بسم الله الرحمن الرحيم
مجلس الجزء الأول من تفسير جزء تبارك
سورة الملك والقلم
السؤال العام:
1. (عامّ لجميع الطلاب)
اذكر الفوائد السلوكية التي استفدتها من دراستك لقصّة أصحاب الجنة، مع الاستدلال لما تقول.- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، ما نقص مال من صدقة، فأكرم الله صاحب الجنة بالخير الكثير لتصدقه على المساكين، فالتجارة مع الله لا تبور.
- إن من منع رزق الله عن المساكين خشية انتقاص رزقه، سيمليه الله ثم يعاقبه بأخذ الرزق الذي منعه، فيحبس عنه كما حبسه عن المساكين. فَانْطَلَقُوا وَهُمْ يَتَخَافَتُونَ (23) أَنْ لَا يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ عَلَيْكُمْ مِسْكِينٌ
- فكان عقابهم: فَطَافَ عَلَيْهَا طَائِفٌ مِنْ رَبِّكَ وَهُمْ نَائِمُونَ (19) فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ
- إن أخذ الله شديد، فليحذر الإنسان من كيد ربه. كَذَلِكَ الْعَذَابُ وَلَعَذَابُ الْآَخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ
- أن الإنسام ظالم لنفسه، وأن الله لا يعذب أحد إلا بذنب اقترفه. (قَالُوا سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ)
- عدم اليأس من رحمة الله والرجاء في عفوه وكرمه والانابة اليه بالتوبة (عَسَى رَبُّنَا أَنْ يُبْدِلَنَا خَيْرًا مِنْهَا إِنَّا إِلَى رَبِّنَا رَاغِبُونَ
المجموعة الثالثة:
1. فسّر قوله تعالى:
{فَذَرْنِي وَمَنْ يُكَذِّبُ بِهَذَا الْحَدِيثِ سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ (44) وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ (45) أَمْ تَسْأَلُهُمْ أَجْرًا فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ (46) أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ (47)}.
في هذه الآيات الكريمة يتوعد الله المكذبين بالقرآن بالعذاب الشديد، والانتقام القوي، حيث يبين الله لنبيه الكريم أنه سيستدرجهم بأن يمنحهم الراحة والسعادة، فيظنون أنهم على خير، ثم يعاقبهم، جزاء بإنكارهم وتكذيبهم للقرآن العظيم، لأن الرسول كان يدعوهم لمصلحتهم ولم يبتغي منهم أجرا، بل كانوا يتجرأون بأن يكتبوا ما يريدون ويجيبوا على النبي صلى الله عليه وسلم مما كتبته أيديهم.
وفي تفصيل الآيات:
تفسير قوله تعالى: فَذَرْنِي وَمَنْ يُكَذِّبُ بِهَذَا الْحَدِيثِ سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ (44)
يطلب الله من نبيه الكريم أن لا شنغل بالمكذبين بالقرآن، وأن يترك أمرهم لله، بأنه سيستدرجهم درجة درجة، ويزيدهم مما هم فيه من الغي والأموال حتى يظنون أنها كرامة ورضى من الله، حتى يأخذهم بغتة، فيعاقبهم عقاباً شديداً نكالا بما كذبوا، وذكر ذلك في غير موضع من القرآن الكريم كما في سورة المؤمنون، حيث قال تعالى: (أيحسبون أنّما نمدّهم به من مالٍ وبنين نسارع لهم في الخيرات بل لا يشعرون)
تفسير قوله تعالى: (وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ (45) )
قد فسرت هذه الآية بحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال: "إنّ اللّه تعالى ليملي للظّالم، حتّى إذا أخذه لم يفلته". ثمّ قرأ: {وكذلك أخذ ربّك إذا أخذ القرى وهي ظالمةٌ إنّ أخذه أليمٌ شديدٌ} [هودٍ: 102]
وبها نجد أن الله يملي المكذبين والظالمين ويمهلهم ويؤخرهم ليزدادوا إثما، وهذا من كيد الله لهم، فكيد الله لأعدائه شديد بالغ في ضره فيعذبهم عذابا شديدا
تفسير قوله تعالى: (أَمْ تَسْأَلُهُمْ أَجْرًا فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ (46) )
خاطب الله نبيه وقال له أنك لم تدعهم إلى القرآن والدين الإسلامي لأنك تبتغي منهم أجرا ومغرم قد يثقل عليهم، بل أنت دعوتهم لأن في ذلك مصلحة لهم ولأنفسهم، مبتغيا بذلك أجرا وثوابا من اللّه، لكنهم كذبوك وكذبوا ما جئت به ونفروا عنك ولم يصدقوك بلا سبب يذكر، أنما لمجرد العناد والجهل.
تفسير قوله تعالى: (أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ (47) )
يستنكر فعلهم هنا بأن قال الله لنبيه الكريم: هل عندهم علم الغيب ليكتبوا ما كتبوه ويحكموا لأنفسهم ظنا منهم أنهم على حق وأن لهم ثوابا من عند الله، ليعرضوا عنك وعن دعوتك، فلا يستجيبوا لك؟ لكنهم الحال غير هذا لذلك طلب من نبيه أن يترك أمرهم له وليصبر عليهم ويستمر بدعوتهم كما قال تعالى: ( واصبر لحكم ربك)، لتكون الحجة عليهم أبلغ، وتكون عاقبتهم أعظم وأشد.
***********************************
2. حرّر القول في كل من:
أ: المراد بالقلم في قوله تعالى: {ن والقلم وما يسطرون}.
اختلف في المراد به على قولين:
الأول: أنه جنس القلم الذي يكتب به، ودليله قول الله تعالى: (اقرأ وربك الأكرم الذي علم بالقلم). وبه قال ابن جرير في رواية عن ابن عباس رضي الله عنهما، ومجاهد وقتادة. ذكره ابن كثير والسعدي والأشقر.
الثاني: المراد القلم الذي أجراه اللّه بالقدر حين كتب مقادير الخلائق قبل أن يخلق السموات والأرضين بخمسين ألف سنةٍ.
وذكر ابن كثير أحاديث كثيرة في هذا المراد، ومنها قال ابن كثير:
حدّثنا أبو سعيد بن يحيى بن سعيدٍ القطّان ويونس بن حبيبٍ قالا حدّثنا أبو داود الطّيالسيّ، حدّثنا عبد الواحد بن سليم السّلميّ، عن عطاءٍ ابن أبي رباح، حدّثني الوليد بن عبادة بن الصّامت قال: دعاني أبي حين حضره الموت فقال: إنّي سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقول: "إنّ أوّل ما خلق اللّه القلم، فقال له: اكتب. قال: يا ربّ وما أكتب؟ قال: اكتب القدر [ما كان] وما هو كائنٌ إلى الأبد".
وهذا الحديث قد رواه الإمام أحمد من طرقٍ، عن الوليد بن عبادة، عن أبيه، به وأخرجه التّرمذيّ من حديث أبي داود الطّيالسيّ، به وقال: حسنٌ صحيحٌ غريبٌ.
ب: معنى قوله تعالى: {سنسمه على الخرطوم}.
تفسير قوله تعالى: (سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ (16) )
توعد الله بمن أى الصفات السابقة للأية (فلا تطع المكذبين... أساطير الأولين) بأنه سيميزهم بعلامة بارزة حتى آخر ما يكون وهي علامة في وجهه لن تفارقه وسيعرف بها
فلا تخفى على أحد، وهذه العلامة في الوجه، واختلف على تحديد مكانها كالتالي:
الأول: علامة على الأنف، وبه قال قتادة والسدي. ذكره ابن كثير والأشقر
الثاني: اسوداد الوجه يوم القيامة، وبه قال ابن جرير. ذكره ابن كثير والسعدي والأشقر.
الثالث: الشفتين: وفيه حديث عن ابن أبي حاتمٍ في سورة {عمّ يتساءلون} حدّثنا أبي، حدّثنا أبو صالحٍ كاتب اللّيث، حدّثني اللّيث حدّثني خالدٌ عن سعيدٍ، عن عبد الملك بن عبد اللّه، عن عيسى بن هلالٍ الصّدفيّ، عن عبد اللّه بن عمرٍو، عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أنّه قال: "إنّ العبد يكتب مؤمنًا أحقابًا ثمّ أحقابًا ثمّ يموت واللّه عليه ساخطٌ. وإنّ العبد يكتب كافرًا أحقابًا ثمّ أحقابًا، ثمّ يموت واللّه عليه راضٍ. ومن مات همّازًا لمّازًا ملقّبا للناس، كان علامته يوم القيامة أن يسميه اللّه على الخرطوم، من كلا الشّفتين.
ذكره ابن كثير.
الرابع: أنه يكون في يوم بدر فيخطم بالسيف في القتال فتكون له علامة يوم القيامة يعرف بها، وبه قال ابن عباس. ذكره ابن كثير
وبالنظر إلى الأقوال السابقة فيمكن الجمع بينها بأنها علامة يميز بها المكذبين في وجههم ويعرفون بها ولا تفارقهم سواء كان حصل هذه العلامة يوم القيامة أو في معركة بدر وبقيت معه يوم القيامة. والله تعالى أعلم.
********************************
3. بيّن ما يلي:
أ: معنى خشية الله بالغيب.
قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ (12) )
فخشية الله في الغيب فيها قولان:
القول الأول: الخوف من مقام الله بين العبد وبين ربه في حال خلوته وفي علانيته. فيطيعه حيث لا يراه أحد إلا ربه، وتكون طاعته في السر كما طاعته في العلانية. ذكره ابن كثير والسعدي
وذكر ابن كثير حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم في مسند البزار : عن طالوت بن عبّادٍ، حدّثنا الحارث بن عبيدٍ، عن ثابتٍ، عن أنسٍ قال: قالوا: يا رسول اللّه، إنّا نكون عندك على حالٍ، فإذا فارقناك كنّا على غيره؟ قال: "كيف أنتم وربّكم؟ " قالوا: اللّه ربّنا في السّرّ والعلانية. قال: "ليس ذلكم النّفاق".
القول الثاني: من يخشون عذاب الله ولم يوه، فيؤمنوا به خوفا من عذابه. ذكره الأشقر.
ب: لم خصّ التوكل من بين سائر الأعمال وهو داخل في الإيمان، في قوله تعالى: {قل هو الرحمن آمنا به وعليه توكلنا}.
لأن الأعمال سواء كانت ظاهرة أو باطنة فإن وجودها وكمالها وصحتها متوقف على التوكل على الله وبه قال الله تعالى: (إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا وعلى ربهم يتوكلون) فختم الآيات بالتوكل بعد ذكر الإيمان، لأنه مدعاة لصحة الأعمال.
والله الموفق؛؛؛