دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > الفقه > متون الفقه > زاد المستقنع > كتاب العدد

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 1 جمادى الأولى 1432هـ/4-04-2011م, 12:03 PM
الصورة الرمزية ساجدة فاروق
ساجدة فاروق ساجدة فاروق غير متواجد حالياً
هيئة الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 6,511
افتراضي الشرح الممتع على زاد المستقنع / الشيخ ابن عثيمين رحمه الله

كِتَابُ الْعِدَدِ

هذا الكتاب من أهم أبواب الفقه؛ لأنه ينبني عليه مسائل كثيرة من المواريث، وصحة النكاح وغير ذلك.
قوله: «العِدَدَ» جمع عِدَّة بكسر العين، وهو في اللغة مأخوذ من العدد يعني من واحد، اثنين، ثلاثة، أربعة... إلى آخره.
وفي الشرع: تربص محدود شرعاً بسبب فرقة نكاح، وما ألحق به.
فقولنا: «تربص» يعني انتظار، مأخوذ من قوله تعالى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ} [البقرة: 228] ، وقوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ} [البقرة: 234] .
وقولنا: «محدود شرعاً» أي: من قبل الشرع.
وقولنا: «بسبب فرقة نكاح، وما ألحق به» كوطء الشبهة مثلاً، فالمرأة إذا وطئت بشبهة عليها أن تعتد، مع أنه ليس ذلك من نكاح، لكنه ملحق به.
أما حكم العدة فواجب؛ لقوله تعالى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ} قال أهل العلم: إن هذا خبر بمعنى الأمر، وإنما جاء بصيغة الخبر لإقراره وتثبيته، كأنه أمر مفروغ منه، وكذلك قوله: {وَأُولاَتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: 4] فالعدة واجبة، ولكن لا بد من شروط، فيشترط لوجوب العدة: أن يكون النكاح غير باطل، وإذا كانت مفارَقة حياة أن يحصل وطء، أو خلوة ممن يولد لمثله بمثله.

تَلْزَمُ الْعِدَّةُ كُلَّ امْرأَةٍ فَارَقَتْ زَوْجاً، خَلاَ بِهَا، مطَاوِعَةً، مَعَ عِلْمِهِ بِهَا، وَقُدْرَتِهِ عَلَى وَطْئِهَا، وَلَوْ مَعَ مَا يَمْنَعُهُ مِنْهُمَا، أَوْ مِنْ أَحَدِهِمَا حِسّاً، أَوْ شَرْعاً، أَوْ وَطِئَهَا، أَوْ مَاتَ عَنْهَا......
قوله: «تلزم العدة كلَّ امرأة فارقت زوجاً» «امرأة» هنا لا يعني أن تكون بالغة، فليس بشرط، بل المراد كل أنثى فارقت زوجها.
وقوله: «فارقت» لم يقل: طلقها؛ لأجل أن يشمل جميع أنواع الفرقة بموت أو حياة، كالفسخ لعيب، أو خلاف شرط، أو إعسار بنفقة على القول به، أو غير ذلك، وقد ذكر ابن القيم رحمه الله في «بدائع الفوائد» أن فرقة النكاح عشرون نوعاً، كلها تسمى فرقة، إنما الضابط هو كل امرأة فارقت زوجها بموت أو حياة، والفراق بالحياة إما طلاق أو فسخ.
قوله: «خلا بها» عن مميز، يعني صار هو وإياها في مكان لم يحضرهما أحد له تمييز.
قوله: «مطاوعة» هذا شرط للخلوة، فلو أكرهت على الخلوة فلا عدة وإن خلا بها، ولكن هذا فيه نظر؛ لأن الرجل إذا خلا بالمرأة فهو مظنة الجماع، سواء كانت مطاوعة أو غير مطاوعة، فاشتراط أن تكون مطاوعة ضعيف، فلو خلا بها وهي مكرهة فإن احتمال الوطء وارد.
قوله: «مع علمه بها» أي: بأن يخلو بها وهو يعلم أن في المكان امرأة، فإن كان لا يعلم مثل أن يكون أعمى أو يكون أدخل عليها في حجرة ليس فيها إضاءة، فلا عدة؛ لأنه ليس هناك مظنة وطء.
قوله: «وقدرته على وطئها» أي: بأن يكون قادراً من حيث الجسمية على الوطء، فإن خلا بها وهو مُربَّط بالحديد فلا عبرة بهذه الخلوة.
قوله: «ولو مع ما يمنعه» الضمير يعود على الوطء، يعني ولو مع مانع من الوطء.
قوله: «منهما» أي: بأن يكون المانع منهما، مثاله: أن يكون الرجل مجبوباً وهي رتقاء، فالمانع هنا فيهما جميعاً، المجبوب لا ذكر له حتى يجامع، والرتقاء لا يمكن أن يلجها ذكر.
قوله: «أو من أحدهما» أي: بأن يكون المانع من أحدهما، مثل أن يكون هو مجبوباً وهي سليمة، أو هي رتقاء وهو سليم.
قوله: «حساً أو شرعاً» أي: ولو كان أحدهما فيه مانع حسي أو شرعي، الحسي كما مثلنا، وأما المانع الشرعي فكأن يكون أحدهما صائماً أو كلاهما صائماً صوم فريضة، فإن الصائم صوم فريضة لا يحق له الجماع، وكذلك ـ أيضاً ـ لو أدخلوه عليها وهو مُحْرِم أو هي مُحْرِمة، فإن العدة تثبت ولو مع مانع شرعي.
إذاً يشترط في الخلوة أن تكون المرأة مطاوعة، وأن يكون عالماً بها، وأن يكون قادراً على الوطء.
قوله: «أو وطئها» معطوف على قوله «خلا بها» يعني أو امرأة وطئها زوجها ولو بدون خلوة فإنها تجب العدة، وكيف يطؤها بدون خلوة؟ يتصور ذلك لو فرضنا أن مميزاً له عشر سنوات معهما في الحجرة، وجامعها، فهنا ما خلا بها.
قوله: «أو مات عنها» معطوفة ـ أيضاً ـ على «خلا بها» يعني تلزم العدةُ امرأةً مات عنها زوجها ولو بدون خلوة، ولو بدون وطء، فالموت موجب للعدة مطلقاً.

حَتَّى فِي نِكَاحٍ فَاسِدٍ فِيهِ خِلاَفٌ، وَإِنْ كَانَ بَاطِلاً وِفَاقاً لَمْ تَعْتَدَّ لِلْوَفَاةِ، وَمَنْ فَارَقَهَا حَيّاً قَبْلَ وَطْءٍ وَخَلْوَةٍ، أَوْ بَعْدَهُمَا، أَوْ بَعْدَ أَحَدِهِمَا، وَهُوَ مِمَّنْ لاَ يُولَدُ لِمِثْلِهِ، أَوْ تَحمَّلَتْ بِمَاءِ الزَّوْجِ أَوْ قَبَّلَهَا أَو لَمَسَهَا بِلاَ خَلْوَةٍ فَلاَ عِدَّةَ.
قوله: «حتى في نكاح فاسد» يعني تلزم العدة حتى في نكاح فاسد، وبين المؤلف النكاح الفاسد بقوله:
«فيه خلاف» هذا بيان للفاسد، وهي صفة كاشفة كما يقولون، وهذا باب واسع، فالنكاح الذي فيه خلاف ليس مسألة أو مسألتين أو ثلاثاً أو أربعاً، بل هو كثير، فمن النكاح الفاسد أن يتزوجها بلا ولي، فبعض العلماء يقول: إنه يصح، إذا كانت امرأة بالغة عاقلة فلها أن تزوج نفسها، كذلك النكاح بلا شهود، أو بشهود لكن من الأصول أو الفروع، أو يتزوج امرأة رضع من أمها مرة واحدة فقط، أو ثلاثاً أو أربعاً أو خمساً؛ فبعض العلماء يقول: يحرم، وبعضهم يقول: المحرِّم عشر رضعات، أو تزوج أخت امرأته وهي في عدة بينونة، أو تزوج أخت زوجته من الرضاع، فشيخ الإسلام يرى أنه لا بأس به ولكنه قول ضعيف، والصواب أن الجمع بين الأختين من الرضاع حرام كما هو رأي الجمهور، والحاصل أن مسائل الخلاف في هذا الباب كثيرة.
وظاهر كلام المؤلف: أن العدة تجب بالنكاح الفاسد، وإن كان يعتقد عدم صحته، مثل لو جاءه أحد بعد أن عقد عليها، وقال: هذا النكاح ما يصح، فقال: هي طالق، فتجب العدة مع أنه يعتقد أنه باطل؛ لأنه ربما يريد أن يخطبها إنسان يرى أن النكاح صحيح فلا يجوز له أن يتزوجها حتى تعتد، ولهذا قلنا: يجب أن تطلق حتى في النكاح المختلف فيه، الذي تعتقد أنت أنه ليس بصحيح.
مثال ذلك: رجل تزوج امرأة وهو لا يصلي، فالصحيح أن النكاح فاسد، فإن تاب وصلى وجب تجديد العقد وإلا وجب أن يطلِّق وتعتد المرأة؛ لأنه ربما يأتي إنسان يقول: أنا ما أرى كفر تارك الصلاة، فيكون النكاح عنده صحيحاً، فحينئذٍ لا بد من أن يكون هناك طلاق شرعي؛ من أجل أن نفتح الباب لمن أراد أن يخطبها من جديد.
فالمهم أن النكاح الفاسد حكمه حكم الصحيح احتياطاً؛ لأننا لو قلنا: حكمه حكم الباطل، وصارت قضية، ورفع الأمر إلى قاضٍ يحكم بصحته حصل تناقض، ثم إننا إذا فرقنا بينها وبين زوجها في النكاح الفاسد، بقي في قلوبنا شيء، وهو خلاف العلماء الآخرين؛ لأنه ربما يكون الصواب معهم فيكون تفريقنا غلطاً، ولا تحل للأزواج بعد ذلك، ولهذا ألحقنا الفاسد بالصحيح من باب الاحتياط.
قوله: «وإن كان باطلاً وفاقاً لم تعتد للوفاة» إذا كان النكاح باطلاً وفاقاً ـ يعني بالإجماع ـ فهو يسمى نكاحاً باطلاً، والذي فيه خلاف يسمى نكاحاً فاسداً، فإذا كان النكاح باطلاً يقول المؤلف: «لم تعتد للوفاة» لكن لو جامعها وجبت العدة لجماعه ووجب الصداق أيضاً.
وقوله: «لم تعتد للوفاة» وللحياة من باب أولى، وعبارة المؤلف توهم طالب العلم المبتدئ أنها إذا لم تعتد للوفاة فإنها تعتد للحياة! وليس الأمر كذلك؛ لأنها إذا لم تعتد للوفاة فللحياة من باب أولى، ولهذا لو قال المؤلف رحمه الله: فلا عدة عليها، لكان أحسن وأوضح، المهم إذا كان العقد باطلاً فإنها لا تعتد؛ لأن وجود الباطل كعدمه، مثل أن يتزوج امرأة ثم يتبين ـ قبل أن يدخل عليها ـ أنها أخته من الرضاع، فالنكاح باطل لإجماع العلماء على فساده، فتفارقه بدون عدة، وبدون مهر، وبدون أي شيء؛ لأن هذا العقد الباطل وجوده كعدمه لا أثر له، وكذلك لو مات عنها ثم ثبت أنها أخته من الرضاع فإنها ليس عليها عدة؛ لأن هذا النكاح باطل بالإجماع، ولهذا قال: «لم تعتد للوفاة» .
مسألة: نكاح الخامسة باطل أو فاسد؟ فيه خلاف، الرافضة يقولون: له أن يتزوج إلى تسع! ولكن لا يعتد بخلافهم عند أهل العلم، وبعض الصوفية يقول: له أن يتزوج إلى خمسين إذا كان من المشايخ الكبار، ولكن ما يعتد بخلافهم أيضاً، المهم أن نكاح الخامسة باطل؛ لأنه خلاف ما أجمع عليه المسلمون، ونكاح المعتدة باطل لقوله تعالى: {وَلاَ تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ} [البقرة: 235] وهذا نهي صريح في القرآن.
ثم شرع المؤلف رحمه الله في مفهوم الشروط الماضية فقال: «ومن فارقها حياً» احترازاً مما إذا فارقها بالموت.
قوله: «قبل وطء وخلوة» أي: إذا فارقها حياً قبل وطء وخلوة فلا عدة عليها؛ لأنا ذكرنا أن من الشروط أن يحصل وطء أو خلوة، فإذا تزوجها ثم طلقها قبل أن يخلو بها، فليس عليها عدة لقوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا} [الأحزاب: 49] .
فإذا قال قائل: الآية يقول الله فيها: {مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ} فكيف تقولون: الخلوة؟
قلنا: من أخذ بظاهر الآية لم يعتبر الخلوة، ويعلق الحكم بالوطء، وقد قال به بعض أهل العلم، لكن الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ حكموا بأن من خلا بها كمن مسها[(156)]، وعللوا ذلك بأن الرجل استباح منها ما لا يباح لغير الزوج، فعلى هذا تكون العدة واجبة عليه، والمسألة في القلب منها شيء؛ لأن الآية الكريمة صريحة {مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ}، ولأن الخلوة ـ وإن كان الإنسان استباح ما لا يباح لغيره ـ فإنهم يقولون: إن الرجل إذا قبلها بلا خلوة فلا عدة، مع أن التقبيل لا يحل لغير الزوج، فالمسألة في القلب منها شيء، لكن المعروف عن الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ أن من أرخى ستراً أو أغلق باباً فإنه كالذي دخل، فيلزمها العدة.
قوله: «أو بعدهما» أي: بعد الوطء والخلوة.
قوله: «أو بَعْدَ أحدهما» أي: الوطء أو الخلوة.
قوله: «وهو ممن لا يولد لمثله» الذي لا يولد لمثله من دون العشر، مثل رجل زوج ابنه امرأة، وأدخل عليها، لكنه صغير له تسع سنوات، وبقي عندها كل الليل وهو يجامعها، ولما كان في الصباح طلقها، فنقول: لا عدة عليها؛ لأنه لا يولد لمثله، وهذه المسألة ـ أيضاً ـ في النفس منها شيء لقوله تعالى: {مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ}، وهذا الصبي قد مس وهو زوج، وكوننا نقول: «لا يولد لمثله» ليس هذا هو العلة، ولهذا لو كان عنيناً وجامعها، بل لو خلا بها فعليها العدة؛ وليست المسألة كونها مظنة الحمل أو لا، لكن استمتاع بشهوة من هذا الصبي، فكيف نقول: ليس عليها عدة؟! فعلى الأقل نجعلها كمسألة الخلوة، لكن هذا هو المذهب.
كذلك ـ أيضاً ـ لو كانت هي ممن لا يولد لمثلها، وهي التي دون التسع، كزوجة لها ثمان سنوات دخل عليها زوجها وهو صغير، يمكنه أن يطأها، وجامعها وتلذذ بها، ثم فارقها، يقولون: لا عدة عليها؛ لأنه لا يولد لمثلها، وهذه هي المسألة الثالثة التي في نفسي منها شيء؛ وذلك لأن الآية إنما علقت الحكم بالمسيس، لكن سنأخذ كلام المؤلف لأجل أن نبني عليه ما يأتي.
فصار يشترط أن تكون الخلوة أو الوطء ممن يولد لمثله (وهو الزوج) بمثله (وهي الزوجة).
قوله: «أو تحملت بماء الزوج» أي: طلبت الحمل بماء الزوج، يعني أخذت من منيِّه ووضعته في فرجها، وحملت منه، وهذا جائز؛ لأن الماء ماء زوجها، وهذا يشبه في عصرنا أطفال الأنابيب، فهل يجوز إجراء هذه العملية؛ لأنه أحياناً تكون المرأة عندها ضعف في الرحم، ولا يمكن أن تحمل إلا بهذه الواسطة؟
فيرى بعض العلماء أنه يجوز للمرأة أن تتحمل من ماء الزوج بواسطة أو بغير واسطة، ولكن الفتيا بذلك فيها خطر التلاعب بالأنساب، فربما يأتي إنسان عقيم، منيه غير صالح، فيشتري من شخص منياً، وتحمل به المرأة، وهذا واقع، فالآن يوجد بنوك للحيوانات المنوية، وهذا غير جائز، لذلك نحن لا نفتي بذلك إطلاقاً؛ لأننا نخشى من التلاعب.
المهم أنها إذا تحملت بمائه فلا عدة عليها؛ لأنه ما مسها ولا خلا بها، والله ـ عزّ وجل ـ يقول: {مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ} فنقول: ألستم تقولون: إنه إذا جامعها وهو ممن لا يولد لمثله فلا عدة؛ لعدم إمكان الحمل؟! فكأن هذا إشارة منكم إلى أن العبرة بإمكان الحمل، فإذا تحملت بمائه، فلماذا لا تجب عليها العدة؟! ولا شك أن هذا فيه نظر؛ لأن أصل وجوب العدة من أقوى أسبابه العلم ببراءة الرحم، فهنا نعلم أن الرحم مشغول، فكيف يكون لا عدة؟! ولهذا يعتبر قول المؤلف هنا ضعيفاً، والصواب أنه يجب عليها العدة.
لكن لاحظ أننا إذا قلنا: لا تجب عليها العدة، فإنه ما يمكن أن تتزوج وهي حامل من ماء هذا الزوج حتى تضع، فهذا أمر لا بد منه، لكننا لا نقول: معتدة لزوجها، بل من أجل انشغال رحمها فقط، ولهذا فالقول الثاني في هذه المسألة ـ وهو الصواب ـ أنه تجب العدة إذا تحملت بماء الزوج، وهذا هو الواقع؛ لأننا سنمنعها من أن تتزوج، والنسب يلحق الزوج، فإذا كان الولد له وهي ممنوعة من أجل ولده من أن تتزوج فهذه العدة، وهذا هو الصواب حتى على المذهب، لكن المؤلف خالف المذهب في هذه المسألة، وأما الجواب عن الآية أن الله ذكر المسيس؛ فلأنه سبب الحمل.
قوله: «أو قَبَّلها» أي: قبل زوجته.
قوله: «أو لمسها بلا خلوة فلا عدة» قَبَّلها لكن بلا خلوة، بحضور أبيها، أو بحضور أمها، أو لمسها، صافحها مثلاً، ولو بشهوة فإنه لا عدة عليها، والدليل قوله تعالى: {ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا} فهذا الرجل ما مسها فلا عدة عليها.
خلاصة ما قال المؤلف: أن العدة واجبة في كل نكاح غير باطل؛ لأجل أن يدخل الفاسد، وهذا شرط لوجوب العدة، سواء العدة للوفاة أو للحياة.
ويشترط للعدة في الحياة أن يحصل وطء، أو خلوة ممن يولد لمثله بمثله.
ويشترط في الخلوة أن يكون عالماً بها، قادراً على الوطء، وأن تكون مطاوعة.
والشرط الأساسي الذي لا بد منه أن يكون النكاح غير باطل.
وهذه الشروط لا بد من معرفتها؛ لأنه يترتب عليها جميع ما يأتينا من أحكام العِدد.
مسألة: لو أن شخصاً عقد على امرأة وتوفي عنها قبل الدخول والخلوة فتجب العدة؛ لأنا اشترطنا في عدة الوفاة أن يكون النكاح غير باطل ولم نشترط سوى ذلك، هذا تعليل، وأما الدليل فلعموم قول الله تعالى: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} [البقرة: 234] .
فإن قال قائل: لماذا لا تقيسون الفرقة بالموت على الفرقة بالحياة؛ لأن الله تعالى ذكر في الطلاق أنه إذا كان قبل المسيس فلا عدة، فلماذا لا تقولون في عدة الوفاة كذلك؟
نقول: الجواب على هذا من وجهين:
أولاً : أنه لا يمكن الإلحاق؛ لأن الاعتداد بفرقة الحياة له أحكام خاصة، فالعدة فيه ثلاثة قروء، أو ثلاثة أشهر لمن لا تحيض، بخلاف الفرقة في الوفاة، فيمتنع الإلحاق.
ثانياً : ما أخرجه أهل السنن من حديث ابن مسعود ـ رضي الله عنه ـ في امرأة عقد عليها زوجها، ثم مات قبل الدخول بها، فقال: لها الميراث، وعليها العدة، ولها المهر، فقام رجل فقال: «إن النبي صلّى الله عليه وسلّم قضى في بَرْوَع بنت واشق امرأة منا بمثل ما قضيت»[(157)]، فحينئذٍ يكون النقل مانعاً من القياس؛ لأنه من المعلوم عند أهل العلم أنه لا قياس مع النص.
إذا قال قائل: رجل وطئ امرأة بشبهة ـ بدون عقد ـ فهل توجبون عليها العدة؟ المذهب أننا نوجب عليها العدة؛ لأنهم يرون أن الوطء موجب للعدة، سواء كان في زواج، أو في شبهة، أو في زنا، والصحيح أنه لا تجب، وإنما يجب الاستبراء فقط؛ لأن العدة إنما تجب في نكاح غير باطل، أما هذا فليس فيه نكاح أصلاً، فكيف تجب العدة؟! فنقول: إن الواجب في هذا هو الاستبراء فقط، بمعنى أنها إن كانت حاملاً فحتى تضع الحمل، وإن لم تكن حاملاً فبحيضة واحدة فقط، هذا هو القول الصحيح في هذه المسألة.
والوطء على أربعة أوجه:
الأول: في النكاح، الثاني: الشبهة، الثالث: الزنا، الرابع: الملك، فالنكاح تجب فيه العدة بشروط ذكرناها فيما سبق، ووطء الشبهة ذكرناه فيما سبق، وفيه العدة على المذهب، والملك ليس فيه عدة، ولكن فيه استبراء، فلو أن الرجل جامع أمته فلا يمكن أن يبيعها أو يزوجها إلا بعد أن يستبرئها.
أما الزنا فالمشهور من المذهب أنه كوطء الشبهة فتجب به العدة، إن حملت فبوضع الحمل، وإن لم تحمل فبثلاث حيض، ويعللون ذلك بأنه وطء يحصل به الحمل فوجبت به العدة، كوطء الشبهة، ولكن هذا التعليل عليل جداً؛ لأننا نقول: هذا الواطئ وطئ من ليست زوجة له، لا شرعاً ولا اعتقاداً، ولا يمكن أن يلحق السفاح بالنكاح، فإلحاق هذا بهذا من أضعف ما يكون.
القول الثاني: أن المزني بها ليس عليها عدة، وإنما الواجب الاستبراء وهو قول مالك، وسيأتينا ـ إن شاء الله تعالى ـ في باب الاستبراء كيفية الاستبراء.
القول الثالث: أنها لا عدة عليها ولا استبراء، وهو مروي عن أبي بكر وعمر وعلي ـ رضي الله عنهم ـ وهو مذهب الشافعي، وهذا القول أصح الأقوال، لكن إن حملت على هذا القول لم يصح العقد عليها حتى تضع الحمل؛ لأنه لا يمكن أن توطأ في هذه الحال؛ لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم «نهى أن توطأ ذات حمل حتى تضع» [(158)]، والفائدة من ذلك أنها إذا كانت ذات زوج ما نقول للزوج: تجنبها إذا زنت مثلاً، بل نقول: لك أن تجامعها، ولا يجب عليك أن تتجنبها، إلا إن ظهر بها حمل فلا تجامعها، أما إذا لم يظهر بها فإنها لك.
فلو قال قائل: ألا يحتمل أن تكون نشأت بحمل من وطء الزنا؟
نقول: هذا الاحتمال وارد، لكن قال النبي ـ عليه الصلاة والسلام ـ: «الولد للفراش وللعاهر الحجر» [(159)]، فما دمنا ما تيقنا أنها حملت من الزاني فإن الولد يحكم بأنه للفراش، وإذا حملت من الزاني وقلنا لزوجها: لا تطأها، فإنه يجوز أن يستمتع بها بغير الوطء؛ لأنها زوجته، وإنما منع من الوطء من أجل أن لا يسقي ماءه زرع غيره.


[156] سبق تخريجه ص(183).
[157] أخرجه الإمام أحمد (1/430، 447)، وأبو داود في النكاح/ باب فيمن تزوج ومات (2114)، والترمذي في النكاح/ باب ما جاء في الرجل يتزوج المرأة فيموت عنها... (1145)، والنسائي في الطلاق/ باب عدة المتوفى عنها... (6/198)، وابن ماجه في النكاح/ باب الرجل يتزوج ولا يفرض... (1891)، وابن حبان (4098)، والحاكم (2/180) عن معقل بن سنان رضي الله عنه. قال الترمذي: «حسن صحيح»، وصححه ابن حبان، والحاكم على شرط الشيخين ووافقه الذهبي.
[158] أخرجه أحمد (3/62)، وأبو داود في النكاح/ باب في وطء السبايا (2157)، والدارمي في الطلاق/ باب في استبراء الأمة (2295) عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، وصححه الحاكم (2/195)، على شرط مسلم، ووافقه الذهبي، وحسنه الحافظ في التلخيص (1/171)، وصححه في الإرواء (187).
[159]سبق تخريجه ص(299).


موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
العدد, كتاب

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 07:04 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir