دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > علوم القرآن الكريم > مكتبة التفسير وعلوم القرآن الكريم > بيان المُستشكل > تفسير آيات أشكلت لابن تيمية

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 14 ربيع الثاني 1432هـ/19-03-2011م, 07:52 PM
ريم الحربي ريم الحربي غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Jan 2010
الدولة: بلاد الحرمين
المشاركات: 7,079
افتراضي في قوله صلى الله عليه وسلم «أصدق كلمة قالها شاعر كلمة لبيد:ألا كل شيء مَا خلا الله بَاطِل»

فصل
في قوله صلى الله عليه وسلم «أصدق كلمة قالها شاعر كلمة لبيد:ألا كل شيء مَا خلا الله بَاطِل».

فقد جعل هذه الكلمة أصدق كلمة قالها شاعر وهذا كقوله {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ} وقال
[تفسير آيات أشكلت: 1/409]
{فَذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ} ونحو ذلك يتناول كل معبود من دون الله من الملائكة والبشر وغيرهم من كل شيء فهو باطل وعبادته باطله وعابده على باطل وإن كان موجودًا كالأصنام.
والباطل يراد به الذي لا ينفع عابده ولا ينتفع المعبود بعبادته فكل شيء سوى الله باطل بهذا الاعتبار حتى الدرهم والدينار كما في الدعاء المأثور أشهد أن كل معبود من لدن عرشك إلى قرار أرضك باطل إلا وجهك الكريم فإن كل نفس لا بد لها أن تأله إلهًا هو غاية مقصودها فكل ما سوى الله باطل وهو ضال عن عابده كما أخبر بذلك في كتابه.
والضلال يراد به الهلاك كما قال تعالى {وَقَالُوا أَإِذَا ضَلَلْنَا فِي الْأَرْضِ أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ} قالوا معناه هلكنا وصرنا ترابًا وأصله من
[تفسير آيات أشكلت: 1/410]
قوله ضل الماء في اللبن إذا هلك فيه وتلاشى فإذا كان الضال في الشيء هالكًا فيه فالضال عنه هالكًا عنه ولهذا قال {ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} أي هلك وذهب وهو بمعنى بطل.
فكل معبود سوى الله فهو باطل وضال يضل عابده ويضل عنه ويذهب عنه وهالك عنه إلا وجه الله فعبادة ما سواه فاسدة وباطل وضلال والمعبود سواه فاسد.
قال مجاهد في قوله {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ} قال إلا ما أريد به وجهه وقال سفيان الثوري إلا ما ابتغي به وجهه كما يقال ما
[تفسير آيات أشكلت: 1/411]
يبقى إلا الله والعمل الصالح وفي الحديث الدنيا ملعونة ملعون ما فيها إلا ذكر الله وما والاه وعالم ومتعلم فأي شيء قصده العبد وتوجه إليه بقلبه أو رجاه أو خافه أو أحبه أو توكل عليه أو والاه فإن ذلك هالك مهلك ولا ينفعه إلا ما كان لله.
وهذا بخلاف قوله {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ (26) وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ} فإنه حصر كل من عليها ولم يستثن مع أن هذا المعنى تدل عليه فإن جميع الأعمال تفنى ولا يبقى منها شيء ينفع صاحبه إلا ما كان لوجه
[تفسير آيات أشكلت: 1/412]
ذي الجلال والإكرام كما قال مالك وما كان لله فهو يبقى وما كان لغير الله لا يدوم ولا يبقى.
وقال تعالى {مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ} ولهذا قيل الناس يقولون قيمة كل امرئ ما يحسن وأهل المعرفة يقولون قيمة كل امرئ ما يطلب.
ومما روي عن بني إسرائيل يقول الله إني لا أنظر إلى كلام الحكيم ولكني إنما أنظر إلى همته.
وقد روي أن الله سبحانه يقول إن أدنى ما أنا صانع بالعالم إذا أحب الدنيا أن أمنع قلبه حلاوة ذكري وتصديق ذلك في القرآن {فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنَا وَلَمْ يُرِدْ إِلَّا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (29) ذَلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِنَ الْعِلْمِ}.
[تفسير آيات أشكلت: 1/413]
وقال {يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ}.
وفي الصحيح حديث الثلاثة الذين أول ما سعرت بهم النار ذكر منهم العالِم الذي يقول تعلمت العلم فيك وعلمته فيك فيقال له كذبت بل أردت أن يقال فلان عالم وقد قيل ثم يؤمر به فيسحب إلى النار ومعاوية لما سمع هذا الحديث بكى وقال صدق الله وبلغ رسوله ثم قرأ قوله {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ (15) أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}.
[تفسير آيات أشكلت: 1/414]
وكذلك في الحديث في السنن من طلب علمًا مما يبتغى به وجه الله لا يطلبه إلا ليصيب به عرضًا من الدنيا لم يرح رائحة الجنة.
وفي الحديث الآخر من طلب علمًا أو قال من تعلم علمًا ليجاري به العلماء ويماري به السفهاء ويتأكل به الدنيا ويصرف به وجوه الناس إليه لقي الله وهو عليه غضبان
[تفسير آيات أشكلت: 1/415]
وفي رواية لم يجد عرف الجنة.
[تفسير آيات أشكلت: 1/416]
وهذا باب واسع قد بسط في غير هذا الموضع وتكلمنا فيه على آية هود وآية سبحان وآية الشورى وغير ذلك من الآيات والأحاديث والآثار في ذم العالم وغيره المريد للدنيا والقالة وبينا فيه أمارات ذلك وَبينا أن الدين كله لله وأن الله أغنى الشركاء عن الشرك وأن الصحابة والسلف كانوا من أخوف الخلق في هذا المقام الخطر.
والمقصود أن هذا العالم لما لم يكن مقصوده إلا الدنيا بما علمه من العلم وبما يعلمه وذلك مما يبتغى به وجه الله لم يكن له عند الله قيمة ولم يكن للعلم في قلبه حلاوة ولم يرتع في رياض الجنة في الدنيا وهي مجالس الذكر فلم يرح رائحة الجنة.
فالأول طلب العلم لكسب الأموال والجاه فكان عقوبته أن لا يجد رائحة الجنة.
والثاني طلبه لمقاصد مذمومة من المباهاة والمماراة وصرف وجوه الناس فكان جنس مطلوبه محرمًا فلقي الله وهو عليه غضبان.
والأول جنس مطلوبه مباح فلم يجد رائحة الجنة في الدنيا فلم يرتع في رياضها فقلبه محجوب عنها مما فيه من طلب الدنيا.
وفي حديث مكحول المرسل من أخلص لله العبادة أربعين صباحًا تفجرت
[تفسير آيات أشكلت: 1/417]
ينابيع الحكمة من قلبه على لسانه.
[تفسير آيات أشكلت: 1/418]
وحكي عن أبي حامد قال أخلصت لله أربعين صباحًا فلم يفجر لي شيء فذكرت ذلك لبعض أهل المعرفة فقال إنك لم تخلص لله وإنما أخلصت للحكمة.
وكذلك الحكاية المشهورة عن الحسن في ذلك الرجل الذي كان يتعبد ليراه الناس وليُقال فكان الناس يذمونه ثم أخلص لله ولم يغير عمله الظاهر فألقى الله له المحبة في قلوب الناس كما قال تعالى {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا}.
وإذا كانت العبادة تبقى ببقاء معبودها فكل معبود سوى الله باطل فلا تبقى النفس بل تضل وتشقى بعبادة غير الله شقاءً أبديًّا كما قال تعالى
[تفسير آيات أشكلت: 1/419]
{وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ} وإنما كان بقاؤها ببقاء معبودها لأنها مريدة بالذات فلا بد لها من مراد محبوب هو إلهها الذي تبقى ببقائه فإذا بطل بطلت وتلاشى أمرها وما ثم باق إلا الله.
والأفلاك وما فيها كله يستحيل والملائكة مخلوقون يستحيلون بل ويموتون عند جمهور العلماء.
والعبد ينتفع بما خلق بشيء من حيث هي من آيات الله له فيها فهي وسيلة له إلى معرفة الله وعبادته ولو كان العلم هو الموجب لما يطلبه هؤلاء لكان هو العلم بالله فإنه هو الحق وما سواه باطل ومن له ومن مخلوقاته فالعلم به تابع للعلم بالله والعلم الأعلى هو العلم بالأعلى كما قال {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} فهو رب كل ما سواه فهو الأصل فكذلك العلم به سيد جميع العلوم وهو أصل لها.
[تفسير آيات أشكلت: 1/420]


التوقيع :
رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
في, قوله

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 07:59 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir