دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > علوم الحديث الشريف > مكتبة علوم الحديث الشريف > جامع متون الأحاديث > جامع الأصول من أحاديث الرسول

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 23 جمادى الأولى 1431هـ/6-05-2010م, 03:26 PM
ريم الحربي ريم الحربي غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Jan 2010
الدولة: بلاد الحرمين
المشاركات: 7,079
افتراضي كتاب في النبوة: الباب الخامس: معجزاته ودلائل نبوته صلى الله عليه وسلم

الباب الخامس: في معجزاته ودلائل نبوته - صلى الله عليه وسلم -
الفصل الأول: في إخباره عن المغيبات
8874 - (خ م) جابر بن سمرة - رضي الله عنه -: قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:«إذا هلك كسرى فلا كسرى بعده، وإذا هلك قيصر فلا قيصر بعده، والذي نفسي بيده: لتنفقنّ كنوزهما في سبيل الله»، أخرجه البخاري، ومسلم.

8875 - (خ م ت) أبو هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «إذا هلك كسرى فلا كسرى بعده، وإذا هلك قيصر فلا قيصر بعده، والذي نفسي بيده، لتنفقن كنوزهما في سبيل الله».
وفي رواية أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «هلك كسرى ثم لا يكون كسرى، وقيصر ليهلكنّ، ثم لا يكون قيصر بعده، ولتنفقنّ كنوزهما في سبيل الله».
زاد في رواية في آخره: «وسمّى الحرب خدعة». أخرجه البخاري، ومسلم، والترمذي.

[شرح الغريب]
الحرب خدعة: تروى بفنح الخاء، وهي اللغة الفصحى، وهي المرة الواجدة من الخداع، يعني: أن الحرب بمرة واحدة من الخداع يبلغ فيها الغرض، لأن الخصم متى انخدع غلب وقهر، وتروى بضم الخاء، وهي الاسم من الخداع، وقد روى بصم الخاء وفتح الدال - بوزن همزة - أي: إن الحرب تخدع الرجال كثيرا.

8876 - (م) جابر بن سمرة - رضي الله عنه -: قال عامر بن سعد بن أبي وقاص كتبت إلى جابر بن سمرة مع غلامي نافع: أن أخبرني بشيء سمعته من رسول الله -صلى الله عليه وسلم-. فكتب إليّ «سمعت من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يوم جمعة، عشيّة رجم الأسلميّ. قال: لا يزال الدين قائما حتى تقوم الساعة، أو يكون عليكم اثني عشر خليفة، كلهم من قريش. وسمعته يقول: عصيبة من المسلمين يفتتحون البيت الأبيض: بيت كسرى - أو آل كسرى - وسمعته يقول: إن بين يدي الساعة كذابين، فاحذروهم، وسمعته يقول: إذا أعطى الله أحدكم خيرا فليبدأ بنفسه، وأهل بيته. وسمعته يقول: أنا الفرط على الحوض».
وفي رواية سماك بن حرب عن جابر بن سمرة: أنّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «لتفتحنّ عصابة من المسلمين - أو من المؤمنين - كنز آل كسرى الذي في الأبيض».
وفي رواية أخرى قال: «لن يبرح هذا الدين قائما يقاتل عليه عصابة من المسلمين حتى تقوم الساعة». أخرجه مسلم. وقد تقدم بعض الحديث في كتاب الخلافة من حرف الخاء.

[شرح الغريب]
الفرط: الذي يتقدم الوراد، فيهيئ لهم الحبال والدرلاء والحياض ويستقى لهم، وهو فعل بمعنى فاعل، يقال:رجل فرط، وقوم فرط.

8877 - (خ) عدي بن حاتم - رضي الله عنه - قال: «بينما أنا عند النبي -صلى الله عليه وسلم-، إذ أتاه رجل. فشكا إليه الفاقة، ثم أتاه آخر فشكا إليه قطع السبيل فقال يا عدي، هل رأيت الحيرة؟ قلت: لم أرها، وقد أنبئت عنها،قال: إن طالت بك حياة لترينّ الظّعينة ترحل من الحيرة حتى تطوف بالكعبة. لا تخاف أحدا إلا الله تعالى.
قلت: فيما بيني وبين نفسي: فأين دعّار طيّء الذين سعّروا في البلاد؟ - ولئن طالت بك حياة لتفتحن كنوز كسرى، قلت: كسرى بن هرمز؟ قال: كسرى بن هرمز، ولئن طالت بك حياة لترينّ الرجل يخرج ملء كفّه من ذهب أو فضة يطلب من يقبله، فلا يجد أحدا يقبله منه، وليلقينّ الله أحدكم يوم يلقاه، وليس بينه وبينه حجاب، ولا ترجمان يترجم له. فليقولن: ألم أبعث إليك رسولا فيبلغك؟ فيقول: بلى يا رب، فيقول: ألم أعطك مالا وأفضل عليك؟ فيقول: بلى، فينظر عن يمينه، فلا يرى إلا جهنم، وينظر عن يساره فلا يرى إلا جهنمي. قال عدي: فسمعت النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: اتقوا النار، ولو بشق تمرة، فمن لم يجد شقّ تمرة فبكلمة طيبة.
قال عدي: فرأيت الظعينة ترتحل من الحيرة حتى تطوف بالكعبة لا تخاف إلا الله. وكنت فيمن افتتح كنوز كسرى بن هرمز. ولئن طالت بكم حياة لترونّ ما قال أبو القاسم -صلى الله عليه وسلم- يخرج». أخرجه البخاري.

[شرح الغريب]
الظعينة: المرأة ما دامت في الهودج، هذا هو الأصل، ثم سميت به المرأة ظعينة وإن لم تكن في هودج ولا مسافرة.
الدعار: بالدل المهملة، قطاع الطرق، والذي يخيفون الناس في مقاصدهم، وأصل الدعر: الفساد.
سعروا البلاد: ملأوها شرا وفسادا، مأخوذ من استعار النار وهو إيقادها والتهابها.

8878 - (م) أبو ذر الغفاري - رضي الله عنه -: قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «إنّكم ستفتحون أرضا يذكر فيها القيراط - وفي رواية: ستفتحون مصر. وهي أرض يسمّى فيها القيراط - فاستوصوا بأهلها خيرا. فإن لهم ذمّة ورحما».
وفي أخرى: «فإن فتحتموها فأحسنوا إلى أهلها، فإن لهم ذمة ورحما - أو قال: ذمة وصهرا - فإذا رأيت رجلين يختصمان فيها في موضع لبنة فاخرج منها، قال: فمرّ بربيعة، وعبد الرحمن بني شرحبيل بن حسنة يتنازعان في موضع لبنة، فخرج منها». وفي أخرى: «فرأيت، فخرجت». أخرجه مسلم.

8879 - (م د ت) ثوبان - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «إنّ الله زوى لي الأرض. فرأيت مشارقها ومغاربها. وإن أمّتي سيبلغ ملكها ما زوي لي منها. وأعطيت الكنزين الأحمر والأبيض، وإني سألت ربي لأمتي: أن لا يهلكها بسنة عامّة، وأن لا يسلّط عليهم عدوّا من سوى أنفسهم، فيستبيح بيضتهم، وإن ربيّ قال لي: يا محمد، إذا قضيت قضاء فإنه لا يرد، وإني أعطيتك لأمتك: أن لا أهلكهم بسنة عامّة، ولا أسلّط عليهم عدوّا من سوى أنفسهم يستبيح بيضتهم، ولو اجتمع عليهم من بأقطارها - أو قال: من بين أقطارها- حتى يكون بعضهم يهلك بعضا، ويسبي بعضهم بعضا».
وفي رواية: أن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- قال: «إنّ الله زوى لي الأرض حتى رأيت مشارقها ومغاربها، وأعطاني الكنزين: الأحمر والأبيض» ثم ذكر نحوه. أخرجه مسلم.
وزاد أبو داود: «وإنما أخاف على أمتي الأئمة المضلّين، وإذا وضع السيف في أمتي لم يرفع عنها إلى يوم القيامة، ولا تقوم الساعة حتى تلتحق قبائل من أمتي بالمشركين، وحتى تعبد قبائل من أمتي الأوثان، وإنه سيكون في أمتي كذابون ثلاثون، كلهم يزعم أنه نبي، وأنا خاتم النبيين، لا نبي بعدي. ولا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين لا يضرهم من خالفهم حتى يأتي أمر الله».
وقد أخرج مسلم بعض هذه الزيادة عن ثوبان، وهي قوله: «لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين - إلى» آخرها.
وقد أخرج الترمذي الزيادة كلها مفردة. وهو مذكور في «كتاب الفتن» من حرف الفاء.

[شرح الغريب]
بسنة عامة، السنة: الجدب والشدة.العامة: التي تعم الكل.
زوي لي، زويت الشيء لفلان، أي:جمعته له وضمته إليه، وقوله:«وإن ملك أمتي سيبلغ ما زوي لي منها» مع معجزاته -صلى الله عليه وسلم-، لأن مالك أمته بل من المشارق والمغارب كثيرا واسعا، أما من الغرب: فإلى منتهى الأرض وأما من الشرق: فإلى أقاصى العمارة، والباقي من الشرق يسير بالنسبة إلى المملوك منه، وأما جهة الجنوب وجهة الشمال: فلم يبلغ ملك الأم الإسلامية فيهما كثيرا مبلغه في جهتي الشرق والغرب. فكان هذا منه -صلى الله عليه وسلم- إخبارا عما يقع في المستقبل.
وقال الخطابي: قوله:ما زوي لي منها «يتوهم بعض الناس: أن حرف «من» ها هنا معناه: التبعيض، وليس كذلك، وإنما معناه: التفصيل للجملة المتقدمة، والتفصيل لا يناقض الجملة، ولا يبطل شيئا منها، لكنه يأتي عليها شيئا شيئا. ويستوفيا جزءا جزءا. والمعنى: أن الأرض زويت جملتها له مرة واحدة، ثم يفتح له جزء جزء منها، حتى يأتي علهيا كلها فيكون هذا معى التبعيض فيها، وهذا القول كما تراه.
والذي ينبغي أن يقال في ذلك: إن قوله:«زويت لي الأرض»أي جمعت، فرأيت مشارقها ومغربها، اعترف منه أنه لمازويت له، لم ير إلا مشارقها ومغاربها، وقوله:«وسيبلغ ذلك أمتي مازوى لي مها» يعني المشارق والمغارب التي رآها، لأنه لما قصر رؤيته على المشارق والمغرب، كان كأنما زوى له من الأرض ما رآها منها. وهذا ظاهر، فإنا نعلم أن الأرض إذا زويت له فنظر إليها يبقى منها أماكن لا يراها، وهي ما كان من الجهة المقابلة لموضع نظره مما تحت الأرض، فيكون معنى قوله:«ما زوى لي منها» أي: ما وقع نظري عليه منها، فيكون «من» للتبعيض حقيقة في هذا المكان، وهذا يقتضى أن ملك الأمة لا يستوعب الأرض جميعا، لأنه مقصر ملك أمته على ما رآه منها، ويعضد ذلك: كون الحالة هكذا.
بيضة الناس، مجتمعهم ومعظهم. وبيضة البلد: وسطه ومعظمه، و«استباحهم»: جعلهم مباحا، يأخذهم أسرا وقتلا، ويتصرف، فيهم كيف شاء

8880 - (خ م د ت س) جابر بن عبد الله - رضي الله عنهما - قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «هل لكم من أنماط؟ قلت: وأنّى تكون لنا الأنماط؟ قال: أما إنها ستكون، فكانت، قال: فأنا أقول لها - يعني امرأته - أخّري عنا أنماطك، فتقول: ألم يقل رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: سيكون لكم الأنماط؟ فأدعها».
أخرجه البخاري، ومسلم، والترمذي. وانتهت رواية أبي داود عند قوله: «ستكون لكم الأنماط».
وفي رواية النسائي قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «هل تزوجت؟ قلت: نعم، قال: اتخذتم أنماطا؟ - وذكر الحديث - إلى قوله: ستكون».

[شرح الغريب]
أنماط: الأنماط جمع نمط، وهو من البسط معروف.

8881 - (د) أبو هريرة - رضي الله عنه - أنّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «إنّ الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدّد لها دينها». أخرجه أبو داود.
[شرح الغريب]
من يجدد لها دينها: قد تكلم العلماد في تأويل هذا الحديث، كل واحد في زمانه، وأشاروا إلى القائم الذي يجدد للناس على رأس كل مائة سنة، كأن كل قائيل قد مال إلى مذهبه وحمل تأويل الحديث عليه، والأوى أن يحمل الحديث على العموم، فإن قوله -صلى الله عليه وسلم-:«إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها» ولا يلزم منه أن يكون المبعوث على رأس المائة رجلا واحدا، وإنما قد يكون واحدا، وقد يكون أكثر منه فإن لفظه «من» تقع على الواحد والجمع، وكذلك لا يلزم منه أن يكون أراد بالمبعوث: الفقهاء خاصة، كما ذهب إليه بعض العلماء، فإن انتفاع الأمة بالفقهاء، وإن كان نفعا عاما في أمور الدين، فان انتفاعهم بغيرهم أيضا كثير مثل أولي الأمر، وأصحاب الحديث والقراء والوعاظ، وأصحاب الطبقات من الزهاد، فإن كل قوم ينفعون بفن لا ينفع به الآخر، إذ الأصل في حفظ الدين حفظ قانون السياسة، وبث العدل والتناصف الذي به تحقن الدماء ويتمكن من إقامة قوانين الشرع، وهذا وظيفة أولي الأمر، وكذلك أصحاب الحديث: ينفعون بضبط الأحاديث التي هي أدلة الشرع، والقراء ينفعون بحفظ القراءات وضبط الروايات، والزهاد ينفعون بالمواعظ والحث على لزوم التقوى والزهد في الدنيا، فكل واحد ينفع بغير ما ينفع به الآخر، لكن الذي ينبغي أن يكون المبعوث على رأس المائة: رجلا مشهورا معورفا، مشارا إليه في كل فن من هذه الفنون، فإذا حمل تأويل الحديث على هذا الوجه كان أولى، وأبعد من التهمة، وأشبه بالحكمة، فإن اختلاف الأئمة رحمة، وتقرير أقوال المجتهدين متعين، فإذا ذهبنا إلى تخصيص القول على أحد المذاهب، وأولنا الحديث عليه، بقيت المذاهب الأخري خارجة عن احتمال الحديث لها، وكان ذلك طعنا فيها.
فالأحسن والأجدر أن يكون ذلك إشارة إلى حدوث جماعة من الأكابر المشهورين على رأس كل مائة سنة يجددون للناس دينهم، ويحفظون مذاهبهم التي قلدوا فيها مجتهديهم وأعمتهم.
ونحن نذكر الآن المذاهب المشهورة في الإسلام التي عليها مدار السلمين في أقطار الأرض، وهي مذهب الشافعي، وأبي حنيفة، ومالك، وأحمد ومذهب الإمامية، ومن كان المشار إليه من هؤلاء على رأس كل مائة سنة وكذلك من كان المشار إليه من باقي الطبقات.
وأما من كان قبل هذه المذاهب المذكورة، فلم يكن الناس مجتتعين على مذهب إمام بعينه، ولم يكن قبل ذلك إلا المائة الأولى، كان على رأسها من أولي الأمر: عمر بن عبد العزيز، ويكفي الأمة في هذه المائة وجوده خاصة، فإنه فعل في الإسلام ما ليس بخاف.
وكان من الفقهاء بالمدينة: محمد بن علي الباقر، والقاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق، وسالم بن عبد الله بن عمر.
وكان بمكة منهم: مجاهد بن جبر، وعكرمة مولى ابن عباس، وعطاء بن أبي رباح.
وكان باليمن: طاووس، وبالشام: مكحول، وبالكوفة:عامر بن شراحل الشعبي، وبالبصرة: الحسن البصري، ومحمد بن سيرين.
وأما القراء على رأس المائة الأولى، فكان القائم بها عبد الله بن كثير.
وأما المحدثون:فمحمد بن شهاب الزهري، وجماعة كثيرة مشهورون من التابعين وتابع التابعين.
وأما من كان على رأس المائة الثانية، فمن أولي الأمر: المأمون بن الرشيد. ومن الفقهاء: الشافعي، والحسن بن زياد اللؤلؤي من أصحاب أبي حنيفة، وأشهب بن عبد العزيز من أصحاب مالك، وأما أحمد: فلم يكن يومئذ مشهورا، فإنه مات سنة إحدى وأربعين ومائتين.
ومن الإمامية: علي بن موسى الرضي: ومن القراء: يعقوب الحضرمي، ومن المحدثين:يحيى بن معين، ومن الزهاد: معروف الكرخي.
وأما من كان على رأس المائة الثالثة، فمن أولي الأمر:المقتدر بأمر الله، ومن الفقهاء:أبو العباس بن سريج من أصحاب الشافعي، وأبو جعفر أحمد بن محمد بن سلامة الطحاوي من أصحاب أبي حنيفة... من أصحاب مالك وأبو بكر بن هارون الخلال من أصحاب أحمد، وأبو جعفر محمد بن يعقوب الرازي بن الإمامية.
ومن المتكلمين: أبو الحسن علي بن إسماعيل الأشعري.
ومن القراء: أبو بكر أحمد بن موسى بن مجاهد.
ومن المحدثين: أبو عبد الرحمن بن شعيب النسائي.
وأما من كان على رأس المائة الرابعة، فمن أولى الأمر: القادر بالله، ومن الفقهاء: أبو حامد أحمد بن طاهر الأسفرايبني من أصحاب الشافعي، وأبو بكر محمد بن موسى الخوارزمي من أصحاب أبي حنيفة وأبو محمد عبد الوهاب بن علي بن نصر من أصحاب مالك، وأبو عبد الله الحسين بن علي بن حامد، من أصحاب أحمد.
ومن الإمامية: المرتضى الموسوي أخو الرضي الشاعر.
ومن المتكلمين: القاضي أبو بكر محمد بن الطيب الباقلاني، والأستاذ أبو بكر محمد بن الحسن بن فورك.
ومن المحدثين: أبو عبد الله محمد بن عبد الله النيسابوري المعروف بالحاكم بن البيع.
ومن القراء: أبو الحسن علي بن أحمد الحمامي.
ومن الزهاد: أبو بكر محمد بن علي الدينوري.
وأما من كان على رأس المائة الخامسة، فمن أولي الأمر: المستظهر بالله.
ومن الفقهاء: الإمام أبو حامد محمد بن محمد الغزالي من أصحاب الشافعي، والقاضي فخر الدين محمد بن علي الأرسابندي المروزي من أصحاب أبي حنيفة... من أصحاب مالك، وأبو الحسن علي بن عبيد الله الزاغوني من أصحاب أحمد.
ومن المحدثين: رزين بن معاوية العبدري.
ومن القراء: أبو العز محمد بن الحسين بن بندار القلانسي.
هؤلاء كانوا المشهورين في هذه الأزمنة المذكورة.
وقد كان قبيل كل مائة أيضا من يقوم بأمور الدين، وإنما المراد بالذكر من انقضت المائة وهو حي عالم مشهور مشار إليه.

8882 - (خ م د) حذيفة بن اليمان - رضي الله عنهما - قال: «قام فينا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مقاما، فما ترك شيئا يكون من مقامه ذلك إلى قيام الساعة إلا حدّثه، حفظه من حفظه ونسيه من نسيه، قد علمه أصحابي هؤلاء، وإنه ليكون منه الشيء قد نسيته، فأراه فأذكره، كما يذكر الرجل وجه الرجل إذا غاب عنه، ثم إذا رآه عرفه». أخرجه البخاري، ومسلم، وأبو داود.
8883 - (م) حذيفة بن اليمان - رضي الله عنهما - قال: «أخبرني رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بما هو كائن إلى أن تقوم الساعة، فما منه شيء إلا وقد سألته، إلا أني لم أسأله: ما يخرج أهل المدينة من المدينة؟» أخرجه مسلم.
8884 - (م) عمرو بن أخطب الأنصاري - رضي الله عنه - قال: «صلّى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يوما الفجر، وصعد على المنبر، فخطبنا حتى حضرت الظهر، فنزل فصلى، ثم صعد المنبر، فخطبنا حتى حضرت العصر، ثم نزل فصلى، ثم صعد المنبر حتى غربت الشمس. فأخبرنا بما كان وبما هو كائن إلى يوم القيامة، قال: فأعلمنا أحفظنا». أخرجه مسلم.
8885 - (م) جابر بن عبد الله - رضي الله عنهما -: «أنّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قدم من سفر، فلما كان قرب المدينة هاجت ريح شديدة، تكاد أن تدفن الراكب، فزعم أنّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: بعثت هذه الريح لموت منافق، فلما قدمنا المدينة إذا عظيم من المنافقين قد مات». أخرجه مسلم.
8886 - (خ) أبو هريرة - رضي الله عنه -: قال: «لما فتحت خيبر أهديت لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- شاة فيها سم، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: اجمعوا لي من كان ههنا من اليهود، فجمعوا له، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: إني سائلكم عن شيء، فهل أنتم صادقيّ عنه؟ قالوا: نعم يا أبا القاسم، فقال لهم رسول -صلى الله عليه وسلم-: من أبوكم؟ قالوا: فلان، قال: كذبتم، بل أبوكم فلان، قالوا: صدقت وبررت، فقال: هل أنتم صادقي عن شيء إن سألتكم عنه؟ قالوا: نعم يا أبا القاسم، وإن كذبناك عرفت كما عرفته في أبينا، قال لهم: من أهل النار؟ قالوا: نكون فيها يسيرا، ثم تخلفونا فيها، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: اخسئؤوا فيها، والله لا نخلفكم فيها أبدا، قال: هل أنتم صادقي عن شيء إن سألتكم عنه؟ قالوا: نعم يا أبا القاسم. قال: هل جعلتم في هذه الشاة سمّا؟ قالوا: نعم. قال: فما حملكم على هذا؟ قالوا: أردنا إن كنت كاذبا نستريح منك، وإن كنت صادقا لم يضرّك». أخرجه البخاري.
[شرح الغريب]
اخسؤوا: خسأت الكلب:إذا طردته وأبعدته.

8887 - (خ م د) أنس بن مالك - رضي الله عنه -: «أن امرأة يهوديّة أتت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بشاة مسمومة، فجيء بها إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فسألها عن ذلك؟ فقالت: أردت لأقتلك، فقال: ما كان الله يسلّطك على ذلك - أو قال: عليّ - قالوا: ألا نقتلها؟ قال: لا، قال: فما زلت أعرفها في لهوات رسول الله -صلى الله عليه وسلم-». أخرجه البخاري، ومسلم، وأبو داود.
[شرح الغريب]
اللهوات: جمع لهاة، وهي الهنة التي في أقصى الفم.

8888 - (د) محمد بن شهاب الزهري قال: كان جابر يحدّث: «أنّ يهودية من أهل خيبر سمّت شاة مصليّة، ثم أهدتها لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فأخذ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الذراع،وفأكل منها، وأكل رهط من أصحابه معه، ثم قال لهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ارفعوا أيديكم، وأرسل رسول -صلى الله عليه وسلم- إلى اليهودية، فدعاها، فقال لها: سممت هذه الشاة؟ قالت اليهودية: من أخبرك؟، قال: أخبرتني هذه الذراع التي بيدي، قالت: نعم، قال: وما أردت إلى ذلك؟ قالت: قلت: إن كان نبيا لم تضرّه، وإن لم يكن نبيا استرحنا منه. فعفا عنها رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ولم يعاقبها، وتوفّي بعض أصحابه الذين أكلوا من الشاة، واحتجم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على كاهله من أجل الذي أكل من الشاة، حجمه أبو هند بالقرن والشّفرة، وهو مولى لبني بياضة من الأنصار».
وفي رواية أبي سلمة نحوه، وفيها: «فمات بشر بن البراء بن معرور الأنصاري، فأرسل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى اليهودية: ما حملك على الذي صنعت؟ - فذكر نحوه - فأمر بها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقتلت». ولم يذكر أمر الحجامة. أخرجه أبو داود.
وهذا الحديث موضعه: الفصل الثاني من هذا الباب، وإنما ذكرناه ههنا ليجيء في جملة أحاديث الشاة المسمومة.

[شرح الغريب]
مصلية: شاة مصلية، أي: مشوية.
الكاهل: مابين الكتفين.

8889 - (د) عاصم بن كليب عن أبيه عن رجل من الأنصار: قال: «خرجنا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في جنازة، فرأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو على القبر يوصي الحافر، يقول: أوسع من قبل رجليه، أوسع من قبل رأسه، فلما رجع استقبله داعي امرأة، فأجاب، ونحن معه، فجيء بالطعام، فوضع يده، ثم وضع القوم، فأكلوا، ففطن آباؤنا ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- يلوك لقمة في فمه، ثم قال: أجد لحم شاة أخذت بغير إذن أهلها، فأرسلت المرأة تقول: يا رسول الله، إني أرسلت إلى النّقيع - وهو موضع تباع فيه الغنم - لتشترى لي شاة، فلم توجد، فأرسلت إلى جار لي قد اشترى شاة: أن يرسل بها إليّ بثمنها، فلم يوجد، فأرسلت إلى امرأته، فأرسلت إليّ بها، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: أطعمي هذا الطعام الأسرى». أخرجه أبو داود.
[شرح الغريب]
يلوك: لاك اللقمة في فيه يلوكها: إذا مضعها.

8890 - (خ م س) عائشة - رضي الله عنها -: أن بعض أزواج النبي -صلى الله عليه وسلم-، قلن: «يا رسول الله، أيّنا أسرع بك لحوقا؟ قال: أطولكن يدا. فأخذوا قصبة يذرعونها. فكانت سودة أطولهن يدا. فعلمنا بعد: أنما كان طول يدها الصدقة. وكانت أسرعنا لحوقا به، وكانت تحب الصدقة». أخرجه البخاري، ومسلم.
ولمسلم قالت: قال رسول الله-صلى الله عليه وسلم-:«أسرعكن لحوقا بي أطولكن يدا،قالت: فكنّ يتطاولن،أيّتهن أطول يدا،فكانت أطولنا يدا زينب،لأنها كانت تعمل بيدها وتتصدق».

8891 - (د) هلال بن عمرو: قال: سمعت عليا يقول: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «يخرج رجل من وراء النهر، يقال له: الحارث، على مقدّمته رجل يقال له: منصور، يوطّئ - أو يمكّن - لآل محمد كما مكّنت قريش لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وجب على كل مؤمن نصره، أو قال: إجابته». أخرجه أبو داود.
8892 - ابن أبي كثير قال: قال أبو سهم: «مرّت بي امرأة في المدينة، فأخذت بكشحها، ثم أطلقتها، فأصبح رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في المدينة يبايع الناس، فأتيته، فقال: ألستصاحب الجبذة بالأمس؟ قلت: بلى، فإني لا أعود يا رسول الله، فبايعني». أخرجه رزين.
الفصل الثاني: في تكليم الجمادات له، وانقيادها إليه - صلى الله عليه وسلم -
8893 - (ت) علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - قال: «كنت مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بمكة، فخرجنا في بعض نواحيها، فما استقبله شجر ولا جبل إلا وهو يقول: السلام عليك يا رسول الله». أخرجه الترمذي.

8894 - (م ت) جابر بن سمرة - رضي الله عنه - أنّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «إنّ بمكة حجرا كان يسلّم عليّ ليالي بعثت، إني لأعرفه الآن». أخرجه مسلم، والترمذي.
8895 - (ت) عبد الله بن عباس - رضي الله عنهما -: قال: «جاء أعرابي إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فقال: بم أعرف أنّك رسول الله؟ قال: إن دعوت هذا العذق من النخلة شهد أني رسول الله؟، فدعاه رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فجعل العذق ينزل من النخلة، حتى سقط إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فسلّم عليه، وقال: السلام عليك يا رسول الله، ثم قال له رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ارجع إلى موضعك، فعاد إلى موضعه والتأم، فأسلم الأعرابيّ عند ذلك».أخرجه الترمذي، ولم يذكر «سلام العذق على النبي -صلى الله عليه وسلم-».
8896 - (خ م) معن بن عبد الرحمن قال: سمعت أبي، قال: سألت مسروقا: «من آذن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- بالجن ليلة استمعوا القرآن؟ فقال: حدثني أبوك - يعني: عبد الله بن مسعود - أنه قال: آذنت بهم شجرة». أخرجه البخاري، ومسلم.
8897 - (خ س) جابر بن عبد الله - رضي الله عنهما - قال: «كان في مسجد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- جذع في قبلته، يقوم إليه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في خطبته، فلما وضع المنبر سمعنا للجذع مثل أصوات العشار، حتى نزل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فوضع يده عليه».
قال الحسن: «كان والله يحنّ لما كان يسمع عنده من الذكر».
وفي رواية قال: «كان المسجد مسقوفا على جذوع من نخل، فكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا خطب يقوم إلى جذع منها». وذكر نحوه.
وفي رواية: «أن امرأة من الأنصار قالت لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ألا أجعل لك شيئا تقعد عليه؟ فإن لي غلاما نجارا، قال: إن شئت، قال: فعملت له المنبر، فلما كان يوم الجمعة قعد النبيّ -صلى الله عليه وسلم- على المنبر الذي صنع له فصاحت النّخلة التي كان يخطب عندها، حتى كادت تنشق - وفي أخرى: فصاحت النخلة صياح الصبي - فنزل النبي -صلى الله عليه وسلم- حتى أخذها فضمها إليه، فجعلت تئنّ أنين الصبيّ الذي يسكّت،حتى استقرت». قال:بكت على ما كانت تسمع من الذكر. أخرجه البخاري.
وفي رواية النسائي: قال: «كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا خطب يستند إلى جذع نخلة من سواري المسجد، فلما صنع المنبر، واستوى عليه اضطربت تلك السارية، تحنّ كحنين الناقة، حتى سمعها أهل المسجد، حتى نزل إليها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فاعتنقها».

[شرح الغريب]
العشار، جمع عشراء، وهي الناقة الحامل التي أتى عليها عشرة أشهر من حملها.

8898 - (خ ت) عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما - قال: «كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يخطب إلى جذع، فلما اتّخذ المنبر تحوّل إليه، فحنّ الجذع، فأتاه فمسح بيده عليه». وفي رواية: «أن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- لما أسنّ وكبر، قيل: ألا نتخذ لك منبرا؟ -..»وذكر الحديث، وفيه: «فنزل فاحتضنه، وسارّه بشيء». أخرجه البخاري.
وفي رواية الترمذي: «فأتاه فالتزمه، فسكن».

8899 - (ت) أنس بن مالك - رضي الله عنه -«أنّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- خطب إلى لزق جذع، واتخذوا له منبرا يخطب عليه. فحنّ الجذع حنين الناقة، فنزل النبي -صلى الله عليه وسلم- فمسكه، فسكن». أخرجه الترمذي.
الفصل الثالث: في زيادة الطعام والشراب
8900 - (خ م) عمران بن حصين - رضي الله عنه - قال: «كنا في سفر مع النبي -صلى الله عليه وسلم-. وإنا أسرينا، حتى إذا كنا في آخر الليل وقعنا وقعة، ولا وقعة عند المسافر أحلى منها، فما أيقظنا إلا حرّ الشمس، فكان أول من استيقظ فلان ثم فلان، ثم فلان - يسميهم أبو رجاء العطاردي، فنسي عوف - ثم عمر بن الخطاب الرابع، وكان النبيّ -صلى الله عليه وسلم- إذا نام لم نوقظه حتى يكون هو يستيقظ؛ لأنا لا ندري ما يحدث له في نومه، فلما استيقظ عمر، ورأى ما أصاب الناس، وكان رجلا جليدا - وعند مسلم: وكان أجوف جليدا - كبر ورفع صوته بالتكبير، فما زال يكبر، ويرفع صوته بالتكبير حتى استيقظ لصوته النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، فلما استيقظ شكوا إليه الذي أصابهم، فقال: لا ضير- أو لا يضير - ارتحلوا، فارتحل، فسار غير بعيد، ثم نزل، فدعا بالوضوء، فتوضأ، ونودي بالصلاة، فصلّى بالنّاس، فلما انفتل من صلاته إذا هو برجل معتزل لم يصلّ مع القوم، فقال: ما منعك يا فلان أن تصلي مع القوم؟ قال: أصابتني جنابة ولا ماء، قال: عليك بالصعيد فإنه يكفيك، ثم سار النبي -صلى الله عليه وسلم-، فاشتكى إليه الناس من العطش، فنزل، فدعا فلانا - كان يسميه أبو رجاء، ونسيه عوف - فقال: ودعا عليّا، فقال: اذهبا فابغيا الماء، فانطلقا، فتلقّيا امرأة بين مزادتين - أو سطيحتين - من ماء، على بعير لها، فقالا لها: أين الماء؟ فقالت: عهدي بالماء أمس هذه الساعة، ونفرنا خلوف.
قالا لها: انطلقي إذا، قالت: إلى أين؟ قالا: إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، قالت: الذي يقال له: الصابئ؟، قالا: هو الذي تعنين، فانطلقي فجاءا بها إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-، وحدّثاه الحديث، قال: فاستنزلوها عن بعيرها، ودعا النبي -صلى الله عليه وسلم- بإناء، فأفرغ فيه من أفواه المزادتين - أو السطيحتين - وأوكأ أفواههما، وأطلق الغزالي، ونودي في الناس: اسقوا واستقوا، فسقى من شاء، واستقى من شاء، وكان آخر ذلك: أن أعطى الذي أصابته الجنابة إناءا من ماء، فقال: اذهب فأفرغه عليك، وهي قائمة تنظر إلى ما يفعل بمائها. وايم الله لقد أقلع عنها، وإنه ليخيّل إلينا أنها أشدّ ملئة منها حين ابتدأ فيها.
فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: اجمعوا لها، فجمعوا لها من بين عجوة ودقيقة وسويقة، حتى جمعوا لها طعاما، فجعلوه في ثوب، وحملوها على بعيرها، ووضعوا الثوب بين يديها، وقال لها: تعلّمين ما رزئنا من مائك شيئا، ولكن الله هو الذي أسقانا، فأتت أهلها، وقد احتبست عنهم، وقالوا: ما حبسك يا فلانة؟ قالت: العجب. لقيني رجلان، فذهبا بي إلى هذا الصّابئ، ففعل كذا وكذا، والله إنه لأسحر الناس من بين هذه وهذه - وقالت: بإصبعيها السبابة، والوسطى، فرفعتهما إلى السماء وتعني: السماء والأرض - أو إنه لرسول الله حقّا. فكان المسلمون بعد يغيرون على من حولها من المشركين، ولا يصيبون الصّرم الذي هي منه، فقالت يوما لقومها: ما أرى إلا أن هؤلاء القوم يدعونكم عمدا، فهل لكم في الإسلام؟ فأطاعوها، فدخلوا في الإسلام».
وفي رواية: «إنّ أوّل من استيقظ أبو بكر، ثم استيقظ عمر، فقعد أبو بكر عند رأسه. فجعل يكبر، ويرفع صوته، حتى استيقظ النبي -صلى الله عليه وسلم-، وأنه عليه الصلاة والسلام قال: ارتحلوا، فساروا حتى إذا ابيضّت الشمس نزل، فصلّى بنا الغداة. قال عمران: ثم عجّلني في ركب بين يديه نطلب الماء، وقد عطشنا عطشا شديدا، فبينا نحن نسير إذا بامرأة سادلة رجلها بين مزادتين، فقلنا لها: أين الماء؟ قالت: هيهات هيهات، لا ماء لكم، فقلنا: كم بين أهلك وبين الماء؟ قالت: مسيرة يوم وليلة - وذكره - قال: فاستقبلنا بها رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فسألها فأخبرته بمثل الذي أخبرتنا، وأخبرته أنها مؤتمة، فأمر براويتها فأنيخت، فمجّ في العزلاوين العلياوين، ثم بعث بروايتها، فشربنا، ونحن أربعون رجلا عطاشا حتى روينا، وملأنا كل قربة معنا وإداوة.
وغسّلنا صاحبنا، غير أنّا لم نسق بعيرا، وهي تكاد تنضرج بالماء - يعني: المزادتين - ثم قال: هاتوا ما عندكم، فجمعنا لها من كسر وتمر، وصرّ لها صرّة، فقال لها: اذهبي، فأطعمي هذا عيالك، واعلمي أنا لم نرزأ من مائك شيئا، وإنما الله سقانا، فلما أتت أهلها قالت: لقد لقيت أسحر البشر، أو إنه لنبي كما زعم. وكان من أمره ذيت وذيت، فهدى الله ذلك الصّرم بتلك المرأة، فأسلمت وأسلموا». أخرجه البخاري، ومسلم.

[شرح الغريب]
جليداً الجليد: الجلد القوي في نفسه وجسمه.
الأجوف: الضخم الجوف، العظيمه.
الضير والضرر: المضرة، ولا يضير لا يضر، إلا أنه تفعل من الضير.
الصعيد: وجه الأرض، وقيل: التراب خاصة.
المزادة: القربة والراوية.
النفر: جماعة القوم، وقيل: هم من ثلاثة إلى عشرة.
الخلوف: الغيب عن الحي، والمعنى: أن الرجال قد خرجوا من الحي، وأقام النساء، وقيل: إن الخلوف من الأضداد، يكون بمعنى المقمين، والراحلين.
الصابئ: الذي خرج من دين إلى دين آخر، وكان المشركون يسمون رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: الصابئ، لمفارقته دينهم.
العزالي: أفواه المزادة السفلى، واحدها: عزلاء.
الإيكاء: الشد والربط، و"الوكاء": ما يشد به رأس القربة وغيرها من خيط ونحوه.
مارزأنا أي: ما أخذ منا ولا نقصنا.
الصرم: طائفة من القوم ينزلون بإبلهم ناحية من الماء منفردين.
امرأة موتمة أي: ذات أيتام.
تنضرج المزادة بالماء، أي: تنشق من الامتلاء.
ذيت وذيت: كيت وكيت، وكذا وكذا وهي من ألفاظ الكنايات.

8901 - (م د) أبو قتادة الأنصاري - رضي الله عنه - قال: «خطبنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فقال: إنكم تسيرون عشيّتكم وليلتكم، وتأتون الماء إن شاء الله غدا. فانطلق الناس لا يلوي أحد على أحد، قال أبو قتادة: فبينما رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يسير حتى ابهارّ الليل، وأنا إلى جنبه، قال: فنعس رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فمال عن راحلته، فأتيته فدعمته من غير أن أوقظه، حتى اعتدل على راحلته، قال: ثم سار، حتى إذا تهوّر الليل مال عن راحلته، قال: فدعمته، من غير أن أوقظه، حتى اعتدل على راحلته. قال: ثم سار حتى إذا كان من آخر السحر مال ميلة هي أشد من الميلتين الأوليين، حتى كاد ينجفل، فأتيته فدعمته، فرفع رأسه، فقال:من هذا؟ قال: أبو قتادة، قال: متى كان هذا مسيرك منّي؟ قلت: ما زال هذا مسيري منذ الليلة،قال: حفظك الله بما حفظت به نبيّه، ثم قال: هل ترانا نخفى على الناس؟ ثم قال هل ترى من أحد؟ قلت: هذا راكب، ثم قلت: هذا راكب آخر، حتى اجتمعنا فكنا سبعة ركب.
قال: فمال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن الطريق. فوضع رأسه، ثم قال: احفظوا علينا صلاتنا، فكان أول من استيقظ رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، والشمس في ظهره، قال: فقمنا فزعين، ثم قال: اركبوا فركبنا، حتى إذا ارتفعت الشمس نزل، ثم دعا بميضأة كانت معي، فيها شيء من ماء، فتوضأ منها وضوءا دون وضوء، قال: وبقي فيها شيء من ماء، ثم قال لأبي قتادة: احفظ علينا ميضأتك، فسيكون لها نبأ، ثم أذّن بلال بالصلاة، فصلّى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ركعتين، ثم صلى الغداة، فصنع كما كان يصنع كلّ يوم.
قال: وركب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وركبنا معه، قال: فجعل بعضنا يهمس إلى بعض: ما كفارة ما صنعنا بتفريطنا في صلاتنا؟ ثم قال: أما لكم فيّ أسوة حسنة؟ ثم قال: أما إنه ليس في النوم تفريط، إنما التفريط على من لم يصلّ الصلاة حتى يجيء وقت الصلاة الأخرى، فمن فعل ذلك فليصلها حين ينتبه لها، فإذا كان الغد فليصلها عند وقتها، ثم قال: ما ترون الناس صنعوا؟ قال: أصبح الناس فقدوا نبيهم، فقال أبو بكر، وعمر: رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بعدكم، لم يكن ليخلّفكم، وقال الناس: إن رسول الله بين أيديكم، فإن يطيعوا أبا بكر وعمر يرشدوا، قال: فانتهينا إلى الناس حين امتد النهار وحمي كل شيء، وهم يقولون: يا رسول الله هلكنا عطشا، قال: لا هلك عليكم، ثم قال: أطلقوا لي غمري، قال: ودعا بالميضأة، فجعل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصبّ، وأبو قتادة: يسقيهم، فلم يعد أن رأى الناس ما في الميضأة، تكابّوا عليها، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: أحسنوا الملاء، كلّكم سيروى، قال: ففعلوا، فجعل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصب وأسقيهم، حتى ما بقي غيري وغير رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، قال: ثم صبّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فقال لي: اشرب، فقلت: لا أشرب حتى تشرب يا رسول الله، قال: إن ساقي القوم آخرهم، قال: فشربت، وشرب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، قال: فأتى الناس الماء جامين رواء».
فقال عبد الله بن رباح: إني لأحدّث الناس هذا الحديث في مسجد الجامع؛ إذ قال عمران بن حصين: «انظر أيها الفتى، كيف تحدّث؟ فإني أحد الركب تلك الليلة، قال: فقلت: فأنت أعلم بالحديث، فقال: ممن أنت؟ قلت: من الأنصار، قال: حدث، فأنت أعلم بحديثكم، قال: فحدثت القوم، فقال عمران: شهدت تلك الليلة، وما شعرت أن أحدا حفظه كما حفظته». أخرجه مسلم.
وأخرج أبو داود بعض هذا الحديث في «باب: من نام عن صلاة أو نسيها لحاجته إليه». وهذا لفظه قال: «إنّ النبي -صلى الله عليه وسلم- كان في سفر له، فمال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وملت معه، فقال: انظر، فقلت: هذا راكب، هذان راكبان، هؤلاء ثلاثة، حتى صرنا سبعة، فقال: احفظوا علينا صلاتنا - يعني الفجر - فضرب على آذانهم، فما أيقظهم إلا حرّ الشمس، فقاموا وساروا هنيّة، ثم نزلوا، فتوضئوا، وأذّن بلال، فصلّوا ركعتي الفجر، ثم صلّوا الفجر وركبوا، فقال بعضهم لبعض: قد فرّطنا في صلاتنا، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: إنه لا تفريط في النوم، إنما التفريط في اليقظة. فإذا سها أحدكم عن صلاة فليصلها حين يذكرها، ومن الغد للوقت».

[شرح الغريب]
لا يلوي على كذا: أي: لا يعطف عليه، ولا يلتفت، وألوى رأسه ولواه: أماله من جانب إلى جانب.
ابهارّ الليل: مضى نصفه، وقيل: استنار بكواكبه.
دعمته: أقمته وأسندته.
تهور الليل: ذهب معظمه، وبقي أيسره.
ينجفل: ينقلب عن راحلته ويسقط.
يهمس: الهمس: الكلام الخفي.
أحسنوا الملأ: بفتح الميم واللام وبالهمز: الخلق، وجمعه: أملاء، وكثير من قراء الحديث يقولون: الملء - بكسر الميم وسكون اللام - قال ابن الجوزي: وسمعت [ابن] الخشاب يقرؤها كذلك، وفسرها فقال: ملء القرب، وأنكر عليه ذلك.
النبأ: الخبر، والمراد: أنها يكون لها شأن يتحدث به الناس.
الغمر: القدح الصغير.
جامين: أي: مستريحين من التعب والإعياء.
الرواء: جمع راو، وهو المستكفي من الماء.
فليصلها حين يذكرها ومن الغد للوقت: قال الخطابي: لا أعلم أحدا من الفقهاء قال بهذا، ولا عمل به وجوبا، ويشبه أن يكون الأمر به استحبابا لتحرز فضيلة الوقت في القضاء، عند مصادفة الوقت، والله أعلم.

8902 - (خ م ط ت س) أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: «رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وحانت صلاة العصر، فالتمس الناس الوضوء، فلم يجدوه، فأتي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بوضوء، فوضع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في ذلك الإناء يده، وأمر الناس أن يتوضئوا منه، قال: فرأيت الماء ينبع من تحت أصابعه، فتوضأ الناس، حتى توضئوا من عند آخرهم».
وفي رواية قال: «إنّ النبي -صلى الله عليه وسلم- دعا بماء. فأتي بقدح رحراح. فجعل القوم يتوضئؤون، فحزرت ما بين الستين إلى الثمانين، قال: فجعلت أنظر إلى الماء ينبع من بين أصابعه». أخرجه البخاري، ومسلم.
وللبخاري: «حضرت الصلاة. فقام من كان قريب الدار إلى أهله، وبقي قوم. فأتي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بمخضب من حجارة فيه ماء. فصغر المخضب عن أن يبسط فيه كفّه. فتوضأ القوم كلهم. فقلنا: كم كنتم؟ قال: ثمانين وزيادة».
وله في أخرى قال: «خرج النبي -صلى الله عليه وسلم- في بعض مخارجه، ومعه ناس من أصحابه، فانطلقوا يسيرون، فحضرت الصلاة، فلم يجدوا ماء يتوضّئون به، فانطلق رجل من القوم، فجاء بقدح من ماء يسير، فأخذه النبي -صلى الله عليه وسلم- فتوضأ، ثم مدّ أصابعه الأربع على القدح، ثم قال: قوموا، قوموا، فتوضأ القوم حتى بلغوا فيما يريدون من الوضوء، وكانوا سبعين، أو نحوه».
ولهما في رواية قال: «أتي النبي -صلى الله عليه وسلم- بإناء، وهو بالزوراء، فوضع يده في الإناء، فجعل الماء ينبع من بين أصابعه، فتوضأ القوم» قال قتادة: قلت لأنس: كم كنتم؟ قال: ثلاثمائة، أو زهاء ثلاثمائة.
ولمسلم: «أنّ نبي الله -صلى الله عليه وسلم- كان وأصحابه بالزوراء - قال: والزوراء بالمدينة عند السوق-والمسجد فيما ثمّه، دعا بقدح فيه ماء، فوضع كفّه فيه، فجعل ينبع من بين أصابعه، فتوضأ جميع أصحابه، قال: قلت: كم كانوا يا أبا حمزة؟ قال: كانوا زهاء ثلاثمائة»، وأخرج الموطأ، والترمذي، والنسائي الرواية الأوّلى.
وللنسائي قال: «طلب بعض أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وضوءا، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: هل مع أحد منكم ماء؟ فوضع يده في الماء، ويقول: توضئوا بسم الله، فرأيت الماء يخرج من بين أصابعه، حتى توضئوا من عند آخرهم، قال ثابت: قلت لأنس: كم تراهم؟ قال: نحوا من سبعين».

[شرح الغريب]
المخضب: كالإجانة.
زهاء كذا: قدر كذا وما يقاربه.

8903 - (خ م) جابر بن عبد الله - رضي الله عنهما - قال: «عطش الناس يوم الحديبية، ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- بين يديه ركوة، فتوضأ منها، ثم أقبل الناس نحوه - وفي رواية: جهش الناس نحوه - فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ما لكم؟ قالوا: يا رسول الله، ليس عندنا ماء نتوضأ به، ولا نشرب، إلا ما في ركوتك قال: فوضع النبي -صلى الله عليه وسلم- يده في الركوة، فجعل الماء يفور من بين أصابعه كأمثال العيون، قال: فشربنا وتوضأنا، فقلت لجابر: كم كنتم يومئذ؟ قال: لو كنا مائة ألف لكفانا، كنّا خمس عشرة مائة».
هذا حديث البخاري، وهو أتم، ولم يخرّج مسلم منه، إلا قوله: «لو كنا مائة ألف لكفانا، كنا خمس عشرة مائة».
وله أيضا في رواية أخرى عن سالم بن أبي الجعد، قال: قلت لجابر: «كم كنتم يومئذ؟ قال: ألفا وأربعمائة»، لم يزد، وللبخاري أن جابرا قال: «قد رأيتني مع النبي -صلى الله عليه وسلم- به، وقد حضرت العصر، وليس معنا ماء غير فضله، فجعل في إناء. فأتى النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، فأدخل يده فيه، وفرّج بين أصابعه. وقال: حيّ على أهل الوضوء. والبركة من الله. فلقد رأيت الماء ينفجر من بين أصابعه، فتوضأ الناس وشربوا، فجعلت لا آلو ما جعلت في بطني منه، وعلمت أنه بركة. فقلت لجابر: كم كنتم يومئذ؟ قال: ألف وأربعمائة».
قال البخاري: وقال حصين وعمرو بن مرّة عن سالم عن جابر: «خمس عشرة مائة».
وأخرج مسلم من رواية حصين وعمرو بن مرة بالإسناد.
وللبخاري من حديث ابن المسيب: أن قتادة قال: لقد بلغني أن جابر بن عبد الله كان يقول: «كانوا أربع عشرة مائة»، فقال سعيد: حدثني جابر بن عبد الله قال: «كانوا خمس عشرة مائة، الذين بايعوا النبي -صلى الله عليه وسلم- يوم الحديبية».
قال البخاري: وتابعه أبو داود عن قرّة عن قتادة، وقد قال بعض الرواة: عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن أن المسيب قال: «نسي جابر، كانوا خمس عشرة مائة». ولم يقل: حدثني جابر.

[شرح الغريب]
الجهش: أن يفزع الإنسان إلى الإنسان، وهو مع ذلك يريد أن يبكي كالصبي يفزع إلى أمه.

8904 - (خ) البراء بن عازب - رضي الله عنه - قال: «تعدّون أنتم الفتح فتح مكة، وقد كان فتح مكة فتحا، ونحن نعدّ الفتح بيعة الرضوان يوم الحديبية، كنا مع النبي -صلى الله عليه وسلم- أربع عشرة مائة - والحديبية بئر - فنزحناها، فلم نترك فيها قطرة، فبلغ ذلك النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، فأتاها، فجلس على شفيرها، ثم دعا بإناء من ماء، فتوضأ، فمضمض ودعا، ثم صبّه فيها. فتركناها غير بعيد، ثم إنها أصدرتنا ما شئنا نحن وركابنا».
وفي رواية نحوه، إلا أنه قال: «ائتوني بدلو من مائها، فأتي به، فبصق ودعا، ثم قال: دعوها ساعة، قال: فأرووا أنفسهم، وركابهم حتى ارتحلوا»، أخرجه البخاري،

8905 - (ط) معاذ بن جبل - رضي الله عنه - قال: «خرجنا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عام غزوة تبوك، فكنا نجمع لصلاة الظهر والعصر جميعا، والمغرب والعشاء جميعا، فلما كان ذات ليلة قال: إنكم تأتون غدا - إن شاء الله - عين تبوك، وإنكم لن تأتوها حتى يضحي النهار، فمن جاء منكم فلا يمسّ من مائها شيئا حتى آتي، فجئناها، وقد سبقنا إليها رجلان، والعين تبضّ بشيء من ماء، فسألهما رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: هل مسستما من مائها شيئا؟ قالا: نعم، فسبّهما رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وقال لهما ما شاء الله أن يقول، ثم غرفوا بأيديهم من العين قليلا قليلا، حتى اجتمع شيء، وغسل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فيه يديه ووجهه، ثم أعادوه فيها، فجرت العين بماء كثير - أو قال: غزير - فاستسقى الناس، ثم قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: يا معاذ، يوشك إن طالت بك حياة أن ترى ما ههنا قد ملئ جنانا»، أخرجه مسلم، والموطأ.
وأخرج أبو داود، والترمذي، والنسائي حديث جمع الصلاة وحده، فلذلك لم نعلم عليه علاماتهم. وقد ذكرناه في كتاب الصلاة.

[شرح الغريب]
تبضّ: ترشح بشيء يسير من الماء، والبضاضة: اليسير من الماء.

8906 - (خ ت س) عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - قال: «كنّا نعدّ الآيات بركة، وأنتم تعدّونها تخويفا، كنا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في سفر، فقلّ الماء. فقال: اطلبوا فضلة من ماء. فجاءوا بإناء فيه ماء قليل، وأدخل يده في الإناء، ثم قال: حيّ على الطّهور المبارك، والبركة من الله تعالى، فلقد رأيت الماء ينبع من بين أصابع رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ولقد كنا نسمع تسبيح الطعام، وهو يؤكل»، أخرجه البخاري، والترمذي.
وفي رواية النسائي قال: «كنا مع النبي -صلى الله عليه وسلم-، فلم يجدوا ماء فأتي بتور، فأدخل يده. فلقد رأيت الماء يتفجر من بين أصابعه، ويقول: حيّ على الطهور، والبركة من الله تعالى».
قال الأعمش: فحدثني سالم بن أبي الجعد قال: قلت لجابر: «كم كنتم يومئذ؟ قال: ألف وخمسمائة».

8907 - (خ م) سلمة بن الأكوع - رضي الله عنه - قال: «خرجنا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في غزوة، فأصابنا جهد، حتى هممنا أن ننحر بعض ظهرنا، فأمرنا نبيّ الله -صلى الله عليه وسلم-، فجمعنا تزاودنا، فبسطنا له نطعا، فاجتمع زاد القوم على النّطع.
قال: فتطاولت لأحزره: كم هو؟ قال: حرزته، فإذا هو كربضة العنز، ونحن أربع عشرة مائة. قال: فأكلنا حتى شبعنا جميعا، ثم حشونا جربنا، فقال نبيّ الله -صلى الله عليه وسلم-: فهل من وضوء؟ قال: فجاء رجل بإداوة فيها نطفة، فأفرغها في قدح، فتوضأنا كلّنا، ندغفقه دغفقة، أربع عشرة مائة، ثم جاء بعد ثمانية، فقالوا: هل من طهور؟ فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: فرغ الوضوء».
قال الحميدي: ذكره أبو مسعود الدمشقي في أفراد مسلم. وفيه زيادة توجب له ذلك. وإن كان ما فيه من ذكر معنى «الأزواد» بمعنى ما أخرجه البخاري في معنى «الأزواد».
وهذا لفظ البخاري، قال: «خفّت أزواد القوم وأملقوا، فأتوا النبي -صلى الله عليه وسلم- في نحر إبلهم، فأذن لهم، فلقيهم عمر فأخبروه، فقال: ما بقاؤكم بعد إبلكم؟ فدخل على النبي -صلى الله عليه وسلم-، فقال: يا رسول الله، ما بقاؤهم بعد إبلهم؟ فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ناد في الناس: يأتون بفضل أزوادهم، فبسط لذلك نطع، وجعلوه على النطع، فقام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فدعا وبرّك عليه. ثم دعاهم بأوعيتهم، فاحتثى الناس حتى فرغوا، ثم قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: أشهد أن لا إلا إلا الله، وأني رسول الله».
وأخرج الحميدي رواية مسلم في أفراده، ورواية البخاري في أفراد البخاري ونبه عليه، والروايتان مشتركتان في معنى واحد، وإن انفردت إحداهما بزيادة. فلذلك جعلناهما حديثا واحدا.

[شرح الغريب]
تزاودنا: التزاود: ما يتزوده الإنسان في سفره من زاد وغيره.
النطفة: الماء القليل، ومنه سمي ماء الرجل: نطفة.
ندغفقه: دغفقت الماء دغفقة: إذا صببته صبّا كثيرا.
الإملاق: الافتقار، والمراد: أنهم احتاجوا إلى الزاد.

8908 - (م) أبو هريرة - رضي الله عنه - قال: «كنّا مع النبي -صلى الله عليه وسلم- في مسير. فنفدت أزواد القوم، حتى همّ بنحر بعض جمائلهم، قال: فقال عمر: يا رسول الله، لو جمعت ما بقي من أزواد القوم، فدعوت الله عليها؟ قال: ففعل، فجاء ذو البرّ ببرّه، وذو التمر بتمره - قال: وقال مجاهد: وذو النوى بنواه - قلنا: وما كانوا يصنعون بالنوى؟ قال: يمصّونه ويشربون عليه الماء، قال: فدعا عليها، قال: حتى ملأ القوم أزودتهم، قال: فقال عند ذلك: أشهد أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله، لا يلقى الله بهما عبد غير شاك فيهما إلا دخل الجنة».
وفي رواية عنه، أو عن أبي سعيد - شك الأعمش - قال: «لما كان يوم غزوة تبوك، أصاب الناس مجاعة، فقالوا: يا رسول الله، لو أذنت لنا فنحرنا نواضحنا فأكلنا وادّهنا، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: افعلوا.
فجاء عمر فقال: يا رسول الله، إن فعلت قلّ الظّهر، ولكن ادعهم بفضل أزوادهم، ثم ادع الله لهم بالبركة، لعل الله أن يجعل في ذلك، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: نعم، قال: فدعا بنطع، فبسطه، ثم دعا بفضل أزوادهم، فجعل الرجل يجيء بكفّ ذرة، قال: ويجيء الآخر بكف تمر، ويجيء الآخر بكسرة، حتى اجتمع على النطع من ذلك شيء يسير، قال: فدعا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالبركة، ثم قال: خذوا في أوعيتكم، قال: فأخذوا في أوعيتهم، حتى ما تركوا في العسكر وعاء إلا ملؤوه، قال: وأكلوا حتى شبعوا، وفضلت فضلة، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: أشهد أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله، لا يلقى الله بهما عبد غير شاك فيحجب عن الجنة». أخرجه مسلم.

[شرح الغريب]
حمائلنا: الحمائل والحمالات - جمع حمل، أو جمع حمال - فيكون جمع الجمع.
النواضح: الإبل التي يستقى عليها الماء.

8909 - (خ م) جابر بن عبد الله - رضي الله عنهما - قال: «لمّا حفر الخندق رأيت النبي -صلى الله عليه وسلم- خمصا، فانكفيت إلى امرأتي، فقلت: هل عندك شيء؟ فإني رأيت النبي -صلى الله عليه وسلم- خمصا شديدا، فأخرجت إليّ جرابا فيه صاع من شعير، ولنا بهيمة داجن، فذبحتها، وطحنت، ففرغت إلى فراغي، وقطّعتها في برمتها، ثم ولّيت إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فقالت: لا تفضحني برسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ومن معه، فجئته فساررته.
فقلت: يا رسول الله، ذبحنا بهيمة لنا، وطحنت صاعا من شعير كان عندنا، فتعال أنت ونفر معك، فصاح النبي -صلى الله عليه وسلم-، وقال: يا أهل الخندق، إن جابرا قد صنع سؤرا فحيهّلا بكم، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: لا تنزلنّ برمتكم. ولا تخبزن عجينكم حتى أجيء. فجئت. وجاء رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقدم الناس، حتى جئت امرأتي. فقالت: بك، وبك، فقلت: قد فعلت الذي قلت، فأخرجت عجينا، فبصق فيه وبارك، ثم عمد إلى برمتنا فبصق وبارك، ثم قال: ادعي خابزة فلتخبز معك، واقدحي من برمتكم، ولا تنزلوها، وهم ألف، فأقسم بالله لأكلو حتى تركوا وانحرفوا، وإن برمتنا لتغطّ كما هي، وإن عجيننا ليخبز كما هو». أخرجه البخاري ومسلم، وللبخاري من حديث عبد الرحمن بن أيمن عن أبيه، قال: أتيت جابرا فقال: «إنا يوم الخندق نحفر، فعرضت كدية شديدة، فجاءوا النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، فقالوا: هذه كدية عرضت في الخندق، فقال: أنا نازل، ثم قام وبطنه معصوب - ولبثنا ثلاثة أيام لا نذوق ذواقا - فأخذ النبي -صلى الله عليه وسلم- المعول، فضرب، فعاد كثيبا أهيل - أو أهيم - فقلت: يا رسول الله، ائذن لي إلى البيت، فقلت لامرأتي:إني رأيت بالنبي -صلى الله عليه وسلم- شيئا، ما في ذلك صبر، فعندك شيء؟ قالت: عندي شعير وعناق. فذبحت العناق، وطحنت الشعير، حتى جعلنا اللحم في البرمة، ثم جئت النبي -صلى الله عليه وسلم-، والعجين قد انكسر، والبرمة بين الأثافيّ، قد كادت أن تنضج، فقلت: طعيّم لي، فقم أنت يا رسول الله ورجل، أو رجلان. قال: كم هو؟ فذكرت له. قال: كثير طيّب.
قل لها: لا تنزع البرمة ولا اللحم، ولا الخبز من التنور حتى آتي، فقال: قوموا، فقام المهاجرون والأنصار، فلما دخل على امرأته قال: ويحك، جاءك النبي بالمهاجرين والأنصار ومن معهم، قالت: هل سألك؟ قلت: نعم، فقال: ادخلوا، ولا تضاغطوا، فجعل يكسّر الخبز، ويجعل عليه اللحم، ويخمّر البرمة والتنور إذا أخذ منه، ويقرّب إلى أصحابه، ثم ينزع، فلم يزل يكسر ويغرف حتى شبعوا، وبقي منه، فقال: كلي هذا وأهدي، فإن الناس أصابتهم مجاعة».

[شرح الغريب]
الخمص والخميص: الضامر البطن.
البهيمة: تصغير البهمة، وهي ولد الضأن، ويقع على المذكر منها والمؤنث، و«السخال» أولاد المعزى، فإذا اجتمعت البهائم والسخال، قلت لها جميعا: بهام وبهم.
الداجن: الشاة التي تألف البيت وتتربى فيه.
السؤر: لفظة فارسية، معناها: الوليمة والطعام الذي يدعى إليه، قال الأزهري: في هذا أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قد تكلم بالفارسية.
حيهلا: كلمتان جعلتا كلمة واحدة، ومعناها: تعالوا وعجلوا.
اقدحي: قدحت القدر: إذا غرفت ما فيها، والقديح: المرق، فعيل بمعنى مفعول، والمقدحة: المغرفة.
لتغط: غطت القدر تغط: غلت، وغطيطها: صوتها.
الكدية: حجر صلب يعرض لحافر البئر فيتعبه حفره.
الكثيب: المجتمع من الرمل.
أهيل: انهل وانهال الرمل: إذا سال وجرى، وهلته أنا فانهال، وأهلته: لغة فيه، وأما «أهيم» فهو من الهيام، وهو الرمل الذي يكون ترابا دقاقا يابسا.
العناق: الأنثى من ولد المعز.
الأثافي: الحجارة التي تنصب القدر عليها.
المضاغطة: المزاحمة في باب أو نحو ذلك.

8910 - (خ م ط ت) أنس بن مالك - رضي الله عنه -:قال: قال أبو طلحة لأم سليم: «قد سمعت صوت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ضعيفا، أعرف فيه الجوع، فهل عندك من شيء؟ فقالت: نعم، فأخرجت أقراصا من شعير، ثم أخذت خمارا لها، فلفّت الخبز ببعضه، ثم دسّته تحت ثوبي، وردّتني ببعض ثوبه ثم أرسلتني إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، قال: فذهبت به، فوجدت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- جالسا في المسجد، ومعه الناس، فقمت عليهم، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: أرسلك أبو طلحة؟ قلت: نعم، قال: ألطعام؟ قلت: نعم.
فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لمن معه: قوموا. فانطلقوا، وانطلقت بين أيديهم، حتى جئت أبا طلحة، فأخبرته. فقال أبو طلحة: يا أم سليم، قد جاء رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالناس، وليس عندنا ما نطعمهم، فقالت: الله ورسوله أعلم، فانطلق أبو طلحة حتى لقي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فأقبل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- معه، حتى دخلا، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: هلمّي ما عندك يا أم سليم. فأتت بذلك الخبز، فأمر به رسول الله ففتّ، وعصرت عليه أم سليم عكّة لها، فآدمته، ثم قال فيه رسول الله ما شاء الله أن يقول.
ثم قال: ائذن لعشرة، فأذن لهم، فأكلوا حتى شبعوا، ثم خرجوا، ثم قال: ائذن لعشرة، فأذن لهم، فأكلوا حتى شبعوا، ثم خرجوا، ثم قال: ائذن لعشرة. حتى أكل القوم كلهم وشبعوا، والقوم سبعون - أو قال: ثمانون». أخرجه البخاري، ومسلم.
وللبخاري نحوه: «أن أم سليم عمدت إلى مدّ من شعير، جشّته وجعلت منه خطيفة، وعصرت عليه عكّة، ثم بعثتني إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وهو في أصحابه، فدعوته، فقال: ومن معي، فجئت، فقلت: إنه يقول: ومن معي، فخرج إليه أبو طلحة، فقال: يا رسول الله، إنما هو شيء صنعته لك أم سليم، فدخل، فجيء به، وقال: أدخل عليّ عشرة - حتى عدّ أربعين - ثم أكل النبي -صلى الله عليه وسلم-، ثم قام، فجعلت أنظر: هل نقص منها شيء؟».
ولمسلم قال: «بعثني أبو طلحة إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لأدعوه، وقد جعل طعاما، قال: فأقبلت، ورسول الله مع الناس، فنظر إليّ، فاستحييت، فقلت: أجب أبا طلحة، فقال للناس: قوموا، فقال أبو طلحة: يا رسول الله إنما صنعت لك شيئا، فمسّها رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ودعا فيها بالبركة، ثم قال: أدخل نفرا من أصحابي عشرة، وقال: كلوا، وأخرج لهم شيئا من بين أصابعه، فأكلوا حتى شبعوا، فخرجوا، فقال: أدخل عشرة، فأكلوا حتى خرجوا، فما زال يدخل عشرة، ويخرج عشرة، حتى لم يبق منهم أحد إلا دخل فأكل، حتى شبع، ثم هيأها، فإذا هي مثلها حين أكلوا».
وفي أخرى نحوه، وفي آخره: «ثم أخذ ما بقي، فجمعه، ثم دعا فيه بالبركة قال: فعاد كما كان، فقال: دونكم هذا».
وفي أخرى قال: «أمر أبو طلحة أمّ سليم أن تصنع للنبي -صلى الله عليه وسلم- طعاما لنفسه خاصة، ثم أرسلتني إليه - وساق الحديث - وقال فيه: فوضع النبي -صلى الله عليه وسلم- يده،وسمّى عليه، ثم قال: ائذن لعشرة، فأذن لهم فدخلوا، فقال: كلوا وسمّوا الله، فأكلوا، حتى فعل ذلك بثمانين رجلا، ثم أكل النبي -صلى الله عليه وسلم- بعد ذلك وأهل البيت، وتركوا سؤرا».
وفي أخرى بهذه القصة، وفيه: «فقام أبو طلحة على الباب، حتى أتى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فقال: يا رسول الله، إنما كان شيئا يسيرا، فقال: هلمّه، فإن الله سيجعل فيه البركة».
وفي أخرى بنحو هذا، وفيه: «ثم أكل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأكل أهل البيت، ثم أفضلوا ما بلغوا جيرانهم».
وفي أخرى قال: «رأى أبو طلحة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مضطجعا في المسجد، يتقلّب ظهرا لبطن. فظنه جائعا - وساق الحديث - وقال فيه: ثم أكل رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وأبو طلحة، وأمّ سليم، وأنس. وفضلت فضلة فأهدوا منها لجيراننا».
وفي أخرى: أنه سمع أنس بن مالك يقول: «جئت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يوما. فوجدته جالسا مع أصحابه. وقد عصّب بطنه بعصابة - قال أسامة بن زيد: وأنا أشكّ: على حجر - قال: فقلت لبعض أصحابه: لم عصّب رسول الله بطنه؟ فقالوا: من الجوع.
فذهبت إلى أبي طلحة - وهو زوج أم سليم بنت ملحان - فقلت: يا أبتاه، قد رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عصّب بطنه بعصابة. فسألت بعض أصحابه؟ فقالوا: من الجوع. فدخل أبو طلحة على أمّي. فقال: هل من شيء؟ فقالت: نعم. عندي كسر من خبز وتمرات. فإن جاءنا رسول الله وحده أشبعناه، وإن جاءنا آخر معه قلّ عنهم». ثم ذكر سائر الحديث.
وأخرج الموطأ، والترمذي، الرواية الأولى، إلا أن الموطأ قال: «ائذن لعشرة - ست مرات».

[شرح الغريب]
العكة: الوعاء الذي يكون فيه السمن.
فآدمته: أي: خلطته بالخبز، وجعلته له أدما.
جشته: أي: طحنته طحنا قليلا لتطبخه.
الخطيفة: أن يؤخذ قليل لبن ويذر عليه دقيق، ثم يطبخ فيلعقه الناس.
هلمه: هلم بمعنى تعال، والهاء: هاء السكت.

8911 - (خ ت) أبو هريرة - رضي الله عنه - كان يقول: «الله الذي لا إله إلا هو، إن كنت لأعتمد بكبدي على الأرض من الجوع، وإن كنت لأشدّ الحجر على بطني من الجوع، ولقد قعدت يوما على طريقهم الذي يخرجون منه، فمرّ أبو بكر، فسألته عن آية من كتاب الله؟ ما سألته إلا ليستتبعني، فمرّ فلم يفعل، ثم مر عمر، فسألته عن آية من كتاب الله؟ ما سألته إلا ليستتبعني، فمرّ فلم يفعل، ثم مرّ بي أبو القاسم -صلى الله عليه وسلم-، فتبسّم حين رآني، وعرف ما في وجهي، وما في نفسي.
ثم قال: يا أبا هر، قلت: لبيك يا رسول الله، قال: الحق، ومضى فاتّبعته، فدخل، فاستأذن، فأذن لي فدخل، فوجد لبنا في قدح، فقال: من أين اللبن؟ قالوا: أهداه لك فلان، أو فلانة، قال: أبا هرّ، قلت: لبيك يا رسول الله، قال: الحق إلى أهل الصفة، فادعهم لي - قال: وأهل الصّفة أضياف الإسلام، لا يأوون على أهل ولا مال، ولا إلى أحد، إذا أتته صدقة بعث بها إليهم، ولم يتناول منها شيئا، فإذا أتته هدية أرسل إليهم، وأصاب منها، وأشركهم فيها.
فساءني ذلك، وقلت: وما هذا اللبن في أهل الصفة؟ كنت أحقّ أن أصيب من هذا اللبن شربة أتقوّى بها، فإذا جاؤوا أمرني، فكنت أنا أعطيهم، وما عسى أن يبلغني من هذا اللبن؟ ولم يكن من طاعة الله، وطاعة رسوله بدّ، فأتيتهم فدعوتهم، فأقبلوا واستأذنوا، فأذن لهم، وأخذوا مجالسهم من البيت، فقال: يا أبا هرّ، قلت: لبيك يا رسول الله، قال: خذ فأعطهم.
قال: فأخذت القدح، فجعلت أعطيه الرجل، فيشرب حتى يروى، ثم يرد القدح، فأعطيه الآخر، فيشرب حتى يروى، ثم يردّ عليّ القدح، فأعطيه الآخر، فيشرب حتى يروى، ثم يرد عليّ القدح، حتى انتهيت إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- وقد روي القوم كلهم، فأخذ القدح، فوضعه على يده. فنظر إليّ، فتبسّم. فقال: يا أبا هرّ، قلت:لبيك يا رسول الله. قال: بقيت أنا وأنت. قلت: صدقت يا رسول الله. قال: فاقعد فاشرب، فقعدت فشربت، فقال: اشرب، فشربت، فما زال يقول اشرب، حتى قلت: لا، والذي بعثك بالحق، ما أجد له مسلكا، قال: فأراني فأعطيته القدح فحمد الله وسمى، وشرب الفضلة». أخرجه البخاري.
وأخرجه الترمذي، وأول حديثه: قال أبو هريرة: «كان أهل الصفة أضياف الإسلام، لا يأوون إلى أهل ولا مال. والله الذي لا إله إلا هو -» وذكر الحديث.

8912 - (خ م) عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق - رضي الله عنهما - قال: «كنّا مع النبي -صلى الله عليه وسلم- ثلاثين ومائة. فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: هل مع أحد منكم طعاما؟ فإذا مع رجل صاع من طعام، أو نحوه، فعجن، ثم جاء رجل مشعان طويل بغنم يسوقها، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: أبيعا أم عطيّة؟ أو قال: هبة؟ قال: لا، بل بيع، فاشترى منها شاة، فصنعت، وأمر النبي -صلى الله عليه وسلم- بسواد البطن أن يشوى، وايم الله ما في الثلاثين والمائة إلا قد حزّ له النبي -صلى الله عليه وسلم- حزّة من سواد بطنها، إن كان شاهدا أعطاه، وإن كان غائبا خبأ له، فجعل منها قصعتين، فأكلوا أجمعون، وشبعنا. ففضلت القصعتان. فحملناه على البعير».
وفي رواية: «ففضل في القصعتين، فحملته على البعير - أو كما قال». أخرجه البخاري، ومسلم.

[شرح الغريب]
مشعان الرأس: بالنون: إذا كان منتفش الشعر ثائر الرأس.
سواد البطن: الكبد.

8913 - (ت) سمرة بن جندب - رضي الله عنه -: قال: «كنّا مع النبي -صلى الله عليه وسلم- نتداول من قصعة من غدوة حتى الليل. يقوم عشرة، ويقعد عشرة. فقلت: فما كانت تمدّ؟ قال: من أيّ شيء تعجب؟ ما كانت تمدّ إلا من هاهنا - وأشار بيده إلى السماء». أخرجه الترمذي.
8914 - (م) جابر بن عبد الله - رضي الله عنهما - «أنّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- جاءه رجل يستطعمه، فأطعمه شطر وسق شعير، فما زال الرجل يأكل منه وامرأته وضيفهما حتى كاله ففني، فأتى النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، فقال: لو لم تكله لأكلتم منه، ولقام لكم». أخرجه مسلم.
[شرح الغريب]
شطر كل شيء: نصفه.
الوسق: ستون صاعا.

8915 - (م) جابر بن عبد الله - رضي الله عنهما -: «أنّ أمرأة مالك كانت تهدي للنبي -صلى الله عليه وسلم- في عكّة لها سمنا، فيأتيها بنوها، فيسألون الأدم، وليس عندهم شيء، فتعمد إلى العكة التي كانت تهدي منها للنبي -صلى الله عليه وسلم- فتجد فيها سمنا، فما زالت تقيم لها أدم بيتها حتى عصرتها، فأتت النبي -صلى الله عليه وسلم-، فقال: عصرتيها؟ قالت: نعم، قال: لو تركتيها ما زال قائما». أخرجه مسلم.
[شرح الغريب]
الحقو: مشد الإزار، وسمي الإزار نفسه حقوا لذلك

8916 - (ت) أبو هريرة - رضي الله عنه - قال: «أتيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يوما بتميرات. فقلت: يا رسول الله، ادع فيهن بالبركة، فضمّهنّ، ثم دعا لي فيهن بالبركة، ثم قال: خذهنّ، فاجعلهن في مزودك - أو في هذا المزود - فكلما أردت أن تأخذ منه شيئا أدخل يدك فيه وخذ، ولا تنثره نثرا، قال: ففعلت. فلقد حملت من ذلك التمر كذا وكذا من وسق في سبيل الله. فكنا نأكل منه ونطعم. وكان لا يفارق حقوي، حتى كان يوم قتل عثمان انقطع». أخرجه الترمذي. وزاد رزين: «من حقوي. فسقط فحزنت عليه حزنا شديدا».
[شرح الغريب]
الحقو مشد الإزار، وسمي الإزار نفسه حقوا لذلك.

الفصل الرابع: في إجابة دعائه - صلى الله عليه وسلم -
8917 - (خ م س) عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - قال: «بينما رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصلّي عند البيت، وأبو جهل، وأصحاب له جلوس، وقد نحرت جزور بالأمس، فقال أبو جهل: أيّكم يقوم إلى سلا جزور بني فلان، فيأخذه فيضعه بين كتفي محمد إذا سجد؟ فانبعث أشقى القوم فأخذه، فلما سجد النبي -صلى الله عليه وسلم- وضعه بين كتفيه، فاستضحكوا، وجعل بعضهم يميل على بعض، وأنا قائم أنظر، فلو كانت لي منعة طرحته عن ظهر رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، والنبي ساجد ما يرفع رأسه، حتى انطلق إنسان فأخبر فاطمة، فجاءت - وهي جويرية - فطرحته عنه، ثم أقبلت تسبّهم.
فلما قضى النبي -صلى الله عليه وسلم- صلاته رفع صوته، ثم دعا عليهم - وكان إذا دعا دعا ثلاثا، وإذا سأل سأل ثلاثا - ثم قال: اللهم عليك بقريش - ثلاث مرات - فلما سمعوا صوته ذهب عنهم الضحك، وخافوا من دعوته.
ثم قال: اللهم عليك بأبي جهل بن هشام، وعتبة بن ربيعة، وشيبة بن ربيعة، والوليد بن عتبة، وأمية بن خلف، وعقبة بن أبي معيط، وذكر السابع - ولم أحفظه - قال: فوالذي بعث محمدا بالحق، لقد رأيت الذين سمّى صرعى، ثم سحبوا إلى القليب، قليب بدر».
وفي رواية: «فأشهد بالله لقد رأيتهم صرعى، قد غيّرتهم الشمس. وكان يوما حارّا». وقال بعض الرواة: «الوليد بن عتبة» غلط في هذا الحديث.
وفي رواية: «ذكر السابع، وهو عمارة بن الوليد»، وفيها: «فيعمد إلى فرثها ودمها وسلاها، فيجيء بها، ثم يمهله حتى إذا سجد وضعه بين كتفيه». أخرجه البخاري، ومسلم. وأخرجه الترمذي مختصرا.

[شرح الغريب]
السلا:الذي يكون فيه الولد في بطن أمه، وقيل: هو الكرش.
الجزور: البعير ذكرا كان أو أنثى، إلا أن اللفظة مؤنثة.
المنعة: القوة والشدة التي يمتنع بها الإنسان على من يريده بأذى أو غيره.
القليب: البئر التي هي غير مطوية.
الفرث: ما يكون في الكرش.

8918 - (خ م) أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: «كان رجل نصراني أسلم، فقرأ البقرة، وآل عمران، وكان يكتب الوحي للنبي -صلى الله عليه وسلم- فعاد نصرانيا، فكان يقول: ما يدري محمد إلا بما كتبت له، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: اللهم اجعله آية. فأماته الله، فدفنوه، فأصبح، وقد لفظته الأرض، فقالوا: هذا فعل محمد وأصحابه، لما هرب منهم نبشوا عن صاحبنا، فألقوه، فحفروا له وأعمقوا ما استطاعوا، فأصبحوا، وقد لفظته الأرض. فقالوا مثل الأول. فحفروا له وأعمقوا فلفظته الثالثة فعلموا أنه ليس من الناس فألقوه بين حجرين، ورضموا عليه الحجارة». أخرجه البخاري، ومسلم إلى قوله: «فألقوه».
وفي رواية قال: «كان منا من بني النجار رجل قد قرأ البقرة، وآل عمران. وكان يكتب لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فانطلق هاربا حتى لحق بأهل الكتاب، فأعجبوا به، فرفعوه، فما لبث أن قصم الله عنقه فيهم، فحفروا له، فواروه، فأصبحت الأرض قد نبذته على وجهها، ثم عادوا، فعادت - ثلاث مرات - فتركوه منبوذا».

[شرح الغريب]
لفظته الأرض:أي: ألقته من بطنها إلى ظهرها.
رضموا عليه الحجارة: أي: جمعوها عليه، والرضام: الحجارة.
قصم الله عنقه: أي: دقها.
نبذته: المنبوذ: الملقى المرمي على وجه الأرض، ونبذته أنا: ألقيته.

8919 - (خ د س) جابر بن عبد الله - رضي الله عنهما -: «أنّ أباه توفّي وترك عليه ثلاثين وسقا لرجل من اليهود، فاستنظره جابر،فأبى أن ينظره، فكلّم جابر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ليشفع إليه، فجاءه رسول الله، فكلم اليهودي ليأخذ ثمر نخله بالذي له، فأبى، فدخل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- النخل، فمشى فيها، ثم قال لجابر: جدّ له، فأوف الذي له، فجدّه بعدما رجع رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فأوفاه ثلاثين وسقا، وفضلت له سبعة عشر وسقا، فجاء جابر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ليخبره بالذي كان، فوجده يصلّي العصر، فلما انصرف أخبره بالفضل، فقال: أخبر بذلك ابن الخطاب، فذهب جابر إلى عمر فأخبره، فقال عمر: لقد علمت حين مشى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ليباركنّ فيها».
وفي رواية قال: «توفّي أبي، وعليه دين. فعرضت على غرمائه أن يأخذوا التمر بما عليه، فأبوا، ولم يروا فيه وفاء، فأتيت النبي -صلى الله عليه وسلم-، فذكرت ذلك له، فقال: إذا جددته فوضعته في المربد آذنّي، فلما جددته ووضعته في المربد فآذنت رسول الله، فجاء ومعه أبو بكر، وعمر، فجلس عليه ودعا بالبركة فيه، ثم قال: ادع غرماءك، فأوفهم، فما تركت أحدا له دين على أبي إلا قضيته، وفضل ثلاثة عشر وسقا: سبعة عجوة، وستة لون - أو ستة وسبعة - فوافيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- المغرب، فذكرت ذلك له، فضحك، وقال: ائت أبا بكر، وعمر فأخبرهما، فقالا: لقد علمنا إذ صنع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ما صنع أن سيكون».
وقال في رواية: «صلاة العصر». وفي رواية: «صلاة الظهر».
وفي أخرى قال: «توفّي عبد الله بن عمرو بن حرام وعليه دين، فاستعنت بالنبي -صلى الله عليه وسلم- على غرمائه أن يضعوا من دينه، فطلب إليهم، فلم يفعلوا، فقال لي النبي: اذهب، فصنّف تمرك أصنافا: العجوة على حدة، وعذق زيد على حدة، ثم أرسل إليّ، ففعلت. ثم أرسلت إليه. فجلس على أعلاه - أو في وسطه - ثم قال: كل للقوم، فكلت لهم، حتى أوفيتهم الذي لهم، وبقي تمري كأنه لم ينقص منه شيء». وفي رواية: «فما زال يكيل لهم حتى أدّى».
وفي أخرى نحوه، وفيه زيادة، قال جابر: «أصيب عبد الله، وترك عيالا ودينا، فطلبت إلى أصحاب الدين أن يضعوا بعضا، فأبوا، فأتيت النبي -صلى الله عليه وسلم- فاستشفعت به عليهم، فأبوا، فقال: صنّف تمرك، كلّ شيء على حدة، ثم أحضرهم، حتى آتيك، ففعلت، ثم جاء فقعد معه.
وكال لكل رجل حتى استوفى، وبقي التمر مكانه، كأنه لم يمسّ، وغزوت مع النبي -صلى الله عليه وسلم- على ناضح لنا، فأزحف الجمل. فتخلّف عليّ. فوكزه - ثم ذكر نحو ما تقدم من أمر الجمل، وبيعه، وسؤاله عمّا تزوّج، وجوابه، وإتيانه أهله، ولوم خاله له - وفي آخره: فلما قدم النبي -صلى الله عليه وسلم- غدوت إليه بالجمل، فأعطاني ثمن الجمل، والجمل وسهمي مع القوم».
وفي أخرى: «أن أباه استشهد يوم أحد، وترك ستّ بنات، وترك عليه دينا، فلما حضر جداد النخل أتيت، فقلت: يا رسول الله، قد علمت أنّ والدي استشهد يوم أحد وترك دينا كثيرا، وأحبّ أن يراك الغرماء، فقال: اذهب فبيدر كل تمر على ناحية، ففعلت، ثم دعوته، فلما رأوه أغروا بي تلك الساعة، فلما رأى ما يصنعون طاف حول أعظمها بيدرا، ثلاث مرات، ثم جلس عليه، ثم قال: ادع أصحابك، فما زال يكيل لهم، حتى أدى الله أمانة والدي، وأنا والله راض أن يؤدي الله أمانة والدي ولا أرجع إلى أخواتي بتمرة، فسلّم الله البيادر كلها، حتى إني أنظر إلى البيدر الذي عليه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كأنه لم ينقص تمرة واحدة».
وفي أخرى: «أن أباه توفي، وعليه دين، قال: فأتيت النبي -صلى الله عليه وسلم- فقلت: إن أبي ترك عليه دينا، وليس عندي إلا ما يخرج نخله، ولا يبلغ ما يخرج سنتين ما عليه، فانطلق معي لكيلا يفحش عليّ الغرماء، فمشى حول بيدر من بيادر التمر، فدعا، ثم أخر، ثم جلس عليه، فقال: تمزّعوه. فأوفاهم الذي لهم، وبقي مثل ما أعطاهم».
وفي أخرى: «أنّ أباه قتل يوم أحد شهيدا. فاشتد الغرماء في حقوقهم، فأتيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فكلّمته، فسألهم أن يقبلوا تمر حائطي، ويحلّلوا أبي، فأبوا، فلم يعطهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حائطي، ولم يكسره لهم، ولكن قال: سأغدوا عليك، فغدا علينا حين أصبح، وطاف في النخل، ودعا في تمرها بالبركة، فجددتها، فقضيتهم حقوقهم. وبقي لنا من تمرنا بقية، ثم جئت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فأخبرته بذلك. فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لعمر - وهو جالس -: اسمع يا عمر. فقال عمر: لا يكون؟ قد علمنا أنك رسول الله، والله إنك لرسول الله». هذه روايات البخاري. وفي رواية أبي داود: «أنّ أباه توفي، وترك عليه ثلاثين وسقا لرجل من اليهود. فاستنظره جابر فأبى، فكلّم جابر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ليشفع له إليه.فجاء رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فكلم اليهودي ليأخن تمر نخيله بالذي له عليه فأبي عليه فكلمه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن ينظره -..» وساق الحديث. كذا ذكره أبو داود. وأخرج النسائي معظم روايات البخاري.وله في أخرى قال: «كان ليهودي على أبي تمر، فقتل يوم أحد، وترك حديقتين، وتمر اليهودي يستوعب ما في الحديقتين، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: هل لك أن تأخذ العام نصفه، وتؤخر نصفه؟ فأبى اليهودي، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: هل لك أن تأخذ الجداد؟ فأبى، قال: فآذّني، فآذنته، فجاء هو وأبو بكر، فجعل يجدّ ويكال من أسفل النخل، ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- يدعو بالبركة، حتى وفينا جميع حقه من أصغر الحديقتين، ثم أتيتهم برطب وماء فأكلوا وشربوا، ثم قال: هذا من النعيم الذي تسألون عنه».

[شرح الغريب]
فاستنظره: الاستنظار: طلب التأخير إلى وقت آخر، وأنظرته: أخرته.
الجداد: قطع ثمر النخل، وهو الصرام.
على حدة: منفردا، يعني كل جنس وحده.
عذق زيد: نوع من التمر بالمدينة معروف، وكذلك اللينة والعجوة، وقيل: «اللينة، واللون» واحد الألوان، وهو عند أهل المدينة: كل تمر ليس بعجوة، وقيل: «اللينة» جميع النخل من غير استثناء، والأول أشبه.
المربد: موضع التمر الذي يجمع فيه.
البيدرة: جمع الثمرة في البيدر، وهو المكان الذي تجمع فيه قبل نقلها إلى البيوت، وكذلك موضع الغلات يسمى بيدرا.
أغريت فلانا بفلان: إذا حملته على قصده، والمراد: أنهم لجوا في مطالبتي وألحوا.
تمزعوه: أي: تفرقوه واقتسموا.

8920 - (خ) جابر بن عبد الله - رضي الله عنهما - قال: «كان بالمدينة يهودي، وكان يسلفني في تمري إلى الجداد، وكانت لجابر الأرض التي بطريق رومة، فخنست النخل عاما، فجاءني يهودي عند الجداد، ولم أجدّ منها شيئا، فجعلت أستنظره إلى قابل، فأبى، فأخبر بذلك رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فقال لأصحابه: امشوا نستنظر لجابر من اليهودي. فجاءوني في نخلي، فجعل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يكلم اليهوديّ، ويقول: لا أنظر، فقام رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فطاف بالنخل، ثم جاءه فكلمه فأبى، فقمت، فجئت بقليل رطب، فوضعته بين يدي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فأكل، فقال: أين عريشك يا جابر؟ فأخبرته، فقال: افرش لي فيه، ففرشته، فدخل فرقد، ثم استيقظ، فجئته بقبضة أخرى، فأكل منها، ثم قام، فكلم اليهودي. فأبى عليه، فقام في الرّطاب، وطاف في النخل الثانية، ثم قال: يا جابر، جدّ واقض، فوقعت في الجداد، فجددت منها ما قضيته، وفضل مثله، فخرجت حتى جئت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فبشرته، فقال: أشهد أني رسول الله». أخرجه البخاري.
[شرح الغريب]
فخنست النخل: أي: أن النخل تأخرت عن قبول الإبار، ولم يؤثر فيها التأبير الكامل، فلم تستكمل حملها.

8921 - (م) أبو هريرة - رضي الله عنه - قال: «كنت أدعو أمّي إلى الإسلام، وهي مشركة، فدعوتها يوما، فأسمّعتني في رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ما أكره، فأتيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأنا أبكي، فقلت: يا رسول الله، إني كنت أدعو أمي إلى الإسلام، فتأبى علي، فدعوتها اليوم فأسمعتني فيك ما أكره، فادع الله تعالى أن يهدي أم أبي هريرة، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: اللهم اهد أمّ أبي هريرة، فخرجت مستبشرا بدعوة النبي، فلما جئت فصرت إلى الباب وقربت منه، فإذا هو مجاف، فسمعت أمّي خشف قدميّ، فقالت: مكانك يا أبا هريرة، وسمعت خضخضة الماء، فاغتسلت ولبست درعها، وعجلت عن خمارها، ففتحت الباب، ثم قالت: يا أبا هريرة، أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، قال: فرجعت إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فأتيته وأنا أبكي من الفرح، فقلت: يا رسول الله، أبشر فقد استجاب الله دعوتك، وهدى أم أبي هريرة، فحمد الله وقال خيرا، قال: فقلت: يا رسول الله، ادع الله أن يحبّبني أنا وأمي إلى عباده المؤمنين، ويحببهم إلينا، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: اللهم حبّب عبيدك هذا - يعني أبا هريرة- وأمه إلى عبادك المؤمنين، وحبّب إليهما المؤمنين. فما خلق من مؤمن يسمع بي، ولا يراني إلا أحبّني». أخرجه مسلم.
[شرح الغريب]
أجفت الباب: إذا أغلقته، فهو مجاف.
خشف قدميّ: الخشف والخشفة: الصوت والحركة.

8922 - (خ م ت) السائب بن يزيد - رضي الله عنه - قال: «ذهبت بي خالتي إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم -، فقالت: يا رسول الله، إن ابن أختي وجع، فمسح رأسي، ودعا لي بالبركة، فتوضأ فشربت من وضوئه، ثم قمت خلف ظهره، فنظرت إلى خاتم النبوة بين كتفيه مثل زرّ الحجلة».
وقال الجعيد: رأيت السائب بن يزيد سنة أربع وتسعين جلدا معتدلا، فقال: «قد علمت ما متّعت به سمعي، وبصري إلا بدعاء رسول الله -صلى الله عليه وسلم-». أخرجه البخاري، ومسلم. وأخرجه الترمذي إلى قوله: «زرّ الحجلة».

8923 - (ت) أبو زيد بن أخطب - رضي الله عنه -: قال: «مسح رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بيده على وجهي، ودعا لي»، «قال عزرة: فلقد رأيته بعد ما عاش عشرين ومائة سنة. وليس في لحيته إلا شعيرات تعد بيض». أخرجه الترمذي.
8924 - (د) يزيد بن عبد الرحمن - رحمه الله - قال: «رأيت أثر ضربة في ساق سلمة، فقلت: ما هذه؟ قال: أصابتني يوم خيبر، فقال الناس: أصيب سلمة، فأتي بي النبي -صلى الله عليه وسلم-، فنفث فيّ ثلاث نفثات، فما اشتكيتها حتى الساعة». أخرجه أبو داود.
الفصل الخامس: في كف الأعداء عنه - صلى الله عليه وسلم -
8925 - (م) أبو هريرة - رضي الله عنه - قال: قال أبو جهل: «هل يعفّر محمد وجهه بين أظهركم؟ قيل: نعم، قال: واللات والعزى لو رأيته يفعل ذلك، لأطأنّ رقبته، أو لأعفّرن وجهه في التراب، قال: فأتى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو يصلّي، زعم ليطأ على رقبته، قال: فما فجأهم منه إلا وهو ينكص على عقبيه، ويتّقي بيديه، فقيل له: مالك؟ فقال: إن بيني وبينه لخندقا من نار وهولا وأجنحة، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: لو دنا منّي لاختطفته الملائكة عضوا عضوا، فأنزل الله - لا ندري في حديث أبي هريرة أو شيء بلغه -{كلا إن الإنسان ليطغى}- إلى قوله -: {كلا لا تطعه}[العلق:6-19] قال: وأمره بما أمره به»، زاد في رواية: «{فليدع ناديه} يعني: قومه»، أخرجه مسلم،
وفي رواية قال: «قال أبو جهل: لئن رأيت محمدا يصلّى عند الكعبة، لأطأن على رقبته، فبلغ النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، فقال: لو فعله لأخذته الملائكة».

[شرح الغريب]
التعفير: التمريغ في التراب.
نكص على عقبيه: رجع إلى ورائه القهقرى.
الاختطاف: الاستلاب بسرعة.

8926 - (خ ت) عبد الله بن عباس - رضي الله عنهما - قال: «قال أبو جهل: لئن رأيت محمدا يصلّى عن البيت لأطأن على عنقه. فبلغ ذلك رسول الله -صلى الله عليه وسلم-. فقال: لو فعله لأخذته الملائكة عيانا». أخرجه الترمذي. وأخرجه البخاري إلى قوله: «الملائكة».
8927 - (خ م) جابر بن عبد الله - رضي الله عنهما - قال: «غزونا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- غزاة قبل نجد. فأدركنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في القائلة في واد كثير العضاه. فنزل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- تحت شجرة فعلّق سيفه بغصن من أغصانها. وتفرّق الناس في الوادي يستظلون بالشجر. فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: إنّ رجلا أتاني وأنا نائم. فأخذ السيف فاستيقظت. وهو قائم على رأسي. والسيف صلتا في يده. فقال: من يمنعك مني؟ قلت: الله. فشام السيف. فها هو ذا جالس. ثم لم يعرض له رسول الله -صلى الله عليه وسلم-. وكان ملك قومه. فانصرف حين عفا عنه. فقال: لا أكون في قوم هم حرب لك». أخرجه البخاري. ومسلم.
[شرح الغريب]
العضاه: كل شجر له شوك. كالسلم والأراك.
سيف صلت: إذا كان خارجا من غمده.
شمت السيف: إذا أغمدته. وإذا سللته. فهو من الأضداد.

الفصل السادس: فيما سئل عنه - صلى الله عليه ولم -
8928 - (م) ثوبان - رضي الله عنه - قال: «كنت قائما عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فجاء حبر من أحبار اليهود. فقال: السلام عليك يا محمد. فدفعته دفعة كاد يصرع منها. فقال: لم تدفعني؟ فقلت: ألا تقول: يا رسول الله؟ فقال اليهودي: إنما ندعوه باسمه الذي سماه به أهله، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: إن اسمي محمد الذي سمّاني به أهلي، فقال اليهودي: جئت أسألك، فقال رسول الله: أينفعك شيء إن حدثتك؟ قال: أسمع بأذني. فنكت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بعود معه. فقال: سل، فقال اليهودي: أين يكون الناس يوم تبدّل الأرض غير الأرض والسموات؟ فقال رسول الله-صلى الله عليه وسلم-: في الظلمة، دون الجسر، قال: فمن أول الناس إجازة؟ قال: فقراء المهاجرين، قال اليهودي: فما تحفتهم حين يدخلون الجنة؟ قال: زيادة كبد النون. قال: فما غذاؤهم على أثرها؟ قال: ينحر لهم ثور الجنة الذي كان يأكل من أطرافها، قال: فما شرابهم؟ قال: من عين تسمّى سلسبيلا، قال: صدقت، قال: إني جئت أسألك عن شيء لا يعلمه أحد إلا نبيّ، أو رجل أو رجلان، قال: ينفعك إن حدثتك؟ قال: أسمع بأذني، قال: جئت أسألك عن الولد؟، قال: ماء الرجل أبيض، وماء المرأة أصفر، فإذا اجتمعا، فعلا منيّ الرجل منيّ المرأة أذكرا بإذن الله، وإذا علا مني المرأة مني الرجل آنثا بإذن الله، قال اليهودي: لقد صدقت، وإنك لنبي، ثم انصرف فذهب، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: لقد سألني هذا عن الذي سألني عنه، وما لي علم بشيء منه، حتى آتاني الله عز وجل به».
وفي رواية مثله، غير أنه قال: «كنت قاعدا عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم-»، وقال: «زائدة كبد النون»، وقال: «أذكر وآنث»، ولم يقل: «أذكرا وآنثا»، أخرجه مسلم.

[شرح الغريب]
تحفتهم: التحفة: ما تعطيه غيرك من البر والإحسان والهدية.
النون: الحوت. وجمعه نينان.
أذكرت المرأة: إذا ولدت ذكرا. وآنثت: إذا ولدت أنثى.

8929 - (ت س) صفوان بن عسال - رضي الله عنه - قال: قال بعض اليهود لصاحبه: «اذهب بنا إلى هذا النبي، فقال صاحبه: لا تقل نبي، إنه لو سمعك كان له أربعة أعين، فأتيا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فسألاه عن تسع آيات بينات، فقال لهم: لا تشركوا بالله شيئا. ولا تسرقوا. ولا تزنوا. ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق. ولا تمشوا ببريء إلى ذي سلطان ليقتله، ولا تسحروا. ولا تأكلوا الربا. ولا تقذفوا محصنة. ولا تولّوا الأدبار يوم الزّحف، وعليكم خاصة اليهود: أن لا تعدوا في السبت، فقبّلا يده ورجله. وقالا: نشهد أنك نبي، فقال: ما يمنعكما أن تتّبعاني؟ قالا: إن داود دعا ربه أن لا يزال من ذريته نبيّ، وإنا نخاف إن اتبعناك أن تقتلنا اليهود».أخرجه الترمذي. والنسائي.
[شرح الغريب]
الزحف: القتال. والمراد به: الجهاد في سبيل الله.

8930 - (خ) أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: «بلغ عبد الله بن سلام مقدم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- المدينة - قال: وفي رواية: وهو في أرض يخترف - فأتاه. وقال: إني سائلك عن ثلاث. لا يعلمهن إلا نبيّ: ما أول أشراط الساعة؟ وما أول طعام يأكله أهل الجنة؟ ومن أيّ شيء ينزع الولد إلى أبيه؟ ومن أي شيء ينزع إلى أخواله؟ فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: خبّرني بهنّ آنفا جبريل، قال: فقال عبد الله: ذاك عدوّ اليهود من الملائكة - زاد في رواية: فقرأ هذه الآية {من كان عدوا لجبريل فإنه نزّله على قلبك} [البقرة:97] -.
فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: أما أول أشراط الساعة: فنار تحشر الناس من المشرق إلى المغرب، وأما أول طعام يأكله أهل الجنة فزيادة كبد الحوت، وأما الشّبه في الولد: فإن الرجل إذا غشي المرأة. فسبقها ماؤه كان الشبه له. وإذا سبقت كان الشبه لها، قال: أشهد أنك رسول الله، ثم قال: يا رسول الله إن اليهود قوم بهت، فإن علموا بإسلامي قبل أن تسألهم بهتوني عندك، فجاءت اليهود. ودخل عبد الله البيت، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: أيّ رجل فيكم عبد الله بن سلام؟ قالوا: أعلمنا، وابن أعلمنا. وأخيرنا وابن أخيرنا، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: أفرأيتم إن أسلم عبد الله؟ قالوا: أعاذه الله من ذلك - زاد في رواية: فأعاد عليهم، فقالوا: مثل ذلك - قال: فخرج عبد الله إليهم، فقال: أشهد أن لا إله إلا الله. وأشهد أن محمدا رسول الله، فقالوا: شرّنا وابن شرنا، ووقعوا فيه» زاد في رواية: قال - يعني ابن سلام - «هذا الذي كنت أخاف يا رسول الله». أخرجه البخاري.

[شرح الغريب]
الاختراف: جني الثمار من الشجر.
الأشراط: العلامات. وأشراط الساعة: العلامات التي تتقدمها. مثل خروج الدجال. وطلوع الشمس من المغرب.
ينزع الولد إلى أبيه أو إلى أمه: إذا جاء يشبه أحدهما.
قوم بهت: بهت فلان فلانا: إذا كذب عليه. فهو باهت. وقوم بهت.

الفصل السابع: في معجزات متفرقة
8931 - (م) عبادة بن الوليد بن عبادة بن الصامت رحمه الله: هذا حديث عبادة بن الوليد عن أبي اليسر وجابر: قد مرّ أوّله في كتاب الدّين والقرض، من حرف الدال، وبعضه في كتاب فضيلة المسجد، وبعضه في كتاب السّبّ واللعن، وبعضه في كتاب الصلاة، لأن كل واحد من أحاديثه منفرد مستقل بنفسه، وقد جاءت في بعض الصحاح متفرقة، فذكرناها كذلك وسردها مسلم حديثا واحدا.
وأوردها الحميدي في مسند أبي اليسر، وكان معظم معاني الحديث يتضمن ذكر المعجزات، فأوردناه بطوله في هذا الباب. لئلا يخلو الكتاب من ذكر الحديث مسرودا على حالته، وإن كان قد جاء مفرّقا في أبوابه.
قال عبادة بن الوليد بن الصامت: «خرجت أنا وأبي نطلب العلم في هذا الحيّ من الأنصار. قبل أن يهلكوا، فكان أول من لقينا أبا اليسر صاحب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-. ومعه غلام له، معه ضمامة من صحف. وعلى أبي اليسر بردة ومعافريّ، وعلى غلامه بردة ومعافري، فقال له أبي: يا عمّ. إني أرى في وجهك سفعة من غضب، قال: أجل، كان لي على فلان بن فلان الحراميّ مال، فأتيت أهله، فسلّمت. فقلت: أثمّ هو؟ قالوا: لا، فخرج عليّ ابن له، جفر. فقلت: أين أبوك؟ قال: سمع صوتك، فدخل أريكة أمّي، فقلت: اخرج إليّ. فقد علمت أين أنت. فخرج، فقلت: ما حملك على أن اختبأت مني؟ فقال: أنا والله أحدّثك. ثم لا أكذبك. خشيت والله أن أحدثك فأكذبك. وأن أعدك فأخلفك، وكنت صاحب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-. وكنت والله معسرا، قال: قلت: الله؟ قال: الله.
قال: قلت: الله؟ قال: الله. قال: قلت: الله؟ قال: الله. قال: فأتى بصحيفته. فمحاها بيده. وقال: فإن وجدت قضاء فاقضني. وإلا فأنت في حلّ. فأشهد. بصر عينيّ هاتين - ووضع إصبعيه على عينيه - وسمع أذني هاتين. ووعاه قلبي هذا - وأشار إلى مناط قلبه - رسول الله -صلى الله عليه وسلم-. وهو يقول: من أنظر معسرا. أو وضع عنه. أظلّه الله في ظله. قال: فقلت له أنا يا عمّ. لو أنك أخذت بردة غلامك وأعطيته معافريّك. وأخذت معافريه وأعطيته بردتك. فكانت عليك حلة. وعليه حلة؟ فمسح رأسي.
وقال: اللهم بارك فيه. يا ابن أخي. بصر عينيّ هاتين. وسمع أذني هاتين. ووعاه قلبي هذا - وأشار إلى نياط قلبه - رسول الله -صلى الله عليه وسلم-. وهو يقول: أطعموهم مما تأكلون. وألبسوهم مما تلبسون. وكان أن أعطيته من متاع الدنيا أهون عليّ من أن يأخذ من حسناتي يوم القيامة. ثم مضينا حتى أتينا جابر بن عبد الله في مسجده. وهو يصلّى في ثوب واحد مشتملا به. فتخطيت القوم. حتى جلست بينه وبين القبلة. فقلت: يرحمك الله. أتصلّى في ثوب واحد. ورداؤك إلى جنبك؟ قال: فقال بيده في صدري هكذا - وفرّق بين أصابعه وقوّسها - أردت أن يدخل عليّ الأحمق مثلك. فيراني كيف أصنع. فيصنع مثله. أتانا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في مسجدنا هذا. وفي يده عرجون بن طاب. فرأى في قبلة المسجد نخامة. فحكّها بالعرجون.ثم أقبل علينا.
فقال: أيكم يحب أن يعرض الله عنه؟ قال: فجشعنا. ثم قال: أيكم يحب أن يعرض الله عنه؟ قلنا: لا أيّنا يا رسول الله. قال: فإن أحدكم إذا قام يصلي فإن الله تبارك وتعالى قبل وجهه. فلا يبصقنّ قبل وجهه. ولا عن يمينه. وليبصق عن يساره. تحت رجله اليسرى. فإن عجلت به بادرة فليقل بثوبه هكذا - ثم طوى ثوبه بعضه على بعض - فقال: أروني عبيرا. فقام فتى من الحيّ يشتد إلى أهله. فجاء بخلوق في راحته. فأخذه رسول الله -صلى الله عليه وسلم-. فجعله على رأس العرجون. ثم لطخ به على أثر النخامة. فقال جابر: فمن هناك جعلتم الخلوق في مساجدكم.
سرنا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في غزوة بطن بواط. وهو يطلب المجديّ بن عمرو الجهني. وكان الناضح يعتقه منا الخمسة. والستة. والسبعة. فدارت عقبة رجل من الأنصار على ناضح له. فأناخه فركبه. ثم بعثه. فتلدّن عليه. بعض التلدّن. فقال له: شأ. لعنك الله. فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: من هذا اللاعن بعيره؟ قال: أنا يا رسول الله. قال: انزل عنه. فلا تصحبنا بملعون. لا تدعوا على أنفسكم. ولا تدعوا على أولادكم. ولا تدعوا على أموالكم. لا توافقوا من الله ساعة يسأل فيها عطاء فيستجيب لكم.
سرنا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم-. حتى إذا كنّا عشيشية. ودنونا ماء من مياه العرب. قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: من رجل يتقدمنا فيمدر الحوض. فيشرب ويسقينا؟ قال جابر: فقمت. فقلت: هذا رجل يا رسول الله. فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: أيّ رجل مع جابر؟ فقام جبّار بن صخر. فانطلقنا إلى البئر. فنزعنا في الحوض سجلا أو سجلين. ثم مدرناه. ثم نزعنا فيه حتى أفهقناه. فكان أول طالع علينا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-. فقال: أتأذنان؟ قلنا: نعم يا رسول الله. فأشرع ناقته. فشربت. شنق لها. فشجت. فبالت. ثم عدل بها فأناخها.
ثم جاء رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى الحوض فتوضأ منه. ثم قمت. فتوضأت من متوضّأ رسول الله -صلى الله عليه وسلم-. فذهب جبّار بن صخر يقضي حاجته. فقام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ليصلي. وكانت عليّ بردة. ذهبت أن أخالف بين طرفيها فلم تبلغ لي. وكانت لها ذباذب فنكستها. ثم خالفت بين طرفيها. ثم تواقصت عليها. ثم جئت حتى قمت عن يسار رسول الله -صلى الله عليه وسلم-. فأخذ بيدي. فأدارني حتى أقامني عن يمينه.
ثم جاء جبار بن صخر فتوضأ. ثم جاء فقام عن يسار رسول الله -صلى الله عليه وسلم-. فأخذ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بيدينا جميعا. فدفعنا حتى أقامنا خلفه. فجعل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يرمقني. وأنا لا أشعر. ثم فطنت به. فقال: هكذا بيده - يعني شدّ وسطك - فلما فرغ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: يا جابر. قلت: لبيك يا رسول الله. قال: إذا كان واسعا فخالف بين طرفيه. وإذا كان ضيقا فاشدده على حقوك.
سرنا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم-. وكان قوت كلّ رجل منّا في كلّ يوم تمرة. فكان يمصّها. ثم يصرّها في ثوبه. وكنّا نختبط بقسيّنا ونأكل. حتى قرحت أشداقنا. فأقسم: أخطئها رجل منا يوما. فانطلقنا به ننعشه. فشهدنا له: أنه لم يعطها. فأعطيها. فقام فأخذها.
سرنا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم-. حتى نزلنا واديا أفيح. فذهب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقضي حاجته. فأتبعته بإداوة من ماء. فنظر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فلم ير شيئا يستتر به. فإذا شجرتان بشاطئ الوادي. فانطلق رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى إحداهما. فأخذ بغصن من أغصانها. فقال: انقادي عليّ بإذن الله. فانقادت معه كالبعير المخشوش. الذي يصانع قائده. حتى أتى الشجرة الأخرى. فأخذ بغصن من أغصانها. فقال: انقادي عليّ بإذن الله. فانقادت معه كذلك. حتى إذا كان بالمنصف مما بينهما لأم بينهما - يعني جميعا - فقال: التئما عليّ بإذن الله. فالتأمتا. قال جابر: فخرجت أحضر. مخافة أن يحسّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بقربي فيبتعد - وقال محمد بن عباد -: فيتبعد - فجلست أحدث نفسي. فحانت مني لفتة. فإذا أنا برسول الله -صلى الله عليه وسلم- مقبلا. وإذا الشجرتان قد افترقتا. فقامت كل واحدة منهما على ساق. فرأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وقف وقفة. فقال برأسه هكذا - وأشار أبو إسماعيل الراوي برأسه يمينا وشمالا - ثم أقبل.
فلما انتهى إليّ قال: يا جابر. هل رأيت مامي؟ قلت: نعم يا رسول الله. قال: فانطلق إلى الشجرتين فاقطع من كل واحدة منهما غصنا. فأقبل بهما. حتى إذا قمت مقامي. فأرسل غصنا عن يمينك. وغصنا عن يسارك. قال جابر: فقمت فأخذت حجرا فكسرته. وحسرته فانذلق لي. فأتيت الشجرتين فقطعت من كل واحدة منهما غصنا. ثم أقبلت أجرّهما. حتى قمت مقام رسول الله -صلى الله عليه وسلم-. أرسلت غصنا عن يميني وغصنا عن يساري. ثم لحقته. فقلت: قد فعلت يا رسول الله فعمّ ذاك؟ قال:إني مررت بقبرين يعذّبان.
فأحببت بشفاعتي أن يرفّه عنهما ما دام الغصنان رطبين. قال: فأتينا العكسر. فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: يا جابر. ناد بوضوء. فقلت: ألا وضوء؟ ألا وضوء؟ ألا وضوء؟ قال: قلت: يا رسول الله. ما وجدت في الرّكب من قطرة. وكان رجل من الأنصار يبرّد لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- الماء في أشجاب له على حمارة من جريد. قال: فقال لي: انطلق إلى فلان بن فلان الأنصاري. فانظر: هل في أشجابه من شيء؟ قال: فانطلقت إليه. فنظرت فيها. فلم أجد فيها إلا قطرة في عزلاء شجب منها. لو أني أفرغه لشربه يابسه. فأتيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم-. فقلت: يا رسول الله. إني لم أجد فيها إلا قطرة في عزلاء شجب منها لو أني أفرغه لشربه يابسه. قال: اذهب فائتني به. فأتيته به. فأخذه بيده. فجعل يتكلم بشيء لا أدري ما هو. ويغمز بيديه. ثم أعطانيه. فقال: يا جابر. ناد بجفنة. فقلت: يا جفنة الركب. فأتيت بها تحمل. فوضعتها بين يديه. فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بيده في الجفنة هكذا - فبسطها وفرق بين أصابعه - ثم وضعها في قعر الجفنة. وقال: خذ يا جابر. فصبّ عليّ. وقل: بسم الله. فصببت عليه. وقلت: بسم الله. فرأيت الماء يتفوّر من بين أصابع رسول الله -صلى الله عليه وسلم-. ثم فارت الجفنة ودارت. حتى امتلأت. فقال: يا جابر. ناد: من كان له حاجة بماء؟ قال: فأتى الناس. فاستقوا حتى رووا. قال: فقلت: هل بقي أحد له حاجة؟ فرفع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يده من الجفنة. وهي ملأى. وشكى الناس إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الجوع. فقال: عسى الله أن يطعمكم. فأتينا سيف البحر. فزخر البحر زخرة فألقى دابة. فأورينا على شقها النار. فاطّبخنا واشتوينا. وأكلنا حتى شبعنا. قال جابر: فدخلت أنا وفلان وفلان - حتى عدّ خمسة - في حجاج عينها. ما يرانا أحد حتى خرجنا. فأخذنا ضلعا من أضلاعه فقوّسناه. ثم دعونا بأعظم رجل في الركب. وأعظم جمل في الركب. وأعظم كفل في الركب. فدخل تحته. ما يطأطئ رأسه».

[شرح الغريب]
ضمامة: الإضمامة من الكتب: الرزمة المجتمعة منها. والذي جاء في مسلم «ضمامة» بغير ألف.
المعافري: ثوب ينسب إلى معافر. وهو موضع باليمن.
السّفعة: تغير اللون من الغضب. وأصله من سفعته النار: إذا غيرت لونه.
غلام جفر: أي مشتد قوي. وأصله من أولاد المعز إذا أتى عليه أربعة أشهر وفصل عن أمه. وأخذ في المرعى. فهو جفر.
أريكة: الأريكة: السرير المنضد عليه فرش. ودونه ستر. وقيل: كل ما اتكئ عليه.
نياط القلب: هو العرق المعلق بالقلب.
الحلة: ثوبان من جنس واحد.
العرجون: العود الذي يكون فيه شماريخ عذق الرطب.
عذق ابن طاب: نوع من رطب المدينة.
النخامة: البزقة التي تخرج من أقصى الحلق من مخرج الخاء المعجمة.
الجشع: الفزع والخوف. هكذا روينا هذه اللفظة في كتاب مسلم وفي كتاب الحميدي بالجيم. وقد ذكرها الحافظ أبو موسى الأصفهاني في كتابه في «تتمة الغربيين» بالخاء المعجمة من الخشوع. وهو الاستكانة والخضوع.
العبير: طيب مخلوط. وقيل: العبير عند العرب: الزعفران.
الاشتداد: العدو.
الخلوق: طيب له لون أحمر أو أصفر.
التعقب: ركوب الرفقة على بعير. واحدا بعد واحد. أي: يركب هذا عقب هذا. والعقبة: هي تلك الفعلة.
فتلدن: تلدن البعير: إذا توقف في المشي وتمكث على راكبه.
عشيشية: تصغير عشية على غير قياس.
مدرت الحوض: لطخته بالطين تصلحه به وتسد ثقبه.
السجل: الدلو العظيمة.
نزعت الدلو: جذبتها واستقيت بها الماء من البئر.
أفهقت الحوض: ملأته. وأصفقته: جمعت الماء فيه. ومنه قولهم: أصفقوا على الأمر. أي: اجتمعوا عليه.
أشرع ناقته: إذا أوردها الماء.
شنق لبعيره: جذب زمامه إليه بعد أن كان أرخاه.
فشجت: أي قطعت الشرب. ومنه شججت المفازة: قطعتها بالسير هذا الذي فسره الحميدي في شرح كتابه «الجمع بين الصحيحين» والذي رواه الخطابي في غريبه قال: «فأشرع ناقته فشربت. وشنق لها ففشجت وبالت» وقال: معناه تفاجت. وفرقت ما بين رجليها لتبول. والذي جاء في كتاب مسلم «فشجت» كما رواه الحميدي بتشديد الجيم. والله أعلم.
ذباذب: الذباذب: كل ما يتعلق من الشيء فيتحرك. والذبذبة: حركة الشيء المعلق.
تواقصت عليها: أمسكتها بعنقي. وهو أن يحني عليها رقبته.
نختبط: الاختباط: ضرب الشجر بالعصا ليتناثر ورقها.
قرحت أشداقنا: تجرحت من أكل الخبط.
أخطئها: يعني أنهم غفلوا عن رجل منهم. فلم يعطوه التمرة التي تخصه نسيانا.
ننعشه: نشهد له. كأنه قد عثر فانتعش. فقام فأخذها لما أعطيها.
الأفيح: الواسع.
البعير المخشوش: الذي قد جعل في أنفه الخشاش. وهو عويد يجعل في أنفه ليكون أسرع لانقياده.
المنصف: موضع النصف بين الشيئين.
الإحضار: العدو والسعي. ورويدا على مهل.
فانذلق: صار له حد يقطع به. وذلق كل شيء: حده. وأذلقت الشيء: إذا حددته.
حسرته: قطعته. وهو من حسرت الشعر: إذا أزلته من موضعه. وحسرت الذراع: إذا كشفتها. فكأنه كشف نواحي الحجر بالتقطيع.لتنفلقله شظية من شظاياه يقطع بها غصن الشجرة.
الأشجاب: جمع شجب. وهو ما أخلق من الأسقية وبلي.
حمارة: الحمارة: ثلاثة أعواد يشد بعض أطرافها إلى بعض. ويخالف بين أرجلها. ويعلق عليها السقاء [ليبرد الماء].
العزلاء: أحد عزالي المزادة. وهو فمها الذي يخرج منه الماء.
سيف البحر: ساحله وجانبه.
زخر البحر: يزخر إذا هاج وارتفعت أمواجه.
أورينا: أوقدنا النار.
حجاج العين: العظم المستدير حولها. الذي مجموع العين فيه.
الركب: جمع راكب. والمراد به: الرفقة كلهم.
الكفل: العجز.

8932 - (س) أبو سكينة - رجل من المحررين -: عن رجل من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «لما أمر النبيّ -صلى الله عليه وسلم- بحفر الخندق عرضت لهم صخرة حالت بينهم وبين الحفر. فقام رسول الله -صلى الله عليه وسلم-. وأخذ المعول. ووضع رداءه ناحية الخندق. وقال: تمّت كلمات ربك صدقا وعدلا لا مبدّل لكلماته وهو السميع العليم فندر ثلث الحجر. وسلمان الفارسي قائم ينظر. فبرق مع ضربة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- برقة. ثم ضرب الثانية. وقال: تمت كلمات ربك صدقا وعدلا لا مبدّل لكلماته. وهو السميع العليم فندر الثلث الآخر. فبرقت برقة. فرآها سلمان. ثم ضرب الثالثة. وقال: تمت كلمات ربك صدقا وعدلا. لا مبدّل لكلماته. وهو السميع العليم فندر الثلث الباقي. وخرج رسول الله -صلى الله عليه وسلم-. فأخذ رداءه. وجلس. قال سلمان: يا رسول الله. رأيتك حين ضربت. ما تضرب به ضربة إلا كانت معها برقة. قال له رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: يا سلمان. رأيت ذلك؟ قال: إي. والذي بعثك بالحق يا رسول الله. قال: فإني حين ضربت الضربة الأولى: رفعت لي مدائن كسرى وما حولها. ومدائن كثيرة. حتى رأيتها بعينيّ. فقال له: من حضره من أصحابه: يا رسول الله. ادع الله أن يفتحها علينا. ويغنّمنا ديارهم. ويخرّب بأيدينا بلادهم. قال: فدعا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بذلك. ثم ضربت الضربة الثانية. فرفعت لي مدائن قيصر وما حولها. حتى رأيتها بعينيّ. قالوا: يا رسول الله. ادع الله أن يفتتحها علينا. ويغنمنا ديارهم. ويخرب بأيدينا بلادهم. فدعا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بذلك.
ثم ضربت الثالثة فرفعت لي مدائن الحبشة وما حولها من القرى. حتى رأيتها بعينيّ. قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عند ذلك: دعوا الحبشة ما ودعوكم. واتركوا الترك ما تركوكم». أخرجه النسائي.

8933 - (خ م ت) عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه -: قال: «انشق القمر على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بشقين. فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: اشهدوا».
وفي أخرى: «ونحن معه. فقال: اشهدوا. اشهدوا».
وفي أخرى قال: «بينما نحن مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بمنى إذ انفلق القمر فلقتين: فلقة وراء الجبل. وفلقة دونه. فقال لنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: اشهدوا». أخرجه البخاري ومسلم.
وللبخاري قال: وقال مسروق عن عبد الله: «بمكة». وأخرج الترمذي مثله مثل حديث قبله.

8934 - (م ت) عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما -: قال: «انشق القمر على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فلقتين. فستر الجبل فلقة. وكانت فلقة فوق الجبل. فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: اللهم اشهد». أخرجه مسلم. والترمذي.
8935 - (خ م) عبد الله بن عباس - رضي الله عنهما -: قال: «إن القمر انشق في زمن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-». أخرجه البخاري. ومسلم.
8936 - (خ م ت) أنس بن مالك - رضي الله عنه -: قال: «إنّ أهل مكة سألوا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: أن يريهم آية. فأراهم انشقاق القمر مرتين».
وفي أخرى: «فأراهم القمر شقين». أخرجه البخاري. ومسلم.
وزاد الترمذي: «فنزلت:{اقتربت الساعة وانشق القمر - إلى قوله - سحر مستمر} [القمر:1 -2] يقول: ذاهب».

8937 - (ت) جبير بن مطعم - رضي الله عنه -: قال: «انشق القمر على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-. فصار فرقتين. فقالت قريش: سحر محمد أعيننا. فقال بعضهم: لئن كان سحرنا ما يستطيع أن يسحر الناس كلهم». أخرجه الترمذي.
وزاد رزين: «فكانوا يتلقون الرّكبان. فيخبرونهم بأنهم قد رأوه. فيكذبونهم».

8938 - (خ م) عائشة - رضي الله عنها -: قالت للنبي -صلى الله عليه وسلم-: «هل أتى عليك يوم كان أشدّ من يوم أحد؟ قال: لقد لقيت من قومك. وكان أشدّ ما لقيت: يوم العقبة؛ إذ عرضت نفسي على ابن عبد ياليل بن عبد كلال. فلم يجبني إلى ما أردت. فانطلقت وأنا مهموم. على وجهي. فلم أستفق إلا وأنا بقرن الثعالب. فرفعت رأسي. فإذا أنا بسحابة قد أظلّلتني. فنظرت فإذا فيها جبريل. فناداني.فقال: إنّ الله قد سمع قول قومك. وما ردّوا عليك. وقد بعث إليك ملك الجبال لتأمر بما شئت فيهم. فناداني ملك الجبال. فسلّم عليّ. ثم قال: يا محمد. إن الله قد سمع قول قومك. وأنا ملك الجبال. وقد بعثني ربّك إليك لتأمرني بما شئت. إن شئت أطبقت عليهم الأخشبين. قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئا». أخرجه البخاري. ومسلم.
[شرح الغريب]
الأخشبان: جبلا مكة المحيطان بها. وكل جبل عظيم فهو أخشب.

8939 - (خ م) أبو هريرة - رضي الله عنه -: أنّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «إن عفريتا من الجن تفلّت عليّ البارحة. ليقطع عليّ صلاتي. فأمكنني الله منه. فذعتّه. فأردت أن أربطه بسارية من سواري المسجد. حتى تصبحوا وتنظروا إليه كلكم. فذكرت قول أخي سليمان: ربّ هب لي ملكا لا ينبغي لأحد من بعدي فرده الله خاسئا».
وفي رواية: «فأخذته» بدل «فذعته» أخرجه البخاري. ومسلم.

[شرح الغريب]
ذعته: خنقة. والذعت: أشد الخنق.

8940 - (خ م) أبو حميد الساعدي - رضي الله عنه -: قال: «خرجنا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في غزوة تبوك. فأتينا وادي القرى على حديقة لامرأة. فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: اخرصوها. فخرصناها. وخرصها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عشرة أوسق. وقال: أحصيها. حتى نرجع إليك إن شاء الله. وانطلقنا حتى قدمنا تبوك. فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ستهبّ عليكم الليلة ريح شديدة. فلا يقم فيها أحد منكم. فمن كان له بعير فليشدّ عقاله. فهبت ريح شديدة. فقام رجل. فحملته الريح حتى ألقته بجبل طئّ.
وجاء رسول ابن العلماء صاحب أيلة إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بكتاب. وأهدى له بغلة بيضاء. فكتب إليه رسول الله -صلى الله عليه وسلم-. وأهدى له بردا. ثم أقبلنا حتى قدمنا وادي القرى. فسأل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- المرأة عن حديقتها: كم بلغ ثمرها؟ فقالت: عشرة أوسق. فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: إني مسرع. فمن شاء منكم فليسرع معي. ومن شاء فليمكث. فخرجنا حتى أشرفنا على المدينة. فقال: هذه طابة. وهذا أحد. وهو جبل يحبنا ونحبه. ثم قال: إن خير دور الأنصار: دار بني النجار. ثم دار بني عبد الأشهل. ثم دار بني الحرث بن الخزرج. ثم دار بني ساعدة. وفي كل دور الأنصار خير. فلحقنا سعد بن عبادة. فقال أبو أسيد: ألم تر أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- خيّر دور الأنصار. فجعلنا آخرا؟ فأدرك سعد رسول الله. فقال: يا رسول الله. خيّرت دور الأنصار. فجعلتنا آخرا؟ فقال: أو ليس بحسبكم أن تكونوا من الخيار؟». أخرجه البخاري. ومسلم.
وأخرج أبو داود بعضه. ولم يذكر فيه حديث الريح. وانتهى حديثه عند قوله: «إنّي مسرع. فمن شاء منكم فليسرع. ومن شاء منكم فليمكث» إلا أنه قال: «إني متعجّل إلى المدينة. فمن أراد منكم أن يتعجّل معي فليتعجّل».

[شرح الغريب]
اخرصوا: خرص النخل: حزر مقدار ثمرها.
طابة: اسم المدينة. سماها به رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وكذلك طيبة. وهما من الطيب.


التوقيع :
رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
في, كتاب

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
إبحث في الموضوع:

البحث المتقدم
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 07:41 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir