وأفضلُ الصَّحَابَةِ، بَل أَفْضَلُ الخَلقِ بَعْدَ الأَنْبِيَاءِ -عَلَيْهِمُ السَّلامُ- أَبُو بَكْرٍ عَبْدُ اللهِ بنُ عُثْمَانَ (أَبِي قُحَافَةَ) التَّيْمِيُّ، خَلِيفَةُ رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ-، وسُمِّيَ بالصِّدِّيقِ لِمُبَادَرَتِهِ إلى تَصْدِيقِ الرسولِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ- قَبْلَ الناسِ كُلِّهِمْ. قالَ رسولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ-: (مَا دَعَوْتُ أَحَدًا للإيمانِ إلا كانَتْ لَهُ كَبْوَةٌ، إلا أَبَا بَكْرٍ؛ فإنه لم يَتَلَعْثَمْ). وقد ذَكَرْتُ سِيرَتَهُ وفَضَائِلَهُ ومُسْنَدَهُ والفَتَاوَى عَنْهُ في مُجَلَّدٍ على حِدَةٍ، وللهِ الحَمْدُ.
ثم مِن بَعدِه عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ، ثُمَّ عُثْمَانُ بنُ عَفَّانَ، ثم عَلِيُّ بنُ أبِي طَالِبٍ.
هذا رَأْيُ المُهَاجِرِينَ والأنصارِ حِينَ جَعَلَ عُمَرُ الأمرَ مِن بَعْدِه شُورَى بَيْنَ سِتَّةٍ، فَانْحَصَرَ فِي عُثْمَانَ وعَلِيٍّ، واجتَهَدَ فِيهِمَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ عَوْفٍ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ بِلَيَالِيهَا، حَتَّى سَأَلَ النِّسَاءَ فِي خُدُورِهِنَّ، والصِّبْيَانَ فِي المَكَاتِبِ، فلَمْ يَرَهُم يَعْدِلُونَ بِعُثْمَانَ أَحَدًا، فقَدَّمه على عَلِيٍّ، ووَلَّاهُ الأمرَ قَبْلَهُ.
ولهذا قالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: مَن قَدَّم عَلِيٌّ علَى عُثْمَانَ فَقَدْ أَزْرَى بِالمُهَاجِرِينَ والأَنْصَارِ، وصَدَقَ -رَضِيَ اللهُ عنه- وأَكْرَمَ مَثْوَاهُ، وجَعَلَ جَنَّةَ الفِرْدَوْسِ مَأْوَاهُ.
والعَجَبُ أَنَّهُ قَدْ ذَهَبَ أَهْلُ الكُوفَةِ مِن أَهْلِ السُّنَّةِ إلى تَقْدِيمِ عَلِيٍّ علَى عُثْمَانَ، ويُحْكَى عن سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، لكن يُقَالُ: إنه رَجَعَ عَنْهُ، ونُقِلَ مِثْلُه عن وَكِيعِ بنِ الجَرَّاحِ، ونَصَرَهُ ابنُ خُزَيْمَةَ والخَطَّابِيُّ، وهو ضَعِيفٌ مَرْدُودٌ بِمَا تَقَدَّمَ.
ثم بَقِيَّةُ العَشَرَةِ، ثم أَهْلُ بَدْرٍ، ثم أَهْلُ أُحُدٍ، ثم أَهْلُ بَيْعَةِ الرِّضْوَانِ يَوْمَ الحُدَيْبِيَةِ.
وأما السَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ فقِيلَ: هُمْ مَن صَلَّى (إلى) القِبْلَتيْنِ، وقِيلَ: أَهْلُ بَدْرٍ وقِيلَ: بَيْعَةُ الرِّضْوَانِ، وقيلَ غَيْرُ ذلك، واللهُ أَعْلَمُ.
فرع قالَ الشَّافِعِيُّ: رَوَى عَن رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ- ورآه مِن المُسْلِمِينَ نَحْوٌ مِن سِتِّينَ أَلفًا. وقال أبو زُرْعَةَ الرَّازِيُّ: شَهِدَ حَجَّةَ الوَدَاعِ أَرْبَعُونَ أَلفًا، وكان معه بِتَبُوكَ سَبْعُونَ أَلفًا، وقُبِضَ -عليه الصلاةُ والسلامُ- عَن مِائةِ أَلفٍ وأَرْبَعَةَ عَشَرَ أَلفًا مِنَ الصَّحَابَةِ.
قال أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: وأَكْثَرُهُم رِوَايَةً سِتَّةٌ: أَنَسٌ، وجَابِرٌ، وابنُ عَبَّاسٍ، وابنُ عُمَرَ، وأَبُو هُرَيْرَةَ، وعَائِشَةُ.
قلت: وعَبْدُ اللهِ بنُ عَمْرٍو، وأَبُو سَعِيدٍ، وابنُ مَسْعُودٍ، ولكنه تُوُفِّيَ قَدِيمًا، ولهذا لم يَعُدُّهُ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ في العَبَادِلَةِ، بل قالَ: العَبَادِلَةُ أَرْبَعَةٌ: عَبْدُ اللهِ بنُ الزُّبَيْرِ، وابنُ عَبَّاسٍ، وابنُ عُمَرَ، وعَبْدُ اللهِ بنُ عَمْرِو بنِ العَاصِ.
فرع: وأَوَّلُ مَنْ أَسْلَمَ مِنَ الرِّجَالِ الأَحْرَارِ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ، وقِيلَ: إِنَّهُ أَوَّلُ مَن أَسْلَمَ مُطْلَقًا، ومِنَ الوِلدَانِ عَلِيٌّ، وقِيلَ: إِنَّهُ أَوَّلُ مَنْ أَسْلَمَ مُطْلَقًا، ولا دَلِيلَ عَلَيهِ مِن وَجْهٍ يَصِحُّ، ومِنَ المَوَالِي زَيْدُ بنُ حَارِثَةَ، ومِنَ الأرقَّاءِ بِلالٌ، ومِنَ النِّسَاءِ خَدِيجَةُ، وقِيلَ: إِنَّهَا أَوَّلُ مَنْ أَسْلَمَ مُطْلَقًا، وهو ظَاهِرُ السِّيَاقَاتِ فِي أَوَّلِ البَعْثَةِ، وهو مَحْكِيٌّ عَنِ ابنِ عَبَّاسٍ والزُّهْرِيِّ وقَتَادَةَ ومُحَمَّدِ بنِ إِسْحَاقَ بنِ يَسَارٍ صاحبِ المَغازِي وجَمَاعَةٍ، وادَّعَى الثّعْلَبِيُّ المُفَسِّرُ على ذلك الإجماعَ، قال: وإنما الخلافُ فيمَن أَسْلَمَ بعدَها.
فرع: وآخِرُ الصحابةِ مَوْتًا أَنَسُ بنُ مَالِكٍ، ثم أَبُو الطُّفَيْلِ عَامِرُ بنُ وَاثِلَةَ اللَّيْثِيُّ.
قال عليُّ بنُ المَدِينِيِّ: وكانَت وَفَاتُهُ بمَكَّةَ. فعَلَى هَذا هو آخِرُ مَن مَاتَ بِهَا.
ويُقالُ: آخِرُ مَن مَاتَ بِمَكَّةَ ابنُ عُمَرَ، وقِيلَ: جَابِرٌ، والصَّحِيحُ أنَّ جَابِرًا ماتَ بالمدينةِ، وكانَ آخِرَ مَن مَاتَ بِهَا، وقيلَ: سَهْلُ بنُ سَعْدٍ، وقيلَ: السَّائِبُ بنُ يَزِيدَ، وبِالبَصْرَةِ أَنَسٌ، وبالكوفةِ عَبْدُ اللهِ بنُ أَبِي أَوْفَى، وبالشامِ عَبْدُ اللهِ بنُ بُسْرٍ بحِمْصَ، وبدِمَشْقَ وَاثِلَةُ بنُ الأَسْقَعِ، وبمِصْرَ عَبْدُ اللهِ بنُ الحَارِثِ بنِ جَزْءٍ، وباليمامةِ الهِْرْمَاسُ بنُ زِيادٍ، وبالجَزِيرَةِ العُرْسُ بنُ عَمِيرَةَ، وبإِفْرِيقِيَّةَ رُوَيْفِعُ بنُ ثَابِتٍ، وبالبَادِيَةِ سَلَمَةُ بنُ الأَكْوَعِ -رَضِيَ اللهُ تَعالَى عَنْهُم.