دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > علوم الحديث الشريف > متون علوم الحديث الشريف > عمدة الأحكام > كتاب الصيام

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 10 ذو القعدة 1429هـ/8-11-2008م, 02:16 AM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,453
افتراضي باب أفضل الصيام وغيره

بَابُ أفضلِ الصِّيَامِ وغَيْرِهِ

عن عبدِ اللهِ بنِ عمرِو بنِ العَاصِ رَضِيَ اللهُ عنهُمَا قالَ: أُخْبِرَ النَّبِيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم أَنِّي أَقُولُ: وَاللهِ لأَصُومَنَّ النَّهَارَ، وَلأَقُومَنَّ اللَّيْلَ مَا عِشْتُ)) فَقُلتُ لَهُ: قَدْ قُلْتُهُ، بِأَبِي أنْتَ وَأُمِّي، قالَ: ((فإِنَّكَ لاَ تَسْتَطِيعُ ذَلِكَ، فَصُمْ وَأَفْطِرْ، وقُمْ وَنَمْ، وَصُمْ مِن الشَّهْرِ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ، فَإِنَّ الحَسَنَةَ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا، وَذَلِكَ مِثْلُ صِيَامِ الدَّهْرِ)) قلتُ: إِنِّي أُطِيقُ أَفْضَلَ مِن ذَلِكَ، قالَ: ((فَصُمْ يَوْمًا، وَأفْطِرْ يَوْمَيْن)) قلتُ: إِنِّي أُطِيقُ أَفْضَلَ مِن ذَلِكَ، قالَ: ((فَصُمْ يَوْمًا وَأَفْطِرْ يَوْمًا، فَذَلِكَ صِيَامُ دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ، وَهُوَ أَفْضَلُ الصِّيَامِ)) فقلتُ: إِنِّي أُطِيقُ أَفْضَلَ مِن ذَلِكَ. فقالَ: ((لاَ أَفْضَلَ مِن ذَلِكَ)).
وفي روايَةٍ قالَ: ((لاَ صَوْمَ فَوْقَ صَوْمِ دَاوُدَ - شَطْرَ الدَّهْر- صُمْ يَوْمًا وَأَفْطِرْ يَوْمًا)).
وعنهُ قالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم: ((إِنَّ أَحَبَّ الصِّيَامِ إِلَى اللهِ صِيَامُ دَاوُدَ، وَأَحَبَّ الصَّلاةِ إلى اللهِ صَلاَةُ دَاوُدَ، كانَ يَنَامُ نِصْفَ اللَّيْلِ، وَيَقُومُ ثُلُثَهُ، وَيَنَامُ سُدُسَهُ، وَكَانَ يَصُومُ يَوْمًا، وَيُفْطِرُ يَوْمًا)).
عن أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عنهُ قالَ: أَوْصَاني خَلِيلِي صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم بِثَلاَثٍ: صِيَامِ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ مِن كُلِّ شَهْرٍ، وَرَكْعَتَي الضُّحَى، وَأنْ أُوتِرَ قَبْلَ أنْ أنَامَ.
عن محمَّدِ بنِ عَبَّادِ بنِ جعفرٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ قالَ: سَأَلْتُ جَابِرَ بنَ عبدِ اللهِ، أَنَهى النَّبِيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم عَنْ صَوْمِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ؟ قالَ: نَعَمْ.
وزادَ مسلمٌ: ((وَرَبِّ الْكَعْبَةِ )).
عن أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عنهُ قالَ: سمعتُ النَّبِيَّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم يَقُولُ: ((لاَ يَصُومَنَّ أحَدُكُمْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، إِلاَّ أنْ يَصُومَ يَوْمًا قَبْلَهُ، أوْ يَوْمًا بَعْدَهُ)).
عن أبِي عُبَيْدٍ مَوْلَى ابنِ أزهرَ - واسمُهُ سعدُ بنُ عُبَيْدٍ- قالَ: شَهِدْتُ الْعِيدَ مَعَ عُمَرَ بنِ الخطَّابِ رَضِيَ اللهُ عنهُ، فقالَ: هَذَانِ يَوْمَانِ نَهَى رَسُولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم عَنْ صِيَامِهِمَا: يَوْمُ فِطْرِكُمْ مِن صِيامِكُمْ، وَالْيَوْمُ الآخَرُ: تَأْكُلُونَ فيه مِن نُسُكِكُمْ.
وعن أبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رَضِيَ اللهُ عنهُ قالَ: نَهَى رَسُولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم عَنْ صَوْمِ يَوْمَيْنِ: الْفِطْرِ وَالنَّحْرِ، وَعَنِ الصَّمَّاءِ، وَأَنْ يَحْتَبيَ الرَّجُلُ في ثَوْبٍ وَاحِدٍ، وَعَنِ الصَّلاةِ بَعْدَ الصُّبْحِ وَالْعَصْرِ.
أخرجهُ مسلمٌ بتمامِهِ. وأخرجَ البخاريُّ الصَّوْمَ فقطْ.‌‌‌
عن أبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رَضِيَ اللهُ عنهُ قالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم: ((مَن صَامَ يَوْمًا فِي سَبيلِ اللهِ بَعَّدَ اللهُ وَجْهَهُ عَنِ النَّارِ سَبْعِينَ خَريفًا)).

  #2  
قديم 13 ذو القعدة 1429هـ/11-11-2008م, 01:53 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي تصحيح العمدة للإمام بدر الدين الزركشي (النوع الأول: تصحيح الرواية)

حديثُ أبي سعيدٍ الْخُدْرِي قالَ : ( نَهَى رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ عن صومِ يومين ، الفِطْرِ والنَّحْرِ ) إلى قولِه : أَخْرَجَه مسلِمٌ بتَمَامِه وأَخرَجَ البخاريُّ الصومَ فقط . انتهى .
وهذا غريبٌ فقد أَخْرَجَه البخاريُّ بتَمامِه في هذا البابِ من صحيحِه وتَرجَمَ عليه : بابُ صومِ يومِ الفِطْرِ ثم قالَ عقيبه : بابُ الصومِ يومَ النحْرِ وذكَرَه أيضاً لكن بدونِ الصَّمَّاءِ والاحتباءِ وكأن المُصنِّفَ لم يَنظُرْ هذا وإنما نَظَرَه في بابِ ستْرِ العورةِ فإنه ذكَرَ طرَفاً منه بدونِ الصومِ والصلاةِ .

  #3  
قديم 13 ذو القعدة 1429هـ/11-11-2008م, 01:54 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي تصحيح العمدة للإمام بدر الدين الزركشي (النوع الثاني: التصحيح اللغوي)

قولُه : ((وَالْيَوْمُ الْآخَرُ تَأْكُلُونَ فِيهِ)) .
روايةُ ((يَوْمٌ تَأْكُلُونَ ))قالَ ابنُ السيِّدِ : وهو بتنوينِ يومٍ و((تَأْكُلُونَ)) في موضِعِ الصفةِ لليومِ قالَ : ومن رواه بإسقاطِ التنوينِ فقد أَخطأَ لأنه يكونُ مُضافاً إلى الجملةِ ولا يَجوزُ ذلك في هذا الموضِعِ لأن في الجملةِ ضميراً يعودُ إلى اليومِ فإذا أضافَ اليومَ إلى ما فيه ضميرٌ كان بمنزلةِ من قالَ : مَرَرْتُ برجلٍ حسَنٌ وجهُه بإضافةِ الشيءِ إلى نفسِه .

  #4  
قديم 13 ذو القعدة 1429هـ/11-11-2008م, 02:05 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي خلاصة الكلام للشيخ: عبد الله بن عبد الرحمن البسام

الْحَدِيثُ الحادي والتسعونَ بَعْدَ الْمِائَةِ
عنْ عبدِ اللَّهِ بنِ عمرِو بنِ العَاصِ رَضِيَ اللَّهُ عنهُمَا قالَ: ((أُخْبِرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنِّي أَقُولُ: وَاللَّهِ لأَصُومَنَّ النَّهَارَ، وَلأَقُومَنَّ اللَّيْلَ مَا عِشْتُ)) فَقُلتُ لَهُ: قَدْ قُلْتُهُ، بِأَبِي أنْتَ وَأُمِّي، قالَ: ((فإِنَّكَ لَا تَسْتَطِيعُ ذَلِكَ، فَصُمْ وَأَفْطِرْ، وقُمْ وَنَمْ، وَصُمْ مِن الشَّهْرِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ؛ فَإِنَّ الحَسَنَةَ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا، وَذَلِكَ مِثْلُ صِيَامِ الدَّهْرِ)) قلتُ: إِنِّي أُطِيقُ أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ، قالَ: ((فَصُمْ يَوْمًا وَأفْطِرْ يَوْمَيْن)) قلتُ: إِنِّي أُطِيقُ أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ، قالَ: ((فَصُمْ يَوْمًا وَأَفْطِرْ يَوْمًا، فَذَلِكَ صِيَامُ دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَهُوَ أَفْضَلُ الصِّيَامِ)) فقلتُ: إِنِّي أُطِيقُ أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ. فقالَ: ((لَا أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ)).
وفي روايَةٍ: قالَ: ((لَا صَوْمَ فَوْقَ صَوْمِ دَاوُدَ- شَطْرِ الدَّهْرِ- صُمْ يَوْمًا وَأَفْطِرْ يَوْمًا)).

فِيهِ مَسَائِلُ:
الأُولَى: اجتهادُ عبدِ اللَّهِ بنِ عمرٍو في العبادةِ، ومعرفةُ النبيِّ عَلَيْهِ السلامُ مَدَى قدرةِ الناسِ على العملِ.
الثَّانِيَةُ: أنَّ أفضلَ الصيامِ صيامُ يومٍ وفطرُ يومٍ.
الثَّالِثَةُ: كراهةُ صيامِ الدهرِ، (وسماحةُ) هذهِ الشريعةِ.

الْحَدِيثُ الثاني والتسعونَ بَعْدَ الْمِائَةِ
عنْ عبدِ اللَّهِ بنِ عمرِو بنِ العَاصِ رَضِيَ اللَّهُ عنهُمَا قالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((إِنَّ أَحَبَّ الصِّيَامِ إِلَى اللَّهِ، صِيَامُ دَاوُدَ، وَأَحَبَّ الصَّلاةِ إلى اللَّهِ صَلَاةُ دَاوُدَ، كانَ يَنَامُ نِصْفَ اللَّيْلِ وَيَقُومُ ثُلُثَهُ، وَيَنَامُ سُدُسَهُ، وَكَانَ يَصُومُ يَوْمًا، وَيُفْطِرُ يَوْمًا)).

فِيهِ مَسَائِلُ:
الأُولَى: أفضلُ الصيامِ صيامُ يومٍ وفطرُ يومٍ.
الثَّانِيَةُ: أفضلُ القيامِ أنْ يَنَامَ نصفَ الليلِ، ثمَّ يَقُومَ ثُلُثَهُ، ثمَّ يَنَامَ سُدُسَهُ.
الثَّالِثَةُ: أنَّ العبادةَ قسطٌ وعدلٌ، فلا يَغْفُلُ عنْ عبادةِ اللَّهِ، ولا (يهنك) (1) نَفْسَهُ فيها، ولْيُعْطِ كلَّ ذي حقٍّ حقَّهُ.

الْحَدِيثُ الثالثُ والتسعونَ بَعْدَ الْمِائَةِ
عنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عنهُ قالَ: ((أَوْصَاني خَلِيلِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِثَلَاثٍ: صِيَامِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ، وَرَكْعَتَي الضُّحَى، وَأنْ أُوتِرَ قَبْلَ أنْ أنَامَ)).

فِيهِ مَسَائِلُ:
الأُولَى: اسْتِحْبَابُ صيامِ ثلاثةِ أيامٍ منْ كلِّ شهرٍ، والأَوْلَى أنْ تكونَ الثالثَ عشرَ والرابعَ عشرَ والخامسَ عشرَ، وصلاةِ الضُّحَى وأَقَلُّهَا رَكْعَتَانِ، ومَنْ لم يَقُمْ آخرَ الليلِ فليُوتِرْ قبلَ أنْ ينامَ.

الْحَدِيثُ الرابعُ والتسعونَ بَعْدَ الْمِائَةِ
عنْ محمَّدِ بنِ عَبَّادِ بنِ جعفرٍ رَضِيَ اللَّهُ عنهُ قالَ: سَأَلْتُ جَابِرَ بنَ عبدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عنهُ ، أَنَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ صَوْمِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ؟ قالَ: نَعَمْ.
وزادَ مسلمٌ: ((وَرَبِّ الْكَعْبَةِ)).

الْحَدِيثُ الخامسُ والتسعونَ بَعْدَ الْمِائَةِ
عنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عنهُ قالَ: سمعتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: ((لَا يَصُومَنَّ أحَدُكُمْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، إِلَّا أنْ يَصُومَ يَوْمًا قَبْلَهُ، أوْ يَوْمًا بَعْدَهُ)).

فِيهِمَا مَسَائِلُ:
الأُولَى: النهيُ عنْ صومِ يومِ الجمعةِ، ويُحْمَلُ النهيُ على الكراهَةِ.
الثَّانِيَةُ: إباحةُ صومِ الجمعةِ إذا قُرِنَ بصيامٍ قبلَهُ أوْ بعدَهُ، أوْ صادفَ صَوْمًا مُعْتَادًا.

الْحَدِيثُ السادسُ والتسعونَ بَعْدَ الْمِائَةِ
عنْ أبِي عُبَيْدٍ مَوْلَى ابنِ أزهرَ- واسمُهُ سعدُ بنُ عُبَيْدٍ- قالَ: ((شَهِدْتُ الْعِيدَ مَعَ عُمَرَ بنِ الخطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عنهُ، فقالَ: هَذَانِ يَوْمَانِ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ صِيَامِهِمَا: يَوْمُ فِطْرِكُمْ مِنْ صِيامِكُمْ، وَالْيَوْمُ الآخَرُ: تَأْكُلُونَ فِيهِ مِنْ نُسُكِكُمْ)).

فِيهِ مَسَائِلُ:
الأُولَى: تحريمُ صومِ عيدِ الفطرِ وعيدِ الأضحى، وأنَّ صَوْمَهُمَا غيرُ منعقدٍ، فلا يَصِحُّ.
الثَّانِيَةُ: حكمةُ النهيِ عنْ صومِهِمَا، في الفطرِ هوَ تَمْيِيزُ رمضانَ عنْ شَوَّالٍ، وفي الأضحى؛ لأنَّهُ يومُ نُسُكٍ، فهوَ يومُ أكلٍ وشربٍ ويومُ ضيافةِ اللَّهِ لعبادِهِ، فليسَ من الأدبِ الإعراضُ عنْ ضيافةِ الكريمِ.

الْحَدِيثُ السابعُ والتسعونَ بَعْدَ الْمِائَةِ
وعنْ أبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عنهُ قالَ: ((نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ صَوْمِ يَوْمَيْنِ: الْفِطْرِ وَالنَّحْرِ، وَعَنِ الصَّمَّاءِ، وَأَنْ يَحْتَبِيَ الرَّجُلُ في ثَوْبٍ وَاحِدٍ، وَعَنِ الصَّلاةِ بَعْدَ الصُّبْحِ وَالْعَصْرِ)).
أخرجهُ مسلمٌ بتمامِهِ. وأخرجَ البخاريُّ الصَّوْمَ فقطْ. ‌‌‌

فِيهِ مَسَائِلُ:
الأُولَى: النهيُ عنْ صومِ العيدَيْنِ.
الثَّانِيَةُ: وعنْ لُبسِ الثوبِ الأَصَمِّ الذي ليسَ لهُ منافذُ؛ لأنَّهُ غيرُ صِحِّيٍّ وعنوانُ الكسلِ والخمولِ وعدمِ الحركةِ.
الثَّالِثَةُ: وعن الاحتباءِ في الثوبِ الواحدِ خَشْيَةَ انكشافِ العورةِ.
الرَّابِعَةُ: والنَّهْيُ عن الصلاةِ بعدَ صلاةِ الصبحِ وصلاةِ العصرِ؛ لأَنَّهُمَا وقتَا عبادةِ الكُفَّارِ.

الْحَدِيثُ الثامنُ والتسعونَ بَعْدَ الْمِائَةِ
عنْ أبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عنهُ قالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((مَنْ صَامَ يَوْمًا فِي سَبيلِ اللَّهِ بَعَّدَ اللَّهُ وَجْهَهُ عَنِ النَّارِ سَبْعِينَ خَريفًا)).

فِيهِ مَسَائِلُ:
الأُولَى: فضلُ الصيامِ في الجهادِ في سبيلِ اللَّهِ تَعَالَى.
الثَّانِيَةُ: هذا الفضلُ إنْ لم يُضْعِفْهُ عن الجهادِ، فإنْ أَضْعَفَهُ فالمُسْتَحَبُّ تَرْكُهُ؛ لأنَّ الجهادَ من المصالحِ العامَّةِ.
_______________________
(1) لَعَلَّهَا: يَنْهَكُ

  #5  
قديم 13 ذو القعدة 1429هـ/11-11-2008م, 02:09 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي تيسير العلام للشيخ: عبد الله بن عبد الرحمن البسام

الحديثُ الثَّاني والتسعونَ بعدَ المائةِ
عن عبدِ اللهِ بن عمرِو بنِ العاصِ رَضِي اللهُ عَنْهُما قال: أُخْبِرَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنِّي أَقُولُ: وَاللهِ لأَصُومَنَّ النَّهَارَ , ولأَقُومَنَّ اللَّيْلَ مَا عِشْتُ.
فقال النبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((أَنْتَ الَّذِي قُلْتَ ذَلِكَ؟)).
فقلتُ لَهُ: قَدْ قُلْتُهُ، بِأَبِي أنْتَ وَأُمِّي.
قال: ((فإِنَّكَ لاَ تَسْتَطِيعُ ذَلِكَ، فَصُمْ وَأَفْطِرْ، وقُمْ وَنَمْ، وَصُمْ مِنَ الشَّهْرِ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ، فَإِنَّ الحَسَنَةَ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا، وَذَلِكَ مِثْلُ صِيَامِ الدَّهْرِ)).
قلتُ: إِنِّي لَأُطِيقُ أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ.
قال: ((فَصُمْ يَوْماً وَأفْطِرْ يَوْمَيْنِ)). قلتُ: إنِّي لَأُطِيقُ أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ.
قال: ((فَصُمْ يَوْماً وَأَفْطِرْ يَوْماً، فَذَلِكَ صِيَامُ دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ، وَهُوَ أَفْضَلُ الصِّيَامِ)).
قُلتُ: إِنِّي لأُطِيقُ أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ. فقال: ((لاَ أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ)).
وفي روايةٍ: قال: ((لاَ صَوْمَ فَوْقَ صَوْمِ أَخِي دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلامُ – شَطْرَ الدَّهْرِ- صُمْ يَوْماً وَأَفْطِرْ يَوْماً)).
(192) المعنَى الإجماليُّ:
مُجْمَلُ معنى هذا الحديثِ: أن النَّبِيَّ صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أخبرَ أن عبدَ اللهِ بْنَ عمرٍو أقسمَ على أن يصومَ فلا يُفطِرُ، ويقومَ فلا ينامُ كلَّ عمرِه، فسأله: هل قال ذلك؟ فقال: نعم.
فقال : إن هذا يشُقُّ عليك ، ولا تحتملُه، وأرشدَه إلى الطَّريقِ المُثلَى ، وهو أن يصومَ بعضَ الأيَّامِ، ويفطرَ بعضَها، ويقومَ بعضَ اللَّيْلِ، وينامَ بعضَه، وأن يصومَ مِن كلِّ شهرٍ ثلاثةَ أيَّامٍ، ليكونَ كمَن صامَ الدَّهرَ.
فأخبرَه أنه يُطيقُ أكثرَ من ذلك، وما زالَ يطلبُ الزِّيادةَ من الصِّيامِ حتَّى انتهى إلى أفضلِ الصِّيامِ، وهو صيامُ داودَ عليه السَّلامُ، وذلك أن يصومَ يوماً، ويفطرَ يوماً.
فطلبَ المزيدَ لرغبتِه في الخيرِ رَضِي اللهُ عَنْهُ . فقال : لا صوْمَ أفضلُ من ذلك.
ما يُؤْخَذُ من الحديثِ:
1ـ رغبةُ عبدِ اللهِ بْنِ عمرِو بْنِ العاصِ في الخيرِ وقُوَّتُهُ فيه؛ إذ أقسمَ على صيامِ الدَّهرِ وقيامِ كلِّ اللَّيْل.
2ـ معرِفةُ النَّبِيِّ صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مدَى القُدرةِ على العملِ وعاقبتِهِ؛ إذ أخبرَهُ أنه لا يستطيعُ ذلك، بمعنى أنه سيشُقُّ عليه، وقد كان.
فإنَّ عبدَ اللهِ تمنَّى في آخرِ أيَّامِهِ أنه لو قامَ مع النَّبِيِّ صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على عملٍ يُدِيمُهُ ويَقْدِرُ عليه.
3ـ تقديرُ النَّبِيِّ صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ العلمَ بقُدرةِ صاحبِه، إذ قصَر عبدَ اللهِ أوَّلاً على ثلاثةِ أيَّامِ مِن كلِّ شهرٍ، فلمَّا طلبَ المزيدَ ، وَرأَى النَّبِيُّ صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيه الرَّغبةَ والقُدرةَ، قال: ((فَصُمْ يَوْماً وَأَفْطِرْ يَوْمَيْنِ)). فلمَّا أظهرَ الرَّغبَةَ فى طلبِ الزِّيادةِ أرشدَه إلى أفضلِ الصِّيامِ فقال : ((صُمْ يوماً ، وأفطرْ يوماً)).
4ـ أَنَّ آخِرَ حَدٍّ للصيامِ الفاضلِ هو صيامُ يومٍ وفِطْرُ يومٍ، وهو صيامُ داودَ عليه السَّلامُ.
5ـ كراهةُ صيامِ الدَّهرِ؛ لأنه مخالفةٌ لقولِه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ: ((فَصُمْ وَأَفْطِرْ)). ولحديثِ : ((لاَ صَامَ مَنْ صَامَ الأَبَدَ)).
6ـ سماحةُ هذه الشَّريعةِ، حيثُ يُكرهُ فيها التَّعمُّقُ والتَّنطُّعُ، ويُطْلَبُ فيها السُّهولَةُ واليُسْرُ؛ لأنه أنشطُ على العملِ، وأدومُ عليه.

الحديثُ الثالثُ والتسعونَ بعدَ المائةِ
عن عبدِ اللهِ بنِ عمرِو بنِ العاصِ رَضِي اللهُ عَنْهُما قال: قال رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((إِنَّ أَحَبَّ الصِّيَامِ إِلَى اللهِ صِيَامُ دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ، وَأَحَبَّ الصَّلاَةِ إِلَى اللهِ صَلاَةُ دَاوُدَ عليه السَّلاَمُ، كانَ يَنَامُ نِصْفَ اللَّيْلِ وَيَقُومُ ثُلُثَهُ، وَيَنَامُ سُدُسَهُ، وَكَانَ يَصُومُ يَوْماً، وَيُفْطِرُ يَوْماً)) .
(193) المعنَى الإجماليُّ:
تقدَّمَ ذِكرُ سماحةِ هذه الشَّريعةِ ويُسْرِها، فإن الذي خَلَقَ الثَّقَلَيْنِ لعبادَتِه أَحَبَّ أَنْ يَعْبُدُوهُ بما يَسْهُلُ عليهم بلا كُلْفَةٍ ولا مشقَّةٍ.
فإن أحبَّ الصِّيامِ إليه والصّلاةِ، ما كان النَّبِيُّ داودُ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ يتعبَّدُ بهما، وذلك أنه كان يصومُ يوماً ويفطرُ يوماً، وكان ينامُ النِّصفَ الأوَّلَ من اللَّيْلِ، ليقومَ نشيطاً خفيفًا على العبادةِ، فيُصلِّي ثُلُثَهُ، ثم ينامُ سُدُسَهُ الأخيرَ ليكونَ نشيطاً لعبادةِ أوَّلِ النَّهارِ، وهذه الكيفِيَّةُ هي التي رغِبها المُشَرِّعُ الحكيمُ.
ما يُؤْخَذُ من الحديثِ:
1ـ أَن صيامَ يومٍ وفطرَ يومٍ هو أفضلُ الصِّيامِ ، بما فيه صيامُ الدّهرِ.
2ـ أن نومَ النِّصفِ الأوَّلِ من اللَّيْلِ ، وقيامَ ثُلُثِهِ، ثم نومَ سُدُسِهِ، أفضلُ القيامِ، لِمَا فيه من أخذِ النَّفسِ حاجتَها من الرَّاحةِ أوَّلاً، ثم القيامَ وقتَ النُّزولِ الإلهيِّ، ثم نومَ السُّدُسِ الأخيرِ ليكونَ أنشطَ لصلاةِ الصُّبحِ وأذكارِه.
3ـ أن العبادةَ قِسْطٌ وعدلٌ، فلا يَغْفُلُ عن عبادتِه، ولا يَغْلُو فيها؛ لأن لربِّك عليك حقًّا، ولأهْلِكَ عليكَ حقًّا، فآتِ كلَّ ذي حقٍّ حقَّه. قال شيخُ الإسلامِ ابنُ تَيْمِيَّةَ: الشَّرعُ جاء بالعدلِ في كلِّ شيءٍ ، والإسرافُ في العباداتِ من الجَوْرِ الذي نَهى عنه الشَّارعُ، وأمرَ بالاقتصادِ في العباداتِ، ولهذا أمرَ بتعجيلِ الفِطرِ وتأخيرِ السَّحورِ، ونَهى عن الوِصالِ، فالعدلُ في العباداتِ من أكبرِ مقاصدِ الشّرعِ، والأمرُ المشروعُ المسنونُ جميعُه مبناهُ على العدلِ والاقتصادِ والتَّوسُّطِ الذي هو خيرُ الأمورِ وأعلاها.
4ـ أن اللهَ تباركَ وتعالى يتعبَّدُك بأنواعٍ كثيرةٍ من العباداتِ.
فإن أوْغَلْتَ في نوعٍ منها، تركْتَ الباقيَ، فينبغِي إبقاءُ شيءٍ من القوَّةِ لسائرِ العباداتِ.
كما أن العاداتِ التي على الإنسانِ من مُعاشرةِ أهلِه، وزيارةِ أصدقائِه، وطلبِهِ الرَّزقَ في الدُّنيا، ومحادثةِ أولادِه ونومِه، إذا نوى بذلك الأجرَ وأداءَ الحقوقِ، كانت هذه العاداتُ عباداتٍ. ففضلُ اللهِ واسعٌ، وبِرُّهُ كبيرٌ.

الحديثُ الرابعُ والتسعونَ بعدَ المائةِ
عن أبي هُريرةَ رَضِي اللهُ عَنْهُ قال: أوْصَانِي خَلِيلِي رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِثَلاَثٍ: صِيَامِ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ، وَرَكْعَتَيِ الضُّحَى، وَأنْ أُوْتِرَ قَبْلَ أنْ أنَامَ .
(194) المعنَى الإجماليُّ:
اشتمل هذا الحديثُ الشّريفُ على ثلاثِ وصايا نبويَّةٍ كريمةٍ:
الأولى : الحثُّ على صيامِ ثلاثةِ أيَّامٍ من كلِّ شهرٍ؛ لأن الحَسَنَةَ بِعَشَرَةِ أمثالِها، فيصيرُ صيامُ ثلاثةِ الأيَّامِ كصيامِ الشَّهرِ كلِّه.
والأفضلُ أن تكونَ الثَّلاثَةُ الثَّالِثَ عَشَرَ، والرَّابعَ عَشَرَ، والخامسَ عَشَرَ. كما وَرَدَ في بعضِ الأحاديثِ، وفي تخصيصِها بهذِه الأيَّامِ فوائدُ طِبِّيَّةٌ.
الثانيةُ: أن يُصَلِّيَ الضُّحَى، وأقلُّها ركعتان، لا سِيَّما في حقِّ مَن لا يصلِّي من اللَّيْلِ، كأبِي هُريرةَ الذي اشتغلَ بدراسةِ العلْمِ أوَّلَ اللَّيْلِ.
وأفضلُ وقتِهما ارتفاعُ الضُّحى حينَ تَرْمَضُ الفِصَالُ، كما جاء في حديثٍ آخَرَ.
الثالثةُ: أنَّ مَن لا يقومُ آخِرَ اللَّيْلِ، فلْيُوتِرْ قبلَ أن ينامَ، كيلا يفوتَ وقتُه.
وكانت هذه الوصِيَّةُ في حقِّ أبِي هُريرةَ وأمثالِه، ممَّن ينامون عن الوِتْرِ آخِرَ اللَّيْلِ.
ما يُؤْخَذُ من الحديثِ:
1ـ استحبابُ صيامِ ثلاثةِ أيَّامٍ من كلِّ شهرٍ، والأَوْلى أن تكونَ الثَّالثَ عَشَرَ، والرَّابعَ عَشَرَ، والخامسَ عَشَرَ، وقد وردَ في تعْيِينِها حديثُ قتادةَ بْنِ مِلْحَانَ الذي أخرجه أهلُ السُّننِ قال: ((كَانَ رَسُولُ اللهِ صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْمُرُنَا أَنْ نَصُومَ أَيَّامَ الْبِيضِ : ثَالِثَ عَشْرَةَ ، وَرَابِعَ عَشْرَةَ ، وَخَامِسَ عَشْرَةَ، وَقَالَ: هِيَ كَهَيْئَةِ الدَّهْرِ)).
2ـ استحبابُ صلاةِ الضُّحَى والمواظبةِ عليها لمَن لم يَقُمْ لصلاةِ اللَّيْلِ، لئلاَّ تفُوتَه صلاةُ اللَّيْلِ والنَّهارِ.
3ـ الوِترُ قبلَ النَّومِ في حقِّ مَن يَغْلِبُ على ظنِّهِ أنه لا يقومُ آخرَ اللَّيْلِ، أمَّا مَن غلَبَ على ظنِّه القيامُ، فيؤَخِّرُه إليه، وإن فاته بنومٍ أو نسيانٍ، فالمستحبُّ أن يقضيَهُ.
4ـ أن هذه الأحكامَ الثَّلاثةَ المذكورةَ، من وصايا النَّبِيِّ صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الغاليةِ، التي ينبغي أن يُعتنَى بها ، ويُحرصَ عليها؛ لأنها عظيمةُ النَّفعِ، جليلةُ القدرِ.

الحديثُ الخامسُ والتسعونَ بعدَ المائةِ
عن مُحَمَّدِ بْنِ عَبَّادِ بْنِ جَعْفَرٍ قال: سَأَلْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ، أَنَهى النبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ صَوْمِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ؟ قال: نَعَمْ.
وزاد مسلمٌ: وَرَبِّ الْكَعْبَةِ.
الحديثُ السادسُ والتسعونَ بعدَ المائةِ
عن أبي هُريرةَ رَضِي اللهُ عَنْهُ قال: سَمِعْتُ رسولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: ((لاَ يَصُومَنَّ أحَدُكُمْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، إِلاَّ أنْ يَصُومَ يَوْماً قَبْلَهُ أوْ بَعْدَهُ)) .
(195-196) المعنَى الإجماليُّ:
لما كان يومُ الجمعةِ عيدَ الأسبوعِ، كما أن عيدَ الفطرِ وعيدَ الأضْحَى عيدُ السَّنَةِ ، والعيدُ فيه الفرحُ وإظهارُ السّرورِ، وفيه إعلانُ شُكرِ اللهِ على نِعَمِهِ، وطلبُ المزيدِ، كان الأوْلَى في هذا اليومِ أن يكونَ الإنسانُ مفطراً، ليقْوَى على أدائِها.
فشُرِعَ إفطارُ يومِ الجمعةِ، ولكن يُبِيحُه، ويُزيلُ كراهةَ صومِه أن يُقرِنَ به صومَ يومٍ قبلَه أو بعدَه، أو يكونَ ضمنَ صومٍ معتادٍ، لئلاَّ يظُنَّ العامَّةُ أيضاً تخصيصَ يومِ الجمعةِ بزيادةِ عبادةٍ على غيرِه، فيعتقدُوها ـ لفضلِ ذلكَ اليومِ ـ واجبةً.
ما يُؤْخَذُ من الحديثَيْنِ:
1ـ النَّهيُ عن صومِ يومِ الجمعةِ.
2ـ جَوازُ صومِه إذا قُرِنَ بصيامٍ قبلَه أو بعدَه، أو كان في صومٍ معتادٍ.
3ـ يُحْمَلُ النَّهيُ في صومِه على التَّنزيهِ؛ لأن النَّبِيَّ صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يصومُه في جُملةِ صومِه الذي يصومُ.
ورخَّصَ بصومِه إذا قُرِنَ بغيرِه، ولو كان حراماً ما صِيمَ، كعيدِ الفطرِ وعيدِ النَّحرِ .

الحديثُ السابعُ والتسعونَ بعدَ المائةِ
عن أبي عُبَيْدٍ مولَى ابنِ أَزْهَرَ – واسمُه سعدُ بنُ عُبَيْدٍ - قال:
شَهِدْتُ الْعِيدَ مَعَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِي اللهُ عَنْهُ، فقال: هَذَانِ يَوْمَانِ نَهَى رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ صِيَامِهِمَا: يَوْمُ فِطْرِكُمْ مِنْ صِيَامِكُمْ، وَالْيَوْمُ الآخَرُ الذي تَأْكُلُونَ فِيه نُسُكَكُمْ.
(197) المعنَى الإجماليُّ:
عيدُ الفطرِ وعيدُ النَّحرِ هما العيدانِ الإسلامِيَّانِ، اللذان جعلهما الشَّارعُ الحكيمُ الكريمُ يومَيْ فرحٍ وسرورٍ، وبهجةٍ وحُبُورٍ، يأتي فيهما المسلمونَ أنواعَ المُتَعِ المباحةِ من الأكلِ والشَّرابِ واللِّباسِ والزِّينةِ وغيرِها.
وقد حرَّمَ صومَها؛ لأن الفطرَ هو تحليلُ الصِّيامِ، كالسَّلامِ للصَّلاةِ، ولأن الأضْحى يومُ الأكلِ من الضَّحايا والهدايا، التي أمَرَ اللهُ تعالى بالأكلِ منهما.
فالخلْقُ في هذينِ اليومينِ أضيافُ اللهِ، فلْيَقْبَلُوا ضِيافتَه، وليُفْطِروا فيهما.

ما يُؤْخَذُ من الحديثِ:
1ـ تحريمُ صومِ يوميِ الفطرِ والأضحَى.
2ـ أن الصَّومَ فيهما لا ينعقِدُ، فلا يصِحُّ، سواءٌ كانَ لقضاءٍ أو نفلٍ أو نذرٍ.
3ـ حِكمةُ النَّهيِ عن صومِهما ما أشارَ إليه الحديثُ، من أنَّ عيدَ الفطرِ هو اليومُ الذي انتَهى بدخولِه شهرُ رمضانَ، فَلْتُمَيِّزْ ولْتَعْرِفْ حدودَ الصَّومِ الواجبِ بالفطرِ.
كما نهى عن صيامِ يومٍ أو يومينِ قبلَه، تمْيِيزاً له عن غيرِه.
وأمَّا الأضحَى، فلأنَّه يومُ النُّسُكِ الذي أَمَرَ بالأكلِ منه، فلْيُبَادِرْ إلى امتثالِ أمرِه، بالتَّناولِ من طيباتِ رزقِه، فليس من الأدبِ واللِّياقَةِ الإعراضُ عن ضيافةِ الكريمِ.
4ـ أنه يُسْتَحَبُّ للخطيبِ أن يذكرَ في خُطبتِه ما يتعلَّقُ بوقتِه من الأحكامِ ويتحرَّى المناسباتِ.

الحديثُ الثامنُ والتسعونَ بعدَ المائةِ
عن أبِي سعيدٍ الخدريِّ رَضِي اللهُ عَنْهُ قال: نَهَى رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ صَوْمِ يَوْمَيْنِ: النَّحْرِ، وَالْفِطْرِ. وَعَنِ اشْتِمالِ الصَّمَّاءِ، وَأَنْ يَحْتَبِيَ الرَّجُلُ فِي الثَّوْبِ الوَاحِدِ، وَعَنِ الصَّلاَةِ بَعْدَ الصُّبْحِ وَالْعَصْرِ .
أخرَجَهُ مسلمٌ بتمامِه، وأخرجَ البُخَارِيُّ الصومَ فقط.
(198) الغَريبُ:
" الاحْتِبَاءُ ": هو أن يَقْعُدَ الرَّجُلُ على أَلْيَتَيْهِ ، ويَنْصِبَ ساقَيْهِ ، ويديرَ عليهما ثوباً واحداً.
" الصَّمَّاءُ " : هو أن يَرُدَّ الرَّجُلُ الكِساءَ من قِبَلِ ميمَنَتِه على يدِه اليُسرى، وعاتِقِه الأيسرِ ، ثم يَرُدَّه ثانيةً من خلِفِه على يدِه اليُمْنى وعاتقِه الأيمنِ فَيُغَطِّيهما جميعاً بثوبٍ ليس له منافذُ.
المعنَى الإجماليُّ:
نَهى النَّبِيُّ صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في هذا الحديثِ، عن صيامِ يوميَنِ، وعن لُبْسَتَيْنِ، وعن صلاتينِ.
فأمَّا اليومانِ المحرَّمُ صومُهما فيومُ الفطرِ، ويومُ النَّحرِ ، وتقدَّم شيءٌ من حكمةِ تحريمِ الصِّيامِ فيهما.
وأما اللُّبستَانِ فاشتمالُ الثَّوبِ الأصمِّ، الذي ليس له منافذُ؛ فإنَّ لُبْسَهُ يضرُّ بالصِّحَّةِ، لعدَمِ المنافذِ المُهَوِّيَةِ فيه، ولأنه عُنْوانُ الكسلِ والبِطالَةِ، فلُبسُه يَشُلُّ الحركةَ والعملَ المطلوبيْنِ.
وأمَّا الاحتباءُ بثوبٍ واحدٍ، فلأنه يُخْشَى معه انكشافُ العورَةِ.
وأمَّا الصّلاتانِ فالصَّلاةُ بعدَ صلاةِ الصُّبحِ، والصَّلاةُ بعدَ صلاةِ العصرِ.
فإنَّ الوقتينِ اللذين بعدَهما، وَقْتَا عبادةِ المشركينَ، وقد تقدَّمَ الكلامُ عليهما.
ما يُؤْخَذُ من الحديثِ:
1ـ النَّهيُ عن هذهِ الأشياءِ المعدودةِ في الحديثِ.
2ـ النَّهيُ عن صيامِ العيدينِ، وعن الصَّلاةِ بعدَ الصُّبحِ والعصرِ، من بابِ التَّحريمِ.
والنَّهيُ عن اللُّبستينِ، للكراهةِ، ما لم يَغْلِبْ على الظَّنِّ انكشافُ العورةِ، فَيَحْرُمَ.
3ـ مراعاةُ الشَّارعِ مصالحَ العبادِ في كلِّ شيءٍ.

الحديثُ التاسعُ والتسعونَ بعدَ المائةِ
عن أبي سعيدٍ الخُدْرِيِّ رَضِي اللهُ عَنْهُ قال: قال رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((مَنْ صَامَ يَوْماً فِي سَبِيلِ اللهِ بَعَّدَ وَجْهَهُ عَنِ النَّارِ سَبْعِينَ خَرِيفاً)) .
(199) المعنَى الإجماليُّ:
الصِّيامُ من العباداتِ البدنِيَّةِ الشَّاقَّةِ، والجهادُ من العباداتِ الماليَّةِ والبدنيَّةِ الصَّعبَةِ.
فمَن قوِيَ عليهما جميعاً ، فقام بهما في آنٍ واحدٍ، فهذا من الذين تركوا راحةَ الحياةِ والتَّلَذُّذَ بنعيمِها، رغبةً فيما عندَ اللهِ تعالى من النَّعيمِ، وهرباً من عذابِه الأليمِ، فجزاؤُه عندَ اللهِ تعالى أن يُبْعِدَه بصومِ اليومِ الواحدِ في سبيلِ اللهِ عن النَّارِ سبعينَ سنَةً.
وإبعادُه عن النَّارِ يقتضي تقريبَه إلى الجنَّةِ، إذ ليس هناك إلا طريقٌ للجنَّةِ وطريقٌ للسَّعيرِ.
ما يُؤْخَذُ من الحديثِ:
1ـ فضلُ الصِّيامِ إبَّانَ الجهادِ في سبيلِ اللهِ تعالى، وما يترتَّبُ عليه من الثَّوابِ العظيمِ.
2ـ يُقَيَّدُ استحبابُ الصِّيامِ في سبيلِ اللهِ بعدَمِ الإضعافِ عن الجهادِ.
فإن أضعفه فالمستحبُّ له تركُه؛ لأن الجهادَ من المصالحِ العامَّةِ، والصَّومُ مصلحةٌ مقصورةٌ على الصَّائِمِ، وكلَّما عمَّتْ مصلحةُ العبادةِ كانت أوْلى.

  #6  
قديم 13 ذو القعدة 1429هـ/11-11-2008م, 02:11 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي إحكام الأحكام لتقي الدين ابن دقيق العيد

بابُ أفضلِ الصَّيامِِ وغيرِهِ

198 - الحديثُ الأوَّلُ: عنْ عبدِ اللهِ بنِ عمرِو بنِِ العاصِ، رضيَ اللهُ عنهمَا، قالَ: أُخْبِرَ رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنِّي أقُولُ: واللهِ لأصُومنَّ النَّهارَ، ولأَقُومَنَّ الْلَيلَ، ما عِشْتُ، فقالَ رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((أَنْتَ الّذِي قُلْتَ ذَلِكَ؟)) فَقُلْتُ لَهُ: قَدْ قُلْتُهُ، بِأَبي أَنْتَ وَأُمِّي، فقالَ: ((فإِنَّكَ لاَ تَسْتَطِيعُ ذَلِكَ، فَصُمْ وَأَفْطِرْ، وَقُمْ وَنَمْ، وَصُمْ مِنَ الشَّهْرِ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ، فإنَّ الْحَسَنَةَ بِعَشْرِ أمْثَالِهَا، وذَلكَ مِثْلُ صِيَامِ الدَّهْرِ)) قلتُ: فإنِّي أُطيِقُ أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ، قالَ: ((فَصُمْ يَوْمًا وَأفْطرْ يَوْمَيْنِ))، قلت: أُطِيقُ أَفْضَلَ مِنْ ذَلكَ، قالَ: ((فَصُمْ يَوْمًا وَأَفْطِرْ يَوْمًا، فَذَلِكَ مِثْلُ صِيَامِ دَاوُدَ، وَهُوَ أَفْضَلُ الصِّيَامُ))، فقلتُ: إِنِّي أُطِيقُ أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ، قال: ((لاَ أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ)).
وَفِي روايةٍ: ((لاَ صَوْمَ فَوْقَ صَوْمِ أَخِي دَاوُدَ - شَطْرَ الدَّهْرِِ - صُمْ يَوْمًا، وَأَفْطِرْ يَوْمًا)).

فيه ستُّ مسائلَ:
الأُولَى: ((صومُ الدَّهرِ)) ذهبَ جماعةٌ إِلَى جوازِه. منهمْ مالكٌ والشافعيُّ. ومنعَهُ الظاهريَّةُ للأحاديثِ التِي وردتْ فيهِ، كقولهِ عليهِِ الصلاةُ و السَّلامُ: ((لا صَامَ منْ صَامَ الأبَدَ)) وغيرِ ذلكَ. وتأوَّلَ مخالفُوهُمْ هذا علَى مَن صامَ الدهرَ، وأدخلَ فيه الأيَّامَ المنهيَّ عن صومِهَِا، كيومَيْ العيدينِ وأيامِ التَّشريقِ، وكأنَّ هذا محافظةٌ على حقيقةِ صومِ الأبدِ. فإنَّ مَن صامَ هذهِ الأيَّامَ معَ غيرِها: هوَ الصائمُ للأبدِ. ومن أفطرَ فيهَا لم يَصمِِ الأبدَ، إلا أنَّ فِي هذَا خُروجًا عنِ الحقيقةِ الشرعيَّةِ، وهو مدلولُ لفظةِ: ((صامَ)) فإنَّ هذه الأيامَ غيرُ قابلةٍ للصَّومِ شرعًا. إذْ لاَ يتصوَّرُ فيهَا حقيقةُ الصَّومِ، فلا يحصلُ حقيقةُ ((صامَ)) شرعًا لمنْ أمسكَ فِي هذهِ الأيامِ. فإنْ وقعتِ المحافظةُ على حقيقةِ لفظِ ((الأبدِ)) فقدْ وقعَ الإخلالُ بحقيقةِ لفظِ ((صامَ)) شرعًا، فيجبُ أنْ يُحملَ ذلكَ على الصَّومِ اللُّغويِّ. وإذا تعارضَ مدلولُ اللُّغةِ، ومدلولُ الشَّرعِ فِي ألفاظِ صاحبِ الشَّرعِ، حُمِلَ على الحقيقةِ الشَّرعيَّةِ.

ووجهٌ آخرُ: وهوَ أنَّ تعليقَ الحكمِ بصومِ الأبدِ يقتضِي ظاهرُه: ((أنَّ الأبدَ)) متعلَّقُ الحكمِِ من حيثُ هو ((أبدٌ))، فإذَا وقعَ الصومُ فِي هذهِ الأيامِ، فَعِلَّةُ الحكمِ وقوعُ الصومِ فِي الوقتِ المنهيِّ عنهُ وعليه ترتَّبَ الحكمُ. ويبقَى ترتيبُه على مُسمَّى الأبدِ غيرَ واقعٍ، فإنَّه إذا صامَ هذهِ الأيامَ تعلَّقَ بهِ الذَّمُّ، سواءٌ صامَ غيرَها أو أفطرَ ولا يبقَى متعلَّقُ الذَّمَّ عليه صومُ الأبدِ، بلْ هوَ صومُ هذهِ الأيَّامِ، إلا أنَّهُ لمَّا كانَ صومُ الأبدِ يلزمُ منهُ صومُ هذه الأيَّامِ تعلَّقَ بهِ الذَّمُّ، لتعلُّقِه بلازمِه الذِي لا ينفكُّ عنهُ. فمِن ههنا نَظرَ المتأوِّلونَ بهذَا التَّأويلِ فتركوا التَّعليلَ بخصوصِ صومِ الأبدِ.

المسألةُ الثانيةُ: كرهَ جماعةٌ قيامَ كلِّ الْلَيلِ, لردِّ النبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذلكَ على مَن أرادَهُ، ولِمَا يتعلَّقُ بهِ مِن الإجحافِ بوظائفَ عديدةٍ. وفَعَلهُ جماعةٌ من المتعبِّدينَ من السَّلفِ وغيرهِم. ولعلَّهُم حملُوا الرَّدَّ على طلبِ الرِّفقِ بالمكلَّفِ. وهذا الاستدلالُ على الكراهةِ بالرَّدِّ المذكورِ عليهِ سؤالٌ، وهو أنْ يقالَ: إنَّ الرَّدَّ لمجموعِ الأمرينِ وهو صيامُ النَّهارِ، وقيامُ الْلَيلِ، فلا يلزمُ ترتُّبه على أحدِهما.

المسألةُ الثالثةُ: قولُه عليهِ الصلاةُ و السَّلامُ: ((إنكَ لا تستطيعُ ذلكَ)) تُطلقُ عدمُ الاستطاعةِ بالنِّسْبَةِ إِلَى المتعذَّرِ مطلقًا، وبالنسبةِ إِلَى الشَّاقِّ على الفاعلِ، وعليهمَا ذُكرَ الاحتمالُ فِي قولِهِ تعالى: (ولا تُحَمِّلْنَا ما لا طاقةَ لنا بِهِ) [البقرةِ: 286] فحمَلَهُ بعضهُم على المستحيلِ، حتَّى أخذَ جوازَ تكليفِ المُحالِ. وحَملَهُ بعضُهم على ما يشقُّ، وهو الأقربُ. فقولُه عليهِ الصلاةُ والسَّلامُ: ((لا تستطيعُ ذلكَ)) مَحمولٌ على أنهُ يشقُّ ذلكَ عليكَ على الأقربِ، ويمكنُ أنْ يُحملَ ذلكَ على المُمتنعِ إمَّا علَى تقديرِ أنْ يبلغَ مِن العُمرِ ما يتعذَّرُ معهُ ذلكَ، وعَلِمَهُ النبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بطريقٍ، أو فِي ذلكَ التزامٌ لأوقاتٍ تقتضِي العادةُ أنهُ لابدَّ مِن وُقوعِهَا، مَعَ تعذُّرِ ذلكَ فيهَا، ويُحتملُ أنْ يكونَ قولُهُ: ((لا تستطيعُ ذلكَ)) معَ القيامِ ببقيَّةِ المَصالحِ المرعِيَّةِ شرعًا.

المسألةُ الرابعةُ: فيهِ دليلٌ علَى استحبابِ صيامِ ثلاثةِ أيَّامٍ من كلِّ شهرِ، وعلَّتُه مذكورةٌ فِي الحديثِ. واختَلفَ الناسُ فِي تعيينهَا من الشَّهرِ اختلافًا فِي تعيينِ الأحبِّ والأفضلِ لا غيرُ، وليسَ فِي الحديثِ ما يدلُّ على شيءٍ من ذلكَ. فَأَضْرَبْنَا عن ذكرِهِ.

المسألةُ الخامسةُ: قولُه عليهِ الصلاةُ و السَّلامُ: ((وذلكَ مثلُ صيامِ الدَّهرِ)) مؤوَّلٌ عندَهُمْ أنَّهُ مثلُ أصلِ صيامِ الدهرِ من غيرِ تضعيفٍ للحسناتِ، فإنَّ ذلكَ التضعيفَ مرتَّبٌ على الفعلِ الحسيِّ الواقعِ فِي الخارجِ. والحاملُ على هذَا التأويلِ: أنَّ القواعدَ تقتضي أنَّ المقدَّرَ لا يكونُ كالمحقَّقِ، وأنَّ الأُجُورَ تتفاوتُ بحسبِ تفاوتِ المصالحِ، أو المشقَّةِ فِي الفعلِ. فكيفَ يستوِي مَنْ فعلَ الشَّيءَ لمن قُدِّرَ فعلُه له؟ فلأجلِ ذلكَ قيلَ: إنَّ المرادَ أصلُ الفعلِ فِي التَّقديرِ، لا الفعلُ المرتَّبُ عليهِ التَّضعيفُ فِي التَّحقيقِ، وهذا البحثُ يأتي فِي مواضعَ، ولا يختصُّ بهذَا الموضِعِ.

ومنْ هَهنا يُمكنُ أن يجابَ عنِ الاستدلالِ بهَذا اللَّفظِ وشِبهه على جوازِ صومِ الدَّهرِـ من حيثُ إنهُ ذُكرَ للتَّرغيبِ فِي فعلِ هذا الصَّومِ، ووجهُ التُّرغيبِ: أنه مثَّل بصومِ الدَّهرِ، ولا يجوزُ أن تكونَ جهةُ الترغيبِ هيَ جهةُ الذَّمِّ.
وسبيلُ الجوابِ: أنَّ الذَّمَّ - عندَ مَن قالَ بهِ - متعلَّقٌ بالفعلِ الحقيقيِّ. ووجهُ الترغيبِ ههنا: حصولُ الثَّوابِ على الوجهِ التَّقديريِّ. فاختلفَتْ جهةُ التَّرغيبِ وجهةُ الذَّمِّ، وإن كانَ هذا الاستنباطُ الذِي ذُكِرَ لا بأسَ بهِ، ولكنَّ الدلائلَ الدَّالةَ على كراهةِ صومِ الدَّهرِ أَقوى منهُ دلالةً. والعملُ بأقوى الدليلينِ واجبٌ، والذينَ أجازُوا صومَ الدَّهرِ حملوا النَّهيَ على ذيِ عَجْزٍ أو مشقَّةٍ، أو ما يقربُ من ذلكَ، من لزومِ تعطيلِ مصالحَ راجحةٍ على الصَّومِ، أو متعلِّقَةٍ بحقِّ الغيرِ كالزَّوجةِ مثلاً.

المسألةُ السادسةُ: قولُه عليهِ الصلاةُ و السَّلامُ فِي صومِ داوُدَ: ((وهو أفضلُ الصِّيامِ)) ظاهرٌ قويٌّ فِي تفضيلِ هذا الصَّومِ على صومِ الأبدِ. والذينَ قالوا بخلافِ ذلكَ نظرُوا إِلَى أنَّ العمل متى كانَ أكثرَ كانَ الأجرُ أوفرَ. هذَا هوَ الأصلُ، فاحتاجُوا إِلَى تأويلِ هذا. وقيلَ فيهِ: إنهُ أفضلُ الصِّيامِ بالنِّسبةِ إِلَى مَن حالُه مثلُ حالكَ، أي من يتعذَّرُ عليهِ الجمعُ بينَ الصَّومِ الأكثرِ وبينَ القيامِ بالحُقوقِ. والأقربُ عندي: أنْ يُجرى على ظاهرِ الحديثِ فِي تفضيلِ صيامِ داودَ عليهِ السَّلامُ، والسببُ فيهِ: أنَّ الأفعالَ متعارضةُ المصالحِ والمفاسدِ، وليسَ كلُّ ذلكَ معلومًا لنَا ولا مستحضرًا، وإذا تعارضَتِ المصالِحُ والمفاسِدُ، فمقدارُ تأثيرِ كلِّ واحدٍ منهَا فِي الحثِّ والمنعِ غيرُ محقَّقٍ لنَا. فالطريقُ حينئذٍ أن نُفوِّضَ الأمرَ إِلَى صاحبِ الشَّرعِ، ونجرِي على مَا دلَّ عليهِ ظاهرُ اللفظِ مع قوَّةِ الظاهرِ ههنا وأمَّا زيادةُ العملِ واقتضاءُ القاعدةِ لزيادةِ الأجرِ بسببهِ: فيُعارضُه اقتضاءُ العادةِ والجبلَّةِ للتقصيرِ فِي حقوقٍ يعارضُها الصَّومُ الدائمُ، ومقاديرُ ذلكَ الفائتِ معَ مقاديرِ ذلكَ الحاصلِ من الصَّومِ غيرُ معلومٍ لنَا.
وقولهُ عليهِ الصلاةُ و السلامُ: ((لا صومَ فوقَ صومِ داودَ)) يُحملُ على أنهُ لا فوقَهُ فِي الفضيلةِ المسؤُولِ عنهَا.

199 - الحديثُ الثَّانِي: عْنَ عبدِ اللهِ بنِ عمرِو بنِ العاصِ قالَ: قالَ رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((إِنَّ أَحَبَّ الصَّيَامِ إِلَى اللهِ صِيَامُ داودَ، وَأَحَبَّ الصَّلاَةِ إِلَى اللهِ صَلاَةُ داوَدَ، كَانَ يَنَامُ نِصْفَ الْلَيلِ، وَيَقُومُ ثُلُثَةُ، وَيَنَامُ سُدُسَهُ، وَكَانَ يَصُومُ يَوْمًا وَيُفْطِرُ يَوْمًا)).
وَفِي هذهِ الروايةِ زيادةُ قيامِ الْلَيلِ، وتقديرُه بما ذُكرَ. ونومُ سُدسهِ الأخيرِ: فيه مصلحةُ الإبقاءِ على النَّفسِ، واستقبالِ صلاةِ الصُّبح، وأذكارِ أوَّلِ النَّهارِ بالنَّشاطِ. والذِي تقدَّمَ فِي الصَّومِ منَ المعارضِ: واردٌ هنا، وهو أنَّ زيادةَ العملِ تقتضِي زيادةَ الفضيلةِ، والكلامُ فيهِ كالكلامِ فِي الصَّومِ من تفويضِ مقاديرِِ المصالحِ والمفاسدِ إِلَى صاحبِ الشَّرعِ.

وَمِن مصالحِ هذا النَّوعِ من القيامِ أيضًا: أنهُ أقربُ إِلَى عدمِ الرِّياءِ فِي الأعمالِ، فإنَّ مَن نامَ السُّدسَ الأخيرَ أصبحَ جَامًّا غيرَ منهوكِ القِوَى، فهو أقربُ إِلَى أنْ يُخفِيَ أثرَ عملِهِ على مَن يَراهُ، ومنْ يُخالفْ هذا يجعلْ قولَه عليهِ الصلاةُ و السَّلامُ: ((أحبُّ الصِّيامِ)) مخصوصًا بحالةٍ، أو بفاعلٍ، وعُمدتُهم: النَّظرُ إِلَى ما ذكرناهُ.

200 - الحديثُ الثّالثُ: عن أبي هريرةَ رضيَ اللهُ عنهُ، قالَ: أَوْصَانِي خَلِيلِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِثَلاَثٍ: صِيَامِ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ مِنْ كلِّ شَهْرٍ، وَرَكْعَتي الضُّحى، وَأَنْ أُوْتِرَ قَبْلَ أَنْ أَنَامَ.
فيهِ دليلٌ عَلَى تأكيدِ هذهِ الأمورِ بالقصدِ إِلَى الوصيةِ بِهَا، وصيامُ ثلاثةِ أيَّامٍ قدْ وردتْ علَّتُه فِي الحديثِ، وهوَ تحصيلُ أجرِ الشَّهرِ، باعتبارِ أنَّ الحسنةَ بعشرِ أمثالِها، وقد ذكرنَا ما فيهِ، ورَأَى من يَرى أنَّ ذلكَ أجرٌ بلا تضعيفٍ، ليحصلَ الفرقُ بينَ صومِ الشَّهرِ تقديرًا، وبين صومهِ تحقيقًا.

وَفِي الحديثِ دليلٌ على استحبابِ صلاةِ الضُّحى وأنَّها ركعتانِ، ولعلَّهُ ذَكرَ الأقلَّ الذِي توجَّهَ التأكيدُ لفعلهِ، وعدمُ مواظبةِ النبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عليهَا لا ينافِي استحبابَها، لأنَّ الاستحبابَ يقومُ بدلالةِ القولِ، وليسَ من شرطِ الحُكمِ أنْ تتضافرَ عليهِ الدلائلُ، نَعَمْ ما واظبَ عليهِ الرَّسولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تترجَّحُ مرتبتُه على هذَا ظاهرًا.
وأما النومُ عن الوترِ: فقد تقدَّم فِي هذا كلامٌ فِي تأخيرِ الوِترِ وتقديمِه، ووردَ فيهِ حديثٌ يقتضِي الفرقَ بينَ مَن وَثِقَ مِن نفسِه بالقيامِ آخرَ الْلَيلِ، وبينَ مَن لم يثقْ، فعلى هذَا تكونُ الوصيَّةُ مخصوصةً بحالِ أبى هريرةَ ومَن وافقَهُ فِي حالِه.

201 - الحديثُ الرابعُ: عن محمَّدِ بنِ عَبَّادِ بنِ جعفرٍ، قال: سألْتُ جابرَ بنَ عبدِ اللهِ أنَهى النبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ صَوْمِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ؟ قالَ: نَعَمْ. وزادَ مسلمٌ: وَرَبِّ الكَعْبَةِ.
النَّهيُ عنْ صومِ يومِ الجُمعةِ محمولٌ على صومِه مفردًا، كما تبيَّنَ فِي موضعٍ آخرَ, ولعلَّ سببَهُ: أنْ لا يُخصَّ يومٌ بعينهِ بِعِبَادَةٍ معينَّةٍ، لما فِي التَّخصيصِ من التَّشبُّهِ باليهودِ فِي تخصيصِ السَّبتِ بالتجرُّدِ عنِ الأعمالِ الدُّنيويَّةِ، إلاَّ أنَّ هذا ضعيفٌ؛ لأنَّ اليهودَ لا يخصُّونَ يومَ السبتِ بخصوصِ الصُّومِ، فلاَ يقوَى التشبُّهُ بهمْ، بل تركُ الأعمالِ الدُّنيويَّةِ أقربُ إلي التشبُّهِ بهم ولم يَرِدْ به النهيُ, وإنَّما تؤخذُ كَرَاهتُه مِن كراهةِ التشبُّهِ بالكفارِ، ومَن قالَ بأنَّهُ يُكرهُ التَّخصيصُ ليومٍ معيَّنٍ، فقدْ أبطلَ تخصيصَ يومِ الجمعةِ، ولعلَّهُ ينضمُّ إِلَى ما ذكرنَا من المعنَى أنَّ اليومَ لمَّا كانَ فضيلاً جدًّا على الأيامِ، وهو يومُ عيدِ هذهِ المِلَّةِ، كانَ الدَّاعِي إِلَى صومِه قويًّا، فنُهيَ عنهُ حمايةَ أن يتتابعَ النَّاسُ فِي صومِه، فيحصلَ فيهِ التشبُّهُ، أو محذورُ إلحاقِ العوامِّ إياه بالواجباتِ إذا أُدِيمَ وتتابعَ الناسُ على صومِهِ، فيُلحِقُونَ بالشَّرعِ ما ليسَ منهُ، وأجازَ مالكٌ صومَه مفردًا، وقال بعضُهم: لم يبلغْهُ الحديثُ، أو لعلَّهُ لمْ يبلغْهُ.

202 - الحديثُ الخامسُ: عنْ أبي هريرةَ، رضيَ اللهُ عنهُ، قالَ: سَمِعْتُ رسولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقولُ: ((لاَ يَصُومَنَّ أَحَدُكُمْ يَوْمَ الجُمُعَةِ، إِلاَّ أَنْ يَصُومَ يَوْمًا قَبْلَهُ، أَوْ يَوْمًا بَعْدَهُ)).
حديثُ أبي هريرةَ يبيِّن المطلقَ فِي الرِّوايةِ الأُولَى، ويوضِّحُ أن المُرادَ إفرادُه بالصَّومِ، ويظهرُ منهُ: أنَّ العلَّةَ هِيَ الإفرادُ بالصَّومِ، ويبقَى النَّظرُ: هلْ ذلكَ مخصوصٌ بهذا اليومِ، أم نعدِّيهِ إِلَى قصدِ غيرِه بالتَّخصيصِ بالصَّومِ؟ وقد أشرنَا إِلَى الفرقِ بينَ تخصيصِهِ وتخصيصِ غيرِه بأنَّ الداعيَ ههنَا إِلَى تَخصيصِه عامٌّ بالنسبةِ إِلَى كلِّ الأمَّةِ، فالدَّاعِي إِلَى حِمايةِ الذَّريعةِ فيهِ أقوَى من غيرهِ. فمِنْ هذَا الوجهِ: يُمكنُ تخصيصُ النَّهيِ بهِ، ولو قدَّرنا أنَّ العلَّةَ تقتضِي عمومَ النَّهيِ عنِ التَّخصيصِ بصومِ غيرِه، ووردتْ دلائلُ تقتضِي تخصيصَ البعضِ باستحبابِ صومِه بعينهِ: لكانتْ مقدَّمةً على العمومِ المستَنْبَطِ من عمومِ العلِّةِ، لجوازِ أن تكونَ العلةُ قد اعتُبرَ فيها وصفٌ من أوصافِ محلِّ النَّهيِ. والدليلُ الدالُّ علَى الاستحبابِ لمْ يتطرَّقْ إليهِ احتمالُ الرَّفعِ. فلا يعارِضُه ما يُحتملُ فيهِ التخصيصُ ببعضِ أوصافِ المَحَالِّ.

203 - الحديثُ السَّادسُ: عنْ أبِي عبيدٍ، مولى ابنِ أزْهرَ - واسمُه: سعدُ بنُ عبيدٍ - قالَ: شَهِدْتُ الْعِيدَ مَعَ عمرَ بنِ الخطَّاب، رضيَ اللهُ عنهُ، فقالَ: هذَانِ يَوْمَانِ نَهى رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ صِيَامِهِمَا: يَوْمُ فِطْرِكُمْ مِنْ صِيَامِكُمْ، وَالْيَوْمُ الآخَرُ: تأْكُلُونَ فِيهِ منْ نُسُكِكُمْ.

مدلولُهُ: المنعُ منْ صومِ يومَيِ العيدِ، ويقتضِي ذلكَ عدمَ صحَّةِ صومِهمَا بوجهٍ مِن الوجوهِ. وعند الحنفيَّةِ فِي الصِّحةِ مخالفةٌ فِي بعضِ الوجوهِ. فقالُوا: إذَا نذرَ صومَ يومِ العيدِ وأيَّامِ التشريقِ صحَّ نذرُهُ. وخرجَ عنِ العهدةِ بصومِ ذلكَ. وطريقُهمْ فيهِ: أنَّ الصَّومَ لهُ جهةُ عمومٍ وجهةُ خصوصٍ. فهوَ من حيثُ إنهُ صومٌ يقعُ الامتثالُ بهِ، ومن حيثُ إنهُ صومُ عيدٍ يتعلَّقُ بهِ النَّهيُ، والخروجُ عنِ العهدةِ يحصلُ بالجهةِ الأولَى، أعنِي كونَه صومًا. والمختارُ عندَ غيرِهمْ خلافُ ذلكَ. وبطلانُ النَّذرِ، وعدمُ صحَّةِ الصومِ: والذِي يُدَّعى مِنَ الجهتينِ بينهمَا تلازُمٌ ههنا. ولا انِفكاكَ. فيتمكَّنُ النَّهيُ من هذا الصَّومِ، فلا يصحُّ أنْ يكونَ قربةً، فلا يصحُّ نذرُه.

بيانُهُ: أنَّ النَّهيَ وردَ عن صومِ يومِ العيدِ، والناذرُ لهُ مُعَلِّقٌ لنذرهِ بما تعلَّقَ بهِ النَّهيُ. وهذا بخلافِ الصَّلاةِ فِي الدارِ المغصوبةِ، عندَ من يقولُ بصحَّتِهَا. فإنهُ لمْ يحصلِ التلازُمُ بَينَ جهةِ العمومِ، أعنِي كونَها صلاةً وبينَ جهةِ الخُصوصِ أعنِي كونهَا حصولاً فِي مكانٍ مغصوبٍ، وأعنِي بعدمِ التَّلازُمِ ههنا: عدمَه فِي الشَّريعةِ. فإنَّ الشرعَ وجَّه الأمرَ إِلَى مُطْلَقِ الصَّلاةِ، والنَّهيَ إِلَى مطلقِ الغَصبِ. وتلازُمُهما واجتماعُهما إنَّما هو فِي فعلِ المكلَّفِ، لا فِي الشَّريعةِ. فلمْ يتعلَّقِ النَّهيُ شرعًا بهذَا الخصوصِ، بخلافِ صومِ يومِ العيدِ، فإنَّ النَّهيَ وردَ عن خُصوصِه. فتلازمتْ جهةُ العمومِ وجهةُ الخُصوصِ فِي الشريعةِ، وتعلَّقَ النَّهيُ بعينِ ما وقعَ فِي النَّذرِ، فلا يكونُ قربةً.

وتكلَّمَ أهلُ الأصولِ فِي قاعدةٍ تَقتضِي النَّظرَ فِي هذِه المسألةِ, وهوَ أنَّ النَّهيَ عندَ الأكثرينَ لا يدلُّ على صحَّةِ المنهيِّ عنهُ، وقدْ نَقَلُوا عن محمَّدِِ بنِ الحسنِ: أنه يدلُّ علَى صحَّةِ المنهيِّ عنهُ، لأنَّ النَّهيَ لابدَّ فيهِ من إمكانِ المنهيِّ عنهُ إذْ لا يقالُ للأعمى: لا تبصرْ، وللإنسانِ لا تَطِرْ، فإِذَنْ هذا المنهيُّ عنهُ - أعني صومَ يومِ العيدِ - ممكنٌ، وإذا أمكنَ ثبتت الصِّحةُ، وهذا ضعيفٌ، لأنَّ الصِّحةَ إنَّمَا تعتمِدُ التَّصوُّرَ والإمكانَ العقليَّ أو العاديَّ، والنهيُ يمنعُ التصوُّرَ الشَّرعيَّ، فلا يتعارضانِ، وكأنَّ محمدَ بنَ الحسنِ يصرفُ اللفظَ في المنهيِّ عنهُ إِلَى المعنى الشَّرعيِّ.

وَفِي الحديثِ دلالةٌ علَى أنَّ الخطيبَ يُستحبُّ لهُ أنْ يذكرَ فِي خطبتهِ ما يتعلَّقُ بوقتهِ منَ الأحكامِ، كذكْرِ النَّهيِ عن صومِ يومِ العيدِ فِي خُطبةِ العيدِ، فإنَّ الحاجةَ تَمَسُّ إِلَى مثلِ ذلكَ، وفيهِ إشعارٌ وتلويحٌ بأنَّ علَّةَ الإفطارِ فِي يومِ الأضحَى الأكلُ من النُّسكِ.
وفيهِ دليلٌ على جوازِ الأكلِ من النُّسكِ، وقد فرَّقَ بعضُ الفقهاءِ بينَ الهديِ والنُّسكِ، وأجازَ الأكلَ إِلاَّ مِن جزاءِ الصيدِ، وفديةِ الأذَى، ونذرِ المساكينِ، وهديِ التَّطوُّعِ إذا عُطِبَ قبلَ مَحِلِّهِ. وجَعَلَ الهَدْيَ كجزاءِ الصَّيدِ. وما وَجَبَ لِنقصٍ فِي حجٍّ أو عمرةٍ.

204 - الحديثُ السابعُ: عنْ أبي سعيدٍ الخُدريِّ رَضيَ اللهُ عنهُ، قالَ: نَهَى رسولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ صَوْمِ يَوْمَيْنِ: الْفِطْرِ وَالنَّحْرِ، وَعَنْ الصَّمَّاءِ، وَأَنْ يَحْتَبِيَ الرَّجُلُ فِي الثَّوْبِ الْوَاحِدِ، وَعَن الصَّلاَةِ بَعْدَ الصُّبْحِِ وَالْعَصْر، أخرجهُ مسلمٌ بتمامِهِ. وَأَخْرَجَ البخاريُّ الصَّوْمَ فَقَطْ.

أمَّا ((صومُ يومِ العيدِ)) فقد تقدَّمَ. وأمَّا ((اشتمالُ الصمَّاءِ)) فقالَ عبدُ الغافِرِ الفارسيُّ فِي مجمعِه: تفسيرُ الفقهاءِ أنهُ يَشتَمِلُ بثوبٍ ويَرَفَعُه مِنْ أحدِ جانبيهِ، فيضَعُه على منكبيهِ، فالنهيُ عنهُ لأنَّهُ يؤدِّي إلىالتَّكشُّفِ وظهورِ العورةِ، قالَ: وهذَا التفسيرُ لا يُشعرُ بهِ لفظُ: ((الصمَّاءِ))، وقالَ الأصمعيُّ: هو أنْ يشتملَ بالثوبِ فيسترَ بهِ جميعَ جسدهِ، بحيثُ لا يتركُ فُرجةً، يُخرِجُ منهَا يدَهُ، واللفظُ مطابقٌ لهذا المعنَى.
والنهيُ عنهُ يَحتملُ وجهينِ، أحدُهمَا: أنَّهُ يخافُ معهُ أنْ يدفعَ إِلَى حالةٍ سادَّةٍ لمتنفَّسهِ، فيهلكُ غَمًّا تحتَهُ إذا لمْ تكنْ فيهِ فُرجةٌ، والآخرُ: أنه إذا تخلَّل بهِ فلا يتمكَّنُ من الاحتِراسِ والاحترازِ، وإنْ أصابه شيءٌ، أو نابَهُ مؤذٍ. ولا يُمكنهُ أن يتَّقيَهُ بيديهِ، لإدخالهِ إياهُما تحتَ الثَّوبِ الذِي اشتملَ بهِ، واللهُ أعلمُ.
وقد مرَّ الكلامُ فِي النَّهيِ عنِ الصَّلاةِ بعدَ الصُّبحِ وبعدَ العصرِ.
وأمَّا الاحتباءُ فِي الثوبِ الواحدِ: فيُخشَى منهُ تكشُفُ العورةِ.

205 - الحديثُ الثامِنُ: عن أبي سعيدٍ الخدريِّ، رضيَ اللهُ عنهُ، قالَ: قالَ رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((مَنْ صَامَ يَوْمًا فِي سَبِيلِ اللهِ بَعَّدَ اللهُ وَجْهَهُ عَنِ النَّارِ سَبْعِينَ خَرِيفًا)).
قولُه: ((فِي سبيل اللهِ)) العرفُ الأكثرُ فيهِ: استعمالُهُ فِي الجهادِ، فإذَا حُمِلَ عليهِ كانت الفضيلةُ لاجتماعِ العبادتينِ - أعني عبادةَ الصَّومِ والجهادَ - ويُحتملُ أن يرادَ بسبيلِ اللهِ: طاعتُه كيفَ كانتْ. ويُعبَّرُ بذلكَ عن صحةِ القَصدِ والنيَّةِ فيهِ, والأوَّلُ: أقربُ إِلَى العرفِ. وقدْ وردَ فِي بعضِ الأحاديثِ: جعلُ الحجِّ أو سفرُه فِي سبيلِ اللهِ، وهو استعمالٌ وضعيٌّ.

((والخريفُ)) يعبَّرُ بهِ عن السَّنةِ، فمعنَى ((سبعينَ خريفًا)) سبعونَ سنةً، وإنَّما عبَّرَ بالخريفِ عنِ السَّنةِ: من جهةِ أنَّ السَّنةَ لا يكونُ فيهَا إلا خريفٌ واحدٌ. فإذا مرَّ الخريفُ فقدْ مضَتِ السَّنةُ كلُّها، وكذلكَ لو عبَّرَ بسائرِ الفُصولِ عنِ العامِ، كان سائغًا بهذَا المَعنَى، إذ ليسَ فِي السَّنةِ إلا ربيعٌ واحدٌ، وصَيفٌ واحدٌ، قال بعضهُم: ولكنَّ الخريفَ أولَى بذلكَ. لأنَّهُ الفصلُ الذِي يحصلُ به نهايةُ ما بدأَ فِي سائرِ الفصولِ. لأنَّ الأزهارَ تبدُو فِي الربيعِ، والثمارُ تتشكَّلُ صُورُهَا فِي الصَّيفِ وفيهِ يبدُو نُضْجُها، ووقتُ الانتفاعِ بها أكلاً وتحصيلاً وادِّخارًا فِي الخريفِ. وهو المقصودُ منهَا، فكانَ فَصلُ الخريفِ أولَى بأن يعبِّرَ بهِ عنِ السَّنةِ من غيرِه، واللهُ أعلمُ.

  #7  
قديم 13 ذو القعدة 1429هـ/11-11-2008م, 02:16 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي شرح عمدة الأحكام لسماحة الشيخ: عبد العزيز بن عبد الله ابن باز (مفرغ)

باب أفضل الصيام وغيره
- عن عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أني أقول: والله لأصوم من النهار ولأقومن الليل ماعشت، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: << أنت الذي قلت ذلك >> فقلت له: قد قلته بأبي أنت وأمي يارسول الله، فقال: فإنك لا تستطيع ذلك فصم وأفطر، ونم وقم وصم من الشهر ثلاثة أيام، فإن الحسنة بعشر أمثالها، وذلك مثل صيام الدهر، فقلت لأطيق أفضل من ذلك، قال: فصم يوما وأفطر يومين، فقلت إن لأطيق أفضل من ذلك، قال: فصم يوما وأفطر يوما فذلك صيام داود عليه السلام، وهو أفضل الصيام: فقلت إني لأطيق أفضل من ذلك. فقال: لا أفضل من ذلك، وفي رواية قال: لا صوم فوق صوم أخي داود عليه السلام، شطر الدهر، صم يوما وأفطر يوما.
- وعن عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن أحب الصيام إلى الله عزوجل صيام داود، وأحب الصلاة إلى الله عزوجل صلاة داود، كان ينام نصف الليل ويقوم ثلثه وينام سدسه وكان يصوم يوما ويفطر يوما.
. . .
وفي حديث عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أنه بلغ النبي صلى الله عليه وسلم أنه يقول: لأصومن النهار ولأقومن الليل ماعشت، فقال له النبي: أنت قلت ذلك، قال: نعم بأبي وأمي – معنى بأبي أنت وأمي أي أفديك بأبي وأنت وأمي – فقال: إنك لا تستطيع ذلك، الإنسان يتعب من هذا، أن يصوم يوما ويفطر يوما دائما، هذا فيه مشقة، ولهذا قال: إنك لا تطيق ذلك، فصم وأفطر ونم وقم، وصم من الشهر ثلاثة أيام، فإن الحسنة بعشر أمثالها، يعني يكفيك هذا، تصوم يوما وتفطر يوما، تستطيع أن تصوم وتفطر حسب التيسير، وصم من الشهر ثلاثة أيام، الحسنة بعشر أمثالها، ثلاثة أيام بثلاثين يوما، كأنه صام الدهر، قال: إني أطيق أكثر من ذلك، أصوم يوما وأفطر يومين، قال: صم يوما وأفطر يوما، قال: إني أطيق أفضل من ذلك قال: قال لا أفضل من ذلك، هذه هو أفضل الصيام، صوم داود عليه الصلاة والسلام كان يصوم يوم ويفطر يوما.
وفي اللفظ الآخر: إن أحب الصيام إلى الله صيام داود، وإن أحب الصلاة إلى الله صلاة داود، أي النبي داود عليه الصلاة والسلام، كان يصوم يوما ويفطر يوما، وكان ينام نصف الليل ويقوم ثلثه وينام سدسه. هذه صلاة داود: ينام النصف الأول، ويقوم السدس الرابع والخامس، وينام السدس الأخير، ويتقوى به على عمل النهار، وهذا هو أفضل الصيام: صومه جوف الليل مع نصف الثلث الليل الأخير. وأحب الصيام إلى الله صيام داود لأنه يصوم يوما ويفطر يوما، هذا أفضل الصيام وأحسنه، وإن صام الاثنين والخميس أو ثلاثة أيام من كل شهر كفى، ولا يكلف نفسه أن يصوم يوما ويفطر يوما كما قاله النبي عليه الصلاة والسلام. قال عبدالله لما كبرت سنه: ياليتني قبلت رخصة رسول الله، لما كبر عبدالله وضعفت قوته تأسف وقال: ياليتني قبلت رخصة رسول الله عليه الصلاة والسلام، ولم يحب أن يدع السنة التي فارق النبي عليها عليه الصلاة والسلام، فكان يصوم أيام متعددة ثم يفطر مثلها يتقوى بذلك، وبهذا يعلم أن الوصال كما تقدم مكروه لا ينبغي، لكن إذا رغب أن يواصل إلى السحر فلا بأس، ويعلم أن أفضل الصيام صيام داود يصوم يوما ويفطر يوما، وإذا اكتفى بيوم أو صوم الاثنين والخميس أو صيام ثلاثة أيام من كل شهر فحسن، لأنه قد يشق عليه صيام يوم ويفطر يوم، لكن من قوي على هذا فهو أفضل الصيام، أن يصوم يوما ويفطر يوما.
ويبين الحديث أن الصلاة، التهجد بالليل أفضله أن ينام نصف الليل الأول ويقوم الثلث، يعني السدس الرابع والخامس، ويستريح السدس الأخير، يتقوى به على عمله، وأن صلى في الثلث الأخير أو في الثلثين الأولين بعد صلاة العشاء، كله طيب، كله حسن. فإن شق عليه القيام في آخر الليل فالأفضل أن يوتر في أول الليل قبل أن ينام، بعد صلاة العشاء يوتر ثم ينام حتى لا يفوته قيام الليل، لقوله صلى الله عليه وسلم: من خاف أن لا يقوم آخر الليل فليوتر أوله، ومن طمع أن يقوم آخر الليل فليوتر آخر الليل، فإن صلاة آخر الليل مشهودة، وذلك أفضل. آخر الليل أفضل لمن قوي على هذا، ومن عجز خاف أن لا يقوم أوتر أول الليل.
وفق الله الجميع وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.
- وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: أو صافي خليلي رسول الله صلى الله عليه وسلم بثلاث: بصيام ثلاثة أيام من كل شهر وركعتي الضحى. وأن أوتر قبل أنام.
- وعن محمد بن عباد بن جعفر قال: سألت جابر بن عبدالله: أنهى النبي صلى الله عليه وسلم عن صوم يوم الجمعة؟ قال: نعم. ورب الكعبة.
- وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: << لا يصومن أحدكم يوم الجمعة إلا أن يصوم يوما قبله أو يوما بعده.
الحمد لله وصلى الله وسلم على رسول الله وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه.
أما بعد / فهذه الأحاديث الثلاثة تتعلق بأنواع من العبادة.
في الحديث الأول الدلالة على شرعية صيام ثلاثة أيام من كل شهر، وسنة الضحى والإيتار قبل النوم، وقد أوصى النبي صلى الله عليه وسلم بذلك ابا هريرة، وأوصى بذلك أبا الدرداء أيضا، وأوصى بذلك أيضا عبدالله بن عمرو بن العاص، وأوصاه بأن يصوم ثلاثة أيام من كل شهر، وقال له: الحسنة بعشر أمثالها، وذلك مثل صيام الدهر. وأوصى بذلك أبا ذر أيضا.
هذا يدل على شرعية صيام ثلاثة أيام من كل شهر، سواء في العشر الأول، أو في العشر الوسط، أو في الأخيرة. وسواء كانت متتابعة أو مفرقة، كل ذلك حسن. والحسنة بعشرة أمثالها. فالمعنى أن كل يوم بعشرة، فكأنه صام الدهر كله، وهذا من فضل الله عزوجل.
وإن صامها أيام البيض: الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر فهو أفضل كما في حديث أبي ذر، كذلك سنة الضحى، صلاة الضحى سنة أوصى بها النبي أبا الدرداء وأبا هريرة، وأوصى بها الآخرين. وقال عليه الصلاة والسلام: يصبح على كل سلامى من الناس صدقة، يصبح على كل سلامى يعني كل مفصل من الناس صدقة، وبكل تهليلة صدقة، وتسبيحة صدقة من ذلك ركعتان تركعهما من الضحى، إذا ركع ركعتين من الضحى قامت مقام هذه لأعمال التي تؤدي عن مفاصله. فسنة الضحى عبادة مؤكدة، وأقلها ركعتان بعد ارتفاع الشمس إلى وقوف الشمس، كله صالح، مابين ارتفاعها قيد رمح إلى وقوفها في كبد السماء، وأفضل ذلك عند شدة الحر، إذا اشتد الضحى، قبل الظهر بنحو ساعة أو ساعة ونصف أو ساعتين، إذا اشتد الضحى، هذا افضل، وهي صلاة الأوابين عند شدة الضحى، وإذا صلى أربعا أو ستا أو ثمان أو أكثر كله حسن. وصلى النبي صلى الله عليه وسلم يوم الفتح ثمان ركعى في الضحى عليه الصلاة و السلام، وروي عن عائشة أنه صلى عندها ثمان ركعات في صلاة الضحى فهي سنة مؤكدة من قول النبي صلى الله عليه وسلم فعله.
وهكذا الوتر قبل النوم، الوتر سنة مؤكدة، مابين صلاة العشاء إلى طلوع الفجر. وأفضل ذلك آخر الليل، هذه هو الأفضل، وإن خاف أن لا يقوم من آخر الليل أوتر في أوله، ولعل السر في وصية النبي له وأبي الدرداء بالوتر أول الليل لأنهما كانا لا يستطيعان فعل ذلك في آخر الليل، إما لدرس الحديث أو لأسباب أخرى، فلهذا أوصاهما بالوتر في أول الليل.
اما من قدر واستطاع أن يصلي في آخر اللليل فهو أفضل، كما ثبت في الحديث الصحيح عن رسول الله عليه الصلاة والسلام أنه قال: << من خاف أن لا يقوم من آخر الليل فليوتر أوله، ومن طمع أن يقوم آخر الليل فليوتر آخر الليل، فإن صلاة أخر الليل مشهودة، وذلك أفضل >>.
رواه مسلم في الصحيح. ولقوله صلى الله عليه وسلم: << ينزل ربنا إلى السماء الدنيا كل ليلة حين يبقى ثلث الليل الآخر فينادي: هل من سائل فيعطى سؤله، له من داع فيستجاب له، هل
من مستغفر فأغفرله، حتى يطلع الفجر >> هذا وقت عظيم إذا تيسر به القيام والقراءة والدعاء والصلاة.
أما الحديث الثاني والثالث فهما يدلان على أنه لا يجوز إفراد الجمعة بالتطوع، لأن الرسول نهى عن إفرادها بالتطوع الجمعة، أما إذا صام قبلها يوما أو بعدها يوما فلا بأس، إذا صام الخميس مع الجمعة أو الجمعة مع السبت فلا بأس. أما إفرادها فقد نهى النبي عن ذلك عليه الصلاة والسلام، هي عيد الأسبوع فلا تفرد، ولما رأى بعض أزواجه صامت يوم الجمعة وهي جويرية بنت الحارث قال لها: أصمت أمس؟ قالت: لا، قال: تريدين أن تصومي غدا، قالت: لا، قال: فأفطري. فدل ذلك على أن يوم الجمعة لا يصام وحده، لا يتطوع به وحده، ولكن يصام قبله يوم أو بعده يوم كما أمر النبي عليه الصلاة والسلام بذلك، ونهى عن إفراده.
وفق الله الجميع، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه
- وعن أبي عبيدة سعد بن عبيد قال: شهدت العيد مع عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال: هذان يومان نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صيامهما. يوم فطركم من صيامكم، واليوم الآخر الذي تأكلون فيه من نسككم.
- وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صوم يومين: النحر والفطر، وعن اشتمال الصماء، وأن يحتبي الرجل في الثوب الواحد، وعن الصلاة بعد الصبح والعصر. أخرجه مسلم بتمامه، وأخرجه البخاري الصوم فقط.
- وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: << من صام يوما في سبيل الله بعَّد الله وجهه عن النار سبعين خريفا >>.
الحمد الله وصلى الله وسلم على رسول الله وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه.
أما بعد / فهذه الأحاديث الثلاثة تتعلق بمسائل في الصوم وبمسائل أخرى.
في الحديث الأول النهي عن الصوم يومي عيد الفطر والنحر، وأن الله نهى عن صيامهما، وهكذا في حديث أبي سعيد النهي عن صيامهما أيضا، فهما لا يصامان، يوم عيد الفطر ويوم عيد النحر، فمن صامهما فصومه باطل وعليه التوبة إلى الله من ذلك لأنها معصية، وهكذا أيام النحر كيوم التشريق الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر من ذي الحجة، يقال لها أيام التشريق، الجميع خمسة، هذه لا تصام، يجب على المسلمين إفطارها إلا من عجز عن الهدي – هدي التمتع أو القران – هذا له أن يصوم أيام التشريق
استثناء كما في حديث عائشة وابن عمر رضي الله عنهما قالا: لم يرخص في أيام التشريق أن يصمن إلا لمن لم يجد الهدي، أي هدي التمتع، ومن سواه لا يصوم أيام التشريق، أما يوم العيد عيد النحر وعيد الفطر فهذان لا يصامان لجميع الناس، لا لصاحب الهدي ولا غيره.
وفي حديث أبي سعيد النهي عن اشتمال الصماء، اشتمال الصماء كونه يتلفف في ثوب واحد يخشى أنه إذا تحرك أو أراد أخذ حاجة ظهرت عورته، سمي الصماء لأنه لا منفذ لها، تلفلف فيها تلفلفا غير مضبوط، بخلاف إذا كان متزنا الثوب يربطه عليه أو يجعل طرفه على عاتقيه، كل هذا لا بأس به. أما اشتمل ولف الثوب عليه من غير ظبط له ولا عناية فإن الرجل تبدو منه العورة، ولا يجوز التلفف بالثوب على وجه يخشى منه ظهور العورة.
وفسرت أيضا يجعل الثوب على أحد عاتقيه ويسدله على جانبيهه من غير ظبط العورة ولا ستر العورة، لأن الواجب ستر العورة.
وإن يحتبي الرجل بثوب واحد. احتباؤه كونه ينصب فخذيه وساقيه ويربط الثوب على ساقيه أو على أسفل ظهره، يقال له احتباء ويسمى هذا الاحتباء لأنه يبدي العورة إلى جهة السماء، وإذا صارت العورة غير مستورة قد يقل عليه من يمر عليه أو يقل ويكلمه ويرى عورته، فلا بد يكون عليه ثوب آخر، يعني عليه إزار أو سراويل حتى إذا احتبى تكون العورة مستورة.
أما إن يحتبي يربط الثوب على أسفل ظهره وعلى رجليه وتبقى عورته بارزة إلى جهة السماء غير مستورة، هذا ما يجوز.
المسألة الرابعة: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الصلاة بعد الصبح وبعد العصر، نهى عن الصلاة بعد الصبح حتى تطلع الشمس، وبعد العصر حتى تغيب الشمس، هذان الوقتان نهي عن الصلاة فيهما، ولو صلى الناس الفجر نهي عن الصلاة حتى تطلع الشمس وهكذا بعد طلوع الفجر لا يصلي إلا ركعتي، سنة الفجر، ثم الفريضة يصليها.
لكن يستثنى من ذلك ذوات الأسباب، كتحية المسجد، إذا دخل بعد الصبح أو بعد العصر يصلي تحية المسجد، صلاة الجنازة إذا صلى عليها بعد الفجر أو بعد العصر في الوقتين الطويلين، صلاة الكسوف، صلاة الطواف، هذه مستثناة لأنها من ذوات الأسباب لو طاف بمكة بعد العصر أو بعد الصبح لقوله صلى الله عليه وسلم:<< لا تمنعوا أحدا طاف بهذا البيت وصلى أية ساعة شاء من ليل أو نهار >>.
والحديث الثالث حديث أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: << من صام يوما في سبيل الله بعَّد الله وجهه عن النار سبعين خريفا.
هذا معناه – والله أعلم – في طاعة الله، فمن صام يوما يبتغي وجه الله والدار الآخرة فله هذا الأجر العظيم، وأسباب بعده من النار وسلامته من دخول النار، فالصيام من أفضل الأعمال ومن أفضل القر، وهو جنة بين العبد وبين النار، فإذا صام ابتغاء وجه الله، لا رياء ولا سمعة، ولا لمقصد آخر بل ابتغاء وجه الله فله هذا الأجر العظيم. وقال بعضهم: معنى في سبيله: في الجهاد، ولكن ليس بالظاهر، لأن الجهاد مأمور فيه بالإفطار، لأن المجاهد مأمور بالإفطار لأنه أقوى له على الجهاد، جهاد الأعداء، إذا أفطر يكون أقوى له في الجهاد.
لكن المراد والله أعلم – يعني صام يوما في سبيله: في طاعة الله وابتغاء مرضاته، لا رياء ولا سمعة، ولا المقاصد أخرى، بل صامه ابتغاء وجه الله. فهذا من أسباب دخول الجنة، صوم التطوع فيه خير كثير وفضل كبير، أما الواجب فرمضان فقط، والكفارات كذلك فريضة، لكن إذا صام يوما في سبيل الله في طاعة الله نفلا فله أجر عظيم، وهو من أسباب السلامة من النار.
وفق الله الجميع، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله واصحابه.

  #8  
قديم 17 ذو الحجة 1429هـ/15-12-2008م, 03:55 AM
حفيدة بني عامر حفيدة بني عامر غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: بلاد الحرمين .
المشاركات: 2,423
افتراضي شرح عمدة الأحكام للشيخ: عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين (مفرغ)

قال المؤلف رحمنا الله تعالى وإياه:
باب أفضل الصيام وغيره

عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما , قال: أُخبر النبي صلى الله عليه وسلم أني أقول: والله لأصومن النهار ولأقومن الليل ما عشت , فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((أنت الذي قلت ذلك))؟ فقلت له: قد قلته بأبي أنت وأمي يارسول الله , قال:((فإنك لا تستطيع ذلك , فصم وأفطر وقم ونم وصم من الشهر ثلاثة أيام , فإن الحسنة بعشر أمثالها , وذلك مثل صيام الدهر)) قلت: إني لأطيق أفضل من ذلك , قال: ((فصم يوما وأفطر يومين)) قلت: إني لأطيق أفضل من ذلك ، قال:((فصم يومًا وأفطر يومًا , فذلك صيام داود عليه السلام , وهو أفضل الصيام)) قلت: إني لأطيق أفضل من ذلك , فقال: ((لا أفضل من ذلك)) .
وفي رواية قال:((لا صوم فوق صوم أخي داود عليه السلام , شطر الدهر , صم يوما وأفطر يوما)) .
وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن أحب الصيام إلى الله صيام داود عليه السلام , وأحب الصلاة إلى الله صلاة داود عليه السلام , كان ينام نصف الليل ويقوم ثلثه وينام سدسه , وكان يصوم يوما ويفطر يوما)) .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: أوصاني خليلي رسول الله صلى الله عليه وسلم بثلاث: صيام ثلاثة أيام من كل شهر , وركعتي الضحى , وأن أوتر قبل أن أنام)).
الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم , والحمد لله والصلاة والسلام على محمد .
هذه الأحاديث تتعلق بصيام التطوع ، الله تعالى فرض جنس الصيام وهو شهر رمضان , فرضه وألزم به ، وجعله ركنا من أركان الإسلام ، ورغب النبي صلى الله عليه وسلم في التطوع , يعني في جنس الصيام زائدا عن الفرض ، وفعل جنس ذلك , فثبت عنه أنه كان يسرد الصيام أحيانا حتى يقولوا: لا يفطر . ويسرد الفطر أحيانا حتى يقولوا: لا يصوم . ولكنه لم يستكمل صيام شهر بأكمله إلا شهر رمضان ، وغالبا أنه يصوم من كل شهر أياما .
وقد حث ورغب على جنس الصيام ، فرغب في صيام ستة أيام من شهر شوال , من هذا الشهر . في صحيح مسلم عن أبي أيوب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:((من صام رمضان ثم أتبعه ستا من شوال فكأنما صام الدهر)) , ورغب في صيام أيام عشر ذي الحجة ما عدا العاشر وهو يوم العيد ، وأخبر في بعض الروايات بفضل صيامهن وبالأخص صيام يوم عرفة ، كما تقدم . وكذلك رغب في صيام يوم عاشوراء , وهكذا في التنفل المطلق . ورغب في صيام كل اثنين وكل خميس , وأخبر بأن الأعمال تعرض فيهما على الله , يقول:((فأحب أن يعرض عملي وأنا صائم)), ورغب في صيام أيام البيض التي هي الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر من كل شهر .
ورغب في صيام ثلاثة أيام من كل شهر , وهو موضوع هذه الأحاديث , أوصى بذلك بعض أصحابه , أوصى أبا هريرة ، وأوصى أبا ذر ، أوصى كلا منهما بثلاث , يقول:((أوصاني خليلي بثلاث: صيام ثلاث أيام من كل شهر ، وركعتي الضحى ، وأن أوتر قبل أن أنام)) فأما الوتر قبل النوم فجعله من باب الاحتياط ، وقيل: إن أبا هريرة كان يدرس الحديث في أول الليل فلا يتمكن من القيام في آخر الليل , فكان يصلي أول الليل ويوتر قبل أن ينام ، لكنه بعد ذلك كان يقوم أكثر الليل أو ثلث الليل . وأما ركعتا الضحى فالمراد أن يصلي في الضحى ركعتين نفلا وإن زاد فله أجر , أما صيام ثلاثة أيام من كل شهر فقد أوصاه بذلك وأوصى به أيضا عبد الله بن عمرو بن العاص .
وكان عبد الله في أول شبابه من العباد, من العباد المبالغين في العبادة , فالتزم أن يصوم النهار وأن يقوم الليل , أن يصوم الدهر كله ولا يفطر أبدا , وأن يقوم الليل كله ولا ينام أبدًا , التزم بذلك حتى أنه لما تزوج لم يتفرغ لزوجته , فاشتكاه أبوه إلى النبي صلى الله عليه وسلم , فلما حضر عنده قالله: ((إن لنفسك عليك حقا , وإن لزوجك عليك حقا , وإن لأهلك عليك حقا , وإن لربك عليك حقا , فأعط كل ذي حق حقه)) لما أنه التزم بهذا الأمر الذي فيه مشقة صيام النهار كله وقطع نفسه عن الشهوات , وقيام الليل كله وعدم التفرغ لأية شهوة من الشهوات المباحة , حتى أنه كان يقرأ القرآن كله في كل ليلة , قال له: ((كم تصوم))؟قال:كل يوم ، فقال:((كم تختم))؟ قال: كل ليلة . يعني يختم القرآن كل ليلة ويصوم النهار .
فعند ذلك أخبره بأنه إذا فعل ذلك كلف نفسه وشق على نفسه , ففي الصيام نزله إلى أن يصوم يوما ويفطر يوما , أمره أولا بأن يقتصر على ثلاثة أيام من كل شهر , يقول: فشددت , فشددعليَّ, وقلت: إني أطيق أفضل أو أكثر من ذلك, فعند ذلك نقله إلى أن يصوم ثلث الدهر , أن يصوم الثلث , يفطر يومين ويصوم يوما , ولكنه لم يقتنع وطلب أن يزاد , أن يزداد في الصيام , وقال: إني أطيق أفضل من ذلك أو أكثر من ذلك , فرقاه إلى أن يصوم النصف , أن يصوم نصف الدهر , يصوم يوما ويفطر يوما ، ولكنه أيضا لم يقتنع بل طلب الزيادة , تمنى أن يصوم أكثر الدهر .
لكن النبي صلى الله عليه وسلم قصره على ذلك ولم يرخص له في الزيادة على نصف الدهر , يصوم صوم داود , يصوم يوما ويفطر يوما . التزم بذلك .
وأمره في القيام أن يقوم ثلث الليل , الثلث كثير , وأمره بأن يقرأ في كل ليلة سبع القرآن , فيختم في كل سبع ليال, كل ليلة يقرأ فيها السبع , هكذا التزم .
ولكنه أسف بعد ذلك , لما طالت به الحياة ثقل عليه هذا الصوم الذي هو سرد أو الاستمرار في أن يصوم يوما ويفطر يوما , ثقل عليه ذلك وتمنى أن يكون قبل الرخصة , تمنى أن يكون قبل صوم ثلاثة أيام من كل شهر , ولكن لم يترك ما التزمه في عهد النبي صلى الله عليه وسلم , كره أن يترك شيئا فارق عليه النبي صلى الله عليه وسلم ، فكان أحيانا إذا أراد أن يريح نفسه أفطر أياما وأحصاهن ، أفطر مثلا عشرة أيام ليريح نفسه متوالية , ثم صام بعددهن عشرة متوالية ؛ كراهية أن يترك شيئا فارق عليه النبي صلى الله عليه وسلم .
أما القيام فكان إذا أراد أن يخف عليه القرآن عرضه على بعض أهله نهارا , يقرأ السبع في النهار , يقرأ مثلا في الليلة الأولى البقرة وآل عمران والنساء , ثم قبل أن يأتي الليل يعرضها , يقرؤها على بعضهم حتى تخف عليه في الليل ، هكذا التزم، التزم بذلك إلى أن توفي وهو على ذلك لم يخل بما فارق عليه النبي صلى الله عليه وسلم .
قد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن هذا صوم داود, وأن القيام قيام داود , كان داود يصوم يومًا ويفطر يومًا ، داود عليه السلام نبي من أنبياء الله قد آتاه الله الملك والحكمة , كما أخبر بذلك في قوله:{وقتل داود جالوت وأتاه الله الملك والحكمة وعلمه مما يشاء} كذلك قد فضله بفضائل في قوله تعالى:{واذكر عبدنا داود ذا الأيد إنه أواب إنا سخرنا الجبال معه يسبحن بالعشي والإشراق والطير محشورة كل له أواب وشددنا ملكه وآتيناه الحكمة وفصل الخطاب} فكان من الشاكرين امتثالا لقول الله:{اعملوا آل داود شكرا وقليل من عبادي الشكور} التزم داود ألا يمر على أهله وقت إلا وفيهم مصل أو تال أو عابد بأية عبادة ؛ حتى يكونوا شاكرين لما أعطاهم الله تعالى , التزم داود هذا الوصف أن يصوم يوما ويفطر يوما , أما في القيام فالتزم أن ينام النصف الأول من الليل ثم يقوم ثلث الليل ، الثلث الذي بعد النصف , ثم يريح نفسه سدس الليل الأخير الذي قبيل الفجر , فيكون قيامه الثلث الذي في وسط الليل ، الذي يبدأ من نصف الليل الثاني . هكذا كان قيام داود وهكذا كان صيامه .
وبكل حال من قدر على هذا الذي هو صوم داود صامه وله أجر , ومن اقتصر على أن يصوم أيام البيض فله ما نواه وله أجره , ومن زاد على ذلك فله أجره , ومن صام مثلا كل اثنين وكل خميس لما ذكرنا من أن الأعمال ترفع فيهما فإن له أجره , ومن اقتصر على صيام أيام البيض أو ثلاثة أيام من كل شهر فله أجره .
كان عبد الله بن عمر بن الخطاب يصوم ثلاثة أيام من كل شهر , يستمر على ذلك ولكنه يصومها من أول الشهر ولا ينتظر أيام البيض فقيلله: لماذا لا تؤخرها إلى أيام البيض؟ فقال: وما يدريني أني أعيش إلى البيض ، يقول: ربما أموت قبل أيام البيض , أو ربما يشغلني شاغل , فكان يقدمها .
وعلى كل حال من أراد أن يتطوع بهذه الأيام , أن يصوم ثلاثة أيام من كل شهر جاز أن يصومها ثلاثة من أول الشهر , وجاز من وسطه , وجاز من آخره , وجاز أن تكون متوالية ، وأن تكون متفرقة ، يصوم من أوله يوما ومن وسطه يوما ومن آخره يوما مثلا , أو يصوم يوما ويفطر يوما إلى أن يتم الثلاثة , الكل جائز يصدق عليه أنه صام ثلاثة أيام من كل شهر وهي عشر الشهر .
وقد بين النبي عليه السلام الحكمة فيها أن الحسنة بعشر أمثالها , وحينئذ كأنه صام الشهر كله , إذا صام ثلاثة أيام فكأنها ثلاثون يوما , أي كأنه الشهر , ثم يصوم من الشهر الثاني ثلاثة أيام فكأنه صام الثلاثين يوما , فيصبح كأنه قد صام الدهر مع أنه لم يصم إلا عشر الدهر , ولكن الله تعالى يضاعف لمن يشاء .
أما صيام الدهر فقد ورد النهي عنه , في بعض الأحاديث أنه عليه الصلاة والسلام قال: ((لا صام من صام الدهر)) وفي رواية ((لا صام من صام الدهر ولا أفطر)) يعني أنه أشغل نفسه وأتعب نفسه , فلا صام صياما يعني يحصل له به الامتثال ولا أفطر . ومع ذلك فقد نقل كثير من السلف أنهم يسردون الصيام ولا يفطرون إلا يوم العيد أو أيام التشريق , لا يفطرون إلا الأيام التي نهي عنها , يسرد أحدهم الصوم ومع ذلك يخفي نفسه , يخفي حالته ، لا يشعر به حتى أهله , فكان بعضهم إذا أصبح أخذ رغيفين , خبزتين من خبز أهله وخرج بهما , يظن أهله أنه أكلهما ويظن أهل السوق أنه قد أكل في بيته , إذا دخل السوق تصدق بهما على المساكين فيتم صيامه ولا يشعر به أحد .
وعلى كل حال هذا من باب الاجتهاد , وإن كان فيه شيء من التشديد على النفس , فهو فيه شيء من الضيق والضرر على النفس . وأما صيام يوم وفطر يوم فإن فيه إراحة النفس في نصف الأيام وفيه تعويدها على هذا الصبر الذي هو صيام هذه الأيام الكثيرة , وفيه الاقتداء بنبي من أنبياء الله تعالى .
القارئ: بسم الله الرحمن الرحيم.
عن محمد بن عباد بن جعفر قال: سألت جابر بن عبد الله: أنهى النبي صلى الله عليه وسلم عن صوم يوم الجمعة؟ قال: نعم . وزاد مسلم: ((ورب الكعبة)) .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((لا يصومن أحدكم يوم الجمعة إلا أن يصوم يوما قبله أو يوما بعده)) .
وعن أبي عبيد مولى بن أزهر واسمه سعد بن عبيد , قال: شهدت العيد مع عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال: هذان يومان نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صيامهما: يوم فطركم من صيامكم , واليوم الآخر الذي تأكلون فيه من نسككم .
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: ((نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صوم يومين: النحر والفطر , وعن اشتمال الصماء , وأن يحتبي الرجل في الثوب الواحد , وعن الصلاة بعد الصبح والعصر)) . أخرجه مسلم بتمامه . وأخرج البخاري الصوم فقط .
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من صام يوما في سبيل الله بَعَّدَ الله وجهه عن النار سبعين خريفا))
الشيخ: هذه أحاديث تتعلق بصيام التطوع ، ما يصح صومه ، وما لا يجوز صومه ، فالحديثان الأولان في حكم صوم يوم الجمعة , قد يجب صوم يوم الجمعة كما إذا كان في أيام رمضان , في شهر رمضان يقع عدة أيام جمع , أربع جمع أو خمس جمع ويصومها المسلمون ولا يفطرونها ؛ وذلك لأنها في وسط الشهر الذي أمروا بصيامه .
وكذلك إذا كان الإنسان يسرد الصوم فإنه إذا مر به يوم الجمعة في أثناء صيامه فإنه يصومه , وكذلك إذاكان يخصه أو ناسب له لموجب ولسبب فإنه يصومه , مثاله إذا كان الإنسان يصوم يوما ويفطر يوما كصوم داود ووافق أنه أفطر يوم الخميس وصام يوم الجمعة , وأفطر يوم السبت وصام يوم الأحد , وأفطر يوم الاثنين وصام يوم الثلاثاء وهكذا , ففي هذا اليوم أنه صام يوم الجمعة مع فطره اليومين الذي قبله والذي بعده , ولكن قصد بذلك أن يتبع فيصوم يومًاويفطر يوما .
أما صومه المنهي عنه في هذه الأحاديث في قول جابر: إي ورب الكعبة , يعني نهى عن صوم يوم الجمعة ورب الكعبة يعني أقسم بذلك أنه نهى عن صوم يوم الجمعة . وفي الحديث الثاني أنه رخص فيه إذا ضم إليه يوما , إذا صام معه يوما قبله أو يوما بعده فإن ذلك يجوز الصيام ويزيل المحظور , ففي بعض الروايات أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل على إحدى أمهات المؤمنين وهي صائمة أو على إحدى بناته فقال:((أصمتِ أمس)) يعني يوم الخميس قالت: لا ، قال:((أتصومين غدا)) يعني يوم السبت قالت:لا , قال:((فأفطري)) فنهاها عن إفراد يوم الجمعة .
فدل على أن النهي يختص بتخصيص يوم الجمعة بدون أن يصوم معه يوما قبله أو يوما بعده , ويزول المحظور إذا صام يوم الخميس والجمعة أو صام يوم الجمعة والسبت ، هذا وجه النهي , وسببه أن يوم الجمعة عيد الأسبوع , فتحصيصه بالصيام ليس له مزية , والأعياد الأصل أنها أيام أفطار , فعيد الأسبوع هو يوم الجمعة , ولعل النهى أيضا ألا يعتقد له مزيه لأنه يوم الأعمال أو يوم الراحة أو نحو ذلك . ومن المعلوم أن عيد الأسبوع للنصارى يوم الأحد وعيد الأسبوع لليهود يوم السبت , وعيد الأسبوع لهذه الأمة يوم الجمعة , فلأجل ذلك نهي عن إفراده بالصوم .وبعد الأذان نكمل البقية.
أما الحديثان بعده في النهي عن صوم يومي العيدين: يوم عيد الفطر وهو أول يوم من شوال , ويوم عيد النحر وهو اليوم العاشر من شهر ذي الحجة كما هو معروف . صوم هذين اليومين حرام . وردت أدلة تدل على التحريم , وعلل صوم يوم النحر بأنه اليوم الذي تذبح فيه الأنساك فيقول:((تأكلون فيه من نسككم)) فالحجاج يذبحون فيه قربانهم وفديتهم ، وغير الحجاج يذبحون فيه أضاحيهم , وكلها مناسك , كلها نسك ، فيذبحونها فمن آثار ذلك ألا يصوموا , وأن يأكلوا من ذبائحهم , ومن الطعام الذي أحله الله لهم وأمرهم بالأكل منها في قوله تعالى: {فكلوا منها وأطعموا البائس الفقير} ، {فكلوا منها وأطعموا القانع والمعتر} .
...{فكلوا منها وأطعموا البائس الفقير} ، {فكلوا منها وأطعموا القانع والمعتر} , ولو صاموا لما أكلوا منها أكلاً مطلقا , وإن كانوا قد يأكلون إذا أفطروا ليلا ، ولكن الأكل المعتاد هو الأكل منها حينما تذبح يعني نهارا ، وبذلك يعرف حكمة الله .
كذلك أيضا لا شك أنه يوم فرح , يوم العيد عيد الأضحى يوم فرح ؛ وذلك لأن الحجاج يفرحون بإتمام نسكهم, وغير الحجاج يفرحون بإتمام أعمالهم حيث عملوا فيها من الأعمال ما يرجون ثوابه , يعني صاموا في تلك الأيام وتصدقوا ، وكذلك ذكروا الله وكبروه وعبدوه , فكان عليهم أن يشكروا نعمة الله ، وأن يفرحوا بما أعطاهم الله تعالى ، وبما أباح لهم . ويوم الفرح هو اليوم الذي تسر فيه النفوس ، فلا يناسب أن يصوموه .
وأيضا فإن هذا اليوم مع الأيام التي بعده وهي أيام التشريق كلها أيام ذبح ، ولو صاموا لشقّ عليهم الصوم مع الاشتغال بذبح القربان ، وبالتصدق به وما أشبه ذلك ، ولو صامه الحجاج لشقت عليهم الأعمال التي يعملونها ، فإنهم في يوم العيد يذبحون وكذلك يرمون ، ويحلقون ويطوفون ويسعون ، فيتكلفون تكلفا . والصيام قد يتعبهم , فنهوا عن الصيام حتى ولو كانوا من أهل مكة ، وكذلك تبعهم غيرهم من أهل القرى في أنهم لا يشرع لهم الصيام في هذه الأيام .
أما أيام التشريق الثلاثة التي بعد العيد وهي الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر من شهر ذي الحجة ، فهذه أيضا لا يجوز صومها , وهي أيام أكل وشرب , وتسمى أيام منى , ثبت أنه صلى الله عليه وسلم قال:((أيام منى أيام أكل وشرب وذكر لله عز وجل)) , والأكل والشرب ينافي أن يكون هناك صيام ؛ لأنه يقلل من التمتع بنعم الله تعالى وبرزقه , فناسب أن الحجاج وكذلك غيرهم من المقيمين , ناسب أنهم يفطرون في أيام التشريق ؛ ولأنهم في تلك الأيام غالبا يذبحون ولا يزال عندهم بقية من لحوم الأضاحي , فناسب أنهم يأكلون منها ولا يصومون .
أما يوم عرفة فقد تقدم أنه اليوم الذي فضله كبير , وأن صيامه عظيم وأجره كبير إلا للحجاج ، فالحجاج يفطرون يوم عرفة , ورد النهي عن صوم يوم عرفة بعرفة , وورد الأمر بصوم عرفة لغير الحجاج , فيعتبر يوم عرفة للحجاج من أيام الأعياد ؛ في حديث أنه صلى الله عليه وسلم قال:((يوم عرفة ويوم النحر وأيام التشريق عيدنا أهل الأسلام , وهي أيام أكل وشرب)) .
أما عيد الفطر وهو اليوم الأول من شهر شوال فإنه يحرم أيضا صومه ؛ لكثرة الأحاديث التي تنهى عن صيامه . والحكمة فيه أنه يوم فرح , بأي شيء هذا الفرح ؟ الفرح المذكور بإكمال الصيام , لما أن الله تعالى وفق العباد فأكملوا صيام شهرهم وقضوه وأتموه , أتموا هذا الشهر بكماله: قيامًا صيامًا , قراءة عبادة , انتهى هذا الشهر -ناسب أن يظهروا الفرح بهذه الأعمال , فجعل لهم يوم عيد بعد هذا الشهر مباشرة , اليوم الذي يلي رمضان جعل يوم عيد يظهرون فيه سرورهم وابتهاجهم ، ولا يجوز لهم والحال هذه أن يصوموا .
وأيضا فأمرهم بالفطر ليحصل الفصل بين رمضان وغيره , ليحصل أنهم أفطروا اليوم الذي يلي رمضان ، فيتميز رمضان عن غيره , يتميز آخره كما أمروا أن يميزوا أوله . وبذلك عرف أن صيام هذين اليومين: يوم الفطر ويوم النحر أنه ممنوع ومحرم لهذه الحكم .
في هذا الحديث النهي عن صوم يومين: يوم الفطر ، ويوم الأضحى , والنهي عن صلاتين: صلاة بعد العصر ، وصلاة بعد الفجر , يعني في أوقات النهي , قد تقدم الكلام عليها في الصلاة . وكذلك النهي عن لبستين: عن اشتمال الصماء وعن الاحتباء , أن يحتبي الرجل في الثوب الواحد , وهذه تتعلق باللباس , اشتمال الصماء: هو لبس الثوب الذي ..أو الالتفاف بالثوب الذي ليس له منافذ , أن يلف على بدنه رداء مثلا أو كساء , ولا يجعل ليديه فرجا يخرجها منه ، فيكون كأنه أصم , كأن هذا الثوب أصم , الصمم: هو انسداد الأذنين ، فكذلك اشتمال الصماء الالتفاف بالثوب الذي ليسله منافذ , ولعل الحكمة فيه أنه ربما يحتاج إلى إخراج يده ، فإذا أخرج يده من تحت الثوب الذي ليس عليه غيره بدت عورته ، أو نحو ذلك , أو مس عورته أو أنه قد يحتاج إلى عمل بيديه ولا يستطيع العمل بهما ما دام قد التف بهذا الثوب . هذا اشتمال الصماء .
وأما الاحتباء, فالاحتباء: هو أن يجلس الإنسان على إليتيه وينصب قدميه ويرفع ركبتيه ، ويلف على ظهره وعلى ساقيه ثوبا ليس بين عورته وبين الأرض شيء , يحتبي في هذا الثوب وهو جالس . والحكمة في النهي أنه ربما يقوم فتبدو عورته ، وربما يميل يمنة أو يسرة فتبدو عورته ، والإنسان مأمور بأن يحفظ عورته ، ويسترها عن الناس ؛ لأنها كاسمها عورة وسوءة . وقد جعل الله عقوبة آدم وحواء لما أكلا من الشجرة أن بدت لهما سوءاتهما ، يعني عوراتهما ، فالإنسان يحافظ عما يعيبه أو ينشر له سمعة سيئة .
بقي الحديث الأخير يقول فيه صلى الله عليه وسلم: ((من صام يوما في سبيل الله بعد الله وجهه عن النار سبعين خريفا)) حديث صحيح , فيه فضل الصوم في سبيل الله , قيل: المراد: الصوم وهو غاز , أكثر ما يطلق (سبيل اللهعلى الغزو) عندما يذكر الله هذا الاسم ينصرف إلى الغزاة في قوله: {ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله} يعني في الغزو , وفي قوله تعالى: {وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِم} وما أشبه ذلك [1][لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر والمجاهدون في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم] فسبيل الله المراد به الغزو .
معلوم أن الغزو غالبا يكون في سفر , الغازي يحتاج إلى سفر , يقطع مسافة قد تستغرق سنة ، وقد تستغرق شهرا, وقد تستغرق أياما في هذا الغزو , ومع ذلك السفر مظنة المشقة , ومع ذلك رغب في الصوم فيه ، وردت أدلة في النهي عن الصوم في السفر مع المشقة كقوله: ((ليس من البر الصوم في السفر)) كما تقدم , ولكن إذا لم يكن هناك مشقة أو كان الإنسان لا يعوقه الصوم وصام في هذا الغزو حصل على أجر،وظفر بمضاعفة الثواب، فلأجل ذلك جعل الله الصوم في سبيل الله سببا لإبعاده عن جهنم ((بعد الله وجهه عن النار سبعين خريفا)) .
هناك قول أن المراد بقوله: ((من صام يوما في سبيل الله)) أن المراد بسبيل الله ليس هو الغزو وإنما المراد سبيل الله الذي هو الطريق الموصل إلى الله , يقولون: كل شيء يوصل إلى الله فإنه من سبيل الله ، فلذلك يقولون مثلا: صلى في سبيل الله , تصدق في سبيل الله , صام في سبيل الله , حج في سبيل الله .
روي أن رجلا سَبَّلَ بعير له في سبيل الله فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((الحج من سبيل الله)) يعني أعطه من يحج عليه , وكأنه في سبيل الله في الغزو , فدل على أن سبيل الله هو كل عمل يبتغى به وجه الله , فمعناه أن من صام يوما ابتغاء وجه الله وطلبا لما يوصل إلى الله فإنه يستحق هذا الثواب , وهو أنه يبعد الله وجهه عن النار سبعين خريفا , وذلك فضل كبير, فيدل على فضل صوم التطوع , وأن الإنسان إذا صام تقربا إلى الله تعالى وأكثر من الصوم فكل يوم يصومه له هذا الأجر .
ولذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم أحيانًايكثر الصوم ، فيسرد الصوم حتى يقال: لا يفطر . وأحيانا يسرد الفطر حتى يقال: لا يصوم , ولكنه غالبا يصوم من كل شهر ويرغب في الصيام من كل شهر ولو ثلاثة أيام ، أو ما تيسر منها ؛ ذلك لأن الصيام عمل بر يحبه الله تعالى , وقد اصطفاه لنفسه في قوله:((الصوم لي وأنا أجزي به))

[1]ربما قصد الشيخ: {لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر والمجاهدون في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم}فما ذكره ليس بآية .



موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
أفضل, باب

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 12:19 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir