دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > الفقه > متون الفقه > زاد المستقنع > كتاب البيوع

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 16 ربيع الثاني 1432هـ/21-03-2011م, 11:37 AM
الصورة الرمزية ساجدة فاروق
ساجدة فاروق ساجدة فاروق غير متواجد حالياً
هيئة الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 6,511
افتراضي الشرح الممتع على زاد المستقنع / للشيخ ابن عثيمين رحمه الله

فصلٌ

وَيُكونُ عِنْدَ مَنْ اتفَقَا عَلَيْهِ، وَإِنْ أَذِنَا لَهُ فِي البَيْعِ لَمْ يَبِـعْ إِلاَّ بِنَقْدِ البَلَدِ، وَإِن قَبَضَ الثَّمَنَ فَتَلِفَ فِي يَدِهِ فَمِنْ ضَمَانِ الرَّاهِنِ،
قوله: «ويكون عند من اتفقا عليه» «يكون» الضمير يعود على الرهن، «اتفقا» الألف تعود على الراهن والمرتهن، هذا ما لم يرض الراهن بكونه بيد المرتهن، فإن رضي فذاك المطلوب وإن لم يرض لعدم ثقته به، قيل لهما: اختارا من يكون بيده، فإذا اختارا فلاناً صار بيده، فإن اختلفا قال أحدهما: أنا أريد فلاناً، وقال الثاني: أنا أريد فلاناً الآخر فكيف نعمل؟ هل نقدم قول الراهن؛ لأنه المالك الذي يخشى على ملكه، أو نقدم قول المرتهن؛ لأنه الطالب للحق الذي يريد أن يتوثق، أو نقول: لا نأخذ بقولكما ونرجع إلى القاضي؟
الثالث: أقرب إلى الصواب؛ لأنه إن راعينا قول الراهن؛ لأنه المالك، فقد يختار المالك رجلاً لا يثق به المرتهن، وإن قدمنا قول المرتهن؛ لأنه صاحب حق ويريد أن يتوثق بحقه فإن الراهن قد لا يثق به، فيقول: أخشى على ملكي إذا كان بيد هذا الرجل، لذلك نرى فكّاً للنزاع وحلاً للمشكلة أن ترفع إلى القاضي ويُعيِّن من شاء، فعلى هذا قال: «ويكون عند من اتفقا عليه» إن اتفقا على أحد، وإن اختلفا فالمرجع إلى القاضي؛ لأن له الولاية العامة.
قوله: «وإن أذنا» الضمير يعود على الراهن والمرتهن.
قوله: «له» أي: للعدل.
قوله: «في البيع لم يبع إلا بنقد البلد» ولا يبيع بنقد آخر، فمثلاً هنا نقد البلد الريال السعودي، فلا يبيع بدولار ـ مثلاً ـ لأنه إذا أطلق العقد رجع إلى العرف بين الناس، والمتعارف بين الناس هو النقد المتداول بينهم، فهو لا يبيع إلا بنقد البلد.
ولو قال: أنا أريد أن أبيعه بمثل الدَّيْن، يعني أن هذا مرهون بدولارات وأذنا له في البيع، هل يبيع بالدولارات أو بنقد البلد؟
الجواب: بنقد البلد، هذا ظاهر كلام المؤلف؛ لأنه ربما ترتفع قيمة الدولارات فيخسر الراهن، وربما تنخفض فيكون في هذا ضرر على المرتهن، وعلى هذا فلا عبرة بالدين أو بجنس النقد الذي هو الدين، بل العبرة بنقد البلد.
والصحيح أنه يبيعه أولاً بجنس الدين ثم بنقد البلد.
وهل يبيع بفئة خمسمائة أو بفئة مائة أو بفئة خمسين أو فئة عشرة أو فئة ريال؟
الجواب: له أن يبيع بما شاء؛ لأن الأمر كله واحد، لكن في ظني أن الدين إذا كان كثيراً فالأحسن الخمسمائة، وعلى كل حال لا بد من نقد البلد، أما كونه من فئة كبيرة أو صغيرة، فهذا يرجع إلى ما تقتضيه المصلحة.
قوله: «وإن قبض الثمن فتلف في يده فمن ضمان الراهن» وذلك لأن الدين ثابت في ذمة الراهن حتى يستلمه المرتهن، فالمرتهن الآن لم يستلم الثمن، فلم يوف دينه، فإذا تلف فمن ضمان الراهن، ولكن يشترط في ذلك أن يكون بلا تعدٍّ ولا تفريط، فإن كان بتعدٍّ أو تفريط صار هناك ضامن آخر، وهو العدل الذي وُكِل من قبل الطرفين.
مثاله: باع العدل الرهن وقبض الثمن، ثم شب حريق في البيت وتلف الثمن، فهنا المرتهن يرجع على الراهن، ولا إشكال، ولا يرجع الراهن على العدل؛ لأنه تلف بلا تعدٍّ ولا تفريط.
مثال آخر: قبض العدل الثمن، ووضعه على عتبة المحل، ثم نسي وذهب يصلي، فأتى وقد سُرق، فالضمان للمرتهن على الراهن، والراهن يرجع على العدل؛ أما رجوع المرتهن على الراهن فظاهر؛ لأن الدين في ذمته وهو لا يعرف إلا الراهن، وأما رجوع الراهن على العدل؛ فلأنه فرَّط؛ لأن هذا ليس حفظاً للمال، فالأموال المهمة توضع في الصندوق؛ لأن الإنسان معرض للنسيان، وهذه ـ أيضاً ـ مسألة ينبغي للإنسان أن يسير عليها في حياته، وقد نبهنا عليها، وهي أن يبدأ الإنسان بالأهم، وذكرنا هذا في حديث عتبان بن مالك ـ رضي الله عنه ـ أن الرسول صلّى الله عليه وسلّم لما جاء إليه قال: أين تريد أن تصلي؟ وقد صنع له طعاماً ولكنه لم يبدأ بالطعام؛ لأنه إنما جاء ليصلي في مكان يتخذه عتبان مصلى[(1)]، وذكرنا ـ أيضاً ـ أنه لما بال الصبي في حجره دعا بماء فأتبعه إياه[(2)] فالإنسان لا يفرط، فلا يقول: أترك هذا وإذا انتهيت وضعته في مكانه، حتى في المراجعة، فالإنسان يراجع ـ مثلاً ـ خمسة كتب، كل كتاب في رف فإذا راجعت واحداً، لا تقل أضعه عندي؛ لأنك الآن لست محتاجاً إليه، ضعه أولاً في مكانه؛ لأنك ستضعه ولا بد، ولأجل أن يسلم المكان حولك من تكديس الكتب، ولأجل أن يكون منظماً.
فالدراهم إذا أُعْطِيتَها أمانة لا تجعلها أمامك، وتقول: إذا قمت وضعتها في الصندوق، ضعها مباشرة؛ لأن الإنسان بشر ربما ينسى، وكذلك إذا عَنَّ في ذهنك وأنت طالب علم مسألة، قلت هذه سهلة أراجعها فيما بعد، الأولى أن تراجعها أولاً ما دمت في حاجة لها، ولست تراجع مسألة معينة من قبل، أما إذا كنت تراجع مسألة معينة من قبل فلا تتلهى بغيرها فتضيع عليك، أيضاً يمر بك فائدة قد لا تراها في أي كتاب، وقد لا تكون هذه الفائدة في الموضع الذي تظن أنها فيه، فيقول الإنسان أنا أضبطها في قلبي، ولا أنساها ولا يقيدها، أو على الأقل يشير إلى صفحتها في جانب الكتاب، ثم بعد ذلك ينساها وتضيع عليه وهي تعتبر فائدة درة، لكنه ينسى؛ لأن الإنسان بشر.

وَإِنِ ادَّعَى دَفْعَ الثَّمَنِ إِلى المُرْتَهِنِ فَأنْكَرَهُ وَلاَ بَيِّنَةَ وَلَمْ يَكُنْ بِحُضُورِ الرَّاهِنِ ضَمِنَ كَوكِيلٍ.
قوله: «وإن ادعى دفع الثمن» أي العدل.
قوله: «إلى المرتهن فأنكره ولا بينة ولم يكن بحضور الراهن ضمن» أي: ضمن العدل.
صورة المسألة: أذن الراهن للعدل أن يبيع الرهن ويوفي صاحبه، فباعه ثم جاء إلى صاحبه في دكانه، وقال: يا فلان هذا ثمن الرهن الذي ارتهنته، فأخذ الدراهم وشكر له، وفي آخر النهار ذهب المرتهن إلى الراهن وقال: أوفني، فرجع الراهن إلى العدل وقال: ألست تقول: إنك أوفيته؟ قال: بلى، فذهبا إلى المرتهن فقال: لا ما وفاني، والعدل ليس عنده بينة، والراهن لم يحضر، فهنا يضمن العدل؛ لأنه فرط بعدم إشهاده، وكان عليه أن يشهد حتى تبرأ ذمته ويؤدي الأمانة كما أمر، فيرجع المرتهن على الراهن؛ لأن الدَّين ثابت في ذمته ويرجع الراهن على العدل.
لكن لو أن العدل استأذن من الراهن، وقال: يا فلان إن المرتهن رجل شريف كريم، وليس هناك حاجة لأن أحضر إليه من يشهد عليه بالوفاء؛ لأن هذا ليس بطيب في حقه، فقال: أوفه وإن لم تشهد، وثبت أن الراهن قال هذا، فهنا لا يضمن العدل، وكَذلك لو كان بحضور الراهن الذي عليه الدين، فلا ضمان على العدل؛ لأن المفرط هنا الراهن الذي عليه الحق، فلماذا لم يطلب شهوداً يشهدون أنه أوفى؟ فيرجع المرتهن على الراهن؛ لأن الدين ثابت لم يثبت قضاؤه، ولا يرجع الراهن على العدل.
والخلاصة: أن العدل إذا أوفى المرتهن بدون بينة، ولا حضور الراهن وأنكر المرتهن فعليه الضمان.
قوله: «كوكيل» ، يعني كما لو فعل الوكيل في قضاء الدين وقال: إني وفيت، وأنكر الدائن ولم يكن هناك بينة، ولم يكن بحضور الموكل فإنه يضمن، وهذه المسألة تقع كثيراً.
مثال ذلك: صاحب بقالة اشتريت منه كيس خبز ثمنه ريال، وبعد أن ذهبت به إلى البيت ذهب جاري يشتري خبزاً، فأعطيته ريالاً قيمة الكيس ليعطيه للبقال، فأخذ الريال وأعطاه للبقال وقال: هذا عن الرجل الذي أخذ منك كيس الخبز، ولم يكن هناك شهود، ثم إن صاحب البقالة لما مر به المشتري قال: أعطني قيمة الخبز، فقال: أعطيته جاري ودفعه لك، فقال: ما أعطاني شيئاً، فهنا يضمن الجار الريال؛ لأنه لم يُشهد عليه بشاهدين.
لكن ينبغي أن يقال: لكل مقام مقال، فالدراهم الخطرة الكثيرة لا بد أن يُشهد عليها، فإن لم يفعل فهو مفرط، أما الشيء اليسير الذي جرت العادة أنه لا يُشهد عليه، فإنه لا يعد مفرطاً، والرجل المدين قد ائتمنه ورضي بأمانته.
فالصحيح في هذا أنه لا يضمن؛ لأن هذا الوكيل يقول للذي وكله: أنت لو ذهبت توفي بهذا الريال ما أشهدت عليه، فكيف تعدني مفرطاً وأنت بنفسك تفعل ما أفعل؟!
ولو أعطى صاحب الدكان فاتورة للوكيل بأنه تسلم الثمن، فالأصل أن الإقرار مقبول، فيكفي إعطاء الفاتورة عن الإشهاد.

وَإِنْ شَرَطَ ألاَّ يَبِيعَهُ إِذَا حَلَّ الدَّيْنُ، أوْ إِن جَاءَهُ بِحَقِّهِ فِي وَقْتِ كَذَا، وَإِلاَّ فَالرَّهْنُ لَهُ لَمْ يَصِحَّ الشَّرْطُ وَحْدَهُ،............
قوله: «وإن شرط» الفاعل هو الراهن.
قوله: «ألا يبيعه» أي: المرتهن.
قوله: «إذا حل الدين» مثاله: قال: رهنتك هذه السيارة بخمسين ألفاً بشرط ألا تبيعها إذا حل الدين، فالرهن صحيح، والشرط فاسد، ولو أن أحداً قال بعدم صحة الرهن والشرط لكان له وجه؛ لأن هذا الشرط لو صححناه، لكان منافياً لمقتضى العقد، إذ مقتضى العقد هو التوثقة، وإذا كان إذا حل الدين لم يبعه فأين التوثقة؟! لكن المذهب أن العقد صحيح والشرط فاسد، وبناء على ذلك إذا حل الدين، فهل يجوز للمرتهن أن يبيعه؟ نعم؛ لأن الشرط غير صحيح.
قوله: «أو إن جاءه» الفاعل الراهن، والمفعول المرتهن.
قوله: «بحقه في وقت كذا وإلا فالرهن له لم يصح الشرط وحده» «بحقه» الضمير يعود على المرتهن، والحق هو الدين، فإن جاءه بحقه في الوقت، انفك الرهن، وإن لم يأت بحقه في الوقت المحدد، بقي الرهن بحاله، وبقي الدين بحاله؛ لأن الشرط غير صحيح.
مثال ذلك: رجل أرهن شخصاً سيارة، قال: خذ السيارة رهناً عندك، فإن جئتك بحقك أول يوم من رمضان، وإلا فالسيارة لك، فقال: ليس هناك مانع، فإن هذا الشرط لا يصح، فإذا جاء أول يوم من رمضان، ولم يوف بحقه، بقيت السيارة على رهنها وبقي الدين في ذمة الراهن، يعني كأن شيئاً لم يكن.
والدليل قول النبي صلّى الله عليه وسلّم: ((لا يَغْلَقُ الرهن من صاحبه)) [(3)]، يعني لا يؤخذ منه قسراً، والتعليل أنه بيع معلق ومن شروط البيع أن يكون منجزاً، فالبيع المعلق غير صحيح.
أما الحديث: ((لا يغلق الرهن، من صاحبه)) فهنا الرهن لم يغلق من صاحبه، غَلْقُ الرهن من صاحبه، أنه إذا حل الدين ولم يأت به أخذه المرتهن قهراً، سواء يساوي الدين أو أكثر أو أقل، هذا الذي يقال: إنه غلق من صاحبه، وكانوا في الجاهلية إذا رهنوا الشيء وحل الأجل ولم يوفوا امتلكه المرتهن، وأخذه ملكاً له، رضي الراهن أم لم يرض، فهذا لا شك أنه إغلاق للرهن، وتَمَلُّكٌ له بغير حق، وأما إذا كان باختيار صاحبه فإنه لم يغلق عليه أحد.
وأما التعليل بأن البيع المعلق لا يصح فيحتاج إلى دليل، فما الدليل على أن البيع المعلق غير صحيح؟ فصار هذا التعليل غير صحيح والاستدلال غير صحيح، فنرجع إلى الأصل، والأصل في العقود وشروطها الجواز والصحة؛ لقول الله ـ عزّ وجل ـ: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة: 1] ، وهذا يشمل الوفاء بالعقد أصله وشرطه، ولقوله ـ تعالى ـ: {وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً} [الإسراء: 34] ، والشرط عهد، ولقول النبي صلّى الله عليه وسلّم: ((كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل)) [(4)]، فعلم منه أن الشرط الذي لا ينافي كتاب الله صحيح، ولقول النبي صلّى الله عليه وسلّم: ((المسلمون على شروطهم إلا شرطاً أحل حراماً أو حرم حلالاً)) [(5)]. فهذه أربعة أدلة من الكتاب والسنة، مع بطلان ما استدل به الأصحاب رحمهم الله.
وحينئذٍ يكون القول الثاني أن هذا الشرط صحيح، فإذا قال الراهن للمرتهن: إن جئتك بحقك في وقت كذا، وإلا فالرهن لك، وقبل فهو صحيح، وبهذا أخذ الإمام أحمد ـ رحمه الله ـ في فعله، فإنه اشترى من بقال شيئاً ورهنه نعليه وصار يمشي حافياً، وقال له: إن جئتك بحقك في وقت كذا، وإلا فالنعال لك، فوافق صاحب البقالة؛ لأن النعال يمكن أن تكون أكثر من الدين، والله أعلم.
فيكون في المسألة عن الإمام أحمد روايتان:
الرواية القولية: أنه لا يصح لدخوله في الحديث: ((لا يغلق الرهن من صاحبه)) [(6)].
الرواية الفعلية: وهو أنه فعل ذلك بنفسه، وهذا هو القول الراجح.
بقي علينا أن يقال: ربما يكون الرهن حين العقد مساوياً للدين، لكن عند حلول الدين قد تزيد قيمته وقد تنقص.
مثاله: رهنه هذه السيارة بخمسين ألفاً، وقال: إن جئتك بحقك في أول يوم من رمضان وإلا فالسيارة لك، وهي تساوي في ذلك الوقت خمسين ألفاً، لكن لما دخل رمضان صارت تساوي عشرين ألفاً، أو صارت تساوي ثمانين ألفاً، فيكون حينئذٍ الثمن مجهولاً، وقد نهى النبي صلّى الله عليه وسلّم: ((عن بيع الغرر)) [(7)].
يقال: أما إذا نقصت قيمة الرهن فإن المرتهن قد أسقط بعض الدين باختياره، ودخل على بصيرة، وأما لو زادت فإن الراهن لا يمكن أبداً أن يؤخر الوفاء عن وقته؛ لئلا تفوته هذه الزيادة، إذاً فلا غرر وذلك بالنسبة للمرتهن، أنه يجوز أن يسقط بعض حقه، وحصوله على بعض حقه خير من عدمه بالكلية، أما بالنسبة للراهن، فهو كما سبق أنه لا يمكن أبداً أن يؤخر الوفاء عن وقته، إذا كان يعلم أن قيمة الرهن أكثر من الدين؛ لأنه لا أحد يرضى بهذا، ولو ذهب يستقرض ويوفي لفعل؛ لئلا تفوته هذه الزيادة، وبهذا يجاب عن هذا الإيراد فيزول الإشكال.
إذاً الصحيح: أنه إذا رهنه شيئاً وقال: إن جئتك بحقك في الوقت الفلاني، وإلا فالرهن لك، أن هذا شرط صحيح ولازم.

وَيُقْبَلُ قَوْلُ الرَّاهِنِ فِي قَدْرِ الدَّيْنِ وَالرَّهْنِ وَرَدِّهِ وكَوْنِهِ عَصِيراً لاَ خَمْراً، وَإِنْ أَقَرَّ أَنَّهُ مُلْكُ غَيْرِهِ، أَوْ أَنَّهُ جَنَى قُبِلَ عَلَى نَفْسِهِ وَحُكِمَ بِإقْرَارِه بَعْدَ فَكِّهِ إِلاَّ أَنْ يُصَدِّقَهُ المُرْتَهِنُ.
قوله: «ويقبل قول الراهن في قدر الدين» يعني لما حل الدين أتى الراهن بألف ريال، وقال للمرتهن: هذا دينك أعطني الرهن، فقال: الدين ليس بألف ريال، الدين خمسة آلاف ريال، فقال الراهن: بل هو ألف ريال، يقول المؤلف: «يقبل قول الراهن» ، وهذا مقيد بما إذا لم يكن للمرتهن بينة، أما إذا كان للمرتهن بينة، فالقول قول من شهدت له البينة، وهي شهدت للمرتهن فيلزمه في المثال خمسة آلاف.
كذلك ـ أيضاً ـ يقبل قول الراهن مع يمينه، فلا بد أن يحلف؛ لقول النبي صلّى الله عليه وسلّم: ((البينة على المدعي واليمين على من أنكر)) [(8)]، ونحن الآن عندنا طرفان، الطرف الأول الراهن ينكر أن يلزمه خمسة آلاف.
والطرف الثاني المرتهن يدعي أن له خمسة آلاف.
نطبق على الحديث: ((البينة على المدعي واليمين على من أنكر)) [(9)] ، فنقول: القول قول الراهن بيمينه، وأما المرتهن فلا نقبل قوله إلا بالبينة.
وظاهر كلام المؤلف ـ رحمه الله ـ أنه لا فرق بين أن يكون الدين الذي ادعاه الراهن قريباً من قيمة الرهن أو بعيداً.
فلو رهنه سيارة بدين، ولما حل الدين جاء الراهن إلى المرتهن بمائة ريال، فقال المرتهن: الدين خمسة آلاف ريال، فقال: لا، بل مائة ريال، فهنا عندنا أصل وعندنا ظاهر.
فالأصل عدم ثبوت ما ادعاه المرتهن؛ لأن الراهن ينكره، فيقول: أبداً لا يلزمني إلا مائة ريال.
والظاهر ثبوت ما ادعاه المرتهن في هذه الصورة؛ إذ لم تجر العادة أن شخصاً يرهن سيارة تساوي خمسين الفاً بمائة ريال، فإذا كان هناك ظاهر وأصل، فكلام المؤلف ظاهره ما ذكرناه من أنه لا فرق بين أن يكون الدين الذي ادعاه الراهن قريباً من قيمة الرهن أو بعيداً، لكن إذا أردنا أن نطبقها على قواعد الشريعة، فإننا نقدم الأقوى من الظاهر أو الأصل، ولهذا لو ثبت ببينة أخذنا بما قالت البينة، ولو كان الراهن قد ادعى أقل.
وعلى هذا نقول: إن الظاهر يكذب قول الراهن، فيكون الأصل مع المرتهن.
وفي المسألة قول ثالث أن القول قول المرتهن مطلقاً لكنه ضعيف، فالقول بأن القول قول الراهن مطلقاً ضعيف، والقول بأنه قول المرتهن مطلقاً ـ أيضاً ـ ضعيف، والصواب في ذلك التفصيل وأن القول قول من يشهد العرف له؛ لأن الظاهر إذا قوي غُلِّب على الأصل، فإذا وجدت قرينة قوية تدل على رجحان من ادعى الظاهر غلب على الأصل كما سبق.
ولكن يبقى النظر إذا ادعى المرتهن أن الدين خمسون ألفاً بناءً على أن قيمة السيارة تساوي خمسين ألفاً، ولكن لما رأى أنه غير مقبول قال: إذاً الدين أربعون ألفاً. فهل في هذه الحال نقول: إن رهن سيارة قيمتها خمسون ألفاً، قريب من أن يكون الدين أربعين ألفاً، فنقبل قوله لما رجع، أو نقول: إن هذا الرجل كاذب فلا يقبل قوله؟
الجواب: الظاهر الثاني هو الأولى، وعليه فنقول: يكون الدين ما ادعاه الراهن.
وعلى هذا فالقاعدة: «متى ادعى أحدهما ما يخالف الظاهر مخالفة بينة فإننا لا نقبله».
قوله: «والرهن» إذا قال المرتهن: رهنتني شيئين، وقال الراهن: بل رهنتك شيئاً واحداً، فالقول قول الراهن؛ لأن الأصل عدم الزيادة، مثال ذلك، قال المرتهن: إنك رهنتني البيتين جميعاً وقال الراهن، بل رهنتك بيتاً واحداً، فالقول قول الراهن، وعلى هذا فيكون البيت الثاني طِلقاً لا رهناً، وللراهن أن يتصرف فيه كما شاء؛ ووجه ذلك ما سبق من الحديث: ((البينة على المدعي واليمين على من أنكر)) [(10)]، فالراهن والمرتهن اتفقا على أن البيت الأول مرهون، واختلفا في الثاني فقال المرتهن: إنه مرهون، وقال الراهن: ليس بمرهون، فالبيت الثاني فيه مدعٍ ومنكر، والبينة على المدعي واليمين على من أنكر.
وظاهر كلام المؤلف أنه لا فرق بين أن يكون هذا الاختلاف يشهد العرف لأحدهما أو لا يشهد، فمثلاً إذا أقرضه مائة ألف، ثم ادعى المرتهن أنه رهنه البيت الأول والثاني وكلاهما لا يساوي مائة ألف، وادعى الراهن أنه لم يرهنه إلا البيت الأول، فالأقرب إلى الصواب قول المرتهن؛ لأن البيتين جميعاً قيمتهما ستون ألفاً، فكونه يرهن البيتين أقرب من أن يرهن واحداً لا يساوي إلا ثلاثين ألفاً، وعلى هذا نقول: القول الثاني في المسألة أن القول قول من يشهد له العرف، فإذا كان قول أحدهما تدل القرينة على صدقه كان أولى، أما المذهب فيطردون القاعدة على أن البينة على المدعي واليمين على من أنكر.
قوله: «ورده» أي: يقبل قول الراهن في رد الرهن، يعني لو ادعى المرتهن أنه رد الرهن إلى الراهن، وقال الراهن: لم ترده، فالقول قول الراهن؛ لأن الأصل عدم الرد، ولأننا اتفقنا على أنه في يدك واختلفنا في انتقاله عن يدك، والأصل بقاء ما كان على ما كان، والرهن الآن بيد المرتهن.
فإذا قال قائل: ألستم تقولون: إن المودَع إذا ادعى رد الوديعة إلى المودِع قبل قوله، فلماذا لا تقبلون قول المرتهن في رد الرهن؟ أي: إنسانٌ أعطى شخصاً وديعة وقال: خذ هذه الساعة أمانة عندك، وبعد مدة جاء صاحب الساعة يطلبها، فقال المودَع: إني قد أعطيتكها، فيقبل قول المودَع، وهذا المرتهن لا نقبل قوله؛ لأن المودَع محسن، والله تعالى يقول: {مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ} [التوبة: 91] ، وكثيراً ما تحصل مثل هذه الأمور بدون إشهاد، فلو أعطاني ماله، وقال: خذ هذا وديعة عندك، فجاء يطلبه فقلت له: لا أعطيك إياه إلا بشهود، فسيقول أنا أعطيتك إياه بلا شهود، فكيف لا تعطيني إياه إلا بشهود؟! فلما كان العرف يقتضي عدم الإشهاد وكان هذا الرجل محسناً، لم يكن عليه من سبيل، ولدينا قاعدة: «أن من قبض الشيء لحظ نفسه كالمستعير لم يُقبل قوله في الرد، ومن قبضه لحظ مالكه كالمودَع قُبل قوله في الرد، ومن قبضه لحظهما جميعاً مثل الرهن والعين المؤجرة لم يقبل قوله في الرد، كمن قبض الشيء لحظ نفسه؛ تغليباً لجانب الحماية، وعلى هذا فلا يقبل قول المستأجر في رد العين المؤجرة إلا ببينة.
أما في التلف فكل من كانت بيده العين بإذن من مالكها أو من الشرع فقوله في التلف مقبول، إلا إذا ادعى التلف بسبب ظاهر، فإنه يلزم بإقامة البينة على هذا الظاهر، ثم يقبل قوله في أن هذا المال تلف من جملة ما تلف، وعليه يقبل قولهما ـ أي: المرتهن والمودع جميعاً ـ، يعني لو ادعى المرتهن أن الرهن تلف قبل قوله؛ لأنه أمين، وفي نظم القواعد:
كل أمين يدعي الرد قُبل[(11)].
وعلى هذا فنقول: إذا ادعى المرتهن أنه رد الرهن إلى الراهن فإننا لا نقبل قوله، فالقول قول الراهن.
وليعلم أن من كان القول قوله فلا بد من اليمين؛ لقول النبي صلّى الله عليه وسلّم: ((اليمين على من أنكر)) [(12)].
قوله: «وكونه عصيراً لا خمراً» يعني يقبل قول الراهن في كونه عصيراً لا خمراً، ولكن هذا في صورة معينة، في عقد شُرِطَ فيه الرهن، ولهذا لا بد من القيد، «في عقد شرط فيه الرهن».
بأن قال المرتهن: بعتك هذه السلعة على أن ترهنني هذا العصير، فوافق فأرهنه العصير، ثم رجع المرتهن وقال: إن العصير كان خمراً، يعني فلا يصح الرهن؛ لأنه إذا كان خمراً لم يصح الرهن، وإذا لم يصح الرهن يقول البائع: فلي الفسخ؛ لأني اشترطت رهناً، وتبين أن الرهن غير صحيح فلي الفسخ؛ لأن العقد الآن صار بلا رهن، وأنا لم أبعه إلا برهن، فقال الراهن: إنه كان عصيراً وليس خمراً، وإذا كان عصيراً كان الرهن صحيحاً، وإذا كان صحيحاً فلا خيار للبائع.
إذا قال قائل: لماذا نقبل قول الراهن في هذه المسألة، ولا نقبل قول المرتهن؟
الجواب: لأن الأصل بقاء ما كان على ما كان عليه، فالأصل السلامة وعدم التخمر؛ لأنه في الأصل عصير، فيكون تخمره في عُهدة المرتهن، فالأصل أن هذا العصير باق لم يتخمر، وحينئذٍ لا فسخ للبائع.
إذاً كلام المؤلف ـ رحمه الله ـ يحتاج إلى قيد، والقيد هو (عقد شرط فيه الرهن) فرهن عصيراً ثم ادعى المرتهن أنه كان خمراً من أجل أن يفسد الرهن، ثم يكون له الخيار في عقد البيع.
قوله: «وإن أقر أنه ملك غيره» «أقر» الفاعل يعود على الراهن، أي: أقر الراهن أنه ملك غيره، قُبِل على نفسه، ولم يقبل على المرتهن، وهذا لا شك أنه عين الحكمة.
مثاله: رجل رهن سيارة لشخص استدان منه مائة ألف، ثم بعد يومين أو ثلاثة رجع الراهن وقال: السيارة ليست لي، السيارة لفلان وهذه استمارتها، فهنا نقول: القول قول الراهن من وجه، لكن لا على حق المرتهن، فنقول: يقبل إقرارك، لكن لا نحكم بمقتضاه حتى ينفك الرهن، فتبقى السيارة مرهونة، وإذا انفك الرهن قلنا: أرجعها لمن أقررت أنها ملكه، أما الآن فلا؛ لأن هذا يؤدي إلى إبطال حق المرتهن، وحق المرتهن سابق على هذا الإقرار فيقدم عليه.
وهذا لا شك أنه عين الحكمة؛ لأننا لو لم نقل بذلك لكان كلُّ راهنٍ مبطلٍ، إذا رهن ادعى أنه ملك لفلان، بأن يتفق هو وفلان، ويقول: أنا أريد أن أقر بأن هذا الشيء لك؛ من أجل أن أقول: أنا رهنت ملك غيري، فنقول: الرهن باق بحاله وإذا انفك الرهن أخذه المُقَرُّ له.
مسألة: إذا قدرنا أن الرجل لم يوف الدين فهل يباع الرهن؟
الجواب: نعم يباع ويرجع المُقَر له على الراهن؛ لأن الراهن هو الذي أتلفه، هذا إن بقي على إقراره أنه لغيره.
قوله: «أو أنه جنى» أي: الرهن.
قوله: «قُبل» الضمير يعود على الإقرار، أي: إقرار الراهن.
قوله: «على نفسه» الضمير هنا يعود على الراهن، يقبل على نفسه لا على المرتهن.
قوله: «وحكم بإقراره بعد فكه» أي: بمقتضى إقراره بعد فكه، فإذا أقر أنه ملك غيره نقول: إذا انفك الرهن ينتزعه المقر له، وإذا كان جانياً، فإما أن يفديه سيده ويقول: أنا أدفع الجناية كلها، أو يسلم العبد للمجني عليه، أو يبيع العبد ويعطي قيمته للمجني عليه.
صورة المسألة: رجل رهن عبداً، وبعد أن تم عقد الرهن قال: إن هذا العبد قد جنى على فلان، إما بالنفس أو بما دونها أو بالمال، والعبد إذا جنى تتعلق الجناية برقبته، فيقال لسيده: إما أن تُسَلِّم قيمة الجناية، وإما أن تسلم العبد في مقابلة الجناية، وإما أن تبيع العبد وتسلم ثمنه للمجني عليه، ثلاثة أمور.
والراهن ادعى أن العبد جنى على فلان، ومعلوم أن حق المجني عليه المتعلق بالرقبة، أقوى من تعلق حق المرتهن، وحق المرتهن متعلق بالرهن تعلق توثقة ليس بضمان، فهو أراد أن يبطل حق المرتهن بهذا الإقرار، فيقال له: إقرارك مقبول من وجه، غير مقبول من وجه، فمن جهة المجني عليه الذي أقررت أن العبد جنى عليه فالإقرار مقبول، ومن جهة حق المرتهن، غير مقبول، إذاً ماذا نعمل بالنسبة للمجني عليه؟ نقول: يبقى العبد الآن رهناً، ثم إذا انفك الرهن أوفينا المجني عليه حقه.
قوله: «إلا أن يصدقه المرتهن» «يصدقه» الضمير يعود على الراهن، والمرتهن فاعل، يعني إلا إذا صدق المرتهنُ الراهنَ في دعوى أنه ملك غيره أو أنه جنى، فإذا قال المرتهن: نعم هو ملك غيرك، حينئذٍ يبطل الرهن؛ لأن المرتهن أقر بأن الرهن غير صحيح، إذ أن الراهن رهن ما لا يملك فيبطل الرهن، ويسلم لمن أقر له الراهن.
وكذلك إذا قال المرتهن: نعم العبد جنى، نقول: الآن الجناية مقتضاها تَعَلَّق برقبته، فسلم العبد لسيده.
لكن هل يمكن أن المرتهن يصدق الراهن في أمر يبطل حقه؟
الجواب: يمكن، إما أن يعرف أن هذا الراهن رجل صدوق لا يمكن أن يكذب، لكن اغتر أو نوى الخداع في أول الأمر ثم تاب، وإما أن يثبت ذلك ببينة، لكن إذا ثبت ببينة حكم بمقتضى البينة، سواء صدقه المرتهن أم لم يصدقه؛ لأن الكلام الآن على مجرد الإقرار.


[1] أخرجه مسلم في الإيمان/ باب الدليل على أن من مات على التوحيد دخل الجنة قطعاً (33)، عن عتبان بن مالك ـ رضي الله عنه ـ.
[2] رواه البخاري في الوضوء/ باب بول الصبيان (222)، ومسلم في الطهارة/ باب حكم بول الطفل الرضيع وكيفية غسله (286) عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ.
[3] سبق تخريجه ص(145).
[4] سبق تخريجه ص(100).
[5] سبق تخريجه ص(18).
[6] سبق تخريجه ص(145).
[7] سبق تخريجه ص(28).
[8] أخرجه البيهقي (10/252)، وقال الحافظ في البلوغ (1408): إسناده صحيح، وأصله في الصحيحين من حديث ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ بلفظ: لو يعطى الناس بدعواهم لادعى ناس دماء رجال وأموالهم، ولكن اليمين على المدعى عليه.
[9] سبق تخريجه ص(164).
[10] سبق تخريجه ص(164).
[11] منظومة في أصول الفقه لشيخنا ـ رحمه الله ـ ص(17).
[12] سبق تخريجه ص(164).


موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
فصل, ويكون

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 09:15 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir