رسالة تفسيرية في قوله تعالى ):إِیَّاكَ نَعۡبُدُ وَإِیَّاكَ نَسۡتَعِینُ(
بالأسلوب البياني.
هنا إقرار بالتوحيد، فلا نعبدك غيرك ولا نستعين إلا بك.
فبعد أن حمد العبد ربه وأتم ذلك، يتوجه له بالإخلاص في العبادة لأنه المستحق أن يعبد وحده، فلا نعبد سواك ولا نستعين بغيرك.
وهنا نلاحظ تغير أسلوب الخطاب ، وهذا يسمى أسلوب الإلتفات، فبعد أن كان الكلام بطريق الغائب، انتقل الخطاب إلى أسلوب المخاطب، ولعل ذلك يثير انتباه القارئ ويجذب انتباهه.
وأسلوب الألتفات من الأساليب البلاغية البديعة في علم نظم الكلام .
وتنوع الأساليب يوحي لك ببلاغة القرآن الذي هو وحي من الله ، تحدى به العرب أهل اللغة والفصاحة.
ولعلنا نلاحظ أسلوب الحصر في تقديم المعمول ( إياك) على الفعل ( نعبد) و (نستعين)
فغاية ذلك الحصر، كأنه يقول نعبدك ولا نعبد سواك، ونستعين بك، ولا نستعين بسواك.
ولأبي حيان قول في التقديم قال: وإنما يكون التقديم للإهتمام والعناية بالمعمول.
فلما ذكر الله أن الحمد لله المتصف بصفات الربوبية والكمال والملك، أقبل الحامد لله مقرا بحمد الله منه ومن غيره، لذلك جاء التعبير بالجمع وليس بالإفراد ( نعبد ) ( نستعين)
فكلنا نعبدك وحدك ونخضع لك ونستعين بك.
فالعبادة أصلها: التذلل والخضوع
والاستعانة : هي طلب العون
وقد قرنت هنا الاستعانة بالعبادة ، ليجمع بين ما يتقرّب به العباد إلى ربهم وبين ما يطلبونه ويحتاجون إليه من جهته.
وقد يسأل سائل لما قدمت العبادة على الاستعانة ؟
لأنّ تقديم الوسيلة قبل طلب الحاجة ليستوجبوا الإجابة إليها
ونلاحظ إطلاق الإستعانة هنا وذلك لإرادة العموم، فيكون المقصود كل ما يستعان فيه.
وهذه الأية العظيمة بلاغتها، تعلمنا أن أهل السعادة حقا هم من حققوا العبودية الحقة مستعين بالله، فيكون جزاءهم الهداية إلى الصراط المستقيم.