «إن مثل من فعل ذلك، مثل شيطان وشيطانة، لقي أحدهما صاحبه بالسكة، فقضى حاجته منها، والناس ينظرون إليه» ولمسلم أنه صلى الله عليه وسلم قال «شر الناس منزلة عند الله يوم القيامة الرجل يفضي إلى المرأة، وتفضي إليه، فينشر سرها، وتنشر سره» فدل الحديثان على تحريم إفشاء أحد الزوجين، لما يقع بينهما من أمور الجماع ووصف تفاصيل ذلك، وما يجري فيه بينهما من قول أو فعل، وأما مجرد ذكر الجماع فإذا لم يكن لحاجة فمكروه.
وإن كان لحاجة كذكر إعراضها عنه، أو تدعي عليه العجز عن الجماع، ونحو ذلك فلا، لقوله «إني لأفعله أنا وهذه» يعني الكسل، وقوله لجابر «الكيس الكيس» والتي ادعت عليه العنة: إنه لينفضها نفض الأديم، ونحو ذلك، ويكره أن يقبلها أو يباشرها عند الناس، لأنه دناءة.

([35]) كما أنه له إتمام الجماع، وإعادته.

([36]) ولأحمد، والنسائي، وغيرهما: طاف على نسائه في ليلة، بغسل واحد.

([37]) فإن رضيا جاز، أو رضيا بنومه بينهما في لحاف واحد جاز، لأن الحق لهما، وليس المراد الدار التي فيها منازل، كل واحدة منهما في منزل منها، إذا كان مسكن مثلها، لأنه لا جمع في ذلك.

([38]) فكره لأجل ذلك، لأن كل واحدة منهما تسمع حسه إذا أتى الأخرى، أو ترى ذلك، قال الشيخ: وتهجر زوجها في المضجع لحق الله، بدليل قصة الذين خلفوا، وينبغي أن تملك النفقة في هذه الحال، لأن المنع منه، كما لو امتنع من أداء الصداق.

([39]) إلى ما لها منه بد، قال الشيخ: ولا تترك المرأة تذهب حيث شاءت، بالاتفاق.

([40]) قال أحمد في امرأة لها زوج، وأم مريضة: طاعة زوجها أوجب عليها من أمها، إلا أن يأذن لها.

([41]) وفي الاختيارات: للزوج منع الزوجة من الخروج من منزله، فإذا
نهاها لم تخرج لعيادة مريض محرم لها، أو شهود جنازته، فأما عند الإطلاق، فهل لها أن تخرج لذلك إذا لم يأذن ولم يمنع؟ كعمل الصناعة أو لا تفعل إلا بإذن، كالصيام؟ تردد فيه أبو العباس رحمه الله.


([42]) كاضطرارها لمطعم ومشرب، لعدم من يأتيها به، لأن حق الزوج واجب، فلا يجوز تركه، لما ليس بواجب.

([43]) بكسر الهمزة، وفتح التاء والميم والراء.

([44]) وأختها، وعمتها، وغيرهم من محارمها.

([45]) أي أو مات محرمها، فيستحب إذنه لتعوده إن مرض، وتشهد جنازته إن مات.

([46]) وفي منعها من ذلك قطيعة رحم.

([47]) وينبغي مداراتها، والتغافل إلا فيما يضر، قال أحمد: العافية عشرة أجزاء كلها في التغافل.

([48]) لأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.

([49]) إن لم يخف ضررا، ويعرف ذلك بقرائن الأحوال، وقال بعضهم: إن لم يفسداها عليه بسبب زيارتهما، فله منعهما إذًا من زيارتها، دفعا للضرر، ولا يلزمها طاعة أبويها في فراقه، ولا في زيارة ونحوها، بل طاعة زوجها أحق، لوجوبها عليها.
ولأحمد وغيره: أن عمة حصين أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقال «أذات زوج أنت؟» قالت نعم. قال «انظري أين أنت منه، فإنما هو جنتك ونارك» ولا يستحب له أن يأذن لها في الخروج، لزيارة أبويها مع عدم المرض، لعدم الحاجة إليه، ولئلا تعتاده.

([50]) ولأنه عقد يفوت به حق من ثبت له الحق بعقد سابق، فلم يصح، كإجارة المؤجر، فأما مع إذن الزوج فإن الإجارة تصح، ويلزم العقد، لأن الحق لهما، لا يخرج عنهما.

([51]) أي صحت الإجارة، ولزم عقدها، ولم يملك الزوج فسخها، لأن منافعها ملكت بعقد سابق على نكاحه.

([52]) ومن ولد غيرها، لأن اشتغالها بذلك، يفوت عليه كمال الاستمتاع بها.

([53]) أو لا توجد مرضعة سواها، أو تكون قد شرطته عليه.

([54]) فوجب بذله، وليس له منعها من إرضاع ولدها منه، لأنه حق لها، فلا يمنعها، كسائر حقوقها.
وقال الوزير: اتفقوا على أن الأم لا تجبر على إرضاع ولدها بحال، إلا مالك، فإنه قال: يجب على الأم إرضاع ولدها، ما دامت في زوجية أبيه، إلا أن يكون مثلها لا ترضع، لشرف وغيره، أو ليسار، أو سقم، أو لقلة لبن، فحينئذ لا يجب عليها.

([55]) أي سواء أضر الوطء بالمرتضع أو لا، لأنه يستحقه بعقد التزويج، وليس له فسخ النكاح، إن لم يعلم أنها مؤجرة.


  #5  
قديم 23 ربيع الثاني 1432هـ/28-03-2011م, 04:00 PM
الصورة الرمزية ساجدة فاروق
ساجدة فاروق ساجدة فاروق غير متواجد حالياً
هيئة الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 6,511
افتراضي الشرح الممتع على زاد المستقنع / للشيخ ابن عثيمين رحمه الله

فَصْلٌ

وَيَلْزَمُهُ أَنْ يَبِيتَ عِنْدَ الحُرَّةِ لَيْلَةً مِنْ أَرْبَعٍ، وَيَنْفَرِدُ إِنْ أَرَادَ فِي الْبَاقِي،......
قوله: «ويلزمه» أي: الزوج.
قوله: «أن يبيت عند الحرة ليلة من أربع، وينفردُ إن أراد في الباقي» أي: عليه أن يبيت ليلة من أربع عند الحرة، فيبيت عندها في المضجع، لقوله تعالى: {{وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ}} [النساء: 34] أي: في الفراش، وليس المعنى أنه يبيت ـ مثلاً ـ في حجرة وهي في حجرة في البيت، بل يبيت في المضجع ليلة من أربع، وثلاث ليالٍ من الأربع له أن ينفرد، والدليل أن امرأةً جاءت إلى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ وقالت تثني على زوجها: إن زوجي يقوم الليل ويصوم النهار، وليس لي منه حظ، فأمير المؤمنين ـ رضي الله عنه ـ استغفر لها، وأمرها بالصبر، وأثنى على زوجها ثم انصرفت، وكان عنده كعب بن سوار فلما انصرفت قال: يا أمير المؤمنين، إنك ما قضيت حاجتها، قال: لماذا؟ قال: لأنها تستعديك على زوجها، يعني تشكو زوجها إليك، فأرسل عمر ـ رضي الله عنه ـ إلى زوجها، وأخبره، ثم قال لكعب: اقض بينهما فإنك علمت من حالهما ما لم أعلم، فقال: لها ليلة من أربع ولك الباقي[(285)]؛ لأنه يجوز له أن يتزوج أربعاً، فإذا تزوج أربعاً صار ثلاث ليالٍ للزوجات الثلاث، وواحدة لها ليلة، فتعجب عمر ـ رضي الله عنه ـ من حكمه وقضائه ونفذه.
وهذا الذي قضى به كعب بن سوار بحضرة عمر ـ رضي الله عنه ـ وأقره عليه حجة بإقرار عمر ـ رضي الله عنه ـ؛ لأنه أحد الخلفاء الراشدين.
وقال بعض العلماء: إنه يجب عليه أن يبيت عندها بالمعروف لقوله تعالى: {{وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ}}، وليس من المعروف أن يكون الزوج في حجرة ثلاث ليالٍ من أربع، وفي ليلة مع هذه الزوجة، فكلٌّ يعرف أن هذا جنف، ولا يلزم من كونه لا يلزمه إلا ليلة إذا كان عنده أربع نساء ألا يلزمه أكثر إذا لم يكن له إلا واحدة؛ لأن كونه لا يلزمه إلا ليلة إذا كان عنده أربع نساء هو من ضرورة العدل، فلا بد أن يكون كل واحدة لها ليلة من أربع، بخلاف ما إذا كان مخلياً لها، وليس معها أحد، فإن الحكم يختلف، فيجب عليه أن يبيت عندها ما جرت به العادة.
والظاهر أن ما جرت به العادة يكون مقارباً لما قضى به كعب بن سوار عند التشاح والتنازع، أما في المشورة والإرشاد والنصح فإنه ينبغي أن يشار على الزوج، فيقال: إن هذه زوجتك ولا ينبغي أن تهجرها؛ لأن الله ـ تعالى ـ يقول: {{وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ}} [النساء: 34] ، أما مع عدم خوف النشوز فلا ينبغي أن تهجر ولا ليلة، إلا إذا جرى العرف بذلك، وهذا القول هو الصواب.
وقوله: «وينفردُ» بالرفع وجوباً؛ لأن الواو هنا، إما للاستئناف، أو معطوفة على «يلزمه» ؛ لأننا لو قلنا ينفردَ بالنصب لأوجبنا عليه أن ينفرد في الباقي.
وقوله: «إن أراد في الباقي» أي: وله أن ينفرد إن أراد في الباقي، وهو ثلاث ليالٍ، ولكن لو أن المرأة أبت أن يبيت عندها ليلة من أربع فلا تملك هذا، مع أنه يمكن أن يكون معها ثلاث زوجات، وتقول: أنا أقدِّر أن معك ثلاث زوجات، ولا يجب عليَّ إلا ليلة واحدة من أربع، فكما أن هذا ليس بصواب فكذلك عكسه.

وَيَلْزَمُهُ الوَطْءُ إِنْ قَدِرَ كُلَّ ثُلُثِ سَنَةٍ مَرَّةً،........
قوله: «ويلزمه الوطء إن قدر كلَّ ثلث سنةٍ مرة» أي: الجماع لا يلزمه بالسنة إلا ثلاث مرات، كل ثلث سنة مرة فقط، وإذا قدر عليه أيضاً، ولو كانت المرأة من أشب النساء وهو شاب!!
وقوله: «إن قدر» مفهومه إن عجز فلا يلزمه؛ لأن الله لا يكلف نفساً إلا وسعها، ولا إثم عليه في ذلك، ولكن يبقى النظر أنه إن كان عاجزاً عن الوطء، فهناك صاحب حق وهو الزوجة، فماذا نصنع؟
تقدم لنا أنه إذا كان عنيناً فإنه يؤجل سنة ويفسخ النكاح، وإذا كان عجزه لمرض فالمذهب أنه لا فسخ لها كما سبق.
واختار شيخ الإسلام ـ رحمه الله ـ أن لها أن تفسخ بعجزه عن الوطء، وقال: إن عجزه عن الوطء أولى بالفسخ من عجزه عن النفقة؛ والصحيح ما قاله الشيخ؛ لأن كثيراً من النساء تريد العشرة مع الزوج، وتريد الأولاد أكثر مما تريد من المال، ولا يهمها المال عند هذه الأمور، فكوننا نقول: إذا عجز عن النفقة فإن لها الفسخ، وإذا عجز عن الوطء فليس لها الفسخ، إلا إذا ثبتت عُنته فهذا فيه نظر، فالصواب ما قاله الشيخ ـ رحمه الله ـ أنه إذا عجز عن الوطء لمرض وطلبت الفسخ فإنها تفسخ، إلا إذا كان هذا المرض مما يعلم أو يغلب على الظن أنه مرضٌ يزول بالمعالجة، أو باختلاف الحال فليس لها فسخ؛ لأنه ينتظر زواله.
وقوله: «كل ثلث سنة مرة» الدليل أن الله تعالى قال: {{لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ *وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلاَقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ *}} [البقرة] ، فضرب الله له أربعة أشهر، والإيلاء لا يُسقط واجباً، ولا يوجب ما ليس بواجب، فلو كان يلزمه أن يطأ لأقل من أربعة أشهر لوجب عليه، وكانت مدة الإيلاء أقل من أربعة أشهر، ولو كان ـ أيضاً ـ لا يجب عليه كل أربعة أشهر مرة ما لزمه بالإيلاء، فالإيلاء لا يوجب واجباً ولا يسقط واجباً، فلما ضرب الله له أربعة أشهر علم أن الواجب أن يجامعها في كل أربعة أشهرٍ مرة.
ولكن هذا التعليل عليل؛ لأن الإيلاء حالٌ طارئة، والرجل أقسم أن لا يجامع زوجته، فما دام الرجل حلف، نقول: نظراً لحالك ويمينك وقسمك نؤجلك هذه المدة، إن جامعت ورجعت إلى زوجتك فذاك، وإن لم تجامع فسخ النكاح، وأما من لم تطرأ عليه هذه الحال، ولم يوجد سببٌ لتأجيله، فإن الواجب أن يعاشرها بالمعروف، قال الله تعالى: {{وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ}} [النساء: 19] وليس من المعروف أبداً أن الإنسان الشاب يتزوج المرأة الشابة ثم يطؤها في كل أربعة أشهر مرة فقط.
فالصواب أنه يجب أن يطأها بالمعروف، ويفرق بين الشابة والعجوز، فتوطأ كل واحدة منهما بما يشبع رغبتها.

وَإِنْ سَافَرَ فَوْقَ نِصْفِهَا وَطَلَبَتْ قُدُومَهُ وَقَدِرَ لَزِمَهُ، فَإِنْ أَبَى أَحَدَهُمَا فُرِّقَ بَيْنَهُمَا بِطَلَبِهَا،........
قوله: «وإن سافر فوق نصفها وطلبت قدومه وقدر لزمه» أي: إن سافر عن زوجته فوق نصف السنة، وطلبت قدومه وقدر، لزمه الرجوع والحضور إلى زوجته، وزاد في الروض[(286)]: «في غير حج أو غزو واجبين أو طلب رزق يحتاجه»، فهذه أربعة شروط:
الأول: أن يزيد السفر عن نصف سنة، فإن كان نصف سنةٍ فأقل فليس لها حق المطالبة، فلو سافر لمدة أربعة شهور أو خمسة شهور، فليس لها حق المطالبة، مع أنه تقدم أن المولي يضرب له أربعة أشهر، وهذا الذي سافر بدون حاجة هو في الحقيقة أشد من المولي؛ لأن المولي عندها ويؤنِّسها وتستأنس به، وأما هذا فقد سافر وتركها وحدها في البلد مثلاً، أو عند أهلها، ويقولون: يقيد بنصف سنة!!
الثاني: أن تطلب قدومه، فإن لم تطلب قدومه فلا يلزمه، حتى لو بقي سنتين أو ثلاثاً أو أربعاً، لكنه يشترط أن يكون آمناً عليها، فلو كان لا يأمن على زوجته من الفتنة بها أو منها، فإنه لا يجوز أن يسافر أصلاً.
الثالث: أن يقدر، فإن عجز فلا يلزمه، مثل أن لا يجد راحلة توصله إلى زوجته، أو انقطعت الأسفار، أو حصل خوف، أو ما أشبه ذلك.
الرابع: ما ذكره في الروض: أن لا يكون لطلب رزقٍ يحتاجه، أو في أمرٍ واجب، كحج وغزو.
وهل الحج يستغرق نصف سنة؟
نعم، في الزمن السابق يستغرق أو أكثر، أما الآن فلا يستغرق، فإذا تمت هذه الشروط فإنه يلزمه الحضور، فإن كان في معيشةٍ يحتاجها، وقال: لا أستطيع أن آتي، أنا آجرت نفسي على هذا الرجل لمدة ثمانية شهور، وأنا مضطر إلى هذا، فإنه لا يلزمه الحضور، وليس لها حق الفسخ.
قوله: «فإن أبى أحدَهما» الضمير مثنى، وهل الذي سبق اثنان؟ نعم، الوطء كل ثلث السنة، والحضور من السفر، فإن أبى أحدَهما مع قدرته عليه، قال المؤلف:
«فُرِّق بينهما بطلبها» «فُرِّقَ» مبني للمجهول؛ لأن الذي يفرق بينهما الحاكم، أي: القاضي.
فإذا غاب أكثر من نصف سنة ـ مثلاً ـ وهو في غير حجٍ، أو غزوٍ واجب، أو معيشةٍ يحتاجها، وطلبت أن يرجع فأبى مع قدرته فإنه بمجرد ما تتم نصف السنة، تذهب إلى القاضي، وتقول: أريد أن أفسخ النكاح.
وظاهر كلام المؤلف: أن الحاكم لا يحتاج إلى أن يراجع الزوج، أو يراسله، بل يفسخ وإن لم يراسله.
وقال بعض أهل العلم: إنه لا يجوز أن يفسخ حتى يراسل الزوج، فيكتب إليه مثلاً، المهم أن يتصل به، ويقول: إنه لا بد أن تحضر وإلا فسخنا النكاح، وهذا القول أصح؛ لأن الزوج ربما لا يبين العذر لزوجته، فإذا راسله القاضي، وعرف أن المسألة وصلت إلى حدٍّ يوجب الفراق، فربما يبين العذر، ثم هذا لا يضرها فقد صبرت نصف سنة، فلتصبر ما تيسر لمراجعة زوجها.

وَتُسَنُّ التَّسْمِيَةُ عِنْدَ الوَطْءِ، وَقَوْلُ الْوَارِدِ،............
قوله: «وتسن التسمية عند الوطء وقول الوارد» أي: إذا أراد أن يجامع الرجل امرأته، فإن التسمية سنة مؤكدة عند الجماع؛ لقوله صلّى الله عليه وسلّم: «لو أن أحدكم إذا أراد أن يأتي أهله قال: بسم الله، اللهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا، فإنه إن قدر بينهما ولد لم يضره الشيطان أبداً[(287)]» .
وهل تقوله المرأة؟ قال بعض العلماء: إن المرأة تقوله، والصواب أنها لا تقوله؛ لأنه ـ عليه الصلاة والسلام ـ قال: «لو أن أحدكم إذا أتى أهله» ، ولأن الولد إنما يخلق من ماء الرجل، كما قال الله تعالى: {{فَلْيَنْظُرِ الإِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ *خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ *يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ *إِنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ لَقَادِرٌ *}} [الطارق] ، فالحيوانات المنوية إنما تكون من ماء الرجل، ولهذا هو الذي نقول: إذا أراد أهله، أن يقول: بسم الله، اللهم جنبنا الشيطان، وجنب الشيطان ما رزقتنا.
وقول النبي ـ عليه الصلاة والسلام ـ: «إنه إن قدر بينهما ولد لم يضره الشيطان أبداً» ، لا يشكل على هذا أنه ربما يكون هذا الرجل ملتزماً بالتسمية عند كل جماع، ويأتيه أولادٌ يضرهم الشيطان، فاختلف أهل العلم في ذلك، فقال بعضهم: لم يضره ضرراً بدنياً؛ وذلك أن الشيطان إذا ولد الإنسان فإنه يطعن بيده في خاصرته، فيصرخ الطفل إذا ولد، وأحياناً يرى أثر الضرب أزرق في الخاصرة؛ من أجل أن يهلكه، فيقولون: لا يضره ـ أي: بطعنه إياه في الخاصرة ـ لا أنه لا يضره ضرراً دينياً.
وقال بعض العلماء: بل الحديث عام لم يضره الشيطان أبداً، والتأبيد يدل على أن ذلك مستمر، ولكن الجواب عن الصورة التي ذكرنا، أن يقال: إن هذا سبب، والأسباب قد تتخلف بوجود موانع، كما قال النبي ـ عليه الصلاة والسلام ـ: «كل مولودٍ يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه» [(288)]، وإلا فكلام الرسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ حقٌ وصدق، ولكن هذا سببٌ من الأسباب، وقد يوجد موانع.
فإذا قال لنا قائل: إذا كان هذا سبباً وقد يوجد موانع، إذاً ما الفائدة؟! نقول: هذا غلط ليس بصحيح، الفائدة أنك فعلت السبب، والموانع عارضة، والأصل عدم وجودها.
فعليك أن تفعل السبب موقناً بأنه سينفع، ثم الأمر بيد الله عزّ وجل، وكل إنسان يريد أن يفعل شيئاً له أسباب لا يقول: أخشى من الموانع، بل يفعل الأسباب، والموانع عارضة.
وينبغي للزوج قبل الجماع أن يفعل مع امرأته ما يثير شهوتها، حتى يستوي الرجل والمرأة في الشهوة؛ لأن ذلك أشد تلذذاً وأنفع للطرفين، فيفعل معها ما يثير الشهوة من تقبيل، ولمس، وغير ذلك، ثم إذا أراد أن يجامع قال: بسم الله، اللهم جنّبنا الشيطان وجنّب الشيطان ما رزقتنا، أي: من الولد؛ لأن الولد رزق من الله تعالى وفضل، كما قال الله ـ عزّ وجل ـ: {{فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ}} [البقرة: 187] ، فإن لم يسمِ فإن الشيطان ربما يضر ولده، وربما يشارك الإنسان في التمتع بالزوجة، قال الله تعالى للشيطان: {{وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الأَمْوَالِ وَالأَوْلاَدِ}} [الإسراء: 64] ، قال بعض العلماء: المشاركة في الأولاد أن الرجل إذا لم يسم عند الجماع فقد يشاركه الشيطان في التمتع بزوجته.
فإن قال قائل: أرأيتم لو أتى أهله وهو عارٍ، أيقول هذا الذكر؟ نعم، يقول؛ لأن الرسول صلّى الله عليه وسلّم أطلق، ولأنه لا حرج أن يأتي الرجل أهله عارياً وهي عارية أيضاً، لكن السنة أن يلتحفا بلحاف واحد حتى لا تبرز سوءاتهما، ويكونا شبيهين بالحمارين[(289)].

وَيُكْرَهُ كَثْرَةُ الكَلاَمِ، وَالنَّزْعُ قَبْلَ فَرَاغِهَا، وَالوَطْءُ بِمَرْأَى أَحَدٍ، وَالتَّحَدُّثُ بِهِ، وَيَحْرُمُ جَمْعُ زَوْجَتَيْهِ فِي مَسْكَنٍ وَاحِدٍ بِغَيْرِ رِضَاهُمَا، وَلَهُ مَنْعُهَا مِنَ الخُرُوجِ مِنْ مَنْزِلِهِ،
قوله: «ويكره كثرة الكلام» يعني عند الوطء والجماع، فإذا كان الإنسان يجامع زوجته فلا ينبغي أن يكثر الكلام، فيتكلم، لكن لا يكثر، وفي الروض حديث لكنه ضعيف: «لا تكثروا الكلام عند مجامعة النساء فمنه يكون الخرس والفأفأة[(290)]»، الخرس معناه أن لا يتكلم، والفأفأة أن يكرر الفاء عند نطقه بها، ولا شك أن كثرة الكلام في هذه الحال ما تنبغي؛ لأن الإنسان كاشفٌ فرجه وكذلك المرأة، لكن الكلام اليسير الذي يزيد في ثوران الشهوة لا بأس به، وقد يكون من الأمور المطلوبة.
قوله: «والنزع قبل فراغها» أي: يكره ـ أيضاً ـ أن ينزع قبل فراغها لحديث: «إذا قضى حاجته فلا يعجلها حتى تقضي حاجتها»[(291)] ، والنزع معناه أن ينهي الإنسان جماعه، فيخرج ذكره من فرج امرأته قبل فراغها من الشهوة، أي: قبل إنزالها، والفراغ من الشهوة يكون بالإنزال، فالمؤلف يقول: يكره، وهذا فيه نظر، والصحيح أنه يحرم أن ينزع قبل أن تنزل هي؛ وذلك لأنه يفوت عليها كمال اللذة، ويحرمها من كمال الاستمتاع، وربما يحصل عليها ضررٌ من كون الماء متهيأً للخروج، ثم لا يخرج إذا انقضى الجماع.
وأما الحديث الذي ذكروه فهو ـ أيضاً ـ ضعيف، ولكنه من حيث النظر صحيح، فكما أنك أنت لا تحب أن تنزع قبل أن تنزل، فكذلك هي ينبغي أن لا تعجلها.
قوله: «والوطء بمرأى أحد» ، هذا من أغرب ما يكون أن يقتصر فيه على الكراهة، يعني يكره للإنسان أن يجامع زوجته والناس ينظرون، وهذا تحته أمران:
أحدهما: أن يكون بحيث تُرى عورَتاهما، فهذا لا شك أن الاقتصار على الكراهة غلط، لوجوب ستر العورة، فإذا كان بحيث يرى عورتهما أحد فلا شك أنه محرم، حتى المروءة لا تقبل هذا إطلاقاً، فكلام المؤلف ليس بصحيح إطلاقاً.
الثاني: أن يكون بحيث لا ترى العورة، فإن الاقتصار على الكراهة ـ أيضاً ـ فيه نظر، فمثلاً لو كان ملتحفاً معها بلحاف، وصار يجامعها فتُرى الحركة، فهذا في الحقيقة لا شك أنه إلى التحريم أقرب؛ لأنه لا يليق بالمسلم أن يتدنى إلى هذه الحال، وأيضاً ربما يثير شهوة الناظر ويحصل بذلك مفسدة، وقد يكون هذا الناظر ممن لا يخاف الله ـ عزّ وجل ـ فيسطو على المرأة بعد فراغ زوجها منها.
فالصحيح في هذه المسألة أنه يحرم الوطء بمرأى أحد، اللهم إلا إذا كان الرائي طفلاً لا يدري، ولا يتصور، فهذا لا بأس به، أما إن كان يتصور ما يفعل، فلا ينبغي ـ أيضاً ـ أن يحصل الجماع بمشاهدته ولو كان طفلاً؛ لأن الطفل قد يتحدث بما رأى عن غير قصد.
فالطفل الذي في المهد ـ مثلاً ـ له أشهر هذا لا بأس به؛ لأنه لا يدري عن هذا الشيء، ولا يتصوره، لكن من له ثلاث سنوات، أو أربع سنوات، يأتي الإنسان أهله عنده، فهذا لا ينبغي؛ لأن الطفل ربما في الصباح يتحدث، فلهذا يكره أن يكون وطؤه بمرأى طفلٍ، وإن كان غير مميز إذا كان يتصور ويفهم ما رأى.
قوله: «والتحدث به» ـ سبحان الله العظيم ـ يقول المؤلف: إنه يكره التحدث بجماع زوجته، وهذا ـ أيضاً ـ فيه نظر ظاهر، والصواب: أن التحدث به محرم، وقد ورد في الحديث عن النبي ـ عليه الصلاة والسلام ـ: «إن من شر الناس منزلة الرجل يفضي إلى المرأة وتفضي إليه، ثم يصبح يتحدث بما جرى بينهما»[(292)]، فهو من شر الناس منزلة، فكيف يكون مكروهاً؟! والغالب أن الذي يفعل هذا، كما فضح زوجته هي تفضحه أيضاً، فتقول عند النساء: إنه فعل فيها كذا، وفعل فيها كذا... إلخ، والصواب في هذه المسألة أنه حرام، بل لو قيل: إنه من كبائر الذنوب لكان أقرب إلى النص، وأنه لا يجوز للإنسان أن يتحدث بما جرى بينه وبين زوجته، وهذا من هفوات بعض العلماء رحمهم الله.
فإن قال قائلٌ: أليس عمر بن أبي سلمة ـ رضي الله عنهما ـ حين سأل الرسول صلّى الله عليه وسلّم الرجل يقبل امرأته وهو صائم؟ فقال صلّى الله عليه وسلّم: سل هذه، فقالت: كان الرسول صلّى الله عليه وسلّم يقبل وهو صائم[(293)]، قلنا التقبيل ليس كمسألة الجماع، ثم إنه ما تحدَّث بقضية معينة، بل تحدث عن جنس القبلة، كما لو قال الرجل مثلاً: إنه يجامع زوجته فلا ينزل فيغتسل، ففرق بين التحدث عن الجنس، والتحدث عن الفعل المعين، والناس يعرفون الفرق بين هذا وهذا، فلو أن أحداً وصف الجماع المستحسن ـ لأن أنواع الجماع كثيرة، بعضها مستحسن وبعضها غير مستحسن ـ دون أن يضيفه إلى زوجته، بأن قال مثلاً: بعض الناس يفعل كذا وكذا عند الجماع، فهذا جائز، إلا أن يفهم الحاضرون أن المراد به نفسه، فحينئذٍ يمنع.
قوله: «ويحرم جمع زوجتيه في مسكن واحدٍ بغير رضاهما» أي: يحرم على الزوج إذا كان له زوجتان أن يجمع بينهما في حجرة واحدة؛ لأن ذلك يؤدي إلى الشقاق والنزاع؛ لما يحدث بين الزوجات من الغيرة، حتى أمهات المؤمنين رضي الله عنهن، فالغيرة طبيعة في المرأة.
وكلام المؤلف صحيح إذا جمعهما في حجرة واحدة، ولا شك، أما إذا كان في بيت له شقق، وجعل كل واحدة في شقة فهذا لا بأس به؛ لأن كل امرأة مستقلة بمسكنها، وحدثني بعض الناس أن له زوجات يجمعهن في سكن واحد بسبب التآلف والتراحم بينهن. وعلى كل حال فالناس يختلفون والأصل أنه محرم إلا برضاهما، فإذا رضيتا بذلك فلا بأس.
وإن شُرِط عند العقد أن لا يجمع بينهما كان ذلك أوكد؛ لأنه يكون هنا محرماً من جهة الشرط، ومحرماً من جهة الشرع، فإن رضيتا بأن تكونا في مسكن واحد فإنه يجوز؛ لأن الحق لهما.
فإن تعب الزوج من ذلك وأراد أن يفصل بينهما، وأبتا أن تنفصلا، فالحق للزوج، فلو قالت إحداهما: أنا راضية مع ضرتي، استأنس بها، وأتحدث إليها، ولا أريد أن أفارقها، لكن الزوج تعب من كونه يرى زوجتيه في مكان واحد، فله أن يفصل بينهما.
فإن رضيتا أن تكونا في مسكن واحد، ثم بعد ذلك أبتا، فهل نقول: هذا حق لهما أسقطتاه فسقط، ولا يمكن أن يعود؟ أو نقول: الحكم يدور مع علته، فإذا وُجِدَ بينهما التنافر والغيرة وجب عليه أن يفرق؟
الجواب: الثاني؛ لأنهما قد ترضيان بذلك للتجربة والنظر فيما يكون، ثم تريان أن البقاء في مسكن واحد موجب للغيرة والتنافر، وضيق الحياة، فلهما أن يرجعا في ذلك، ويطالبا بأن يجعل كل واحدة في مسكن منفصل، ولأن حق الزوجة يتجدد كل يوم بيومه، وفي هذه الحال ليس له أن يحتج عليها بأنها أذنت، كما لو وهبت يومها لإحدى الزوجات ثم بعد ذلك رجعت فلها الحق.
قوله: «وله منعها من الخروج من منزله» ، أي: للزوج أن يمنع الزوجة من الخروج من منزله، حتى ولو لزيارة أبويها؛ لأنه سيدها، بدليل قول الله ـ تعالى ـ: {{وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ}} [يوسف: 25] ، وقول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «اتقوا الله في النساء فإنهن عوانٍ عندكم» [(294)].
ولكن هذه الإباحة هل هي إباحة مطلقة، أو بشرط أن لا تتضرر بذلك؟
الجواب: في هذا تفصيل:
أولاً: إذا كان لا ضرر عليه في خروجها فلا ينبغي أن يمنعها؛ لأن منعها كبت لحريتها من وجه، ولأن ذلك قد يفسدها عليه، وما دام أنه لا ضرر فليأذن لها، فقد تكون امرأة داعية للخير، تحضر مجالس النساء وتعظهن وتبين لهن الشريعة، وقد تكون امرأة تحب أن تزور أقاربها، فهنا لا ينبغي له أن يمنعها.
ثانياً: أن يكون في خروجها ضرر عليه أو عليها.
فالضرر عليه بأن يفسدها الخروج على زوجها، فإذا كانت إذا خرجت إلى أمها سألتها عن أحوالها، ثم قالت: انظري فلانة، كيف طعامهم مثلاً؟! فهذا فيه إفساد، والمرأة قريبة النظر، فقد تستقل ما يأتي به زوجها، وتفسد عليه، فله أن يمنعها من زيارة أمها في هذه الحال؛ لأن أمها مفسدة.
كذلك ربما يحصل إفسادها على الزوج بغير هذه الطريقة، فقد ترى ـ مثلاً ـ في الشارع مَنْ يعجبها صورته وشبابه، ويكون زوجها أقل منه فتطمح فيه؛ لأن النفوس أمَّارة بالسوء فتفسد عليه، فحينئذ له أن يمنعها.
ثالثاً: أن لا يكون في خروجها خير ولا شر، فالأفضل أن يشير عليها أن لا تخرج، ويقول: إن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «لا تمنعوا إماء الله مساجد الله وبيوتهن خير لهن» [(295)].
لكن لو أصرت على أن تخرج فهنا الأفضل أن لا يمنعها، بل يعطيها شيئاً من الحرية حتى تزداد محبتها له، وتكون العشرة بينهما طيبة، فلكل مقام مقال، والعاقل الحكيم يعرف كيف يتصرف في هذا الأمر.

وَيُسْتَحَبُّ إِذْنُهُ أَنْ تُمَرِّضَ مَحْرَمَهَا، وَتَشْهَدَ جَنَازَتَهُ، وَلَهُ مَنْعُهَا مِنْ إِجَارَةِ نَفْسِهَا، وَمِنْ إِرْضَاعِ وَلَدِهَا مِنْ غَيْرِهِ إِلاَّ لِضَرُورَتِهِ.
قوله: «ويستحب إذنه» أي: يستحب أن يأذن لها إذا طلبت، وليس المعنى أنه يستحب أن تستأذن.
قوله: «أن تمرض محرمها» أي: إذا استأذنت منه أن تذهب تمرض والدها فالأفضل أن يسمح لها، لما في ذلك من جبر الخاطر، وطمأنينة النفس، وصلة الرحم، حتى لو فرض أن بينه وبين أبيها مشكلة أو عداءً شخصياً فإن الأفضل أن يأذن لها؛ مراعاة لحالها، ثم إنه يسلم من السمعة السيئة؛ لأنه لو منعها أن تذهب تمرض والدها لتحدث الناس به، وأكلوا لحمه، ورحم الله امرءاً كف الغيبة عن نفسه.
وقوله: «ويستحب إذنه» هذا الأصل، لكن قد يجب أن يأذن، وذلك فيما إذا لم يكن لمحرمها من يمرضه، وكان في حاجة إلى ذلك.
أما عيادتهم، فالصحيح أنه يجب أن يأذن لها، وفرق بين التمريض والعيادة، فالعيادة تعود وترجع، لكن التمريض تبقى عند هذا المريض حتى يأذن الله بشفائه أو موته، فلهذا نقول: أما التمريض فسنة، وأما العيادة فالصحيح أنه يجب أن يمكنها منها؛ لأن العيادة بالنسبة للقريب من صلة الرحم، وليس من المعروف عند الناس أن تمنعها من أن تعود أقاربها إذا مرضوا.
وقوله: «تمرض» مطلق، لكن يجب أن يقال: أن تمرض محرمها في غير ما لا يحل لها النظر إليه، وهو العورة.
وقوله: «محرمها» ظاهره سواء كان قريباً جداً، كالأب، والابن، وما أشبه ذلك، أو بعيداً، ولكن ينبغي أن يُفرَّق بين القريب والبعيد، فمثلاً إذا كان لها عمٌّ بعيد، فليس كالابن، وليس كالأب، ولكل مقام مقال.
قوله: «وتشهد جنازته» هذا فيه نظر، فإن أراد أن تشهد الصلاة عليها وتتبعها، فقد قالت أم عطية ـ رضي الله عنها ـ: «نهينا عن اتباع الجنائز، ولم يعزم علينا»[(296)]، فمن العلماء من قال: يؤخذ من هذا الحديث أن اتباع الجنائز للنساء مكروه، لقولها: «ولم يعزم علينا»، ومنهم من قال: إنه محرم، وأن قولها: «ولم يعزم علينا» تفقهاً منها، قد توافق عليه وقد لا توافق، وأن الأصل أن نأخذ بالحديث.
وإن أراد أن تبقى هناك عند موته، فهذا يخشى منه النياحة والندب، فشهود الجنازة لا وجه له إطلاقاً، فمثلاً إذا جاءها خبر أن قريبها ـ أي: محرمها ـ قد مات، وقالت لزوجها: سأذهب لأشهد جنازته إذا غسلوه وكفنوه وخرجوا به، فله الحق أن يمنعها؛ لأن شهودها لا داعي له، وربما يكون ذلك أشد عليها حزناً وتأثيراً، ويحضر النساء ـ أيضاً ـ معها فتحصل النياحة.
قوله: «وله منعها من إجارة نفسها» أي: له أن يمنع زوجته من إجارة نفسها؛ لأنه يملك منافعها في الليل والنهار، حتى إن الرسول صلّى الله عليه وسلّم قال: «لا يحل لامرأة أن تصوم وزوجها شاهد إلا بإذنه» [(297)]؛ لأنها لو صامت لمنعته الاستمتاع بها نهاراً، أو لمنعته من كماله؛ لأن الإنسان قد يأنف أن يفسد صومها ولو كان نفلاً.
وإجارة النفس هي أن تؤجر نفسها لتكون خادماً عند آخرين، فله أن يمنعها؛ للخوف عليها من وجه؛ ولأن في ذلك دناءة من وجه آخر تلحق زوجها، فيقال: فلانة زوجة فلان خادمٌ عند الناس.
وقوله: «من إجارة نفسها» يفهم منه أنها لو استؤجرت على عمل، بأن تكون امرأة خياطة مثلاً، وصارت تخيط للناس بأجرة في بيتها فليس له منعها، إلا إذا رأى في ذلك تقصيراً منها في حقه فله المنع.
فصارت المرأة إن أجَّرت نفسها فله منعها مطلقاً، حتى لو قالت: أنا أريد أن أؤجر نفسي ما دمت غائباً عن البلد، فله منعها، لما في ذلك من الدناءة والإهانة، أما إذا استؤجِرت على عمل وهي في بيت زوجها، فليس له المنع، إلا إذا قصرت في حقه فله منعها.
فإن قال قائل: ما تقولون في التدريس، أيدخل في قوله: «من إجارة نفسها» أو لا؟
فالجواب: يدخل؛ لأنها سوف تذهب إلى المدرسة وتدرِّس، فله منعها من أن تدرِّس، إلا إذا شرطت عليه في العقد أن تبقى مدرِّسة، أو تتوظف مدرِّسة في المستقبل، وقَبِلَ بهذا الشرط، فإنه يلزمه لقول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «إن أحق الشروط أن توفوا به ما استحللتم به الفروج»[(298)].
فإن قال قائل: إذا كانت لم تشترط هذا، لكن اضطرت إلى أن تكون مدرِّسة؛ لأن زوجها فقير ولا ينفق عليها؟
فالجواب: ليس لها ذلك، لكن لها أن تخيره، فتقول: إما أن تأذن لي أن أدرِّس وأحصل على قُوتي، وإما أن أطالبك بالفسخ؛ لأنها لا يمكن أن تبقى بدون قوت، وفي ظني أنها إذا خيرته بين هذا وهذا، فإنه سيوافق على التدريس.
قوله: «ومن إرضاع ولدها من غيره إلا لضرورته» ، ويكون هذا بأن تكون امرأة طلقها زوجها الأول وهي حامل، فتنتهي العدة بوضع الحمل ويتزوجها آخر، وهي لا تزال ترضع الولد، فللزوج الثاني أن يمنعها من إرضاع ولدها من الزوج الأول، إلا في حالين:
الأولى : الضرورة، بأن لا يقبل هذا الطفل ثدياً غير ثدي أمه،فيجب إنقاذه.
الثانية : أن تشترط ذلك على زوجها الثاني، فإذا وافق لزمه.
وقوله: «ولدها من غيره» علم منه أنه ليس له منعها من إرضاع ولدها منه، وهو كذلك إلا إذا كان في الأم مرض يخشى على الولد منه.


[285] أخرجه عبد الرزاق (12586).
[286] الروض المربع مع حاشية ابن قاسم (6/438).
[287] أخرجه البخاري في بدء الخلق/ باب صفة إبليس وجنوده (3271)؛ ومسلم في النكاح/ باب ما يستحب أن يقوله عند الجماع (1434) عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ.
[288] أخرجه البخاري في الجنائز/ باب ما قيل في أولاد المشركين (1385)؛ ومسلم في القدر/ باب معنى كل مولود يولد على الفطرة (2658) عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ.
[289] أخرجه ابن ماجه في النكاح/ باب التستر عند الجماع (1921) عن عتبة بن عبدٍ السلمي ـ رضي الله عنه ـ، وانظر: الإرواء (2009).
[290] عزاه في الإرواء (2008) لابن عساكر، وقال: منكر.
[291] أخرجه أبو يعلى (7/4201) عن أنس ـ رضي الله عنه ـ، انظر: الإرواء (2010).
[292] أخرجه مسلم في النكاح/ باب تحريم إفشاء سر المرأة (1437) عن أبي سعيد الخدري ـ رضي الله عنه ـ.
[293] أخرجه مسلم في الصيام/ باب بيان أن القبلة في الصوم ليست محرمة على من لم تحرك شهوته (1106) (65) عن عمر بن أبي سلمة ـ رضي الله عنهما ـ.
[294] سبق تخريجه ص(382).
[295] أخرجه البخاري في الجمعة/ باب (900)؛ ومسلم في الصلاة/ باب خروج النساء إلى المساجد إذا لم يترتب عليه فتنة (442) (137) عن ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ.
[296] أخرجه البخاري في الجنائز/ باب اتباع النساء الجنازة (1278)؛ ومسلم في الجنائز/ باب نهي النساء عن اتباع الجنائز (931) (34).
[297] أخرجه البخاري في النكاح/ باب لا تأذن المرأة في بيت زوجها لأحد... (5195)؛ ومسلم في الزكاة/ باب ما أنفق العبد من مال مولاه (1026) عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ، واللفظ للبخاري.
[298] سبق تخريجه ص(165).

موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
في, فصل

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
إبحث في الموضوع:

البحث المتقدم
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 01:39 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir