التطبيق الأول
تفسير قوله تعالى:{ حـمۤ (1) وَٱلْكِتَابِ ٱلْمُبِينِ (2) إِنَّآ أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ (3) فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ (4) } الدخان.
"والكتاب المبين" والواو هنا واو القسم؛ فالمقسم به هو "الكتاب" أي القراَن, والمقسم عليه هو القراَن في قوله "إنا أنزلناه". فالمولى عز وجل يقسم في هذه الآية, وهو إذا أقسم لا يقسم إلا بعظيم ولا يقسم إلا على عظيم. فهو يقسم بالقراَن على القراَن كما ذكر السعدي في كتابه تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان. و"الكتاب" هو القراَن العظيم, فمثله قول الله تعالى: "الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ أُولَٰئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ" وقوله: " ذَٰلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ". "المبين": كل ما يحتاج إلى بيان, فأنزل الله القراَن لتبينه, وهذا من قول السعدي في تفسيره. وأما ابن كثير فقد عرّف المبين بأنه المظهر للحلال من الحرام. وقول السعدي أشمل لأنه يحتمل تبيان الحلال من الحرام و تبيان ما دونه والله أعلم.
"إنا أنزلناه": فضمير المتكلم في إنّا جاء بصيغة الجمع للتعظيم وكذلك الفعل أنزلنا, فإن المولى عز وجل حين يتحدث عن نفسه في القراَن العظيم يتحدث بصيغة الجمع والأمثلة كثيرة, كمثل قوله تعالى: "إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْر وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ" وقوله : "إنّا أنزلناه في ليلة القدر" وهكذا. وأما ضمير المفعول به في أنزلناه فيعود على الكتاب, وقد حذف الجار والمجرور للمعرفة, فأصل الجملة: إنّا أنزلنا الكتاب على محمد. "في ليلة مباركة" وهي ليلة القدر كما يتبين, ولابن كثير قول في أن تكون ليلة النصف من شعبان ولكن الأرجح أن تكون ليلة القدر, لقوله تعالى "إنّا أنزلناه في ليلة القدر". ومباركة أي كثيرة الخير والبركة كما بيّن السعدي. فسبحان الذي أنزل القراَن وهو خير الكلام, على محمد خير الأنام, في ليلة خير من ألف شهر, على أمة كانت خير أمة أخرجت للناس, ليتبين للمؤمن ما يصيب قلبه إذا سكن فيه القراَن, وينذر أقواما اتخذوه مهجورا وغلبت عليهم الشقوة, ولهذا قال: "إنا كنا منذرين"
"فيها" أي في ليلة القدر, "يفرق كل أمر حكيم" ويفرق من الفعل فرق أي ميّز وفصّل. فهو فرق يفرق فرقانا, والفرقان من أسماء القراَن وبه سميت سورة الفرقان. وأما "أمر حكيم" فقد جاء بغير تعريف بصيغة النكرة للتعدد, فهو ليس الأمر ولكن أمور كثيرة ولذلك قال: كل أمر, فمن هذه الأمور كما ذكر السعدي في تفسيره:
1. تفصيل الأمور القدرية والشرعية التي حكم الله تعالى بها في ليلة القدر, وذلك لتطابق الكتاب الأول أو اللوح المحفوظ الذي فيه كتبت كل الأعمال والأرزاق.
2. وفيها تكتب الملائكة ما سيجرى على العبد وهو في بطن أم
3. وفيها تقدّر مقادير السنة للعبد إذ يأمر المولى ملائكته في هذه الليلة المباركة أن تكتب وتحفظ ما قدّر للعبد
هذا والله تعالى أعلى وأعلم