دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > علوم الحديث الشريف > متون علوم الحديث الشريف > عمدة الأحكام > كتاب الصلاة

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 6 ذو القعدة 1429هـ/4-11-2008م, 08:48 AM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,453
افتراضي باب استقبال القبلة

بَابُ اسْتِقْبَالِ القِبْلَةِ

عن ابنِ عمرَ رَضِيَ اللهُ عنهُمَا، أنَّ رَسُولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم كانَ يُسَبِّحُ عَلَى ظَهْرِ رَاحِلَتِهِ، حَيْثُ كانَ وَجْهُهُ، يُومِئُ بِرَأْسِهِ، وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَفْعَلُهُ.
وفي روايَةٍ: كانَ يُوتِرُ عَلَى بَعِيرِهِ.
ولِمسلمٍٍ: غَيْرَ أَنَّهُ لاَ يُصَلِّي عَلَيْها الْمَكْتُوبَةَ.
وللبخاريِّ: إِلاَّ الْفَرَائِضَ.
عن عبدِ اللهِ بنِ عمرَ رَضِيَ اللهُ عنهُمَا قالَ: بَيْنَمَا النَّاسُ بِقُبَاءَ فِي صَلاَةِ الصُّبْحِ إِذْ جَاءَهُمْ آتٍ، فقالَ: إنَّ النَّبِيَّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم قَدْ أُنْزِلَ عَلَيْهِ اللَّيْلَةَ قُرْآنٌ، وَقَدْ أُمِرَ أَنْ يَسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةَ، فَاسْتَقْبِلُوهَا، وَكَانَتْ وُجُوهُهُمْ إِلَى الشَّامِ، فَاسْتَدَارُوا إلى الكَعْبَةِ.
عن أنسِ بنِ سِيرِينَ قالَ: اسْتَقْبَلْنَا أَنَسًا حِينَ قَدِمَ مِن الشَّامِ، فَلَقِينَاهُ بِعَيْنِ التَّمْرِ، فَرَأَيْتُهُ يُصَلِّي عَلَى حِمَارٍ، وَوَجْهُهُ مِن ذَا الجَانِبِ - يعني: عن يَسَارِ القِبْلَةِ – فَقُلْتُ: رَأَيْتُكَ تُصَلِّي لِغَيْرِ الْقِبْلَةِ؟ فقالَ: لَوْلاَ أَنِّي رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم يَفْعَلُهُ لَمْ أَفْعَلْهُ.


  #2  
قديم 11 ذو القعدة 1429هـ/9-11-2008م, 09:17 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي تصحيح العمدة للإمام بدر الدين الزركشي (النوع الأول: تصحيح الرواية)

حديثُ أنسِ بنِ سِيرينَ حين قَدِمَ من الشامِ ، هذه روايةُ البخاريِّ ، وروايةُ مسلِمٍ حين قَدِمَ الشامَ ، بإسقاطِ من ، قالَ القاضي عِياضٌ : وقيلَ : إنه وَهِمَ وأن الصوابَ إثباتُها كما رواه البخارىُّ ، وخالَفَه النوويُّ وقالَ روايةُ مسلِمٍ صحيحةٌ ، ومعناها تَلقَّيْنَاه في رجوعِه حينَ قَدِمَ الشامَ .

  #3  
قديم 11 ذو القعدة 1429هـ/9-11-2008م, 09:17 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي تصحيح العمدة للإمام بدر الدين الزركشي (النوع الثاني: التصحيح اللغوي)

قولُه : بقُبَاءَ يَجوزُ فيه المدُّ وتركُه والصرْفُ وترْكُه .
قولُه : فَاستَقْبِلُوها .
أكثرُ الرواةِ كما قالَه ابنُ عبدِ البَرِّ على فتْحِ الباءِ على الخبَرِ ورُوِيَ بكسرِها على لفظِ الأمْرِ.

  #4  
قديم 11 ذو القعدة 1429هـ/9-11-2008م, 09:19 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي خلاصة الكلام للشيخ: عبد الله بن عبد الرحمن البسام

بابُ استقبالِ القبلةِ

الْحَدِيثُ الخامسُ والستُّونَ
عن عبد اللهِ بنِ عمرَ رَضِيَ اللَّهُ عنهُمَا، أنَّ رَسُـولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كانَ يُسَبِّحُ عَلَى ظَهْرِ رَاحِلَتِهِ، حَيْثُ كانَ وَجْهُهُ، يُوْمِئُ بِرَأْسِهِ، وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَفْعَلُهُ.
وفي روايَةٍ، كانَ يُوتِرُ عَلَى بَعِيرِهِ.
ولِمسلمٍ: غَيْرَ أَنَّهُ لَا يُصَلِّي عَلَيْها الْمَكْتُوبَةَ.
وللبخاريِّ: إِلَّا الْفَرَائِضَ.

فِيهِ مَسَائِلُ:
الأُولَى: جَوَازُ صلاةِ النافلةِ في السفرِ على الراحلةِ بخلافِ الفرضِ، فلا تَجُوزُ إلَّا بضرورةٍ كَهَرَبٍ منْ عدوٍّ وسَيْلٍ.
الثَّانِيَةُ: أنَّ الإيماءَ يَقُومُ مَقَامَ الركوعِ والسجودِ، وأنَّ قِبْلَةَ المُصَلِّي وِجْهَتُهُ التي يَقْصِدُ فلا يَلْزَمُهُ الانحرافُ نحوَ القبلةِ.

الْحَدِيثُ السادسُ والستُّونَ
عنْ عبدِ اللَّهِ بنِ عمرَ رَضِيَ اللَّهُ عنهُمَا قالَ: بَيْنَمَا النَّاسُ بِقُبَاءَ فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ إِذْ جَاءَهُمْ آتٍ، فقالَ: إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أُنْزِلَ عَلَيْهَ اللَّيْلَةَ قُرْآنٌ، وَقَدْ أُمِرَ أَنْ يَسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةَ، فَاسْتَقْبِلُوهَا، وَكَانَتْ وُجُوهُهُمْ إِلَى الشَّامِ، فَاسْتَدَارُوا إلى الكَعْبَةِ.

فِيهِ مَسَائِلُ:
الأُولَى: القبلةُ أَوَّلَ الهجرةِ إلى بيتِ المقدسِ، ثمَّ صُرِفَتْ إلى الكعبةِ، واسْتَقَرَّتْ عليها.
الثَّانِيَةُ: أنَّ مَنْ صَلَّى إلى جهةٍ ثمَّ تَبَيَّنَ لهُ الخطأُ أثناءَ الصلاةِ اسْتَدَارَ، ولمْ يَقْطَعْ صَلَاتَهُ، وإنْ كانَ فَرَغَ منها فَهِيَ صحيحةٌ إذا كانَ قدْ تَحَرَّاهَا.
الثَّالِثَةُ: أنَّ العملَ في الصلاةِ لا يُخِلُّ بها، ولوْ كَثُرَ إذا كانَ لِمَصْلَحَتِهَا.

الْحَدِيثُ السابعُ والستُّونَ
عنْ أنسِ بنِ سِيرِينَ رَضِيَ اللَّهُ عنهُ قالَ: اسْتَقْبَلْنَا أَنَسًا حِينَ قَدِمَ مِن الشَّامِ، فَلَقِينَاهُ بِعَيْنِ التَّمْرِ، فَرَأَيْتُهُ يُصَلِّي عَلَى حِمَارٍ، وَوَجْهُهُ مِنْ ذَا الجَانِبِ- يعني: عنْ يَسَارِ القِبْلَةِ – فَقُلْتُ: رَأَيْتُكَ تُصَلِّي لِغَيْرِ الْقِبْلَةِ؟ فقالَ: لَوْلَا أَنِّي رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَفْعَلُهُ لَمْ أَفْعَلْهُ.

فِيهِ مَسَائِلُ:
الأُولَى: جَوَازُ صلاةِ النَّفْلِ على الراحلةِ، وأنَّ قبلةَ المُصَلِّي على الراحلةِ وِجْهَتُهُ، وَتَقَدَّمَ.


  #5  
قديم 11 ذو القعدة 1429هـ/9-11-2008م, 09:23 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي تيسير العلام للشيخ: عبد الله بن عبد الرحمن البسام

بابُ استقبالِ القِبلةِ


قبلةُ المسلمينَ هي الكعبةُ المشرَّفةُ، التي هي عنوانُ توحيدِهِم ووَحْدَتِهِم، ومُتَّجَهُ أنظارِهِم، ومُلْتَقَى قلوبِهم وأرواحِهم. وقد جعلَ اللَّهُ هذه الكعبةَ قياماً للناسِ، في أحوالِ دِينِهم ودُنياهم، وأمْناً لهم عندَ الشدائدِ، يجدون في ظلِّها الطمأنينةَ والأمنَ والإيمانَ. وبقاؤُها تُحَجُّ وتُزَارُ هو علامةُ بقاءِ الدِّينِ وقيامِهِ. وكان النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْه وَسَلَّمَ قبلَ الهجرةِ يستقبلُ الكعبةَ وبيتَ المقدسِ معاً، على المشهورِ. فلمَّا هاجرَ إلى المدينةِ وفيها اليهودُ، اقتصرَ على استقبالِ بيتِ المقدسِ ستَّةَ عشرَ شهراً، وكان يتشوَّقُ إلى استقبالِ الكعبةِ، أشرفِ بقعةٍ على الأرضِ، وأثرِ أبي الأنبياءِ، وإمامِ الحنفاءِ إبراهيمَ الخليلِ عليه السلامُ، فصُرِفَت القبلةُ إلى الكعبةِ في السنةِ الثانيةِ للهجرةِ.
واستقبالُ القبلةِ في الصَّلاةِ ثابتٌ في الكتابِ والسُّنَّةِ والإجماعِ.
وهو شرطٌ للصلاةِ، ثابتٌ في الكتابِ والسنةِ والإجماعِ. وهو شرطٌ للصلاةِ لا تصحُّ بدونِهِ إلا عند العجزِ، أو للنافلةِ على الدابَّةِ، كما سيأتي في هذهِ الأحاديثِ، إنْ شاءَ اللَّهُ تعالى.
***
الحديثُ الخامسُ والستونَ
65- عن عبدِ اللَّهِ بنِ عمرَ رضيَ اللَّهُ عنهُما، أنَّ رسولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْه وَسَلَّمَ كانَ يُسَبِّحُ عَلَى ظَهْرِ رَاحِلَتِه حَيْثُ كانَ وَجْهُهُ يُوْمِئُ بِرَأْسِهِ، وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَفْعَلُهُ.
وفي روايةٍ: " كانَ يُوتِرُ عَلَى بَعِيرِهِ "
ولمسلمٍ: غَيْرَ أَنَّهُ لاَ يُصَلِّي عَلَيْها الْمَكْتُوبَةَ.
وللبخاريِّ: إِلاَّ الْفَرَائِضَ.

(65) غريبُ الحديثِ:
" يُسَبِّحُ علَى ظَهْرِ رَاحلَتِه " التسبيحُ هنا: أنْ يُرادَ بِهِ صَلاَةُ النافلةِ، مِنْ تسميةِ الكُلِّ باسمِ البعضِ. وقد خُصَّت النافلةُ باسمِ التسبيحِ، قَالَ ابْنُ حجرٍ: وذلك عُرفٌ شَرعيٌّ.
" المَكْتُوبَةَ " يعنِي: الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ المفروضاتِ.
" الرَّاحلةُ ": الناقةُ التي تَصلحُ لأنْ تُرْحلَ.
المعنَى الإجماليُّ:
الغالبُ في الشريعةِ أنَّ صَلاَةَ الفريضةِ وصَلاَةَ النافلةِ تشتَركَانِ في الأحكامِ، وهذا هو الأصلُ فيهما، فما وَردَ في إحداهُما مِنْ حُكْمٍ، فهو لَهُما سواءٌ.
ولكنَّه يُوجدُ بعضُ الأدلَّةِ التي تَخُصُّ إحْداهُما بِحُكمٍ دونَ الأخرَى.
والغالبُ علَى هذِهِ الفروقِ بينَهما، تخفيفُ الأحكامِ في النافلةِ دونَ الفريضةِ، ومن ذلك، هذا الحديثُ الذي معنا.
فإنَّهُ لمَّا كانَ المطلوبُ تَكثيرَ نوافلِ الصَّلاَةِ والاشتغالِ بهَا خَفَّف فيهَا.
فكان صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصلِّيهَا في السَّفرِ علَى ظهْرِ راحلَتِه حيث تَوجَّهَت بِهِ ولو لم تَكنْ تُجَاهَ القِبْلةِ ويُومِئُ برأسِهِ إشارةً إلَى الرُّكوعِ والسُّجودِ.
ولا فرْقَ بينَ أنْ تَكُونَ نَفْلاً مُطلقاً، أو مِنَ الرواتبِ أو مِنَ الصَّلَوَاتِ ذواتِ الأسبابِ. لهذا كانَ يُصَلِّي علَى الرَّاحلةِ آكَدَ النوافلِ وهو الوترُ.
أما الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ المكتوباتُ فوقُوعُهَا قليلٌ لا يَشغلُ المُسافرَ فيهَا، ويجبُ الاعتناءُ بهَا وتَكميلُهَا، فَلِذا لا تَصِحُّ علَى الرَّاحلةِ إلا عندَ الضَّرورةِ.
أحكامُ الحديثِ:
جوازُ صَلاَةِ النافلةِ في السفرِ علَى الراحلةِ وفِعلُ ابْنِ عُمَرَ لَهُ أقوَى مِنْ مُجرَّدِ الرِّوَايَةِ.
ذهبَ الإمامَ أحمدُ وأبو ثَورٍ إلَى استقبالِ الْقِبْلَةِ حالَ ابتداءِ الصَّلاَةِ، وذلك لحديثِ أنسٍ مِنْ أنَّه كانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا أرادَ أنْ يَتطوَّعَ في السفرِ استقبلَ بِناقَتهِ الْقِبْلَةَ، ثم صَلَّى حيثُ وَجَّهَه رِكابُهُ وظاهرُ الحديثِ العمومُ.
عدمُ جوازِ الفريضةِ علَى الراحلةِ بلا ضرورةٍ. قَالَ الْعُلَمَاءُ: لئلا يَفوتَهُ الاستقبالُ، فإنَّه يَفوتُه ذلك وهو راكبٌ أمَّا عندَ الضَّرورةِ مِنْ خوفٍ أو سَيلٍ، فيصِحُّ، كما صَحَّت بِهِ الأحاديثُ.
أنَّ الإيماءَ هنا، يَقُومُ مقامَ الرُّكُوعِ والسُّجودِ.
أنَّ قِبلةَ المُتنفِّلِ علَى الرَّاحِلةِ، هي الوِجهةُ التي هو مُتوجِّهٌ إليهَا.
أنَّ الوترَ ليس بواجبٍ، حيث صَلاَّه عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسلامُ، علَى الرَّاحِلةِ.
أنَّه كُلَّما احْتِيجَ إلَى شيءٍ دَخَله التَّيسيرُ والتسهيلُ ، وهذا مِنْ بعضِ ألطافِ اللَّهِ المتواليةِ علَى عِبادِهِ.
سماحةُ هذهِ الشريعةِ، وترغيبُ العِبادِ في الازديادِ مِنَ الطاعاتِ، بتسهيلِ سُبُلِهَا. فلِلَّهِ الحمدُ والمِنَّةُ.
ذَكرَ الصَّنعانِيُّ أنَّ ألفاظَ هذا الحديثِ مجموعةٌ مِنْ عِدَّةِ رواياتٍ في البُخاريِّ ومُسْلِمٍ، وأنه ليس في الصَّحِيحَينِ روايةٌ هكذا لفْظُهَا.
10ـ لا يُستدلُّ بهذا الحديثِ علَى أنَّ الخَفْضَ في السُّجُودِ أكثرُ مِنَ الرُّكُوعِ وإنَّما ذلك في حديثِ جابرٍ حيث يَقُولُ: " جِئتُ وهو يُصَلِّي علَى راحلتِهِ نحوَ المشرقِ والسُّجُودُ أخفضُ مِنَ الرُّكُوعِ " وقد أخرجَهُ التِّرمذيُّ وأبو داودَ.
11ـ ذهبَ جمهورُ الْعُلَمَاءِ إلَى جوازِ تَركِ الاستقبالِ في السفرِ الطويلِ والقصيرِ إلا مالِكاً فقد خصَّه بالسَّفرِ الذي تُقصرُ فِيهِ الصَّلاَةُ ولم يُوافقْه أحدٌ علَى ذلك.
***

الحديثُ السادسُ والستونَ
66- عن ابنِ عمرَ رضيَ اللَّهُ عنهُما قالَ: بَيْنَمَا النَّاسُ بِقُبَاءَ فِي صَلاَةِ الصُّبْحِ إِذْ جَاءَهُمْ آتٍ، فقالَ: إنَّ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْه وَسَلَّمَ قَدْ أُنْزِلَ عَلَيْه اللَّيْلَةَ قُرْآنٌ، وَقَدْ أُمِرَ أَنْ يَسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةَ، فَاسْتَقْبِلُوهَا، وَكَانَتْ وُجُوهُهُمْ إِلَى الشَّامِ، فَاسْتَدَارُوا إلى الكَعْبَةِ.

(66) المعنَى الإجماليُّ:
تقدَّم أنَّه لما هَاجرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى المدينةِ وفيهَا كثيرٌ مِنَ اليهودِ، اقتضتِ الحِكمةُ الرشيدةُ أنْ تَكُونَ قِبلةُ النَّبِيِّ والْمُسْلِمِين قِبلةَ الأنبياءِ السَّابقينَ (بيتُ المقدسِ) فَصلَّوا إلَى تلكِ الْقِبْلَة سِتةَ عَشَرَ شهراً أو سبعةَ عَشَرَ شهراً.
وكان النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتشوَّقُ إلَى صَرفِهِ إلَى استقبالِ الكعبةِ المُشرَّفةِ. فَأنزلَ اللَّهُ تَعَالَى: (قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ) سورةُ البقرةِ، آية144.
فخرجَ أحدُ الصَّحَابَةِ إلَى مسجدِ قُباءَ بظاهرِ المدينةِ، فوَجَد أهلَهُ لم يَبلُغْهم نَسخُ الْقِبْلَةِ، ويُصلُّونَ إلَى الْقِبْلَةِ الأولَى، فأخبرَهم بِصرفِ الْقِبْلَةِ إلَى الكعبةِ، وأنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد أُنزِلَ إِلَيْهِ قرآنٌ في ذلك. يُشيرُ إلَى الآيةِ السابقةِ وأنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ استقْبلَ الكعبةَ في الصَّلاَةِ.
فَمِن فِقهِهِم وسُرعةِ فَهمِهم وصِحَّتِه اسْتَداروا عَنْ جهةِ بيتِ المقدسِ ـ قِبلتِهم الأولَى ـ إلَى قِبلتِهم الثانيةِ، الكعبةِ المُشرَّفةِ.
أحكامُ الْحَدِيثِ:
الْقِبْلَةُ أَوَّلَ الهجرةِ كانت إلَى بيتِ المقدسِ، ثم صُرِفتْ إلَى الكعبةِ.
أنَّ قِبلةَ الْمُسْلِمِينَ، اسْتقرَّتْ علَى الكعبةِ الْمُشَرَّفَةِ. فالواجبُ استقبالُ عَينِهَا عندَ مُشاهَدتِهَا واستقبالُ جِهتِهَا عندَ البُعْدِ عنها.
أنَّ أَفْضَلَ البقاعِ، هو بيتُ اللَّهِ؛ لأنَّ الْقِبْلَةَ أُقرَّتْ عَلَيْهِ، ولا يَقرُّ هذا النَّبِيُّ العظيمُ وهذهِ الأمَّةُ الْمُخْتَارةُ إلا علَى أَفْضَلِ الأشياءِ.
جوازُ النَّسخِ في الشريعةِ، خلافاً لليهودِ ومَن شَايعَهُم مِنْ مُنكريِ النَّسخِ.
أنَّ مَنِ استقبلَ جهةً في الصَّلاَةِ، ثم تَبيَّن لَهُ الخطأُ أثناءَ الصَّلاَةِ، استدَارَ ولم يَقطَعْهَا، وما مضَى مِنْ صَلاَتِهِ صحيحٌ.
أنَّ الحُكمَ لا يلزمُ المُكلَّفَ إلا بعدَ بُلوغِهِ، فإنَّ الْقِبْلَة حُوِّلت، فبعدَ التحويلِ وقبلَ أنْ يَبلغَ أهلَ قُباءَ الخبرُ، صَلَّوْا إلَى بيتِ المقدسِ، فلم يُعيدوا صَلاَتَهم.
أنَّ خبرَ الواحدِ الثِّقةِ ـ إذا حفَّتْ بِهِ قرائنُ القبولِ ـ يُصدَّقُ ويُعملُ بِهِ، وإنْ أَبطلَ ما هو مُتقرَّرٌ بطريقِ الْعِلْمِ.
وفيهِ أنَّ العملَ ولو كَثِيراً في الصَّلاَةِ، إذا كانَ لمَصلحتِهَا مشروعٌ.
وفيهِ دليلٌ علَى قبولِ خبرِ (الهاتِفِ) و (اللاَّسِلكيِّ) في دُخولِ شهرِ رمضانَ أو خُروجِه، وغيرِ ذلكَ مِنَ الأخبارِ المتعلِّقةِ بالأحكامِ الشرعيَّةِ؛ لأنَّه وإنْ كانَ نُقِلَ الخبرُ مِنْ فردٍ إلَى فردٍ، إلا أنَّه قد حُفَّ بِهِ مِنْ قرائنِ الصِّدقِ، ما يَجعلُ النفْسَ تَطمئِنُّ ولا تَرتابُ في صدْقِ الخبرِ، والتجرِبةُ المتكرِّرةُ أيَّدتْ ذلك.
10ـ قَالَ الطَّحاويُّ: في الْحَدِيثِ دليلٌ علَى أنَّ مَنْ لَمْ يعلمْ بفرضِ اللَّهِ تَعَالَى ولم تَبلُغْه الدعوةُ، فالفرضُ غيرُ لازمٍ لَهُ: والحُجَّةُ غيرُ قائمةٍ عَلَيْهِ. ا.هـ. وزادَ الأصولُيُّونَ أنَّ الفهمَ شرطُ التكليفِ، وعَنِ ابْنِ تيميَّةَ في مثلِ هذا قولانِ أحدُهما موافِقٌ لِما ذُكِرَ.
***

الحديثُ السابعُ والستونَ
67- عن أنسِ بنِ سيرينَ قالَ: اسْتَقْبَلْنَا أَنَساً حِينَ قَدِمَ مِنَ الشَّامِ، فَلَقِينَاهُ بِعْينِ التَّمْرِ، فَرَأَيْتُهُ يُصَلِّي عَلَى حِمَارٍ وَوَجْهُهُ مِنْ ذَا الجَانِبِ – يعني عن يسارِ القِبْلَةِ - فقلتُ: رَأَيْتُكَ تُصَلِّي لِغَيْرِ الْقِبْلَةِ؟ فقالَ: لَوْلاَ أَنِّي رَأَيْتُ رسولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْه وَسَلَّمَ يَفْعَلُهُ مَا فعَلْتُهُ.

(67) المُفرداتُ:
" أنسُ بنُ سِيرينَ ": أخو الإمامِ الكبيرِ والتَّابِعيِّ الشهيرِ محمدِ بنِ سِيرينَ.
" عينُ التَّمرِ ": بلدةٌ علَى حدودِ العراقِ الغرْبيَّةِ، يَكثرُ فيهَا التَّمرُ.
المعنَى الإجماليُّ:
قدِم أنسُ بنُ مالكٍ الشَّامَ، ولجلالةِ قَدْرِه وَسِعَةِ عِلمِه، استقبَلَه أهلُ الشامِ.
فذكَرَ الرَّاوِي ـ وهو أحدُ المُستقبِلينَ ـ أنَّه رآه يُصَلِّي علَى حِمارٍ، وقد جَعلَ الْقِبْلَةَ عَنْ يسارِهِ.
فسَألَه عَنْ ذلك، فأخبَرَه أنَّه رأَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَفعلُ ذلك، وأنه لو لم يَرَهُ يَفعلُ هذا، لم يَفعلْه.
ما يُؤخذُ مِنَ الْحَدِيثِ:
الْحَدِيثُ لم يُبيِّنْ صَلاَةَ أنسٍ هذهِ، أَفرضٌ هي، أمْ نَفلٌ؟
ومِنَ المعلومِ أنَّهَا نَفْلٌ؛ لأنَّه المعهودُ مِنْ فِعلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الذيَ رآه أنسٌ وغيرُه.
أنَّ قِبلةَ المُصلِّي علَى الرَّاحِلةِ، حيثُ تَوجَّهت بِهِ رَاحلتُه.
جوازُ صَلاَةِ النَّافِلَةِ علَى الرَّاحِلةِ، في السَّفرِ، ولو حِماراً.


  #6  
قديم 11 ذو القعدة 1429هـ/9-11-2008م, 09:24 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي إحكام الأحكام لتقي الدين ابن دقيق العيد

بابُ استقبالِ القِبْلَةِ

68 - الحَدِيثُ الأَوَّلُ:
عَن ابنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا: أنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كانَ يُسَبِّحُ عَلَى ظَهْرِ رَاحِلَتِهِ، حيْثُ كانَ وَجْهُهُ، يُومِئُ بِرَأسِهِ، وَكانَ ابْنُ عُمَرَ يَفْعَلُهُ.
وَفِي رِوَايَةٍ: كانَ يُوتِرُ عَلَى بَعِيِرِه. وَلِمُسْلِمٍ: غَيْرَ أَنَّهُ لا يُصَلِّي عَلَيْها المَكْتُوبَةَ. وَللبُخَارِيِّ: إلاَّ الفَرَائِضَ.

الكَلامُ عَليهِ مِن وُجوهٍ.
أحَدُهَا: (( التَّسْبِيحُ )) يُطلَقُ عَلَى صَلاةِ النَّافِلَةِ. وهَذَا الحَدِيثُ مِنهُ. فَقَولُهُ ((يُسبِّحُ)) أي يُصَلِّي النَّافِلَةَ. ورُبَّمَا أُطْلِقَ عَلَى مُطْلَقِ الصَّلاةِ , وقَدْ فُسِّرَ قَولُهُ سُبْحَانَهُ: {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ} [ق:39]، بِصَلاةِ الصُّبحِ وصَلاةِ العَصرِ. والتَّسْبِيحُ: حَقْيقَةٌ فِي قَولِ القَائلِ: سُبْحَانَ اللهِ. فإذَا أُطلِقَ عَلَى الصَّلاةِ فإمَّا مِن بَابِ إطِلاقِ اسْمِ البَعْضِِ عَلَى الكُلِّ، كَمَا قَالُوا فِي الصَّلاةِ: إنَّ أَصْلَهَا الدُّعاءُ، ثم سُمِّيت العِبَادَةُ كُلُّها بذلكَ، لاشْتِمَالِهَا عَلَى الدُّعَاءِ، وَإِمَّا لأنَّ المُصَلِّيَ مُنَزِّهٌ للهِ عَزَّ وجلَّ بِإخَلاصِ العِبَادةِ لَهُ وحْدَهُ، وَ التَّسْبِيحُ التَّنْزِيهُ. فَيكونُ ذَلكَ مِن مَجَازِ المُلازَمَةِ. لأنَّ التَّنزِيهَ يَلْزَمُ مِن الصَّلاةِ المُخْلِصَةِ وَحْدَهُ.
الثَّانِي: الحَدِيثُ دَلِيلٌ عَلَى جَوازِ النَّافِلَةِ عَلَى الرَّاحِلَةِ، وَجَوَازِ صَلاتِهَا حَيثُ تَوَجَّهتْ بِالرَّاكِبِ رَاحِلتُهُ. وَكَأنَّ السَّبَبَ فِيهِ تَيْسِيرُ تَحْصِيلِ النَّوافِلِ عَلَى المُسَافرِ وَتَكْثيرُهَا. فَإنَّ مَا ضُيِّقَ طَرِيقُهُ قَلَّ , وَما اتَّسَعَ طَرِيقُهُ سَهُلَ. فَاقْتَضَتْ رَحْمَةُ اللهِ تعالى بِالعِبَادِ أنْ قَلَّلَ الفَرَائِضَ عَلَيهِمْ تسهيلاً للكُلْفَةِ. وَفَتَحَ لَهُمْ طَرِيقَةَ تَكْثِيرِ النَّوافِلِ تَعْظِيماً للأُجُورِ.
الثَّالِثُ: قَولُهُ: حَيثُ كَانَ وَجْهُهُ , يُسْتَنْبَطُ مِنهُ ما قَالَ بَعْضُ الفُقَهاءِ: إنَّ جِهَةَ الطَّرِيقِ تَكُونُ بَدَلاً عَنِ القِبْلَةِ، حَتَّى لا يَنْحَرِفَ عَنْهَا لِغَيرِ حَاجَةِ المَسِيرِ.
الرَّابِعُ: الحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى الإيمَاءِ. وَمُطْلَقُهُ: يَقْتَضِي الإيمَاءَ بِالرُّكُوعِ وَالسُّجودِ. والفُقَهاءُ قَالُوا: يَكُونُ الإيمَاءُ للسُّجُودِ أخْفَضَ مِن الإيمَاءِِ للرُّكوعِ، لِيَكُونَ البَدَلُ عَلَى وَفْقِ الأَصْلِ. وليسَ فِي الحَديثِ ما يَدُلُّ عَلَيهِ ولا عَلَى ما يَنْفِيهِ. وَفِي اللَّفْظِ مَا يَدُلُّ عَلَى أنَّهُ لَم يَأتِ بِحَقِيقَةِ السُّجُودِ، إنْ حُمِلَ قَولُهُ ((يُومِئُ)) عَلَى الإيماءِ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ مَعاً.
الخَامِسُ: اسْتُدِلَّ بِإيتَارِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى البَعِيرِ عَلَى أنَّ الوِترَ ليسَ بِوَاجبٍ، بِنَاءً عَلَى مُقَدِّمَةٍ أَُخْرَى. وَهِيَ: أنَّ الفَرْضَ لا يُقَامُ عَلَى الرَّاحِلَةِ. وَأَنَّ الفَرضَ مُرَادِفٌ للواجِبِ.
السَّادِسُ: قَولُهُ: غَيْرَ أَنَّهُ لا يُصَلِّي عَلَيْهَا المَكْتُوبَةَ. قَد يُتَمَسَّكُ بِهِ فِي أنَّ صَلاةَ الفَرْضِ لا تُؤدَّى عَلَى الرَّاحِلَةِ. وَليسَ ذَلكَ بِقَوِيٍّ فِي الاسْتِدْلالِ. لأنَّهُ لَيسَ فِيهِ إِلاَّ تَرْكُ الفِعْلِ المَخْصُوصِ. وَلَيسَ التَّرْكُ بِدَلِيلٍ عَلَى الامْتِنَاعِ. وكذا الكَلامُ فِي قَولِهِ: إلاَّ الفَرَائضَ. فَإنَّهُ إنَّمَا يَدُلُّ عَلَى تَرْكِ هَذَا الفِعْلِ. وَتَرْكُ الفِعْلِ لا يَدُلُّ عَلَى امْتِنَاعِهِ كَمَا ذَكَرْنَا.
وقَدْ يُقَالُ: إنَّ دُخُولَ وقْتِ الفَريضَةِ مِمَّا يَكْثُرُ عَلَى المُسَافِرينَ، فَتَرْكُ الصَّلاةِ لَهَا عَلَى الرَّاحَلةِ دَائماً، مَعَ فِعْلِ النَّوافِلِ عَلَى الرَّاحِلَةِ، يُشْعِرُ بِالْفَرْقَيْنِ بَينَهُمَا فِي الجَوَازِ وَعَدَمِهِ، معَ ما يَتأَيَّدُ بِهِ مِن المَعْنَى. وهو أنَّ الصَّلواتِ المَفْرُوضَةَ قَلِيلَةٌ مَحْصُورَةٌ، لا يُؤدِّي النُّزولُ لَهَا إلى نُقْصَانِ المَطْلُوبِ. بِخِلافِ النَّوَافِلِ المُرْسَلَةِ. فَإنَّهَا لا حَصْرَ لَهَا، فَتَكَلُّفُ النُّزُولِ لَهَا يُؤدِّي إلى نُقْصَانِ المَطْلُوبِ مِن تَكْثِيرِهَا، مَعَ اشْتِغَالِ المُسَافِرِ. واللهُ أعلمُ.

69 - الحَدِيثُ الثَّانِي:
عَن عَبدِ اللهِ بنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: بَيْنَمَا النَّاسُ بِقُبَاءَ فِي صَلاةِ الصُّبْحِ إِذْ جَاءَهُمْ آتٍ، فَقَالَ: إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَد أُنْزِلَ عَلَيْهِ الْلَيلةَ قُرْآنٌ، وَقَدْ أُمِرَ أَنْ يَسْتَقْبِلَ الْقِبْلةَ، فَاسْتقْبَلُوهَا. وَكانَتْ وُجُوهُهُمْ إِلَى الشَّامِ، فَاسْتَدَارُوا إِلَى الكَعْبَةِ.

يَتَعَلَّقُ بهَذَا الحَديثِ مَسَائلُ أُصُولِيَّةٌ وَفُرُوعِيَّةٌ. نَذْكُرُ مِنْهَا مَا يَحْضُرُنَا الآنَ.
أمَّا الأُصُولِيَّةُ:
فَالمَسْأَلَةُ الأُولَى مِنْهَا: قُبُولُ خَبَرِ الوَاحِدِ. وَعَادَةُ الصَّحَابَةِ فِي ذَلكَ: اعْتِدَادُ بَعْضِهم بِنَقْلِ بَعْضٍ. وَلَيسَ المَقصودُ فِي هَذَا: أنْ تُثْبِتَ قُبُولَ خَبرِ الوَاحدِ بهَذَا الخَبَرِ الَّذِي هُوَ خَبَرُ وَاحدٍ. فَإنَّ ذَلكَ منْ إثْبَاتِ الشَّيءِ بِنَفْسِهِ. وإنَّمَا المقصودُ بذلكَ: التَّنْبِيهُ عَلَى مِثالٍ مِن أمْثِلَةِ قُبُولِهِم لِخَبَرِ الوَاحدِ، ليُضَمَّ إليهِ أمْثَالٌ لا تُحْصَى. فَيُثْبَتُ بِالمَجْمُوعِ القَطْعُ بِقَبُولِهِم لِخَبَرِ الوَاحِدِ.

المَسْأَلَةُ الثَّانِيةُ: رَدُّوا هَذهِ المَسْأَلةَ إلى أنَّ نَسْخَ الكِتَابِ وَالسُّنةِ المُتَوَاتِرَةِ. هلْ يجوزُ بِخَبرِ الواحدِ أم لا؟ منعَهُ الأكثرونَ. لأنَّ المقطوعَ لا يُزالُ بِالمَظْنُونِ. ونُقِلَ عن الظَّاهِرِيَّةِ جَوازُهُ. وَاسْتَدَلُّوا لِلجَوازِ بِهَذَا الحَدِيثِ. وَوَجْهُ الدَّليلِ: أَنَّهُمْ عَمِلُوا بِخَبَرِ الوَاحِدِ. وَلَم يُنْكِر النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ.
وفي هَذَا الاستدلالِ عندِي مُنَاقَشَةٌ وَنَظَرٌ. فَإنَّ المَسْأَلَةَ مَفْرُوضَةٌ فِي نَسْخِ الكِتَابِ والسُّنَّةِ المُتَواتِرَةِ بِخَبَرِ الوَاحِدِ. وَيَمْتَنِعُ عَادَةً أنْ يكونَ أهلُ قُبَاءَ - مَعَ قُربهِمْ مِن رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وانْثِيَالِهمْ لَهُ، وَتَيَسُّرِ مُرَاجَعَتِهِمْ لَهُ - أنْ يَكُونَ مُسْتَنَدُهُم فِي الصَّلاةِ إِلى بَيْتِ المَقْدِسِ خَبَراً عَنْهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، معَ طُولِ المُدَّةِ. وَهِيَ سِتَّةَ عَشَرَ شَهْراً، مِن غَيرِ مُشَاهَدَةٍ لِفِعْلِهِ، أَو مُشَافَهَةٍ مِن قَولِهِ. وَلو سَلَّمْتُ أنَّ ذَلكَ غَيرُ مُمْتَنِعٍ فِي العَادَةِ، فَلا شَكَّ أَنَّهُ يُمْكِنُ أنْ يَكُونَ المُسْتَنَدُ مُشَاهَدةَ فِعْلٍ، أَو مُشَافَهَةَ قَولٍ. وَالمُحْتَمِلُ الأمْرَينِ لا يَتَعَيَّنُ حَمْلُهُ عَلَى أحَدِهِمَا. فَلا يَتَعَيَّنُ حَمْلُ اسْتِقْبَالِهِم لِبَيتِ المَقْدِسِ عَلَى خَبَرٍ عَنْهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. بَل يَجُوزُ أنْ يَكُونَ عَلَى مُشَاهَدَةٍ. وَإِذَا جَازَ انْتِفَاءُ أَصْلِ الخَبَرِ جَازَ انتِفَاءُ خَبرِ المُتَواتِرِ؛ لأنَّ انتِفَاءَ المُطْلَقِ يَلْزَمُ منِهُ انتِفَاءُ قُيُودِهِ. فَإِذا جَازَ انتِفَاءُ خَبَرِ التَّوَاتُرِ لَمْ يَلْزَمْ أَنْ يَكُونَ الدَّليلُ مَنْصُوباً فِي المَسْألَةِ المَفْرُوضَةِ.
فَإِنْ قُلْتَ: الاعْتِرَاضُ عَلَى مَا ذَكَرْتَهُ مِن وَجْهَينِ :
أَحَدُهُمَا: أنَّ ما ادَّعيتَ مِن امتناعِ أنْ يكونَ مُسْتَندُ أهْلِ قُباءَ مُجَرَّدَ الخَبَرِ مِن غَيرِ مُشَاهَدةٍ - إنْ صَحَّ - إنَّمَا يَصِحُّ فِي جَمِيعهِم. أمَّا فِي بِعْضِِهِم فلا يَمْتَنعُ عَادةً أنْ يكونَ مُسْتَندُهُ الخَبرَ المُتَواتِرَ.
الثَّانِي: أنَّ مَا أَبْدَيتَهُ مِن جَوَازِ اسْتِنَادِهم إلى المُشَاهَدَةِ: يَقْتَضِي أنَّهُم أزالُوا المَقْطُوعَ بِالمَظْنُونِ. لأنَّ المُشَاهَدةَ طَرِيقُ قَطْعٍ. وَإذا جَازَ إِزَالَةُ المَقْطُوعِ بِهِ بِالمُشَاهدةِ جَازَ زَوالُ المَقْطُوعِ بهِ بِخَبَرِ التَّواتِرِ بِخَبَرِ الوَاحِدِ، فإنَّهُمَا مُشْتَرِكانِ فِي زَوَالِ المَقْطُوعِ بِالمَظْنُونِ.

قُلْتُ: أمَّا الجَوابُ عَن الأَوَّلِ: فَإِنَّهُ إذا سُلِّمَ امتناعُ ذَلكَ عَلَى جَمِيعِهِ. فَقد انقَسَمُوا إِذَنْ إلى مَن يُجَوِّزُ أَنْ يكونَ مُسْتَنَدُه التَّواترَ، وَمن يَكُونُ مُسْتَنَدُهُ المَشَاهَدةَ. فَهَؤُلاءِ المُسْتَدِيرُونَ لا يَتَعَيَّنُ أنْ يَكُونُوا مِمَّن اسْتَنَدَ إِلى التَّواتُرِ. فَلا يَتَعَيَّنُ حَمْلُ الخَبَرِ عَلَيْهِمْ.
فإنْ قَالَ قَائلٌ: قَولُهُ: أهلُ قُبَاءَ يَقتضِي أن يكونَ بَعْضُ مَن اسْتَدَارَ مُسْتَنَدُهُ التَّوَاتُرُ. فَيَصِحُّ الاحْتِجَاجُ.
قُلْتُ: لاشَكَّ فِي إمكانِ أنْ يكونَ الكُلُّ مُسْتَنَدُهُم المُشَاهَدَةُ. وَمَعَ هَذَا التَّجْوِيزِ: لا يَتَعَيَّنُ حَمْلُ الحَديثِ عَلَى ما ادَّعَوْهُ، إِلاَّ أنْ يَتَبيَّنَ أنَّ مَسْتَنَدَ الكُلِّ أو البَعْضِ خَبَرُ التَّواتُرِ. ولا سَبِيلَ إلى ذَلكَ.

وَأمَّا الثَّانِي: فَالجَوابُ عَنْهُ مِن وَجْهَينِ :
أَحَدُهُمَا: أنَّ المَقْصُودَ التَّنْبِيهُ وَالمُنَاقَشَةُ فِي الاسْتِدْلالِ بِالحَديثِ المَذْكُورِ عَلَى المَسْأَلةِ المُعَيَّنَةِ. وَقد تَمَّ الغَرَضُ مِن ذلكَ. وأمَّا إِثْبَاتُها بِطَرِيقِ القِياسِ عَلَى المَنْصُوصِ: فََلَيسَ بِمَقْصُودٍ.
الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ إِثْبَاتُ جَوَازِ نَسْخِ خَبَرِ الوَاحدِ للخَبَرِ المُتَواتِرِ مَقِيساً عَلَى جَوَازِ نَسْخِ خَبَرِ الوَاحِدِ المَقْطُوعِ بِهِ مُشَاهَدةً بِخَبَرِ الوَاحدِ المَظْنُونِ، بِجَامِعِ اشْتِرَاكِهِمَا فِي زَوَالِ المَقْطُوعِ بِالمَظْنُونِ. لَكِنَّهُمْ نَصَبوُا الخِلافَ مَعَ الظَّاهِرِيَّةِ. وفي كَلامِ بَعْضِهم مَا يَدُلُّ عَلَى أنَّ مَن عَدَاهُمْ لَم يَقَلْ بِِِهِ. وَالظَّاهِرِيَّةُ لا يَقُولُونَ بِالقِيَاسِِ. فَلا يَصِحُّ اسْتِدْلالُهُم بِهَذَا الخَبَرِ عَلَى المُدَّعَى. وهَذَا الوَجْهُ مُخْتَصٌّ بِالظَّاهِرِيََّةِ. وَاللهُ أَعْلَمُ.

المَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: رَجَعُوا إِلَى الحَدِيثِ أيضاً فِي أَنَّ نَسْخَ السُّنَّةِ بِالكِتَابِ جَائِزٌ , وَوَجْهُ التَّعَلُّقِ بِالحَدِيثِ فِي ذَلكَ. أنَّ المُخْبِرَ لَهُمْ ذَكَرَ أَنَّهُ: أُنْزِلَ الْلَيلةَ قُرْآنٌ؛ فَأَحَالَ فِي النَّسْخِ عَلَى الكِتَابِ. وَلَوْ لَمْ يَذْكُرْ ذَلِكَ لَعَلِمْنَا أنَّ ذَلِكَ مِن الكِتَابِ وَلَيسَ التَّوجُّهُ إِلَى بَيْتِ المَقْدِسِ بِالكِتَابِ، إذْ لا نَصَّ فِي القُرآنِ عَلَى ذلكَ، فهُوَ بالسُّنَّةِ، وَيَلْزَمُ من مَجْمُوعِ ذَلكَ نَسْخُ السُّنَّةِ بِالكِتَابِ. وَالمَنْقُولُ عن الشَّافِعِيِّ: خِلافُهُ.

ويُعْتَرَضُ عَلَى هَذَا بِوُجُوهٍ بَعِيدَةٍ :
أَحَدُهَا: أنْ يُقَالَ: المَنْسُوخُ كَانَ ثَابِتاً بِكِتَابٍ نُسِخَ لَفْظُهُ.
وَالثَّانِي: أنْ يُقالَ: النَّسْخُ كَانَ بِالسُّنَّةِ. وَنَزَلَ الكِتَابُ عَلَى وَفْقِهَا.
الثَّالِثُ: أنْ يُجْعَلَ بَيَانُ المُجْمَلِ كَالمَلْفُوظِ بِهِ. وَقَولُهُ تَعَالَى: { وأقِيمُوا الصَّلاةَ } مُجْمَلٌ، فُسِّرَ بِأُمُورٍ. مِنْهَا: التَّوَجُّهُ إِلَى بَيْتِ المَقْدِسِ. فَيَكُونُ كَالمَأْمُورِ بِهِ لَفْظاً فِي الكِتَابِ.
وَأُجِيبَ عَن الأوَّلِ وَالثَّانِي: بِأَنَّ مَسَاقَ هَذَا التَّجْوِيزِ: يُفْضِي إِلى أنْ لا يُعْلَمَ نَاسِخٌ مِن مَنْسُوخٍ بِعَيْنِهِ أصْلاً. فَإِنَّ هَذَينِ الاحْتِمَالَينِ مُطَّرِدَانِ فِي كُلِّ نَاسِخٍ وَمَنْسُوخٍ. وَالحَقُّ أنَّ هَذَا التَّجْوِيزَ: يَنْفِي القَطْعَ اليَقِينِيَّ بِالنَّظَرِ إِلَيْهِ، إِلاَّ أنْ تَحْتَفَّ القَرَائنُ بِنَفْي هَذَا التَّجْوِيزِ، كَمَا فِي كَونِ الحُكْمِ بِالتَّحْوِيلِ إِلَى القِبْلَةِ مُسْتَنِداً إِلَى الكِتَابِ العَزِيزِ.
وَأُجِيبَ عَن الثَّالِثِ: بِأنَّا لا نُسَلِّمُ بِأنَّ البَيانَ كَالمَلْفُوظِ فِي كُلِّ أَحْكَامِهِ.

المَسْأَلةُ الرَّابِعَةُ: اخْتَلَفُوا فِي أنَّ حُكْمَ النَّاسِخِ هَل يَثْبُتُ فِي حَقِّ المُكَلَّفِ قَبْلَ بُلُوغِ الخِطَابِ لَهُ؟ وَتَعَلَّقُوا بِهَذَا الحَدِيثِ فِي ذَلِكَ.
وَوَجْهُ التَّعَلُّقِ: أنَّهُ لَو ثَبَتَ الحُكْمُ فِي أَهْلِ قُبَاءَ قَبْلَ بُلُوغِ الخَبَرِ إِلَيْهِمْ، لَبَطُلَ مَا فَعَلُوُه مِن التَّوجُّهِ إِلى بَيْتِ المَقْدِسِ. فَيُفْقَدُ شَرْطُ العِبَادَةِ فِي بَعْضِهَا. فَتُبْطَلُ.
المَسْأَلَةُ الخَامِسَةُ: قِيلَ: فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ مُطْلَقِ النَّسْخِ. لأنَّ مَا دَلَّ عَلَى جَوَازِ الأَخَصِّ دَلَّ عَلَى جَوَازِ الأعَمِّ.
المَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ: قَد يُؤخَذُ مِنْهُ جَوَازُ الاجْتِهَادِ فِي زَمَنِ الرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَو بِالقُرْبِ مِنْهُ؛ لأنَّهُ كَانَ يُمْكِنُ أنْ يَقْطَعُوا الصَّلاةَ وَأنْ يَبنُوا. فَرَجَّحُوا البِنَاءَ. وَهُو مَحَلُّ الاجْتِهَادِ. تَمَّت المَسَائلُ الأُصُولِيَّةُ.

وَأمَّا المَسَائلُ الفُرُوعِيَّةُ :
فَالأُولَى مِنهَا: أنَّ الوكيلَ إذا عُزِلَ فَتَصَرَّفَ قَبلَ بُلُوغِ الخَبَرِ إِلَيْهِ: هَلْ يَصِحُّ تَصَرُّفُهُ بِنَاءً عَلَى مَسْأَلَةِ النَّسَخِ؟ وَهَلْ يَثْبُتُ حُكْمُهُ قَبْلَ بُلُوغِ الخَبَرِ؟ وَقَد نُوزِعَ فِي هَذَا البِنَاءِ عَلَى ذَلِكَ الأصْلِ.
وَوَجْهُ قَوْلِ هَذَا المُنَازِعِ فِي هَذَا البِنَاءِ عَلَى مَسْأَلَةِ النَّسْخِ: أنَّ النَّسْخَ خِطَابٌ تَكْلِيفِيٌّ، إِمَّا بِالفِعْلِ أو بِالاعْتِقَادِ. وَلا تَكْلِيفَ إِلاَّ مَعَ الإِمْكَانِ، وَلا إِمْكَانَ مَعَ الجَهْلِ بِوُرُودِ النَّاسِخِ.
وَأَمَّا تَصَرُّفُ الوَكيلِ: فَمَعْنَى ثُبُوتِ حُكْمِ العَزْلِ فِيهِ: أَنَّهُ بَاطِلٌ وَلا اسْتِحَالَةَ فِي أَنْ يُعْلَمَ بَعْدَ البُلُوغِ بُطْلانُهُ قَبْلَ بُلُوغِ الخَبَرِ. وَعَلَى تَقديرِ صِحَّةِ هَذَا البِنَاءِ: فَالحُكْمُ هُنَاكَ فِي مَسْأَلَةِ الوَكِيلِ يَكُونُ مَأخُوذاً بِالقِياسِ لا بِالنَّصِّ.
الثَّانِيَةُ: إِذَا صَلَّت الأَمَةُ مَكْشُوفَةَ الرَّأسِ، ثُمَّ عَلِمَتْ بِالعِتْقِ فِي أثْنَاءِ الصَّلاةِ: هَلْ تَقْطَعُ الصَّلاةَ أَمْ لا؟ فَمَن أَثْبَتَ الحُكْمَ قَبْلَ بُلُوغِ العِلْمِ إليهَا قَالَ بِفَسَادِ مَا فَعَلَتْ فَأَلْزَمَهَا القَطْعَ. وَمَن لَم يُثْبِتْ ذَلِكَ لم يُلزِمْهَا القَطْعَ، إِلاَّ أَنْ يَتَرَاخَى سِتْرُهَا لِرَأسِهَا وَهَذَا أيضاً مِثْلُ الأَوَّلِ، وَأَنَّهُ بِالقِيَاسِ.
الثَّالِثَةُ: قِيلَ: فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ تَنْبِيهِ مَن لَيسَ فِي الصَّلاةِ لِمَنْ هُوَ فِيهَا. وَأَنْ يَفْتحَ عَلَيهِ. كَذَا ذَكَرَهُ القَاضِي عِيَاضٌ رَحِمَهُ اللهُ. وَفِي اسْتِدْلالِهِ عَلَى جَوَازِ أَنْ يَفْتَحَ عَلَيهِ مُطْلَقاً نَظَرٌ. لأنَّ هَذَا المُخْبِرَ عَن تَحْوِيلِ القِبْلَةِ مُخْبِرٌ عَن وَاجِبٍ، أو آمِرٌ بِتَرْكِ مَمْنُوعٍ. وَمَن يَفْتَحُ عَلَى غَيْرِهِ لَيْسَ كَذَلكَ مُطْلقاً. فَلا يُسَاوِيهِ، وَلا يَلْحَقُ بِهِ. هَذَا إذَا كَانَ الفَتْحُ فِي غَيْرِ الفَاتِحَةِ.
الرَّابِعَةُ: قِيلَ: فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ الاجْتِهَادِ فِي القِبْلَةِ، وَمُرَاعَاةِ السَّمْتِ لأنَّهُمْ اسْتَدَارُوا إِلى جِهَةِ الكَعْبَةِ لأَوَّلِ وَهْلَةٍ فِي الصَّلاةِ قَبلَ قَطْعِهِمْ عَلَى مَوضِعِ عَينِهَا.
الخَامِسَةُ: قَد يُؤَخُذُ مِنْهُ أنَّ مَن صلَّى إلى غَيرِ القِبْلَةِ بِالاجْتِهَادِ، ثُمَّ تَبَيَّنَ لَهُ الخَطَأُ: أَنَّهُ لا يَلْزَمُهُ الإِعَادَةُ. لأنَّهُ فَعَلَ مَا وَجَبَ عَلَيهِ فِي ظَنِّهِ، مَعَ مُخَالَفَةِ الحُكْمِ فِي نَفْسِ الأمْرِ، كَمَا أَنَّ أَهْلَ قُبَاءَ فَعَلُوا مَا وَجَبَ عَلَيْهِم عِنْدَ ظَنِّهِمْ بَقَاءَ الأَمْرِ. وَلَمْ يَفْسُدْ فِعْلُهُمْ، وَلا أُمِرُوا بِالإِعَادَةِ.
السَّادِسَةُ: قَالَ الطَّحَاوِيُّ: فِي هَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مَن لَمْ يَعْلَمْ بِفَرْضِ اللهِ تَعالى وَلَم تَبْلُغْهُ الدَّعْوَةُ، ولا أمْكَنَهُ اسْتِعْلامُ ذَلكَ مِن غَيْرِه، فَالفَرْضُ غَيرُ لازمٍ لَهُ، وَالحُجَّةُ غَيْرُ قَائِمَةٍ عَليهِ. وَرَكَّبَ بَعْضُ النَّاسِ عَلَى هَذَا مَسْأَلَةَ مَن أَسْلَمَ فِي دَارِ الحَرْبِ، أَو أَطْرَافِ بِلادِ الإسْلامِ، حَيثُ لا يَجِدُ مَن يَسْتَعْلِمُهُ عَن شَرَائعِ الإسْلامِ: هَل يَجِبُ عَلَيهِ أَنْ يَقْضِيَ مَا مَرَّ مِن صَلاةٍ وَصِيامٍ، لَم يَعْلَمْ وُجُوبَهُمَا؟ وَحُكِيَ عَن مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ إِلْزَامُهُ ذَلِكُ - أو مَا هَذَا مَعْنَاهُ - لِقُدْرَتِهِ عَلَى الاسْتِعْلامِ وَالبَحْثِ، وَالخُرُوجِ لِذلكَ. وهَذَا أيضاً يَرْجِعُ إلى القِياسِ. واللهُ أعْلمُ.
وَقَولُهُ فِي الحَدِيثِ: وَقدْ أُمِرَ أنْ يَسْتَقْبِلَ القِبْلَةَ فَاسْتَقْبِلُوهَا. يُرْوَى بِكَسْرِ البَاءِ عَلَى الأمْرِ، ويُرْوَى: فاستقبَلُوهَا , بِفَتْحِهَا عَلَى الخَبَرِ.

70 - الحَدِيثُ الثَّالِثُ:
عَنْ أَنَسِ بنِ سِيرينَ قالَ: اسْتَقْبَلْنَا أَنَساً حِينَ قَدِمَ مِن الشَّامِ، فَلَقينَاهُ بِعَيْنِ التَّمْرِ، فَرَأَيْتُهُ يُصَلِّي عَلَى حِمَارٍ، وَوَجْهُهُ مِن ذَا الجَانِبِ - يَعْنِي عَن يَسَارِ القِبْلَةِ - فَقُلْتُ: رَأَيْتُكَ تُصَلِّي لِغَيْرِ القِبْلَةِ؟ فَقَالَ: لَوْلا أَنِّي رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَفْعَلُهُ مَا فَعَلْتُهُ.

الحَدِيثُ يَدُّلُّ عَلَى جَوَازِ النَّافِلَةِ عَلَى الدَّابَّةِ إِلَى غَيرِ القِبْلَةِ. وَهُو كَمَا تَقَدَّمَ فِي حَدِيثِ ابنِ عُمَرَ. وَلَيسَ فِي هَذَا الحَدِيثِ إِلاَّ زِيَادَةُ: أَنَّهُ عَلَى حِمَارٍ. فَقَد يُؤخَذُ مِنْهُ طَهَارَتُهُ. لأنَّ مُلامَسَتَهُ مَع التَّحَرُّزِ عَنْهُ مُتَعَذِّرَةٌ؛ لاسِيَّمَا إِذَا طَالَ زَمَنُ رُكُوبِهِ، فَاحْتَمَلَ العرقَ. وَإِنْ كَانَ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ عَلَى حَائلٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ.
وَقَولُهُ: مِن الشَّأمِ هُوَ الصَّوابُ فِي هَذَا المَوضِعِ. وَوَقَعَ فِي كِتَابِ مُسْلِمٍ ((حِينَ قَدِمَ الشَّامَ)) وقالُوا: هُوَ وَهْمٌ، وَإنَّمَا خَرَجُوا مِن البَصْرَةِ لِيَتَلَقَّوهُ مِن الشَّامِ.
وَقَولُهُ: (( رَأيْتُكَ تُصَلِّي إلى غَيرِ القِبلَةِ. فَقَالَ: لَولا أنِّي رَأَيتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَفْعَلُهُ مَا فَعَلْتُهُ )) إِنَّمَا يَعُودُ إِلى الصَّلاةِ إِلَى غَيْرِ القِبْلَةِ فَقَطْ. وَهُوَ الَّذِي سُئِلَ عَنْهُ، لا إِلى غَيرِ ذَلِكَ مِن هَيْئَتِهِ. واللهُ أعلمُ.
وَرَاوِي هَذَا الحَديثِ عَن أَنَسِ بنِ مَالِكٍ: أَبُو حَمْزَةَ أَنَسُ بنُ سِيرينَ، أَخُو مُحَمَّدِ بنِ سِيرينَ، مَوْلَى أَنَسِ بنِ مَالكٍ. وَيُقَالُ: إنَّهُ لَمَّا وُلِدَ ذُهِبَ بِهِ إِلَى أَنَسِ بنِ مَالِكٍ. فَسَمَّاهُ أنساً، وَكَنَّاهُ بِأبِي حَمْزَةَ بِاسْمِهِ وَكُنْيَتِهِ. مُتَّفَقٌ عَلَى الاحْتِجَاجِ بِحَدِيثهِ. مَاتَ بَعْدَ أَخِيهِ مُحَمَّدٍ. وَكَانَتْ وَفَاةُ أَخِيهِ مُحَمَّدٍ سَنَةَ عَشْرٍ وَمِائةٍ.


  #7  
قديم 11 ذو القعدة 1429هـ/9-11-2008م, 09:25 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي شرح عمدة الأحكام لسماحة الشيخ: عبد العزيز بن عبد الله ابن باز (مفرغ)

لا يوجد شرح له في أشرطة الشيخ

  #8  
قديم 16 ذو الحجة 1429هـ/14-12-2008م, 06:52 PM
حفيدة بني عامر حفيدة بني عامر غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: بلاد الحرمين .
المشاركات: 2,423
افتراضي شرح عمدة الأحكام للشيخ: عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين (مفرغ)

باب استقبال القبلة

عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يسبح على ظهر راحلته، حيث كان وجهه يومئ برأسه، وكان ابن عمر رضي الله عنه يفعله. وفي رواية: كان يوتر على بعيره.
ولمسلم: غير أنه لا يصلي عليها المكتوبة. وللبخاري: إلا الفرائض.
وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: بينما الناس بقباء في صلاة الصبح إذ جاءهم آت فقال: إن النبي صلى الله عليه وسلم قد أنزل عليه الليلة قرآن، وقد أمر أن يستقبل الكعبة فاستقبلوها، وكانت وجوههم إلى الشام فاستداروا إلى الكعبة.
وعن أنس بن سيرين قال: استقبلنا أنسًا حين قدم من الشام فلقيناه بعين التمر، فرأيته يصلي على حمار ووجهه من ذا الجانب، يعني عن يسار القبلة، فقلت: رأيتك تصلي لغير القبلة، فقال: لولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعله ما فعلته.

الشيخ:...الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه.
استقبال القبلة شرط من شروط الصلاة، دل عليه القرآن، قال تعالى: {فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} يعني إذا أردت الصلاة {وحيثما كنتم فولوا وجوهكم شطره} أمر الله باستقبال البيت الحرام في هذه الصورة في ثلاث آيات، وكرر ذلك للتأكيد، وقد كان صلى الله عليه وسلم لما فرضت عليه الصلاة وهو بمكة كان يستقبل الكعبة ويستقبل بيت المقدس، يجعل الكعبة بينه وبين بيت المقدس؛ وذلك لأن بيت المقدس قبلة الأنبياء من بني إسرائيل، والكعبة قبلة أبينا إبراهيم.
ولما هاجر أُذن له بأن يستقبل بيت المقدس؛ تأليفًا وبيانًا أنه على ملة الأنبياء قبله، ولكن بعد أن مضى عليه ستة عشر شهرًا أو سبعة عشر شهرًا ولم يفد ذلك في تأليف بني إسرائيل ولم يزدهم إلا عصيانًا وتمردًا أعاده الله ورجعه إلى قبلة أبيه إبراهيم، فقال تعالى: {سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلاَّهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ}، لما تولى الكعبة وترك القبلة الأولى استنكر ذلك السفهاء والمنافقون واليهود ونحوهم، فأمر الله نبيه بأن يخبرهم بأن له المشرق والمغرب، {لله المشرق والمغرب يهدي من يشاء} فأمره بأن يستقبل الكعبة التي هي بيت الله.
ولا شك أن استقبالها فيه تعظيم لتلك الكعبة ولتلك المناسك، وبيانًا لأهميتها وحث للناس على أن يأتوا إليها ويتعبدوا بالعبادات التي لا تصح إلا بها من الحج والعمرة والطواف والاعتكاف ونحو ذلك.
المسلمون يستقبلون الكعبة في أية مكان وفي أية قطر من أقطار الأرض، يتوجهون في صلواتهم كل يوم خمس مرات في الفرائض وما شاء الله في النوافل، ويستقبلون هذه الكعبة، ولا شك أن هذا الاستقبال يحفز هممهم ويشوقهم ويبعث اشتياقهم إلى تلك الرحاب، حيث أنهم إذا كانت هي قبلتهم انبعثت الهمم على أن ينظروا إليها، وعلى أن يأتوا إليها رجالاً وركبانًا، ليقرأوا وليتعبدوا وليقيموا العبادات التي يتعبد بها هناك.
والحاصل أن استقبال الكعبة واجب وشرط من شروط الصلاة، فأما في الفرائض فلابد من استقبال الكعبة، أي استقبالها، إن كان قريبًا فلا بد أن يصيب عينها، وإن كان بعيدًا اكتفى بجهتها، أي يستقبل جهتها.
وأما النافلة فإن أمرها أخف، فله والحال هذه أن يصلي وهو راكب ويتنفل ولو كان وجهه لغير القبلة؛ حرصًا من الشارع على أن يكثر الناس من النوافل وألا يعوقهم عنها عائق؛ وذلك لأن الإنسان قد يكثر سفره، وقد تطول مدة سفره، فينقطع عن النوافل مدة؛ وذلك لعدم تمكنه لكثرة مسيره وكثرة قفوله، فهو دائمًا راكب أو ماش على الراحلة أو نحو ذلك، فلو منع من التنفل إلا مستقبلاً القبلة لانقطع عن كثير من النوافل، فلا جرم أبيح أن يصلي على الراحلة، ولو لم يأتي بالأركان كلها، ولو لم يأتي بالشروط كلها. ونكمل بعد الأذان.
قد جعل العلماء استقبال القبلة من شروط الصلاة التي لا تصح إلا بها، فإن كانت فريضة فلابد أن يستقبلها بكل جسده، إما أن يستقبل عينها إذا تمكن، وإما أن يستقبل الجهة، جهتها؛ لأنه قد روي أنه صلى الله عليه وسلم قال: ((ما بين المشرق والمغرب قبلة)) يخاطب أهل لمدينة، وكانت قبلتهم في جهة الجنوب، فيقول: ما بين الشرق والغرب كله قبلة لكم، أي: هذا الجانب الجنوبي، ولو ملتم يمينًا أو يسارًا فأنتم قد استقبلتم جهة الكعبة، فأنتم على خير.
نقول : في هذه البلاد ما بين الشمال والجنوب أيضًا قبلة، ولو قدر أنهما على يمين أو يسارا، وإن كان الأفضل أن يستقبل الشطر للآية {شطر المسجد الحرام}. ثم النافلة التي يخفف فيها ويسقط فيها الاستقبال يدخل فيها الرواتب التي تصلى قبل الفرائض وبعدها، ويدخل فيها صلاة التهجد لمن يريد أن يتهجد بالليل وهو مسافر، ويدخل فيها صلاة الوتر وصلاة الضحى ونحوها من النوافل، يصح أن يصليها على راحلته ولو كان وجهه لغير القبلة؛ وذلك لأنه قد يسير إلى جهة مخالف للقبلة، قد تكون القبلة خلف ظهره.
إذا توجه مثلا جهة الشرق في هذه البلاد إلى الأحساء مثلا أو إلى البحرين أو إلى الهند أو السند أو نحو ذلك صارت الكعبة وراءه، فيصلي على جهته، إذا توجه إلى الجنوب إلى نجران أو إلى اليمن ونحوه صارت القبلة عن يمينه فيصلي إلى جهته التي هو سائر إليها.
وهكذا إذا توجه للشمال، كما لو توجه للعراق أو ما وراءه ، صارت القبلة عن يساره، فيصلي إلى جهته.
وذكر بعض العلماء أنه يستحب أن يستقبل القبلة في الاستفتاح ، ولكن لم يرد دليل، بل الظاهر أنه يجوز أن يستقبل جهته من أول صلاته، يستفتح ويكبر ويركع ويسجد وهو إلى تلك الجهة، وكل ذلك لأجل الاغتنام...

الوجـه الثانـي

...حتى يكثر من النوافل، حتى يغتنم نوافل الصلوات ولا تفوته؛ لأنه لو اشترط أن يستقبلها لما تمكن؛ وذلك لأنه مجد السير أكثر وقته، ولأنه قد يتعب إذا نزل، إذا نزل وقد سار عشر ساعات على البعير مثلا متوالية أو أكثر أو أقل نزل وقد أجهده السير وقد أتعب تعبًا كثيرا، فيتمنى الأرض أن يضطجع عليها ولا يتمكن من التهجد، ولا من الإتيان بالنوافل ونحو ذلك، فلا جرم أمر..أو أبيح له أن يكثر من النوافل وهو راكب على دابته.
في هذه الأزمنة قد يقال: إن الأمر فيه شيء من التحسن وفيه شيء من التغير؛ وذلك أولاً: قرب المسافات وقلة المدة التي يقطعها المسافر وهو سائر مجد، فإنه قد يواصل سيره مثلاً خمس ساعات أو أقل أو أكثر، ولكن مع ذلك ليست عليه المشقة التي يلاقيها وهو راكب للدابة كالحمار والبعير.
كذلك أيضًا قد يريح نفسه إذا سار ساعتين أو ثلاث ساعات متواصلة، يقف ويريح نفسه، يتمكن في وقوفه من أن يتنفل أو نحو ذلك، ومع ذلك فلا نحرمه إذا أراد أن يتنفل إذا كان مستعجلاً، فيجوز لك إذا كنت سائرا إلى مكة مثلاً أو إلى الأحساء وما أنت مستعجل أن تصلي الفريضة على الأرض مطمئنًا، ثم تركب سيارتك أنت ورفقتك وتأتوا بالنوافل وأنتم راكبون، ولو كانت وجوهكم لغير القبلة، لو كانت القبلة خلفكم أو عن يمين أو عن يسار، وحيئذ تتمكنون من الإحرام، تكبرون ثم يقرأ الراكب ويركع، يومئ بالركوع حيث أنه قد لا يستطيع أن يركع قائما، ويومئ بالسجود ويجعل سجوده أخفض من ركوعه.
هكذا كانت صلاة النبي صلى الله عليه وسلم على الراحلة، لا يتمكن من القيام ولا من الركوع ولا من السجود، وإنما يتمكن من التحريم والتسليم، ويقرأ ويسبح ويحرك يديه ويضعهما على صدره في حالة القيام، وعلى ركبتيه في حالة الركوع، وعلى رحله في حالة السجود، وعلى فخده في حالة الجلسة بين السجدتين أو التشهد أو ما أشبه ذلك؛ تشبهًا بالصلاة، فهكذا أيضًا إذا كان راكبًا سيارة أو نحوها.
أما إذا كان راكبًا في قطار فالقطار قد يكون أمره أسهل، وكذا إذا كان راكبًا في اخرة أو في سفينة فإن فيها شيء من التوسعة؛ وذلك لأنه غالبًا يتمكن من الوقوف، قد يتمكن من استقبال القبلة راكب الباخرة ونحوها ويتمكن من الاستدارة نحو القبلة إن استدارت الباخرة أو انحرفت يمينًا أو يسارًا، فنقول: متى قدرت على استقبال القبلة فأت به، ائت منه بما تستطيع، وإذا شق ذلك عليك وخشيت مثلاً من القيام دورانًا أو سقوطًا، إذا مرت بها أمواج كالسفن مثلاً أو مر القطار بانحرافات أو منعرجات أو نحو ذلك مما يكون فيه شيء من الحركة فلك أن تصلي جالسًا، ولو لغير القبلة، وإن استطعت استقبال القبلة فاستقبلها مهما تستطيع.
أما راكب الطائرة ونحوها من المراكب الجوية، فمعلوم أيضًا أنه قد يحتاج إلى أن يتنفل، يعني قد تطول، تطول المدة في بعض الأحيان، بداخل المملكة قد لا تطول أكثر من ساعة ونصف أو نحوها، ولكن خارج المملكة قد يتمادى بهم السير سبع ساعات أو عشر ساعات متواصلة، كما في بعض الرحلات الطويلة، ففي هذه الحال قد يأتي عليه شيء من الحاجة إلى التنفل، فيتنفل وهو على كرسيه، ولو لغير القبلة.
أما الفرائض فقد سمعنا أنه صلى الله عليه وسلم لا يصليها إلا على الأرض، لا يصليها على الراحلة؛ وذلك لأهميتها ولأنه لابد من استقبال القبلة فيها، فينزل ويصليها بأصحابه جماعة، ويصفهم خلفه صفوفًا.
يشتكي كثير من الذين يرحلون في الطائرة ويستمر سيرهم ساعات أنه قد يدخل عليهم الوقت ويخرج وهم في رحلة واحدة، فيفتيهم المشايخ ويقولون: إذا كان الوقت متسعًا فأخر الأولى إلى أن تنزل، كما لو رحلت في الضحى مثلا ودخل عليك وقت الظهر ولم تستطع وخشيت أن يفوت، فأخره إلى العصر. ولو نزلت مثلاً في آخر النهار أي في الساعة الحادية عشر أو نحوها، يعني ما بقي من الليل إلا ساعة أو نصف ساعة - أمكنك أن تصلي قبل الغروب فتجمع الوقتيين في وقت واحد، تؤخر الظهر ولا إلى أن تنزل، إذا كنت تعرف أنك تنزل قبل غروب الشمس فأخر الظهر وصلها مع العصر قبل أن تغرب الشمس.
وهكذا إذا دخل عليك وقت الظهر وأنت تعرف أنك ستستمر خمس ساعات أو نحوها جاز لك أن تصلي الظهر وتقدم معه العصر قبل الرحلة، ثم بعد ذلك تواصل السير، إذا دخل عليك وقت المغرب وأنت سائر فلك أن تؤخره وتجعله مع العشاء، ولو لم تنزل إلا قبيل الفجر، فإن وقت المغرب والعشاء لا يخرج ولا ينتهي إلا بطلوع الفجر الثاني، أي بطلوع ضياء الصبح، فإذن لو لم تصله إلا بعد ما بقي على الفجر ساعة أو نصف ساعة نزلت وصليت العشاءين، أجزأك ذلك إن شاء الله؛ وذلك لأنك أدركت الوقت أو آخره فهو أولى من كونك تصلي على السرير.
أما إذا خشيت خروج الوقت كالصبح، الصبح وقتها ضيق، يعني من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس ففي هذه الحال لك أن تصليها، إن وجدت متسعًا في الطائرة تصلي وأنت على تؤدة قائم وتركع وتسجد فافعل، وإن لم تجد فصلي ولو كنت على كرسيك جالسا وأومئ واستقبل ما أنت مستقبل له؛ وذلك اغتنامًا للوقت حتى لا يخرج وأنت لم تؤد؛ لأن اغتنام الوقت، الوقت شرط، والشرط يقدم على الأركان، التي منها مثلاً الركوع والسجود وما أشبه ذلك. كل ذلك حرصًا على إيقاع الصلاة في وقتها والإتيان بها على هيأتها، دون أن يختل شيء منها، وذلك لعظمها، أي شأن هذه الصلاة والمحافظة عليها.

أما حديث ابن عمر في قصة أهل قباء، فقد ذكر فيه أنه كان النبي عليه الصلاة والسلام لما قدم المدينة استقبل الشام قبلة أنبياء بني إسرائيل وبقي كذلك ستة عشر شهراً أو سبعة عشر، حتى اشتاق إلى أن يستقبل الكعبة، فلما اشتاق لذلك أخذ يقلب بصره فقال الله تعالى: {قد نرى تقلب وجهك في السماء} يعني انتظارا لمجيء الوحي الذي يتضمن صرفك إلى القبلة
فقال: {قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها}، فنزلت عليه هذه الآيات في الليل، فأخبر صحابته بأن هذا أمر من الله وأنه أمرنا بأن نستقبل الكعبة بدل ما كنا نستقبل بيت المقدس.
أهل قباء مكانهم ناء، جاءهم آتٍ بعد ما كبروا، ما جاءهم الخبر إلا بعد ما كبروا، يمكن أنهم صلوا بعض الصلاة أو لم يصلوا بعضها. في أثناء الصلاة كلمهم ذلك المتكلم وقال: إن النبي صلى الله عليه وسلم قد أنزل عليه الليلة قرآن، وقد أمر أن يستقبل الكعبة فاستقبلوها. كانت وجوههم إلى جهة الشام فاستداروا كما هم، يمشون وإمامهم يمشي معهم، واستداروا إلى أن أصبحت وجوههم إلى جهة الجنوب، هذا عمل، عمل كثير، وبالأخص الإمام، فإنه صار وهو قدامهم وهم ينحرفون إلى أن صارت وجوههم إلى جهة الجنوب، الذي كان في طرف الصف من جهة الشرق أصبح في طرف الصف من جهة الغرب، والإمام بدلاً مما كان قدامهم وهم إلى الشام أصبح قدامهم وهم إلى الجنوب إلى جهة اليمن.
هذه الحركات لم يعتبروها مبطلة للصلاة؛ وذلك اغتنامًا منهم لإيقاع الصلاة كلها كما أمر الله، انحرفوا وقد كانوا على قبلة متحققين بها وعملوا بذلك الخبر. فالحاصل أن هذا دليل على أن آيات القبلة نزلت، وأن المسلمين عملوا بها، وأنهم بادروا إليها ولم يتخلوا، وأن استقبال القبلة واجب على المصلين في فرائضهم ونوافلهم، إلا أنه يخفف في *[الفرائض] إذا كان الإنسان راكبًا؛ وذلك اغتنامًا لكثرة العبادة والتنفل منها. بقية الوقت للأسئلة.

______________
* لعله أراد: النوافل .



موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
استقبال, باب

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 12:22 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir