دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > علوم القرآن الكريم > مكتبة التفسير وعلوم القرآن الكريم > بيان المُستشكل > تفسير آيات أشكلت لابن تيمية

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 15 ربيع الثاني 1432هـ/20-03-2011م, 12:08 PM
ريم الحربي ريم الحربي غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Jan 2010
الدولة: بلاد الحرمين
المشاركات: 7,079
افتراضي

فصل
قال النبي صلى الله عليه وسلم لحكيم بن حزام «لا تبع ما ليس عندك» لما قال له يأتيني الرجل فيطلب مني البيع ليس عندي فأبيعه منه ثم أذهب إلى السوق فأبتاعه فقال «لا تبع ما ليس عندك» وفي حديث عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم «لا يحل سلف وبيع ولا شرطان في بيع ولا ربح ما لم يُضمن ولا تبع ما ليس عندك»
[تفسير آيات أشكلت: 2/689]
وللناس في هذا الحديث أقوال:
قيل المراد بذلك أن يبيع السلعة المعينة التي هي مال الغير يبيعها إن ملكها فقال «لا تبع ما ليس عندك» أي لا تبع ما لا تملكه من الأعيان ونقل هذا التفسير عن الشافعي أنه يجوز السَّلَم الحال وقد لا يكون عند المستسلف ما باعه فحمله على الأعيان ليكون بيع ما في الذمة جائزًا سواء كان حالًّا أو مؤجلًا.
وقال آخرون هذا ضعيف جدًّا فإن حكيم بن حزام ما كان يبيع شيئًا معينًا هو ملك لغيره ثم ينطلق فيشتريه منه ولا كان الذين يأتونه يقولون نطلب عبد فلان أو دار فلان وإنما الذي يفعله الناس أن يأتيه الطالب فيقول أريد طعامًا كذا وكذا أو ثوبًا كذا وكذا وغير ذلك فيقول نعم أعطيك فيبيعه منه ثم يذهب فيحصله من عند غيره إذا لم يكن عنده.
هذا هو الذي يفعله من يفعله من الناس ولهذا قال يأتيني فيطلب مني البيع ليس عندي لم يقل يطلب مني ما هو مملوك لغيري.
[تفسير آيات أشكلت: 2/690]
فالطالب طلب الجنس لم يطلب شيئًا معينًا كما جرت عادة الطالب لما يؤكل ويلبس ويركب إنما يطلب جنس ذلك ليس له غرض في ملك شخص بعينه دون ما سواه مما هو مثله أو خير منه.
ولهذا صار أحمد بن حنبل وطائفة إلى القول الثاني فقالوا الحديث على عمومه يقتضي النهي عن بيع ما في الذمة إذا لم يكن عنده وهو يتناول النهي عن السَّلَم إذا لم يكن عنده لكن جاءت الأحاديث في جواز السَّلَم المؤجل فبقي هذا في السَّلَم الحال.
والقول الثالث وهو أظهر الأقوال أن الحديث لم يرد به النهي عن السَّلَم المؤجل ولا الحال مطلقًا وإنما أريد به أن يبيع في الذمة ما ليس هو مملوكًا له ولا يقدر على تسليمه ويربح فيه قبل أن يملكه ويقدر على تسليمه وتضمنه.
فهو نهي عن السَّلَم الحال إذا لم يكن عند المستسلف ما باعه فيلزم ذمته بشيء حال ويربح فيه وليس هو قادرًا على إعطائه وإذا ذهب يشتريه قد يحصل وقد لا يحصل فهو من نوع الغرور والمخاطرة وهو إذا كان السَّلَم حالًّا وجب تسليمه عليه في الحال وليس هو بقادر على ذلك ويربح فيه على أن
[تفسير آيات أشكلت: 2/691]
يملكه فيضمنه وربما أحاله على الذي ابتاع منه فلا يكون قد عمل شيئًا بل أكل المال بالباطل.
وعلى هذا فالسَّلَم الحال إذا كان المسلم إليه قادرًا على الإعطاء هو جائز وهو كما قال الشافعي إذا جاز المؤجل فالحال أولى بالجواز.
ومما يبين أن هذا مراد النبي صلى الله عليه وسلم أن السائل إنما سأله عن بيع شيءٍ مطلق في الذمة كما تقدم لكن إذا لم يجوز بيع ذلك فبيع المعين الذي لم يملكه أولى بالمنع.
وإذا كان إنما سأله عن بيع شيءٍ في الذمة وإنما سأله عن بيعه حالًّا فإنه قال أبيعه ثم أذهب فأبتاعه فقال له لا «تبع ما ليس عندك» فلو كان السَّلف الحال لا يجوز مطلقًا لقال له ابتداءً لا تبع هذا سواء كان عنده أو ليس عنده فإن صاحب هذا القول يقول بيع ما في الذمة حالًّا لا يجوز ولو كان عنده ما يسلمه بل إذا كان عنده فإنه لا يبيع إلا معينًا لا يبيع شيئًا في الذمة.
فلما لم ينهه النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك مطلقًا بل قال «لا تبع ما ليس عندك» علم أنه صلى الله عليه وسلم فرَّق بين ما هو عنده ويملكه ويقدر على تسليمه وما ليس كذلك وإن كان كلاهما في الذمة.
[تفسير آيات أشكلت: 2/692]
ومن تدبر هذا تبين له أن القول الثالث هو الصواب.
وإذا قيل المؤخر جائز للضرورة وهو بيع المفاليس لأن البائع احتاج إلى أن يبيع إلى أجل وليس عنده ما يبيعه الآن وأما الحال فيمكنه أن يحضر المبيع فيراه فلا حاجة لبيع موصوف في الذمة أو بيع عين موصوفةٍ غائبةٍ لا يبيع شيئًا مطلقًا بل هذا ممنوع فلا نسلم على خلاف الأصل بل تأجيل المبيع كتأجيل الثمن كلاهما من مصالح العالم.
والناس لهم في المبيع الحال والغائب ثلاثة أقوال:
منهم من يجوزه مطلقًا ولا يجوزه معينًا موصوفًا كالشافعي في المشهور عنه والظهر جواز هذا وهذا.
ويقال للشافعي مثل ما قال هو لغيره إذا جاز بيع المطلق الموصوف
[تفسير آيات أشكلت: 2/693]
فالمعين الموصوف أولى بالجواز فإن المطلق فيه غرر وخطر وجهل أكثر من المعين فإذا باع حنطة مطلقة بالصفة أولى بل ولو بيع المعين بلا صفة وللمشتري الخيار إذا رآه جاز أيضًا كما نقل مثل ذلك عن الصحابة وهو مذهب أبي حنيفة وأحمد في إحدى الروايتين عنه.
وقد جَوَّز القاضي وغيره من أصحاب أحمد السَّلَم الحال بلفظ البيع.
والتحقيق أنه لا فرق بين لفظ ولفظ ونفس بيع الأعيان الحاضرة التي يتأخر قبضها يُسمَّى سلفًا إذا عجل له الثمن كما في المسند عن النبي صلى الله عليه وسلم «أنه نهى أن يُسلم في حائطٍ بعينه إلا أن يكون قد بدا صلاحه» فهو إذا بدا صلاحه وقال أسلمت إليك في عشرة أوسق من تمر هذا الحائط جاز.
كما يجوز أن يقول ابتعت عشرة أوسق من هذه الصبرة ولكن التمر يتأخر قبضه إلى كمال صلاحه فإذا عجل له الثمن قيل له سلف لأن السلف هو الذي تقدم والسالف المتقدم قال الله تعالى {فَجَعَلْنَاهُمْ سَلَفًا وَمَثَلًا لِلْآخِرِينَ}.
[تفسير آيات أشكلت: 2/694]
والعرب تسمي أول الرواحل السالفة ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم «الحقي سلفنا الخيْر عثمان بن مظعون» وقوله «حتى تنفرد سالفتي»
[تفسير آيات أشكلت: 2/695]
وهي العنق.
ولفظ السَّلف يتناول القرض والسَّلَم لأن المقرض أيضًا سلَّف القرض أي قدَّمه وَعَجَّله لكن هذا تبرع بالمنفعة وفيه حديث عبد الله
[تفسير آيات أشكلت: 2/696]
ابن عمرو أن النبي صلى الله عليه وسلم قال «لا يحل سلف وبيع وشرطان في بيع ولا ربح ما لم يُضمَن ولا بيع ما ليس عندك» ومنه الحديث «أن النبي صلى الله عليه وسلم استلف بكرًا وقضى جَملًا رَبَاعيًا».
والذي يبيع ما ليس عنده لا يقصد إلا الربح وهو تاجر فيستلف بسعر ثم يذهب فيشتري بأرخص منه بمثل ذلك الثمن فإنه قد يكون أتعب نفسه لغيره بلا فائدة وإنما يفعل هذا من يتوكل لغيره فيقول أعطني فأنا أشتري لك هذه السلعة فيكون أمينًا أما أنه يبيعها بثمن معين يقبضه ثم يذهب فيشتريها بمثل ذلك الثمن من غير فائدة في الحال فهذا لا يفعله عاقل.
نعم إذا كان هناك تأخير فقد يكون محتاجًا إلى الثمن فيتسلفه وينتفع به
[تفسير آيات أشكلت: 2/697]
مدة إلى أن يحصل تلك السلفة فهذا يقع في السَّلَم المؤجل وهو الذي يسمى بيع المفاليس فإنه يكون محتاجًا إلى الثمن وهو مفلس وليس عنده في الحال ما يبيعه ولكن له مال يأتي من بعده من تمر أو مَغلٍّ أو غير ذلك فيبيعه في الذمة فهذا يفعله مع الحاجة ولا يفعله بدون الحاجة إلا أن يقصد أن يتجر بالثمن في الحال ويرى أنه يحصل به من الربح أكثر مما يفوت بالسَّلَم.
فإن المتسلف يبيع السلعة في الحال بدون ما يساوي نقدًا والمسلف يرى أنه يشتري بها إلى أجل بأرخص مما يكون عند حصولها وإلا فلو علم أنها عند الأجل كحصول الحنطة في البيدر تباع بالسَّلَم لم يسلم فيها فيذهب نفع ماله بلا فائدة وإذا قصد الآخر قرضه ذلك قرضًا ولا يجعل ذلك
[تفسير آيات أشكلت: 2/698]
سَلَمًا إلا إذا ظن أنه أرخص في الحال وقت الأجل.
فالسَّلَم المؤجل في الغالب لا يكون إلا مع حاجة المستسلف إلى الثمن.
وأما الحال إن كان عنده فقد يكون محتاجًا إلى الثمن فيبيع ما عنده معينًا تارة وموصوفًا أخرى.
وأما إذا لم يكن عنده فإنه لا يفعله إلا إذا قصد التجارة والربح فيبيعه بسعر ويشتري بأرخص منه ثم يذهب هذا الذي قدَّره قد يحصَّل كما قدَّره وقد لا يحصل بل قد لا تحصل له تلك السلعة التي تسلف فيها وقد لا يحصل له إلا بثمن أعلى مما تسلفه فيندم.
وإن حصله بسعر أرخص من ذلك ندم المسلف إذا كان يمكنه أن يشتريه هو بذلك الرخص فصار هذا من نوع الميسر والقمار والمخاطرة كبيع العبد الآبق والبعير الشارد يباع بدون ثمنه فإن حصل ندم البائع وإن لم يحصل ندم المشتري.
[تفسير آيات أشكلت: 2/699]
وكذلك بيع حَبَل الحبلة وبيع الملاقيح والمضامين ونحو ذلك مما قد يحصل وقد لا يحصل وهو من جنس صاحب القمار والميسر.
والخطر خطران:
خطر التجارة وهو أن يشتري السلعة يقصد أن يبيعها بربح ويتوكل على الله في ذلك فهذا لا بد منه للتجار والتاجر يتوكل على الله يطلب منه أن يأتي من يشتري السلعة وأن يبيعها بربح وإن كان قد يخسر أحيانًا فالتجارة لا تكون إلا كذلك.
والخطر الثاني الميسر الذي يتضمن أكل مال الناس بالباطل فهذا الذي
[تفسير آيات أشكلت: 2/700]
حرمه الله ورسوله مثل بيع الملامسة والمنابذة وحبل الحبلة والملاقيح والمضامين وبيع الثمار قبل بُدُوِّ صلاحها.
وفي هذا يكون أحد الرجلين قد قمر الآخر وظلمه وفي هذا يذم المظلوم للظالم بخلاف التاجر الذي اشترى السلعة ثم بعد هذا نقص سعرها فهذا من الله ليس لأحدٍ فيه حيلة ولا يتظلم مثل هذا من البائع وبيع ما ليس عنده.
والمشتري لا يعلم أنه يبيعه ثم يشتري من غيره وأكثر الناس لو علموا لم يشتروا منه بل يذهبون هم فيشترون من حيث اشترى هو وإن قدِّرَ أن منهم من يعلم ويشتري كما لو كانت عنده لكونه يشتريها من مكان بعيد أو يشتري جملة ونحو ذلك مما قد يتعسر على المشتري منه وإنما يفعل ذلك إذا ظن أن هذا الربح هو الربح لو كانت عنده.
[تفسير آيات أشكلت: 2/701]
فلو قدر أن السلعة رخيصة أرخص من العادة وأن هذا قد أربحه ما لا يصلح في مثلها ندم فهو يشتمل كثيرًا على ندم هذا وهذا كما يشتمل على مثل ذلك سائر أنواع بيع الغرر.
وليست هذه المخاطرة مخاطرة التجارة بل مخاطرة المستعجل بالبيع قبل القدرة على التسليم كبيع الثمار قبل بدوِّ صلاحها وبيع حبل الحبلة وبيع الملاقيح وبيع المضامين وبيع العبد الآبق والبعير الشارد ونحو ذلك فإذا اشترى التاجر السلعة وصارت عنده مُلكًا وقبضها فحينئذٍ دخل في خطر التجارة وباع بيع التجارة كما أحلها الله تعالى بقوله {لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ}.
وقوله صلى الله عليه وسلم «ولا شرطان في بيع» هو كنية عن بيعتين في بيعة مثل أن يتفقا على أن يبيعه بمائة نسيئة ويبتاعه بثمانين نقدًا وهو بيع العينة وأما
[تفسير آيات أشكلت: 2/702]
من فسَّرَه بأنهما يشترطان في العقد الواحد أكثر من شرط واحد ثم منهم من نهى عن هذا مطلقًا كما نقل عن أحمد ومنهم من قال هذا في نوع من الشروط وهو ما ليس من مصلحة العقد فهي أقوال مرجوحة وليس في ذلك ما يقتضي النهي.
والله سبحانه وتعالى أعلم بحقائق الأمور.
[تفسير آيات أشكلت: 2/703]


التوقيع :
رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
في, فصل

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 10:31 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir