دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > العقيدة > متون العقيدة > لمعة الاعتقاد

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 3 ذو القعدة 1429هـ/1-11-2008م, 12:30 AM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,453
افتراضي أفضل الصحابة أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي

وَأَفْضَلُ أُمّتِهِ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ، ثُمَّ عُمَرُ الفَارُوقُ، ثُمَّ عُثْمَانُ ذُو النُّورَيْن، ثُمَّ عَليٌّ المُرْتَضَى، رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ، لِمَا روي عن عَبْدِ اللهِ بن عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: (كُنَّا نَقُولُ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَيٌّ: أَفْضَلُ هذِهِ الأمَّةِ بَعْدَ نَبيِّهَا أَبُو بَكْرٍ، ثمَّ عُمَرُ، ثُمَّ عُثْمَانُ، ثمَّ عَليٌّ، فَيَبْلُغُ ذَلِكَ النَّبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلاَ يُنْكِرُهُ).
وَصَحَّتِ الرِّوَايَةُ عَنْ عَليٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: (خَيْرُ هَذِهِ الأُمَّةِ بَعْدَ نَبِيِّهَا صلى الله عليه وسلم أَبُو بَكْرٍ ثُمَّ عُمَرُ، وَلَو شِئْتُ لَسَمَّيْتُ الثَّالِثَ).
وَرَوَى أَبُو الدَّرْدَاءِ رضي الله عنه عَنِ النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّه قَالَ: ((مَا طَلَعَتِ شَّمْسُ وَلاَ غَرَبَتْ بَعْدَ النَّبِيِّينَ والمُرْسَلِينَ عَلَى أَفْضَلَ مِنْ أَبِي بَكْرٍ)).

  #2  
قديم 30 ذو القعدة 1429هـ/28-11-2008م, 12:58 AM
طيبة طيبة غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 1,286
Post شرح الشيخ ابن عثيمين

فأَبُو بَكْرٍ

: هوَ الصِّدِّيقُ عبدُ اللهِ بنُ عُثْمَانَ بنِ عَامِرٍ، مِنْ بَنِي تَيْمِ بنِ مُرَّةَ بنِ كَعْبٍ، أوَّلُ مَنْ آمَنَ بِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ مِن الرِّجَالِ، وصَاحِبُهُ في الهِجْرَةِ، ونَائِبُهُ في الصلاةِ والحَجِّ، وخَلِيفَتُهُ في أُمَّتِهِ، أَسْلَمَ عَلَى يَدَيْهِ خَمْسَةٌ مِن المُبَشَّرِينَ بالجنَّةِ: عُثْمَانُ، والزُّبَيْرُ، وطَلْحَةُ، وعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ عَوْفٍ، وسَعْدُ بنُ أَبِي وَقَّاصٍ، تُوُفِّيَ في جُمَادَى الآخِرَةِ سَنَةَ 13هـ عنْ 63 سَنَةً.

وهؤلاءِ الخَمْسَةُ مَعَ أبِي بَكْرٍ، وعَلِيِّ بنِ أبي طَالِبٍ، وزَيْدِ بنِ حَارِثَةَ، هُم الثمانِيَةُ الذينَ سَبَقُوا الناسَ بالإِسْلاَمِ، قالَهُ ابنُ إِسْحَاقَ، يَعْنِي: مِن الذُّكُورِ بَعدَ الرِّسَالَةِ.
وعُمَرُ


: هوَ أَبُو حَفْصٍ الفَارُوقُ عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ، مِنْ بَنِي عَدِيِّ بنِ كَعْبِ بنِ لُؤَيٍّ، أَسْلَمَ في السنَةِ السادسةِ مِن البَعْثَةِ بعدَ نَحْوِ أَرْبَعِينَ رَجُلاً وإِحْدَى عَشْرَةَ امْرَأَةً، فَفَرِحَ المسلمونَ بِهِ، وظَهَرَ الإسلامُ بِمَكَّةَ بَعْدَهُ.

اسْتَخْلَفَهُ أبو بَكْرٍ على الأُمَّةِ، فقَامَ بأعْبَاءِ الخِلافَةِ خَيْرَ قِيامٍ، إلى أنْ قُتِلَ شَهِيدًا في ذِي الحِجَّةِ سَنَةَ 23هـ عنْ 63 سَنَةً.
وعُثْمَانُ


: هوَ أَبُو عَبْدِ اللهِ(2) ذُو النُّورَيْنِ عُثْمَانُ بنُ عَفَّانَ، مِنْ بَنِي أُمَيَّةَ بنِ عَبْدِ شَمْسِ بنِ عَبْدِ مَنَافٍ، أَسْلَمَ قبلَ دُخُولِ النبيِّ صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ دَارَ الأَرْقَمِ، كانَ غَنِيًّا سَخِيًّا، تَوَلَّى الخِلاَفَةَ بعدَ عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ باتِّفَاقِ أَهْلِ الشُّورَى، إلى أنْ قُتِلَ شَهِيدًا في ذِي الحِجَّةِ سَنَةِ 35هـ عنْ 90 سَنَةً على أَحَدِ الأَقْوالِ.

وعَلِيٌّ


: وهوَ أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ أَبِي طَالِبٍ، واسْمُ أَبِي طَالِبٍ: عَبْدُ مَنَافِ بنُ عَبْدِ المُطَّلِبِ، أوَّلُ مَنْ أَسْلَمَ مِن الغِلْمَانِ، أَعْطَاهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ الرَّايَةَ يَوْمَ خَيْبَرَ، فَفَتَحَ اللهُ على يَدَيْهِ، وبُويعَ بالخِلاَفَةِ بَعْدَ قَتْلِ عُثْمَانَ رَضِيَ اللهُ عنْهُما، فَكَانَ هوَ الخَلِيفَةَ شَرْعًا، إلى أنْ قُتِلَ شَهِيدًا في رَمَضَانَ سَنَةَ 40هـ عنْ 63 سَنَةً.

وأَفْضَلُ هؤلاءِ الأَرْبَعَةِ:


أبو بَكْرٍ، ثُمَّ عُمَرُ، ثمَّ عُثْمَانُ، ثمَّ عَلِيٌّ؛ لحديثِ ابنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهما: ( كُنَّا نُخَيِّرُ بينَ الناسِ في زَمَنِ النبيِّ صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ، فنُخَيِّرُ أبا بَكْرٍ، ثمَّ عُمَرَ بنَ الخَطَّابِ، ثمَّ عُثْمَانَ بنَ عَفَّانَ)، رواهُ البُخَارِيُّ.
ولأبي دَاوُدَ: ( كُنَّا نقولُ - ورَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ حَيٌّ -: أفْضَلُ أُمَّةِ النبيِّ صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ بعدَهُ: أبو بَكْرٍ، ثمَّ عُمَرُ، ثمَّ عُثْمَانُ)، زَادَ الطَّبَرَانِيُّ في رِوَايَةٍ: (فيَسْمَعُ ذلكَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ فلا يُنْكِرُهُ)، هذا، ولَم أَجِد اللفْظَ الذي ذَكَرَهُ المُؤَلِّفُ بزيادَةِ: عَلِيِّ بنِ أبي طَالِبٍ(3).

---------------------------
حاشية الشيخ صالح العصيمي
(2) المعروف في كنيته أنه أبو عمرو رضي الله عنه.
(3) وما في رواية البخاري المتقدمة قبلها يرد ذلك فآخرها: (ثم نترك أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لا نفاضل بينهم).


  #3  
قديم 4 ذو الحجة 1429هـ/2-12-2008م, 01:12 PM
طيبة طيبة غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 1,286
Post شرح الشيخ ابن جبرين

ثمَّ أيضًا تَفاوُتُهم أفرادًا؛ فأَفْضَلُهم

أَبو بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ؛ خليفةُ النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، الَّذي لوْ تَكَلَّمْنا عنْ فضلِهِ ومِيزتِهِ وخَصائِصِهِ لَطَالَ بنا المُقَامُ.
وكذلكَ خَلِيفتُهُ عُمَرُ رَضِيَ اللهُ عنهُ، لهُ أيضًا فضلٌ كَثِيرٌ.
قدْ ذَكَرَ ابنُ كَثِيرٍ رَحِمَهُ اللهُ أنَّهُ كَتَبَ كِتابًا بَلَغَ ثلاثةَ مُجَلَّداتٍ كِبارٍ في فضلِ الشَّيْخَيْنِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا.
وابنُ كَثِيرٍ


مِن المُحَدِّثِينَ ومِنْ أهلِ المعرفةِ، فلا يَذْكُرُ إلاَّ ما هوَ صحيحٌ دونَ الأحاديثِ الضَّعيفةِ والموضوعةِ؛ وما ذاكَ إلاَّ لأنَّ الرَّافضةَ كَتَبوا في فضائلِ عَلِيٍّ مُجلَّداتٍ، وكذلكَ في فضائلِ الحَسَنِ والحُسَيْنِ وزَيْنِ العابِدِينَ مُجلَّداتٍ، ولكنَّها خُرَافاتٌ مَكْذُوبةٌ لا أَصْلَ لها.
رَأَيْتُ عندَ بعضِ الإِخْوَةِ كِتابًا اسْتَحْضَرَهُ مِنْ إيرانَ، مِنْ كُتُبِ السِّيَرِ الرَّافِضيَّةِ، بَلَغَ خمسةً وثلاثينَ مُجلَّدًا، في سِيرةِ أئِمَّتِهم الاثْنَيْ عَشَرَ، يَذْكَرُ في فَضْلِ كلِّ واحدٍ منهم مُجلَّدَيْنِ أوْ ثلاثةً، ولكنْ يَعْتَمِدُونَ على أَسَانِيدَ إنَّما هيَ أَكاذِيبُ يَتَصَوَّرُها ثمَّ يَسْرُدُها، ويُوْهِمُ أَتْباعَهُ أنَّهُ وَرَدَ في فضلِهم هذهِ القصصُ وهذهِ الوقائعُ، وحَصَلَ لهم ما حَصَلَ، وأنَّهم تَعَبَّدُوا بتلكِ العباداتِ، وأنَّهم فَتَحُوا وجَاهَدُوا وعَلِمُوا من العلومِ كَذا وكَذا.
إذا قَرَأَها الجاهلُ خُيِّلَ لهُ أنَّهم أَوْلِياءُ وأَصْفياءُ وصفوةُ أهلِ الأرْضِ، وأنَّهُ ما كانَ ولا يَكونُ مِثلُهم.
نحنُ نَقولُ:


الأئمَّةُ نَعْتَرِفُ بِفضلِهم، ولكنَّ هذهِ الأكاذيبَ لَيْسُوا بحاجةٍ إليها.
فأهلُ السُّنَّةِ والحمدُ للهِ لم يَرْوُوا في فضلِ أَئِمَّتِهم ولا خُلَفَائِهم شَيْئًا مِنْ تلكَ الأكاذيبِ والموضوعاتِ، ولا يَرْوُونَ إلاَّ بأَسَانِيدَ مُوَثَّقةٍِ، وإذا كانَ هناكَ أَسانِيدُ ضعيفةٌ نَبَّهُوا على ضَعْفِها.
فعَقِيدتُنا


أنَّ أَفْضَلَ الأمَّةِ أبو بَكْرٍ؛ وذلكَ لأنَّهُ صِدِّيقُ الأمَّةِ، كَما نَزَلَ في قولِهِ تعالى: {وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ}[الزُّمَر: 33]. الَّذي جاءَ بالصِّدْقِ هوَ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وصَدَّقَ بهِ أبو بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ؛ فلذلكَ سُمِّيَ بالصِّدِّيقِ لِمُبالَغتِهِ في التَّصْدِيقِ، وقِيلَ: إنَّ سَبَبَ تَسْمِيتِهِ أنَّهُ لمَّا حَدَّثَ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِحَادِثَةِ الإسراءِ الَّتي اسْتَغْرَبَها الكُفَّارُ، قالوا لأَبي بَكْرٍ: (إنَّ صَاحِبَكَ يَزْعُمُ أنَّهُ أُسْرِيَ بهِ إلى بيتِ المَقْدِسِ ورَجَعَ في ليلةٍ)، فقالَ: (صَدَقَ، إنِّي أُصَدِّقُهُ بأَعْظَمَ مِنْ ذلكَ؛ في خبرِ السَّماءِ)، فَمِنْ ثَمَّ سُمِّيَ بِالصِّدِّيقِ.
وفضائلُهُ مَشْهورةٌ، ولوْ لمْ يَكُنْ إلاَّ أنَّهُ صاحِبُ النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وقدْ صَرَّحَ اللهُ تعالى بِصُحْبَتِهِ في قولِهِ تعالى: {إذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنَا}[التَّوبة: 40].
وأيُّ فَضِيلةٍ أَعْظَمُ مِنْ هذهِ {إِنَّ اللهَ مَعَنَا}؟! المَعِيَّةُ الخاصَّةُ مَعِيَّةُ الْحِفْظِ والتَّوْفِيقِ، والكَلاءَةِ والرِّعايَةِ، والهِدايَةِ والإلهامِ، لا يُدْرِكُها غيرُهُ، وهذهِ الصُّحْبَةُ لا شكَّ أنَّهُ امْتازَ بها. وكذلكَ الرِّفْقةُ؛ كَوْنُهُ اخْتارَ أنْ يَصْحَبَ النَّبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأَعْطَاهُ إحْدَى رَاحِلتَيْهِ، ولكنَّهُ بَذَلَ الثَّمَنَ، ثمَّ مَشَى معَهُ وصَارَ يَحْرُسُهُ في طريقِهِ، ويَحْرِصُ على أنْ لا يَرَاهُ أحدٌ إلى أنْ وَصَلَ إلى المدينةِ، وهوَ ثاني اثنيْنِ إذْ هُما في الغارِ.
ثمَّ ما عُرِفَ أنَّهُ تَخَلَّفَ عن النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في غَزْوةٍ، ولا في سَرِيَّةٍ أبدًا، بلْ دائمًا هوَ في صُحْبتِهِ.
وكذلكَ أيضًا: أَنَابَهُ الرَّسولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الحَجِّ في سَنةِ تِسعٍ مِن الهجرةِ، وأَمَّرَهُ على الحَجِيجِ، وأَرْسَلَ عَلِيًّا لِيُبَلِّغَ أوَّلَ سُورَةِ (بَرَاءَةٌ).
والرَّافِضةُ يَقولونَ: إنَّهُ عَزَلَهُ في هذهِ الغَزْوةِ وأَمَّرَ عَلِيًّا؛ ومِنْ أجلِ ذلكَ يُعْلِنُونَ البَرَاءَةَ في اليومِ السَّابعِ مِنْ شهرِ ذي الحِجَّةِ، وفي المَشاعِرِ يَقولونَ: نحنُ نُبَلِّغُ مثلَ ما بَلَّغَ عَلِيٌّ.
هذهِ الْبَرَاءَةُ الَّتي يُعْلِنُونَها قبلَ يومِ التَّرْوِيَةِ بيومٍ، وكَذَبُوا على عَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عنهُ؛ فإنَّهُ ما بَلَّغَها إلاَّ في تِلْكَ السَّنَةِ، هوَ وغيرُهُ مِمَّنْ بَلَّغُوهَا.
ومِنْ فضلِهِ


أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَخْلَفَهُ في الصَّلاةِ لمَّا مَرِضَ، وقالَ: ((مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ))، فأَلْزَمَهُ بأنْ يُصَلِّيَ بالنَّاسِ، وصَلَّى بهم عِدَّةَ أيَّامٍ، واسْتَمَرَّ على الصَّلاةِ بهم.
ولمَّا تُوُفِّيَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اجْتَمَعُوا على بَيْعتِهِ ورَضُوا بهِ خليفةً، وقالُوا: رَضِينا لِدُنْيانا مَنْ رَضِيَهُ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِدِينِنا؛ إذ اخْتارَهُ لِدِينِنا إِمامًا في الصَّلاةِ، فإنَّنا نَرْضَاهُ أنْ يَكونَ خليفةً لِدُنْيَانَا، وأميرًا لِشُئُونِنا.
والأدلَّةُ على خِلافتِهِ كثيرةٌ.
وَالسُّيُوطِيُّ


رَحِمَهُ اللهُ في (تاريخِ الخُلَفَاءِ) اسْتَوْفَى كثيرًا مِن الأدلَّةِ الَّتي فيها إشاراتٌ، أوْ فيها دَلالاتٌ واضحةٌ على أنَّهُ هوَ الخليفةُ.
وقدْ تَقَدَّمَ قولُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((عَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ))، ولا شكَّ أنَّهُ أوَّلُهم.
وكذلكَ ثَبَتَ قولُهُ عليهِ السَّلامُ: ((اقْتَدُوا بِاللَّذَيْنِ مِنْ بَعْدِي: أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ)).
ثمَّ بعدَهُ في الفضلِ عُمَرُ رَضِيَ اللهُ عنهُ: وسُمِّيَ الفاروقَ؛ فاروقَ الأمَّةِ، الَّذي فَرَّقَ اللهُ بإسلامِهِ بينَ الحقِّ والباطلِ، وأَظْهَرَ اللهُ بإسلامِهِ الإسلامَ، وقَوِيَ المسلمونَ بعدَ أنْ أَسْلَمَ، وكانَ صارِمًا بَطَلاً شُجاعًا قَوِيًّا في أَمْرِ اللهِ تعالى.
أَسْلَمَ رَضِيَ اللهُ عنهُ بمَكَّةَ، ولمَّا أَسْلَمَ قالَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَلَسْنَا على حقٍّ؟ قالَ: ((نَعَمْ))، قالَ: فَلِمَاذَا نَسْتَخْفِي؟ فشَجَّعَهم وخَرَجُوا، وقدْ كانوا يَتَعَبَّدُونَ ويُصَلُّونَ في دارِ ابنِ أَبِي الأَرْقَمِ، فقالَ: سَوْفَ نُصَلِّي في المسجدِ الحَرامِ رَغْمَ مَنْ أَنْكَرَ علَيْنَا.
فخَرَجُوا في صَفَّيْنِ؛ في أحدِهما حَمْزَةُ، وفي الآخَرِ عُمَرُ.
فلمَّا رَآهُم المشرِكونَ أَصَابَهم اليَأْسُ والحَزَنُ؛ حيثُ عَرَفُوا أنَّ الإسلامَ قَوِيَ بإسلامِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهُ.
هاجَرَ رَضِيَ اللهُ عنهُ معَ جُمْلَةٍ مِن المهاجِرِينَ، وصَبَرَ ولازَمَ النَّبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وسافَرَ معَهُ، وصَارَ معَهُ دائمًا، وصَار قَرِينَهُ لا يُفارِقُهُ، وبَقِيَ كذلكَ إلى أن اسْتَخْلَفَهُ أَبو بَكْرٍ لمَّا حَضَرَهُ الموتُ، فَقَامَ بالأَمْرِ مِنْ بعدِهِ خيرَ القِيامِ، كما هوَ معروفٌ.
ولمَّا تُوُفِّيَ دُفِنَ إلى جانِبِ النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
ثُمَّ بعدَهُ في الفضلِ عُثَمانُ رَضِيَ اللهُ عنهُ: فلا شكَّ أيضًا أنَّهُ مِن المهاجِرِينَ الأوَّلِينَ، ومِن المسلِمِينَ القُدامَى، ويُسَمَّى: (ذَا النُّورَيْنِ)؛ لأنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَوَّجَهُ أوَّلاً ابْنَتَهُ رُقَيَّةَ، وتَخَلَّفَ عنْ غَزْوَةِ بَدْرٍ لِتَمْرِيضِها ثمَّ تُوُفِّيَتْ.
ولمَّا رَجَعَ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَوَّجَهُ أُخْتَها أُمَّ كُلْثومٍ، وبَقِيَتْ أيضًا حتَّى تُوُفِّيَتْ عِنْدَهُ، فقالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((لَوْ كَانَ عِنْدَنَا بِنْتٌ ثَالِثَةٌ لَزَوَّجْنَاهَا عُثْمَانَ))، فلمْ يَحْظَ أحدٌ بمثلِ ما حَظِيَ بهِ؛ فلذلكَ سُمِّيَ: (ذَا النُّورَيْنِ).
ثمَّ بعدَهُ في الفضلِ عَلِيٌّ رَضِيَ اللهُ عنهُ: ولا شكَّ في صِحَّةِ خِلافتِهِ، لَمَّا قُتِلَ عُثْمانُ رَضِيَ اللهُ عنهُ لمْ يَكُنْ هناكَ أحدٌ أَحَقَّ بالخِلافةِ مِنْ عَلِيٍّ، فتَمَّتْ لهُ البَيْعةُ، إلاَّ أنَّهُ خَرَجَ عليهِ مَنْ خَرَجَ لِلمُطالَبةِ بِدَمِ عثمانَ؛ كأهلِ الشَّامِ وأهلِ العِراقِ ونحوِهم، ثمَّ اخْتَلَفَت الأمَّةُ عليهِ إلى أنْ قُتِلَ.


  #4  
قديم 12 ذو الحجة 1429هـ/10-12-2008م, 10:54 PM
طيبة طيبة غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 1,286
Post شرح الشيخ :صالح آل الشيخ

فأفضلُ الصَّحابةِ وأعلاهم مقاماً
أبو بكرٍ الصّدِّيقُ رضيَ اللهُ عنه، ويليه عمرُ بنُ الخطَّابِ رضي اللهُ عنه، ثمَّ عثمانُ بنُ عفَّانَ رضيَ اللهُ عنه، ثمَّ عليٌّ رضي اللهُ عنه، وهؤلاء هم الخلفاءُ الأربعةُ الراشدون، فترتيبُهُم في الفضلِ كترتيبِهِم في الخلافةِ.

وكان هناك خلافٌ في القرنِ الأوَّلِ:
هل يُقدَّمُ عليٌّ على عثمانَ في الفضلِ أم لا يُقدَّمُ؟ مع إقرارِ الجميعِ بأنَّ عثمانَ أولى بالخلافةِ من عليٍّ، لكنْ هل عليٌّ أفضلُ أم عثمانُ؟

فكان من أهلِ الكوفةِ من أهلِ السّنَّةِ من يقولُ: (إنَّ
عليّاً أفضلُ) وبعضهم -وهم الجمهورُ والعامَّةُ- يقولون: (إنَّ عثمانَ أفضل) وهذا هو الَّذي استقرَّتْ عليه عقائدُ أهلِ السّنَّةِ والجماعةِ؛ من الأخْذِ بقولِ عامَّةِ علمائِهِم.
بل الأخذ بقولِ عليٍّ وقولِ الصَّحابةِ من أنَّ ترتيبَ الصَّحابةِ في الفضلِ كترتيبِهِم في الخلافةِ،
فعثمانُ مقدَّمٌ على عليٍّ رضي اللهُ عنه، وأولئك كانوا يسمَّون في الزَّمنِ الأوَّل الشِّيعةَ، فمن فضَّلَ عليّاً على عثمانَ نُسب إلى التَّشيّعِ، وهو غير الرفض الموجود بعد ذلك؛ الذي من علاماتِه: سبُّ الشَّيخينِ ولعنُهُما، والتَّبرّي من عثمانَ ومعاويةَ رضي اللهُ عن جميعِ الصَّحابةِ، والذين يقولون: (إنَّه لم يصحَّ إيمانُ إلا نفر من الصَّحابةِ، فقد ارتدَّ الأكثرون إلا طائفةً).

الصَّحابةُ طبقاتُهُم في الفضلِ من حيثُ الإجمالِ:

أنَّ المهاجرين أفضلُ الصَّحابةِ،
ويليهم الأنصارُ، ثمَّ مَنْ شهدَ بيعةَ الرِّضوانِ، ثمَّ من أسلَمَ قبل الفتحِ -فتح مكة-، ثمَّ من أسلم بعد ذلك، قال -جلَّ وعلا-: {لا يسْتَوي منكُمْ من أنفقَ من قبلِ الفتحِ وقاتلَ أولئك أعظمُ درجةً من الَّذين أنفقوا من بعدُ وقاتلُوا وكلاًّ وعدَ اللهُ الحسنى واللهُ بما تعملون خبيرٌ}، والفتحُ، المرادُ به هنا: صلحُ الحديبيَّةِ، فلا يستوي من بايعَ بيعةَ الرِّضوانِ ممَّن أسلمَ بعد ذلك، فهذه طبقاتُهُم في الفضلِ إجمالاً.

ونقول أيضاً:
إنّ جنسَ الصَّحابةِ أفضلُ من جنسِ من بعدَهُم، لكنْ قد يكونُ في أفراد من بعدَ الصَّحابةِ من هو أفضلُ من بعضِ الصَّحابةِ، لكنَّه من حيثُ الجنسِ والعمومِ فالصَّحابةُ أفضلُ هذه الأمَّةِ، لكنْ قد يكون فيمنْ بعدهم أفضلُ من بعضِ الصحابةِ في مقاماتِ الإيمانِ، والجهادِ، والإحسانِ؛ كما قرَّرَ ذلك أهلُ العلمِ، فالكلامُ على الجنسِ من حيثُ إنَّ الصَّحابةَ هم أفضل.
أفضلُ المهاجرين وأفضلُ الصَّحابةِ بل وأفضلُ هذهِ الأمَّةِ العشرةُ المبشَّرون بالجنَّةِ؛ وهم
أبو بكرٍ، وعمرُ، وعثمانُ، وعليٌّ، وطلحةُ بنُ عبيدِ اللهِ، والزُّبيرُ بنُ العوَّامِ، وسعيدُ بنُ زيدٍ، وسعدُ بنُ أبي وقَّاصٍ، وأبو عبيدةَ عامرُ بنُ الجرّاحِ، وعبدُ الرَّحمنِ بنُ عوفٍ، رضي اللهُ عنهم.
قال: (لا نشهدُ لمعيّنٍ بجنَّةٍ ولا نارٍ) قبلَ هذا نذكرُ حكمَ من سبَّ الصَّحابة،
سبُّ الصَّحابةِ ينقسمُ إلى أقسامٍ:

الأوَّلِ:
إنْ سبَّ جميعَهُم، أو حكمَ على أكثرِهِم بالكفرِ والرّدَّةِ إلا نفراً، فإنَّ هذا كفرٌ؛ لأنَّهُ ردَّ شهادةَ اللهِ -جلَّ وعلا- بقولِهِ: {لقد رضيَ اللهُ عن المؤمنينَ إذ يبايعونَكَ تحتَ الشَّجرةِ}، فقد ثبتَ أنَّ الَّذين بايعوا تحتَ الشَّجرةِ كانوا ألفاً وأربعمائةٍ، وفي بعضِ الرواياتِ أنَّهُم كانوا ألفاً وخمسمائة.

القسمُ الثَّاني:
أن يسبَّ بعضاً منهم، فهذا فيه تفصيلٌ: إن سبَّ بعضاً منهم من جهةِ اعتقادٍ، يعني: اعتقد فيهم أنَّهُم أخطأوا وأنهم فرّطوا، وأنَّهُم أصابَهُم ما أصابهم من جهةِ اعتقادٍ؛ كما يعتقدُ الخوارجُ، فإنّ هذا من كبائرِ الذُّنوبِ، ولا يُعد مخرجاً من الملَّةِ.
وإن كان سبَّ بعضَهُم من جهةِ الغيظِ؛ تغيظاً عليهم وحقداً عليهم، فإنَّ هذا كفرٌ، وخروجٌ من الملَّةِ.
قالَ أهلُ العلمِ: (لأنَّ اللهَ -جلَّ وعلا- قالَ في وصف صحابةِ رسولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-:
{ليغيظَ بهم الكفَّارَ} فمن كان في قلبِهِ غيظٌ على صحابةِ رسولِ اللهِ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- فيُوصفُ بما وصفه اللهُ -جلَّ وعلا- به من أنَّه من الكفَّارِ).

وأمَّا أمَّهاتُ المؤمنين:
فحُكْمُ سبِّهِن حكمُ سبِّ الصَّحابةِ.

وأمَّا قذفُ أمّهاتِ المؤمنين
أو واحدةٍ منهن عائشةَ أو غيرِهَا، يعني: بأنَّها لم تكن عفيفةً: فهو كفرٌ بالله، من قذف امرأةً من نساء رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقد كفر؛ لأنَّه ردَّ قولَ اللهِ -جلَّ وعلا- وما حكمَ به لنبيِّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وهذا يختلفُ عن حالِ من قذفَ في عهدِهِ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- لأنَّ أولئك نزلت الآياتُ بعد شأنِهِم في حادثةِ الإفكِ المشهورةِ.

وأما بعدَ ذلك، لمَّا نزلت الآياتُ في التَّبرئةِ، وبعد نزولِ قولِهِ تعالى:
{يعظُكُمُ اللهُ أن تعودوا لمثلِهِ أبداً إن كنتُمْ مؤمنين} فجعل ذلك شرطَ الإيمانِ، بعد ذلك من قذفَ امرأةً من نساءِ رَسولِ اللهِ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- فإنَّهُ يكفرُ بذلك كما قرَّرهُ أهلُ العلمِ، وفي المسألةِ مباحثُ أُخر؛ يطلبها المستزيدُ من مظانِّهَا.

  #5  
قديم 12 ذو الحجة 1429هـ/10-12-2008م, 10:56 PM
طيبة طيبة غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 1,286
Post شرح الشيخ:صالح الفوزان .حفظه الله (مفرغ)

المَتْنُ: وَأَفْضَلُ أُمَّتِهِ أبو بكرٍ الصدِّيقُ.
الشَّرْحُ: ثمَّ الصحابةُ رَضِيَ اللهُ عنهم يَتَفَاضَلُونَ أيضاً بالسَّبْقِ إِلى الإِيمانِ، وَبالجهادِ، وَالهِجْرَةِ وَالنُّصْرةِ، يَتَفَاضَلُونَ {لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلاًّ وَعَدَ اللهُ الْحُسْنَى وَاللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ}.

فالصحابةُ يَتَفَاضَلُونَ بِسَبْقِهِمْ إِلى الإِسلامِ، وَلِجِهَادِهِمْ وَهِجْرَتِهِمْ وَنُصْرَتِهِم للرسولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَعِلْمِهِمْ، يَتَفَاضَلُونَ في هذا، لَكِنْ هُمْ في جُمْلَتِهِمْ همْ خَيْرُ القرونِ وَأَفْضَلُ الأُمَمِ، وَإِنْ كَانُوا فيما بَيْنَهُم يَتَفَاضَلُونَ.

فالمهاجرونَ منهم أَفْضَلُ مِن الأنصارِ.المهاجرونَ الذينَ تَرَكُوا دِيَارَهُم وَأموالَهُم وَهَاجَرُوا لِنُصْرَةِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالفرارِ بِدِينِهِمْ،
هؤلاءِ أَفْضَلُ مِن الأنصارِ؛ قَالَ تَعَالَى: { لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللهِ وَرِضْوَاناً وَيَنْصُرُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ}، {وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُا الدَّارَ وَالإِيمَانَ}. هذهِ في المهاجرينَ {وَالإِيمَانَ مِنْ قَبْلُ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ}. هذهِ في الأنصارِ،
وَالتي قَبْلَهَا في المُهَاجِرِينَ.

فَذَكَرَ اللهُ المُهَاجِرِينَ قبلَ الأنصارِ،فَدَلَّ على فَضْلِهِمْ.

وهذا مُطَّرِدٌ في القرآنِ، أنَّ اللهَ يَذْكُرُ المهاجرينَ قبلَ الأنصارِ: {وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ}، {لَقَدْ تَابَ اللهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ}. فَتَقْدِيمُهُمْ في الذِّكْرِ يَدُلُّ على فَضْلِهِمْ عَلَى غَيْرِهِمْ.

ثمَّ المُهَاجِرُونَ أيضاً يَتَفَاضَلُونَ،فَأَفْضَلُهُمْ على الإِطلاقِالخلفاءُ الرَّاشِدُونَ، أبو بكرٍ وَعُمَرُ وَعثمانُ وَعَلِيٌّ، هؤلاءِ الخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ، وَهُمْ أَفْضَلُ صحابةِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على الإِطلاقِ، ثمَّ مِنْ بَعْدِهِمْ بَقِيَّةُ العَشَرَةِ المشهودِ لهم بالجنَّةِ.

العَشَرَةُ هُم: الخلفاءُ الأربعةُ، وَطَلْحَةُ، وَالزُّبَيْرُ، وَعبدُ الرحمنِ بنُ عَوْفٍ، وَسعدُ بنُ أبي وَقَّاصٍ، وَسعيدُ بنُ زَيْدٍ، وَأبو عُبَيْدَةَ بنُ الجَرَّاحِ. هؤلاءِ العَشَرَةُ المشهودُ لهم بالجنَّةِ، سُمُّوا بالعَشَرَةِ المَشْهُودِ لَهُمْ بالجَنَّةِ؛ لأنَّ النبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَِ، بَشَّرَهُم بالجنَّةِ وَهمْ أَحْيَاءٌ، كَمَا يَأْتِي في الحديثِ، فهولاءِ بَقِيَّةُ العَشَرَةِ في المَرْتَبَةِ بعدَ الخلفاءِ الراشدِينَ.

ثمَّ السابقونَ إِلى الإِسلامِ أَفْضَلُ مِمَّنْ تَأَخَّرَ إِسلامُهُ: {لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلاًّ وَعَدَ اللهُ الْحُسْنَى}. اللهُ جَلَّ وَعَلا نَصَّ على السَّبْقِ قَالَ: {وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ}.

ثمَّ أَصْحَابُ بَدْرٍ وَأَصْحَابُ بَيْعَةِ الرِّضْوَانِ، هؤلاءِ لهم مَزِيَّةٌ على غَيْرِهِمْ عَنْ بَقِيَّةِ الصحابةِ، لهمْ فَضَائِلُ عَظِيمَةٌ:

أَوَّلاً: السبقُ إِلى الإِسلامِ.

وَثانياً: الجهادُ وَالهجرةُ.

وَثالثاً: أنَّ مِنْهُمْ مَنْ خَصَّهُ النبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِخَصَائِصَ لمْ تَكُنْ لِغَيْرِهِ.



المَتْنُ: (وَأَفْضَلُ أُمَّتِهِ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ، ثمَّ عُمَرُ الفاروقُ، ثمَّ عُثْمَانُ ذُو النُّورَيْنِ، ثمَّ عَلِيٌّ المُرْتَضَى رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْأَجْمَعِينَ).

الشَّرْحُ: أَفْضَلُ الصحابةِ على الإِطلاقِ الخلفاءُ الراشدونَ: أبو بَكْرٍ، وَاسمُهُ عَبْدُ اللهِ بنُ عُثْمَانَ، وَأبو بكرٍ كُنْيَتُهُ، اشْتُهِرَ بها، وَهو مِن السابقينَ إِلى الإِسلامِ.

ومَوَاقِفُهُ معَ الرسولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ معروفةٌ، وَهو الذي صَحِبَ النبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الهجرةِ وَفي الغارِ، يَعْنِي: اخْتَارَهُ النبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِصُحْبَتِهِ في الهجرةِ، وَكانَ مَعَهُ في الغارِ: {إِلاَّ تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ} هوَ وَأبو بكرٍ {إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ} غارِ ثَوْرٍ فِي مَكَّةَ {إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ} يعنَي أَبَا بَكْرٍ، شَهِدَ اللهُ لهُ بالصُّحْبَةِ، {لا تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنَا}.

وَكذلكَ مَوْقِفُهُ معَ النبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في مَكَّةَ قبلَ الهجرةِ، وَمدافعتُهُ عَن النبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَبَذْلُهُ لِنَفْسِهِ وَمَالِهِ في نُصْرَةِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكانَ مُلازماً للنبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في أَسْفَارِهِ وَفي غَزَوَاتِهِ، وَلَمَّا تُوُفِّيَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَارْتَدَّ مَن ارْتَدَّ عَن الإِسلامِ، قامَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ بِقِتَالِ المُرْتَدِّينَ، حتَّى ثَبَّتَ اللهُ بهِ الإِسلامَ بعدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

وَفَضَائِلُهُ كَثِيرَةٌ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، وَالنبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كانَ يُحِبُّهُ حُبًّا شديداً وَيُثْنِي عَلَيْهِ.



المَتْنُ: (ثُمَّ عُمَرُ الْفَارُوقُ).

الشَّرْحُ: الثاني عُمَرُ الفاروقُ، عُمَرُ بنُ الخطَّابِ بنِ عمرِو بنِ نُفَيْلٍ العَدَوِيُّ رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عنهُ، وَهوَ في المرتبةِ الثانيَةِ بعدَ أبي بكرٍ، سَمَّاهُ النبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالفَارُوقِ؛ لأنَّ اللهَ فَرَّقَ بهِ بينَ الحقِّ وَالباطلِ، فكانَ المُسْلِمُونَ مُسْتَضْعَفِينَ في مكَّةَ وَيَتَهَدَّدُهُم الكفَّارُ، فَلَمَّا أَسْلَمَ عُمَرُ أَعَزَّ اللهُ بهِ الإِسلامَ، وَاعْتَزَّ بهِ المسلمونَ؛ لِقُوَّتِهِ وَشَجَاعَتِهِ وَهَيْبَتِهِ رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عنهُ. وَهوَ الخليفةُ الثاني بعدَ الخليفةِ الأوَّلِ، وَذلكَ بِعَهْدِ أبي بكرٍ إِليهِ رَضِيَ اللهُ عنهما.



المَتْنُ: (ثمَّ عُثْمَانُ ذُو النُّورَيْنِ).

الشَّرْحُ: ثمَّ عُثْمَانُ بنُ عفَّانَ، ذُو النُّورَيْنِ، الذي هاجَرَ الهِجْرَتَيْنِ:هاجَرَ إِلى الحبشةِ، ثمَّ هَاجَرَ إِلى المدينةِ.وَهوَ مِنْ أَسْبَقِ السابقينَ إِلى الإِسلامِ. سُمِّيَ بِذِي النُّورَيْنِ؛ لأنَّهُ تَزَوَّجَ ابْنَتَي الرسولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. تَزَوَّجَ رُقَيَّةَ بِنْتَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثمَّ مَاتَتْ عَنْهُ، ثمَّ زَوَّجَهُ النبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُمَّ كُلْثُومٍ، ثمَّ مَاتَتْ عنهُ، ثُمَّ قَالَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((لَوْ كَانَ عِنْدِي ثَالِثَةٌ لَزَوَّجْتُكَ إِيَّاهَا)).

وَقدْ أَنْفَقَ أَمْوَالَهُ في سَبِيلِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَجَهَّزَ جيشَ العُسْرَةِ، وَاخْتَارَهُ أهلُ الشُّورَى الذينَ أَفْضَى إِليهم عُمَرُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَفْضَى إِليهم باختيارِ الخليفةِ مِنْ بعدِهِ، فَاخْتَارُوا عُثْمَانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ وَذلكَ بإِجماعِهِم، هذا دليلٌ على فَضْلِهِ رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عنهُ.

وَمِنْ فَضَائِلِهِ العظيمةِ تَوْحِيدُهُ المُصْحَفَ لَمَّا فُتِحَت الفتوحُ وَانْتَشَرَ الصحابةُ في الأمصارِ، وَكَثُرَ القُرَّاءُ، وَصَارَ بَيْنَهُم اخْتِلافٌ في القِرَاءَاتِ، وَحَّدَ القراءةَ على حرفٍ وَاحدٍ، وَكَتَبَ المُصْحَفَ العُثْمَانِيَّ المشهورَ وَوَزَّعَهُ على الأمصارِ، فَدَرَأَ اللهُ بهِ فِتْنَةَ الخلافِ في القرآنِ العظيمِ، وَهذا مِنْ حِفْظِ اللهِ لكتابِهِ:
{إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}.

ومِنْ فَضْلِ هذا الخليفةِ الراشدِ الذي قَامَ بهذا العملِ الجليلِ، وَخَلَّدَ ذِكْرَهُ في ذِكْرِ المُصْحَفِ العُثْمَانِيِّ، يَعْنِي: المُصْحَفَ الذي كَتَبَهُ عثمانُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، وَوَحَّدَ المسلمينَ عَلَيْهِ، وَأَنْهَى الاختلافَ في القراءاتِ التي كانتْ.. هذا مِنْ فضائلِهِ رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عنهُ وَأَرْضَاهُ.

وَقُتِلَ شَهِيداً مَظْلُوماً، وَقدْ أَخْبَرَ بذلكَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَشَّرَهُ بالجنَّةِ على بَلْوَى تُصِيبُهُ، فَتَحَقَّقَ ما أَخْبَرَ بهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقُتِلَ مَظْلُوماً شَهِيداً رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عنهُ.

ثُمَّ عَلِيُّ بنُ أبي طالبٍ هوَ الخليفةُ الرابعُ، وَهو ابنُ عمِّ النبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَزَوْجُ ابْنَتِهِ فَاطِمَةَ، وَأبو الحسنِ وَالحسينِ سِبْطَي النبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَسَيِّدَيْ شَبَابِ أهلِ الجنَّةِ. وَجِهَادُهُ وَشَجَاعَتُهُ مَعْرُوفةٌ رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عنهُ، وَعِبَادَتُهُ وَزُهْدُهُ وَعِلْمُهُ وَفَضْلُهُ رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عنهُ مَعْرُوفَةٌ. هَؤُلاءِ الخلفاءُ الرَّاشِدُونَ.



المَتْنُ: (لِمَا رَوَى عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: كُنَّا نَقُولُ وَالنبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَيٌّ: أَفْضَلُ هذهِ الأُمَّةِ بَعْدَ نَبِيِّهَا أَبُو بَكْرٍ، ثمَّ عُمَرُ، ثمَّ عُثْمَانُ، ثمَّ عَلِيٌّ. فَيَبْلُغُ ذلكَ النبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلا يُنْكِرُهُ).

الشَّرْحُ: فهذا دَلِيلٌ على فَضْلِهِمْ وَتَرْتِيبِهِم هذا الترتيبَ في الفَضْلِ. أَفْضَلُهُمْ أَبُو بكرٍ، ثمَّ عمرُ، ثمَّ عثمانُ، ثمَّ عَلِيٌّ رَضِيَ اللهُ عنهم، وَكانَ الصحابةُ يُصَرِّحُونَ بهذا في عهدِ النبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهوَ يُقِرُّهُم عَلَيْهِ، وَلا يُنْكِرُهُ عَلَيْهم.



المَتْنُ: (وَصَحَّ فِي رِوَايَةٍ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: خيرُ هذهِ الأُمَّةِ بَعْدَ نَبِيِّهَا أَبُو بَكْرٍ، ثمَّ عُمَرُ، وَلوْ شِئْتُ لَسَمَّيْتُ الثالثَ).

الشَّرْحُ: وَهذا عَلِيٌّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ شَهِدَ بِأَنَّ أَفْضَلَ هَذِهِ الأُمَّةِ أَبُو بَكْرٍ، ثمَّ عمرُ، وَسَكَتَ عَن الثالثِ. قيلَ: المرادُ بهِ عثمانُ. وَقيلَ: المرادُ بهِ عَلِيٌّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.


  #6  
قديم 12 ذو الحجة 1429هـ/10-12-2008م, 10:58 PM
طيبة طيبة غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 1,286
Post تيسير لمعة الاعتقاد للشيخ :عبد الرحمن بن صالح المحمود .حفظه الله ( مفرغ )

وقد أبتدا الشيخ بقضية من القضايا الكبار في منهج أهل السنة والجماعة , إلا وهي قضية الإمامة بعدالرسول عليه الصلاة فأهل السنة والجماعة رحمهم الله تعالى يقولون ما قاله الشيخ هنا : (( وأفضل أمته أبو بكر الصديق)) واسمه عبدالله بعثمان رضي الله عنه وارضاه شهرته تغني عن التعريف به.
فأبوبكر الصديق رضي الله عنه هو أفضل الأمة على الإطلاق عند أهل السنة والجماعة وعندهم أيضاً أنه هو الإمام الحق بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ولكن كيف ثبتت له الإمامة؟

اختلف العلماء في ذلك , فبعضهم قال: ثبتت لـه بالنص مثل قول الرسول عليه الصلاة والسلام : (( اقتدوا باللذين من بعدي : أبي بكر وعمر))
(1) ومثل قول الرسول عليه الصلاة والسلام للمرأة التي سألته وواعدها من العام القابل حيث قالت : إن لم أجدك يارسول الله ؟ قال: (( إن لم تجديني فأتي أبا بكر )) (2).
ومثل قوله عليه الصلاة والسلام : (( مروا أبابكر فليصل بالناس ))
(3) , ومثل قوله عليه الصلاة والسلام : (( يأبى الله والمؤمنون إلا أبا بكر))(4) ومثل حديث القليب , حين دلى عليه صلى الله عليه وسلم رجليه في القليب فجاء أبو بكر وجلس عن يمينه, ثم جاء عمر وجلس عن شماله ففسرَّ ذلك بخلافتهم(5) . إلى آخره .
وبعض العلماء قالوا : إن خلافة أبي بكر رضي الله عنه وارضاه إنما ثبتت بمبايعة الصحابة له بعد توجيه النبي صلى الله عليه وسلم
وإشارته عليهم أن يختاروه .

وهذا القول الثاني هو الصحيح , والدليل عليه حديث عمر رضي الله عنه وأرضاه لما قيل لـه بعد أن طعن : استخلف فقال: إن أستخلف فقد أستخلف من هوخير مني, يعني أبابكر لأن أبا بكر أستخلف عمر وأن لم أستخلف فلم يستخلف من هو خير مني , يعني رسول الله عليه الصلاة والسلام فهذا دليل على أن الرسول عليه الصلاة والسلام لم يستخلف نصاً .

والدليل الثاني أنه لو كان الرسول عليه الصلاة والسلام قد نص على أبي بكر لما تخلف الصحابة عن مبايعته لحظة, ولما كان هناك حاجة إلى أجتاماع السقيفة ولما جرى فيها كلام, ولبايعوا أبا بكر دون أدنى تردد, ولكن الصحابة فهموا من

إنابته بالصلاة وفهموا من بعض أحاديثه, وفهموا من كونه معه في جميع أحواله العامة , ومن كونه وزيره رضي الله عنه, أن الرسول عليه الصلاة والسلام كان يحب أن يكون هو الخليفة من بعده , وأنه اشار إلى ذلك إشارات خفيّة فهمها عمر وبقية الصحابة حين عللوا ببعضها لما بايعوه في دار السقيفة .

ثم أن الرسول عزم على أن يكتب كتاباً ولكن الصحابة اختلفوا واشتد اللغط فقال لهم : (( قوموا))
(6) , وهذه الكتابة يحتمل أن تكون كتابة تتعلق ببعض الأحكام مثل الأحكام الجدَّة والعوْل والعقل والأسير وغير ذلك من الأحكام التي تمنى الصحابة أن يكون قد بلغهم عن الرسول منها علماً , ويحتمل أنه أراد أن يكتب كتاباً يوصي فيه بأن يكون أبو بكر هو الخليفة من بعده .
وهنا ملحوظة مهمة : وهي أن بعض المبتدعة من الرافضة زعموا أن الرسول عليه الصلاة والسلام إنما اراد أن يكتب بالخلافة والوصية لعلي فقال عمر : حسبنا كتاب الله فاختلف الصحابة, فغضب النبي صلى الله عليه وسلم وقال : (( قوموا عني))
(7) وفي لفظ : (( دعوني فالذي أنا فيه خير مما تدعوني إليه))(8) . فقال هؤلاء الرافضة : أن هذه مؤامرة مدبرة , وأن الرسول قد أراد أن يكتب بالوصية لعلي , لكن لما علم الصحابة أنه سيكتب لعلي قاموا بهذا اللغط وفعلوا هذا الفعل لأجل الا يكتب الرسول عليه الصلاة والسلام .(9)
وهذه فرية سخيفة , ويدل على سخفها أن الرسول عليه الصلاة والسلام بدأ معه المرض يوم الأربعاء واشتد عليه يوم الخميس, ثم أن النبي صلى الله عليه وسلم توفي في يوم الاثنين , فإذا كانوا قد اختلفوا عليه في تلك الساعة وهو لم يمت فيها عليه الصلاة والسلام , بل بقي حياًعدة أيام فلوكان الرسول عليه الصلاة والسلام عازماً على أن يولي علياً أو غيره لما ردَّه عن ذلك اختلافهم في تلك الساعة ولسارع إلى الكتابة في وقت آخر ولا يمكن أن يكتم الرسول عليه الصلاة والسلام شيئاً واجباً عليه وهو مما ينفع الأمة من بعده , وقد فطن بعض الرافضة المتأخرين لضعف دعوى إخوانهم فقالوا : من تأمل قضية الإمامة رأى أن الأحق بها أبو بكر لكن صاحب المشكلة عند هذا الرافضي الخبيث هو صاحب القبر يعني الرسول عليه الصلاة والسلام , حيث كان يوصي بأبي بكر ويقول : (( مروا أبابكر فليصل بالناس)) .

فهذا إقرار من بعضهم بأن اختيار الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم لأبي بكر بان يكون خليفة من بعده , كان أختياراً موافقاً لرغبة وأشارة رسول الله عليه الصلاة والسلام .
(10)
فإن قيل : لم لم يكتب الرسول عليه الصلاة والسلام كتاباً صريحاً ينص فيه على خلافة أبي بكر؟ فالجواب ما قاله بعض العلماء : لم يكتب الرسول لأبي بكر كتاباً لأنه علم أن الصحابة لن يعدلوا به غيره, فلما علم ذلك لم يكتب لهم كتاباً.
(11)
وهذا ما حصل ففي اجتماع السقيفة جرى بين الأنصار والهاجرين من حوار, ثم بويع أبو بكر , وأبو بكر رضي الله عنه وأرضاه لم يكن مترقباً للخلافة ولا طالباً لها , والدليل أنه رضي الله عنه تكلم في اجتماع السقيفة وأحسن الكلام , وتكلم مع الأنصار وقال : أن العرب لا تدين

إلا لهذا الحي من قريش , ثم قال : واني قد رضيت لكم أحد هذين فبايعوه : عمر بن الخطاب أو أباعبيدة .

فهذا الكلام يقوله أبو بكر نفسه, فقام عمر ب الخطاب رضي الله عنه وأرضاه وقال : لقد رضيك رسول الله لديننا - يقصد الصلاة - افلا نرضاك لدنيانا؟ مدَّ يدك, فبايعه عمر وبايعه المسلمون وأجمعوا على مبايعته حتى علي رضي الله عنه وأرضاه كان من المبايعين لـه
(12) وأن كان ورد في بعض الروايات أنه تاخر قليلاً جبراً لخاطر فاطمة رضي الله عنها, لأنها رضي الله عنها وارضاها ظنت أن لها ميراثاً من رسول الله عليه الصلاة والسلام فطلبته من أبي بكر , فابى أبو بكر رضي الله عنه أن يعطيها هذا الميراث لوجود نص عنده , وهو أن النبي عليه الصلاة والسلام قال :
(( إنا معاشر الأنبياء لا نورث ما تركناه صدقة))(13) .
فهي رأت أن لها ميراثاً, وأبو بكر رأى أن ميراث رسول الله هو لعموم
المسلمين , فلما لحقت فاطمة رضي الله عنها بأبيها ,
بايع علي رضي الله عنه وأرضاه .

وفي بعض الروايات أنه بايع قبل ذلك - كما سبقت الإشارة إليه - ويحتمل أنه بايع مرتين, فتكون الثانية مؤكدة الأولى .
(14)
فعلى كلا القولين بايع علي رضي الله عنه أبا بكر وعاش مع أبا بكر وعمر وعثمان وزيراُ لهم ومؤيداً وناصحاً وقاضياً لهم , حتى كان عمر رضي الله عنه وأرضاه يقول : قضية ولا أباحسن لها يعني هذه قضية كبرى فمن لها غير أبي الحسن على بن أبي طالب رضي الله عنه .

وكانوا إخوة متآخين في الله , حتى لما جرى بينهم ما جرى فقد كانوا كلهم مجتهدين في ذلك , ولذلك لما سئل علي رضي الله عنه وأرضاه وقد جرى من الفتن بينهم ما جرى قال: إني والله لأرجو أن أكون أنا وطلحة والزبير ممن قال الله سبحانه وتعالى فيهم :
{إخواناً على سرر متقابلين} [الحجر :47 ], لكن الذي أفسد بين المؤمنين وفرق بينهم وسبَّ صحابة نبيه هم اولئك المارقون الضالون الذين افتروا على الصحابة الكذب والبهتان من الرافضة والخوارج ونحوهم .فأفضل الأمة بعد نبيها أبو بكر, ثم ((عمر الفاروق)), وعمر بن الخطاب هو الخليف بعد أبي بكر باستخلاف أبي بكر لـه, ثم ببيعة المسلمين جميعاً , فهو خليفة بإجماع المسلمين , ((ثم عثمان ذوالنورين)) وعثمان رضي الله عنه تولى الخلافة بعد ما قتل عمر بن الخطاب رضي الله عنه, حيث إنه لما طعن جعل الأمر شورى في ستة, وبعد أن تشاوروا اجتمعوا على عثمان رضي الله عنه, وبايعه جميع الصحابة وعلى رأسهم علي رضي الله عنهم أجمعين .
ثم قال : (( ثم علي المرتضى )) أي الخلافة من بعد عثمان لعلي رضي الله عنه وأرضاه بإجماع المسلمين, لم يخالف في ذلك أحد .

وهؤلاء الأربعة كل واحد منهم لـه من الفضل العظيم ما ذكرته كتب الفضائل وعلى رأسها الصحيحان : البخاري ومسلم فكل واحد منهما أفرد في صحيحه كتاباً عن فضائل الصحابة ابتدأه بذكر فضائل هؤلاء الأربعة فكل واحد منهم لـه من المنزلة والمكانة عند أهل السنة والجماعة ما ترغم به أنوف الروافض والنواصب وغيرهم .

ثم قال الشيخ : ((لما روى عبدالله بن عمر ر ضي الله عنهما قال: كنا نقول والنبي حي: ابو بكر ثم عمر, ثم عثمان, ثم علي , فيبلغ ذلك

النبي فلا ينكره
)).
(15)
هذا الحديث رواه الطبراني وأبو يعلى الموصلي وغيره وهو أثر مشهور, لكن الإشكال في عبارة المصنف في قوله: ((ثم علي)) , لأن الثابت عن هذا الصحابي أنه قال : (( كنا نخاير بين أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فنقول : أبو بكر ثم عمر ثم عثمان )) ولم يرد ذكر علي.

ولهذا ففي بعض نسخ لمعة الاعتقاد أتت الرواية بدون قوله : ثم علي ولعلها أرجح.

وهذا الحديث يدل على فضل هؤلاء الخلفاء بتقرير النبي صلى الله عليه وسلم , وأن هذا كان مشهوراً بين الصحابة , معروفاً لا ينكره أحد , فتباً لمن طعن فيهم أو في بعضهم والله المستعان .

ثم قال الشيخ : ((وصحت الرواية عن علي رضي الله عنه انه قال: خير هذه الأمة بعد نبيها ابوبكر ثم عمر ولو شئت لسميت الثالث)).
(16),
ورد في بعض الروايات أنه قيل له : ثم أنت فقال علي رضي الله عنه وأرضاه تاواضعاً : وهل أنا
إلا رجل من المسلمين . وقد أجمع العلماء على تقديم أبي بكر ثم عمر ثم قال جماهير أهل السنة : إن الأفضل من بعد عمر عثمان ثم علي.

وهناك فريق - وهم قليل جداً من أهل السنة - قالوا : علي أفضل من عثمان. والقول الصحيح في هذه المسألة أن عثمان أفضل من علي ولهذا ورد عن بعض السلف رحمهم الله تعالى أنهم قالوا : من قدم علياً على عثمان فقد أزرى بالمهاجرين والأنصار : لأنهم هم الذين أختاروه وقت الشورى وقدموه على علي كما في قصة مداولة عبد الرحمن بن عوف بالخلافة, حيث أخذ يستشير الصحابة و غرهم ثم قال عند البيعة : يا علي لقد رأيت الناس لا يعدلون بعثمان تعال ياعثمان امدد يدك أبايعك فبايعه فدل على أن الغالبية العظمى من أصحاب النبي كانوا يقدمون عثمان على علي رضي الله عنهم جميعاً وهذا هو الراجح.

وينبغي التفريق هنا بين مسألة التفضيل ومسألة الخلافة, بالأولى هي التي وقع فيها الخلاف اليسير بن السلف, أما الخلافة فلم يقع بينهم خلاف في تقديم عثمان على علي , ومن قدم علي فيها فهو مبتدع .

ثم قال الشيخ رحمه الله : وروى أبو الدرداء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (( ما طلعت الشمس ولا غربت بعد النبيين والمرسلين على أفضل من ابي بكر))
(17)
وهذا الذي ذكره الشيخ مما رواه أبو نعيم في الحلية وغيره, وهو يدل على فضل الصديق, وهناك أحاديث أخرى كثيرة أصح منه إسناداً موجودة في كتب الصحاح والسنن والمسانيد وفي كتب الفضائل وهي مشهورة متواترة .



(1) اخرجه الترمذي كتاب المناقب وابن ماجه في المقمة واحمد ي المسند والحكم في المتسدرك .
(2)
اخرجه البخاري كتاب فضائل الصحاة ومسلم كتاب فضائل الصحابة .
(3)
اخرجه البخاري كتاب الأذان ومسلم كتاب الصلاة .
(4)
اخرجه ابو داود كتاب السنة .
(5)
اخرجه البخاري كتاب الفتن ومسلم كتاب فضائل الصحابة .
(6)
سيأتي تخريجه إن شاء الله.
(7)
اخرجه البخاري كتاب المرضى ومسلم كتاب الوصية .
(8)
اخرجه البخاري كتاب المغازي ومسلم كتاب الوصية .
(9)
ذكر الحافظ ابن كثير في البداية حديث إبراهيم التيمي عن ابيه قال خطبنا على ابن الي طالب رضي الله عنه فقال: من زعم أن عندنا شيئا نقرؤه ليس في كتاب الله وهذه =
(10)
وقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه : (( أن رسول الله قد غلب عليه الوجع وعندكم القرآن حسبنا كتاب الله )) ليس فيه ما يذم عليه عمر رضي الله عنه
(11)
وربما كان اختلاف الصحابة وتنازعهم امامه عليه الصلاة والسلام سببا في عدوله عن الكتابة كما كان اختلاف بعض الصحابة سببا في عدوله عن اخبارهم بعين لللاة القدر
(12)
يدل على ذلك ما رواه الحفظ ابو بكر البهقي عن الي سقيد الخدري قال: ققبض رسول الله واجتمع الناس في دار سعد بن عبادة وفيهم ابو بكر وفنظر في وجوه القوم فلم ير عليا فدعا بعلي فجاء فقال : قلت : ابن عم رول الله وختنه على ابنته أن تشق عصا المسلمين انظر البداية والنهاية (5\218,219)
(13)
اخرجه البخاري كتاب فضاسئل الصحابة ومسلم كتاب الجاهد والسير
(14)
وعليه فتكون البيعة الت يتمت بعد وفاة فاطمة رضي الله عنها بيعة ثانية , وفي ذلك قال الححا فظ ابن كثير : فهذه البيعة التي وقعت من علي لأبي بكر بعد وفاة فاطمة بيعة مؤكدة للصلح الذي وقع بينهما , وهي ثانية للبيعة التي ذكرناها أولاً يوم السقيفة كما رواه ابن خزيمة وصححه مسلم بن الحجاج , ولم يكن لما وقعت هذه البيعة الثانية اعتقد بعض الرواة أن علي لم يبايع قبلها فنفى ذلك .
(15)
اخرجه الطبراني في الكبير واخرجه البخاري كتاب فضائل الصحابة .
(16)
اخرجه احمد في المسند وصححه الألباني .
(17)
اخرجه الطبراني في لأوسط من حيث جابر كما في (( مجمع البحرين)) .


  #7  
قديم 6 محرم 1430هـ/2-01-2009م, 04:01 AM
تيمية تيمية غير متواجد حالياً
طالبة علم
 
تاريخ التسجيل: Dec 2008
المشاركات: 256
افتراضي شرح لمعة الاعتقاد,الشيخ الغفيص

فضل الخلفاء الراشدين
قال: [وأفضل أمته أبو بكر الصديق ، ثم عمر الفاروق ، ثم عثمان ذو النورين ، ثم علي المرتضى رضي الله عنهم أجمعين] . أفضل أمته صلى الله عليه وسلم هم أصحابه، وأفضل أصحابه هم الخلفاء الأئمة الحنفاء: أبو بكر ، ثم عمر ، ثم عثمان ، ثم علي . وهكذا وصفهم المصنف بهذه الصفات ورتبهم، وسلسلتهم على هذا القدر من الترتيب هو إجماع أهل السنة والجماعة، ولم يجادل في تفضيل أبي بكر و عمر إلا الرافضة الشيعة بوجه عام، فإن من الشيعة من يُثبت شأن أبي بكر في الجملة، لكنه يفضل علياً على أبي بكر و عمر ، وهذا عليه جمهور الزيدية من الشيعة الذين يفضلون علي بن أبي طالب على أبي بكر و عمر . فتفضيل أبي بكر على سائر الصحابة هو إجماع أهل السنة، ولم ينازع في ذلك إلا الشيعة وبعض المعتزلة الذين ليس بالضرورة أن يفضلوا علياً أو غيره عليه، وإنما قد يقطعون مسألة التفضيل، وهذه طريقة من طرق غلاة المعتزلة: لا يرون تعيين الفاضل على المفضول. وقوله: [ثم عمر الفاروق ] سمي بذلك لأنه كان فاروقاً في الحق، وأما ما يقال: إن الله فرق به بين الحق والباطل، وأنه بعد إسلامه جاهر الناس بالدعوة... إلخ فلا شك أن إسلام عمر كان له أثر من ذلك، لكن هل هذا الاسم على هذا الوجه فيه تلازم؟ هذه مسألة ليست محررة على هذا المقدار. وقوله: [ثم عثمان ذو النورين ] وهو زوج بنتي النبي صلى الله عليه وسلم ؛ ولهذا سمي ذو النورين . وقوله: [ثم علي المرتضى ] وهذا الوصف يسير لا جدل فيه ولا غلط، فإن علياً ممن رضي الله تعالى عنه ، وهو من السابقين الأولين، فهذا مقصود المصنف بهذه الجملة، وليس هو من أوصاف الشيعة في شأن علي بن أبي طالب . قال الموفق رحمه الله: [لما روى عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: (كنا نقول والنبي صلى الله عليه وسلم حي: أفضل هذه الأمة بعد نبيها: أبو بكر ، ثم عمر ، ثم عثمان ، ثم علي . فيبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فلا ينكره)] . هذا فيما يظهر

ليس منضبطاً من جهة الرواية، فالمحفوظ عن ابن عمر أنه يقول: [كنا نقول على عهد رسول الله: أفضل هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر ثم عمر ] وأما أن فيه هذا التسلسل إلى آخره فلا أذكر أن هذا صحيح عن ابن عمر . ......


التفضيل بين عثمان وعلي رضي الله عنهما
وأما مسألة عثمان و علي فلم تكن من المسائل القطعية البينة في صدر هذه الأمة؛ ولهذا كان فيها قدر من النزاع، أيهما أفضل: علي بن أبي طالب أم عثمان بن عفان ؟ وهذه من المسائل التي فيها قدر من الاجتهاد، ولكن لك أن تقول: إن أمر الخلفاء الأربعة مبني على مسألتين:
المسألة الأولى: مسألة الخلافة.
المسألة الثانية: مسألة التفضيل. أما مسألة الخلافة فالإجماع منعقد ومطرد أن الخليفة الأول: أبا بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علياً . أما مسألة التفضيل بين علي بن أبي طالب و عثمان ، فكان قوم يذهبون إلى أن علي بن أبي طالب أفضل من عثمان ، والجمهور يذهبون إلى أن عثمان أفضل، وقوم يتوقفون. والحق أن هذه المسألة في مبدئها لم تكن من المحكمات، فإن الذي كان مستفيضاً ومستقراً عند الصحابة في زمن الرسول وبعده هو تفضيل أبي بكر و عمر على سائر الصحابة، مع العلم بأن أبا بكر أفضل من عمر . أما مسألة عثمان و علي فلم تكن من المسائل البينة المستفيضة المحكمة؛ ولهذا تنازع فيها طائفة من السلف، فكان طائفة يذهبون إلى تفضيل علي بن أبي طالب ، وطائفة يذهبون إلى تفضيل عثمان ، وطائفة يتوقفون. وإذا قلت: النصوص هي الحكم، فالنصوص ليست صريحة في تفضيل أحدهما كالنصوص المستقرة في شأن أبي بكر و عمر . وإذا قيل: إن الصحابة أجمعوا على تفضيل عثمان على علي ، وقالوا: من لم يقدم عثمان في التفضيل فقد أزرى بالمهاجرين والأنصار؛ لأن المهاجرين والأنصار قدموه في الخلافة، وما قدموه إلا لكونه الأفضل. وهذا الاستدلال فيه نظر من عدة أوجه: الجهة الأولى: أن المهاجرين والأنصار كان عندهم قدر من التردد في التقديم، والدليل علىذلك: أن عمر جعل الخلافة في ستة من الصحابة، وهؤلاء الستة كل منهم وضع حقه لواحد، فأحدهما وضع حقه لعثمان ، والآخر وضع حقه لعلي ، فدل على أن من الصحابة الستة الكبار من كان يرى تقديم علي بن أبي طالب على عثمان . الجهة الثانية: أنه لو كان مستفيضاً عند الصحابة التقديم لعثمان لكان أولى بهذا التسليم علي بن أبي طالب ، وما كان له ، وما كان من شأنه أنه يكابر في الحق، فلو كان مستقراً عنده من السنة وهدي رسول الله صلى الله عليه وسلم أن عثمان هو الأفضل وهو المقدم لما نازعه في مسألة الخلافة، فإن علياً لم يتنازل عن الخلافة. الجهة الثالثة: أن الأمر لما انحصر فيهما، وبدأ يشاور المسلمين في الخلافة، رأى أن أكثر المسلمين يقدمون عثمان ، فهل هذا إطباق عند كل أعيانهم أم أنه أخذ الأمر بالأكثر؟ ظاهر الأمر أنه أخذ الأمر بالأكثر. الجهة الرابعة: أن آل البيت كانوا في ابتداء الأمر ينازعون في قضية أبي بكر قبل أن يتبين لهم الحق يظن فهل يظن أن آل البيت سيقدمون عثمان على علي ؟! هذا بعيد، واضح أن آل البيت كانوا يرون أن لهم الخلافة من جهة أنهم آل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم. إذاً: هذا الاستدلال ليس بمحكم؛ لأنه ليس بمستتم استتماماً تاماً. مسألة: أنه لو سلم جدلاً أن الصحابة أطبقوا إطباقاً كلياً على تقديم عثمان في الخلافة، فإن التقديم في الخلافة لا يستلزم التقديم في الفضل، فإن الخلافة معتبرة بالديانة والقوة، أي: حسن الأمانة الإدارية، وليست الأمانة الدينية، ولعل المسلمين كانوا يرون في عثمان من هذا الوجه أميز منه في شأن علي بن أبي طالب ، وهذا لا يلزم أن يكون من جهة فضيلته الشرعية ليس مماثلاً أو مقارناً له أو ما إلى ذلك. إذاً: هذه المسألة ليس فيها نص محكم في تقديم عثمان على علي ، ومن بابٍ أولى ليس فيها نص محكم في تقديم علي بن أبي طالب على عثمان ، فهي مسألة فيها قدر من التردد، والجمهور على تقديم عثمان . لكن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله يقول: "وبعد ذلك استقر أمر أهل السنة على تقديم عثمان "، فهذا هو الذي يقال، لكن الاختلاف الأول حاصل، وهو اجتهاد باق لا ينكر على من خالف فيه -أي: من قال: إن علياً أفضل من عثمان ، وعثمان مقدم في الخلافة- فهذا اجتهاد طائفة من السلف، وإن لم يُقَل: إنه راجح، فهذه مسألة أخرى. ولهذا فإن الصحيح في مذهب الإمام أحمد : أن من قدم علياً على عثمان في الفضل فهذه مسألة اجتهاد لا يبدع فيها المخالف، وإن كان الإمام أحمد حكي عنه رواية أخرى بتبديع المخالف، وهذا ليس بمحكمٍ في مذهبه، بل الصواب في مذهبه ما حكيناه سابقاً وهو الذي نصره شيخ الإسلام وإن كان الجمهور من أهل السنة -وهو الذي استقر عليه أمرهم- هو التقديم لعثمان ، وهذا هو الراجح من جهة الترجيح، لكن من خالف في ذلك لا يسمى مبتدعاً. قال الموفق رحمه الله:
[وصحت الرواية عن علي أنه قال: (خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر ، ثم عمر ، ولو شئت لسميت الثالث)] . من هو الثالث؟ الله أعلم. وقد ثبت عن عائشة رضي الله عنها في الصحيح أنها كانت ترى لأبي عبيدة بن الجراح مقاماً، فترى أنه كان المستحق لثالث الخلفاء، فهذا فيما يظهر مقام تردد بين الصحابة رضي الله عنهم ، لكن المجمع عليه عند أهل السنة والجماعة أن أفضل هذه الأمة أبو بكر ثم عمر ، ثم عثمان و علي ، فهؤلاء الخلفاء الأربعة هم أفضل الأمة بالإجماع وأفضل من أبي عبيدة بن الجراح ، وما أشارت إليه عائشة لم يكن في مسألة التفضيل إنما كان في الخلافة، ومسألة الخلافة تختلف عن مسألة التفضيل. وأيضاً عمر لو كان مستقراً عنده أن ثمة تلازماً بين الفضل وبين الخلافة لجعلها في الفاضل عنده، سواء كان علياً أو عثمان ، فما الذي جعله يجعلها في ستة؟ لأنه ليس هناك تلازم بين تفضيل المعين من جهة ديانته وبين صلاحيته أو تقديمه في مقام الخلافة، فالمقام فيه اشتراك لكن فيه امتياز.


  #8  
قديم 6 محرم 1430هـ/2-01-2009م, 04:02 AM
تيمية تيمية غير متواجد حالياً
طالبة علم
 
تاريخ التسجيل: Dec 2008
المشاركات: 256
افتراضي

العناصر

- جنس الصحابة أفضل من جنس من بعدهم
- الصحابة متفاوتون في الفضل
- طبقات الصحابة في الفضل من حيث الإجمال
- أفضل الصحابة المهاجرون ثم الأنصار
- أفضل المهاجرين الخلفاء الأربعة الراشدون
- ترجمة أبي بكر الصديق رضي الله عنه
- ذكر بعض فضائل أبي بكر الصديق رضي الله عنه
- ترجمة عمر بن الخطاب رضي الله عنه
- ذكر بعض فضائل عمر بن الخطاب رضي الله عنه
- ترجمة عثمان بن عفان رضي الله عنه
- ذكر بعض فضائل عثمان بن عفان رضي الله عنه
- ترجمة علي بن أبي طالب رضي الله عنه
- ذكر بعض فضائل علي بن أبي طالب رضي الله عنه
- الخلاف في تفضيل عثمان على علي رضي الله عنهما
- الفرق بين الشيعة في الزمن الأول والرافضة
- حكم سب الصحابة
- حكم سب أمهات المؤمنين وقذفهن


  #9  
قديم 6 محرم 1430هـ/2-01-2009م, 04:02 AM
تيمية تيمية غير متواجد حالياً
طالبة علم
 
تاريخ التسجيل: Dec 2008
المشاركات: 256
افتراضي

الأسئلة
س1: ترجم للصحابة التالية أسماؤهم:
أ) أبو بكر الصديق.
ب) عمر بن الخطاب.
ج) عثمان بن عفان.
د) علي بن أبي طالب.
هـ) الحسن بن علي.
و) الحسين بن علي.
ز) ثابت بن قيس.
س2: بين حكم سبِّ الصحابة رضوان الله عليهم.
س3: اذكر بإيجاز بعض الفضائل لكل واحد من الخلفاء الراشدين.


موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
أفضل, الصحابة

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 10:49 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir