مجلس مذاكرة القسم الثالث من تفسير الفاتحة
المجموعة الثانية:
س1: بيّن أوجه تفاضل السائلين في سؤال الهداية.
يتفاضل السائلون في سؤال الهداية الذي يدعون به أثناء قراءتهم في سورة الفاتحة ( اهدنا الصراط المستقيم ) بحسب ماعندهم من الإيمان وبحسب شعورهم بأهمية هذا السؤال وحاجتهم إليه وبحسب إجابة الله لسؤالهم وبحسب ماقام في قلوبهم .
وهذه الهداية التي يتفاضل فيها الناس هي هداية الدلالة والإرشاد , لأن الهداية هدايتان :
1 / هداية الدلالة والإرشاد 2 / هداية التوفيق والإلهام
فأصحاب الإيمان الكامل منهم من يزداد هداية وبصيرة حتى يصل إلى اليقين بوعد الله ووعيده ولقائه فيرزقه الله لهذا السؤال فرقانًا ونورًا في قلبه يفرق به بين الحق والباطل , كما وعد سبحانه في سورة الأنفال المتقين بقوله ( ياأيها الذين ءامنوا إن تتقوا الله يجعل لكم فرقانًا ويكفر عنكم سيئاتكم ويغفر لكم ..)
وكلما زاد إيمان العبد ازداد بصيرة بحاجته إلى هداية الله له فاستحضر هذا المعنى وهو يتلو هذه الآية فيزيده الله من فضله , وكلما نقص إيمانه ضعفت بصيرته .
ومن هؤلاء من يكون عنده أصل الهداية وهو الإسلام الذي يعرف به حدود الله من واجبات يجب عليه أداؤها ومحرمات يجب عليه اجتنابها , لكن تفاصيل الدين ومعرفة السنن والمكروهات والمباحات لايدرك كثيرًا منها لضعف في بصيرته بها وكذلك مقاصد الدين الكبرى , فمثل هذا عند سؤاله الهداية من الله بتلاوته لهذه الآية سيكون نصيبه من الإجابة بقدر نصيبه من البصيرة بهذا الدين .
فهم يتفاضلون بحسب ماقام في قلوبهم , فمتى قام في قلب العبد من حاجته لهداية الله له وخشيته منه وخوفه ورجائه فيما عنده , وصدقه وإخلاصه لربه , واعتماد القلب عليه وصدق اللجأ إليه وحسن الظن به , وغيرها من أعمال القلوب التي ينبغي أن تصاحب الدعاء ليسعد بإجابة الله له : ( ادعوا ربكم تضرعًا وخفية إنه لايحب المعتدين )
فمن استحضر هذه المعاني في دعائه كانت رحمة الله قريب منه وكان من المحسنين في هذه العبادة ، ومن قصر وفرط وأساء كان حظه من الإجابة بقدر ماكان منه أثناء الدعاء .
وتفاضل السائلين للهداية من رب العالمين يكون من وجوه :
1 / حضور القلب عند الدعاء , فليس اللاهي كالمدرك .
2 / بلوغ درجة الإحسان في الدعاء وهو أن يدعو الله وكأنه يراه , فتنبعث في القلب عبادات من الخوف والرجاء والحب وإظهار الفاقة لله .
3 / مقصد الداعي من دعائه وسؤاله الهداية من الله , فالأعمال بالنيات , ولكل مانوى , فكلما كملت المسألة وتمت كلما كان نصيبه من الهداية أعظم .
س2: بيّن المراد بالصراط المستقيم .
الصراط في لغة العرب : هو الطريق الواضح السهل المستقيم الواضح الذي لا اعوجاج فيه الموصل للمطلوب .
( فلا تسمي العرب الطريق المعوج صراطًا , ولا الصعب المشق أو المسدود صراطًا )
وأولى ما نفسر به الصراط تفسيره كما فسره الله لنا ، حيث أن أعلى مراتب التفسير هو تفسير القرآن بالقرآن , وقد فسر الله الصراط المستقيم في نفس السورة بقوله : ( صراط الذين .......... ولا الضالين )
ولذلك سمى الله الصراط صراطًا لوضوحه واستقامته وسهولة سلوكه وسعته للسالكين وتيسير الله لهم , فقد جعل الله هذا الدين سهلاًا يسيرًا على من يسره عليه, ولم يجعل علينا في الدين من حرج ، ولاتناقض ولا تضارب في شرائعه فهو مستقيم لا اعوجاج فيه , والسير عليه ليس بالأقدام بل بالقلوب وذلك بعمارتها بالإيمان والعمل الصالح , فمن زاد إيمانًا وعملًا زاد ثباته على الصراط واستقامته عليه , ومن قل إيمانه وعمله خيف عليه من الخروج عن حدود هذا الصراط حتى يخشى عليه من تفريطه وعدم استقامته عليه الخروج عن حدوده بارتكاب الكبائر المكفرات .
ومما سبق يتبين أن السالكين لهذا الصراط متفاوتون بقدر ثباتهم على شريعة الله واستقامتهم على منهجه , والتفاضل يتفاوتون فيه في مراتب السلوك والمسابقة فيه والبعد والتحرز مما يخرجهم منه ويعرض لهم عند سلوكهم .
فمنهم السابق بالخيرات ومنهم المقتصد ومنهم الظالم لنفسه .
س3: ما الحكمة من إضافة الصراط إلى الذين أنعم الله عليهم دون تسميتهم بالنبيين والصديقين والشهداء والصالحين؟
ذكر ابن القيم ـ رحمه الله ـ الجواب على ذلك بعد أن أثار السؤال عنه ولخصه في ثلاث فوائد :
1/ التنبيه على علة وسبب إنعام الله عليهم وهي الهداية .
2/ قطع التعلق بالأشخاص والرموز وصرف النظر عن التقليد الأعمى والحب المجرد عن الحب في الله دون معرفة سبب الإنعام , وصرف النظر إلى امتثال أمر الله بدلًا من التعلق بالأشخاص , وأن اتباعهم لأجل الوصول إلى رضا الله لا لأشخاصهم .
3/ أن الآية عامة لجميع المنعم عليهم بكل مراتبهم وتفاوت طبقاتهم وأن هدايتهم بفضل الله عليهم .
س4: ما الحكمة من تقديم {المغضوب عليهم} على {الضالين}؟
من الحكم في التقديم :
1/ مراعاة لفواصل الآيات , وهذا الجواب لايستقل بذاته فلابد من حكم أخرى تضاف إليه , مع أنه صحيح في نفسه , وهو كثير في القرآن العظيم .
2/ موافقة لتقدم اليهود الزماني على النصارى .
3/ موافقة للقرب المكاني فاليهود يجاورون النبي صلى الله عليه وسلم في المدينة بخلاف النصارى , وإن كان يشكل على هذه الحكمة أن السورة مكية .
4/ اليهود أشد كفرا من النصارى وأبعد عن البحث عن الحق واتباعه , بخلاف النصارى .
5/ موافقة الترتيب في الاستعاذة , فالاستعاذة جاءت بصيغة النفي وطلب العوذ من الله من الشيطان الذي أذاه أقوى ثم من اليهود الذين هم أضعف .
6/ الغضب يقابله الإنعام , فتقديم ذكر المغضوب عليهم أحسن مقابلة من تقديم ذكر الضالين .
7/ لأن أول ذنب وقع من المخلوقين وعصي الله به كان من إبليس الذي أبى السجود لآدم وهو من جنس ذنوب المغضوب عليهم , لأنه عن علم ومعرفة , وكذا كان اليهود الذين غضب الله عليهم لعلمهم بالأحكام وعدم العمل والامتثال .
س5: ما الحكمة من إبهام ذكر الغاضب في قوله تعالى: {المغضوب عليهم}؟
١-لإظهار شدة غضب الله على من علم ولم يعمل، وعظم الذنب الذي ارتكبه، وهو غضب من يملك أمر السموات والأرض الذي إذا غضب غضب لغضبه جنوده في السموات والأرض، فيجد هذا المغضوب عليه أثر غضب الجبار عليه في كل أحواله.
وهو يشير إلى كثرة الغاضبين لغضب الرب سبحانه، والتعبير بالاسم (المغضوب ) دون الفعل؛ للدلالة على تمكن هذا الوصف منهم وملازمته لهم؛ لأن للاسم دلالة على الاستمرار والتجدد بخلاف الفعل الذي يرتبط بزمن فقد يكون مرة واحدة.
٢- وأيضا جريا على العادة في نسبة أفعال الإحسان والفضل والعدل لله بإظهار الفاعل فيها، بخلاف العقوبات التي يضمر فيها الفاعل ويسند الفعل إلى من كان سببا فيه ؛ تأدبا مع الله وتنزيها له عما لا يليق به مما قد يظنه البعض من الظلم والجور مما لا ينبغي وصفه به، مثاله ما جاء على لسان الجن (وأنا لا ندري أشر أريد بمن في الأرض أم أراد بهم ربهم رشدا) وكذلك قول إبراهيم الخليل (وإذا مرضت فهو يشفين ) وكذلك ما ورد في هذه السورة من نسبة الإنعام إليه وإظهار الفاعل بقوله (أنعمت ) بخلاف (المغضوب ) فلم يذكر الفاعل؛ حتى لا يفهم أنه نوع إعذار لهم وكأنهم لم يكونوا سببا في حصول أسباب هذا الغضب.
س6: بيّن ما استفدته من دراستك لدورة تفسير سورة الفاتحة من المنهجية في دراسة مسائل التفسير.
الخطة والتوزيع والتنظيم يمتاز بالجدية والمعرفة بحاجة طلاب العلم إلى التدرج والتقسيم , كذلك المتابعة والوضوح ,قلما نجد لذلك مثيلًا في الدراسة عن بعد.
كذلك الإلمام بكل العلوم التي تخدم النص القرآني التي لاينبغي أن يهملها من أراد أن يفسر كتاب الله من ( النحو والبيان والمعاني والرسم والضبط والحديث والفقه والسيرة وغيرها )
والوقوف على الصحيح والضعيف مما يتصل بالتفسير سواًء في أقوال المفسرين أو الأحاديث التي لها صلة بتفسير الآية .