دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > برنامج إعداد المفسر > مجموعة المتابعة الذاتية > منتدى المستوى السابع ( المجموعة الأولى)

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 22 شوال 1440هـ/25-06-2019م, 01:31 AM
هيئة الإشراف هيئة الإشراف غير متواجد حالياً
معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
المشاركات: 8,790
افتراضي مجلس أداء التطبيق الثامن (المثال الثاني) من تطبيقات دورة مهارات التفسير

مجلس أداء التطبيق الثامن (المثال الثاني) من تطبيقات دورة مهارات التفسير

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 4 ذو القعدة 1440هـ/6-07-2019م, 06:40 PM
عبدالكريم الشملان عبدالكريم الشملان غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المستوى الثامن
 
تاريخ التسجيل: Jan 2017
المشاركات: 680
افتراضي

التطبيق الثامن
تحرير القول في المراد ب" ضريع"،
-اختلف العلماء في تفسير ذلك على ثلاثة أقوال :
1- القول الأول :
أن المراد به: شجر ونبات اسمه : الشبرق،
وهو قول ابن عباس وعكرمة ومجاهد وقتادة وشريك بن عبدالله وأبو حنيفة وابن زيد وعطاء
،ورواه عن ابن عباس : الطبري في تفسيره ، والثعلبي في تفسيره وذكره عنه : مكي في الهداية وابن عطيه وابن كثير في تفسيره .
ورواه عن عكرمة : الطبري في تفسيره ،وذكره عنه :الثعلبي في تفسيره والبغوي وابن عطية والقرطبي وابن كثير ،
ورواه عن مجاهد : الطبري في تفسيره وابن أبي حاتم في تفسيره ،وفي تفسير مجاهد :عن عبدالرحمن عن إبراهيم ،وذكره مكي والبغوي وابن عطيه ، والقرطبي.
ورواه عن قتادة : عبدالرزاق في تفسيره ،والطبري في تفسيره وابن أبي حاتم
وذكره الثعلبي ومكي والبغوي وابن عطية،
ورواه عن شريك بن عبدالله : الطبري في تفسيره .
وذكره عن عطاء : مكي ،
وذكره أبي حنيفة : ابن عطيه في تفسيره وأبو حيان والسمين الحلبي،
وذكره عن ابن زيد : الثعلبي في تفسيره ومكي
وذكره بدون نسبه : ( بألفاظ متقاربة )
مقاتل بن سليمان في تفسيره والفراء في معاني القرآن وأبو عبيدة في مجاز القرآن والزجاج وابن فارس ومكي و النيسابوري والفيروز آبادي وأبو السعود وابن عاشور .
ثم إن هناك أقوالا أخرى يمكن أن تندرج تحت هذا القول ،لأن من ذكرها أراد في الجملة أوصافاً معينة
لأصل هذا القول ، ومن ذلك :-
ماذكره مقاتل بن سليمان في تفسيره : أنها شجرة كثيرة الشوك وتسميها قريش وهي رطبة في الربيع : الشبرق ، فإذا يبست لاتقربها الإبل ،
وذكر الفراء : أن أهل الحجاز يسمونه :الضريع إذا يبس ،وهو : سم ، وتابعه الطبري في ذلك ،ووصفه قتادة فيما رواه الطبري وابن أبي حاتم عنه : أن الشبرق : شر الطعام وأبشعه وأخبثة .
ووصفه الزجاج : أنه جنس من الشوك وقال كفار قريش أن الضريع لتسمن عليه إبلنا ".
ووصف بأنه : نبت ذو شوك لاطئ بالأرض .
وكذلك : ورد عن ابن عباس : أنه شي يخرجه البحر المالح يسميه أهل اليمن الضريع .
ونقل ابن عطية عن بعض اللغويين : أنه يبيس العرفج إذا تحطم ، وقال آخرون : هو رطب العرفج ونقل عن الزجاج هو نبات كالعوسج".
والمرعى الذي فيه هذا النبات ( الشبرق ):مرعى سوء لا تعقد السائمة عليه لحما ولا شحما ،
ومنه قول أبي عبزارة الهذلي :
وحبسن في هزم الضريع فكلها
جرباء دامية البدين حرود
كما أن من صفات هذا النبات أنه إذا أكلته الإبل هزلت ،
ووصفه الخليل بأنه
نبات أخضر منتن الريح يرمى في البحر ،
كما وصفه الفيروز آبادي بأنه نبات في الماء الأجن له عروق لا تصل إلى الأرض .
القول الثاني : أن المراد بالضريع : الحجارة .
وهو قول سعيد بن جبير وعكرمة.
ورواه عن سعيد بن جبير : الطبري في تفسيره ،
وذكره عنه : الثعلبي في تفسيره وابن عطية في تفسيره وابن كثير .
وذكره عن عكرمة : مكي في الهداية .
وذكره بدون نسبه : السمين الحلبي.

القول الثالث : أن الضريع : شجر من نار ،وهو قول ابن عباس ، وابن زيد .
رواه عن ابن عباس : الطبري في تفسيره وابن أبي حاتم في تفسيره وذكره الثعلبي في تفسيره ، ومكي في الهداية وابن عطية وابن كثير .
ورواه عن ابن زيد : الطبري في تفسيره وذكره عنه الثعلبي في تفسيره ومكي في الهداية .
وذكره بدون نسبة : السمين الحلبي في الدر المصون وأبو السعود في إرشاد العقل السليم .
وذكر مكي قولا قريبا من هذا في الهداية : قال :الضريع واد في جهنم ،ولم ينسبة كما وصفه الفيروز آبادي بأنه شي في جهنم أمرّ من الصبر وأنتن من الجيفة وأحرّ من النار.
وفي ذات المعنى كذلك :
ماذكره مكي عن الحسن : أن الضريع : الزقوم ،
وذكره ابن عطية عن الحسن كذلك وجماعة من المفسرين وعلل ابن عطية ذلك بقوله : لأن الله قد أخبر في هذه الآية أن الكفار لاطعام لهم إلا من ضريع و قد أخبر أن الزقوم طعام الأثيم فذلك يقتضي أن الضريع : الزقوم
وذكره القرطبي عن الحسن ، والسمين الحلبي بدون نسبة.
وذكره عن سعيد بن جبير : ابن كثير في تفسيره.
-الدراسة :-
الضريع :عذاب من الله سبحانه للكافرين ،ومن كان الضريع طعامه فلا طعام له ،
وعدّ ابن فارس تفسير الضريع بالنبت مما شذ ،
قال: وممكن أن يحمل على الباب فيقال : ذلك يدل على الضغط والمزاحمة .
وذكر الحسن : أنه بعض ما أخفى الله من العذاب ،
-تحليل الأقوال:
القول الأول : أن المراد بالضريع : الشبرق ، شجر أو نبات ،مبناه على أن الضريع بمعنى مضرع أي : مضعف للبدن مهزل ،من فعيل بمعنى مفعل :
قول عمر بن معديكرب :
أمن ريحانه الداعي السميع
يؤرقني وأصحابي هجوع
يريد : السمع .
وقيل : ضريع فعيل من المضارعة أي الاشتباه ،لأنه يشبه المرعى الجيد ويضارعه في الظاهر وليس به .

القول الثاني أن الضريع : الحجارة ،
و يكون مبناه على أن المراد به المكان الذي يوجد به الزقوم والغسلين والضريع ،وهو ماعبر عنه بعض المفسرين عند تفسيرهم للكلمة " ضريع "
:واد في جهنم ،كما نص عليه مكي في الهداية والقرطبي في تفسيره وأورداه من غير نسبة ،
كما قال تعالى " يطوفون بينها وبين حميم آن"
وقوله" فسوف يلقون غيا"
والغي : واد في جهنم ، ووادي سقر ، قال تعالى " ما سلككم في سقر "،
ووادي الويل ، قال تعالى " فويل للذين يكتبون الكتاب .."
ومن الحديث : حديث أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم " الويل واد في جهنم "،
وتلك الأودية في جهنم مليئة بالأشجار من زقوم وضريع وغسلين وغيرها مما يحصل به تعذيب الكافرين والزيادة في النكال عليهم أعاذنا الله من مضلات الفتن.

القول الثالث : أن المراد " شجر من نار ،ومبنى هذا القول على أن من شدة عذاب أهل النار أن يأكلوا من شجر من نار ، زيادة في عذابهم ومزيدا من النكال عليهم لكي يذوقوا الذل والهوال والاستكانة،
وضرع وضرع له ، وإليه ضرعاً :إذا استكان وخشع وهويضرع اليّ ويتضرع ولم يزل ضارعا إليّ حتى فعلت كذا ،
قال الأحوص :
كفرت الذي أسدوا إليك ووسدوا
من الحسن إنعاما وجنبك ضارع.
أي :
ذليل ساقط ،وكان مزهوا فأضرعه الفقر ،
وفي مثل :
الحمى أضرعتي إليك ،
ويقال : جسدك ضارع :ضاوي نحيف ،
فالضراعة : الذلة والاستكانة .
قال ابن كيسان : هو طعام يضرعون منه ويذلون ويتضرعون إلى الله ، اي : المضرع ،
وتوجيه القول : أي:
يتضرعون إلى الله - تعالى- طلبا للخلاص منه فسمى كذلك ،لأن آكله يضرع في أن يعفى منه لكراهيته وخشونته ،
قال النحاس : قد يكون مشتقا من الضارع،
وهو الذليل أي : ذا ضراعة ، اي من شر به ذليل تلحقه ضراعة،
فيكون معنى الآية " ليس لهم طعام إلا من ضريع ،أي هو وصف من الضراعة ،لا اسم ،أي ليس فيها طعام إلا ما أعد للهوان ،أو إذا طعموه تضرعوا عنده ،
فما يعذب به أهل النار بأكله :شبه بالضريع في سوء طعمه ، وسوء مغبته
،كما أن وصف طعام أهل النار ورد بكلمه غسلين في قوله " ولا طعام إلا من غسلين "،
فظاهرة أنه أوجب لهم طعاما من غسلين ،فهذاك خلاف ذلك في الظاهر والمعنى في ذلك التقدير : فليس له اليوم ها هنا شراب حميم إلا من غسلين ،ولا طعام ينتفع به ،وقيل : الغسلين من الضريع ،وقيل الغسلين لقوم والضريع لآخرين .

والذي يترجح أن الأقوال الثلاثة واردة في التفسير لكلمة ضريع من حيث أنها أوصاف لهيئات أو حالات أو أمكنة أو أشياء من خلالها يطعم الكفار يوم القيامة من النار ،زيادة في تعذيبهم على كفرهم بالله والتنكب عن طريق الإسلام كما أن القول الأول فيه تشبيه بنبات يراه الناس في الدنيا للمقارنة لمزيد من إقامة الحجة ،
والله المستعان وعليه التكلان.

رد مع اقتباس
  #3  
قديم 21 ذو القعدة 1440هـ/23-07-2019م, 07:48 PM
هيئة التصحيح 11 هيئة التصحيح 11 غير متواجد حالياً
هيئة التصحيح
 
تاريخ التسجيل: Jan 2016
المشاركات: 2,525
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة عبدالكريم الشملان مشاهدة المشاركة
التطبيق الثامن
تحرير القول في المراد ب" ضريع"،
-اختلف العلماء في تفسير ذلك على ثلاثة أقوال :
1- القول الأول :
أن المراد به: شجر ونبات اسمه : الشبرق،
وهو قول ابن عباس وعكرمة ومجاهد وقتادة وشريك بن عبدالله وأبو حنيفة وابن زيد وعطاء
،ورواه عن ابن عباس : الطبري في تفسيره ، والثعلبي في تفسيره [الثعلبي نقل القول عن ابن عباس ولم يروه بإسناده إليه] وذكره عنه : مكي في الهداية وابن عطيه وابن كثير في تفسيره .
ورواه عن عكرمة : الطبري في تفسيره ،وذكره عنه :الثعلبي في تفسيره والبغوي وابن عطية والقرطبي وابن كثير ،
ورواه عن مجاهد : الطبري في تفسيره وابن أبي حاتم في تفسيره ،وفي تفسير مجاهد :عن عبدالرحمن عن إبراهيم ،وذكره مكي والبغوي وابن عطيه ، والقرطبي.
ورواه عن قتادة : عبدالرزاق في تفسيره ،والطبري في تفسيره وابن أبي حاتم [تفسير ابن أبي حاتم جزء كبير منه مفقود، ومنه تفسير سورة الغاشية وقد أكمله المحققون من المصادر البديلة، فتجد في الحاشية مصدر كل قول، فحينئذ لا نقول رواه ابن أبي حاتم ونسكت بل ينبغي ذكر من نقله عنه مثلا: وعزاه السيوطي في الدر المنثور لابن أبي حاتم.
تفسير ابن أبي حاتم الأصيل من سورة الفاتحة إلى تفسير سورة الرعد، ثم من سورة المؤمنون إلى تفسير سورة العنكبوت، والبقية مما جمعه المحققون]

وذكره الثعلبي ومكي والبغوي وابن عطية،
ورواه عن شريك بن عبدالله : الطبري في تفسيره .
وذكره عن عطاء : مكي ،
وذكره أبي حنيفة : ابن عطيه في تفسيره وأبو حيان والسمين الحلبي،
وذكره عن ابن زيد : الثعلبي في تفسيره ومكي
وذكره بدون نسبه : ( بألفاظ متقاربة )
مقاتل بن سليمان في تفسيره [من قول مقاتل] والفراء في معاني القرآن وأبو عبيدة في مجاز القرآن والزجاج وابن فارس ومكي و النيسابوري والفيروز آبادي وأبو السعود وابن عاشور .
[ولأن المسألة لغوية فيكون ذكر علماء اللغة لها من باب معناها في اللغة]
ثم إن هناك أقوالا أخرى يمكن أن تندرج تحت هذا القول ،لأن من ذكرها أراد في الجملة أوصافاً معينة
لأصل هذا القول ، ومن ذلك :-
ماذكره مقاتل بن سليمان في تفسيره : أنها شجرة كثيرة الشوك وتسميها قريش وهي رطبة في الربيع : الشبرق ، فإذا يبست لاتقربها الإبل ،
وذكر الفراء : أن أهل الحجاز يسمونه :الضريع إذا يبس ،وهو : سم ، وتابعه الطبري في ذلك ،ووصفه قتادة فيما رواه الطبري وابن أبي حاتم عنه : أن الشبرق : شر الطعام وأبشعه وأخبثة .
ووصفه الزجاج : أنه جنس من الشوك وقال كفار قريش أن الضريع لتسمن عليه إبلنا ".
ووصف بأنه : نبت ذو شوك لاطئ بالأرض .
وكذلك : ورد عن ابن عباس : أنه شي يخرجه البحر المالح يسميه أهل اليمن الضريع .
ونقل ابن عطية عن بعض اللغويين : أنه يبيس العرفج إذا تحطم ، وقال آخرون : هو رطب العرفج ونقل عن الزجاج هو نبات كالعوسج".
والمرعى الذي فيه هذا النبات ( الشبرق ):مرعى سوء لا تعقد السائمة عليه لحما ولا شحما ،
ومنه قول أبي عبزارة الهذلي :
وحبسن في هزم الضريع فكلها
جرباء دامية البدين حرود
كما أن من صفات هذا النبات أنه إذا أكلته الإبل هزلت ،
ووصفه الخليل بأنه
نبات أخضر منتن الريح يرمى في البحر ،
كما وصفه الفيروز آبادي بأنه نبات في الماء الأجن له عروق لا تصل إلى الأرض .
القول الثاني : أن المراد بالضريع : الحجارة .
وهو قول سعيد بن جبير وعكرمة.
ورواه عن سعيد بن جبير : الطبري في تفسيره ،
وذكره عنه : الثعلبي في تفسيره وابن عطية في تفسيره وابن كثير .
وذكره عن عكرمة : مكي في الهداية .
وذكره بدون نسبه : السمين الحلبي.

القول الثالث : أن الضريع : شجر من نار ،وهو قول ابن عباس ، وابن زيد .
رواه عن ابن عباس : الطبري في تفسيره وابن أبي حاتم في تفسيره وذكره الثعلبي في تفسيره ، ومكي في الهداية وابن عطية وابن كثير .
ورواه عن ابن زيد : الطبري في تفسيره وذكره عنه الثعلبي في تفسيره ومكي في الهداية .
وذكره بدون نسبة : السمين الحلبي في الدر المصون وأبو السعود في إرشاد العقل السليم .
وذكر مكي قولا قريبا من هذا في الهداية : قال :الضريع واد في جهنم ،ولم ينسبة كما وصفه الفيروز آبادي بأنه شي في جهنم أمرّ من الصبر وأنتن من الجيفة وأحرّ من النار.
وفي ذات المعنى كذلك :
ماذكره مكي عن الحسن : أن الضريع : الزقوم ،
وذكره ابن عطية عن الحسن كذلك وجماعة من المفسرين وعلل ابن عطية ذلك بقوله : لأن الله قد أخبر في هذه الآية أن الكفار لاطعام لهم إلا من ضريع و قد أخبر أن الزقوم طعام الأثيم فذلك يقتضي أن الضريع : الزقوم
وذكره القرطبي عن الحسن ، والسمين الحلبي بدون نسبة.
وذكره عن سعيد بن جبير : ابن كثير في تفسيره.
-الدراسة :-
الضريع :عذاب من الله سبحانه للكافرين ،ومن كان الضريع طعامه فلا طعام له ،
وعدّ ابن فارس تفسير الضريع بالنبت مما شذ ،
قال: وممكن أن يحمل على الباب فيقال : ذلك يدل على الضغط والمزاحمة .
وذكر الحسن : أنه بعض ما أخفى الله من العذاب ،
-تحليل الأقوال:
القول الأول : أن المراد بالضريع : الشبرق ، شجر أو نبات ،مبناه على أن الضريع بمعنى مضرع أي : مضعف للبدن مهزل ،من فعيل بمعنى مفعل :
قول عمر بن معديكرب :
أمن ريحانه الداعي السميع
يؤرقني وأصحابي هجوع
يريد : السمع .
وقيل : ضريع فعيل من المضارعة أي الاشتباه ،لأنه يشبه المرعى الجيد ويضارعه في الظاهر وليس به .

القول الثاني أن الضريع : الحجارة ،
و يكون مبناه على أن المراد به المكان الذي يوجد به الزقوم والغسلين والضريع ،وهو ماعبر عنه بعض المفسرين عند تفسيرهم للكلمة " ضريع "
:واد في جهنم ،كما نص عليه مكي في الهداية والقرطبي في تفسيره وأورداه من غير نسبة ،
كما قال تعالى " يطوفون بينها وبين حميم آن"
وقوله" فسوف يلقون غيا"
والغي : واد في جهنم ، ووادي سقر ، قال تعالى " ما سلككم في سقر "،
ووادي الويل ، قال تعالى " فويل للذين يكتبون الكتاب .."
ومن الحديث : حديث أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم " الويل واد في جهنم "،
وتلك الأودية في جهنم مليئة بالأشجار من زقوم وضريع وغسلين وغيرها مما يحصل به تعذيب الكافرين والزيادة في النكال عليهم أعاذنا الله من مضلات الفتن.

القول الثالث : أن المراد " شجر من نار ،ومبنى هذا القول على أن من شدة عذاب أهل النار أن يأكلوا من شجر من نار ، زيادة في عذابهم ومزيدا من النكال عليهم لكي يذوقوا الذل والهوال والاستكانة،
وضرع وضرع له ، وإليه ضرعاً :إذا استكان وخشع وهويضرع اليّ ويتضرع ولم يزل ضارعا إليّ حتى فعلت كذا ،
قال الأحوص :
كفرت الذي أسدوا إليك ووسدوا
من الحسن إنعاما وجنبك ضارع.
أي :
ذليل ساقط ،وكان مزهوا فأضرعه الفقر ،
وفي مثل :
الحمى أضرعتي إليك ،
ويقال : جسدك ضارع :ضاوي نحيف ،
فالضراعة : الذلة والاستكانة .
قال ابن كيسان : هو طعام يضرعون منه ويذلون ويتضرعون إلى الله ، اي : المضرع ،
وتوجيه القول : أي:
يتضرعون إلى الله - تعالى- طلبا للخلاص منه فسمى كذلك ،لأن آكله يضرع في أن يعفى منه لكراهيته وخشونته ،
قال النحاس : قد يكون مشتقا من الضارع،
وهو الذليل أي : ذا ضراعة ، اي من شر به ذليل تلحقه ضراعة،
فيكون معنى الآية " ليس لهم طعام إلا من ضريع ،أي هو وصف من الضراعة ،لا اسم ،أي ليس فيها طعام إلا ما أعد للهوان ،أو إذا طعموه تضرعوا عنده ،
فما يعذب به أهل النار بأكله :شبه بالضريع في سوء طعمه ، وسوء مغبته
،كما أن وصف طعام أهل النار ورد بكلمه غسلين في قوله " ولا طعام إلا من غسلين "،
فظاهرة أنه أوجب لهم طعاما من غسلين ،فهذاك خلاف ذلك في الظاهر والمعنى في ذلك التقدير : فليس له اليوم ها هنا شراب حميم إلا من غسلين ،ولا طعام ينتفع به ،وقيل : الغسلين من الضريع ،وقيل الغسلين لقوم والضريع لآخرين .

والذي يترجح أن الأقوال الثلاثة واردة في التفسير لكلمة ضريع من حيث أنها أوصاف لهيئات أو حالات أو أمكنة أو أشياء من خلالها يطعم الكفار يوم القيامة من النار ،زيادة في تعذيبهم على كفرهم بالله والتنكب عن طريق الإسلام كما أن القول الأول فيه تشبيه بنبات يراه الناس في الدنيا للمقارنة لمزيد من إقامة الحجة ،
والله المستعان وعليه التكلان.
أحسنت، بارك الله فيك ونفع بك.
أؤكد على أنه لا يلزمك ذكر المصادر الناقلة، إذ يُستغني بتخريج القول من المصادر الأصلية عن ذكر المصادر الناقلة.
وأرجو مراجعة الملحوظات التي باللون الأحمر أعلاه، وبعضها تكرر في باقي الأقوال فيُنبته له.
التقويم: أ+
بارك الله فيكم ونفع بكم.

رد مع اقتباس
  #4  
قديم 29 ذو الحجة 1440هـ/30-08-2019م, 02:18 PM
سارة عبدالله سارة عبدالله غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المستوى السابع
 
تاريخ التسجيل: Jul 2016
المشاركات: 438
افتراضي

معنى الحفدة في قوله تعالى: {وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدة}.
القول الأول: الخدمة والعون.

- قال به : ابن عباس , مجاهد, عكرمة, قتادة , أبي مالك ,الضحاك , ومن المفسرين ابن جرير ,النحاس, الثعلبي , يحيى بن سلام ,أبو عبيدة معمر بن المثنى, ابن قتيبة , ابن حيان , ابن الهائم , ومن المفسرين أبي حيان.
قال ابن جرير : وقال آخرون: هم أعوان الرجل وخدمه , وكذلك قال مكي بن أبي طالب.
-قال الثعلبي : وقال عكرمة والحسن والضحاك: هم الخدم.
-قال ابن الجوزي : والثاني: أنهم الخدم، رواه مجاهد عن ابن عباس، وبه قال مجاهد في رواية الحسن، وطاوس وعكرمة في رواية الضحاك.
قال القرطبي : رَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ قَالَ: وَسَأَلْتُهُ عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى:" بَنِينَ وَحَفَدَةً" قَالَ: الْحَفَدَةُ الْخَدَمُ وَالْأَعْوَانُ فِي رَأْيِي.
قال القرطبي : وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: الْحَفَدَةُ عِنْدَ الْعَرَبِ الْأَعْوَانُ، فَكُلُّ مَنْ عَمِلَ عَمَلًا أَطَاعَ فِيهِ وَسَارَعَ فَهُوَ حَافِدٌ، قَالَ: وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ" إِلَيْكَ نَسْعَى وَنَحْفِدُ"، وَالْحَفَدَانُ السُّرْعَةُ. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: الْحَفْدُ الْعَمَلُ وَالْخِدْمَةُ. وَقَالَ الْخَلِيلُ بْنُ أَحْمَدَ: الْحَفَدَةُ عِنْدَ الْعَرَبِ الْخَدَمُ.
قال القرطبي : وَيُقَالُ: حَفَدَتْ وَأَحْفَدَتْ، لُغَتَانِ إِذَا خَدَمَتْ.
قال كثير من علماء اللغة : وفلان محفود، أي: مخدوم.
قال النحاس: (وأصل الحفدة في اللغة الخدمة والعمل يقال حفد يحفد حفدا وحفودا وحفدانا إذا خدم وعمل).
عنِ الحَسنِ في قَولِ اللهِ عزَّ وجلَّ: {وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً} [النحل: 72]، قال: البَنونَ: بَنوكَ وبَنو ابنِكَ، والحَفَدةُ: ما حُفِدَ لكَ وعُمِلَ لكَ وأعانَكَ.
عن زر قال : سأَلَني عبدُ اللهِ بنُ مَسعودٍ عن الحَفَدةِ، قُلتُ: همُ الأعْوانُ.
التخريج:
- أما قول ابن عباس فذكره الثعلبي من طريق رواية أبي حمزة عنه.
- أما قول مجاهد فرواه ابن جرير من طريق عن ابن أبي نجيح.
- أما قول عكرمة فرواه ابن جرير من طرق عن سماك عنه ورواه ابن ابي حاتم.
- أما قول قتادة فرواه ابن جرير من طريق يزيد، عن سعيد عنه .ورواه يحيى بن سلام .
- أما قول الحسن فرواه ابن التيميّ، عن أبيه عنه ورواه ابن أبي حاتم.
- أما قول أبي مالك فرواه ابن جرير من طريق إسرائيل، عن السُّديّ، عنه.
- أما قول الضحاك فرواه ابن جرير من طريق عبيد بن سليمان عنه.


القول الثاني : السرعة.
قال به: غلام ثعلب , و ابن عباد, و أبو الحسين الرازي, وأبو منصور الأزهري, وأبو عبد الله الحنفي , و ابن منظور, و أبو بكر بن دريد , الهروي، و أبو منصور، و أبو عبد الله الرازي, و الطيبي , وأبو العباس.
قال القرطبي : وَأَصْلُهُ مِنْ حَفَدَ يَحْفِدُ (بِفَتْحِ الْعَيْنِ فِي الْمَاضِي وَكَسْرِهَا فِي الْمُسْتَقْبَلِ) إِذَا أَسْرَعَ فِي سَيْرِهِ.
قال كثير من علماء اللغة : وسيفٌ محتفد، أي: سريع القطع. قال الأصمعي: أصل الحفد: مقاربة الخطو.
قال غلام ثعلب: (وَقَالَت طَائِفَة: كل من أسْرع فِي حَاجَتك، فَهُوَ حافد).
القول الثالث :
الخِفَّة في العمل والخِدمة

قال به : الخليل , و أبو اسحاق الزجاج , و الصاحب ابن عباد, و نصر إسماعيل بن حماد الجوهري الفارابي , و أحمد بن فارس , والزمخشري, و مجد الدين أبو السعادات ,و ابن منظور,و السمين الحلبي , و الطيبي, و أبو العباس , ومرتضى الزبيدي , ومن المفسرين ابن جرير وابن عطية وابن عاشور .
قال ابن جرير :
....الحفَدة في كلام العرب: جمع حافد، كما الكذبة: جمع كاذب، والفسَقة: جمع فاسق. والحافد في كلامهم؛ هو المتخفِّف في الخدمة والعمل. والحَفْد: خفة العمل يقال: مرّ البعير يَحفِد حفَدَانا: إذا مرّ يُسرع في سيره. ومنه قولهم: "إليك نسعى ونحفِد": أي نسرع إلى العمل بطاعتك. يقال منه: حَفد له يحفد حفدا وحفودا وحفدانا.
قال ابن عطية : ولا خلاف أن معنى الحفد الخدمة والبر والمشي مسرعا في الطاعة.
قال مجد الدين أبو السعادات المبارك: (المَحْفُود: الَّذِي يَخْدِمُه أَصْحَابُهُ ويُعَظِّمُونه ويُسْرِعون فِي طاعَتِه) .
قال ابن الجوزي : وأصل الحَفْد: مداركة الخطو والإِسراع في المشي، وإِنما يفعل الخدم هذا، فقيل لهم: حَفَدَة.
قال ابن الجوزي : قال الزجاج: وحقيقة هذا الكلام أن الله تعالى جعل من الأزواج بنين، ومن يعاون على ما يُحتاج إِليه بسرعة وطاعة.
قال مرتضى الزبيدي : (و) من الْمجَاز: (رجل مَحْفُودٌ) أَي (مَخْدُوم) ، يخدُمه أَصحابُه ويُعظِّمونه، ويُسْرِعُون فِي طَاعَته، يُقَال: حَفَدْت وأَحفدْت، وأَنا حافِدٌ ومَحْفُودٌ. وَقد جاءَ ذِكْرُه فِي حَدِيثِ أُمّ مَعْبد.
التوجيه:
القول الثالث يجمع بين القولين الأول والثاني .
فالحفدة الخدم والأعوان اللذين يسارعون في الخدمة. فالراجح هو القول الثالث .

القول الرابع: الأختان.
قال به : ابن مسعود , أبي الضحى , ابراهيم النخعي, سعيد بن جبير , ابن عباس , ومن المفسرين ابن عاشور.

التخريج:
أما قول ابن مسعود فرواه ابن جرير عن المنهال بن عمرو، عن ابن حبيش، عنه.ورواه ابن جرير من طرق أخرى
أما قول أبي الضحى فرواه ابن جرير من طريق يحيى بن سعيد القطان، عن الأعمش، عنه.
أما قول ابراهيم النخعي فرواه ابن جرير من طريق هشيم، عن المغيرة، عنه.
أما قول سعيد بن جبير فرواه ابن جرير من طريق عطاء بن السائب، عنه.
أما قول ابن عباس فرواه ابن جرير من طريق حفص، عن أشعث، عن عكرمة، عنه. ومن طرق أخرى

حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا ابن عيينة، عن عاصم بن أبي النجود، عن زرّ بن حبيش، قال: قال لي عبد الله بن مسعود: ما الحَفَدَة يا زِرّ؟ قال: قلت: هم أحفاد الرجل من ولده وولد ولده. قال: لا هم الأصهار.

القول الخامس: هم ولد الرجل وولد ولده.
قال به : ابن عباس , ابن زيد , الضحاك , ومن المفسرين ابن كثير.

التخريج:
أما قول ابن عباس فرواه ابن جرير من طريق شعبة، عن أبي بشر، عن سعيد بن جبير، عنه.
أما قول ابن زيد فرواه ابن جرير من طريق ابن وهب عنه.
أما قول الضحاك فرواه ابن جرير من طريق عبيد بن سليمان عنه.
القول السادس: هم بنو امرأة الرجل من غيره.
قال به : ابن عباس
قول ابن عباس رواه ابن جرير من طريق محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال:ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عنه.
التوجيه:
المعنى اللغوي القول الثالث يجمعها فيجمع معنى السرعة والخدمة .
القول الرابع عليه أكثر السلف و لايتعارض مع بقية الأقوال فلعل التفسير في من المراد بالحفدة جاء تفسيرا بالمثال والله أعلم.

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 6 محرم 1441هـ/5-09-2019م, 02:58 AM
حليمة السلمي حليمة السلمي غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المستوى السادس
 
تاريخ التسجيل: Feb 2017
المشاركات: 321
افتراضي

اختلف أهل التأويل في المراد بالحفدة على أقوال:

الأول: هم الأختان، أختان الرجل على بناته ( الأصهار)
وهو قول: عبدالله بن مسعود وابن عباس وأبي الضحى وإبراهيم النخعي وسعيد بن جبير.
ومن اللغويين قال به: رواه يحيى بن سلام وذكره ابن دريد والزجاج وابن فارس وابن سيده والزمخشري والرازي وابن منظور والسمين الحلبي والطيبي والزبيدي وابن عاشور.
التخريج:
قول عبدالله بن مسعود : رواه ابن جرير من طريق المنهال بن عمرٍوعن زر بن حبيش عن عبدالله بن مسعود ومن طريق عاصم عن ورقاء عن ابن مسعود، ومن طريق عاصمٍ، عن زرٍّ، عن ابن مسعود
قول ابن عباس رواه ابن جرير من طريق أشعث، عن عكرمة، عن ابن عبّاس، ومن طريق معاوية، عن عليٍّ، عن ابن عبّاس.
قول أبي الضحى رواه ابن جرير من طريق يحيى بن سعيدٍ القطّان، عن الأعمش، عن أبي الضّحى.
قول إبراهيم النخعي رواه ابن جرير من طريق هشيم، عن المغيرة، عن إبراهيم.
قول سعيد بن جبير رواه ابن جرير من طريق إسرائيل، عن عطاء بن السّائب، عن سعيد بن جبير.

الثاني: الأعوان والخدم.
وهو قول: ابن عباس وعكرمة والحسن ومجاهد وأبو مالك الأنصاري وطاووس.
ومن اللغويين قال به: أبو عبيدة معمر بن المثنى وابن قتيبة والزجاج وابن فارس والجوهري والزمخشري في الكشاف وابن الأثير والرازي و أبو حيان ومرتضى الزبيدي ورواه يحيى بن سلام وذكره ابن دريد واختاره النحاس وذكره الصاحب بن عباد والأزهري وابن منظور والسمين الحلبي والطيبي وابن عاشور.
التخريج:
قول ابن عباس رواه ابن جرير من طريق وهب بن حبيبٍ الأسديّ، عن أبي حمزة، عن ابن عبّاس.
قول عكرمة رواه ابن جرير من طريق سماكٍ، عن عكرمة ومن طريق عن حصينٍ، عن عكرمة ومن طريق الحكم بن أبان، عن عكرمة.
قول مجاهد رواه ابن جرير من طريق ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهد.
قول الحسن رواه ابن جرير من طريق هشيم، عن منصورٍ، عن الحسن ومن طريق ابن التّيميّ، عن أبيه، عن الحسن.
قول أبي مالك الأنصاري رواه ابن جرير عن إسرائيل، عن السّدّيّ، عن أبي مالك.
قول طاووس رواه ابن جرير من طريق زمعة، عن ابن طاووسٍ، عن أبيه.

الثالث: ولد الرجل وولد ولده.
وهو قول: ابن عباس و ابن زيد والضحاك والخليل بن أحمد السمين الحلبي وابن عاشور وذكره الزجاج والنحاس والصاحب بن عباد وابن فارس والجوهري وابن سيده والأزهري والزمخشري ابن الأثير والرازي ابن منظور الطيبي والزبيدي.
التخريج:
قول ابن عباس، رواه ابن جرير من طريق أبي بشرٍ، عن سعيد بن جبيرٍ ومجاهد عن ابن عبّاس ومن طريق أبي بكرٍ، عن عكرمة، عن ابن عبّاس.
قول ابن زيد رواه ابن جرير من طريق يونس، عن ابن وهبٍ، عن ابن زيد.
قول الضحاك رواه ابن جرير عن أبي معاذٍ، عن عبيد بن سليمان، عن الضّحّاك.

الرابع: بنو امرأة الرجل من غيره.
وهو قول: ابن عباس والضحاك وابن زيد.
التخريج:
قول ابن عباس رواه ابن جرير عن محمّد بن سعدٍ، عن أبيه عن عمه قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ. وذكره الجوزي من طريق العوفي عن ابن عباس، وذكره الماوردي.
قول الضحاك: ذكره ابن الجوزي.
قول ابن زيد ذكره الثعلبي.

الخامس: كبار الأولاد، والبنون: صغارهم.
قول: الكلبي ومقاتل.
التخريج
ذكره الثعلبي وابن الجوزي في تفسيره عن الكلبي ومقاتل .

السادس: البنات.
قول الخليل بن أحمد وابن سيده وابن منظور والزبيدي وذكره الزجاج والأزهري.

الدراسة:
بعد النظر في المعنى اللغوي لكلمة الحفد وما ذكره المفسرون من أقوال؛ نجد أن كلام المفسرين جميعهم لم يخرج عن المعنى اللغوي، بل إن كلا منهم ذكر بعض أفراده.
فكلمة الحفد في اللغة لم تخرج عن معنى التسارع في الخدمة والتخفف فيها وتقديم العون، وقد ذكر المفسرون أنواعا من الحفدة الذين أنعم الله بهم على عباده ، فكل من أسرع في الخدمة حافد: من الأختان أو الأبناء أو أبنائهم صغارًا وكبارًا أو الخدم والأعوان.
قال ابن جرير:
" إنّ اللّه تعالى أخبر عباده معرّفهم نعمه عليهم، فيما جعل لهم من الأزواج والبنين، فقال تعالى: {واللّه جعل لكم من أنفسكم أزواجًا، وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدةً} فأعلمهم أنّه جعل لهم من أزواجهم بنين وحفدةً، والحفدة في كلام العرب: جمع حافدٍ، كما الكذبة: جمع كاذبٍ، والفسقة: جمع فاسقٍ، والحافد في كلامهم: هو المتخفّف في الخدمة والعمل، والحفد: خفّة الرجل العمل، يقال: مرّ البعير يحفد حفدانًا: إذا مرّ يسرع في سيره ومنه، قولهم: " إليك نسعى ونحفد ": أي نسرع إلى العمل بطاعتك"
وقال رحمه الله: " وإذ كان معنى الحفدة ما ذكرنا من أنّهم المسرعون في خدمة الرّجل المتخفّفون فيها، وكان اللّه تعالى ذكره أخبرنا أنّ ممّا أنعم به علينا أن جعل لنا حفدةً تحفد لنا، وكان أولادنا وأزواجنا الّذين يصلحون للخدمة منّا ومن غيرنا، وأختاننا الّذين هم أزواج بناتنا من أزواجنا، وخدمنا من مماليكنا، إذا كانوا يحفدوننا فيستحقّون اسم حفدةً، ولم يكن اللّه تعالى دلّ بظاهر تنزيله ولا على لسان رسوله صلّى اللّه عليه وسلّم ولا بحجّة عقلٍ، على أنّه عنى بذلك نوعًا من الحفدة دون نوعٍ منهم، وكان قد أنعم بكلّ ذلك علينا، لم يكن لنا أن نوجّه ذلك إلى خاصٍّ من الحفدة دون عامٍ، إلاّ ما اجمعت الأمّة عليه أنّه غير داخلٍ فيهم.
وإذا كان ذلك كذلك فلكلّ الأقوال الّتي ذكرنا عمّن ذكرنا وجهٌ في الصّحّة، ومخرجٌ في التّأويل، وإن كان أولى بالصّواب من القول ما اخترنا لما بيّنّا من الدّليل" والله أعلم


تم الجواب وبالله التوفيق

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 19 محرم 1441هـ/18-09-2019م, 10:51 PM
هيئة التصحيح 11 هيئة التصحيح 11 غير متواجد حالياً
هيئة التصحيح
 
تاريخ التسجيل: Jan 2016
المشاركات: 2,525
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة سارة عبدالله مشاهدة المشاركة
معنى الحفدة في قوله تعالى: {وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدة}.
القول الأول: الخدمة والعون.

- قال به : ابن عباس , مجاهد, عكرمة, قتادة , أبي مالك ,الضحاك , ومن المفسرين ابن جرير ,النحاس, الثعلبي , يحيى بن سلام ,أبو عبيدة معمر بن المثنى, ابن قتيبة , ابن حيان , ابن الهائم , ومن المفسرين أبي حيان.
قال ابن جرير : وقال آخرون: هم أعوان الرجل وخدمه , وكذلك قال مكي بن أبي طالب.
-قال الثعلبي : وقال عكرمة والحسن والضحاك: هم الخدم.
-قال ابن الجوزي : والثاني: أنهم الخدم، رواه مجاهد عن ابن عباس، وبه قال مجاهد في رواية الحسن، وطاوس وعكرمة في رواية الضحاك.
قال القرطبي : رَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ قَالَ: وَسَأَلْتُهُ عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى:" بَنِينَ وَحَفَدَةً" قَالَ: الْحَفَدَةُ الْخَدَمُ وَالْأَعْوَانُ فِي رَأْيِي.
[لسنا بحاجة لنقل أقوال السلف من مصادر ناقلة ولدينا المصادر الأصلية، المصادر الناقلة نستفيد منها فقط طريقة المفسرين في توجيه الأقوال والجمع بينها وقد تدلنا على مصدر أصيل نرجع إليه]
قال القرطبي : وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: الْحَفَدَةُ عِنْدَ الْعَرَبِ الْأَعْوَانُ، فَكُلُّ مَنْ عَمِلَ عَمَلًا أَطَاعَ فِيهِ وَسَارَعَ فَهُوَ حَافِدٌ، قَالَ: وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ" إِلَيْكَ نَسْعَى وَنَحْفِدُ"، وَالْحَفَدَانُ السُّرْعَةُ. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: الْحَفْدُ الْعَمَلُ وَالْخِدْمَةُ. وَقَالَ الْخَلِيلُ بْنُ أَحْمَدَ: الْحَفَدَةُ عِنْدَ الْعَرَبِ الْخَدَمُ.
قال القرطبي : وَيُقَالُ: حَفَدَتْ وَأَحْفَدَتْ، لُغَتَانِ إِذَا خَدَمَتْ.
قال كثير من علماء اللغة : وفلان محفود، أي: مخدوم.
قال النحاس: (وأصل الحفدة في اللغة الخدمة والعمل يقال حفد يحفد حفدا وحفودا وحفدانا إذا خدم وعمل).
عنِ الحَسنِ في قَولِ اللهِ عزَّ وجلَّ: {وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً} [النحل: 72]، قال: البَنونَ: بَنوكَ وبَنو ابنِكَ، والحَفَدةُ: ما حُفِدَ لكَ وعُمِلَ لكَ وأعانَكَ.
عن زر قال : سأَلَني عبدُ اللهِ بنُ مَسعودٍ عن الحَفَدةِ، قُلتُ: همُ الأعْوانُ.
التخريج:
- أما قول ابن عباس فذكره الثعلبي من طريق رواية أبي حمزة عنه.
- أما قول مجاهد فرواه ابن جرير من طريق عن ابن أبي نجيح.
- أما قول عكرمة فرواه ابن جرير من طرق عن سماك عنه ورواه ابن ابي حاتم.
- أما قول قتادة فرواه ابن جرير من طريق يزيد، عن سعيد عنه .ورواه يحيى بن سلام .
- أما قول الحسن فرواه ابن التيميّ، عن أبيه عنه ورواه ابن أبي حاتم.
- أما قول أبي مالك فرواه ابن جرير من طريق إسرائيل، عن السُّديّ، عنه.
- أما قول الضحاك فرواه ابن جرير من طريق عبيد بن سليمان عنه.


القول الثاني : السرعة.
قال به: غلام ثعلب , و ابن عباد, و أبو الحسين الرازي, وأبو منصور الأزهري, وأبو عبد الله الحنفي , و ابن منظور, و أبو بكر بن دريد , الهروي، و أبو منصور، و أبو عبد الله الرازي, و الطيبي , وأبو العباس.
قال القرطبي : وَأَصْلُهُ مِنْ حَفَدَ يَحْفِدُ (بِفَتْحِ الْعَيْنِ فِي الْمَاضِي وَكَسْرِهَا فِي الْمُسْتَقْبَلِ) إِذَا أَسْرَعَ فِي سَيْرِهِ.
قال كثير من علماء اللغة : وسيفٌ محتفد، أي: سريع القطع. قال الأصمعي: أصل الحفد: مقاربة الخطو.
قال غلام ثعلب: (وَقَالَت طَائِفَة: كل من أسْرع فِي حَاجَتك، فَهُوَ حافد).
القول الثالث :
الخِفَّة في العمل والخِدمة

قال به : الخليل , و أبو اسحاق الزجاج , و الصاحب ابن عباد, و نصر إسماعيل بن حماد الجوهري الفارابي , و أحمد بن فارس , والزمخشري, و مجد الدين أبو السعادات ,و ابن منظور,و السمين الحلبي , و الطيبي, و أبو العباس , ومرتضى الزبيدي , ومن المفسرين ابن جرير وابن عطية وابن عاشور .
قال ابن جرير :
....الحفَدة في كلام العرب: جمع حافد، كما الكذبة: جمع كاذب، والفسَقة: جمع فاسق. والحافد في كلامهم؛ هو المتخفِّف في الخدمة والعمل. والحَفْد: خفة العمل يقال: مرّ البعير يَحفِد حفَدَانا: إذا مرّ يُسرع في سيره. ومنه قولهم: "إليك نسعى ونحفِد": أي نسرع إلى العمل بطاعتك. يقال منه: حَفد له يحفد حفدا وحفودا وحفدانا.
قال ابن عطية : ولا خلاف أن معنى الحفد الخدمة والبر والمشي مسرعا في الطاعة.
قال مجد الدين أبو السعادات المبارك: (المَحْفُود: الَّذِي يَخْدِمُه أَصْحَابُهُ ويُعَظِّمُونه ويُسْرِعون فِي طاعَتِه) .
قال ابن الجوزي : وأصل الحَفْد: مداركة الخطو والإِسراع في المشي، وإِنما يفعل الخدم هذا، فقيل لهم: حَفَدَة.
قال ابن الجوزي : قال الزجاج: وحقيقة هذا الكلام أن الله تعالى جعل من الأزواج بنين، ومن يعاون على ما يُحتاج إِليه بسرعة وطاعة.
قال مرتضى الزبيدي : (و) من الْمجَاز: (رجل مَحْفُودٌ) أَي (مَخْدُوم) ، يخدُمه أَصحابُه ويُعظِّمونه، ويُسْرِعُون فِي طَاعَته، يُقَال: حَفَدْت وأَحفدْت، وأَنا حافِدٌ ومَحْفُودٌ. وَقد جاءَ ذِكْرُه فِي حَدِيثِ أُمّ مَعْبد.
التوجيه:
القول الثالث يجمع بين القولين الأول والثاني .
فالحفدة الخدم والأعوان اللذين يسارعون في الخدمة. فالراجح هو القول الثالث .

القول الرابع: الأختان.
قال به : ابن مسعود , أبي الضحى , ابراهيم النخعي, سعيد بن جبير , ابن عباس , ومن المفسرين ابن عاشور.

التخريج:
أما قول ابن مسعود فرواه ابن جرير عن المنهال بن عمرو، عن ابن حبيش، عنه.ورواه ابن جرير من طرق أخرى
أما قول أبي الضحى فرواه ابن جرير من طريق يحيى بن سعيد القطان، عن الأعمش، عنه.
أما قول ابراهيم النخعي فرواه ابن جرير من طريق هشيم، عن المغيرة، عنه.
أما قول سعيد بن جبير فرواه ابن جرير من طريق عطاء بن السائب، عنه.
أما قول ابن عباس فرواه ابن جرير من طريق حفص، عن أشعث، عن عكرمة، عنه. ومن طرق أخرى

حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا ابن عيينة، عن عاصم بن أبي النجود، عن زرّ بن حبيش، قال: قال لي عبد الله بن مسعود: ما الحَفَدَة يا زِرّ؟ قال: قلت: هم أحفاد الرجل من ولده وولد ولده. قال: لا هم الأصهار.

القول الخامس: هم ولد الرجل وولد ولده.
قال به : ابن عباس , ابن زيد , الضحاك , ومن المفسرين ابن كثير.

التخريج:
أما قول ابن عباس فرواه ابن جرير من طريق شعبة، عن أبي بشر، عن سعيد بن جبير، عنه.
أما قول ابن زيد فرواه ابن جرير من طريق ابن وهب عنه.
أما قول الضحاك فرواه ابن جرير من طريق عبيد بن سليمان عنه.
القول السادس: هم بنو امرأة الرجل من غيره.
قال به : ابن عباس
قول ابن عباس رواه ابن جرير من طريق محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال:ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عنه.
التوجيه:
المعنى اللغوي القول الثالث يجمعها فيجمع معنى السرعة والخدمة .
القول الرابع عليه أكثر السلف و لايتعارض مع بقية الأقوال فلعل التفسير في من المراد بالحفدة جاء تفسيرا بالمثال والله أعلم.
بارك الله فيك أختي الفاضلة ونفع بكِ.
أرجو أن تعتني بهذه الملحوظات وحاولي الإكثار من التطبيقات من خلال دراستك لمقررات التفسير، حرري المسائل الخلافية الموجودة في المقرر بنفس الطريقة التي درستيها في دورة المهارات المتقدمة بحيث تتمكني من إتقان هذه المهارات بإذن الله؛ فالمهارات تحتاج تدريب كثير.
1. استخلاص الأقوال:
المطلوب تحرير المراد بالحفدة، والقول بأنه بمعنى السرعة أو الخفة هو في معنى الفعل " حَفَدَ " وليس معنى الاسم " حَفَدَة "، ونستفيد منه في توجيه الأقوال لكن ليس قولا مستقلا في معنى الكلمة كما فعلتِ.
2. تخريج الأقوال:
- يُلاحظ استعانتك بمصادر ناقلة وأرجو مراجعة تصحيح التطبيق السابق في توضيح الفرق بين المصادر.
- يلاحظ اعتمادك على تفسير ابن جرير فقط، وفي التطبيق الخامس استعنتِ بالكثير من المصادر وفي جمهرة التفاسير أيضًا الكثير من المصادر الأصلية، وحتى تتمكني من تحديد مخرج الأثر تحتاجين أكثر من مصدر.
- مخرج الأثر ليس بالضرورة أن يكون راو أو اثنان قبل منتهى الأثر، وفي تصحيح التطبيق السابق مزيد توضيح.
- وما زلتِ بحاجة لمزيد تدريب على هذه المهارة فأرجو العناية بها.
3. الدراسة تقريبًا غير موجودة، وحتى نقول أن اختلاف المفسرين في معنى " حفدة " من اختلاف التنوع " التفسير بالمثال " نحتاج بيان وجه الجمع بينها، ولا تكتفي بمجرد نسخ أقوال المفسرين بل افهمي مجموع أقوالهم وأعيدي صياغة الدراسة بأسلوبك أنت، بتوجيه كل قول ومن ثم بيان وجه الجمع بين الأقوال.
التقويم: د.
واصلي التدريب، بارك الله فيكِ، لا تيأسي فالمهارات تحتاج وقت طويل لتحصيلها تمامًا كما يتعلم الطفل المشي في أول عمره.
وأرجو إن واصلتِ على المسائل الخلافية التي تدرسونها في مقرر التفسير؛ أن تتقني هذه المهارات بإذن الله في نهاية دراستك لتفسير سورة البقرة.
زادكِ الله توفيقًا وسدادًا ونفع بكِ الإسلام والمسلمين.

رد مع اقتباس
  #7  
قديم 19 محرم 1441هـ/18-09-2019م, 11:11 PM
هيئة التصحيح 11 هيئة التصحيح 11 غير متواجد حالياً
هيئة التصحيح
 
تاريخ التسجيل: Jan 2016
المشاركات: 2,525
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة حليمة السلمي مشاهدة المشاركة
اختلف أهل التأويل في المراد بالحفدة على أقوال:

الأول: هم الأختان، أختان الرجل على بناته ( الأصهار)
وهو قول: عبدالله بن مسعود وابن عباس وأبي الضحى وإبراهيم النخعي وسعيد بن جبير.
ومن اللغويين قال به: رواه يحيى بن سلام وذكره ابن دريد والزجاج وابن فارس وابن سيده والزمخشري والرازي وابن منظور والسمين الحلبي والطيبي والزبيدي وابن عاشور.
التخريج:
قول عبدالله بن مسعود : رواه ابن جرير من طريق المنهال بن عمرٍوعن زر بن حبيش عن عبدالله بن مسعود ومن طريق عاصم عن ورقاء عن ابن مسعود، ومن طريق عاصمٍ، عن زرٍّ، عن ابن مسعود
قول ابن عباس رواه ابن جرير من طريق أشعث، عن عكرمة، عن ابن عبّاس، ومن طريق معاوية، عن عليٍّ، عن ابن عبّاس.
قول أبي الضحى رواه ابن جرير من طريق يحيى بن سعيدٍ القطّان، عن الأعمش، عن أبي الضّحى.
قول إبراهيم النخعي رواه ابن جرير من طريق هشيم، عن المغيرة، عن إبراهيم.
قول سعيد بن جبير رواه ابن جرير من طريق إسرائيل، عن عطاء بن السّائب، عن سعيد بن جبير.

الثاني: الأعوان والخدم.
وهو قول: ابن عباس وعكرمة والحسن ومجاهد وأبو مالك الأنصاري وطاووس.
ومن اللغويين قال به: أبو عبيدة معمر بن المثنى وابن قتيبة والزجاج وابن فارس والجوهري والزمخشري في الكشاف وابن الأثير والرازي و أبو حيان ومرتضى الزبيدي ورواه يحيى بن سلام وذكره ابن دريد واختاره النحاس وذكره الصاحب بن عباد والأزهري وابن منظور والسمين الحلبي والطيبي وابن عاشور.
التخريج:
قول ابن عباس رواه ابن جرير من طريق وهب بن حبيبٍ الأسديّ، عن أبي حمزة، عن ابن عبّاس.
قول عكرمة رواه ابن جرير من طريق سماكٍ، عن عكرمة ومن طريق عن حصينٍ، عن عكرمة ومن طريق الحكم بن أبان، عن عكرمة.
قول مجاهد رواه ابن جرير من طريق ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهد.
قول الحسن رواه ابن جرير من طريق هشيم، عن منصورٍ، عن الحسن ومن طريق ابن التّيميّ، عن أبيه، عن الحسن.
قول أبي مالك الأنصاري رواه ابن جرير عن إسرائيل، عن السّدّيّ، عن أبي مالك.
قول طاووس رواه ابن جرير من طريق زمعة، عن ابن طاووسٍ، عن أبيه.

الثالث: ولد الرجل وولد ولده.
وهو قول: ابن عباس و ابن زيد والضحاك والخليل بن أحمد السمين الحلبي وابن عاشور وذكره الزجاج والنحاس والصاحب بن عباد وابن فارس والجوهري وابن سيده والأزهري والزمخشري ابن الأثير والرازي ابن منظور الطيبي والزبيدي.
التخريج:
قول ابن عباس، رواه ابن جرير من طريق أبي بشرٍ، عن سعيد بن جبيرٍ ومجاهد عن ابن عبّاس ومن طريق أبي بكرٍ، عن عكرمة، عن ابن عبّاس.
قول ابن زيد رواه ابن جرير من طريق يونس، عن ابن وهبٍ، عن ابن زيد.
قول الضحاك رواه ابن جرير عن أبي معاذٍ، عن عبيد بن سليمان، عن الضّحّاك.

الرابع: بنو امرأة الرجل من غيره.
وهو قول: ابن عباس والضحاك وابن زيد.
التخريج:
قول ابن عباس رواه ابن جرير عن محمّد بن سعدٍ، عن أبيه عن عمه قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ. وذكره الجوزي من طريق العوفي عن ابن عباس، وذكره الماوردي.
قول الضحاك: ذكره ابن الجوزي.
قول ابن زيد ذكره الثعلبي.

الخامس: كبار الأولاد، والبنون: صغارهم.
قول: الكلبي ومقاتل.
التخريج
ذكره الثعلبي وابن الجوزي في تفسيره عن الكلبي ومقاتل .

السادس: البنات.
قول الخليل بن أحمد وابن سيده وابن منظور والزبيدي وذكره الزجاج والأزهري.

الدراسة:
بعد النظر في المعنى اللغوي لكلمة الحفد وما ذكره المفسرون من أقوال؛ نجد أن كلام المفسرين جميعهم لم يخرج عن المعنى اللغوي، بل إن كلا منهم ذكر بعض أفراده.
فكلمة الحفد في اللغة لم تخرج عن معنى التسارع في الخدمة والتخفف فيها وتقديم العون، وقد ذكر المفسرون أنواعا من الحفدة الذين أنعم الله بهم على عباده ، فكل من أسرع في الخدمة حافد: من الأختان أو الأبناء أو أبنائهم صغارًا وكبارًا أو الخدم والأعوان.
قال ابن جرير:
" إنّ اللّه تعالى أخبر عباده معرّفهم نعمه عليهم، فيما جعل لهم من الأزواج والبنين، فقال تعالى: {واللّه جعل لكم من أنفسكم أزواجًا، وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدةً} فأعلمهم أنّه جعل لهم من أزواجهم بنين وحفدةً، والحفدة في كلام العرب: جمع حافدٍ، كما الكذبة: جمع كاذبٍ، والفسقة: جمع فاسقٍ، والحافد في كلامهم: هو المتخفّف في الخدمة والعمل، والحفد: خفّة الرجل العمل، يقال: مرّ البعير يحفد حفدانًا: إذا مرّ يسرع في سيره ومنه، قولهم: " إليك نسعى ونحفد ": أي نسرع إلى العمل بطاعتك"
وقال رحمه الله: " وإذ كان معنى الحفدة ما ذكرنا من أنّهم المسرعون في خدمة الرّجل المتخفّفون فيها، وكان اللّه تعالى ذكره أخبرنا أنّ ممّا أنعم به علينا أن جعل لنا حفدةً تحفد لنا، وكان أولادنا وأزواجنا الّذين يصلحون للخدمة منّا ومن غيرنا، وأختاننا الّذين هم أزواج بناتنا من أزواجنا، وخدمنا من مماليكنا، إذا كانوا يحفدوننا فيستحقّون اسم حفدةً، ولم يكن اللّه تعالى دلّ بظاهر تنزيله ولا على لسان رسوله صلّى اللّه عليه وسلّم ولا بحجّة عقلٍ، على أنّه عنى بذلك نوعًا من الحفدة دون نوعٍ منهم، وكان قد أنعم بكلّ ذلك علينا، لم يكن لنا أن نوجّه ذلك إلى خاصٍّ من الحفدة دون عامٍ، إلاّ ما اجمعت الأمّة عليه أنّه غير داخلٍ فيهم.
وإذا كان ذلك كذلك فلكلّ الأقوال الّتي ذكرنا عمّن ذكرنا وجهٌ في الصّحّة، ومخرجٌ في التّأويل، وإن كان أولى بالصّواب من القول ما اخترنا لما بيّنّا من الدّليل" والله أعلم


تم الجواب وبالله التوفيق
أحسنتِ، بارك الله فيكِ ونفع بكِ.
أرجو الاعتناء بالملحوظات التالية:
1. لا نعتمد في نسبة الأقوال إلى السلف على المصادر الناقلة، مثل نسبة قول الضحاك " بنو امرأة الرجل من غيره " إلى ابن الجوزي بل نحرص على البحث عن القول في المصادر الأصيلة كلها ثم البديلة فإن لم نجد فلا نجزم وقتها بنسبة هذا القول إليه.
2. لا نعتمد في تخريج الأقوال عمومًا وفي تحديد مخرج الأثر خاصة على مصدر واحد، وقد لاحظت اعتمادك على تفسير ابن جرير فقط مع تنوع المصادر وتوفرها هنا، وفي مكتبة الشاملة المزيد:
http://www.jamharah.net/showthread.php?t=21187
وأرجو مراجعة الملحوظات على التخريج في تصحيح التطبيق السابق بما في ذلك الملحوظات العامة على جميع الطلاب.
3. جيد ما ذكرتيه في الدراسة لكن الدراسة بحاجة أن تكون بأسلوبك أنت، فتقرأين جميع ما ذكره المفسرون واللغويون في توجيه الأقوال، ثم ترتبين النقاط وتعيدين الصياغة بأسلوبك ومما نحتاجه في توجيه الأقوال:
معنى العطف في قوله تعالى: {وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدة}

التقويم: ج
أرجو مواصلة التطبيق على المسائل الخلافية التي تدرسونها في مقرر التفسير؛ فإن فعلتِ هذا، تتقنين هذه المهارات بإذن الله في نهاية دراستك لتفسير سورة البقرة.
زادكِ الله توفيقًا وسدادًا ونفع بكِ الإسلام والمسلمين.

رد مع اقتباس
  #8  
قديم 16 صفر 1442هـ/3-10-2020م, 01:40 AM
إنشاد راجح إنشاد راجح غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Sep 2016
المشاركات: 732
افتراضي


بسم الله الرحمن الرحيم

تحرير القول في القراءات الورادة في قول الله تعالى: {إن هذان لساحران}


إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه، الحمد لله الذي أنزل الكتاب وحفظه في صدور الحفاظ قبل أن تخطه أيدي الكتّاب، والصلاة والسلام على نبيه الكريم الذي بلغ كلام ربه دون زيادة أو نقصان، وعلى من تبعه بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:

قال الله تعالى: (إن هذان لساحران) هذه الآية الكريمة مما اشتهر فيه الخلاف بين أهل اللغة فخرجوا التخريجات وقالوا فيها الأقوال، لإيجاد وجوه تُحمل
عليها قراءة الجمهور، ولما كان الخلاف مشهورا فقد ظن بعض الجهال والطاعنين في دين الإسلام أن فيها بغيتهم، ومن خلالها سينالون مرادهم، وهو نقض كمال القرآن الكريم بادعاء وجود الأخطاء اللغوية فيه، وتبعهم في هذا الظن الباطل بعض من عنايتهم باللغة ضعيفة وقد توطنت في قلوبهم الشبهات، وما أدركوا أنهم أقبلوا على معركة خاسرة، بحجة باطلة، ويرد عليهم وعلى أمثالهم بما لا ينكره إلا جاهل أو مكابر أن المسلمين تلقوا القراءات بالتواتر ، وأن المصاحف ما خطت إلا من حفظ الحفاظ، وليُعلم أن كلام الله محكم، معجز في بلاغته التي فاقت بلاغة أهل اللسان، فوقوع الخطأ فيه هو محض باطل من ادعاءات العابثين.

وكلامنا في هذه الرسالة عن الإشكال الذي وقع عند أهل اللغة في إعراب القراءة المشهورة والتي عليها جمهور القراء، ومنشأ اللإشكال قراءة (هذان) بالألف وقد علم من لغة العرب أن الاسم المثنى في حال نصبه وخفضه يكون بالياء، وفي حال رفعه يكون بالألف.

مستعينة بالله ابدأ بذكر القراءات وما قيل في توجيه كل قراءة وأوجه الاعتراض على تلك التوجيهات.

أولا: الاختلافات في القراءات الورادة في قول الله تعالى: (إن هذان لساحران) وما أجمع عليه القراء:
والاختلافات الواردة في القراءات يمكن حصرها فيما ذكره ابن مجاهد وتتمثل في ثلاثة أوجه:
- تشديد النونين وتخفيفهما في (إن)، وكذلك في (هذان)، وفي قراءة (هذان) بالألف والياء.

-وذكر ابن خالويه في الحجة في القراءات السبع إجماعات القراء فقال: (أجمع القراء على تشديد نون (إن) إلا ابن كثير وحفصا عن عاصم، فإنهما خففاها، وأجمعوا على لفظ الألف في (هذان) إلا أبا عمرو فإنه قرأها بالياء،وأجمعوا على تخفيف النون في التثنية إلّا ابن كثير فإنه شدّدها).ا.هـ.

ثانيا: القراءات وما جاء في كل قراءة من أقوال وتوجيهات:

القراءة الأولى: (إنّ هذان لساحران) بتشديد النون في (إنّ)، وقراءة (هذان) بالألف وتخفيف النون.
- قرأ بها عامة قراء الأمصار، وذلك اتباعا لخط المصحف. قاله ابن جرير.
فبها قرأ المدنيون والكوفيون، كنافع وابن عامر والكسائي وحمزة وعاصم في رواية أبي بكر بن عياش.
- ذكر ذلك ابن مجاهد ومكي والزمخشري، والزجاج، والنحاس، وذكره أبو منصور الأزهري، وابن خالويه، وأبو علي الفارسي وغيرهم.

-
وهذه القراءة توافق المصحف وتخالف ظاهر الإعراب، وقد رواها الجماعة عن الأئمة فيما قاله النحاس.
- واستحسن أبو إسحاق الزجاج هذه القراءة، لأنها مذهب أكثر القراء، وبها يُقرأ وهو قوي في العربية، قال أبو الحسن الأخفش: (ونقرؤها ثقيلة وهي لغة لبني الحارث بن كعب). ا.هــ.

واختارها الفراء، وله في القراءة بالألف في (هذان) جهتين:

إحداهما:كونها لغة لبني الحارث ومن جاورهم.
والوجه الثاني: أن الألف وجدت دعامة وليست لام (فعل)، وسيأتي بيان كلا الوجهين.

- وذكر العلماء في توجيه هذه القراءة سبعة أقوال كما قال مكي بن أبي طالب، وتناولها في تفسيره، وبعضهم زاد حتى ذكر الأقوال الضعيفة، وبعضهم اقتصر على خمسة أو ستة أقوال، وربما أقل، وهنا أسرد ما قد اجتمع في أغلب ما وقفت عليه من مراجع، وبين بعض هذه الأقوال تقارب.

القول الأول: (إن) هنا بمعنى (نعم).

- من ذهب إلى أن (إن) المشددة هنا حرف جواب، وهى بمعنى (نعم)، وما بعدها مرفوع على الابتداء وما بعده خبر مرفوع، ولا عمل لها فيهما.
- وقد حكى سيبويه أن (إن) تأتي بمعنى (أجل)، وكذلك حكى الكسائي عن عاصم أن ذلك معروفا عند العرب، فيما ذكره النحاس، ومكي.

- واختار هذا القول المبرد وإسماعيل القاضي، وأبو إسحاق الزجاج وعلي بن سليمان، فيما ذكره النحاس، ومكي، وابن عطية، وذكره أبو منصور الأزهري، وابن زنجلة في الحجة، وغيرهم.

- قال الزجاج: (
والذي عندي - واللَّه أعلم - وكنت عرضته على عالِمَيْنَا - محمد بن يزيد وعلى إسماعيل بن إسحاق بن حماد بن زيد القاضي فقبلاه وذكرا أنَّه أجود ما سمعاه في هذا، وهو (أنّ) قد وقعت موقع (نعم)، وأن اللام وقعت مَوْقِعَهَا، وأن المعنى هذان لَهما ساحِرَانِ.) ا.هـ.

ذكره أبو منصور الأزهري، وقد أعجبَ ابن عاشور هذا التوجيه، وقال تعقبيا على رأي المبرد وإسماعيل القاضي في توجيه الزجاج: (لقد صدقا وحققا).

واستدل لهذا القول باستعمالات (إن) في اللغة بمعنى (نعم):
1. بما روي عن علي بن أبي طالب أنه قال:
لا أحصي كم سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على منبره يقول: «إنّ الحمدُ لله – برفع الحمد- نحمده ونستعينه ثم يقول: أنا أفصح قريش كلّها وأفصحها بعدي أبان بن سعيد بن العاص».ذكره النحاس نقلا عن علي بن سليمان واستدل بهذا الأثر عدد من أهل اللغة والتفسير.
- والعرب تجعل (إن) في معنى (نعم)، وهذا معروف في خطباء الجاهيلة افتتاح خطبتهم ب(نعم) ذكره النحاس، وابن خالويه في الحجة، ومكي، وابن عطية، وغيرهم.
- قال السخاوي في فتح الوصيد: (وأبان هذا هو الذي ضمه أبو بكر رضي الله عنه إلى زيد بن ثابت في كتابة المصحف. فهذا أوضح دليل على صحة هذه القراءة.) ا.هــ.

2. وما روي عن عبد الله بن الزبير لما جاءه رجل يستجديه فما أعطاه، فقال الرجل: لعن الله ناقة حملتني إليك، فقال له ابن الزبير: (إن وراكبها)أي: (نعم ولعن راكبها)، ذكره الثعلبي والماوردي وابن عطية والسمين الحلبي وغيرهم.

3. وأما ما قيل في الشعر، فمنه قول عبد الله بن قيس الرقيات:
بكر العواذل في الصبوح.. يلمنني وألومهنه
ويقلن شيب قد علا.. ك وقد كبرت فقلت إنه

- أي: ( إنه كذلك)،- نعم قد كبرت- ، والهاء هنا هاء السكت كما قال السمين الحلبي وابن عاشور.
وهاء السكت تضاف لبيان حركة أو حرف أو لكراهة اجتماع ساكنين،كما عرف عند أهل اللغة.
قال الخليل: (
فإِذا وقفوا في هذا المعنى قالوا: إنّهْ.. تكون الهاء صلةً في الوقوف، وتَسْقط الهاء إذا صرفوا) ا.هـ.
- قال أبو عبيد: (وهذا اختصار من كلام العرب يكتفى منه بالضمير لأنه قد علم معناه) وذكره ابن منظور.

- وكذلك قول الشاعر:
قالوا: غدرت فقلت إنّ وربّما ... نال العلى وشفى الغليل الغادر

- وكذلك ما أنشده ثعلب:
ليت شعري هل للمحبّ شفاء ... من جوى حبّهنّ إنّ اللّقاء

الاعتراض على هذا القول:
- اعترض على هذا القول من وجهين:
أما الوجه الأول: فهو عدم ثبوت (إن) بمعنى (نعم)، وقيل أن ما استدل به لذلك فهو مؤول، وهو ما ذكره السمين الحلبي:
- فأما قول ابن الرقيات:
ويقلن شيب قد علا.. ك وقد كبرت فقلت إنه
فإن الهاء اسم (إن)، والخبر محذوف لفهم المعنى، وتقديره: إنه كذلك.

- وأما قول ابن الزبير،فقد حذف المعطوف عليه، وأبقى المعطوف وحذف خبر (إن) للدلالة عليه، وتقديره: إنها وصاحبها ملعونان، وفيه تكلف.

أما الوجه الثاني الذي اعترض به فهو دخول اللام على خبر المبتدأ غير المؤكد بإن المكسورة المشددة فلا يقال: (زيد لقائم
(، وقيل أنه لا يقع إلا في الشعر على الضرورة:
- وهذا الاعتراض ذكره النحاس وغيره.
قال النحاس فيما ذكره القرطبي: أن النحويين قالوا اللام ينوي بها التقديم.
وقال مكي في المشكل أن هذا القول فيه بُعد لدخول اللام في الخبر وذلك لا يكون إلا في الشعر، وكذا قاله ابن عطية، وبنحوه قال ابن أبي مريم، وسبقهم أبو علي الفارسي بنحوه.
- فاللام حقها أن تدخل في الابتداء دون الخبر، وإنما تدخل في الخبر إذا عملت (إن) في الاسم. ذكره مكي.

- ويقال أيضا أن من العرب من يدخل لام التأكيد في خبر المبتدأ، فيقول : زيد لأخوك، وهى لغة مستقيمة، قاله ابن خالوية وابن زنجلة،
وقد سبقهما قطرب بهذا التوجيه فيما ذكره ابن زنجلة.

وجميعهم استدلوا بقول الشاعر:
خالي لأنت ومن جرير خاله ... ينل العلاء ويكرم الأخوالا
وقول الشاعر:
أُمُّ الحُلَيْسِ لَعَجُوزٌ شَهْرَبَهْ. . . تَرْضى من الشاةِ بِعَظْمِ الرَّقَبَهْ
وقيل في هذا، أن اللام في موضعها و(لعجوز) مبتدأ، وشهربة خبر، والجملة خبر عن اللام، ذكره مكي.

- ويجاب على هذا الاعتراض بما قاله الزجاج أن التقدير هنا: (نعم هذان لهما ساحران) وقد حذف المبتدأ وهو الضمير:(هما)، ولساحران خبر مبتدأ محذوف.
فاللام داخلة على المبتدأ أصلا ولما حذف دخلت على ما بعدها وهو الخبر.
وقد ذكر قول الزجاج عدد من المفسرين وأهل اللغة والقراءات كأبي منصور الأزهري، والزمخشري، وذكره ابن منظور وغيرهم.

- واعترض أبو على الفارسي وابن جني وغيرهم على توجيه الزجاج، فقال أبو علي إن هذا لا يتجه لأمرين:
(أحدهما: أن الذي حمله النحويون على الضرورة لا يمتنع من أن يستمر هذا التأويل فيه، ولم يحملوه مع ذلك عليه)، وبنحوه قال أبو الفتح ابن جني.

وقال:
(والآخر: أن التأكيد باللام لا يليق به الحذف، ألا ترى أن الأوجه في الرتبة أن يتم الكلام ولا يحذف، ثم يؤكّد فأما أن يحذف ثم يؤكّد، فليس باللائق في التقدير) ا.هــ.

- وقال ابن جني: (ووجه الخطأ فيه أن (هما) المحذوفة التي قدرها مرفوعة بالابتداء لم تحذف إلا بعد العلم بها والمعرفة بموضعها، وكذلك كل محذوف لا يحذف إلا مع العلم به، ولولا ذلك لكان في حذفه مع الجهل بمكانه ضرب من تكليف علم الغيب للمخاطب، وإذا كان معروفًا؛ فقد استغنى بمعرفته عن تأكيده باللام؛ ألا ترى أنه يقبح أن تأتي بالمؤكد وتترك المؤكد فلا تأتي به) ا.هـ.

-ولعل هذا مذهب ابن منظور أيضا، قال: (وقد بين أبو علي فساد ذلك – أي قول الزجاج- فغنينا نحن عن إيضاحه هنا) ا.هـ.
- وقال أبو حيان أن ما ذهب إليه الزجاج ضعيف، ذلك أن حذف الضمير لا يجئ إلا في الشعر وأن دخول اللام في الخبر شاذ.

- قال ابن عاشور بأن ما أورده ابن جني فيه نظر.

-وقد سبق ذكر أن التقدير على هذا القول: (نعم هذان لهما ساحران)، قال السمين الحلبي أنه لا يصح أن تكون (إن) هنا بمعنى (نعم)، وعلل ذلك بقوله: (لأنها لم يتقدمها شيء تكون جوابا له، و(نعم) لا تقع ابتداء كلام، إنما تقع جوابا لسؤال فتكون تصديقاً له. ولقائل أن يقول: (يجوز أن يكون ثَّم سؤال مقدر)) ا.هــ.
- وربما جواب ذلك فيما ذكره أبو علي حيث قال أن حمل (إن) على معنى (نعم)، يناسبه أن يتقدمه سؤال عن سحرهم وقد تقدم (أجئتنا لتخرجنا من أرضنا بسحرك يا موسى فلنأتينك بسحر مثله)، فيكون (نعم) تصديقا لأنفسهم فيما ادعوه من السحر لموسى بعد تنازعهم في أمره هو وهارون عليهما السلام.
وفيما ذكره أبو علي أن هذا من قول السحرة فيما بينهم حين تنازعوا، وهو ما سبق إلى قوله قطرب أن هذا قول المتنازعين في أمر موسى وهارون عليهما السلام، فاتفقوا أنهما ساحران، وقالوا تصديقا من بعضهم لبعض (نعم)، ثم قالوا: (هذان ساحران). فيما ذكره ابن زنجلة في الحجة، وبنحوه قال أبو شامة المقدسي وابن عاشور.

- وزاد أبو شامة في أنه قد يكون قول السحرة ردا على فرعون، لما قال لهم انظروا كيف تبطلون ما جاء به، فقالوا: (نعم)، ثم استأنفوا جملة ابتدائية فقالوا: (هذان لساحران).
-وقال الماوردي أن هذا قول السحرة، أو أنه قول قوم فرعون، أو أنه قول فرعون وعبر عنه بالجماعة.

القول الثاني: أنها لغة قوم يجعلون الاثنين في رفعهما ونصبهما وخفضهما بالألف.
- وعلى هذا القول ف(إن) حرف توكيد،- المشددة العاملة- وقد جرى إعراب المثنى برفع الألف في جميع أحوال الإعراب، وذلك على لغة من لغات العرب، وهى لغة بني الحارث بن كعب وكنانة وغيرهم، وهى لغة مشهورة ولها شواهد وأدلة في كلام العرب وأشعارهم، وقد جاءت هذه القراءة على إعرابها.

قال الفراء: (لما رأوا-أي: العرب- أن الياء من الاثنين لا يمكنهم كسر ما قبلها وثبت مفتوحا: تركوا الألف تتبعه، فقالوا: رجلان في كل حال.
قال: وقد اجتمعت العرب على إثبات الألف في كلا الرّجلين، في الرّفع والنّصب والخفض، وهما اثنان إلا بني كنانة، فإنّهم يقولون: رأيت كلي الرّجلين، ومررت بكلي الرّجلين، وهي قبيحة قليلة مضوا على القياس). ا.هـ. وذكره ابن جرير.

وممن ذكر بأنها لغة لبني الحارث بن كعب:
- أبو زيد الأنصاري والكسائي والأخفش والفراء، فيما ذكره ابن قتيبة، والزجاج، والنحاس، ومكي، وكذلك ذكره الزمخشري، وابن عطية، والقرطبي، وأبو منصور الأزهري، وغيرهم.

- واحتج لذلك بخبر الضحاك -وهو الضحاك بن سفيان بن عوف بن كعب- عن ابن عباس أنه قال: (
أن الله تعالى أنزل هذا القرآن بلغة كل حيّ من أحياء العرب)ذكره ابن خالويه وأورده شيخ الإسلام في رسالته.
- وقد روى عطاء عن ابن عباس أنه قال: (هى لغة بلحارث بن كعب). ذكره ابن الجوزي، وذكر الفراء - بأنها لغة لبني الحارث -كأحد الوجهين في توجيه هذه القراءة
.

القول بأنها لغة كنانة:
- حكى أبو عبيدة عن أبي الخطاب أنه سمع قوما من بني كنانة وغيرهم يرفعون الاثنين في موضع الجر والنصب، ويقولون: أتاني الزيدان، ورأيت الزيدان، ومررت بالزيدان.
وكذلك ذكره ابن قتيبة، وابن جرير والزجاج، والنحاس، ومكي، وابن عطية، وابن زنجلة في الحجة، وغيرهم.

- وقال أبو منصور الأزهري في معاني القراءات: (أن الأخفش الكبير وغيره من قدماء النحويين قالوا: هى لغة كنانة) ا.هـ.

القول بأنها لغة خثعم:
- قيل أن الكسائي نسبها إلى خثعم، فيما ذكره شيخ الإسلام في رسالته، وقد ذكره مكي، وابن عطية، والقرطبي.
- وقال آخرون: هذه لغة الحارث بن كعب وخثعم وزبيد وكنانة يجعلون الاثنين في رفعهما ونصبهما وخفضهما بالألف. ذكره النحاس، والثعلبي، والماوردي.

- والحاصل مما سبق تفصيله أنها لغة عرفت عن بني الحارث وكنانة ومن جاورهم من قبائل العرب.

ويستدل لذلك بما روي من أشعار العرب:
- قال الفراء: أنشدني رجل من الأسد عنهم- أي: بني الحارث-:
وأطرق إطراق الشجاع ولو ترى ... مساغا لناباه الشجاع لصمما

- ومن أدلة ذلك أيضا قول الشاعر:
تزود منا بين أذناه طعنة على ... رأسه تلقى العظام من الفم

وقول الشاعر:
تَزَوَّدَ مِنَّا بَيْنَ أُذْنَاهُ ضَرْبَةً ... دَعَتْهُ إِلَى هابي التراب عقيم

وقول آخر:
إنّ أباها وأبا أباها ... قد بلغا في المجد غايتاها

والعرب تقول: كسرت يداه، وركبت علاه، ذكره الثعلبي.
وتقول أيضا: (ضَرَبتُه بين أذُناه، ومن يشتري مني الخُفَّانِ).

الاختيار والتفضيل والاعتراض:
- ذهب بعض المفسرين وأهل اللغة إلى جودة هذا القول واختاروه تفسيرا لهذه القراءة، كابن جرير وأبي جعفر النحاس، وأبي شامة المقدسي.
- قال النحاس أن هذا القول هو أحسن ما حملت عليه الآية، إذ كانت هذه اللغة معروفة، وقد حكاها من يرتضى بعلمه وأمانته منهم أبو زيد الأنصاري، فيما ذكره القرطبي.

- ومنهم من حمله على الجودة مع القول بأن (إن) بمعنى (نعم) أجود كالزجاج،
وقال: (مذهب بني كنانة في ترك ألف التثنية علىهيئة واحدة، لأن حق الألف أنْ تَدُل على الاثنين، وكان حقها ألا تتغيَّر كما لم تتغير ألف رحى وعصى، ولكن كان نقلها إلى الياء في النصب والخفضأبين وأفْضَلُ للتمييز بين المرفوع والمنصوب والمجرور).ا.هـ. ذكره النحاس وأبو منصور الأزهري، وغيرهم.
وأما من اعترض عليه كابن خالويه والماوردي، فكانت حجتهم في ذلك أنها لغة شاذة، ولا يجوز حمل القرآن عليها، قال ابن خالويه: (وأما من جعل تثنية المجرور والمنصوب بالألف فقالوا: جلست بين يداه، وأعطيت درهمان، فلغة شاذة، لا تدخل في القرآن، وهي لغة بلحرث بن كعب). وقال: (فلما كانت الكتابة في المصحف بالألف (إن هذان) حمله بعضهم على هذه اللغة) ا.هـ.
- وقال الماوردي: (أنه لا يجوز أن يحمل القرآن على ما اعتل من اللغات ويعدل به عن أفصحها وأصحها) ا.هـ.

- والاعتراض بكونها لغة شاذة، يرده نقل الثقات لهذه اللغة، قال مكي: (وهذا القول قول حسن، لا نطعن فيه لثقة الناقلين لهذه اللغة، وتواتر نقلهم واتفاقهم على ذلك، وقد نقلها أبو زيد، وكان سيبويه إذا قال حدثني من أثق به، فإياه يعني
.) ا.هـ.

- قال شيخ الإسلام رحمه الله: (بنو الحارث بن كعب هم أهل نجران، ولا ريب أن القرآن لم ينزل بهذه اللغة، بل المثنى من الأسماء المبنية في جميع القرآن هو بالياء في النصب والجر) ا.هـ.

- فما ذكره شيخ الإسلام أن القرآن لم ينزل بهذه اللغة- أي لغة بالحارث بن كعب- مستنده أدلة صحيحة كقول عثمان رضي الله عنه: (إن القرآن نزل بلغة قريش)، وكذلك أمره لكتبة المصحف: (إذا اختلفتم في شيء فاكتبوه بلغة قريش فإن القرآن نزل بلغتهم)، وقد روى البخاري في صحيحه، أنهم لم يختلفوا إلا في حرف واحد وهو (التابوت) فردوه إلى عثمان فأمر أن يكتب بلغة قريش-أي اكتبوه بالرسم الذي يوافق لغتهم.

وكذلك ما أمر به عمر بن الخطاب ابن مسعود حين كتب له: (أما
بعد،فإناللهأنزلهذا القرآنبلسانقريش،وجعلهبلسانعربيمبين،فأقرئالناسبلغةقريش، ولاتقرئهمبلغةهذيل،والسلام)رواهعمربنشبة.

فكيف نجمع بين ما ورد عن الثقات من نقلة لغة بني الحارث بن كعب وما تواتر من أدلة شعرية ووغيرها عنهم في توجيه القراءة وبين ما صح من نزول القرآن بلغة قريش والأمر بالكتابة بها عند الاختلاف، وكذلك القراءة بها لا بلغة أخرى.

وجواب ذلك أن الأدلة والشواهد الورادة لم يأت فيها مثالا للاسم المبهم (المبني) عند تثنيته، وما جاء هو في الأسماء المعربة التي ترفع بالألف وتخفض وتجر بالياء.
وتوجيه شيخ الإسلام رحمه الله لهذا، في قوله: (وحينئذ فالذي يجب أن يقال: إنه لم يثبت أنه لغة قريش، بل ولا لغة سائر العرب أنهم ينطقون في الأسماء المبهمة إذا ثنيت بالياء، وإنما قال ذلك من قال من النحاة قياسا، جعلوا التثنية في الأسماء المبهمة، كما هو في سائر الأسماء، وإلا فليس في القرآن شاهد يدل على ما قالوه) ا.هــ.

- وكان الصحابة يقرؤون القرآن كما علمهم الرسول صلى الله عليه وسلم، وقد نُقلت قراءته بالتواتر للتابعين ونقلها التابعون لمن بعدهم، وعلم من القراءة أن هذه اللغة الفصيحة المعروفة عند قريش وغيرهم في الأسماء المبهمة يقولون: إن هذان، ومررت بهذان.

- وقال شيخ الإسلام رحمه الله بأن ما ذكره قد يعترض عليه، بأنه جاء في غير الرفع بالياء كسائر الأسماء، كما في قوله تعالى: (وقال الذين كفروا ربنا أرنا اللذين أضلانا من الجن والإنس)، ولم يقل: (اللذان).
وكذلك كما قال تعالى في قصة موسى: (إني أريد أن أنكحك إحدى ابنتي هاتين) ولم يقل (هاتان).

وجوابه بأن (قوله: (أرنا اللذين أضلانا)، فقد يفرق بين اسم الإشارة والموصول بأن اسم الإشارة على حرفين بخلاف الموصول فإن الاسم هو: اللذا، عدة حروف وبعده يزاد علم الجمع، فيكسر الذال ويفتح النون، وعلم التثنية فيفتح الذال ويكسر النون، والألف تقلب ياء في النصب والجر،لأن الاسم الصحيح إذا جمع جمع التصحيح كسر آخره في النصب وفي الجر وفتحت نونه.
وإذا ثني فتح آخره وكسرت نونه في الأحوال الثلاثة، وهذا يبين أن الأصل في التثنية الألف، وعلى هذا فيكون في إعرابه لغتان، جاء بهما القرآن)
ا.هـ.
وذكر ابن هشام في الشذور، جواب شيخ الإسلام، قال: (الفرق بين (اللذان) و(هذان) بأن (اللذان) تثنية اسم ثلاثي فهو شبيه بالزيدان، و(هذان) تثنية اسم على حرفين فهو عريق في البناء لشبهه بالحروف) ا.هــ.

وأما في قوله الله تعالى: (إني أريد أن أنكحك إحدى ابنتي هاتين) :
فقال شيخ الإسلام رحمه الله بأن السبعة- أي القراء- أجمعوا على الياء في قوله تعالى: (إحدى ابنتي هاتين)، مع أن هاتين تثنية (هاتا) وهو مبني.
وأجاب عن ذلك بأنه إنما جاء (هاتين) بالياء على لغة الإعراب لمناسبة (ابنتي)، قال فالإعراب هنا أفصح من البناء لأجل المناسبة،كما أن البناء في (هذان) أفصح من الإعراب لمناسبة الألف في(ساحران).

- وأما قوله ( إن هذان لساحران) فجاء اسما مبتدأ: اسم إن وكان مجيئه بالألف أحسن في اللفظ من قولنا: (إن هذين لساحران)، الألف أحق من الياء لأن الخبر بالألف.
فإن كان كل من الاسم والخبر بالألف، كان اسم مناسبة، وهذا معنى صحيح.

وخلاصة القول:
- أن ما سيق للاستدلال من كلام العرب في توجيه هذه القراءة، إنما جاء في المعرب من الأسماء لا في المبني، فقياس من قاس هذا على ذاك ليس في محله، فالإشكال وقع في القياس لا السماع، فإن قراءة الجمهور جاءت على اللغة الفصيحة وهى لغة قريش، وقد علم أنهم يقولون: (هذان) في جميع أحوال الإعراب، ولا ينافي هذا أن تكون لغة بني الحارث وغيرهم أيضا، وذلك أن اللغات قد تتفق في ألفاظ، ودليل ذلك أنه عند كتابة المصحف لم يختلف لسان قريش والأنصار إلا في لفظ (التابوه) و (التابوت)، فكتبوه (التابوت) بلغة قريش.
- ف(هذان) اسم مبني في جميع أحوال الإعراب، وهى لغة قريش ولا يمتنع أن تكون وافقتها بني الحارث وغيرها، وقد قال ابن الأنباري: (هى لغة لبني الحارث بن كعب وافقتها لغة قريش). فيما ذكره ابن الجوزي.

القول الثالث: حذف ضمير الشأن، فالهاء مضمرة ها هنا:
- وهذا القول حكاه أبو إسحاق الزجاج عن النحويين القدماء.
وذكره النحاس، ومكي، وأبو منصور الأزهري وأبو حيان، وغيرهم.

- والتقدير: (إنه هذان لساحران)، واسم (إن) ضمير الشأن محذوف، وخبرها الجملة من قوله: (هذان لساحران)، واللام في (لساحران) داخلة على خبر المبتدأ.
ذكره الزجاج، والنحاس، ذكره مكي وابن زنجلة في الحجة، وأبو حيان وغيرهم.
قال القرطبي: (والأشبه عند أصحاب أهل هذا الجواب أن الهاء اسم (إن)، و(هذان) رفع بالابتداء، وما بعده خبر الابتداء) ا.هـ.
وقال ابن أبي مريم بأن (هذان) مبتدأ، و(لهما) مبتدأ ثان وهو مضمر أو محذوف، و(ساحران) خبر المبتدأ الثاني، والجملة: (لهما ساحران) هى خبر المبتدأ الأول (هذان).

- وكان الماوردي ذهب إلى هذا التوجيه ورد القول بأن القراءة بالألف تحمل على اللغة، فقال: (لا يجوز أن يحمل القرآن على ما اعتل من اللغات ويعدل به عن أفصحها وأصحها، ولكن في (إن) هاء مضمرة تقديرها (إنه هذان ساحران)) ا.هـ.

-وضُعف هذا القول لعدم جواز ذلك- أي الحذف- إلا في الشعر، ولدخول اللام على الخبر، ويجاب على الأخير بتوجيه الزجاج بدخول اللام على مبتدأ محذوف وقد سبق بيانه تحت القول الأول.

وقد ذكر النحاس أن دخول اللام ينوي بها التقديم، ويفسر عبارته قول أبي شامة المقدسي، قال: (إن ضمير الشأن محذوف، والأصل: (إنه هذان)، واللام زائدة، أو أريد بها التقديم، أي: لهذان ساحران) ا.هــ
.

- وقد ذكر ابن هشام في المغني بأن (إن) المشددة تكون على وجهين أحدهما أن تكون بمعنى (نعم)، والثاني أن يرتفع بعدها المبتدأ فيكون اسمها ضمير شأن محذوف.
واستدل لهذا بقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إن من أشد الناس عذابا يوم القيامة المصورون)
والأصل : إنه أي الشأن.


القول الرابع: أن الألف في (هذان) دعامة وليست ب"لام فعل":
قال الفراء: (وجدت الألف دعامة وليست بلام الفعل، فلما ثنيت زدت عليها نوناً ثم تركت الألف ثابتة على حالها لا تزول على كل حال، كما قالت العرب: (الذي) ثم زادوا عليها نوناً تدل على الجمع، فقالوا: الذين في رفعهم ونصبهم وخفضهم كما تركوا (هذان) في رفعه ونصبه وخفضه، وكنانة يقولون (اللذون)).ا.هــ.
وكذلك ذكره ابن جرير، والزجاج والنحاس، وابن زنجلة ومكي، وابن عطية وغيرهم.
- وحكاه ابن الأنباري في كتاب الرد على من خالف مصحف عثمان، عن الفراء:فقال: (ألف (هذان) هى ألف (هذا)، والنون فرقت بين الواحد والتثنية، كما فرقت نون (الذين) بين الواحد والجمع). فيما ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله.
-وقال الماوردي: (أنه بني (هذان) على بناء لا يتغير في الإعراب كما بنى (الذين) على هذه الصيغة في النصب والرفع) ا.هــ.

القول الخامس: يحكى عن بعض الكوفيين أن الألف في هذان مشبهة بألف يفعلان، فلم تغير كما لا يغير ألف يفعلان.
ذكره النحاس ومكي، وابن عطية، ونقله القرطبي وكذلك ذكره شيخ الإسلام رحمه الله في رسالته.

- قال النحاس: (ومن بين ما في هذا قول سيبويه: (واعلم أنّك إذا ثنّيت الواحد زدت عليه زائدتين، الأولى منهما حرف مدّ ولين، وهو حرف الإعراب). قال أبو جعفر: (فقول سيبويه: وهو حرف الإعراب، يوجب أنّ الأصل أن لا يتغير إنّ هذان، جاء على أصله ليعلم ذلك وقد قال الله جلّ وعزّ: (استحوذ عليهم الشيطان) ولم يقل: استحاذ، فجاء على هذا ليدل على الأصل إذ كان الأئمة قد رووها وتبيّن أنها الأصل، وهذا بيّن جدا.) ا.هـ.

- ونقل شيخ الإسلام رحمه الله قول الجرجاني، قال:
(وقال الجرجاني: لما كان (ذا) اسما على حرفين: أحدهما حرف مد ولين، وهو الحركة ووجب حذف إحدى الألفين في التثنية، لم يحسن حذف الأولى، لئلا يبقى الاسم على حرف واحد فحذف علم التثنية).ا.هـ.

القول السادس: أن )هذان( اسم مبني فتثنيته في الرفع والنصب والخفض بحال واحدة.
قال أبو جعفر النحاس: (وسألت أبا الحسن بن كيسان عن هذه الآية، فقال: إن شئت أجبتك بجواب النحويين، وإن شئت أجبتك بقولي، فقلت: بقولك، فقال سألني إسماعيل ابن إسحاق- وهو إسماعيل القاضي- عنها، فقلت: القول عندي أنه لما كان يقال (هذا) في موضع الرفع والنصب والخفض على حال واحدة، وكانت التثنية يجب ألا يغير لها الواحد، أجريت التثنية مجرى الواحد. فقال إسماعيل: ما أحسن هذا لو تقدمك أحد بالقول به، حتى يؤنس به. فقلت: فليقل القاضي به حتى يؤنس به، فتبسم).وذكره مكي وابن عطية والقرطبي وابن عاشور.

-وقد روى السيوطي في أنباء الرواة قول ابن كيسان أنه ذهب إلى أن (هذان) مبنية لا معربة وعلة بنائها أن المفرد منها (هذا) وهو مبني، والجمع (هؤلاء) وهو مبني فتحمل التثنية على الوجهين.

وقال شيخ الإسلام رحمه الله أن قول الفراء مثل جواب ابن كيسان في المعنى، وقد سبق الفراء وغيره، وهو القول الرابع الذي ذكرته.

- ف(هذان) اسم إشارة للمثنى، جاء المفرد والجمع منه على حال واحدة في الرفع والنصب والخفض فكذلك في التثنية، ألحق قياسا بهما، فيقال: (أكرمت هذان)، و(مررت بهذان)، ولا يجوز قياسه على الأسماء المعربة.

قال شيخ الإسلام رحمه الله: (وما ذكره الفراء وابن كيسان وغيرهما يدل على هذا ، فإن الفراء شبه ( هذا) ب(الذين)، وتشبيهه ( اللذان) به أولى).ا.هـ.

والأقوال الثلاثة الأخيرة بنفس المعنى كما ذكر شيخ الإسلام رحمه الله.

القول السابع: هو لحن من غلط الكاتب.
- حكاه أبو عمرو وغيره، كما ذكره النحاس، ومكي بن أبي طالب، وغيرهم.

- ونقل الفراء قول بعض من اختلفوا في هذا الحرف أنهم قالوا: (هو لحن ولكنا نمضي عليه لئلاّ نخالف الكتاب).
-وروي عن أبي عمرو أنه قال: (إني لأستحي من الله أن أقرأ (إنّ هذان لساحران))، واحتج بمخالفته للمصحف- كما سيأتي بيانه- بما روي عن عائشة أنها سُئلت عن قوله تعالى في النساء: {لكن الراسخون في العلم منهم .... والمقيمين الصلاة} وعن قوله في المائدة: {إن الذين آمنوا والّذين هادوا والصّابئون} وعن قوله:
{إنّ هذان لساحران} فقالت: يا ابن أخي هذا كان خطأ من الكاتب) ا.هـ.ذكره الفراء، والنحاس.

- وبما روي عن عثمان أنه قال: (إن في المصحف لحنا وستقيمه العرب بألسنتهم).
ذكره النحاس، وكذلك نقله القرطبي، ونُسب هذا القول أيضا لعائشة، فيما ذكره مكي.
- وروي عن أبي عمرو فيما ذكره السخاوي في فتح الوصيد أنه قال: ((ما وجدت في القرآن لحنا غير (إن هذان)، و(أكن من الصلحين)).
وعقب السخاوي قائلا: (وهذا الذي قاله إنما يقوله على الظن، وكم من ظن غير مصيب) ا.هـ.

- قال ابن عطية: (وقالت جماعة منهم عائشة رضي الله عنها وأبو عمرو: (هذا مما لحن الكاتب فيه وأقيم بالصواب، وهو تخفيف النون من إن) ا.هـ.
وذكره أبو حيان والسمين الحلبي أيضا دون زيادة :(وهو تخفيف النون من إن) – وهذه الزيادة قد تكون من قول أبي عمرو-وقد نقلها ابن عطية من مصدرٍ وأغفلها غيره-وإن صحت نسبتها لأبي عمرو فإنه من المحتمل أن أبا عمرو ذهب لتفضيل قراءة حفص وابن كثير لقوة الوجه الإعرابي فيها عن قراءة التشديد ولا يعني ذلك إبطاله للقراءة التي عليها الجمهور، إنما ربما هو من قبيل الاستحسان والاختيار، وقد يقرأ القارئ بقراءة ويستحسن معها أخرى، كما ورد عن الزجاج.
وقد تكون هذه الزيادة من كلام ابن عطية وكتبت في سياق نقله للخبر واتصلت به خطأ، وقال السمين الحلبي أن قوله (وأقيم بالصواب) أي: بالقراءة بالياء، وأنه كان من حقه أن يكتبه بالياء فلم يفعل.

نقد ما نسبت روايته إلى عائشة وعثمان رضي الله عنهما:
-استدل أبو عمرو بما روي عن عائشة وعثمان بأن ما وقع في قراءة التشديد هو لحن، وذهب العلماء لتضعيف المستدل به، فقد نُسب لعائشة القول: (هذا كان خطأ من الكاتب).
ونسب لعثمان القول: (إن في المصحف لحنا وستقيمه العرب بألسنتهم).
ونسب إليه أيضا قولا آخر، قال أبان: (قرئت هذه الآية عند عثمان فقال: لحن وخطأ، فقيل له: ألم تغيّروه فقال
: (دعوه فإنّه لا يحلّ حراما ولا يحرّم حلالا) ا.هـ. ذكره الثعلبي والقرطبي.

فالمراد بالخطأ واللحن هنا لا يخرج عن أمرين، إما أن يكون خطأ كتابياً، أوخروجا إلى لغة غير لغة قريش، وهذا قد سبق بيانه، أما الأول فقد يفسره قول أبي عبيدة معمر، قال: (قال أبو عمرو وعيسى ويونس (إنّ هذين لساحران) فى اللفظ وكتب (هذان) كما يزيدون وينقصون فى الكتاب واللفظ صواب). ا.هـ.

فما ذكر قد يحمل على أنه قد وقع خطأ في الكتابة، وقد علم أن رسم المصحف جاء موافقا للغة قريش.
- ورد شيخ الإسلام رحمه الله وقوع الخطأ في المصحف فقال: (فإن هذا ممتنع لوجوه: منها تعدد المصاحف، واجتماع جماعة على كل مصحف إلى بلد كثير، فيه كثير من الصحابة والتابعين يقرأون القرآن ويعتبرون ذلك بحفظهم. والإنسان إذا نسخ مصحفا على غلط في بعضه عرف الغلط بمخالفة حفظه القرآن وسائر المصاحف.فلو قدر أنه كتب كاتب مصحفا، ثم نسخ سائر الناس منه من غير اعتبار الأول والثاني أمكن وقوع الغلط في هذا، وهنا كل مصحف إنما كتبته جماعة، ووقف عليه خلق عظيم، ممن يحصل التواتر بأقل منهم) ا.هــ.

- ومع هذا فلو قدر وقوع الخطأ في أحد المصاحف، وتركه عثمان وهذا ممتنع في حقه و
في حق من كان معه، فأين ذهب الحفاظ الذين مستندهم السماع لا الرسم، ولو كان عثمان علم به ألم يكن من اليسير عليه تصحيحه !

-وقد ذهب ابن خالويه إلى أن اللحن هنا ليس الخطأ، بل هو خروج من لغة إلى لغة، لأن القرآن نزل بلغة قريش لا بلغة بالحارث بن كعب.
قال شيخ الإسلام رحمه الله: (والقرآن محكم لا لحن فيه، ولا تتكلم العرب بأجود نه في الإعراب). ا.هـ.

وجواب شيخ الإسلام رحمه الله على ذلك، نقله ابن هشام في الشذور، فقال:
- (أن الصحابة كانوا يتسارعون في إنكار أدنى المنكرات فكيف يقرون اللحن في القرآن؟ مع أنهم لا كلفة عليهم في إزالته.
- أن العرب كانت تستقبح اللحن غاية الاستقباح في الكلام فكيف لا يستقبحون بقاءه في المصحف.
- أن الاحتجاج بأن العرب ستقيمه بألسنتها غير مستقيم، لأن المصحف الكريم يقف عليه العربي والعجمي).
ا.هــ

قال مكي: (وهذا القول قد طعن فيه، لأن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قد أجمعوا على صحة ما بين اللوحين، فلا يمكن أن يجتمعوا على غلط)
. ا.هـ.

- قال ابن عاشور فيما روي عن عائشة وعثمان رضي الله عنهما: (وهذه أوهام وأخبار لم تصح عن الذين نسبت إليهم. ومن البعيد جدا أن يخطئ كاتب المصحف في كلمة بين أخواتها فيفردها بالخطأ دون سابقتها أو تابعتها وأبعد منه أن يجيء الخطأ في طائفة متماثلة من الكلمات وهى التي إعرابها بالحروف النائبة عن حركات الإعراب من المثنى والجمع على حده. ولا أحسب ما رواه عن عائشة وأبان عن عثمان في ذلك صحيحا). ا.هــ.

وقال ابن الأنباري: (حديث عثمان لا يصح لأنه غير متصل، ومحال أن يؤخر عثمان شيئا ليصلحه من بعده).ا.هـ. ذكره شيخ الإسلام رحمه الله.
وقال ابن عاشور بأن رواية أبان ليس فيها سند صحيح.

ويكتفى هنا ببيان ضعف ما نسب لعائشة وعثمان رضي الله عنهما، وبطلان الاستدلال به على توجيه قراءة الجمهور.

قول آخر ضعيف لمخالفته المصحف وفيه تكلف:

قال أبو حيان: (وقيل أن (ها) ضمير القصة وليس محذوفا، - وكان يناسب على هذا أن تكون متصلة في الخط فكانت كتابتها (إن هذان لساحران)، وضعف هذا القول من جهة مخالفته خط المصحف) ا.هــ.
وقال ابن أبي مريم: (والتقدير: إنها ذان لساحران، أي أن القصة ذان لساحران، فيكون الضمير ضمير القصة، وهو اسم إن، وذان مبتدأ، ولساحران خبره، وهما جميعًا خبر إن، والقول في اللام على ما سبق من الزيادة)
.ا.هـ.

وهذا القول لم يذكر كثيرا في المراجع لضعفه وتكلف تأويله.

القراءة الثانية: (إنْ هذانِ لساحران)، بتخفيف نون (إن)، و(هذان) بالألف، وتخفيف نونها.
- قرأ أبو بحرية وأبو حيوة، والزهري وإسماعيل بن قسطنطين والخليل بن أحمد والمفضل وأبان وابن محيصن، وحميد وابن سعدان، وحفص عن عاصم- وهى إحدى الروايتين عن عاصم-، فيما ذكره أبو إسحاق الزجاج، والنحاس، وأبو منصور الأزهري، وأبو حيان، وابن عاشور وغيرهم.

- هذه القراءة جاءت سالمة من مخالفة المصحف ومن فساد الإعراب، وقد رواها الجماعة عن الأئمة كما قال النحاس.
- وحكى ابن خالويه أن من خفف (إن) فهي قراءة حسنة لأنه أصلح الإعراب، ولم يخالف الخطـ، ولم يُغير اللفظ، وقال مكي في الكشف عن وجوه القراءات السبع: (فالذي خفف (إن) اجتمع له في قراءته موافقة الخط وصحة الإعراب في (هذان)) ا.هـ.
- وقال أيضا: (
وحجة من خفف أنه لما رأى القراءة وخط المصحف في (هذان) بالألف أراد أن يحتاط بالإعراب، فخفف (إن) ليحسن الرفع بعدها على الابتداء؛ لأن (إن) إذا خففت حسن رفع ما بعدها على الابتداء لنقصها عن شبه الفعل..) ا.هـ.
- قال أبو شامة الدمشقي: (فعالم هذه القراءة دلا؛ أي: أخرج دلوه ملأى، فاستراح خاطره لحصول غرضه وتمام أمره) ا.هـ.
- واستحسن أبو إسحاق الزجاج هذه القراءة؛ لأن فيها إمامان هما عاصم والخليل، ولموافقة أبي بن كعب في المعنى وإن خالفه اللفظ.
- وإن كان قد استحسن أيضا القراءة بتشديد (إن) ذلك أنها مذهب أكثر القراء، ولها وجه قوي في العربية، وكان أبو الحسن الأخفش يقرأ بها- بقراءة الجمهور بتشديد (إن)- كما قال في معاني القرآن: (ونقرؤها ثقيلة وهى لغة لبني الحارث بن كعب) ا.هـ.

الحجة في القراءة بتخفيف (إن):
والتخفيف على وجهين :
الوجه الأول:
أن( إن) خفيفة من الثقيلة، فزال عملها وهو نصب الاسم بعدها، وهو بلغة من يخفف ويرفع، فصار الاسم بعد (إن) مرفوعا على أصل الابتداء، وتبعه الخبر.
قاله الخليل بن أحمد وسيبويه وابن خالويه وأبو منصور الأزهري في معاني القراءات، وغيرهم.

- وقال أبو الحسن الأخفش أن ((إن) خفيفة في معنى ثقيلة، وهي لغة لقوم يرفعون ويدخلون اللام ليفرقوا بينها وبين التي تكون في معنى (ما)) ا.هـ.
وقال أبو علي: (أن (إن) إذا خففت لم يكن النصب بها كثيرا وكان الأوجه أن يرفع الاسم بعدها) ا.هـ.
- وذكر السمين الحلبي أن الأفصح هو إهمال (إن) ولما خيف التباسها ب(ما) النافية جيء باللام للفرق بينها وبين النافية، وهذا على مذهب البصريين كما ذكر أبو حيان وأبو شامة الدمشقي.

- وقال مكي في المشكل أن علة عدم إعمال إن المخففة لنقص بنائها فيكون ما بعدها من إعراب مبتدأ وخبر على أصلهما، وهذا كما في قول الله تعالى: (إن كل نفس لما عليها حافظ).

- وقد قال ابن أبي مريم بأن (إنْ) هي المخففة من الثقيلة، وهي إذا خففت أضمر الشأن أو الأمر بعدها في الأغلب، ولهذا يكون ما بعدها رفعًا، وقلما تعمل إن مخففة إلا في شعر
.
-وقال ابن عاشور أن اسم (إن) المخففة ضمير شأن محذوفا على المشهور.

الوجه الثاني: أن (إن) هنا بمعنى (ما) واللام بمعنى (إلا)، وهذا صحيح في المعنى وفي كلام العرب كما قال أبو منصور الأزهري، وهذا على مذهب الكوفيين من أحسن شيء
، وهذا الوجه أيضا سبق إليه الخليل الذي كان الإجماع على أنه لا أعلم منه بالنحو، وكذلك ذكره ابن خالويه وأبو حيان وغيرهم.

والتقدير هنا في الآية: ما هذان إلا ساحران.
ونظير المعنى قول الله تعالى: (وإن نظنك لمن لكاذبين) ، ذكره الثعلبي، وابن الجوزي.

واستُدل لذلك بقول الشاعر:

ثكلتك أمّك إن قتلت لمسلما ... حلّت عليك عقوبة الرّحمن
والمعنى: ما قتلت إلا مسلما.

وكذلك قول الشاعر:
أَمْسَى أبانُ ذليلاً بَعْدَ عزّته ... وإن أبانُ لَمِنْ أَعْلاجِ سوراء

وقال مكي في مشكل إعراب القرآن: (فتقدير الكلام: ما هذان إلا ساحران فلا خلل في هذا التقدير إلا ما ادعوه أن اللام تأتي بمعنى إلا). ا.هـ. وكان الفراء ممن قال بأن اللام بمعنى إلا، فيما ذكره ابن عطية.

- وذكر أبو منصور الأزهري في التهذيب عن أبي زيد ما خلاصته أن (إن) المخففة تقع في القرآن على مواضع، فتكون بمعنى (لقد)، و(إذ)، و(إذا)، و(ما) وهو الشاهد.
ومثاله قول الله تعالى: (وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته)، ومعناه: ما من أهل الكتاب.
وقوله تعالى: (لاتخذناه من لدنا إن كنا فاعلين)، والمعنى: (ما كنا فاعلين).

- ويشهد لصحة هذه القراءة ما روي عن أبي بن كعب أنه قرأ: (إن ذان إلا ساحران)، قاله ابن قتيبة والفراء، وذكره الزجاج، والنحاس والزمخشري، وذكر أبو حيان أن ابن خالويه نسب هذه القراءة لعبد الله بن مسعود.
- وروي عنه أيضا أنه قرأ: (ما هذان إلا ساحران)، وكذلك: ( إن هذان إلا ساحران) ذكره أبو إسحاق الزجاج.
- وقراءة أبي بن كعب لا يجوز القراءة بها لمخالفتها المصحف، لكن يمكن الاستشهاد بها.

القراءة الثالثة: (إنْ هذانِ لساحران)، بتخفيف نون (إن)، و(هذان) بالألف، وتشديد نونها.
هكذا قرأها ابن كثير، فيما ذكره ابن مجاهد، وأبو منصور الأزهري وغيرهم.
وقال أبو منصور الأزهري في معاني القراءات: (هذانّ) لغة معروفة وقرئ (فذانّك برهنان) على هذه اللغة) ا.هـ.
وقال ابن خالويه في قوله تعالى: (واللذان يأتينها منكم) يقرأ بتشديد النون وتخفيفها. وكذلك ما كان في القرآن من نون التثنية في مثل هذا.

- ولم يقرأ ابن كثير بالتشديد فقط في هذا الموضع بل شدد النون في مواضع أخرى فيما ذكره ابن مهران النيسابوري فقال أن قراءة ابن كثير في (واللذان)، و(إن هذان)،و(إحدى ابنتي هاتين)، و(فذانك برهانان)، و(أرنا اللذين) مشددة النون.
- ومعنى قراءة ابن كثير بنفس معنى قراءة حفص التي تقدم ذكرها وتقديرها: ما هذان إلا ساحران.

الحجة لمن شدد نون (هذان) وخففها:
- وقد وافق ابن كثير حفصاً في تخفيف نون (إن)، واختلف عنه بتشديد نون (هذان)، قال ابن خالويه
وابن زنجلة أن الحجة لمن شدد (هذانّ) أنه جعل -التشديد -عوضا من الألف المحذوفة، وذلك ليفرق بين ما سقط منه حرف، وبين ما قد بني على لفظه وتمامه. وقال أيضا: (والحجة لمن خفف: أن العرب قد تحذف طلبا للتخفيف من غير تعويض) ا.هـ. وبنحوه ذكر مكي.
- وهذا استعمال عند العرب فمنهم من إذا حذف عوض وذلك من تمام الكلمة، ومنهم من إذا حذف لم يعوض، وذلك من التخفيف. فيما ذكره ابن زنجلة.


القراءة الرابعة: (إنّ هذين لساحران)، بتشديد النون في (إنّ)، وقراءة ( هذين) بالياء.
- قرأ بها أبو عمرو بن العلاء، وعيسى بن عمر وعاصم الجحدري.
قاله الفراء، وابن قتيبة، والزجاج، والنحاس، وابن مجاهد، وأبو منصور الأزهري وابن كثير وغيرهم.

- وهى قراءة سبعية مروية عن عائشة والحسن وسعيد بن جبير وإبراهيم النخعي والأعمش وابن عبيد وغيرهم من التابعين فيما ذكره النحاس، ونقله القرطبي، وأبو حيان، وذكره شيخ الإسلام ابن تيمية في رسالته.

- وقال أبو حيان أن قراءة أبي عمرو جاءت على المهيع المعروف في التثنية لقوله:(فذانك برهانان) و (إحدى ابنتي هاتين) بالألف رفعا والياء نصبا وجرا.
- وعلى هذا القول ف(إن) حرف توكيد، وقد قال سيبويه بأن صرف (إن) إلى الناصبة للاسم أولى. فيما ذكره أبو علي، وأضاف أن هذا أشبه بما قبل الكلام وبما بعده، أراد موافقة السياق.
- قال ابن أبي مريم أن إن هنا هى المؤكدة الناصبة للاسم الرافعة للخبر، ودخول اللام هنا على الخبر للتأكيد وتسمى لام الابتداء.

- وما أشكل في هذه القراءة ليس من ناحية الإعراب ولا المعنى، فإن أبا عمرو كان يقرأ على اللغة العالية المشهورة، وهى لغة فصحاء العرب بإعمال (إن) في نصب الاسم ورفع الخبر، فمن حيث الإعراب ف(هذين) اسم (إن) وعلامة نصبه الياء على غرار نصب الاسم المثنى، ولساحران خبرها ودخلت اللام توكيدا، ومن حيث المعنى فهو إثبات وتوكيد لما اعتقدوه في موسى وهارون بأنهما ساحران، لكن هذه القراءة جاءت مخالفة لخط المصحف، فإن رسمه (هذن) بدون ألف ولا ياء، فإثباته بالياء زيادة على خطه، ونقل أبو حيان والسمين الحلبي عن أبي عبيد قوله: (رأيتها في الإمام مصحف عثمان هذان ليس فيه ألف، وهكذا رأيت رفع الاثنين في ذلك المصحف بإسقاط الألف، وإذا كتبوا النصب والخفض كتبوه بالياء ولا يسقطونها) ا.هـ.

ولما كانت هذه القراءة مخالفة للمصحف استبعدها الفراء، والزجاج وغيرهم، قال الفراء: (ولست أشتهي على أن أخالف الكتاب) ، وقال الزجاج: (لا أجيز قراءة أبي عمرو لأنها خلاف المصحف)، وقال: (وكل ما وجدته إلى موافقة المصحف أقرب لم أجز مخالفته، لأن اتباعه سنة) ا.هـ.

وروى ابن قتيبة أن عاصم الجحدري يكتب في مصحفه هذا الحرف على مثال ما كتب في المصحف الإمام، فكتب: (إن هذان لساحران)، فإذا قرأها، قرأ: (إن هذين لساحران).
وكذلك فعله في قوله تعالى: (والمقيمين الصلاة)، و (والذين هادوا والصابئين)، و (والصابرين في البأساء والضراء)، فيقرأ المقيمون، والصابئون والصابرون.
وقال وإنما فرق بين القراءة والكتاب لقول عثمان: (أرى فيه لحنا وستقيمه العرب بألسنتها) فأقامه بلسانه وترك الرسم على حاله، -وأقول: هذا الأثر سبق وبينا ضعفه.
وقال أيضا: وكان الحجاج وكّل عاصما وناجية بن رمح وعليّ بن أصمع بتتبّع المصاحف، وأمرهم أن يقطعوا كل مصحف وجدوه مخالفا لمصحف عثمان، ويعطوا صاحبه ستين درهما
.

هل كتبت كلمة ( هذان) في المصحف العثماني بالألف أم بالياء؟
- ذكر ابن زنجلة أن حجة من قرأ بالألف أنها مكتوبة هكذا في الإمام مصحف عثمان، وروي عن أبي عبيد وقد تقدم أن رفع الاثنين في المصحف جاء بإسقاط الألف، وفي حال النصب والجر جاء بثبوت الياء.
- وروي أن عاصم الجحدري كان مصحفه مكتوب على ما كتب المصحف الإمام، وإنما كان يقرأ بالياء، وكان ذلك فعله في غير هذا الموضع، فدل على أن قرائته كانت بالياء بخلاف المصحف.
والحاصل مما سبق أن المراد بقول ابن زنجلة: (أنها مكتوبة بالألف) أي: أنها ساقطة أو محذوفة، وسقوط الألف في المثنى معناه أن اللفظة مرفوعة كما ذكر أبي عبيد.

قال ابن قتيبة: (وكذلك ألف التثنية تحذف في هجاء هذا المصحف في كل مكان، مثل: (قال رجلن) و (فأخران يقومان مقامهما) وكتبت كتّاب المصحف: الصلاة والزكوة والحيوة، بالواو، واتّبعناهم في هذه الحروف خاصة على التّيمّن بهم، ونحن لا نكتب: (القطاة والقناة والفلاة) إلا بالألف، ولا فرق بين تلك الحروف وبين هذه) ا.هــ.

- فإن قيل أن رسم (هذان) بدون ألف ولا ياء، فإثباته بالياء زيادة على خط المصحف.
فالجواب فيما ذكره السمين الحلبي، حيث قال: (وهذا لا ينبغي أَنْ يُرَدَّ به على أبي عمرو، وكم جاء في الرسم أشياء خارجة عن القياس، وقد نَصُّوا هم أنه لا يجوزُ القراءةُ بها فليكنْ هذا منها، أعني ممَّا خَرَجَ عن القياس). ا.هــ.

- وقد ذهب من خطّأ أبا عمرو في قرائته بالياء، إلى مخالفته لخط المصحف، والحقيقة أن أبا عمرو
من أوسع الناس معرفة بالقراءات والعربية، وأكثرهم دراية بالشعر، فمن المستبعد أن يقدم وجه إعرابيا على قراءة تواترت وصحت.
- قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : (وكان أبو عمرو بن العلاء إماما في العربية يقرأ بما يعرف من العربية: (إن هذين لساحران)، وقد ذكر أن له سلفا في هذه القراءة، وهو الظن به). ا.هــ.
وقال ابن مجاهد: (قرأ أبو عمرو وحده (إن) مشددة النون و(هذين) بالياء- إذ لا يقرأ إلا بما يرويه لا بمجرد ما يراه).ا.هــ.
وهذا يعني أن قراءة أبي عمرو قراءة متواترة، قال ابن زنجلة : (وأبو عمر مستغن عن إقامة دليل على صحتها- أي: على صحة قرائته- ) ا.هـ.


قال ابن عاشور تعقيبا على من قال بمخالفتها للمصحف، قال: (ذلك لا يطعن فيها لأنها رواية صحيحة ووافقت وجها مقبولا في العربية) ا.هــ.

وأما القراءات التالية فهى قراءات تحمل على التفسير ولا يجوز القراءة بها لمخالفتها للمصحف فيما ذكره النحاس.

القراءة الخامسة: (إن ذان إلا ساحران)، وهو حرف أبي بن كعب.
- وهذا في حرف أبي بن كعب، فيما ذكره الفراء، وابن قتيبة، والنحاس، وابن خالويه، وابن عطية دون أن ينسبه.
قال أبو حيان أن ابن خالويه عزى هذه القراءة لعبد الله بن مسعود.
وقراءة أبي مما يقوى به قراءة حفص وابن كثير فيما قاله ابن خالويه في إعراب القراءات السبع وعللها.

القراءة السادسة: (إن هذان إلا ساحران) بتخفيف نون (إن) و(هذان) بالألف، و(ساحران) بغير لام.
- وهذا في حرف عبد الله بن مسعود، فيما ذكره النحاس، ومكي وذكره ابن عطية، وأبو حيان ولم ينسباه.
والمعنى: ما هذان إلا ساحران، وإن خفيفة بمعنى (ما) ذكره مكي.

وقال الفراء: (وفي قراءة عبد الله: وأسروا النجوى أن هذان ساحران)، بفتح ألف (أن)، وساحران بدون لام)، وذكره ابن قتيبة وكذلك الثعلبي والزمخشري في تفسيريهما، وابن خالويه وأورده أبو حيان في البحر المحيط.
قال ابن قتيبة: (
وأسرّوا النّجوى أن هذان ساحران) منصوبة بالألف يجعل إ(ِنْ هذانِ) تبيينا للنجوى.
- وقال الكسائي أن قراءة ابن مسعود بغير لام: (إن هذان ساحران) ذكره النحاس، والثعلبي.


الخاتمة :
- وينبغي أن يُعلم أن الرجوع إلى قول القراء أولى من الرجوع إلى قول النحاة وذلك لتواتر نقلهم عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقد قال ابن عاشور: (واعلم أن جميع القراء المعتبرين قرأوا بإثبات الألف في اسم الإشارة من قوله (هذان) ما عدا أبا عمرو من العشرة وما عدا أبو الحسن البصري من الأربعة عشر. وذلك يوجب اليقين بأن إثبات الألف في لفظ (هذان) أكثر تواترا بقطع النظر عن كيفية النطق بكلمة (إن) مشددة أو مخففة، وأن اكثر مشهور القراءات المتواترة قرأوا بتشديد نون- (إن) ما عدا ابن كثير وحفصا عن عاصم فهما قرءا (أن) -بسكون النون- على انها مخففة من الثقيلة). ا.هـ.
- واختار ابن جرير القراءة بتشديد النون وهذان بالألف لإجماع الحجة من القراء عليها ولموافقتها خط المصحف.
وقال في الوجه الذي تحمل عليه: (ووجهه إذا قرئ كذلك مشابهته الّذين إذ زادوا على الّذي النّون، وأقرّ في جميع أحوال الإعراب على حالةٍ واحدةٍ، فكذلك {إن هذان} زيدت على هذا نونٌ وأقرّ في جميع أحوال الإعراب على حالٍ واحدةٍ، وهي لغة الحارث بن كعبٍ، وخثعمٍ، وزبيدٍ، ومن وليهم من قبائل اليمن). ا.هــ.

- وقد اعترض ابن عطية على الأقوال التي جاءت في توجيه قراءة الجمهور إلا ماقيل من أنها لغة، و(إن) بمعنى: (نعم)، أو (إن) في الكلام ضمير.
- قال أبو حيان:
(والذي نختاره في تخريج هذه القراءة أنها جاءت على لغة بعض العرب من غجراء المثنى بالألف دائما وعلى لغة كنانة...) ا.هـــ.
- وذهب أبو شامة المقدسي اختيار قراءة التخفيف، فقال:
(
فليس الأقوى من جهة الرسم واللغة معا إلا القراءة بتخفيف (إن) ورفع (هذان)) ا.هـ.

وأختم بقول ابن عاشور: (ونزول القرآن بهذ الوجوه الفصيحة في الاستعمال ضرب من ضروب إعجازه لتجري تراكيبه على أفانين مختلفة المعاني متحدة المقصود). ا.هــ.

وأسأل الله القبول والسداد
والحمد لله رب العالمين

رد مع اقتباس
  #9  
قديم 3 ربيع الأول 1442هـ/19-10-2020م, 10:35 PM
هيئة التصحيح 11 هيئة التصحيح 11 غير متواجد حالياً
هيئة التصحيح
 
تاريخ التسجيل: Jan 2016
المشاركات: 2,525
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة إنشاد راجح مشاهدة المشاركة

بسم الله الرحمن الرحيم

تحرير القول في القراءات الورادة في قول الله تعالى: {إن هذان لساحران}


إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه، الحمد لله الذي أنزل الكتاب وحفظه في صدور الحفاظ قبل أن تخطه أيدي الكتّاب، والصلاة والسلام على نبيه الكريم الذي بلغ كلام ربه دون زيادة أو نقصان، وعلى من تبعه بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:

قال الله تعالى: (إن هذان لساحران) هذه الآية الكريمة مما اشتهر فيه الخلاف بين أهل اللغة فخرجوا التخريجات وقالوا فيها الأقوال، لإيجاد وجوه تُحمل
عليها قراءة الجمهور، ولما كان الخلاف مشهورا فقد ظن بعض الجهال والطاعنين في دين الإسلام أن فيها بغيتهم، ومن خلالها سينالون مرادهم، وهو نقض كمال القرآن الكريم بادعاء وجود الأخطاء اللغوية فيه، وتبعهم في هذا الظن الباطل بعض من عنايتهم باللغة ضعيفة وقد توطنت في قلوبهم الشبهات، وما أدركوا أنهم أقبلوا على معركة خاسرة، بحجة باطلة، ويرد عليهم وعلى أمثالهم بما لا ينكره إلا جاهل أو مكابر أن المسلمين تلقوا القراءات بالتواتر ، وأن المصاحف ما خطت إلا من حفظ الحفاظ، وليُعلم أن كلام الله محكم، معجز في بلاغته التي فاقت بلاغة أهل اللسان، فوقوع الخطأ فيه هو محض باطل من ادعاءات العابثين.

وكلامنا في هذه الرسالة عن الإشكال الذي وقع عند أهل اللغة في إعراب القراءة المشهورة والتي عليها جمهور القراء، ومنشأ اللإشكال قراءة (هذان) بالألف وقد علم من لغة العرب أن الاسم المثنى في حال نصبه وخفضه يكون بالياء، وفي حال رفعه يكون بالألف.

مستعينة بالله ابدأ بذكر القراءات وما قيل في توجيه كل قراءة وأوجه الاعتراض على تلك التوجيهات.

أولا: الاختلافات في القراءات الورادة في قول الله تعالى: (إن هذان لساحران) وما أجمع عليه القراء:
والاختلافات الواردة في القراءات يمكن حصرها فيما ذكره ابن مجاهد وتتمثل في ثلاثة أوجه:
- تشديد النونين وتخفيفهما في (إن)، وكذلك في (هذان)، وفي قراءة (هذان) بالألف والياء.

-وذكر ابن خالويه في الحجة في القراءات السبع إجماعات القراء فقال: (أجمع القراء على تشديد نون (إن) إلا ابن كثير وحفصا عن عاصم، فإنهما خففاها، وأجمعوا على لفظ الألف في (هذان) إلا أبا عمرو فإنه قرأها بالياء،وأجمعوا على تخفيف النون في التثنية إلّا ابن كثير فإنه شدّدها).ا.هـ.

ثانيا: القراءات وما جاء في كل قراءة من أقوال وتوجيهات:

القراءة الأولى: (إنّ هذان لساحران) بتشديد النون في (إنّ)، وقراءة (هذان) بالألف وتخفيف النون.
- قرأ بها عامة قراء الأمصار، وذلك اتباعا لخط المصحف. قاله ابن جرير.
فبها قرأ المدنيون والكوفيون، كنافع وابن عامر والكسائي وحمزة وعاصم في رواية أبي بكر بن عياش.
- ذكر ذلك ابن مجاهد ومكي والزمخشري، والزجاج، والنحاس، وذكره أبو منصور الأزهري، وابن خالويه، وأبو علي الفارسي وغيرهم.

-
وهذه القراءة توافق المصحف وتخالف ظاهر الإعراب، وقد رواها الجماعة عن الأئمة فيما قاله النحاس.
- واستحسن أبو إسحاق الزجاج هذه القراءة، لأنها مذهب أكثر القراء، وبها يُقرأ وهو قوي في العربية، قال أبو الحسن الأخفش: (ونقرؤها ثقيلة وهي لغة لبني الحارث بن كعب). ا.هــ.

واختارها الفراء، وله في القراءة بالألف في (هذان) جهتين:

إحداهما:كونها لغة لبني الحارث ومن جاورهم.
والوجه الثاني: أن الألف وجدت دعامة وليست لام (فعل)، وسيأتي بيان كلا الوجهين.
[لا داعي لذكر اختيار القراء، وتوجيهاتهم في مقدمتك، لأنك ستفصلين فيما بعد، ويكفي أن تذكري أنها قراءة الجمهور، مع النسبة إليهم]
- وذكر العلماء في توجيه هذه القراءة سبعة أقوال كما قال مكي بن أبي طالب، وتناولها في تفسيره، وبعضهم زاد حتى ذكر الأقوال الضعيفة، وبعضهم اقتصر على خمسة أو ستة أقوال، وربما أقل، وهنا أسرد ما قد اجتمع في أغلب ما وقفت عليه من مراجع، وبين بعض هذه الأقوال تقارب.

القول الأول: (إن) هنا بمعنى (نعم).

- من ذهب إلى أن (إن) المشددة هنا حرف جواب، وهى بمعنى (نعم)، وما بعدها مرفوع على الابتداء وما بعده خبر مرفوع، ولا عمل لها فيهما. [هذا توجيه بشر بن هلال كما ذكره أبو عبيدة وابن جرير الطبري]
- وقد حكى سيبويه أن (إن) تأتي بمعنى (أجل)، وكذلك حكى الكسائي عن عاصم أن ذلك معروفا عند العرب، فيما ذكره النحاس، ومكي.

- واختار هذا القول المبرد وإسماعيل القاضي، وأبو إسحاق الزجاج وعلي بن سليمان، فيما ذكره النحاس، ومكي، وابن عطية، وذكره أبو منصور الأزهري، وابن زنجلة في الحجة، وغيرهم. [ الأفضل فصل القول عن التوجيه، لأنهم وإن اتفقوا في القول فقد اختلف بعضهم في التوجيه.
للزجاج - ووافقه المبرد وإسماعيل القاضي - رأي آخر في توجيه هذا القول
الاعتراض على التوجيه السابق - توجيه بشر بن هلال- أن اللام دخلت على الخبر،
واللام إنما تدخل على خبر إنّ المكسورة التي تنصب اسمها.
ولا تدخل على الخبر بعد (إنّ) التي بمعنى (نعم) وإنما تدخل على المبتدأ في هذه الحالة.
وهنا (هذان): مبتدأ، (ساحران) خبر.
قالوا لا يكون ذلك إلا في ضرورة الشعر، وعقب بعضهم أن اللام - في الشواهد الشعرية المذكورة - للتقديم.
مثلا: أم الحليس لعجوز، المقصود: لأم الحليس عجوز، ولهذا البيت توجيهات أخرى كأن تكون اللام زائدة، أو بتقدير مبتدأ ثان، وتقدير مبتدأ ثان هو توجيه الزجاج.
توجيه الزجاج: أن المعنى " إنّ هذان لهما ساحران "
فقدر أن خبر هذان جملة (هما ساحران) من مبتدأ وخبر، واللام دخلت على المبتدأ.
ورد عليه ابن جني في (سر صناعة الإعراب]

- قال الزجاج: (
والذي عندي - واللَّه أعلم - وكنت عرضته على عالِمَيْنَا - محمد بن يزيد وعلى إسماعيل بن إسحاق بن حماد بن زيد القاضي فقبلاه وذكرا أنَّه أجود ما سمعاه في هذا، وهو (أنّ) قد وقعت موقع (نعم)، وأن اللام وقعت مَوْقِعَهَا، وأن المعنى هذان لَهما ساحِرَانِ.) ا.هـ.

ذكره أبو منصور الأزهري [لا حاجة لنقل قول الزجاج عن أبي منصور الأزهري، وهو مذكور في معاني القرآن للزجاج نفسه]
، وقد أعجبَ ابن عاشور هذا التوجيه، وقال تعقبيا على رأي المبرد وإسماعيل القاضي في توجيه الزجاج: (لقد صدقا وحققا).

واستدل لهذا القول باستعمالات (إن) في اللغة بمعنى (نعم):
1. بما روي عن علي بن أبي طالب أنه قال:
لا أحصي كم سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على منبره يقول: «إنّ الحمدُ لله – برفع الحمد- نحمده ونستعينه ثم يقول: أنا أفصح قريش كلّها وأفصحها بعدي أبان بن سعيد بن العاص».ذكره النحاس نقلا عن علي بن سليمان واستدل بهذا الأثر عدد من أهل اللغة والتفسير.
[النحاس رواه بإسناده وفيه عمرو بن جميع الكوفي، قال عنه الذهبي في ميزان الاعتدال: " كذبه ابن معين، وقال الدارقطني وجماعة: متروك، وقال ابن عدي: كان يتهم بالوضع،وقال البخاري: منكر الحديث"]
- والعرب تجعل (إن) في معنى (نعم)، وهذا معروف في خطباء الجاهيلة افتتاح خطبتهم ب(نعم) ذكره النحاس، وابن خالويه في الحجة، ومكي، وابن عطية، وغيرهم.
- قال السخاوي في فتح الوصيد: (وأبان هذا هو الذي ضمه أبو بكر رضي الله عنه إلى زيد بن ثابت في كتابة المصحف. فهذا أوضح دليل على صحة هذه القراءة.) ا.هــ.

2. وما روي عن عبد الله بن الزبير لما جاءه رجل يستجديه فما أعطاه، فقال الرجل: لعن الله ناقة حملتني إليك، فقال له ابن الزبير: (إن وراكبها)أي: (نعم ولعن راكبها)، ذكره الثعلبي والماوردي وابن عطية والسمين الحلبي وغيرهم.

3. وأما ما قيل في الشعر، فمنه قول عبد الله بن قيس الرقيات:
بكر العواذل في الصبوح.. يلمنني وألومهنه
ويقلن شيب قد علا.. ك وقد كبرت فقلت إنه

- أي: ( إنه كذلك)،- نعم قد كبرت- ، والهاء هنا هاء السكت كما قال السمين الحلبي وابن عاشور.
وهاء السكت تضاف لبيان حركة أو حرف أو لكراهة اجتماع ساكنين،كما عرف عند أهل اللغة.
قال الخليل: (
فإِذا وقفوا في هذا المعنى قالوا: إنّهْ.. تكون الهاء صلةً في الوقوف، وتَسْقط الهاء إذا صرفوا) ا.هـ.
- قال أبو عبيد: (وهذا اختصار من كلام العرب يكتفى منه بالضمير لأنه قد علم معناه) وذكره ابن منظور.

- وكذلك قول الشاعر:
قالوا: غدرت فقلت إنّ وربّما ... نال العلى وشفى الغليل الغادر

- وكذلك ما أنشده ثعلب:
ليت شعري هل للمحبّ شفاء ... من جوى حبّهنّ إنّ اللّقاء

الاعتراض على هذا القول:
- اعترض على هذا القول من وجهين:
أما الوجه الأول: فهو عدم ثبوت (إن) بمعنى (نعم)، وقيل أن ما استدل به لذلك فهو مؤول، وهو ما ذكره السمين الحلبي:
- فأما قول ابن الرقيات:
ويقلن شيب قد علا.. ك وقد كبرت فقلت إنه
فإن الهاء اسم (إن)، والخبر محذوف لفهم المعنى، وتقديره: إنه كذلك.

- وأما قول ابن الزبير،فقد حذف المعطوف عليه، وأبقى المعطوف وحذف خبر (إن) للدلالة عليه، وتقديره: إنها وصاحبها ملعونان، وفيه تكلف.

أما الوجه الثاني الذي اعترض به فهو دخول اللام على خبر المبتدأ غير المؤكد بإن المكسورة المشددة فلا يقال: (زيد لقائم
(، وقيل أنه لا يقع إلا في الشعر على الضرورة:
- وهذا الاعتراض ذكره النحاس وغيره.
قال النحاس فيما ذكره القرطبي: أن النحويين قالوا اللام ينوي بها التقديم.
وقال مكي في المشكل أن هذا القول فيه بُعد لدخول اللام في الخبر وذلك لا يكون إلا في الشعر، وكذا قاله ابن عطية، وبنحوه قال ابن أبي مريم، وسبقهم أبو علي الفارسي بنحوه.
- فاللام حقها أن تدخل في الابتداء دون الخبر، وإنما تدخل في الخبر إذا عملت (إن) في الاسم. ذكره مكي.

- ويقال أيضا أن من العرب من يدخل لام التأكيد في خبر المبتدأ، فيقول : زيد لأخوك، وهى لغة مستقيمة، قاله ابن خالوية وابن زنجلة،
وقد سبقهما قطرب بهذا التوجيه فيما ذكره ابن زنجلة.

وجميعهم استدلوا بقول الشاعر:
خالي لأنت ومن جرير خاله ... ينل العلاء ويكرم الأخوالا
وقول الشاعر:
أُمُّ الحُلَيْسِ لَعَجُوزٌ شَهْرَبَهْ. . . تَرْضى من الشاةِ بِعَظْمِ الرَّقَبَهْ
وقيل في هذا، أن اللام في موضعها و(لعجوز) مبتدأ، وشهربة خبر، والجملة خبر عن اللام، ذكره مكي.

- ويجاب على هذا الاعتراض بما قاله الزجاج أن التقدير هنا: (نعم هذان لهما ساحران) وقد حذف المبتدأ وهو الضمير:(هما)، ولساحران خبر مبتدأ محذوف.
فاللام داخلة على المبتدأ أصلا ولما حذف دخلت على ما بعدها وهو الخبر.
وقد ذكر قول الزجاج عدد من المفسرين وأهل اللغة والقراءات كأبي منصور الأزهري، والزمخشري، وذكره ابن منظور وغيرهم.

- واعترض أبو على الفارسي وابن جني وغيرهم على توجيه الزجاج، فقال أبو علي إن هذا لا يتجه لأمرين:
(أحدهما: أن الذي حمله النحويون على الضرورة لا يمتنع من أن يستمر هذا التأويل فيه، ولم يحملوه مع ذلك عليه)، وبنحوه قال أبو الفتح ابن جني.

وقال:
(والآخر: أن التأكيد باللام لا يليق به الحذف، ألا ترى أن الأوجه في الرتبة أن يتم الكلام ولا يحذف، ثم يؤكّد فأما أن يحذف ثم يؤكّد، فليس باللائق في التقدير) ا.هــ.

- وقال ابن جني: (ووجه الخطأ فيه أن (هما) المحذوفة التي قدرها مرفوعة بالابتداء لم تحذف إلا بعد العلم بها والمعرفة بموضعها، وكذلك كل محذوف لا يحذف إلا مع العلم به، ولولا ذلك لكان في حذفه مع الجهل بمكانه ضرب من تكليف علم الغيب للمخاطب، وإذا كان معروفًا؛ فقد استغنى بمعرفته عن تأكيده باللام؛ ألا ترى أنه يقبح أن تأتي بالمؤكد وتترك المؤكد فلا تأتي به) ا.هـ.

-ولعل هذا مذهب ابن منظور أيضا، قال: (وقد بين أبو علي فساد ذلك – أي قول الزجاج- فغنينا نحن عن إيضاحه هنا) ا.هـ.
- وقال أبو حيان أن ما ذهب إليه الزجاج ضعيف، ذلك أن حذف الضمير لا يجئ إلا في الشعر وأن دخول اللام في الخبر شاذ.

- قال ابن عاشور بأن ما أورده ابن جني فيه نظر.

-وقد سبق ذكر أن التقدير على هذا القول: (نعم هذان لهما ساحران)، قال السمين الحلبي أنه لا يصح أن تكون (إن) هنا بمعنى (نعم)، وعلل ذلك بقوله: (لأنها لم يتقدمها شيء تكون جوابا له، و(نعم) لا تقع ابتداء كلام، إنما تقع جوابا لسؤال فتكون تصديقاً له. ولقائل أن يقول: (يجوز أن يكون ثَّم سؤال مقدر)) ا.هــ.
- وربما جواب ذلك فيما ذكره أبو علي حيث قال أن حمل (إن) على معنى (نعم)، يناسبه أن يتقدمه سؤال عن سحرهم وقد تقدم (أجئتنا لتخرجنا من أرضنا بسحرك يا موسى فلنأتينك بسحر مثله)، فيكون (نعم) تصديقا لأنفسهم فيما ادعوه من السحر لموسى بعد تنازعهم في أمره هو وهارون عليهما السلام.
وفيما ذكره أبو علي أن هذا من قول السحرة فيما بينهم حين تنازعوا، وهو ما سبق إلى قوله قطرب أن هذا قول المتنازعين في أمر موسى وهارون عليهما السلام، فاتفقوا أنهما ساحران، وقالوا تصديقا من بعضهم لبعض (نعم)، ثم قالوا: (هذان ساحران). فيما ذكره ابن زنجلة في الحجة، وبنحوه قال أبو شامة المقدسي وابن عاشور.

- وزاد أبو شامة في أنه قد يكون قول السحرة ردا على فرعون، لما قال لهم انظروا كيف تبطلون ما جاء به، فقالوا: (نعم)، ثم استأنفوا جملة ابتدائية فقالوا: (هذان لساحران).
-وقال الماوردي أن هذا قول السحرة، أو أنه قول قوم فرعون، أو أنه قول فرعون وعبر عنه بالجماعة.

القول الثاني: أنها لغة قوم يجعلون الاثنين في رفعهما ونصبهما وخفضهما بالألف.
- وعلى هذا القول ف(إن) حرف توكيد،- المشددة العاملة- وقد جرى إعراب المثنى برفع الألف [هنا لا تكون معربة وإنما مبنية] في جميع أحوال الإعراب، وذلك على لغة من لغات العرب، وهى لغة بني الحارث بن كعب وكنانة وغيرهم، وهى لغة مشهورة ولها شواهد وأدلة في كلام العرب وأشعارهم، وقد جاءت هذه القراءة على إعرابها.

قال الفراء: (لما رأوا-أي: العرب- أن الياء من الاثنين لا يمكنهم كسر ما قبلها وثبت مفتوحا: تركوا الألف تتبعه، فقالوا: رجلان في كل حال.
قال: وقد اجتمعت العرب على إثبات الألف في كلا الرّجلين، في الرّفع والنّصب والخفض، وهما اثنان إلا بني كنانة، فإنّهم يقولون: رأيت كلي الرّجلين، ومررت بكلي الرّجلين، وهي قبيحة قليلة مضوا على القياس). ا.هـ. وذكره ابن جرير.

وممن ذكر بأنها لغة لبني الحارث بن كعب:
- أبو زيد الأنصاري والكسائي والأخفش والفراء، فيما ذكره ابن قتيبة، والزجاج، والنحاس، ومكي، وكذلك ذكره الزمخشري، وابن عطية، والقرطبي، وأبو منصور الأزهري، وغيرهم.

- واحتج لذلك بخبر الضحاك -وهو الضحاك بن سفيان بن عوف بن كعب- عن ابن عباس أنه قال: (
أن الله تعالى أنزل هذا القرآن بلغة كل حيّ من أحياء العرب)ذكره ابن خالويه وأورده شيخ الإسلام في رسالته. [وهذا الإسناد منقطع]
- وقد روى عطاء عن ابن عباس أنه قال: (هى لغة بلحارث بن كعب). ذكره ابن الجوزي، وذكر الفراء - بأنها لغة لبني الحارث -كأحد الوجهين في توجيه هذه القراءة
.

القول بأنها لغة كنانة:
- حكى أبو عبيدة عن أبي الخطاب أنه سمع قوما من بني كنانة وغيرهم يرفعون الاثنين في موضع الجر والنصب، ويقولون: أتاني الزيدان، ورأيت الزيدان، ومررت بالزيدان.
وكذلك ذكره ابن قتيبة، وابن جرير والزجاج، والنحاس، ومكي، وابن عطية، وابن زنجلة في الحجة، وغيرهم.

- وقال أبو منصور الأزهري في معاني القراءات: (أن الأخفش الكبير وغيره من قدماء النحويين قالوا: هى لغة كنانة) ا.هـ.

القول بأنها لغة خثعم:
- قيل أن الكسائي نسبها إلى خثعم، فيما ذكره شيخ الإسلام في رسالته، وقد ذكره مكي، وابن عطية، والقرطبي.
- وقال آخرون: هذه لغة الحارث بن كعب وخثعم وزبيد وكنانة يجعلون الاثنين في رفعهما ونصبهما وخفضهما بالألف. ذكره النحاس، والثعلبي، والماوردي.

- والحاصل مما سبق تفصيله أنها لغة عرفت عن بني الحارث وكنانة ومن جاورهم من قبائل العرب.

ويستدل لذلك بما روي من أشعار العرب:
- قال الفراء: أنشدني رجل من الأسد عنهم- أي: بني الحارث-:
وأطرق إطراق الشجاع ولو ترى ... مساغا لناباه الشجاع لصمما

- ومن أدلة ذلك أيضا قول الشاعر:
تزود منا بين أذناه طعنة على ... رأسه تلقى العظام من الفم

وقول الشاعر:
تَزَوَّدَ مِنَّا بَيْنَ أُذْنَاهُ ضَرْبَةً ... دَعَتْهُ إِلَى هابي التراب عقيم

وقول آخر:
إنّ أباها وأبا أباها ... قد بلغا في المجد غايتاها

والعرب تقول: كسرت يداه، وركبت علاه، ذكره الثعلبي.
وتقول أيضا: (ضَرَبتُه بين أذُناه، ومن يشتري مني الخُفَّانِ).

الاختيار والتفضيل والاعتراض:
- ذهب بعض المفسرين وأهل اللغة إلى جودة هذا القول واختاروه تفسيرا لهذه القراءة، كابن جرير وأبي جعفر النحاس، وأبي شامة المقدسي.
- قال النحاس أن هذا القول هو أحسن ما حملت عليه الآية، إذ كانت هذه اللغة معروفة، وقد حكاها من يرتضى بعلمه وأمانته منهم أبو زيد الأنصاري، فيما ذكره القرطبي.

- ومنهم من حمله على الجودة مع القول بأن (إن) بمعنى (نعم) أجود كالزجاج،
وقال: (مذهب بني كنانة في ترك ألف التثنية علىهيئة واحدة، لأن حق الألف أنْ تَدُل على الاثنين، وكان حقها ألا تتغيَّر كما لم تتغير ألف رحى وعصى، ولكن كان نقلها إلى الياء في النصب والخفضأبين وأفْضَلُ للتمييز بين المرفوع والمنصوب والمجرور).ا.هـ. ذكره النحاس وأبو منصور الأزهري، وغيرهم.
وأما من اعترض عليه كابن خالويه والماوردي، فكانت حجتهم في ذلك أنها لغة شاذة، ولا يجوز حمل القرآن عليها، قال ابن خالويه: (وأما من جعل تثنية المجرور والمنصوب بالألف فقالوا: جلست بين يداه، وأعطيت درهمان، فلغة شاذة، لا تدخل في القرآن، وهي لغة بلحرث بن كعب). وقال: (فلما كانت الكتابة في المصحف بالألف (إن هذان) حمله بعضهم على هذه اللغة) ا.هـ.
- وقال الماوردي: (أنه لا يجوز أن يحمل القرآن على ما اعتل من اللغات ويعدل به عن أفصحها وأصحها) ا.هـ.

- والاعتراض بكونها لغة شاذة، يرده نقل الثقات لهذه اللغة، قال مكي: (وهذا القول قول حسن، لا نطعن فيه لثقة الناقلين لهذه اللغة، وتواتر نقلهم واتفاقهم على ذلك، وقد نقلها أبو زيد، وكان سيبويه إذا قال حدثني من أثق به، فإياه يعني
.) ا.هـ.

- قال شيخ الإسلام رحمه الله: (بنو الحارث بن كعب هم أهل نجران، ولا ريب أن القرآن لم ينزل بهذه اللغة، بل المثنى من الأسماء المبنية في جميع القرآن هو بالياء في النصب والجر) ا.هـ.

- فما ذكره شيخ الإسلام أن القرآن لم ينزل بهذه اللغة- أي لغة بالحارث بن كعب- مستنده أدلة صحيحة كقول عثمان رضي الله عنه: (إن القرآن نزل بلغة قريش)، وكذلك أمره لكتبة المصحف: (إذا اختلفتم في شيء فاكتبوه بلغة قريش فإن القرآن نزل بلغتهم)، وقد روى البخاري في صحيحه، أنهم لم يختلفوا إلا في حرف واحد وهو (التابوت) فردوه إلى عثمان فأمر أن يكتب بلغة قريش-أي اكتبوه بالرسم الذي يوافق لغتهم.

وكذلك ما أمر به عمر بن الخطاب ابن مسعود حين كتب له: (أما
بعد،فإناللهأنزلهذا القرآنبلسانقريش،وجعلهبلسانعربيمبين،فأقرئالناسبلغةقريش، ولاتقرئهمبلغةهذيل،والسلام)رواهعمربنشبة.

فكيف نجمع بين ما ورد عن الثقات من نقلة لغة بني الحارث بن كعب وما تواتر من أدلة شعرية ووغيرها عنهم في توجيه القراءة وبين ما صح من نزول القرآن بلغة قريش والأمر بالكتابة بها عند الاختلاف، وكذلك القراءة بها لا بلغة أخرى.

وجواب ذلك أن الأدلة والشواهد الورادة لم يأت فيها مثالا للاسم المبهم (المبني) عند تثنيته، وما جاء هو في الأسماء المعربة التي ترفع بالألف وتخفض وتجر بالياء.
وتوجيه شيخ الإسلام رحمه الله لهذا، في قوله: (وحينئذ فالذي يجب أن يقال: إنه لم يثبت أنه لغة قريش، بل ولا لغة سائر العرب أنهم ينطقون في الأسماء المبهمة إذا ثنيت بالياء، وإنما قال ذلك من قال من النحاة قياسا، جعلوا التثنية في الأسماء المبهمة، كما هو في سائر الأسماء، وإلا فليس في القرآن شاهد يدل على ما قالوه) ا.هــ.

- وكان الصحابة يقرؤون القرآن كما علمهم الرسول صلى الله عليه وسلم، وقد نُقلت قراءته بالتواتر للتابعين ونقلها التابعون لمن بعدهم، وعلم من القراءة أن هذه اللغة الفصيحة المعروفة عند قريش وغيرهم في الأسماء المبهمة يقولون: إن هذان، ومررت بهذان.

- وقال شيخ الإسلام رحمه الله بأن ما ذكره قد يعترض عليه، بأنه جاء في غير الرفع بالياء كسائر الأسماء، كما في قوله تعالى: (وقال الذين كفروا ربنا أرنا اللذين أضلانا من الجن والإنس)، ولم يقل: (اللذان).
وكذلك كما قال تعالى في قصة موسى: (إني أريد أن أنكحك إحدى ابنتي هاتين) ولم يقل (هاتان).

وجوابه بأن (قوله: (أرنا اللذين أضلانا)، فقد يفرق بين اسم الإشارة والموصول بأن اسم الإشارة على حرفين بخلاف الموصول فإن الاسم هو: اللذا، عدة حروف وبعده يزاد علم الجمع، فيكسر الذال ويفتح النون، وعلم التثنية فيفتح الذال ويكسر النون، والألف تقلب ياء في النصب والجر،لأن الاسم الصحيح إذا جمع جمع التصحيح كسر آخره في النصب وفي الجر وفتحت نونه.
وإذا ثني فتح آخره وكسرت نونه في الأحوال الثلاثة، وهذا يبين أن الأصل في التثنية الألف، وعلى هذا فيكون في إعرابه لغتان، جاء بهما القرآن)
ا.هـ.
وذكر ابن هشام في الشذور، جواب شيخ الإسلام، قال: (الفرق بين (اللذان) و(هذان) بأن (اللذان) تثنية اسم ثلاثي فهو شبيه بالزيدان، و(هذان) تثنية اسم على حرفين فهو عريق في البناء لشبهه بالحروف) ا.هــ.

وأما في قوله الله تعالى: (إني أريد أن أنكحك إحدى ابنتي هاتين) :
فقال شيخ الإسلام رحمه الله بأن السبعة- أي القراء- أجمعوا على الياء في قوله تعالى: (إحدى ابنتي هاتين)، مع أن هاتين تثنية (هاتا) وهو مبني.
وأجاب عن ذلك بأنه إنما جاء (هاتين) بالياء على لغة الإعراب لمناسبة (ابنتي)، قال فالإعراب هنا أفصح من البناء لأجل المناسبة،كما أن البناء في (هذان) أفصح من الإعراب لمناسبة الألف في(ساحران).

- وأما قوله ( إن هذان لساحران) فجاء اسما مبتدأ: اسم إن وكان مجيئه بالألف أحسن في اللفظ من قولنا: (إن هذين لساحران)، الألف أحق من الياء لأن الخبر بالألف.
فإن كان كل من الاسم والخبر بالألف، كان اسم مناسبة، وهذا معنى صحيح.

وخلاصة القول:
- أن ما سيق للاستدلال من كلام العرب في توجيه هذه القراءة، إنما جاء في المعرب من الأسماء لا في المبني، فقياس من قاس هذا على ذاك ليس في محله، فالإشكال وقع في القياس لا السماع، فإن قراءة الجمهور جاءت على اللغة الفصيحة وهى لغة قريش، وقد علم أنهم يقولون: (هذان) في جميع أحوال الإعراب، ولا ينافي هذا أن تكون لغة بني الحارث وغيرهم أيضا، وذلك أن اللغات قد تتفق في ألفاظ، ودليل ذلك أنه عند كتابة المصحف لم يختلف لسان قريش والأنصار إلا في لفظ (التابوه) و (التابوت)، فكتبوه (التابوت) بلغة قريش.
- ف(هذان) اسم مبني في جميع أحوال الإعراب، وهى لغة قريش ولا يمتنع أن تكون وافقتها بني الحارث وغيرها، وقد قال ابن الأنباري: (هى لغة لبني الحارث بن كعب وافقتها لغة قريش). فيما ذكره ابن الجوزي.

القول الثالث: حذف ضمير الشأن، فالهاء مضمرة ها هنا:
- وهذا القول حكاه أبو إسحاق الزجاج عن النحويين القدماء.
وذكره النحاس، ومكي، وأبو منصور الأزهري وأبو حيان، وغيرهم.

- والتقدير: (إنه هذان لساحران)، واسم (إن) ضمير الشأن محذوف، وخبرها الجملة من قوله: (هذان لساحران)، واللام في (لساحران) داخلة على خبر المبتدأ.
ذكره الزجاج، والنحاس، ذكره مكي وابن زنجلة في الحجة، وأبو حيان وغيرهم.
قال القرطبي: (والأشبه عند أصحاب أهل هذا الجواب أن الهاء اسم (إن)، و(هذان) رفع بالابتداء، وما بعده خبر الابتداء) ا.هـ.
وقال ابن أبي مريم بأن (هذان) مبتدأ، و(لهما) مبتدأ ثان وهو مضمر أو محذوف، و(ساحران) خبر المبتدأ الثاني، والجملة: (لهما ساحران) هى خبر المبتدأ الأول (هذان).

- وكان الماوردي ذهب إلى هذا التوجيه ورد القول بأن القراءة بالألف تحمل على اللغة، فقال: (لا يجوز أن يحمل القرآن على ما اعتل من اللغات ويعدل به عن أفصحها وأصحها، ولكن في (إن) هاء مضمرة تقديرها (إنه هذان ساحران)) ا.هـ.

-وضُعف هذا القول لعدم جواز ذلك- أي الحذف- إلا في الشعر، ولدخول اللام على الخبر، ويجاب على الأخير بتوجيه الزجاج بدخول اللام على مبتدأ محذوف وقد سبق بيانه تحت القول الأول.

وقد ذكر النحاس أن دخول اللام ينوي بها التقديم، ويفسر عبارته قول أبي شامة المقدسي، قال: (إن ضمير الشأن محذوف، والأصل: (إنه هذان)، واللام زائدة، أو أريد بها التقديم، أي: لهذان ساحران) ا.هــ
.

- وقد ذكر ابن هشام في المغني بأن (إن) المشددة تكون على وجهين أحدهما أن تكون بمعنى (نعم)، والثاني أن يرتفع بعدها المبتدأ فيكون اسمها ضمير شأن محذوف.
واستدل لهذا بقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إن من أشد الناس عذابا يوم القيامة المصورون)
والأصل : إنه أي الشأن.


القول الرابع: أن الألف في (هذان) دعامة وليست ب"لام فعل":
قال الفراء: (وجدت الألف دعامة وليست بلام الفعل، فلما ثنيت زدت عليها نوناً ثم تركت الألف ثابتة على حالها لا تزول على كل حال، كما قالت العرب: (الذي) ثم زادوا عليها نوناً تدل على الجمع، فقالوا: الذين في رفعهم ونصبهم وخفضهم كما تركوا (هذان) في رفعه ونصبه وخفضه، وكنانة يقولون (اللذون)).ا.هــ.
وكذلك ذكره ابن جرير، والزجاج والنحاس، وابن زنجلة ومكي، وابن عطية وغيرهم.
- وحكاه ابن الأنباري في كتاب الرد على من خالف مصحف عثمان، عن الفراء:فقال: (ألف (هذان) هى ألف (هذا)، والنون فرقت بين الواحد والتثنية، كما فرقت نون (الذين) بين الواحد والجمع). فيما ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله.
-وقال الماوردي: (أنه بني (هذان) على بناء لا يتغير في الإعراب كما بنى (الذين) على هذه الصيغة في النصب والرفع) ا.هــ.

القول الخامس: يحكى عن بعض الكوفيين أن الألف في هذان مشبهة بألف يفعلان، فلم تغير كما لا يغير ألف يفعلان.
ذكره النحاس ومكي، وابن عطية، ونقله القرطبي وكذلك ذكره شيخ الإسلام رحمه الله في رسالته.

- قال النحاس: (ومن بين ما في هذا قول سيبويه: (واعلم أنّك إذا ثنّيت الواحد زدت عليه زائدتين، الأولى منهما حرف مدّ ولين، وهو حرف الإعراب). قال أبو جعفر: (فقول سيبويه: وهو حرف الإعراب، يوجب أنّ الأصل أن لا يتغير إنّ هذان، جاء على أصله ليعلم ذلك وقد قال الله جلّ وعزّ: (استحوذ عليهم الشيطان) ولم يقل: استحاذ، فجاء على هذا ليدل على الأصل إذ كان الأئمة قد رووها وتبيّن أنها الأصل، وهذا بيّن جدا.) ا.هـ.

- ونقل شيخ الإسلام رحمه الله قول الجرجاني، قال:
(وقال الجرجاني: لما كان (ذا) اسما على حرفين: أحدهما حرف مد ولين، وهو الحركة ووجب حذف إحدى الألفين في التثنية، لم يحسن حذف الأولى، لئلا يبقى الاسم على حرف واحد فحذف علم التثنية).ا.هـ.

القول السادس: أن )هذان( اسم مبني فتثنيته في الرفع والنصب والخفض بحال واحدة.
قال أبو جعفر النحاس: (وسألت أبا الحسن بن كيسان عن هذه الآية، فقال: إن شئت أجبتك بجواب النحويين، وإن شئت أجبتك بقولي، فقلت: بقولك، فقال سألني إسماعيل ابن إسحاق- وهو إسماعيل القاضي- عنها، فقلت: القول عندي أنه لما كان يقال (هذا) في موضع الرفع والنصب والخفض على حال واحدة، وكانت التثنية يجب ألا يغير لها الواحد، أجريت التثنية مجرى الواحد. فقال إسماعيل: ما أحسن هذا لو تقدمك أحد بالقول به، حتى يؤنس به. فقلت: فليقل القاضي به حتى يؤنس به، فتبسم).وذكره مكي وابن عطية والقرطبي وابن عاشور.

-وقد روى السيوطي في أنباء الرواة قول ابن كيسان أنه ذهب إلى أن (هذان) مبنية لا معربة وعلة بنائها أن المفرد منها (هذا) وهو مبني، والجمع (هؤلاء) وهو مبني فتحمل التثنية على الوجهين.

وقال شيخ الإسلام رحمه الله أن قول الفراء مثل جواب ابن كيسان في المعنى، وقد سبق الفراء وغيره، وهو القول الرابع الذي ذكرته.

- ف(هذان) اسم إشارة للمثنى، جاء المفرد والجمع منه على حال واحدة في الرفع والنصب والخفض فكذلك في التثنية، ألحق قياسا بهما، فيقال: (أكرمت هذان)، و(مررت بهذان)، ولا يجوز قياسه على الأسماء المعربة.

قال شيخ الإسلام رحمه الله: (وما ذكره الفراء وابن كيسان وغيرهما يدل على هذا ، فإن الفراء شبه ( هذا) ب(الذين)، وتشبيهه ( اللذان) به أولى).ا.هـ.

والأقوال الثلاثة الأخيرة بنفس المعنى كما ذكر شيخ الإسلام رحمه الله.

القول السابع: هو لحن من غلط الكاتب.
- حكاه أبو عمرو وغيره، كما ذكره النحاس، ومكي بن أبي طالب، وغيرهم. [قولي نُسب إلى أبي عمرو، دون جزم، إلا أن يكون لديكِ إسناد ثابت]

- ونقل الفراء قول بعض من اختلفوا في هذا الحرف أنهم قالوا: (هو لحن ولكنا نمضي عليه لئلاّ نخالف الكتاب).
-وروي عن أبي عمرو أنه قال: (إني لأستحي من الله أن أقرأ (إنّ هذان لساحران))، واحتج بمخالفته للمصحف- كما سيأتي بيانه- بما روي عن عائشة أنها سُئلت عن قوله تعالى في النساء: {لكن الراسخون في العلم منهم .... والمقيمين الصلاة} وعن قوله في المائدة: {إن الذين آمنوا والّذين هادوا والصّابئون} وعن قوله:
{إنّ هذان لساحران} فقالت: يا ابن أخي هذا كان خطأ من الكاتب) ا.هـ.ذكره الفراء، والنحاس.

- وبما روي عن عثمان أنه قال: (إن في المصحف لحنا وستقيمه العرب بألسنتهم).
ذكره النحاس، وكذلك نقله القرطبي، ونُسب هذا القول أيضا لعائشة، فيما ذكره مكي.
- وروي عن أبي عمرو فيما ذكره السخاوي في فتح الوصيد أنه قال: ((ما وجدت في القرآن لحنا غير (إن هذان)، و(أكن من الصلحين)).
وعقب السخاوي قائلا: (وهذا الذي قاله إنما يقوله على الظن، وكم من ظن غير مصيب) ا.هـ.

- قال ابن عطية: (وقالت جماعة منهم عائشة رضي الله عنها وأبو عمرو: (هذا مما لحن الكاتب فيه وأقيم بالصواب، وهو تخفيف النون من إن) [وتخفيف النون غير القراءة محل البحث] ا.هـ.
وذكره أبو حيان والسمين الحلبي أيضا دون زيادة :(وهو تخفيف النون من إن) – وهذه الزيادة قد تكون من قول أبي عمرو-وقد نقلها ابن عطية من مصدرٍ وأغفلها غيره-وإن صحت نسبتها لأبي عمرو فإنه من المحتمل أن أبا عمرو ذهب لتفضيل قراءة حفص وابن كثير لقوة الوجه الإعرابي فيها عن قراءة التشديد ولا يعني ذلك إبطاله للقراءة التي عليها الجمهور، إنما ربما هو من قبيل الاستحسان والاختيار، وقد يقرأ القارئ بقراءة ويستحسن معها أخرى، كما ورد عن الزجاج.
وقد تكون هذه الزيادة من كلام ابن عطية وكتبت في سياق نقله للخبر واتصلت به خطأ، وقال السمين الحلبي أن قوله (وأقيم بالصواب) أي: بالقراءة بالياء، وأنه كان من حقه أن يكتبه بالياء فلم يفعل. [هذا إن ثبت عنه ]

نقد ما نسبت روايته إلى عائشة وعثمان رضي الله عنهما:
-استدل أبو عمرو بما روي عن عائشة وعثمان بأن ما وقع في قراءة التشديد هو لحن، وذهب العلماء لتضعيف المستدل به، فقد نُسب لعائشة القول: (هذا كان خطأ من الكاتب).
ونسب لعثمان القول: (إن في المصحف لحنا وستقيمه العرب بألسنتهم).
ونسب إليه أيضا قولا آخر، قال أبان: (قرئت هذه الآية عند عثمان فقال: لحن وخطأ، فقيل له: ألم تغيّروه فقال
: (دعوه فإنّه لا يحلّ حراما ولا يحرّم حلالا) ا.هـ. ذكره الثعلبي والقرطبي.

فالمراد بالخطأ واللحن هنا لا يخرج عن أمرين، إما أن يكون خطأ كتابياً، أوخروجا إلى لغة غير لغة قريش، وهذا قد سبق بيانه، أما الأول فقد يفسره قول أبي عبيدة معمر، قال: (قال أبو عمرو وعيسى ويونس (إنّ هذين لساحران) فى اللفظ وكتب (هذان) كما يزيدون وينقصون فى الكتاب واللفظ صواب). ا.هـ.

فما ذكر قد يحمل على أنه قد وقع خطأ في الكتابة، وقد علم أن رسم المصحف جاء موافقا للغة قريش.
- ورد شيخ الإسلام رحمه الله وقوع الخطأ في المصحف فقال: (فإن هذا ممتنع لوجوه: منها تعدد المصاحف، واجتماع جماعة على كل مصحف إلى بلد كثير، فيه كثير من الصحابة والتابعين يقرأون القرآن ويعتبرون ذلك بحفظهم. والإنسان إذا نسخ مصحفا على غلط في بعضه عرف الغلط بمخالفة حفظه القرآن وسائر المصاحف.فلو قدر أنه كتب كاتب مصحفا، ثم نسخ سائر الناس منه من غير اعتبار الأول والثاني أمكن وقوع الغلط في هذا، وهنا كل مصحف إنما كتبته جماعة، ووقف عليه خلق عظيم، ممن يحصل التواتر بأقل منهم) ا.هــ.

- ومع هذا فلو قدر وقوع الخطأ في أحد المصاحف، وتركه عثمان وهذا ممتنع في حقه و
في حق من كان معه، فأين ذهب الحفاظ الذين مستندهم السماع لا الرسم، ولو كان عثمان علم به ألم يكن من اليسير عليه تصحيحه !

-وقد ذهب ابن خالويه إلى أن اللحن هنا ليس الخطأ، بل هو خروج من لغة إلى لغة، لأن القرآن نزل بلغة قريش لا بلغة بالحارث بن كعب.
قال شيخ الإسلام رحمه الله: (والقرآن محكم لا لحن فيه، ولا تتكلم العرب بأجود نه في الإعراب). ا.هـ.

وجواب شيخ الإسلام رحمه الله على ذلك، نقله ابن هشام في الشذور، فقال:
- (أن الصحابة كانوا يتسارعون في إنكار أدنى المنكرات فكيف يقرون اللحن في القرآن؟ مع أنهم لا كلفة عليهم في إزالته.
- أن العرب كانت تستقبح اللحن غاية الاستقباح في الكلام فكيف لا يستقبحون بقاءه في المصحف.
- أن الاحتجاج بأن العرب ستقيمه بألسنتها غير مستقيم، لأن المصحف الكريم يقف عليه العربي والعجمي).
ا.هــ

قال مكي: (وهذا القول قد طعن فيه، لأن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قد أجمعوا على صحة ما بين اللوحين، فلا يمكن أن يجتمعوا على غلط)
. ا.هـ.

- قال ابن عاشور فيما روي عن عائشة وعثمان رضي الله عنهما: (وهذه أوهام وأخبار لم تصح عن الذين نسبت إليهم. ومن البعيد جدا أن يخطئ كاتب المصحف في كلمة بين أخواتها فيفردها بالخطأ دون سابقتها أو تابعتها وأبعد منه أن يجيء الخطأ في طائفة متماثلة من الكلمات وهى التي إعرابها بالحروف النائبة عن حركات الإعراب من المثنى والجمع على حده. ولا أحسب ما رواه عن عائشة وأبان عن عثمان في ذلك صحيحا). ا.هــ.

وقال ابن الأنباري: (حديث عثمان لا يصح لأنه غير متصل، ومحال أن يؤخر عثمان شيئا ليصلحه من بعده).ا.هـ. ذكره شيخ الإسلام رحمه الله.
وقال ابن عاشور بأن رواية أبان ليس فيها سند صحيح.

ويكتفى هنا ببيان ضعف ما نسب لعائشة وعثمان رضي الله عنهما، وبطلان الاستدلال به على توجيه قراءة الجمهور.
[والشيخ عبد العزيز الداخل حفظه الله أطال في بحث هذه المسألة وبيان ضعف أسانيدها في نهاية دورة جمع القرآن فيمكنكِ الاستفادة منها.
ويحسن هنا مع بيان ضعف الأسانيد، رد المتن ببيان الأدلة على شدة تثبت الصحابة في جمعهم للقرآن كما ذكرتِ - فقط نضيف الأدلة -
ومنها:
روى البخاري عن ابن أبي مليكة قال: قال ابن الزبير: قلتُ لعثمان هذه الآية التي في البقرة: { والذين يتوفون ويذرون أزواجا} إلى قوله: {غير إخراج} قد نسختها الأخرى، فلِمَ تكتبها، قال: تدعُها. يا ابن أخي لا أغير شيئا منه من مكانه.
وروى البخاري كذلك في صحيحه عن ابن شهاب عن خارجة بن زيد عن زيد بن ثابت رضي الله عنه أنه قال: نسختُ الصحف في المصاحف، ففقدتُ آية من سورة الأحزاب، كنتُ أسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ بها، فلم أجدها إلا مع خزيمة بن ثابت الأنصاري، الذي جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم شهادته شهادة رجلين وهو قوله: {من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه }.
وفي رواية أخرى قال: فألحقناها في سورتها في المصحف.
فهذه الآثار ونحوها تدل على شدة تثبت الصحابة في جمع القرآن.]

قول آخر ضعيف لمخالفته المصحف وفيه تكلف:

قال أبو حيان: (وقيل أن (ها) ضمير القصة وليس محذوفا، - وكان يناسب على هذا أن تكون متصلة في الخط فكانت كتابتها (إن هذان لساحران)، وضعف هذا القول من جهة مخالفته خط المصحف) ا.هــ.
وقال ابن أبي مريم: (والتقدير: إنها ذان لساحران، أي أن القصة ذان لساحران، فيكون الضمير ضمير القصة، وهو اسم إن، وذان مبتدأ، ولساحران خبره، وهما جميعًا خبر إن، والقول في اللام على ما سبق من الزيادة)
.ا.هـ.

وهذا القول لم يذكر كثيرا في المراجع لضعفه وتكلف تأويله.
[وذكر الألوسي قولا آخر، وهي أن (إنّ) مُلغاة، حُملت على الخفيفة كما تُحمل الخفيفة عليها
وهو غير قول بشر بن هلال في القول الأول، فلم يقولوا هنا بأن معناها بمعنى نعم، وإن اتفقوا على أنها لم تعمل]


القراءة الثانية: (إنْ هذانِ لساحران)، بتخفيف نون (إن)، و(هذان) بالألف، وتخفيف نونها.
- قرأ أبو بحرية وأبو حيوة، والزهري وإسماعيل بن قسطنطين والخليل بن أحمد والمفضل وأبان وابن محيصن، وحميد وابن سعدان، وحفص عن عاصم- وهى إحدى الروايتين عن عاصم-، فيما ذكره أبو إسحاق الزجاج، والنحاس، وأبو منصور الأزهري، وأبو حيان، وابن عاشور وغيرهم.

- هذه القراءة جاءت سالمة من مخالفة المصحف ومن فساد الإعراب، وقد رواها الجماعة عن الأئمة كما قال النحاس.
- وحكى ابن خالويه أن من خفف (إن) فهي قراءة حسنة لأنه أصلح الإعراب، ولم يخالف الخطـ، ولم يُغير اللفظ، وقال مكي في الكشف عن وجوه القراءات السبع: (فالذي خفف (إن) اجتمع له في قراءته موافقة الخط وصحة الإعراب في (هذان)) ا.هـ.
- وقال أيضا: (
وحجة من خفف أنه لما رأى القراءة وخط المصحف في (هذان) بالألف أراد أن يحتاط بالإعراب، فخفف (إن) ليحسن الرفع بعدها على الابتداء؛ لأن (إن) إذا خففت حسن رفع ما بعدها على الابتداء لنقصها عن شبه الفعل..) ا.هـ. [والقراءة إسناد أولا، فتُحمل اللغة عليها وليس العكس]
- قال أبو شامة الدمشقي: (فعالم هذه القراءة دلا؛ أي: أخرج دلوه ملأى، فاستراح خاطره لحصول غرضه وتمام أمره) ا.هـ.
- واستحسن أبو إسحاق الزجاج هذه القراءة؛ لأن فيها إمامان هما عاصم والخليل، ولموافقة أبي بن كعب في المعنى وإن خالفه اللفظ.
- وإن كان قد استحسن أيضا القراءة بتشديد (إن) ذلك أنها مذهب أكثر القراء، ولها وجه قوي في العربية، وكان أبو الحسن الأخفش يقرأ بها- بقراءة الجمهور بتشديد (إن)- كما قال في معاني القرآن: (ونقرؤها ثقيلة وهى لغة لبني الحارث بن كعب) ا.هـ.

الحجة في القراءة بتخفيف (إن):
والتخفيف على وجهين :
الوجه الأول:
أن( إن) خفيفة من الثقيلة، فزال عملها وهو نصب الاسم بعدها، وهو بلغة من يخفف ويرفع، فصار الاسم بعد (إن) مرفوعا على أصل الابتداء، وتبعه الخبر.
قاله الخليل بن أحمد وسيبويه وابن خالويه وأبو منصور الأزهري في معاني القراءات، وغيرهم.

- وقال أبو الحسن الأخفش أن ((إن) خفيفة في معنى ثقيلة، وهي لغة لقوم يرفعون ويدخلون اللام ليفرقوا بينها وبين التي تكون في معنى (ما)) ا.هـ.
وقال أبو علي: (أن (إن) إذا خففت لم يكن النصب بها كثيرا وكان الأوجه أن يرفع الاسم بعدها) ا.هـ.
- وذكر السمين الحلبي أن الأفصح هو إهمال (إن) ولما خيف التباسها ب(ما) النافية جيء باللام للفرق بينها وبين النافية، وهذا على مذهب البصريين كما ذكر أبو حيان وأبو شامة الدمشقي.

- وقال مكي في المشكل أن علة عدم إعمال إن المخففة لنقص بنائها فيكون ما بعدها من إعراب مبتدأ وخبر على أصلهما، وهذا كما في قول الله تعالى: (إن كل نفس لما عليها حافظ).

- وقد قال ابن أبي مريم بأن (إنْ) هي المخففة من الثقيلة، وهي إذا خففت أضمر الشأن أو الأمر بعدها في الأغلب، ولهذا يكون ما بعدها رفعًا، وقلما تعمل إن مخففة إلا في شعر
.
-وقال ابن عاشور أن اسم (إن) المخففة ضمير شأن محذوفا على المشهور.

الوجه الثاني: أن (إن) هنا بمعنى (ما) واللام بمعنى (إلا)، وهذا صحيح في المعنى وفي كلام العرب كما قال أبو منصور الأزهري، وهذا على مذهب الكوفيين من أحسن شيء
، وهذا الوجه أيضا سبق إليه الخليل الذي كان الإجماع على أنه لا أعلم منه بالنحو، وكذلك ذكره ابن خالويه وأبو حيان وغيرهم.

والتقدير هنا في الآية: ما هذان إلا ساحران.
ونظير المعنى قول الله تعالى: (وإن نظنك لمن لكاذبين) ، ذكره الثعلبي، وابن الجوزي.

واستُدل لذلك بقول الشاعر:

ثكلتك أمّك إن قتلت لمسلما ... حلّت عليك عقوبة الرّحمن
والمعنى: ما قتلت إلا مسلما.

وكذلك قول الشاعر:
أَمْسَى أبانُ ذليلاً بَعْدَ عزّته ... وإن أبانُ لَمِنْ أَعْلاجِ سوراء

وقال مكي في مشكل إعراب القرآن: (فتقدير الكلام: ما هذان إلا ساحران فلا خلل في هذا التقدير إلا ما ادعوه أن اللام تأتي بمعنى إلا). ا.هـ. وكان الفراء ممن قال بأن اللام بمعنى إلا، فيما ذكره ابن عطية.

- وذكر أبو منصور الأزهري في التهذيب عن أبي زيد ما خلاصته أن (إن) المخففة تقع في القرآن على مواضع، فتكون بمعنى (لقد)، و(إذ)، و(إذا)، و(ما) وهو الشاهد.
ومثاله قول الله تعالى: (وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته)، ومعناه: ما من أهل الكتاب.
وقوله تعالى: (لاتخذناه من لدنا إن كنا فاعلين)، والمعنى: (ما كنا فاعلين).

- ويشهد لصحة هذه القراءة ما روي عن أبي بن كعب أنه قرأ: (إن ذان إلا ساحران)، قاله ابن قتيبة والفراء، وذكره الزجاج، والنحاس والزمخشري، وذكر أبو حيان أن ابن خالويه نسب هذه القراءة لعبد الله بن مسعود.
- وروي عنه أيضا أنه قرأ: (ما هذان إلا ساحران)، وكذلك: ( إن هذان إلا ساحران) ذكره أبو إسحاق الزجاج.
- وقراءة أبي بن كعب لا يجوز القراءة بها لمخالفتها المصحف، لكن يمكن الاستشهاد بها.

القراءة الثالثة: (إنْ هذانِ لساحران)، بتخفيف نون (إن)، و(هذان) بالألف، وتشديد نونها.
هكذا قرأها ابن كثير، فيما ذكره ابن مجاهد، وأبو منصور الأزهري وغيرهم.
وقال أبو منصور الأزهري في معاني القراءات: (هذانّ) لغة معروفة وقرئ (فذانّك برهنان) على هذه اللغة) ا.هـ.
وقال ابن خالويه في قوله تعالى: (واللذان يأتينها منكم) يقرأ بتشديد النون وتخفيفها. وكذلك ما كان في القرآن من نون التثنية في مثل هذا.

- ولم يقرأ ابن كثير بالتشديد فقط في هذا الموضع بل شدد النون في مواضع أخرى فيما ذكره ابن مهران النيسابوري فقال أن قراءة ابن كثير في (واللذان)، و(إن هذان)،و(إحدى ابنتي هاتين)، و(فذانك برهانان)، و(أرنا اللذين) مشددة النون.
- ومعنى قراءة ابن كثير بنفس معنى قراءة حفص التي تقدم ذكرها وتقديرها: ما هذان إلا ساحران.

الحجة لمن شدد نون (هذان) وخففها:
- وقد وافق ابن كثير حفصاً في تخفيف نون (إن)، واختلف عنه بتشديد نون (هذان)، قال ابن خالويه
وابن زنجلة أن الحجة لمن شدد (هذانّ) أنه جعل -التشديد -عوضا من الألف المحذوفة، وذلك ليفرق بين ما سقط منه حرف، وبين ما قد بني على لفظه وتمامه. وقال أيضا: (والحجة لمن خفف: أن العرب قد تحذف طلبا للتخفيف من غير تعويض) ا.هـ. وبنحوه ذكر مكي.
- وهذا استعمال عند العرب فمنهم من إذا حذف عوض وذلك من تمام الكلمة، ومنهم من إذا حذف لم يعوض، وذلك من التخفيف. فيما ذكره ابن زنجلة.


القراءة الرابعة: (إنّ هذين لساحران)، بتشديد النون في (إنّ)، وقراءة ( هذين) بالياء.
- قرأ بها أبو عمرو بن العلاء، وعيسى بن عمر وعاصم الجحدري.
قاله الفراء، وابن قتيبة، والزجاج، والنحاس، وابن مجاهد، وأبو منصور الأزهري وابن كثير وغيرهم.

- وهى قراءة سبعية مروية عن عائشة والحسن وسعيد بن جبير وإبراهيم النخعي والأعمش وابن عبيد وغيرهم من التابعين فيما ذكره النحاس، ونقله القرطبي، وأبو حيان، وذكره شيخ الإسلام ابن تيمية في رسالته.

- وقال أبو حيان أن قراءة أبي عمرو جاءت على المهيع المعروف في التثنية لقوله:(فذانك برهانان) و (إحدى ابنتي هاتين) بالألف رفعا والياء نصبا وجرا.
- وعلى هذا القول ف(إن) حرف توكيد، وقد قال سيبويه بأن صرف (إن) إلى الناصبة للاسم أولى. فيما ذكره أبو علي، وأضاف أن هذا أشبه بما قبل الكلام وبما بعده، أراد موافقة السياق.
- قال ابن أبي مريم أن إن هنا هى المؤكدة الناصبة للاسم الرافعة للخبر، ودخول اللام هنا على الخبر للتأكيد وتسمى لام الابتداء.

- وما أشكل في هذه القراءة ليس من ناحية الإعراب ولا المعنى، فإن أبا عمرو كان يقرأ على اللغة العالية المشهورة، وهى لغة فصحاء العرب بإعمال (إن) في نصب الاسم ورفع الخبر، فمن حيث الإعراب ف(هذين) اسم (إن) وعلامة نصبه الياء على غرار نصب الاسم المثنى، ولساحران خبرها ودخلت اللام توكيدا، ومن حيث المعنى فهو إثبات وتوكيد لما اعتقدوه في موسى وهارون بأنهما ساحران، لكن هذه القراءة جاءت مخالفة لخط المصحف، فإن رسمه (هذن) بدون ألف ولا ياء، فإثباته بالياء زيادة على خطه، ونقل أبو حيان والسمين الحلبي عن أبي عبيد قوله: (رأيتها في الإمام مصحف عثمان هذان ليس فيه ألف، وهكذا رأيت رفع الاثنين في ذلك المصحف بإسقاط الألف، وإذا كتبوا النصب والخفض كتبوه بالياء ولا يسقطونها) ا.هـ.

ولما كانت هذه القراءة مخالفة للمصحف استبعدها الفراء، والزجاج وغيرهم، قال الفراء: (ولست أشتهي على أن أخالف الكتاب) ، وقال الزجاج: (لا أجيز قراءة أبي عمرو لأنها خلاف المصحف)، وقال: (وكل ما وجدته إلى موافقة المصحف أقرب لم أجز مخالفته، لأن اتباعه سنة) ا.هـ.

وروى ابن قتيبة أن عاصم الجحدري يكتب في مصحفه هذا الحرف على مثال ما كتب في المصحف الإمام، فكتب: (إن هذان لساحران)، فإذا قرأها، قرأ: (إن هذين لساحران).
وكذلك فعله في قوله تعالى: (والمقيمين الصلاة)، و (والذين هادوا والصابئين)، و (والصابرين في البأساء والضراء)، فيقرأ المقيمون، والصابئون والصابرون.
وقال وإنما فرق بين القراءة والكتاب لقول عثمان: (أرى فيه لحنا وستقيمه العرب بألسنتها) فأقامه بلسانه وترك الرسم على حاله، -وأقول: هذا الأثر سبق وبينا ضعفه.
وقال أيضا: وكان الحجاج وكّل عاصما وناجية بن رمح وعليّ بن أصمع بتتبّع المصاحف، وأمرهم أن يقطعوا كل مصحف وجدوه مخالفا لمصحف عثمان، ويعطوا صاحبه ستين درهما
.
[نبين هنا أيضًا أن قراءة أبي عمرو بإسناد عن النبي صلى الله عليه وسلم ثابتة صحيحة، وأبو عمرو على جلالة قدره في العربية، ليس ممن يقرأ القرآن برأيه
فلا يصح رد قراءة صحيحة ثابتة، والمتقدمون معذورون بأنه ربما لم يبلغهم صحة إسناد القراءة، إذ لم يكن قد استقر التأليف في ذلك
ابن مجاهد أول من ألف في السبعة في القراءات توفي سنة 324 هـ، والزجاج توفي سنة 311 هـ ]


هل كتبت كلمة ( هذان) في المصحف العثماني بالألف أم بالياء؟
- ذكر ابن زنجلة أن حجة من قرأ بالألف أنها مكتوبة هكذا في الإمام مصحف عثمان، وروي عن أبي عبيد وقد تقدم أن رفع الاثنين في المصحف جاء بإسقاط الألف، وفي حال النصب والجر جاء بثبوت الياء.
- وروي أن عاصم الجحدري كان مصحفه مكتوب على ما كتب المصحف الإمام، وإنما كان يقرأ بالياء، وكان ذلك فعله في غير هذا الموضع، فدل على أن قرائته كانت بالياء بخلاف المصحف.
والحاصل مما سبق أن المراد بقول ابن زنجلة: (أنها مكتوبة بالألف) أي: أنها ساقطة أو محذوفة، وسقوط الألف في المثنى معناه أن اللفظة مرفوعة كما ذكر أبي عبيد.

قال ابن قتيبة: (وكذلك ألف التثنية تحذف في هجاء هذا المصحف في كل مكان، مثل: (قال رجلن) و (فأخران يقومان مقامهما) وكتبت كتّاب المصحف: الصلاة والزكوة والحيوة، بالواو، واتّبعناهم في هذه الحروف خاصة على التّيمّن بهم، ونحن لا نكتب: (القطاة والقناة والفلاة) إلا بالألف، ولا فرق بين تلك الحروف وبين هذه) ا.هــ.

- فإن قيل أن رسم (هذان) بدون ألف ولا ياء، فإثباته بالياء زيادة على خط المصحف.
فالجواب فيما ذكره السمين الحلبي، حيث قال: (وهذا لا ينبغي أَنْ يُرَدَّ به على أبي عمرو، وكم جاء في الرسم أشياء خارجة عن القياس، وقد نَصُّوا هم أنه لا يجوزُ القراءةُ بها فليكنْ هذا منها، أعني ممَّا خَرَجَ عن القياس). ا.هــ.

- وقد ذهب من خطّأ أبا عمرو في قرائته بالياء، إلى مخالفته لخط المصحف، والحقيقة أن أبا عمرو
من أوسع الناس معرفة بالقراءات والعربية، وأكثرهم دراية بالشعر، فمن المستبعد أن يقدم وجه إعرابيا على قراءة تواترت وصحت.
- قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : (وكان أبو عمرو بن العلاء إماما في العربية يقرأ بما يعرف من العربية: (إن هذين لساحران)، وقد ذكر أن له سلفا في هذه القراءة، وهو الظن به). ا.هــ.
وقال ابن مجاهد: (قرأ أبو عمرو وحده (إن) مشددة النون و(هذين) بالياء- إذ لا يقرأ إلا بما يرويه لا بمجرد ما يراه).ا.هــ.
وهذا يعني أن قراءة أبي عمرو قراءة متواترة، قال ابن زنجلة : (وأبو عمر مستغن عن إقامة دليل على صحتها- أي: على صحة قرائته- ) ا.هـ.
[أحسنتِ]

قال ابن عاشور تعقيبا على من قال بمخالفتها للمصحف، قال: (ذلك لا يطعن فيها لأنها رواية صحيحة ووافقت وجها مقبولا في العربية) ا.هــ.

وأما القراءات التالية فهى قراءات تحمل على التفسير ولا يجوز القراءة بها لمخالفتها للمصحف فيما ذكره النحاس.

القراءة الخامسة: (إن ذان إلا ساحران)، وهو حرف أبي بن كعب.
- وهذا في حرف أبي بن كعب، فيما ذكره الفراء، وابن قتيبة، والنحاس، وابن خالويه، وابن عطية دون أن ينسبه.
قال أبو حيان أن ابن خالويه عزى هذه القراءة لعبد الله بن مسعود.
وقراءة أبي مما يقوى به قراءة حفص وابن كثير فيما قاله ابن خالويه في إعراب القراءات السبع وعللها.

القراءة السادسة: (إن هذان إلا ساحران) بتخفيف نون (إن) و(هذان) بالألف، و(ساحران) بغير لام.
- وهذا في حرف عبد الله بن مسعود، فيما ذكره النحاس، ومكي وذكره ابن عطية، وأبو حيان ولم ينسباه.
والمعنى: ما هذان إلا ساحران، وإن خفيفة بمعنى (ما) ذكره مكي.

وقال الفراء: (وفي قراءة عبد الله: وأسروا النجوى أن هذان ساحران)، بفتح ألف (أن)، وساحران بدون لام)، وذكره ابن قتيبة وكذلك الثعلبي والزمخشري في تفسيريهما، وابن خالويه وأورده أبو حيان في البحر المحيط.
قال ابن قتيبة: (
وأسرّوا النّجوى أن هذان ساحران) منصوبة بالألف يجعل إ(ِنْ هذانِ) تبيينا للنجوى.
- وقال الكسائي أن قراءة ابن مسعود بغير لام: (إن هذان ساحران) ذكره النحاس، والثعلبي.


الخاتمة :
- وينبغي أن يُعلم أن الرجوع إلى قول القراء أولى من الرجوع إلى قول النحاة وذلك لتواتر نقلهم عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقد قال ابن عاشور: (واعلم أن جميع القراء المعتبرين قرأوا بإثبات الألف في اسم الإشارة من قوله (هذان) ما عدا أبا عمرو من العشرة وما عدا أبو الحسن البصري من الأربعة عشر. وذلك يوجب اليقين بأن إثبات الألف في لفظ (هذان) أكثر تواترا بقطع النظر عن كيفية النطق بكلمة (إن) مشددة أو مخففة، وأن اكثر مشهور القراءات المتواترة قرأوا بتشديد نون- (إن) ما عدا ابن كثير وحفصا عن عاصم فهما قرءا (أن) -بسكون النون- على انها مخففة من الثقيلة). ا.هـ.
- واختار ابن جرير القراءة بتشديد النون وهذان بالألف لإجماع الحجة من القراء عليها ولموافقتها خط المصحف.
وقال في الوجه الذي تحمل عليه: (ووجهه إذا قرئ كذلك مشابهته الّذين إذ زادوا على الّذي النّون، وأقرّ في جميع أحوال الإعراب على حالةٍ واحدةٍ، فكذلك {إن هذان} زيدت على هذا نونٌ وأقرّ في جميع أحوال الإعراب على حالٍ واحدةٍ، وهي لغة الحارث بن كعبٍ، وخثعمٍ، وزبيدٍ، ومن وليهم من قبائل اليمن). ا.هــ.

- وقد اعترض ابن عطية على الأقوال التي جاءت في توجيه قراءة الجمهور إلا ماقيل من أنها لغة، و(إن) بمعنى: (نعم)، أو (إن) في الكلام ضمير.
- قال أبو حيان:
(والذي نختاره في تخريج هذه القراءة أنها جاءت على لغة بعض العرب من غجراء [إجراء] المثنى بالألف دائما وعلى لغة كنانة...) ا.هـــ.
- وذهب أبو شامة المقدسي اختيار قراءة التخفيف، فقال:
(
فليس الأقوى من جهة الرسم واللغة معا إلا القراءة بتخفيف (إن) ورفع (هذان)) ا.هـ.

وأختم بقول ابن عاشور: (ونزول القرآن بهذ الوجوه الفصيحة في الاستعمال ضرب من ضروب إعجازه لتجري تراكيبه على أفانين مختلفة المعاني متحدة المقصود). ا.هــ.

وأسأل الله القبول والسداد
والحمد لله رب العالمين

التقويم: أ
أحسنتِ، وأجدتِ، بارك الله فيكِ وزادكِ علمًا وهدى ونفع بكِ الإسلام والمسلمين.

رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
مجلس, أداء

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
إبحث في الموضوع:

البحث المتقدم
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 06:10 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir