دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > برنامج إعداد المفسر > دورات برنامج إعداد المفسّر > جمع القرآن

 
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 14 ربيع الثاني 1438هـ/12-01-2017م, 11:45 PM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,453
افتراضي الدرس الحادي عشر: جواب ما أشكل من الروايات والمسائل في شأن جمع القرآن

جواب ما أشكل من الروايات والمسائل في شأن جمع القرآن

ما يثار من الأسئلة في جمع القرآن على نوعين:

النوع الأول: إشكالات تعرض لبعض طلاب العلم والباحثين في مسائل جمع القرآن.
والنوع الآخر: شبهات يثيرها الطاعنون في جمع القرآن من الزنادقة والمستشرقين وطوائف من غلاة المبتدعة.
وقد تثار المسألة الواحدة من الفريقين؛ ويقصد بها الفريق الأول البحث عما يزيل الإشكال مع إيمانهم بالقرآن، ويقينهم بصحّة جمعه وحفظه، ويقصد بها الفريق الآخر الطمعَ في العثور على ما يُصدّق ظنّهم من الطعن في صحّة جمع القرآن وحفظه.
ومعرفة طالب العلم بأجوبة هذه المسائل، وما يزيل الإشكالات ويكشف الشبهات من مهمّات ما ينبغي أن يُعتنى به في هذا الباب، وفقه الدروس المتقدّمة مما يعين على جواب كثير من الإشكالات، وكشف الشبهات.
وليُعلم أنّ حصر الإشكالات غير ممكن لاختلاف الناس في الفهم والإدراك، حتى إنّ منهم من يستشكل الواضحات، ويفترض المحال من الافتراضات، ولذلك سيكون الحديثُ في هذا الباب مقصوراً على المشهور مما أثير من تلك الإشكالات ليعرف طالب العلم اللبيب طرق العلماء في كشف الشبهات وإزالة الإشكالات، ويتبيّن الأصول التي بنوا عليها أجوبتهم، حتى يستعين بذلك على معرفة الجواب عما فاتني ذكره وما يستجدّ من الإشكالات.
وقد تأمّلت الأسئلة التي أثيرت في باب جمع القرآن فوجدت أشهرها وأكثرها تداولاً في كتب علوم القرآن ثمانية أسئلة:
السؤال الأول: ما سبب عدم جمع القرآن الكريم في حياة النبي صلى الله عليه وسلم؟
السؤال الثاني: كيف يوثق بأنّ ما جُمع من الرقاع والأكتاف وصدور الرجال قد تمّ به جمع القرآن؛ وما ضمانة عدم الزيادة عليه؟

السؤال الثالث: كيف لم توجد آخر براءة إلا مع أبي خزيمة الأنصاري؟
السؤال الرابع: ما الجواب عما روي عن عثمان رضي الله عنه مما يفهم منه الاجتهاد في ترتيب الآيات؟
السؤال الخامس: ما الجواب عن الخبر المروي عن زيد بن ثابت أنه قال في آخر آيتين من سورة التوبة: (لو كانت ثلاث آيات لجعلتها سورة على حدة)؟
السؤال السادس: ما جواب ما روي عن عثمان رضي الله عنه أنه قال: «إن في القرآن لحنا ستقيمه العرب بألسنتها»؟
السؤال السابع: ما جواب ما روي عن عائشة رضي الله عنها في تلحين كتَّاب المصاحف وتخطئتهم؟
السؤال الثامن: ما جواب ما روي عن ابن عبّاس في تخطئة بعض كتّاب المصاحف؟

تفصيل الأجوبة
السؤال الأول: ما سبب عدم جمع القرآن الكريم في حياة النبي صلى الله عليه وسلم؟
الجواب: لم يجمع القرآن في مصحف واحد في عهد النبي صلى الله عليه وسلم بلا خلاف بين أهل العلم.
قال الحافظ ابن حجر في الفتح: (روينا في الجزء الأول من فوائد الديرعاقولي قال: حدثنا إبراهيم بن بشار، حدثنا سفيان بن عيينة، عن الزهري، عن عبيد، عن زيد بن ثابت قال: « قُبض النبي صلى الله عليه وسلم ولم يكن القرآن جمع في شيء »).
وقال ابن جرير الطبري: حدثني سعيد بن الربيع، قال: حدثنا سفيان بن عيينة، عن الزهري، قال: « قُبض النبي صلى الله عليه وسلم ولم يكن القرآن جُمع، وإنما كان في الكرانيف والعسب »

وحاصل أجوبة العلماء عن سبب عدم جمع المصحف في عهده صلى الله عليه وسلم:

1: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان معصوماً من أن ينسى شيئاً من القرآن؛ فكانت حياته ضماناً لحفظ القرآن وإن لم يُكتَب.
2: أن القرآن في حياة النبي صلى الله عليه وسلم كان يزاد فيه بالوحي وينسخ منه؛ فكان جمعه في مصحف واحد في عهده مظنة لاختلاف نسخ المصاحف وتعددها، وفي ذلك مشقة بالغة.
قال النووي: (وإنما لم يجعله النبي صلى الله عليه وسلم في مصحف واحد لما كان يتوقع من زيادته ونسخ بعض المتلو، ولم يزل ذلك التوقع إلى وفاته صلى الله عليه وسلم)ا.هـ

السؤال الثاني: كيف يوثق بأنّ ما جُمع في عهد أبي بكر من الرقاع والأكتاف وصدور الرجال قد تمّ به جمع القرآن؛ وما ضمانة عدم الزيادة عليه؟

الجواب: كان القرآن الكريم محفوظاً مجموعاً في صدور الصحابة رضي الله عنهم حفظاً يُطمئنّ به ويوثق بصحته واكتماله وعدم ضياع شيء منه.

وكان ذلك الجمع في صدورهم على نوعين:
النوع الأول: الجمع الفردي، والمراد به أن يحفظه كلّه أفرادٌ من الصحابة رضي الله عنهم، وقد كان منهم من جمع القرآن على عهد النبي صلى الله عليه وسلم كأبيّ بن كعب وابن مسعود وزيد بن ثابت وعثمان بن عفان ومعاذ بن جبل ومجمّع بن جارية وأبي الدرداء وأبي زيد الأنصاري وسالم مولى أبي حذيفة، ومنهم جمعه بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم بقليل كعليّ بن أبي طالب وابن عباس.
والنوع الثاني: الجمع العام، والمراد به أن كلّ آية من القرآن محفوظة في صدور أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، بحيث لا تبقى منه آية غير محفوظة في صدورهم، وهذا النوع مظاهر للنوع الأول؛ والذين يحفظون القرآن بالمعنى الثاني عدد كثير يصعب حصرهم، وتحصل الطمأنينة بحفظهم وضبطهم.
ولم يكن الحامل للصحابة رضي الله عنهم على جمع القرآن في عهد أبي بكر خشية أن يضيع حفظهم وهم أحياء، وإنما الخوف أن يموت حفظة القرآن الذين أخذوه من النبي صلى الله عليه وسلم؛ فينسى من بعدهم شيئا من القرآن، وهذا التخوّف قد زال بجمع القرآن في مصحف واحد في عهد أبي بكر رضي الله عنهم.
وتظاهرَ حفظ الكتاب وحفظ الصدر في الأمّة إلى يومنا هذا.
ولم يكونوا يخشون أن يزاد فيه ما ليس منه ولو حرفاً واحداً؛ لأن عمدتهم الرواية عن النبي صلى الله عليه وسلم مشافهة، وكانوا شديدي التوثّق في ضبطه وكتابته، وقد تحقق إجماعهم على صحة كتابة المصحف، ولو كان فيه أدنى خطأ لاشتهر الخلاف فيه وراجعوه حتى يكتبوه على وجهه الصحيح؛ إذ كان القرآن هو كتابهم الذي ليس لهم كتاب غيره، وعنايتهم به أتمّ، وحرصهم على ضبط كتابته وإحسان قراءته وإقرائه أشدّ.

السؤال الثالث: كيف لم توجد آخر براءة إلا مع أبي خزيمة الأنصاري وقد صحّ أنّ بعض الصحابة رضي الله عنهم كان قد جمع القرآن؟
- الجواب: أنّ المراد أنهم لم يجدوها مكتوبة إلا معه؛ وأما حفظها في الصدور فكان من الصحابة من يحفظها، ومما يدلّ على ذلك صراحة قول أبيّ بن كعب رضي الله عنه لما بلغوا الآية التي قبلهما: (أقرأني رسول الله صلى الله عليه وسلم بعدها آيتين).
فهذا دليل على حفظه لهاتين الآيتين وعددهما وموضعهما، ولم يبق إلا التوثق من كتابتهما؛ فحصل بكتابة أبي خزيمة، واتّفق المحفوظ والمكتوب، وكان هذا هو المطلوب.

السؤال الرابع: ما الجواب عما روي عن عثمان رضي الله عنه مما يفهم منه الاجتهاد في ترتيب الآيات؟

الجواب: أصل هذا الخبر ما رواه عمر بن شبّة في تاريخ المدينة من طريق ابن وهب قال: أخبرني عمر بن طلحة الليثي، عن محمد بن عمرو بن علقمة، عن يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب، قال: قام عثمان بن عفان رضي الله عنه فقال: «من كان عنده من كتاب الله شيء فليأتنا به»

وكان لا يقبل من ذلك شيئا حتى يشهد عليه شاهدان، فجاء خزيمة بن ثابت فقال: إني قد رأيتكم تركتم آيتين من كتاب الله لم تكتبوهما !
قال: وما هما؟
قال: تلقيت من رسول الله صلى الله عليه وسلم: {لقد جاءكم رسول من أنفسكم} إلى آخر السورة، قال عثمان: «وأنا أشهد إنهما من عند الله، فأين ترى أن نجعلهما؟»
قال: اختم بهما.
قال: فختم بهما).
وهذا الخبر منكر لا يصحّ، وقد رواه عمر بن شبّة مختصراً، ورواه ابن أبي داوود في كتاب المصاحف بسياق أتمّ فقال: حدثنا أبو الطاهر، حدثنا ابن وهب قال: أخبرني عمر بن طلحة الليثي، عن محمد بن عمرو بن علقمة، عن يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب قال: أراد عمر بن الخطاب أن يجمع القرآن، فقام في الناس فقال: " من كان تلقى من رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا من القرآن فليأتنا به، وكانوا كتبوا ذلك في الصحف والألواح والعسب، وكان لا يقبل من أحد شيئا حتى يشهد شهيدان فقتل وهو يجمع ذلك إليه فقام عثمان بن عفان فقال: من كان عنده من كتاب الله شيء فليأتنا به وكان لا يقبل من ذلك شيئا حتى يشهد عليه شهيدان، فجاء خزيمة بن ثابت فقال: إني قد رأيتكم تركتم آيتين لم تكتبوهما. قالوا: وما هما؟
قال: تلقيت من رسول الله صلى الله عليه وسلم: {لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رءوف رحيم} إلى آخر السورة.
قال عثمان: فأنا أشهد أنهما من عند الله فأين ترى أن نجعلهما؟
قال: اختم بها آخر ما نزل من القرآن فختمت بها براءة).

وهذا الخبر تفرّد به عمر بن طلحة بن علقمة بن وقاص الليثي عن ابن عمّه محمّد بن عمرو بن علقمة وكلاهما متكلّم فيهما.
فأما عمر بن طلحة فقد قال فيه أبو زرعة الرازي: ليس بقوي، وقال فيه أبو حاتم: محلّه الصدق، وقال الذهبي: لا يكاد يُعرف.
ومحمد بن عمرو بن علقمة ليس ممن يُحتمل تفرّده لخفّة ضبطه، ووقوع الخطأ والمخالفة في عدد من مروياته.
قال أبو بكر بن أبي خيثمة: سُئل يحيى بن معين عن محمد بن عمرو، فقال: ما زال الناس يتقون حديثه.
قيل له: وما علة ذلك؟
قال: كان يحدث مرة عن أبي سلمة بالشيء من رأيه ثم يحدث به مرة أخرى عن أبي سلمة عن أبي هريرة).
وهو صدوق في نفسه لا يتعمّد الخطأ، ولذلك كان من أهل الحديث من يقبل روايته في المتابعات مما لا مخالفة فيه ولا نكارة.
ويحيى بن عبد الرحمن لم يدرك عمر بن الخطاب، قال ابن سعد وأبو حاتم: (ولد في خلافة عثمان).
وإذ كان مولده في خلافة عثمان فهو إما لم يكن قد ولد زمن الجمع، وإما رضيع؛ فروايته لهذا الخبر مرسلة، وقد قيل: إنه أدرك رؤية عثمان في آخر خلافته لكن أكثر روايته عن عثمان بواسطة أبيه.
- فالخبر من حيث الإسناد ضعيف لا يحتجّ به.
- ومن حيث المتن فيه نكارة ومخالفات توجب ردّه، ومن ذلك:

1. دعوى أنّ الجمع كان أوّله في زمن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وأنّ جمع عثمان إنما كان إنفاذا لما شرع فيه عمر، وقد تقدّم من الآثار الصحيحة في أسباب الجمع العثماني ما يفيد خلاف ذلك.
2. دعوى أنّ قصة آخر آيتين من سورة التوبة كانت في جمع عثمان، وهذا مخالف لما صحّ من أنّها كانت في جمع أبي بكر رضي الله عنهما.
3. دعوى أنّ الذي اكتشف ذلك ونبّه عليه هو خزيمة بن ثابت، وهذا مخالف لما رواه البخاري في صحيحه من حديث زيد بن ثابت رضي الله عنه أنه قال: (نسخت الصحف في المصاحف، ففقدت آية من سورة الأحزاب كنت أسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ بها، فلم أجدها إلا مع خزيمة بن ثابت الأنصاري الذي جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم شهادته شهادة رجلين» وهو قوله: {من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه، فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر} فألحقناها في سورتها في المصحف).
فهذا الذي كان في جمع عثمان، وهو بسياق خبر زيد مخالف للرواية المعلولة الواردة في السؤال.
وقصةُ آخر آيتين من سورة التوبة قصة أخرى غير هذه، وتلك كانت في جمع أبي بكر، وقد وقعت لأبي خزيمة الخزرجي وهو غير خزيمة بن ثابت الأوسي، وقد تقدّم التنبيه على ذلك.
4. قوله: (فأين ترى أن نجعلهما؟) مخالف لقول زيد بن ثابت الصحيح عنه: (فألحقناها في سورتها في المصحف).
فهم كانوا يعرفون موضعها، ويحفظونها، ويقرؤون بها في صلواتهم وقيامهم، ويقرؤونها، ولم يكن موضعها مجهولاً عندهم حتى يستشير فيه عثمان.
5. قوله: (اختم بها آخر ما نزل من القرآن؛ فختمت بها براءة) وهذه مخالفة لقول أبيّ بن كعب رضي الله عنه لما بلغوا الآية التي قبلهما: (إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقرأني بعدها آيتين: {لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رءوف رحيم} إلى {وهو رب العرش العظيم}). فهو دليل على أنه يعرف موضعهما، وأنّ ذلك كان بتوقيف من النبي صلى الله عليه وسلم وتعليم منه، وقد كان هذا الخبر في جمع أبي بكر كما تقدّم.

فهذه المخالفات والعبارات المنكرة الواردة في هذا الخبر دليل على أنّ رواته لم يضبطوه مع ما عرف عنهم من خفة الضبط وتعدد مخالفاتهم لروايات الثقات فاستحقّت روايتهم الردّ.

وفي صحيح البخاري من حديث ابن أبي مليكة عن ابن الزبير أنه قال: قلت لعثمان: هذه الآية التي في البقرة {والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا} إلى قوله: {غير إخراج} قد نسختها الأخرى، فلم تكتبها؟
قال: (تدعها يا ابن أخي، لا أغير شيئا منه من مكانه).
وقد كان ابن الزبير من كَتَبة المصاحفِ، وهو أخبر بشأن المصحف وترتيب الآيات من رواة الخبر المنكَر.

السؤال الخامس: ما الجواب عن خبر (لو كانت ثلاث آيات لجعلتها سورة على حدة)؟
الجواب: هذه العبارة رُويت عن عمر بن الخطاب وعن زيد بن ثابت ولا تصحّ عنهما، بل هي عبارة ضعيفة الإسناد منكرة المتن.
قال محمد بن سلمة الباهلي: أخبرنا محمد بن إسحق عن يحيى بن عباد عن أبيه عباد بن عبد الله بن الزبير قال: أتى الحارث بن خزيمة بهاتين الآيتين من آخر براءة: {لقد جاءكم رسول من أنفسكم} إلى عمر بن الخطاب، فقال: (من معك على هذا؟)
قال: لا أدري والله إلا أني أشهد لسمعتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ووعيتها وحفظتها.
فقال عمر: (أشهد لسمعتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم).
ثم قال: (لو كانت ثلاث آيات لجعلتها سورة على حدة، فانظروا سورة من القرآن فضعوها فيها، فوضعتها في آخر براءة). رواه الإمام أحمد في مسنده وابن أبي داوود في كتاب المصاحف، وفي إسناده محمد بن إسحاق مدلّس، وقد عنعن.
وعباد بن عبد الله بن الزبير لم يدرك زمن الجمع، وسياق الخبر مخالف للروايات الصحيحة من وجوه، وزيادة (لو كانت ثلاث آيات لجعلتها سورة على حدة) منكرة جداً.
وقد صحّ أن جماعة من الصحابة رضي الله عنهم قد جمعوا القرآن في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يكونوا يجهلون موضع هاتين الآيتين، وقد تقدّم نصّ أبيّ بن كعب رضي الله عنه على أنّ النبي صلى الله عليه وسلم أقرأه إياهما بعد قوله تعالى: {ثمّ انصرفوا صرف الله قلوبهم بأنهم قوم لا يفقهون}
فهذه الجملة مروية في هذا الخبر عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وتبيّن أنها لا تصحّ عنه.
- وروى عمر بن شبّة في تاريخ المدينة وابن جرير في تفسير من طريق عمارة بن غزية، عن ابن شهاب، عن خارجة بن زيد بن ثابت عن أبيه رضي الله عنه أنه قال: (عرضت المصحف فلم أجد فيه هذه الآية {من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا})
قال: (فاستعرضت المهاجرين أسألهم عنها فلم أجدها مع أحد، ثم استعرضت الأنصار أسألهم عنها، فلم أجدها مع أحد منهم، حتى وجدتها مع خزيمة بن ثابت الأنصاري فكتبتها، ثم عرضته مرة أخرى فلم أجد فيه هاتين الآيتين: {لقد جاءكم رسول من أنفسكم} إلى آخر السورة).
قال: (فاستعرضت المهاجرين أسألهم عنها فلم أجدهما مع أحد منهم، ثم استعرضت الأنصار أسألهم عنهما فلم أجدهما مع أحد منهم حتى وجدتهما مع رجل آخر يدعى خزيمة أيضا من الأنصار فأثبتهما في آخر براءة).
قال زيد: (ولو تمت ثلاث آيات لجعلتها سورة واحدة، ثم عرضته عرضة أخرى فلم أجد فيه شيئا؛ فأرسل عثمان رضي الله عنه إلى حفصة رضي الله عنها يسألها أن تعطيه الصحيفة، وجعل لها عهد الله ليردها إليها، فأعطته إياها، فعرضت الصحف عليها فلم تخالفها في شيء فرددتها إليها، وطابت نفسه فأمر الناس أن يكتبوا المصاحف).
وهذا الخبر تفرّد به عمارة بن غزيّة عن الزهري، وأخطأ في إسناده ومتنه، ولم يضبط ألفاظه، وقد نبّه على ذلك الدارقطني في العلل فقال: (هو حديث في جمع القرآن، ورواه الزهري عن عبيد بن السباق عن زيد بن ثابت؛ حدَّث به عن الزهري كذلك جماعة منهم: إبراهيم بن سعد، ويونس بن يزيد، وشعيب بن أبي حمزة، وعبيد الله بن أبي زياد الرصافي، وإبراهيم بن إسماعيل بن مجمع، وسفيان بن عيينة وهو غريب عن ابن عيينة، اتفقوا على قول واحد.
ورواه عمارة بن غزية عن الزهري فجعل مكان ابن السبَّاق خارجة بن زيد بن ثابت وجعل الحديث كله عنه.
وإنما روى الزهري، عن خارجة بن زيد بن ثابت، عن أبيه من هذا الحديث ألفاظا يسيرة.
وهي قوله: (فقدت من سورة الأحزاب آية قد كنت أسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرؤها فوجدتها مع خزيمة بن ثابت).
ضبطه عن الزهري كذلك: إبراهيم بن سعد، وشعيب بن أبي حمزة، وعبيد الله بن أبي زياد).
ثم قال الدارقطني: (الصحيح من ذلك رواية إبراهيم بن سعد، وشعيب بن أبي حمزة، وعبيد الله بن أبي زياد، ويونس بن يزيد، ومن تابعهم عن الزهري؛ فإنهم ضبطوا الأحاديث عن الزهري وأسندوا كل لفظ منها إلى روايه وضبطوا ذلك)ا.هـ.
فتبيّن بذلك أنّ هذه الجملة المنسوبة إلى زيد بن ثابت لا تصحّ عنه، وقد دخلت على عمارة بن غزية من رواية بعض الضعفاء مع ما دخل عليه من ألفاظ هذا الحديث ورواياته مما لم يضبطه، وخالف الثقات فيه في مواضع منه، ومنها هذه الزيادة المنكرة، فهي معلولة مردودة.
مع مخالفتها لما تقدّم بيانه من اتّفاق الصحابة رضي الله عنهم وإجماع العلماء من بعدهم على أنّ ترتيب الآيات في السور توقيفي.


رد مع اقتباس
 

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
الحادي, الدرس

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 12:08 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir