دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > الفقه > متون الفقه > زاد المستقنع > كتاب الجهاد

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 24 صفر 1430هـ/19-02-2009م, 03:48 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي فصل في أحكام أهل الذمة

( فصلٌ ) ويَلْزَمُ الإمامَ أَخْذُهم بِحُكْمِ الإسلامِ في النَّفْسِ، والمالِ، والعِرْضِ، وإقامةِ الحدودِ عليهم فيما يَعتقدونَ تَحريمَه دونَ ما يَعتقدونَ حِلَّه ، ويُلْزِمُهم التمَيُّزَ عن المسلمينَ، ولهم رَكوبُ غيرِ الخيلِ بغيرِ سُرُجٍ بإكافٍ، ولا يَجوزُ تَصديرُهم في المجالِسِ ولا الْقِيامُ لهم ولا بَدَاءَتُهم بالسلامِ، ويُمْنَعُون من إحداثِ كنائسَ وبِيَعٍ وبِناءِ ما انْهَدَمَ منها ولو ظُلْمًا، ومِن تَعليةِ بُنيانٍ على مُسلِمٍ , لا مُساواتُه له، ومِن إظهارِ خَمْرٍ وخِنزيرٍ وناقُوسٍ، وجَهْرٍ بكتابِهم، وإن تَهَوَّدَ نَصرانِيٌّ أو عَكْسُه لم يُقَرَّ ولم يُقْبَلْ منه إلا الإسلامُ أو دِينُه.


  #2  
قديم 24 صفر 1430هـ/19-02-2009م, 03:53 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي المقنع لموفق الدين عبد الله بن أحمد بن قدامة المقدسي

.......................

  #3  
قديم 24 صفر 1430هـ/19-02-2009م, 04:12 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي الروض المربع للشيخ: منصور بن يونس البهوتي

فصلٌ


في أحكامِ أهلِ الذمَّةِ

(ويَلْزَمُ الإمامَ أَخْذُهم)؛ أي: أَخْذُ أهلِ الذمَّةِ (بحُكْمِ الإسلامِ في) ضَمَانِ (النفسِ والمالِ والعَرَضِ وإقامَةِ الحدودِ عليهِم فيما يَعْتَقِدُونَ تَحْرِيمَه) كالزِّنَا (دونَ ما يَعْتَقِدُونَ حِلَّه) كالخَمْرِ؛ لأنَّ عَقْدَ الذمَّةِ لا يَصِحُّ إلا بالتزامِ أحكامِ الإسلامِ كما تَقَدَّمَ، ورَوَى ابنُ عُمَرَ أنَّ النبِيَّ صلَّى اللَّهُ عليه وسَلَّمَ أُتِيَ بيَهُودِيَّيْنِ قد فَجَرَا بعدَ إحصانِهِما فرَجَمَهُما. (ويَلْزَمُهُم التميُّزُ عَن المُسلمِينَ) بالقُبُورِ بأن لا يَدْفِنُوا في مقابِرِنا، والحُلِيِّ بحَذْفِ مُقَدَّمِ رُؤُوسِهِم لا كعادَةِ الأشرافِ، ونحوِ شَدِّ زِنَارٍ، ولدُخُولِ حَمَّامِنَا جُلْجُلٌ، أو نحوِ خاتَمِ رَصَاصٍ برِقَابِهم. (ولهم رُكُوبُ غيرِ الخَيْلِ) كالحَمِيرِ (بغيرِ سَرْجٍ) فيَرْكَبُونَ (بإِكَافٍ) وهو البَرْذَعَةُ لِمَا رَوَى الخَلاَّلُ أنَّ عُمَرَ أَمَرَ بجَزِّ نَوَاصِي أَهْلِ الجَزِيرَةِ، وأن يَشُدُّوا المَنَاطِقَ، وأَنْ يَرْكَبُوا الأَكُفَّ([1]) بالعَرْضِ. (ولا يَجُوزُ) تصديرُهم في المجالِسِ، ولا القيامُ لهم ولا بَدْأَتُهُم بالسلامِ) أو بكَيْفَ أَصْبَحْتَ أو أَمْسَيْتَ أو حَالُك، ولا تهنِئَتُهم، وتعزيتُهم، وعِيادَتُهم، وشهادَةُ أعيادِهِم لحديثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مرفوعاً ((لا تَبْدَؤُوا اليَهُودَ والنَّصَارَى بِالسَّلامِ، فَإِذَا لَقِيتُمْ أَحَدَهُمْ فِي الطَّرِيقِ فَاضْطَرُّوهُمْ إِلَى أَضْيَقِهَا)) قالَ التِّرْمِذِيُّ: حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.
(ويُمْنَعُونَ مِن إحداثِ كَنَائِسَ وبِيَعٍ) ومُجْتَمَعٍ لصلاةٍ في دارِنا، (و) مِن (بِنَاءِ ما انهَدَمَ منها ولو ظُلْماً) لِمَا رَوَى كَثِيرُ بنُ مُرَّةَ قالَ: سَمِعْتُ عُمَرَ بنَ الخَطَّابِ يَقُولُ: قالَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليه وسَلَّمَ: ((لاَ تُبْنَى الكَنِيسَةُ فِي الإِسْلاَمِ، ولاَ يُجَدَّدُ ما خَرِبَ مِنْهَا)). (و) يُمْنَعُونَ أيضاً (مِن تَعْلِيَةِ بُنْيَانٍ على مُسلِمٍ) ولو رَضِيَ لقولِه عليه السَّلامُ: ((الإِسْلاَمُ يَعْلُو وَلاَ يُعْلَى)) وسواءٌ لاصَقَهُ أو لا، إذا كانَ يُعَدُّ جَاراً له، فإنْ عَلاهُ وَجَبَ نَقْضُه، و (لا) يُمْنَعُونَ مِن (مُساوَاتِه)؛ أي: البُنْيَانِ (له)؛ أي: لبناءِ المُسلِمِ؛ لأنَّ ذلك لا يُفْضِي إلى العُلُوِّ، وما مَلَكُوه عالياً مِن مُسلِمٍ لا يُنْقَضُ ولا يُعَادُ عالياً لو انهَدَمَ. (و) يُمْنَعُونَ أيضاً (مِن إظهارِ خَمْرٍ وخِنزِيرٍ) فإن فَعَلُوا أَتْلَفْنَاهُمَا، (و) مِن إظهارِ (ناقُوسٍ وجَهْرٍ بكِتَابِهم) ورَفْعِ صوتٍ على ميِّتٍ، ومِن قراءةِ قُرآنٍ، ومِن إظهارِ أَكْلٍ وشُرْبٍ بنهارِ رمضانَ، وإن صُولِحُوا في بلادِهِم على جزيةٍ أو خِراجٍ لم يُمْنَعُوا شيئاً مِن ذلك. وليس لكافرٍ دُخُولُ مسجدٍ ولو أَذِنَ له مُسلِمٌ، وإن تَحَاكَمُوا إلينا فلَنَا الحُكْمُ والتَّرْكُ لقولِه تَعَالَى: {فَإِنْ جَاؤُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ}. وإن اتَّجَرَ إلينا حَرْبِيٌّ أُخِذَ مِنه العُشْرُ، وذِمِّيٍّ نِصْفُ العُشْرُ لفِعْلِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عنه مَرَّةً في السنَةِ فَقَطْ، ولا تُعَشَّرُ أموالُ المُسلمِينَ. (وإن تَهَوَّدَ نَصْرَانِيٌّ أو عَكْسُه) بأن تَنَصَّرَ يَهُودِيٌّ (لم يُقَرَّ)؛ لأنَّه انتَقَلَ إلى دينٍ باطلٍ قَد أَقَرَّ ببُطْلانِه أَشْبَهَ المُرْتَدَّ، (ولم يُقْبَلْ مِنه إلا الإسلامُ أو دِينُه) الأوَّلُ، فإن أَبَاهُمَا هُدِّدَ وحُبِسَ وضُرِبَ. وقِيلَ للإمامِ: أَنَقْتُلُه؟ قَالَ: لاَ.


(([1]كذا بالأصلِ، ولَعَلَّ هنا سَقْطاً، ففي كتابِ الأموالِ لأبِي عُبَيْدَةَ: "وأَنْ يَرْكَبُوا علَى الأَكُفِّ عَرْضاً ولا يَرْكَبُوا كَمَا يَرْكَبُ المُسْلِمُونَ".



  #4  
قديم 24 صفر 1430هـ/19-02-2009م, 04:14 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي حاشية الروض المربع للشيخ: عبد الرحمن بن محمد ابن قاسم

فصل في أحكام أهل الذمة([1])

(ويلزم الإمام أخذهم) أي أخذ أهل الذمة (بحكم الإسلام في) ضمان (النفس([2]) والمال والعرض([3]) وإقامة الحدود عليهم فيما يعتقدون تحريمه) كالزنا([4]) (دون ما يعتقدون حله) كالخمر([5]) لأن عقد الذمة لا يصح إلا بالتزام أحكام الإسلام كما تقدم([6]).
وروى ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم أتي بيهوديين قد فجرا، بعد إحصانهما، فرجمهما([7]) (ويلزمهم التميز عن المسلمين) ([8]) بالقبور، بأن لا يدفنوا في مقابرنا([9]) والحلي بحذف مقدم
رءوسهم([10]) لا كعادة الأشراف([11]) ونحو شد زنار([12]) ولدخول حمامنا جلجل([13]).
أو نحو خاتم رصاص برقابهم([14]) (ولهم ركوب غير خيل) كالحمير (بغير ساج) فيركبون (بإكاف) وهو البرذعة([15]) لما روى الخلال أن عمر أمر بجز نواصي أهل الذمة([16]) وأن يشدوا المناطق([17]) وأن يركبوا الأكف بالعرض([18]) (ولا يجوز) تصديرهم في المجالس([19]) ولا القيام لهم([20]) ولا بداءتهم بالسلام([21]).
أو بكيف أصبحت، أو أمسيت، أو حالك([22]) ولا تهنئتهم ، وتعزيتهم، وعيادتهم([23]) وشهادة أعيادهم([24]) لحديث أبي هريرة مرفوعا «لا تبدءوا اليهود والنصارى بالسلام، فإذا لقيتم أحدهم في الطريق فاضطروهم إلى أضيقها» قال الترمذي حديث حسن صحيح([25]).
(ويمنعون من إحداث كنائس وبيع) ([26]) ومجتمع لصلاة في دارنا([27]) (و) من (بناء ما انهدم منها ولو ظلمًا) ([28]) لما روى كثير بن مرة قال سمعت عمر بن الخطاب يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «لا تبنى الكنيسة في الإسلام ،

ولا يجدد ما خرب منها» ([29]) (و) يمنعون أيضًا (من تعلية بنيان على مسلم) ولو رضي([30]).
لقوله عليه السلام: ((الإسلام يعلو ولا يعلى عليه)) ([31]) وسواء لاصقه أو لا، إذا كان يعد جارًا له([32]) فإن علا وجب نقضه([33]) و(لا) يمنعون من (مساواته) أي البنيان (له) أي لبناء المسلم، لأن ذلك لا يقتضي العلو([34]) وما ملكوه عاليًا من مسلم لا ينقض([35]).
ولا يعاد عاليًا لو انهدم([36]) (و) يمنعون أيضا (من إظهار خمر وخنزير) فإن فعلوا أتلفناهما([37]) (و) من إظهار (ناقوس([38]) وجهر بكتابهم) ورفع صوت على ميت([39]) ومن قراءة قرآن([40]) ومن إظهار أكل، وشرب بنهار رمضان([41]).
وإن صولحوا في بلادهم على جزية، أو خراج، لم يمنعوا شيئا من ذلك([42]) وليس لكافر دخول مسجد، ولو أذن له مسلم([43]).
وإن تحاكموا إلينا فلنا الحكم والترك([44]) لقوله تعالى: {فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ}([45]) وإن اتجر إلينا حربي([46]) أخذ منه العشر([47]) وذمي نصف العشر([48]) لفعل عمر رضي الله عنه، مرة في السنة فقط([49]).
ولا تعشر أموال المسلمين([50]) (وإن تهود نصراني([51]) أو عكسه) بأن تنصر يهودي (لم يقر) لأنه انتقل إلى دين باطل، قد أقر ببطلانه أشبه المرتد([52]) (ولم يقبل منه إلا الإسلام أو دينه) الأول([53]) فإن أباهما هدد، وحبس، وضرب([54]).
قيل للإمام: أنقتله؟ قال: لا([55]).


([1]) أي فيما يجب عليهم ولهم، بعقد الذمة، مما يقتضيه عقدها لهم.
([2]) فمن قتل أو قطع طرفا، أخذ بموجب ذلك كالمسلم، لما في الصحيحين، أن يهوديا قتل جارية على أوضاح لها، فقتله صلى الله عليه وسلم.
([3]) فلو أتلف مالا لغيره ضمنه، أو قذف إنسانا، أو سبه ونحوه، أقيم عليه ما يقام على المسلم.
([4]) والسرقة كما تقدم على المسلم إذا زنا أو سرق، ونحو ذلك.
([5]) وأكل لحم خنزير، ونكاح محرم، ولأنهم يقرون على ذلك، وهو أعظم جرما، إلا أنهم يمنعون من إظهار ذلك بين المسلمين، لتأديهم به، وكذا دون ما يرون صحته من العقود، ولو رضوا بحكمنا، ما لم يرتفعوا إلينا، قال الشيخ: وإذا تزوج اليهودي بنت أخيه، أو بنت أخته، كان ولده منها يلحقه، ويرثه باتفاق المسلمين، وإن كان هذا النكاح باطلا باتفاق المسلمين لاعتقادهم حله.
([6]) أي قريبا فيشترطه الإمام عليهم لاشتراط أهل الجزية ذلك على أنفسهم
حيث قالوا: وأن نلزم زينا حيثما كنا، وأن لا نتشبه بالمسلمين، في لبس قلنسوة ولا عمامة، ولا فرق شعر، إلخ، وأمضاه عمر رضي الله عنه.
([7]) وهو في الصحيحين، ولمسلم من حديث جابر: أنه صلى الله عليه وسلم رجم رجلا من اليهود، وامرأة يعني من جهينة وقال تعالى: {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ}.
([8]) فقد شرط عليهم عمر رضي الله عنه، والخلفاء بعده، وملوك المسلمين أن لا يتشبهوا بالمسلمين.
([9]) بل تميزا ظاهرا كالحياة وأولى، بل ينبغي مباعدة مقابرهم عن مقابر المسلمين، وكلما بعدت كان أصلح.
([10]) أي حلق مقدمها، بأن يجزوا نواصيهم.
([11]) فلا يتخذوا شوابين، ولا يفرقوا شعورهم، بل تكون جمة.
([12]) فوق ثياب نصراني وتحت ثياب نصرانية، وكخرج بقلانسهم، وعمائمهم، وثوب أدكن، وبين لون خف، وعمامة صفراء، وزرقاء وبما يحصل به التميز.
([13]) بالضم: الجرس الصغير، الذي يجعل في الأعناق، وغيرها، والجلجلة صوته.
([14]) ونحو ذلك كحديد، وطوق من ذلك، لا من ذهب ونحوه، ليتميزوا عنا في الحمام، ولا يجوز لهم جعل مكانه صليبا، لمنعهم من إظهاره، ويلزمهم التميز عنا بكناهم، وبألقابهم، حكاه الشيخ وغيره، وقال: فلا يتكنون بكناية المسلمين، كأبي عبد الله، ولا بألقابهم، كزين العابدين.
([15]) كساء يلقى على ظهر الدابة، وقاية تحت الراكب.
([16]) فدل على وجوب تميزهم بنحو ذلك.
([17]) وهي ما يشد به الوسط، وتسمى الحياصة.
([18]) بأن تكون رجلاه إلى جانب، وظهره إلى آخر، قال الشيخ: ويمنعون من حمل السلاح والعمل به، وتعلم المقاتلة، بالدقاق ونحوه، والرمي وغيره.
([19]) لأن فيه تعظيما لهم، وقد حكم عليهم بالصغار.
([20]) لأنه في معنى التصدير، ولا لمبتدع كرافضي يجب هجره، ولا يوقرون كما يوقر المسلم.
([21]) إجماعا، وحكى النووي وغيره تحريمه عن عامة السلف، وأكثر العلماء، وفي الصحيحين ((إذا سلم عليكم أهل الكتاب فقولوا وعليكم))واتفق أهل العلم على أنه يرد كذلك، واختلف كلام الشيخ: هل ترد مثلها، أو ((وعليكم)) فقط للخبر؟ وجوز طائفة من العلماء ابتداءهم للضرورة والحاجة.
([22]) أي ولا يجوز أن يقال لهم: كيف أنت وكيف حالك؟ قال أحمد: هذا عندي أكبر من السلام، وجوز الشيخ أن يقال: أهلا وسهلا، وكيف أصبحت وكيف حالك؟ ويجوز بأكرمك الله، وهداك الله، يعني للإسلام ويجوز: أطال الله بقاءك، وأكثر مالك وولدك، قاصدا بذلك كثرة جزيته، وكره الشيخ الدعاء بالبقاء ونحوه، لأنه شيء فرغ منه، وذكره النووي اتفاقا وقد صح أنه صلى الله عليه وسلم دعا لأنس بطول العمر، وتكره مصافحة الذمي، وتشميته والتعرض لما يوجب المودة.
([23]) وهو مذهب الجمهور ، وعنه: يجوز إن رجي إسلامه، لأنه صلى الله عليه وسلم عاد يهوديا، وعرض عليه الإسلام فأسلم، رواه البخاري، وجوز الشيخ عيادتهم وتهنئتهم، وتعزيتهم، ودخولهم المسجد للمصلحة الراجحة، كرجاء الإسلام، وقال العلماء: يعاد الذمي، ويعرض عليه الإسلام.
([24]) قال الشيخ: يحرم شهود عيد اليهود، والنصارى، وغيرهم من الكفار، وبيعه لهم فيه، ومهادتهم لعيدهم، لما في ذلك من تعظيمهم وتعظيم أعيادهم.
([25]) نهى صلى الله عليه وسلم عن بداءتهم بالسلام، لما فيه من تعظيمهم وقد حكم عليهم بالصغار، وأمر باضطرارهم إلى أضيق الطريق إذلالا لهم وإهانة، وشهادة أعيادهم أولى بالتحريم، قال الشيخ: ويحرم بيعهم ما يعملونه كنيسة
أو تمثالا ونحوه، وكل ما فيه تخصيص كعيدهم، وتمييز لهم، وهو من التشبه بهم، والتشبه بهم منهي عنه إجماعا، للخبر، وتجب عقوبة فاعله وأصل دروس الدين والشرائع التشبه بالكفار، كما أن أصل كل خير المحافظة على سنن الأنبياء وشرائعهم.
قال: والكنائس ليست ملكا لأحد، وأهل الذمة ليس لهم منع من يعبد الله فيها، لأنا صالحناهم عليه، والعابد بينهم، وبين الغافلين أعظم أجرا، ودل أيضا على وجوب تميزهم عن المسلمين في اللباس، والشعور، والمراكب وغيرها لئلا يعاملوا معاملة المسلم، قال ابن القيم: فالشروط المضروبة على أهل الذمة تضمنت تمييزهم عن المسلمين، في اللباس، والشعور، والمراكب، وغيرها، لئلا تفضي مشابهتهم إلى أن يعامل الكافر معاملة المسلم، فسدت هذه الذريعة بإلزامهم التميز عن المسلمين.
([26]) بدار الإسلام، وبناء صومعة لراهب، قال الوزير وغيره: اتفقوا على أنه لا يجوز إحداث كنائس، ولا بيعة في المدن، والأمصار، في بلاد الإسلام، والكنائس والبيع معابد اليهود والنصارى.
([27]) لتأذي المسلمين بذلك.
([28]) وهذا اختيار أكثر الأصحاب، والاصطخري، وغيره من أصحاب الشافعي.
([29]) لأنها بعد الهدم كأنها لم تكن، كما يمنعون من زيادتها، ورم شعثها وقال ابن عباس: أيما مصر مصرته العرب، فليس للعجم أن يبنوا فيه بيعة رواه أحمد، واحتج به، ولأبي داود عن ابن عباس مرفوعًا: «لا يجتمع قبلتان بأرض» وفي أثر آخر «لا يجتمع بيت رحمة، وبيت عذاب» ولهذا أقرهم المسلمون في أول الفتح على ما في أيديهم من أرض العنوة، بأرض مصر، والشام، وغير ذلك، فلما كثر المسلمون، وبنيت المساجد في تلك الأرض، أخذ المسلمون تلك الكنائس، فأقطعوها، وبنوها مساجد، وغير ذلك.
وقال: اتفق المسلمون أن ما بناه المسلمون من المدائن، لم يكن لأهل الذمة أن يحدثوا فيها كنيسة، وإذا كان لهم كنيسة بأرض العنوة، فبنى المسلمون مدينة عليها، فإن لهم أخذ تلك الكنيسة، ولو هدم ولي الأمر كل كنيسة بأرض العنوة كمصر، والسواد بالعراق، وبر الشام ونحو ذلك، مجتهدًا في ذلك، ومتبعًا في ذلك لمن يرى ذلك، لم يكن ظلما منه، بل تجب طاعته ومساعدته في ذلك.
قال: والمدينة والقرية التي يسكنها المسلمون، وفيها مساجدهم، لا يجوز أن يظهر فيها شيء من شعائر الكفر، لا كنائس ولا غيرها، إلا أن يكون لهم عهد، فيوفى لهم بعهدهم، فلو كان بأرض القاهرة ونحوها كنيسة قبل بنائها، لكان للمسلمين أخذها، لأن الأرض عنوة، فكيف وهذه الكنائس أحدثها لهم النصارى، قال: والكنائس العتيقة إذا كانت بأرض العنوة، فلا يستحقون إبقاءها، ويجوز هدمها مع عدم الضرر علينا، وإذا كانت في مكان قد صار فيه مسجد للمسلمين يصلى فيه، وهو أرض عنوة فإنه يجب هدم الكنيسة التي به.
([30]) أي المسلم بذلك.
([31]) بل يظهر، ويرفع على سائر الأديان، قال تعالى:{لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ} ولاطلاعهم على عوراتنا، ولأنه حق لله تعالى، ويدوم على دوام الأوقات، ورضاه يسقط حق من يأتي بعده، ولأن فيه ترفعا على المسلمين، فمنعوا منه، كالتصدير في المجالس، قال العلماء: ولو في ملك مشترك بين مسلم وذمي، حكاه الشيخ وغيره، لأن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب.
([32]) فيمنع من تعلية بنائه على المسلم.
([33]) أي إن علا بنيان الكتابي، على بنيان المسلم، وجب نقض بنيان الكتابي .
([34]) ولا إطلاعهم على عورات المسلم.
([35]) وهذا والله أعلم اعتبار منهم بتعلية البناء بعد الملك، ولا فرق بين تعليته بعده أو قبله، فلو احتال مبطل بأن يعليه مسلم، ثم يشتريها الكافر فيسكنها فقال ابن القيم: هذه أدخلت في المذهب غلطًا محضًا، ولا توافق أصوله، ولا فروعه، فالصواب المقطوع به، عدم تمكينه من سكناها، فإن المفسدة لم تكن في نفس البناء، وإنما كانت في ترفع الذمي على المسلمين، ومعلوم قطعا أن هذه المفسدة في الموضعين واحدة، ولو وجدنا دار ذمي عالية ، ودار مسلم أنزل منها، وشككنا في السابقة، فقال ابن القيم: لا تقر دار الذمي عالية، لأن التعلية مفسدة، وقد شككنا في شرط الجواز، والأصل عدمه.
([36]) لأنها بعد الانهدام كأن لم تكن موجودة قبل.
([37]) أي أتلفنا الخمر والخنزير إذا أظهروهما، في أسواق المسلمين وغيرها، لتأذي المسلمين بذلك وسببية فشوه فيهم، وإن لم يظهروهما لم نتعرض لهم، قال الشيخ: وإذا كثر منهم بيع الخمر لآحاد المسلمين، استحقوا العقوبة التي تردعهم وأمثالهم عن ذلك.
([38]) لأن في شروطهم، وأن لا نضرب ناقوسًا، إلا ضربًا خفيفًا في جوف كنائسنا، ولا نرفع أصواتنا في الصلاة، فيمنعون من إظهار المنكر كنكاح محارم، وإظهار عيد، وصليب ونحو ذلك.
([39]) لأنه من شعارهم، وقال الشيخ: وليس لهم إظهار شيء من شعار دينهم، في دار الإسلام، لا وقت استسقاء، ولا عند لقاء الملوك.
([40]) لئلا ينالوه فلا يمسه إلا المطهرون، قال الشيخ: ويمنعون من شراء مصحف، وكتاب فقه، وحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن ارتهان ذلك، ولا يصحان لقوله تعالى: {وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} ولما يؤدي إليه ذلك من امتهان كلام الله، وكلام رسول الله صلى الله عليه وسلم.
([41]) قال الشيخ: فإن هذا من المنكر في دين الإسلام، ومن إظهار بيع مأكول فيه كشوي.
([42]) لأنهم في بلادهم أشبهوا أهل الحرب زمن الهدنة، ولأن بلدهم ليست بلد إسلام، لعدم ملك المسلمين لها، فلا يمنعون من إظهار دينهم فيه كمنازلهم.
([43]) لأن أبا موسى دخل على عمر ومعه كتاب فيه حساب عمله، فقال له عمر: ادع الذي كتبه ليقرأه، قال: إنه لا يدخل المسجد، قال: ولم لا يدخله؟ قال: إنه نصراني، فانتهره عمر، ولأن عليا بصر بمجوسي وهو على المنبر فنزل وضربه، وأخرجه، وهذا يدل على اتفاقهم على أن الكفار لا يدخلون المساجد، ولأن حدث الجنابة والحيض يمنع، فالشرك أولى.
وقال مالك ، وأحمد: لا يجوز لهم دخول المساجد بحال، وقال الوزير: اتفقوا على أنه يمنع الكافر من دخول الحرم، ويمنع هو والذمي من استيطان الحجاز، ومن دخل منهم تاجرا أقام ثلاثة أيام، ثم ارتحل، ولم ير أبو حنيفة المنع في الكل، وصحح في الشرح وغيره أنه يجوز، لإنزاله صلى الله عليه وسلم وفد الطائف في المسجد، والجمهور يرون المنع.
ويرون المنع أيضا من المقام في الحجاز، وهو مكة، والمدينة، واليمامة، والينبع، وفدك، وتبوك ونحوها، وما دون المنحنى، وهو عقبة الصوى من الشام كمعان، لقوله صلى الله عليه وسلم ((لأخرجن اليهود والنصارى من جزيرة العرب)) صححه الترمذي.
ولأحمد: آخر ما تكلم به «اخرجوا اليهود من أرض الحجاز» وقال تعالى في حق مكة {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَ}والمراد حرم مكة، سواء أذن له أو لا، بالإقامة أو غيرها ولو غير مكلف، فإن قدم رسول من الكفار لا بد له من لقاء الإمام وهو به، خرج إليه ولم يأذن له، فإن دخل عالما، عزر وأخرج.
([44]) هذا المذهب، وكذا لو استعدى بعضهم على بعض، خير الحاكم بين الحكم وتركه.
([45]) فيحكم لأحدهما على الآخر إن شاء، ولا يحكم إلا بحكم الإسلام، ويلزمهم حكمنا لا شريعتنا، وقال بعض أهل العلم: إنها منسوخة بقوله: {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ} وإن لم يتحاكموا إلينا فليس للحاكم أن يتبع شيئا من أمورهم، ولا يدعوهم إلى حكمنا، وإن تحاكموا إلى حاكمنا مع مسلم ألزم الحكم بينهم لما فيه من إنصاف المسلم من غيره، أورده عن ظلمهم، وذلك واجب، وإن تبايعوا بيوعًا فاسدة، وتقابضوا من الطرفين، ثم أتونا أو أسلموا لم ينقض فعلهم وإن لم يتقابضوا فسخه الحاكم، وإن تبايعوا بربا في سوقنا منعوا.
([46]) ذكرا أو أنثى، أعمى أو بصيرًا، كبيرًا أو صغيرًا.
([47]) دفعة واحدة، سواء عشروا أموال المسلمين أو لا، لأن عمر أخذ من أهل الحرب العشر، واشتهر ولم ينكر، وعمل به الخلفاء بعده، وكذا حكم المستأمن إذا اتجر إلى بلد الإسلام.
([48]) فليس كالحربي من كل وجه.
([49]) وذلك أن نصرانيا جاء إلى عمر فقال: إن عاملك عشرني في السنة
مرتين، فكتب إلى عامله أن لا يعشر في السنة إلا مرة، رواه أحمد، ومتى أخذه كتب له به حجة.
([50]) فليس يجب عليهم في أموالهم سوى الزكاة المشروعة، وكذا تحرم الكلف التي ضربها الملوك على الناس بغير طريق شرعي إجماعًا، ولا يسوغ فيها اجتهاد.
([51]) لم يقر على اليهودية لأنه انتقل إلى دين باطل، قد أقر ببطلانه، أشبه المرتد هذا المذهب.
([52]) فلا يقر على النصرانية، لأن الإسلام دين الحق، والدين الذي كان عليه دين صولح عليه، فلم يقبل منه غيرهما، قال الموفق وغيره: لا نعلم فيه خلافًا، قال الشيخ: اتفقوا على التسوية بين اليهود والنصارى، لتقابلهما، وكانوا يسمون بها قبل النسخ والتبديل، وكانوا يسمون مؤمنين، أو مسلمين.
([53]) وهو اليهودية ، أو النصرانية.
([54]) ولم يقتل، لأنه لم يخرج عن دين أهل الكتاب، فلم يقتل كالباقي على دينه ولأنه مختلف فيه فلا يقتل للشبهة.
([55]) أي قيل للإمام أحمد رحمه الله فيمن انتقل من اليهودية إلى النصرانية وبالعكس، أنقتله؟ فقال: لا للشبهة في قتله، وإن انتقل إلى دين المجوس، أو إلى غير دين أهل الكتاب، لم يقر، ولم يقبل منه إلا الإسلام، أو السيف وإن انتقل غير الكتابي إلى دين أهل الكتاب أقر.
قال الشيخ: ومن كان من أهل الذمة زنديقًا يبطن جحود الصانع، أو جحود الرسل، أو الكتب المنزلة، أو الشرائع، أو المعاد ويظهر التدين بموافقة أهل الكتاب، فهذا يجب قتله بلا ريب، كما يجب قتل من ارتد من أهل الكتاب إلى التعطيل، فإن أراد الدخول في الإسلام فهل يقال: إنه يقتل أيضا، كما يقتل منافق المسلمين، لأنه ما زال يظهر الإقرار بالكتب والرسل؟ أو يقال: بل دين الإسلام فيه ما يزيل شبهته؟ هذا فيه نظر.



  #5  
قديم 14 ربيع الثاني 1432هـ/19-03-2011م, 10:59 AM
الصورة الرمزية ساجدة فاروق
ساجدة فاروق ساجدة فاروق غير متواجد حالياً
هيئة الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 6,511
افتراضي الشرح الممتع على زاد المستقنع / للشيخ ابن عثيمين رحمه الله

فَصْلٌ

وَيَلْزَمُ الإِمَامَ أخْذُهُمْ بِحُكْمِ الإِسْلاَمِ فِي النَّفْسِ والمَالِ والعِرْضِ..
قوله: «فصل» أي: في أحكام أهل الذمة.
قوله: «ويلزم الإمام أخذهم بحكم الإسلام» أي: أخذ أهل الذمة بحكم الإسلام، أي: بما يقتضيه الإسلام من الأحكام، «فحكم» هنا مفرد مضاف فيكون عاماً؛ لأن المفرد إذا أضيف صار للعموم، ومنه قوله تعالى: {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لاَ تُحْصُوهَا} [النحل: 18] ، فقوله: {نِعْمَةَ اللَّهِ} هذا مفرد، والمفرد لو أريد به مدلوله لكنا نحصيه، لكن المراد كل النعم فهي لا تحصى، إذاً حكم الإسلام: أي جميع أحكام الإسلام.
قوله: «في النفس والمال والعرض» في النفس، أي: إذا قتلوا أحداً قتلناهم، وإذا قتلهم مثلهم قتلناه، وإن قتلهم مسلم لا نقتله؛ لأنه لا يُقتل مسلم بكافر خلافاً لمن ذهب إلى قتل المسلم بقتل المعاهد.
والصواب أنه لا يُقتل المسلم بالكافر، ومن حمل هذا الحديث: ((لا يُقتل مسلم بكافر)) [(1)] على أن المراد به غير المعاهد فحمله ضعيف جداً؛ لأن غير المعاهد يُقتل سواء قتل على وجه القصاص أو على وجه الحرابة؛ لأنه محارب.
وكذلك في المال فإذا أتلفوا مال مسلم ضَمَّناهم، وإن أتلف مسلم مالهم ضَمَّناه؛ لأن هذا مقتضى حكم الإسلام أن متلف المال ضامن سواء كان مسلماً أو كافراً.
كذلك العرض فلا يجوز لنا أن نغتابهم، ولا أن نقذفهم بالزنا؛ وذلك لأنهم محترمون، فهم من المعصومين، فيجب على الإمام أخذهم بذلك كله، وهم ـ أيضاً ـ إذا اغتابوا أحداً من المسلمين أو قذفوا أحداً من المسلمين ألزموا بما يقتضيه الإسلام في هذا الأمر.

وَإِقَامَةِ الحُدُودِ عَلَيْهِمْ فيِمَا يَعْتَقِدُونَ تَحْرِيْمَهُ دُونَ مَا يَعْتَقِدُونَ حِلَّهُ...
قوله: «وإقامة الحدود عليهم فيما يعتقدون تحريمه دون ما يعتقدون حله» الحدود هي عقوبة مقدرة شرعاً تمنع من الوقوع في مثلها وتكفر ذنب صاحبها، وإقامة الحدود فرض كفاية، والمطالب بها الإمام، فهؤلاء الذميون إذا فعلوا ما يوجب الحد إن كانوا يعتقدون التحريم أقمنا عليهم الحد، وإن كانوا لا يعتقدونه فإننا لا نقيم عليهم الحد، فالزنا مثلاً يقام عليهم الحد فيه؛ لأنهم يعتقدون تحريمه، فإذا ترافعوا إلينا في قضية زنا فإنه يجب علينا أن نحكم عليهم بمقتضى الإسلام، فإذا كانوا محصنين فالرجم، وإن كانوا غير محصنين فالجلد والتغريب، وإذا قدرنا أنهم يعتقدون التحريم، لكن لا يعتقدون إقامة الحد فهؤلاء نقول: إن ترافعوا إلينا ألزمناهم بحكم الإسلام، وإن لم يترافعوا إلينا تركناهم وشأنهم، مع أن حد الزنا ثابت حتى في التوراة والإنجيل.
ودليل ذلك ما ورد في قصة عبد الله بن صوريا في الذي زنا بامرأة يهودية وترافع إلى الرسول صلّى الله عليه وسلّم وجيء بالتوراة فإذا فيها آية الرجم[(2)].
وقوله: «دون ما يعتقدون حله» مثل الخمر، فالخمر يعتقد أهل الكتاب أنه حلال، فإذا جيء إلينا بسكران من أهل الذمة فإننا لا نقيم عليه حد الخمر، حتى وإن قلنا: إن عقوبة شارب الخمر حد فإننا لا نقيم عليه الحد؛ لأنه يعتقد حله، والذي يعتقد حل الشيء كيف يعاقب عليه؟! لكن سيأتي أنهم يمنعون من إظهار شرب الخمر، فإن أظهروا ذلك فإننا نعزِّرهم بما يردعهم.
ويؤخذ من هذا الحكم الذي أقره الفقهاء ـ رحمهم الله ـ أن من اعتقد حل شيء مختلف فيه فإنه لا يلزم بحكم من يرى تحريمه، مثل الدخان، فالدخان ليس مجمعاً على تحريمه، فمن العلماء من خالف فيه لا سيما أول ما ظهر، فإذا رأينا شخصاً يشرب الدخان وهو يرى أنه حلال فإننا لا نعزره، وإن كان يعتقد أنه حرام فإننا نعزره؛ لأن التعزير واجب في كل معصية لا حد فيها ولا كفارة.
وهل نقره؟ بمعنى هل يجوز أن أجلس إلى جنب واحد يدخن ويعتقد حل الدخان؟.
الجواب: لا.
ولو رأيت أحداً أكل لحم إبل ولم يتوضأ وقام يصلي وهو لا يعتقد وجوب الوضوء من لحم الإبل هل تنكر عليه؟.
الجواب: لا، وهل تصلي معه؟.
الجواب: نعم، وهذا إقرار وليس بإنكار.
إذاً ما الفرق بين ترك الواجب وفعل المحرم؟.
الجواب: لا فرق، لكن لا ينبغي لذوي المروءة أن يجلسوا مع الذين يشربون الدخان ولو كانوا يعتقدون حله؛ لأن هذا دناءة، وفي ظني أن الذين يعتقدون حله من العلماء لا يرون أنه من فعل ذوي المروءة، كما أننا مثلاً نرى أن أكل الفصفص لا بأس به، لكن لو أتى معلم يعلم الطلبة وعنده كيس فصفص يأخذ منه ويأكل، فهذا يعتبر مخالفاً للمروءة وإن كان ليس حراماً، لكن الإنسان يجب أن يكون عنده أدب، فيؤخذ من كلام الفقهاء ـ رحمهم الله ـ في هذه أن ما يعتقده الإنسان حلالاً ولو كان كافراً فإنه لا يلزم بحكم الإسلام فيه، وإذا كان ذلك في حق الكفار ففي حق المسلمين من باب أولى فيما ذهبوا إليه بتأويل سائغ، أما من عاند كإنسان مسلم يأكل الخنزير، ويقول: أنا أعتقد أنه حلال فلا نقره؛ لأنه مجمع عليه، ولا يمكن لأي إنسان أن يحلل لحم الخنزير بأي مسوغ، ففرق بين هذا وهذا.

وَيَلْزَمُهُمُ التَّمَيُّزُ عَنِ المُسْلِمِيْنَ، وَلَهُمْ رَكُوبُ غَيْرِ خَيلٍ بِغَيْرِ سَرجٍ بإِكافٍ ...
قوله: «ويلزمهم» الضمير مفعول به يعود على أهل الذمة.
قوله: «التميُّز عن المسلمين» أي: أن يكونوا متميزين عن المسلمين في الحياة وفي الممات.
أما في الممات فيلزم أن تكون قبورهم منفردة لا يقبرون مع المسلمين، حتى لو كان صبيّاً مات وأبواه كافران فإنه لا يجوز أن يدفن في مقابر المسلمين، بل يتميزون.
وكذلك في الحياة يجب أن يتميزوا عن المسلمين في المظهر والملبس والمركب؛ لئلا يغتر الناس بهم، فمثلاً:
في المظهر قالوا: يحلقون مقدم رؤوسهم، أي: تكون لهم قصة للشعر يتميزون بها عن غيرهم من المسلمين.
وفي الملبس يشدون أوساطهم بالزِّنّار حتى يعرف أنهم من أهل الذمة.
وكذلك يجعل لهم علامة عند دخول الحمامات «جلجل» أي: جرس صغير أو طوق تطوق به أعناقهم، بشرط ألاّ يكون فيه الصليب؛ لأنهم يمنعون من إظهار الصليب؛ إذ إن الصليب شعار دينهم، فيمنعون من إظهاره.
وكذلك أيضاً في المراكب، لا يركبون الخيل أبداً؛ لأن الخيل هي مادة القتال والجهاد، وإنما يركبون الإبل والحمير.
ولهذا قال: «ولهم ركوب غير خيل بغير سرج بإكاف» أي: يركبون غير الخيل كالحمير، ولا يُسرجونها أي: لا يجعلون عليها سَرْجاً، والسَّرج هو عبارة عن الرحل المنمق المحسن، بل يركبون بإكاف، والإكاف هو البردعة، وهي عبارة عن شيء كالمخدة مستطيل على طول ظهر الحمار، تربط عليه ثم يركب عليها لأنها لا تنبئ عن كبرياء أو شرف، أما السرج فمعروف أنه يكون له نقوش، ووشي، وأشياء تتدلى، ويكون حسناً.
ويجب أن يكون ركوبهم عرضاً ليس كركوب المسلمين، أي: إذا ركب الإنسان الدابة يجعل إحدى رجليه عن اليمين والثانية عن اليسار، وهم يجعلون الأرجل إما على اليمين، وإما على اليسار جميعاً، ولا يجعل الرجل اليمنى على اليمين واليسرى على اليسار؛ بل يركبون عرضاً، هكذا جرت الشروط التي بينهم وبين أمير المؤمنين عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ[(3)].
وفي عهدنا الآن ليس هناك خيل، ولا حمير تركب وتستعمل؛ ولكن يوجد سيارات، فماذا يركبون من السيارات؟ الجواب: أما الأشياء الفخمة فَيُمنعون منها؛ لأن هذا يدعو إلى شرفهم وسيادتهم وأن يشار إليهم بالأصابع.
ويحتمل أن يقال: إنهم منعوا من ركوب الخيل؛ لأنها مادة الحرب وآلة الحرب لا من أجل أن فيها الفخر وفيها الزينة، ولكن الأول أولى، أي: أنهم يمنعون من ركوب الأشياء الفخمة قياساً على الخيل.

وَلاَ يَجُوزُ تَصْدِيْرُهُم فِي المَجَالِسِ، وَلاَ القِيَامُ لَهُم ...........
قوله: «ولا يجوز تصديرهم في المجالس» أي: لا يجوز أن يكونوا في صدر المجلس بل في آخره، هذا عند ابتداء الجلوس لا إشكال فيه، أي: إذا دخل جماعة من المسلمين، ومعهم أحد من أهل الذمة، فإنه لا يمكن أن يتقدم أهل الذمة حتى يكونوا في صدر المجلس؛ لأن صدر المجلس إنما هو لأشراف القوم وأسيادهم، وهم ليسوا من أهل الشرف والسيادة.
لكن إذا كانوا في مجلس جالسين، ثم دخل جماعة من المسلمين هل يُقَامُون من صدر المجلس؟
الجواب: نعم إذا كان المجلس عاماً، أما إذا كان المجلس بيتاً لهم فهم في بيوتهم أحرار، وإن كان عامّاً فإنهم لا يصدرون في المجالس؛ لأن الإسلام هو الذي له الشرف، وهو الذي يعلو ولا يُعلى عليه.
قوله: «ولا القيام لهم» أي: إذا أقبلوا فلا تقم لهم؛ لأن ذلك إكرام لهم، وإذا كان النبي صلّى الله عليه وسلّم يقول: ((إذا لقيتموهم في طريق فاضطروهم إلى أضيقه)) [(4)]، فإن القيام لهم ينافي ذلك تمام المنافاة؛ لأنه إكرام لهم.
وعُلِمَ من قول المؤلف: «ولا القيام لهم» أنه يجوز القيام للمسلمين، فإذا دخَل إنسان ذو شرف وجاه فإنه لا بأس بالقيام له، لكن هو نفسه لا يحب ولا يتمنى أن يقوم الناس له، إنما إذا قاموا له فإنه لا حرج عليهم، وكان النبي صلّى الله عليه وسلّم: ((يكره أن يُقام له)) [(5)]، فتركه الصحابة استجابة لرغبة النبي صلّى الله عليه وسلّم، ولكنه لا بأس أن يقوم الإنسان لذي الشرف والجاه إكراماً له.
وليعلم أن القيام ينقسم إلى ثلاثة أقسام: قيام للشخص، وقيام عليه، وقيام إليه.
فالقيام له، أي: أنه إذا دخل قمت إجلالاً وإكراماً له، ثم إن شئت فقل: اجلس في مكاني، وإن شئت جلست.
والقيام إليه: أن يتقدم الإنسان إلى القادم ويخطو خطوات وهذا جائز، قال النبي صلّى الله عليه وسلّم لما أقبل سعد بن معاذ ـ رضي الله عنه ـ للتحكيم: «قوموا إلى سيدكم» [(6)] ، فأمر بالقيام إليه إكراماً له.
وأما القيام على الشخص فإنه لا يجوز، إلا إذا كان في ذلك إغاظة للمشركين؛ لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم نهى أن نقوم على غيرنا كما تقوم الأعاجم على ملوكها[(7)]، بل في الصلاة لما صلى جالساً وصلوا خلفه قياماً أمرهم أن يجلسوا[(8)]؛ لئلا تظهر صورة المشابهة حتى في الصلاة، فإن كان في ذلك إغاظة للمشركين فإنه لا بأس به، بل قد يكون محموداً ومأموراً به كما فعل المغيرة بن شعبة ـ رضي الله عنه ـ حين قام على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وقريش تراسله في صلح الحديبية[(9)]، فهذا لا شك أنه محمود؛ ليتبين لهؤلاء الكفار أن المسلمين يعظمون زعماءهم وعظماءهم.
إذاً القيام لأهل الذمة حرام، ولا يجوز ولو كان كبيراً، بأن كان وزيراً، أو كان رئيساً، لكن إذا لم يكن من أهل الذمة وقدم إلى بلد الإسلام فهل يقام له؛ لأنه من ذوي الشرف والجاه في قومه، ولأن ذلك مما جرت به العادة بين الناس ورؤساء الدول، أو لا يقام له؟
الجواب: هذا محل نظر، وفرق بين هذه المسألة وبين مسألة أهل الذمة؛ لأن أهل الذمة تحت ولايتنا، ونحن لنا الولاية عليهم فلا يمكن أن نكرمهم بالقيام لهم.

وَلاَ بَدَاءَتُهُمْ بالسَّلاَمِ .......
قوله: «ولا بداءتهم بالسلام» أي: لا يجوز أن نبدأهم بالسلام، فإذا لقيناهم لا نقول: السلام عليكم، فإن سلموا وجب الرد؛ لقول الله تعالى: {وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا} [النساء: 86] ، ولقول النبي صلّى الله عليه وسلّم: ((إذا سلم عليكم أهل الكتاب فقولوا: وعليكم)) [(10)] ، فأمرنا أن نرد عليهم، أما البداءة فلا.
وهل يجوز أن نبدأهم بكيف أصبحت؟ وكيف أمسيت؟ وما أشبه ذلك؟
الجواب: المذهب لا يجوز؛ لأن النهي عن بداءتهم بالسلام؛ لئلا نكرمهم بدليل قوله صلّى الله عليه وسلّم: ((وإذا لقيتموهم في طريق فاضطروهم إلى أضيقه)) [(11)]، فإذا قلنا: كيف أصبحت؟ كيف أمسيت؟ كيف أنت؟ كيف حالك؟ فهذا نوع من الإكرام.
وقال شيخ الإسلام: يجوز أن نقول له كيف حالك؟ وكيف أصبحت؟ وكيف أنت؟؛ لأن الرسول صلّى الله عليه وسلّم إنما نهى عن بداءتهم بالسلام، والسلام يتضمن الإكرام والدعاء؛ لأنك إذا قلت: السلام عليك فأنت تدعو له، أما هذا فهو مجرد ترحيب وتحية.
وينبغي أن يقال: إذا كانوا يفعلون بنا مثل ذلك فلنفعله بهم، أو كان هذا لمصلحة كالتأليف لقلوبهم فلنفعله بهم، أو كان ذلك خوفاً من شرهم فلنفعله بهم، فإذا قدر مثلاً أنك في شركة مديرها كافر، فإنك لو دخلت عليه لتراجعه في شأن هذه الشركة ولم تسلم عليه، لكان في قلبه عليك شيء وربما يضرك، فإذا قلت: كيف أصبحت؟ كيف حالك؟ فهذا يزيل ما في قلبه من الضغينة وتَسلم من شره، ولا يدخل هذا في نهي الرسول صلّى الله عليه وسلّم عن بداءتهم بالسلام.
وإذا سلموا فيجب علينا أن نرد عليهم بدلالة القرآن والسنة، ولكن هل نرد عليهم بقول: وعليكم؟ أو نرد عليهم بمثل ما سلموا؟
الجواب: نقول: لا يخلو السلام الذي ألقوه إلينا إما أن يكون صريحاً بقولهم: السلام عليكم، أو صريحاً بقولهم السام عليكم، أو غير صريح، لم يبيّنوا اللام ولم يحذفوها حذفاً واضحاً، فإن صرحوا بقولهم السلام عليكم كما يوجد الآن في الكفار الذين عندنا يقولون: السلام عليكم، صراحة؛ لأن ألسنتهم أعجمية فهم يتعلمون السلام تلقيناً فتجده يقول: السلام عليكم بصراحة، فهنا لنا أن نرد عليهم ونقول: عليكم السلام، ولنا أن نقول: وعليكم، وإن صرحوا بقولهم: السام عليكم فإننا نقول: عليكم السام، أو نقول وهو أولى: وعليكم، ودليل ذلك أن رجلاً يهودياً مر بالنبي صلّى الله عليه وسلّم فقال: السام عليك يا محمد، فقالت عائشة رضي الله عنها: عليك السام واللعنة، فنهاها الرسول صلّى الله عليه وسلّم وقال: ((إن الله رفيق يحب الرفق)) [(12)] ، وقال: ((إذا سلم عليكم أهل الكتاب فقولوا: وعليكم)) [(13)] ، وفي الصحيح أنه قال: ((إن أهل الكتاب يقولون: السام عليكم فإذا سلموا عليكم فقولوا: وعليكم)) [(14)].
وإن كان محتملاً فهنا يتعين أن نقول: وعليكم؛ لأنه إن قال: السلام فهو عليه، وإن قال: السام فهو عليه.
مسألة: هل يجوز أن نهنئهم، أو نعزيهم، أو نعود مرضاهم أو نشهد جنائزهم؟
الجواب: أما التهنئة بالأعياد فهذه حرام بلا شك، وربما لا يسلم الإنسان من الكفر؛ لأن تهنئتهم بأعياد الكفر رضا بها، والرضا بالكفر كفر، ومن ذلك تهنئتهم بما يسمى بعيد الكرسمس، أو عيد الفَصْح أو ما أشبه ذلك، فهذا لا يجوز إطلاقاً، حتى وإن كانوا يهنئونا بأعيادنا فإننا لا نهنئهم بأعيادهم، والفرق أنّ تهنئتهم إيانا بأعيادنا تهنئة بحق، وأن تهنئتنا إياهم بأعيادهم تهنئة بباطل، فلا نقول: إننا نعاملهم بالمثل إذا هنؤونا بأعيادنا فإننا نهنئهم بأعيادهم للفرق الذي سبق.
وأما تهنئتهم بأمور دنيوية كما لو ولد له مولود، أو وجد له مفقود فهنأناه، أو بنى بيتاً فهنأناه، أو ما أشبه ذلك فهذه ينظر، إذا كان في هذا مصلحة فلا بأس بذلك، وإن لم يكن فيه مصلحة فإنه نوع إكرام فلا يهنَّؤون، ومن المصلحة أن يكون ذلك على وجه المكافأة، مثل أن يكون من عادتهم أن يهنِّئونا بمثل ذلك فإننا نهنئهم.
وأما تعزيتهم فلا يجوز أن نعزيهم؛ لأن التعزية تسلية للمصاب وجبر لمصيبته، ونحن لا نود أن يَسلَموا من المصائب، بل نقول: {قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلاَّ إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَنْ يُصِيبَكُمُ اللَّهُ بِعَذَابٍ مِنْ عِنْدِهِ أَوْ بِأَيْدِينَا} [التوبة: 52] وهذا لا شك في أهل الحرب.
لكن في أهل الذمة، قال بعض أهل العلم: تعزيتهم تجوز للمصلحة، كمصلحة التأليف لقلوبهم، أو للمكافأة، إذا فعلوا بنا ذلك فإننا نفعل بهم.
وأما عيادتهم فالصحيح جواز ذلك، لكن للمصلحة أيضاً، بأن يرجى إسلامه بعرض الإسلام عليه، كما زار النبي صلّى الله عليه وسلّم خادماً له يهودياً فعرض عليه الإسلام، فرد بصره إلى أبيه كأنه يشاوره، فقال له أبوه: أطع محمداً، فأسلم فخرج النبي صلّى الله عليه وسلّم وهو يقول: ((الحمد لله الذي أنقذه من النار)) [(15)]، فإذا كان في عيادتهم مصلحة كالدعوة للإسلام فلا بأس، بل قد تكون مندوبة مستحبة؛ لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: ((إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى)) [(16)].

وَيُمْنَعُونَ مِن إِحْدَاثِ كنَائِسَ، وَبِيَعٍ، وَبِنَاءِ مَا انْهَدَمَ مِنْهَا وَلَوْ ظُلْماً،......
قوله: «ويمنعون من إحداث كنائس، وبِيَعٍ، وبناء ما انهدم منها ولو ظلماً» ، «يمنعون» الضمير يعود على أهل الذمة الذين في بلادنا، فيمنعون من الأمور الآتية:
أولاً: إحداث كنائس، والكنائس جمع كنيسة وهي متعبدهم سواء كانوا نصارى أو يهوداً، فيمنعون من بناء الكنيسة؛ لأن هذا إحداث شعائر كفرية في بلاد الإسلام.
ثانياً: إحداث بيع يمنعون من إحداثها وهي متعبد اليهود، كما يمنعون من إحداث الكنائس.
فإن قال قائل: إذا كانوا لا يمنعوننا من إحداث المساجد في بلادهم، فهل لنا أن نمنعهم من إحداث الكنائس في بلادنا؟
الجواب: نعم، وليس هذا من باب المكافأة أو المماثلة؛ لأن الكنائس دور الكفر والشرك، والمساجد دور الإيمان والإخلاص، فنحن إذا بنينا المسجد في أرض الله فقد بنيناه بحق، فالأرض لله، والمساجد لله، والعبادة التي تقام فيها كلها إخلاص لله، واتباع لرسوله صلّى الله عليه وسلّم، بخلاف الكنائس والبيع.
ومن سفه بعض الناس أنه يقول: لماذا لا نمكنهم من بناء الكنائس في بلادنا كما يمكنوننا من بناء المساجد في بلادهم؟
الجواب: نقول: هذا من السفه، ليست المسألة من باب المكافأة، إذ ليست مسائل دنيوية، فهي مسائل دينية، فالكنائس بيوت الكفر والشرك، والمساجد بيوت الإيمان والإخلاص فبينهما فرق، والأرض لله، فنحن إذا بنينا مسجداً في أي مكان من الأرض فقد بنينا بيوت الله في أرض الله بخلافهم.
ثالثاً: بناء ما انهدم منها، أي: لو كان هناك كنائس موجودة قبل فتحنا البلاد واستيلائنا عليها، وصار أهلها أهل ذمة بالنسبة لنا لكن انهدمت هذه الكنائس فإننا نمنعهم من بنائها؛ لأن البناء إحداث فنمنعهم منه.
وقوله: «ولو ظلماً» أي: ولو هدمت ظلماً، كما لو سطا عليها أحد من المسلمين وهدمها فإنها لا تقام مرة أخرى، وهذه إشارة خلاف، أعني قوله: «ولو ظلماً» ، فإن بعض أهل العلم قال: إذا هدمت ظلماً فلهم إعادة بنائها، ولو قيل: إنه يعيدها من هدمها ويضمن لكان له وجه؛ لأن هذا عدوان وظلم، وأهل الذمة يجب علينا منع الظلم والعدوان عنهم.
فالصواب أنه إذا هدمت ظلماً فإنها تعاد؛ وذلك لأنها لم تنهدم بنفسها، فإن هدموها هم وأرادوا تجديدها فإنهم يمنعون منه.

وَمِن تَعْلِيَةِ بُنْيَانٍ عَلَى مُسْلِمٍ لاَ مِن مُسَاوَاتِهِ لَهُ ..
رابعاً: قوله: «ومن تعلية بنيان على مسلم» أي: إذا كانوا في حي من الأحياء، وأرادوا أن يبنوا عمارات رفيعة تعلو بناء المسلمين فإننا نمنعهم.
وظاهر كلام المؤلف أنه لا فرق بين أن يكونوا مجاورين ملاصقين أو غير ملاصقين وهو كذلك، حتى لو كان بينهم وبين المسلم شارع، فإنه لا يجوز أن يمكنوا من تعلية البنيان على المسلم؛ لما في ذلك من إذلال المسلم واحتمال الأذى له؛ لأن العالي يستطيع أن يطلع على النازل ولا عكس، ونحن لا نأمن هؤلاء الكفار فلذلك يمنعون من تعلية البنيان على المسلم.
أما لو رضي المسلم وقال: لا مانع عندي، فهل يمنعون أو لا؟
الجواب: نعم يمنعون؛ لأن الحق هنا فيه شائبة حق لله، ولأن هذا المسلم موجود الآن، لكنه لن يبقى إلى الأبد فإنه سيموت أو يرتحل فيبقى البناء عالياً على من بعده، ولهذا لا يجوز أن يعلو البنيان على المسلم ولو بإذن المسلم ورضاه.
فإن ملكوه عالياً من مسلم، أي: اشتروا عمارة فخمة طويلة من المسلم فهل يجب أن نهدمها؟
الجواب: نقول: لكم الخيار إما أن نهدمها، وإما أن تردوا البيع.
فإذا قالوا: إذاً نرد البيع أهون علينا من الهدم ولكن المسلم أبى، وقال: أنا لا أريد فسخ البيع.
قلنا: نلزمك لأنك بعت عليهم بنياناً لا يجوز إقرارهم عليه، فأنت الذي اعتديت فنلزمك بأن تفسخ البيع.
قوله: «لا من مساواته له» أي: لا يمنعون من مساواة بنيانهم لبناء المسلمين؛ لأنهم لم يعلوا على المسلمين.
فإن قال قائل: هل يمنعون من تشييد بنيانهم، وتحسينه، ووضع الزخارف فيه وما أشبه ذلك؟
الجواب: نقول: أما من الداخل فإنهم لا يمنعون، وأما من الخارج فهذا يرجع إلى اجتهاد الإمام، إن رأى أنهم إذا أظهروا منازلهم بهذا المظهر، وبيوت المسلمين حولهم دون ذلك وأن في ذلك افتخاراً لهؤلاء الكفار فله أن يمنعهم؛ لأن هذا وإن لم يكن علوّاً حسيّاً فهو علو معنوي فيمنعون، وإن رأى أن الناس لا يهتمون بذلك ولا يقيمون له وزناً فليبقهم على ما هم عليه.
ويفهم من كلام المؤلف في قوله: «ومن تعلية بنيان على مسلم» أنهم لو ملكوه من مسلم عالياً فإنهم لا يمنعون، لكن الصحيح ما قررناه أولاً أنهم يمنعون، فيُهدم أو يفسخ البيع.

وَمِنْ إِظْهَارِ خَمْرٍ وَخِنْزِيرٍ، وَنَاقُوسٍ وَجَهْرٍ بِكِتَابِهم وَإِنْ تَهَوَّدَ نَصْرَانِيٌّ أَوْ عَكْسُهُ لَمْ يُقرَّ وَلَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ إِلاَّ الإِسْلاَمُ أَوْ دِينُهُ......
قوله: «ومن إظهار خمر وخنزير» أي: يمنعون من إظهار الخمر ومن إظهار أكل لحم الخنزير؛ لأن ذلك عند المسلمين حرام، فيمنعون منه، أما لو شربوه في بيوتهم أو صنعوه في بيوتهم ولم يبيعوه علناً فإننا لا نمنعهم.
وكذلك يقال في لحم الخنزير؛ لأنهم يعتقدون أن الخمر حلال، وأن لحم الخنزير حلال، فلا نتعرض لهم في ديانتهم، لكن إظهار ما هو ممنوع عند المسلمين ممنوع.
قوله: «وناقوس وجهر بكتابهم» الناقوس هو شيء يصوَّت به عند أداء شعائر دينهم، فإذا كان لهم ناقوس قوي الصوت يسمعه الناس فإننا نمنعهم من إظهاره، والمراد إظهار صوته لا إظهار حجمه أو عينه، فأهم شيء هو إظهار الصوت، فنمنعهم من إظهار صوت النواقيس؛ لأنهم في بلاد الإسلام.
وكذلك نمنعهم من الجهر بكتابهم؛ لما في ذلك من الصد عن سبيل الله.
فإن قيل: وهذه الإذاعات التي تنشر الآن عبر المذياع، هل يمنعون منها؟
الجواب: ليس لنا سلطة عليهم؛ لأنها تبث من بلادهم وليس لنا سلطة عليها، لكن يجب علينا أن نحول بين الناس وبين سماعها بقدر الإمكان، فإذا أمكن أن نشوش عليها بأجهزة التشويش المعروفة، فيجب على المسلمين أن يشوشوا عليها.
فإن قيل: يُخْشَى إذا شوشنا عليهم دعوتهم للنصرانية أن يشوشوا علينا دعوتنا للإسلام، وهذا وارد، فهل نتركهم ونحذر المسلمين من شرهم؟ أم ماذا؟ هذا محل بحث ونظر.
تنبيه: هذا الكتاب مختصر، لم يستوعب جميع الأحكام التي تطبق على أهل الذمة، لكن ابن القيم ـ رحمه الله ـ توسع في ذلك في كتابه: «أحكام أهل الذمة» وهو مطبوع في مجلدين وموجود، وكنا قبل هذا الوقت نقول: لا حاجة لقراءة الجهاد؛ لأنه لا يوجد جهاد، ولا لقراءة أحكام أهل الذمة؛ لأنهم غير موجودين عندنا.
أما الآن فلا بد لطلبة العلم من أن يقرؤوا، ويحققوا أحكام الجهاد، وأحكام أهل الذمة وسائر الكفار؛ لأنه في هذا الوقت انفتحت جبهات للجهاد ولله الحمد، وأما الكفار فقد ابتلينا بهم وكثروا بيننا ـ لا كثَّرهم الله ـ، فالواجب أن نعرف كيف نعامل هؤلاء الكفار.
ومن أهم الأشياء في مسألة الكفار، أنه لا يجوز إقرارهم في جزيرة العرب للسكنى؛ لأن الرسول صلّى الله عليه وسلّم نهى عن ذلك بل قال: ((أخرجوا اليهود والنصارى من جزيرة العرب)) [(17)]، وقال وهو في مرض موته: ((أخرجوا المشركين من جزيرة العرب)) [(18)]، وقال: ((لأخرجن اليهود والنصارى من جزيرة العرب حتى لا أدع إلا مسلماً)) [(19)]؛ لهذا يجب أن نعلم أنه لا يجوز إقرار اليهود أو النصارى أو المشركين في جزيرة العرب على وجه السكنى، أما على وجه العمل فلا بأس، بشرط ألا نخشى منهم محظوراً، فإن خشينا منهم محظوراً مثل بث أفكارهم بيننا، أو شرب الخمر علناً، أو تصنيع الخمر وبيعه على الناس، فإنه لا يجوز إقرارهم أبداً؛ لأنهم يكونون في هذه الحال مفسدين في الأرض، ثم من جملة أحكام أهل الذمة ما ذكره المؤلف.
قوله: «وإن تهوَّد نصراني أو عكسه» تهود نصراني، أي: صار النصراني يهوديّاً، وعكسه بأن تنصَّر يهودي، أي: صار اليهودي نصرانيّاً، وأيهما أكمل أن يتهوَّد النصراني، أو يتنصَّر اليهودي؟
نقول: كلها باطلة؛ لأن اليهودي إذا انتقل إلى النصرانية فقد انتقل إلى دين منسوخ لا يقبله الله ـ عزّ وجل ـ، وصحيح أن النصارى بعد اليهود، وأنهم أقرب إلى الحق من اليهود، وإن كانوا كلهم على باطل، لكن النصارى يؤمنون بعيسى، واليهود لا يؤمنون به؛ ولهذا كانوا أقرب إلى الحق من اليهود، أما من جهة الكفر فهم في الحقيقة على حد سواء.
وكان النصارى قبل البعثة ضالين يعبدون الله على ضلال ويريدون الحق، لكن عموا عنه ـ والعياذ بالله ـ واليهود كانوا مغضوباً عليهم؛ لأنهم يعلمون الحق ولكن لم يعملوا به، أما بعد بعثة الرسول صلّى الله عليه وسلّم فكانوا كلهم مغضوباً عليهم، اليهود والنصارى؛ لأن اليهود تركوا الحق عن عمد، والنصارى ـ أيضاً ـ تركوا الحق عن عمد، فلا فرق بينهم، فيكون الجميع على دين غير مقبول عند الله لا اليهود ولا النصارى، لكن لا شك أن طبائع اليهود وغلظهم وخداعهم وخيانتهم ومكرهم أشد وأعظم من النصارى، ومع ذلك بعد الحروب التي وقعت بين النصارى والمسلمين صار النصارى يكنّون للمسلمين، مثل ما يكنّ اليهود لهم، فنسأل الله تعالى أن يدفع الجميع عنا.
قوله: «لم يقر ولم يقبل منه إلا الإسلام أو دينه» أي: لو أن النصراني صار يهودياً نقول: لا نقبل منك، فإما أن تسلم، وإما أن ترجع إلى دينك الذي انتقلت منه.
وإن تمجَّس نصراني فمن باب أولى، أو تنصَّر مجوسي فكذلك، فكل من انتقل عن دينه الذي هو عليه، قلنا له: إما أن ترجع وإما أن تسلم؛ وذلك لأنه لا يمكن أن ينتقل إلى دين أفضل من حيث القبول عند الله، فكل الأديان سوى الإسلام غير مقبولة عند الله، فلا فائدة من انتقاله.
وإذا تنصر يهودي ـ أيضاً ـ لا نقبل منه، فنقول: إما أن ترجع إلى اليهودية وإما أن تسلم.
وقال بعض أهل العلم: إن تهود نصراني لا يقبل منه إلا الإسلام؛ لأن انتقاله من النصرانية إلى اليهودية إقرار منه بأن النصرانية باطلة وانتقل إلى دين باطل، إذاً الدين الذي كنت عليه أولاً باطل، والذي انتقلت إليه ـ أيضاً ـ باطل، فلا نقرك على الباطل، ونقول: أسلم وإلا قتلناك، ولا شك أن لهذا القول وجهاً قويّاً، فإن أبى وقال: لا أرجع ولا أسلم، فإنه يقتل؛ لأنه على غير دين صحيح الآن، ولكن الإمام أحمد سئل عن ذلك فتوقف فيه أو قال: لا يقتل، ولكن الذي يظهر من الأدلة أنه يقتل؛ لأنه الآن على دين لا يقر عليه، لكن الإمام أحمد ـ رحمه الله ـ رأى أنه ذو ذمة وعهد، وأن ذمته وعهده لا ينتقض بذلك، فلا يجوز أن يقتل، هذا وجه قول الإمام أحمد: إننا لا نقتله.


[1] أخرجه البخاري في الديات/ باب العاقلة (6903) عن علي ـ رضي الله عنه ـ.
[2] أخرجه البخاري في الحدود/ باب أحكام أهل الذمة (6841)؛ ومسلم في الحدود/ باب رجم اليهود في الزنى (1699) عن ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ.
تنبيه: ابن صوريا أحد أحبار اليهود، وقد ورد التصريح باسمه في رواية الطبري في «تفسيره» (11921) ط/شاكر.
[3] أخرجه البيهقي (9/202)؛ وابن حزم في «المحلى» (7/346) عن عبد الرحمن بن غنم ـ رضي الله عنه ـ.
[4] أخرجه مسلم في السلام/ باب النهي عن ابتداء أهل الكتاب بالسلام (2167)، عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ.
[5] أخرجه الإمام أحمد (3/132، 134)؛ والترمذي في الأدب/ باب ما جاء في كراهية قيام الرجل للرجل (2754) عن أنس ـ رضي الله عنه ـ. وقال الترمذي: «حسن صحيح»، وفي «تخريج المشكاة» (3/331): «إسناده صحيح».
[6] أخرجه البخاري في الجهاد/ باب إذا نزل العدو على حكم رجل (3043)؛ ومسلم في الجهاد/ باب جواز قتال من نقض العهد (1768) عن أبي سعيد الخدري ـ رضي الله عنه ـ.
[7] أبو داود في الأدب/ باب الرجل يقوم للرجل يعظمه بذلك (5230) وابن ماجه في الدعاء/ باب دعاء رسول الله صلّى الله عليه وسلّم (3836) عن أبي أمامة ـ رضي الله عنه ـ.
[8] أخرجه مسلم في الصلاة/ باب ائتمام المأموم بالإمام (413) عن جابر ـ رضي الله عنه ـ.
[9] سبق تخريجه ص(44).
[10] أخرجه البخاري في الاستئذان/ باب كيف الرد على أهل الذمة (6258)؛ ومسلم في السلام/ باب النهي عن ابتداء أهل الكتاب بالسلام (2163) عن أنس ـ رضي الله عنه ـ.
[11] سبق تخريجه ص(71).
[12] أخرجه البخاري في الاستئذان/ باب كيف الرد على أهل الذمة (6927)؛ ومسلم في السلام/ باب النهي عن ابتداء أهل الذمة بالسلام (2593)، عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ.
[13] سبق تخريجه ص(73).
[14] أخرجه البخاري في الاستئذان/ باب من لم يسلم على من اقترف ذنباً (6257)؛ ومسلم في الآداب/ باب النهي عن ابتداء أهل الكتاب بالسلام (2164)، عن ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ.
[15] أخرجه البخاري في الجنائز/ باب إذا أسلم الصبي (1356)، عن أنس ـ رضي الله عنه ـ.
[16] أخرجه البخاري في بدء الوحي/ باب كيف كان بدء الوحي إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم (1) ومسلم في الإمارة/ باب قوله صلّى الله عليه وسلّم إنما الأعمال بالنية (1907) عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
[17] أخرجه الإمام أحمد (1/195)؛ والدارمي (2498)؛ والبيهقي (9/208) عن أبي عبيدة ـ رضي الله عنه ـ، ولفظه: «أخرجوا يهود الحجاز وأهل نجران من جزيرة العرب»، وقال الهيثمي في «المجمع» (5/328): «رواه أحمد بأسانيد، ورجال طريقين منها ثقات متصل إسنادهما».
وأخرجه الطبراني في «الكبير» (23/265) عن أم سلمة، ولفظه: «أخرجوا اليهود من جزيرة العرب».
وفي «المجمع» (5/328): «رواه الطبراني من طريقين، ورجال أحدهما رجال الصحيح».
[18] أخرجه البخاري في المغازي/ باب مرض النبي ووفاته (4431)؛ ومسلم في الوصية/ باب ترك الوصية لمن ليس له شيء يوصي فيه (1637)، عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ.
[19] أخرجه مسلم في الجهاد والسير/ باب إخراج اليهود والنصارى من جزيرة العرب (1767) عن عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ.


موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
في, فصل

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 10:58 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir