دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > علوم اللغة > متون علوم اللغة العربية > النحو والصرف > ألفية ابن مالك

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 19 ذو الحجة 1429هـ/17-12-2008م, 11:58 PM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,453
افتراضي الحال

الحالُ

الحالُ وَصْفٌ فَضْلَةٌ مُنْتَصِبُ = مُفْهِمُ في حالٍ كفَرْدًا أَذْهَبُ
وكونُهُ مُنْتَقِلًا مُشْتَقَّا = يَغْلِبُ لكنْ لَيْسَ مُسْتَحِقَّا
ويَكْثُرُ الْجُمودُ في سِعْرٍ وَفِي = مُبْدِي تَأَوُّلٍ بلا تَكَلُّفِ
كبِعْهُ مُدًّا بكَذَا يَدًا بِيَدْ = وَكَرَّ زَيْدٌ أَسدًا أيْ كَأَسَدْ
والحالُ إنْ عُرِّفَ لَفْظًا فاعْتَقِدْ = تَنكيرَهُ معنًى كوَحْدَكَ اجْتَهِدْ
ومَصْدَرٌ مُنَكَّرٌ حالًا يَقَعْ = بِكثرةٍ كبَغْتَةً زيدٌ طَلَعْ

  #2  
قديم 24 ذو الحجة 1429هـ/22-12-2008م, 02:21 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي شرح ابن عقيل (ومعه منحة الجليل للأستاذ: محمد محيي الدين عبد الحميد)


الحالُ
الحالُ وَصْفٌ فَضْلَةٌ مُنْتَصِبُ = مُفْهِمٌ فِي حَالِ كَفَرْداً أَذْهَبُ ([1])

عَرَّفَ الحالَ ([2]) بأنه: (الوَصْفُ الفَضْلَةُ المنتصِبُ للدَّلالةِ على هَيْئَةٍ) نحوُ: (فَرْداً أَذْهَبُ)؛ فـ(فَرْداً) حالٌ؛ لِوُجُودِ القُيُودِ المذكورةِ فيه، وخَرَجَ بقولِهِ: (فَضْلَةٌ) الوصفُ الواقِعُ عُمْدَةً، نحوُ: (زَيْدٌ قائِمٌ)
وبقولِهِ: (للدَّلالةِ على الهيئةِ) التمييزُ المُشْتَقُّ، نحوُ: (لِلَّهِ دَرُّهُ فَارِساً)؛ فإنَّه تَمْيِيزٌ لا حالٌ على الصحيحِ؛ إذ لم يُقْصَدْ به الدَّلالةُ على الهيئةِ، بل التعجُّبُ مِن فُرُوسِيَّتِهِ، فهو لِبَيَانِ المتعجَّبِ منه، لا لبيانِ هَيْئَتِهِ، وكذلك (رَأَيْتُ رجلاً راكباً)؛ فإنَّ (راكباً)لم يُسَقْ للدلالةِ على الهيئةِ، بل لتخصيصِ الرجلِ. وقولُ المصنِّفِ: (مُفْهِمُ فِي حَالِ) هو معنى قولِنا: (للدَّلالةِ على الهيئةِ).

وكونُهُ مُنْتَقِلاً مُشْتَقَّا = يَغْلِبُ لَكِنْ لَيْسَ مُسْتَحَقَّا ([3])

الأكثرُ في الحالِ أنْ تكونَ مُنْتَقِلَةً مُشْتَقَّةً.
ومعنى الانتقالِ: ألاَّ تكونَ مُلازِمَةً للمتَّصِفِ بها، نحوُ: (جاءَ زيدٌ راكباً)، فـ(راكباً) وصفٌ مُنْتَقِلٌ؛ لجوازِ انفكاكِه عن (زَيْدٍ) بأنْ يَجِيءَ ماشياً، وقد تَجِيءُ الحالُ غيرَ مُنْتَقِلَةً ([4])؛ أي: وَصفاً لازِماً، نحوُ: (دَعَوْتُ اللهَ سَمِيعاً)، و (خَلَقَ اللهُ الزَّرَافَةَ يَدَيْها أَطْوَلُ مِن رِجْلَيْهَا)، وقولِهِ:

179- فَجَاءَتْ بِهِ سَبْطَ الْعِظَامِ كَأَنَّمَا = عِمَامَتُهُ بَيْنَ الرِّجَالِ لِوَاءُ ([5])

فـ(سَمِيعاً وأَطْوَلَ وسَبْطَ) أحوالٌ، وهي أوصافٌ لازِمَةٌ.
وقد تأتي الحالُ جامدةً، ويَكْثُرُ ذلك في مَوَاضِعَ ذَكَرَ المصنِّفُ بعضَها بقولِهِ:

ويَكْثُرُ الْجُمُودُ فِي سِعْرٍ وفِي = مُبْدِي تَأَوُّلٍ بِلاَ تَكَلُّفِ ([6])


كَبِعْهُ مُدًّا بِكَذَا يَداً بِيَدْ = وكَرَّ زَيْدٌ أَسَداً أيْ كَأَسَدْ ([7])

يَكْثُرُ مَجِيءُ الحالِ جامدةً إنْ دَلَّتْ على سِعْرٍ، نحوُ: (بِعْهُ مُدًّا بِدِرْهَمٍ)([8])، فمُدًّا حالٌ جامدةٌ، وهي في معنى المشتَقِّ؛ إذ المعنَى: (بِعْهُ مُسَعَّراً كلَّ مُدٍّ بِدِرْهَمٍ).
ويَكْثُرُ جُمُودُها أيضاًً فيما دَلَّ على تَفَاعُلٍ، نحوُ: (بِعْتُهُ يَداً بِيَدٍ) ([9])؛ أي: مُنَاجَزَةً، أو على تشبيهٍ، نحوُ: (كَرَّ زَيْدٌ أَسَداً)؛ أي: مُشْبِهاً الأسدَ، فـ(يَدٍ وأَسَدٍ) جامدانِ، وصَحَّ وُقُوعُهما حالاً؛ لِظُهُورِ تَأَوُّلِهِما بِمُشْتَقٍّ؛ كما تَقَدَّمَ، وإلى هذا أشارَ بقولِهِ: (وفي مُبْدِي تَأَوُّلِ)؛ أي: يَكْثُرُ مَجِيءُ الحالِ جامدةً حيثُ ظَهَرَ تَأَوُّلُها بِمُشْتَقٍّ.
وعُلِمَ بهذا وما قبلَه أنَّ قَوْلَ النَّحْوِيِّينَ: (إنَّ الحالَ يَجِبُ أنْ تكونَ مُنْتَقِلَةً مُشْتَقَّةً) معناه: أنَّ ذلك هو الغالِبُ، لا أنه لازِمٌ، وهذا معنى قولِهِ: فيما تَقَدَّمَ: (لكِنْ لَيْسَ مُسْتَحَقَّا)([10]).

والحالُ إِنْ عُرِّفَ لَفْظاً فَاعْتَقِدْ = تَنْكِيرَهُ مَعْنًى كَوَحْدَكَ اجْتَهِدْ ([11])

مَذْهَبُ جُمْهُورِ النَّحْوِيِّينَ أنَّ الحالَ لا تكونُ إلاَّ نَكِرَةً، وأنَّ ما وَرَدَ مِنها مُعَرَّفاً لَفْظاً فهو مُنَكَّرٌ معنًى؛ كقولِهِم: جَاؤُوا الجَمَّاءَ الغَفِيرَ.

‌180- و *أَرْسَلَهَا الْعِرَاكَ... ([12])*

واجْتَهِدْ وَحْدَكَ، وكَلَّمْتُهُ فَاهُ إِلَى فِيَّ، فـ(الجَمَّاءَ والعِرَاكَ ووَحْدَكَ وفَاهُ) أحوالٌ، وهي مَعْرِفَةٌ، لكِنَّها مُؤَوَّلَةٌ بنَكِرَةٍ، والتقديرُ: جَاؤُوا جَمِيعاً، وأَرْسَلَهَا مُعْتَرِكَةً، واجْتَهِدْ مُنْفَرِداً، وكَلَّمْتُهُ مُشَافَهَةً([13]).
وزَعَمَ البَغْدَادِيُّونَ ويُونُسُ، أنه يَجُوزُ تعريفُ الحالِ مُطْلَقاً بلا تأويلٍ، فأَجَازُوا (جاءَ زيدٌ الراكِبَ)، وفَصَّلَ الكُوفِيُّونَ فقالوا: إنْ تَضَمَّنَتِ الحالُ معنَى الشرطِ صَحَّ تَعْرِيفُها، وإلاَّ فلا، فمِثالُ ما تَضَمَّنَ معنى الشرطِ (زَيْدٌ الراكِبَ أَحْسَنُ مِنْهُ الماشِيَ)، فـ(الراكِبَ والماشِيَ) حالاَنِ، وصَحَّ تَعْرِيفُهما؛ لِتَأَوُّلِهِمَا بالشرطِ؛ إذِ التقديرُ: زَيْدٌ إذَا رَكِبَ أَحْسَنُ مِنه إذا مَشَى. فإنْ لم تَتَقَدَّرْ بالشرطِ لم يَصِحَّ تعريفُها، فلا تقولُ: (جاءَ زيدٌ الراكِبُ)؛ إذ لا يَصِحُّ (جاءَ زَيْدٌ إِنْ رَكِبَ).‌‌‌‌‌

ومَصْدَرٌ مُنَكَّرٌ حَالاً يَقَعْ = بِكَثْرَةٍ كَبَغْتَةً زَيْدٌ طَلَعْ ([14])

حَقُّ الحالِ أنْ يكونَ وَصْفاً، وهو ما دَلَّ على معنًى وصاحبِه؛ كقائمٍ وحَسَنٍ ومَضْرُوبٍ، فوُقُوعُها مصدراً على خلافِ الأصلِ؛ إذ لا دَلالةَ فيه على صاحبِ المعنَى([15]).
وقد كَثُرَ مَجِيءُ الحالِ مصدراً نَكِرَةً، ولكنَّه ليسَ بِمَقِيسٍ؛ لِمَجِيئِهِ على خِلافِ الأصلِ، ومنه (زيدٌ طَلَعَ بَغْتَةً)؛ فـ(بَغْتَةً) مصدرٌ نكرةٌ، وهو منصوبٌ على الحالِ، والتقديرُ: زيدٌ طَلَعَ باغِتاً، هذا مَذْهَبُ سِيبَوَيْهِ والجمهورِ.
وذَهَبَ الأخفشُ والمُبَرِّدُ إلى أنه منصوبٌ على المَصْدَرِيَّةِ، والعاملُ فيه محذوفٌ، والتقديرُ: طَلَعَ زَيْدٌ يَبْغَتُ بَغْتَةً، فـ(يَبْغَتُ) عندَهما هو الحالُ، لا (بَغْتَةً).
وذَهَبَ الكُوفِيُّونَ إلى أنه منصوبٌ على المصدريَّةِ كما ذَهَبَا إليه، ولكنَّ الناصِبَ له عندَهم الفعلُ المذكورُ، وهو طَلَعَ؛ لِتَأْوِيلِهِ بفعلٍ مِن لفظِ المصدرِ، والتقديرُ في قولِكَ: (زَيْدٌ طَلَعَ بَغْتَةً)، (زَيْدٌ بَغَتَ بَغْتَةً)، فيُؤَوِّلُونَ (طَلَعَ) بِبَغَتَ، ويَنْصِبُونَ به (بَغْتَةً).


([1])(الحالُ) مبتدأٌ،(وَصْفٌ) خبرُه،(فَضْلَةٌ، مُنْتَصِبُ، مُفْهِمٌ) نُعُوتٌ لِوَصْفٌ،(في حالِ) جارٌّ ومَجْرُورٌ مُتَعَلِّقٌ بمُفْهِمٌ،(كَفَرْداً) الكافُ جارَّةٌ لقولٍ محذوفٍ كما سَبَقَ غَيْرَ مَرَّةٍ، فَرْداً: حالٌ من فاعلِ (أَذْهَبُ) الآتي،(أَذْهَبُ) فِعْلٌ مُضَارِعٌ، وفاعِلُهُ ضميرٌ مُسْتَتِرٌ فيه وُجُوباً تَقْدِيرُهُ أنا.

([2])الحالُ في اللغةِ: ما عليه الإنسانُ مِن خيرٍ أو شرٍّ، وهو في اصطلاحِ علماءِ العربيَّةِ ما ذَكَرَه الشارِحُ العلاَّمَةُ، ويقالُ: حالٌ، وحالةٌ، فيُذَكَّرُ لَفْظُه ويُؤَنَّثُ، ومن شواهدِ تأنيثِ لفظِه قولُ الشاعِرِ:

على حالةٍ لَوْ أنَّ في القومِ حَاتِماً = على جُودِهِ ضَنَّتْ بِهِ نَفْسُ حَاتِمِ

ومن شواهدِ تذكيرِ لفظِه قولُ الشاعِرِ:

إِذَا أَعْجَبَتْكَ الدَّهْرَ حالٌ مِنِ امْرِئٍ = فَدَعْهُ وَوَاكِلْ أَمْرَهُ وَاللَّيَالِيَا

فإنْ قُلْتَ: فما الأثرُ الذي يَتَرَتَّبُ على تذكيرِ لفظِهِ حينَ أَقُولُ: (حالٌ)؟ وما الأثرُ الذي يَتَرَتَّبٌ على تأنيثِ لفظِه حينَ أقولُ: (حالةٌ)؟
فالجوابُ على ذلك أنْ نقولَ لكَ: إنَّ تذكيرَ لفظِه يَدُلُّ على تذكيرِ معناه، وحِينَئِذٍ تأتي بالفعلِ المسنَدِ إليه مُجَرَّداً من علامةِ التأنيثِ،فتقولُ: (حَسُنَ حالُ مُحَمَّدٍ، وساءَ حالُ خالدٍ)،وتُعِيدُ الضميرَ إليه مُذَكَّراً فتقولُ: (حالُ مُحَمَّدٍ أَدَّاهُ إلى فِعْلِ ما فَعَلَ)،وتُشِيرُ إليه باسمِ الإشارةِ الموضوعِ للمذكَّرِ،فتقولُ: (هذا حالُ مُحَمَّدٍ)،وتَصِفُهُ بِوَصْفِ المذكَّرِ فتقولُ: (لِمُحَمَّدٍ حالٌ حَسَنٌ)،وتأنيثُ لفظِهِ يَدُلُّ على تأنيثِ مَعْنَاهُ، وحِينَئِذٍ تأتي بالفعلِ المسنَدِ إليه مُقْتَرِناً بتاءِ التأنيثِ،فتقولُ: (حَسُنَتْ حالةُ مُحَمَّدٍ، وساءَتْ حَالَةُ خالدٍ)،وتُعِيدُ الضميرَ إليه مُؤَنَّثاً،فتقولُ: (حالةُ مُحَمَّدٍ أَدَّتْهُ إلى فِعْلِ ما فَعَلَ)، وتُشِيرُ إليه باسمِ الإشارةِ الموضوعِ للمؤنَّثِ،فتقولُ: (هذه حالةُ مُحَمَّدٍ)،وتَصِفُهُ بِوَصْفِ المؤنَّثِ،فتقولُ: (لمُحَمَّدٍ حالةٌ حَسَنَةٌ).
فإنْ قُلْتَ: أَذَلِكَ وَاجِبٌ في الحاليْنِ؟ على معنى أنه إذا كانَ لفظُ الحالِ مُذَكَّراً أَيَلْزَمُنِي أنْ أُعَامِلَهُ فيما ذَكَرْتَ وأَشْبَاهِهِ معاملةَ المذكَّرِ، وإذا كانَ لفظُ الحالةِ مُؤَنَّثاً أَيَلْزَمُنِي أنْ أُعَامِلَهُ فيما ذَكَرْتَ وأَشْبَاهِهِ معاملةَ المؤنَّثِ؟
فالجوابُ على ذلك أنْ نَقولَ لكَ: أمَّا إذا كانَ لفظُ الحالِ مذكَّراً فليسَ يَلْزَمُكَ أنْ تُعَامِلَه معاملةَ المذكَّرِ، بل أنتَ في سَعَةٍ من أنْ تُذَكِّرَ معناه أو تُؤَنِّثَه، تقولُ: هذا حالٌ، وهذه حالٌ، وتقولُ: حالٌ حَسَنٌ، وحالٌ حَسَنَةٌ، وتقولُ: الحالُ الذي أنا فيه طيِّبٌ، والحالُ التي أنا فيها طيِّبَةٌ، وتقولُ: كانَ حالُنا يومَ كذا جَميلاً، وكانَتْ حَالُنا يومَ كذا جميلةً.
ونَلْفِتُ نَظَرَكَ إلى قولِ الشاعرِ في البيتِ المتقدِّمِ: (أَعْجَبَتْكَ الدَّهْرَ حَالٌ)، فأمَّا إذا كانَ لفظُ الحالِ مؤنَّثاً فليسَ لكَ مَعْدًى عن تأنيثِ الفعلِ المسنَدِ إلى ضَمِيرِها، كما أنه ليسَ لكَ مَعْدًى عن الإشارةِ إليها إشارَتَكَ إلى المؤنَّثِ، فتقولُ: هذه حالةُ مُحَمَّدٍ، وإلى إعادةِ الضميرِ إليها مُؤَنَّثاً، فتقولُ: حالةُ مُحَمَّدٍ أدَّتْ إلى ما حَدَثَ، وإلى وَصْفِها بوصفِ المؤنَّثِ،فتقولُ: حالةٌ طيِّبةٌ.
وبالجملةِ إذا أَنَّثْتَ لَفْظَهَا عامَلْتَهَا معاملةَ المؤنَّثِ المَجَازِيِّ التأنيثِ أَلْبَتَّةَ، وإذا ذَكَّرْتَ لَفْظَها جازَ لكَ أنْ تُعَامِلَهُ مُعَامَلَةَ المذكَّرِ ومعاملةَ المؤنَّثِ.

([3])(وكَوْنُهُ) الواوُ للاستئنافِ، وكونُ: مبتدأٌ، وكونُ مُضافٌ والهاءُ مُضافٌ إليه، من إضافةِ المصدرِ الناقصِ إلى اسمِه،(مُنْتَقِلاً) خبرُ المصدرِ الناقصِ،(مُشْتَقَّا) خبرٌ ثانٍ،(يَغْلِبُ) فِعْلٌ مُضَارِعٌ، وفاعِلُهُ ضميرٌ مُسْتَتِرٌ فيه جَوَازاً تَقْدِيرُهُ هو يَعُودُ إلى (كَوْنُهُ مُنْتَقِلاً)،والجملةُ مِن يَغْلِبُ وفاعِلِهِ في مَحَلِّ رفعٍ خَبَرُ المُبْتَدَأِ،(لَكِنْ) حرفُ استدراكٍ،(لَيْسَ) فِعْلٌ ماضٍ ناقِصٌ، واسمُه ضميرٌ مُسْتَتِرٌ فيه جَوَازاً تَقْدِيرُهُ هو يَعُودُ إلى كَوْنُهُ مُنْتَقِلاً... إلخ،(مُسْتَحَقَّا) خبرُ ليسَ.

([4])تَجِيءُ الحالُ غيرَ مُنْتَقِلَةٍ في ثلاثِ مسائلَ:
الأُولى: أنْ يكونَ العاملُ فيها مُشْعِراً بتجدُّدِ صاحِبِها، نحوُ قولِهِ تعالى: {وَخُلِقَ الإِنْسَانُ ضَعِيفاً}،ونحوُ قولِهِم: خلَقَ اللهُ الزرافةَ يَدَيْهَا أطولُ مِن رِجْلَيْهَا، ونحوُ قولِ الشاعِرِ * فجَاءَتْ بِهِ سَبْطَ * البيتَ الذي أنشدَه الشارِحُ رَحِمَه اللهُ (رَقْم 179).
الثانيةُ: أنْ تكونَ الحالُ مؤكِّدَةً: إما لِعَامِلِها،نحوُ قولِهِ تعالَى: {فَتَبَسَّمَ ضَاحِكاً}،وقولِهِ سُبْحَانَهُ: {وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا}،وإمَّا =مُؤَكِّدَةً لِصَاحِبِها، نحوُ قولِهِ سُبْحَانَهُ: {لآمَنَ مَنْ فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً}،وإمَّا =مُؤَكِّدَةً لِمَضْمُونِ جُمْلَةٍ قَبْلَها، نحوُ قولِهِم: (زَيْدٌ أَبُوكَ عَطُوفاً).
الثالثةُ: في أمثلةٍ مسموعةٍ لا ضَابِطَ لها، كقولِهِم: دَعَوْتُ اللهَ سميعاً، وقولِهِ تعالى: {أَنْزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلاً}،وكقولِهِ جلَّ ذِكْرُهُ: {قَائِماً بِالْقِسْطِ}.

([5])179- البيتُ لِرَجُلٍ مِن بني جناب لم أَقِفْ على اسْمِهِ.
اللغةُ: (سَبْطَ العِظَامِ) أرادَ أنه سَوِيُّ الخَلْقِ حَسَنُ القامةِ،(لِوَاءُ) هو ما دُونَ العَلَمِ، وأرادَ أنه تامُّ الخَلْقِ طَوِيلٌ، فكَنَّى بهذه العبارةِ عن هذا المعنى.
الإعرابُ: (فَجَاءَتْ) جَاءَ: فِعْلٌ ماضٍ، والتاءُ للتأنيثِ، والفاعلُ ضميرٌ مُسْتَتِرٌ فيه جَوَازاً تَقْدِيرُهُ هي،(بِهِ) جارٌّ ومَجْرُورٌ مُتَعَلِّقٌ بجاءَتْ،(سَبْطَ) حالٌ مِن الضميرِ المجرورِ مَحَلاًّ بالياءِ، وسَبْطَ مُضافٌ، و(العِظَامِ) مُضافٌ إليه،(كَأَنَّمَا) كأنَّ: حرفُ تَشْبِيهٍ ونَصْبٍ، وما: كافَّةٌ،(عِمَامَتُهُ) عِمَامَةُ: مبتدأٌ، وعِمَامَةُ مُضافٌ والضميرُ مُضافٌ إليه،(بَيْنَ) منصوبٌ على الظَرْفِيَّةِ، وبينَ مُضافٌ و(الرجالِ) مُضافٌ إليه،(لِوَاءُ) خَبَرُ المُبْتَدَأِ.
الشاهدُ فيه: قولُه: (سَبْطَ العِظامِ)؛حيثُ وَرَدَ الحالُ وَصْفاً ملازماً، على خلافِ الغالبِ فيه من كونِهِ وَصْفاً مُنْتَقِلاً، وإضافةُ سَبْطَ لا تُفِيدُهُ تَعْرِيفاً ولا تَخْصِيصاً؛ لأنَّه صِفَةٌمُشَبَّهَةٌ، وإضافةُ الصفةِ المشبَّهَةِ إلى مَعْمُولِهَا لا تُفِيدُ التعريفَ ولا التخصيصَ، وإنما تفيدُ رَفْعَ القُبْحِ على ما سيأتي بيانُه في بابِ الإضافةِ إنْ شاءَ اللهُ تعالى.

([6])(يَكْثُرُ) فِعْلٌ مُضَارِعٌ،(الجُمُودُ) فاعلُ يَكْثُرُ،(فِي سِعْرٍ) جارٌّ ومَجْرُورٌ مُتَعَلِّقٌ بِيَكْثُرُ،(وَفِي مُبْدِي) جارٌّ ومَجْرُورٌ معطوفٌ بالواوِ على الجارِّ والمجرورِ الأوَّلِ، ومُبْدِي مُضافٌ و(تَأَوُّلٍ) مُضافٌ إليه،(بِلاَ تَكَلُّفِ) جارٌّ ومَجْرُورٌ مُتَعَلِّقٌ بِتَأَوُّلٍ، و(لا) اسمٌ بمعنى غَيْرٍ: مُضافٌ، وتكلُّفِ: مُضافٌ إليه.

([7])(كَبِعْهُ) الكافُ جارَّةٌ لقولٍ محذوفٍ، بِعْ: فِعْلُ أَمْرٍ، وفاعِلُهُ ضميرٌ مُسْتَتِرٌ فيه وُجُوباً تَقْدِيرُهُ أنتَ، والهاءُ مَفْعُولٌ به،(مُدًّا) حالٌ من المفعولِ، (بِكَذَا) جارٌّ ومَجْرُورٌ مُتَعَلِّقٌ بمَحْذُوفٍ صِفَةٌ لِمُدٍّ، وقالَ سِيبَوَيْهِ: هو بيانٌ لِمُدٍّ، (وكَرَّ زيدٌ) فعلٌ وفاعلٌ، (أَسَداً) حالٌ من الفاعلِ، (أيْ) حرفُ تَفْسِيرٍ،(كَأَسَدِ) الكافُ اسمٌ بمعنى مِثْلٍ عَطْفُ بيانٍ على قولِهِ: (أَسَداً) الواقعِ حالاً،والكافُ الاسميَّةُ مُضافٌ وأسدٍ مُضافٌ إليه.

([8])يجوزُ في هذا المثالِ وجهانِ: أَحَدُهما: رَفْعُ المُدِّ، وثانيهما: نَصْبُه، فأمَّا رَفْعُ (مُدٍّ) فعلى أنْ يكونَ مُبْتَدأً، والجارُّ والمجرورُ بعدَه مُتَعَلِّقَانِ بمَحْذُوفٍ خَبَرُ المُبْتَدَأِ، وجازَ الابتداءُ بالنكرةِ؛ لأنَّ لها وَصْفاً مَحْذُوفاً، وتقديرُ الكلامِ: بِعِ الْبُرَّ (مَثَلاً) مُدٌّ مِنه بدِرْهَمٍ، وجملةُ المبتدأِ وخبرِهِ في مَحَلِّ نصبٍ حالٌ، والرابِطُ هو الضميرُ المجرورُ مَحَلاًّ بمِن، ولا يكونُ المثالُ - على هذا الوجهِ - مِمَّا نحنُ بِصَدَدِهِ؛ لأنَّ الحالَ جملةٌ لا مفردٌ جامدٌ، أمَّا نصبُ مُدٍّ فعلى أنْ يكونَ حالاً، والجارُّ والمجرورُ بَعْدَهُ مُتَعَلِّقٌ بمَحْذُوفٍ صفةٌ له، ويكونُ المثالُ حِينَئِذٍ مِمَّا نَحْنُ بِصَدَدِهِ، والمشتَقُّ المُؤَوَّلُ به ذلك الحالُ يكونُ مأخوذاً من الحالِ وصِفَتِهِ جَمِيعاً،وتَقْدِيرُهُ: مُسَعَّراً.
ويجوزُ أنْ يكونَ هذا الحالُ حالاً من فاعلِ بِعْهُ، فيكونُ (مُسَعَّراً) الذي تُؤَوِّلُهُ به بكسرِ العينِ مُشَدَّدَةً اسمُ فاعلٍ، ويجوزُ أنْ يكونَ حالاً مِن المفعولِ، فيكونُ قولُكَ: (مُسَعَّراً) بفتحِ العينِ مُشَدَّدَةً اسمَ مفعولٍ.

([9])هذا المثالُ كالذي قبلَه يجوزُ فيه رَفْعُ (يَدٍ) ونَصْبُه، وإعرابُ الوجهيْنِ هنا كإعرابِهِما في المثالِ السابِقِ، والتقديرُ على الرفعِ: يَدٌ مِنه على يَدٍ مِنِّي، والتقديرُ على النصبِ: يَداً كائنةً معَ يَدٍ.

([10])ذَكَرَ الشارِحُ ثلاثةَ مواضِعَ تَجِيءُ فيها الحالُ جامدةً، وهي في تأويلِ المشتقِّ، وهي: أنْ تَدُلَّ الحالُ على سِعْرٍ، أو على تَفَاعُلٍ - ومنه دَلاَلَتُها على مُنَاجَزَةٍ - أو على تَشْبِيهٍ، وقد بَقِيَتْ خمسةُ مواضعَ أُخرى:
الأوَّلُ: أنْ تَدُلَّ الحالُ على ترتيبٍ، كقولِكَ: ادْخُلُوا الدارَ رَجُلاً رَجُلاً، وقولِكَ: سارَ الجُنْدُ رَجُلَيْنِ رَجُلَيْنِ، تُرِيدُ مُرَتَّبِينَ، وضابطُ هذا النوعِ: أنْ يُذْكَرَ المجموعُ أَوَّلاً ثمَّ يُفَصَّلُ هذا المجموعُ بذِكْرِ بعضِه مُكَرَّراً، فالمجموعُ في المثالِ الأوَّلِ هو الذي تَدُلُّ الواوُ عليه، وفي المثالِ الثاني هو لفظُ الجُنْدِ، والحالُ عندَ التحقيقِ هو مجموعُ اللفظيْنِ، ولكنَّه لَمَّا تَعَذَّرَ أنْ يكونَ المجموعُ حالاً جُعِلَ كلُّ واحدٍ مِنهما حالاً، كما في الخبرِ المتعدِّدِ بغيرِ عاطفٍ في نحوِ قولِكَ: الرُّمَّانُ حُلْوٌ حَامِضٌ، وذَهَبَ ابنُ جِنِّيٍّ إلى أنَّ الحالَ هو الأوَّلُ، والثاني معطوفٌ عليه بعاطفٍ مقدَّرٍ.
المَوْضِعُ الثاني: أنْ تكونَ الحالُ موصوفةً، نحوُ قولِهِ تعالى: {قُرْآناً عَرَبِيًّا}،وقولِهِ: {فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَراً سَوِيًّا}، وتُسَمَّى هذه الحالُ: (الحالَ المُوَطِّئَةَ).
الموضِعُ الثالثُ: أنْ تكونَ الحالُ دَالَّةً على عَدَدٍ، نحوُ قولِهِ تعالى: {فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً}.
الموضِعُ الرابِعُ: أنْ تَدُلَّ الحالُ على طَوْرٍ فيه تَفْصِيلٌ، نحوُ قَوْلِهِم: هذا بُسْراً أَطْيَبُ مِنه رُطَباً.
الموضِعُ الخامِسُ: أنْ تكونَ الحالُ نَوْعاً مِن صَاحِبِها، كقولِكَ: هذا مالِكٌ ذَهَباً، أو تكونَ الحالُ فَرْعاً لِصَاحِبِها؛كَقَوْلِكَ: هذا حَدِيدُكَ خَاتَماً، وكقولِهِ تعالَى: {وَتَنْحِتُونَ الْجِبَالَ بُيُوتاً}،أو تكونَ الحالُ أصلاً لصاحبِها؛كقولِكَ: هذا خاتَمُكَ حَدِيداً، وكقولِهِ تعالى: {أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِيناً}.
وقد أَجْمَعَ النُّحَاةُ على أنَّ المَوَاضِعَ الأَرْبَعَةَ الأُولَى - وهي الثلاثةُ التي ذَكَرَهَا الشارِحُ،والمَوْضِعُ الأوَّلُ مِمَّا ذَكَرْنَاهُ - يَجِبُ تَأْوِيلُها بِمُشْتَقٍّ؛لِيُسْرِ ذلك، وعَدَمِ التكلُّفِ فيه، ثمَّ اخْتَلَفُوا في المواضِعِ الأربعةِ الباقيةِ؛فذَهَبَ قومٌ مِنهم ابنُ الناظِمِ إلى وُجُوبِ تَأْوِيلِهَا أيضاًًً؛لِيَكُونَ الحالُ مُشْتَقًّا على ما هو الأصلُ فيها، وذَهَبَ قومٌ إلى أنه لا يَجِبُ تَأْوِيلُها بِمُشْتَقٍّ؛ لأنَّ في تَأْوِيلِها بالمشتقِّ تَكَلُّفاً،وفي ذلك مِن التحكُّمِ ما ليسَ يَخْفَى.

([11])(الحالُ) مبتدأٌ، (إنْ) شَرْطِيَّةٌ،(عُرِّفَ) فِعْلٌ ماضٍ مَبْنِيٌّ للمجهولِ فِعْلُ الشرطِ،(لَفْظاً) تمييزٌ مُحَوَّلٌ عن نائبِ الفاعلِ،(فَاعْتَقِدْ) الفاءُ لربطِ الجوابِ بالشرطِ، اعْتَقِدْ: فِعْلُ أَمْرٍ، وفاعِلُهُ ضميرٌ مُسْتَتِرٌ فيه وُجُوباً تَقْدِيرُهُ أنتَ، (تَنْكِيرَهُ)،تَنْكِيرَ: مفعولٌ به لاعْتَقِدْ، وتَنْكِيرَ مُضافٌ والهاءُ مُضافٌ إليه،(مَعْنًى) تَمْيِيزٌ، (كَوَحْدَكَ) الكافُ جارَّةٌ لقولٍ محذوفٍ، وَحْدَ: حالٌ مِن الضميرِ المُسْتَتِرِ في (اجْتَهِدِ) الآتي، ووَحْدَ مُضافٌ والكافُ مُضافٌ إليه،(اجْتَهِدْ) فِعْلُ أَمْرٍ، وفاعِلُهُ ضميرٌ مُسْتَتِرٌ فيه وُجُوباً تَقْدِيرُهُ أنتَ، والجملةُ في مَحَلِّ نصبٍ مَقُولٌ لقولٍ محذوفٍ، والتقديرُ: وذلك كائنٌ كقولِكَ: اجْتَهِدْ وَحْدَكَ، والحالُ في تأويلِ (مُنْفَرِداً).

([12])180- هذه قِطْعَةٌ مِن بيتٍ لِلَبِيدِ بنِ رَبِيعَةَ العامِرِيِّ يَصِفُ حِماراً وَحْشِيًّا أَوْرَدَ أُتُنَهُ الماءَ لِتَشْرَبَ، وهو بتمامِه:

فَأَرْسَلَهَا الْعِرَاكَ، وَلَمْ يَذُدْهَا = وَلَمْ يُشْفِقْ عَلَى نَغَصِ الدِّخَالِ

اللغةُ: (العِرَاكَ) ازْدِحَامُ الإبلِ أو غَيْرِها حينَ وُرُودِ الماءِ، (يَذُدْهَا) يَطْرُدْهَا،(يُشْفِقْ) يَرْحَمْ، (نَغَصِ) مَصْدَرُ نَغِصَ الرجلُ - بكسرِ الغينِ - إذا لم يَتِمَّ مُرَادُه، ونَغِصَ البَعِيرُ إذا لم يَتِمَّ شُرْبُهُ، (الدِّخَالِ) أنْ يُدَاخِلَ بَعِيرَهُ الذي شَرِبَ مَرَّةً معَ الإبلِ التي لم تَشْرَبْ حتى يَشْرَبَ مَعَهَا ثانيةً، وذلك إذا كانَ البَعِيرُ كَرِيماً، أو شديدَ العَطَشِ، أو ضَعِيفاً.
الإعرابُ: (فَأَرْسَلَهَا) أَرْسَلَ: فِعْلٌ ماضٍ، وفاعِلُهُ ضميرٌ مُسْتَتِرٌ فيه جَوَازاً تَقْدِيرُهُ هو يَعُودُ إلى الحِمارِ الوَحْشِيِّ المذكورِفي أبياتٍ سابقةٍ، والضميرُ البارِزُ المُتَّصِلُ الذي يَرِجُعُ إلى الأُتُنِ مفعولٌ به لأَرْسَلَ، (العِرَاكَ) حالٌ، (ولم يَذُدْهَا) الواوُ عاطِفَةٌ، لم: نافيةٌ جازمةٌ، يَذُدْ: فِعْلٌ مُضَارِعٌ مجزومٌ بلم، والفاعلُ ضميرٌ مُسْتَتِرٌ فيه جَوَازاً تَقْدِيرُهُ هو يَعُودُ إلى فاعلِ أَرْسَلَ، وما: مفعولٌ به، والجملةُ معطوفةٌ على جملةِ فَأْرَسَلَهَا،ومِثْلُها جُمْلَةُ: (ولم يشُفْقِ)ْ،وقولُه: (عَلَى نَغَصِ) جارٌّ ومَجْرُورٌ مُتَعَلِّقٌ بِيُشْفِقْ، ونَغَصِ مُضافٌ و(الدِّخَالِ) مُضافٌ إليه.
الشاهدُ فيه: قولُه: (العِرَاكَ)؛حيثُ وَقَعَ حالاً،معَ كَوْنِهِ معرِفَةً - والحالُ لا يكونُ إلاَّ نَكِرَةً - وإنما ساغَ ذلك؛لأنَّه مُؤَوَّلٌ بالنكرةِ؛ أي: أَرْسَلَهَا مُعْتَرِكَةً، يعني: مُزْدَحِمَةً.

([13])أُحِبُّ أنْ أُبَيِّنَ لكَ هذه الأمثلةَ التي ذَكَرَهَا الشارِحُ، وذَكَرَهَا النُّحَاةُ مِنْ قَبْلِهِ ومِن بَعْدِهِ، بَيَاناً يَتَّضِحُ لكَ به أَمْرُها غايةَ الاتِّضَاحِ، ويَسْهُلُ عليكَ بعدَه أنْ=تبين ما عَسَاكَ أنْ تَجِدَهُ من الأمثلةِ مِمَّا لم يَذْكُرْهُ الشارِحُ ههنا.
وقبلَ أنْ أُبَيِّنَ لكَ الأمثلةَ مثالاً فمثالاً،أرَى أنْأُقَرِّرَ لكَ قاعدتيْنِ، وأُبَيِّنَ - معَ ذلكَ - السرَّ في كلِّ قاعدةٍ مِنهما، فأقولُ:
القاعدةُ الأُولى: الأصلُ في الحالِ أنْ يكونَ نَكِرَةً، فإنْ جَاءَتْ في كلامٍ ما من كلامِ العربِ مَعْرِفَةً فهي بغيرِ تَرَدُّدٍ - عندَ جَمْهَرَةِ البَصْرِيِّينَ - في تأويلِ النكرةِ، والسرُّ في ذلك أنَّ صاحِبَ الحالِ مَعْرِفَةٌ في أغلبِ حالاتِهِ، والحالُ تَلْتَبِسُ بالنعتِ، فلو جَاءَتِ الحالُ معرفةً وقبلَها اسمٌ مَعْرِفَةٌ يَصِحُّ أنْ يكونَ موصوفاًَ بهذه الحالِ، ظَنَّ السامعُ أنها نَعْتٌ، والْتَبَسَ عليه الأمرُ، فدَفْعاً لهذا الالتباسِ، ورغبةً في إفادةِ المقصودِ من أوَّلِ الأمرِ، الْتَزَمَ العربُ في كلامِهِم إذا أَتَى في الكلامِ اسمٌ مَعْرِفَةٌ ثمَّ جاؤوا بِوَصْفٍ بعدَ هذه المعرفةِ، فإنْ أَرَادُوا جَعْلَ هذا الوصفِ نعتاً جاؤوا به مَعْرِفَةً، وإنْ أَرَادُوا جَعْلَ هذا الوصفِ حالاً جاؤوا به نَكِرَةً، فلم يَلْتَبِسْ على السامعِ الأمرُ.
القاعدةُ الثانيةُ: أنَّ الحالَ وَصْفٌ لِصَاحِبِها،وقَيْدٌ في عَامِلِها، وقد عَلِمْنَا أنَّ الوصفَ الذي هو النعتُ لا يكونُ إلاَّ مُشْتَقًّا،إمَّا اسمَ فاعلٍ وإمَّا اسمَ مفعولٍ، وإمَّا صفةً مُشَبَّهَةً، وإمَّا أَفْعَلَ تفضيلٍ، وإمَّا صيغةَ مبالغةٍ، فإنْ جاءَ الوصفُ جامداً فهو أَلْبَتَّةَ في تأويلِ الاسمِ المشتَقِّ، فكذلك ما دَلَّ على معناها وقامَ مَقَامَهَا،وهو الحالُ لا يكونُ إلا مُشْتَقًّا، أو في تأويلِ المُشْتَقِّ، ولهذا تَرَاهُمْ يُؤَوِّلُونَ المصدرَ الواقِعَ مَوْقِعَ الحالِ على أحدِ التأويلاتِ الثلاثةِ المشهورةِ؛ لِيَكُونَ في المعنى مُشْتَقًّا، وقد بَيَّنَّا وجهَ ذلك بِدِقَّةٍ، وبَيَّنَّا التأويلاتِ المشارَ إليها في بابِ المبتدأِ والخبرِ؛ إذ كانَ الخبرُ بِمَنْزِلَةِ الحالِ والنعتِ في هذه المسألةِ.
ثم نَأْخُذُ بعدَ ذلك في بيانِ الأمثلةِ واحداً فواحداً على تَرْتِيبِها في كلامِ الشارِحِ.
أمَّا المثالُ الأوَّلُ - وهو قولُهُم: (جَاؤُوا الجَمَّاءَ الغَفِيرَ)،فإنَّ الجَمَّاءَ مُؤَنَّثُ الأَجَمِّ، ونَظِيرُهُ أَبْيَضُ وبَيْضَاءُ،وأحمرُ وحمراءُ، واشتقاقُ الجَمَّاِء والأجمِّ مِن الجَمِّ - بتشديدِ الميمِ - وهو الكثرةُ، تقولُ: ماءٌ جَمٌّ، تريدُ أنه كثيرٌ، وقالَ اللهُ سُبْحَانَهُ وتَعَالَى: {وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا}؛أي: حُبًّا كثيراً، وقالَ الراجِزُ:

إنْ تَغْفِرِ اللَّهُمَّ تَغْفِرْ جَمَّا = وَأَيُّ عَبْدٍ لَكَ لاَ أَلَمَّا

وتقولُ: هذه امرأةٌ جَمَّاءُ المَرَافِقِ، تُرِيدُ أنها كثيرةُ اللحمِ على المرافِقِ. والغفيرُ فَعِيلٌ قيلَ: بمعنى فاعِلٍ، وأصلُ اشتقاقِهِ من الغَفْرِ - بفتحِ الغينِ وسكونِ الفاءِ - وهو السَّتْرُ، تقولُ: غَفَرَ اللهُ تعالَى ذَنْبَكَ، تُرِيدُ سَتَرَهُ عليكَ ولم يَفْضَحْكَ به، والغَفِيرَ في صِنَاعَةِ الإعرابِ صِفَةٌ لِلْجَمَّاءَ، وكانَ مِن حقِّ العربيَّةِ عليهم أنْ يُؤَنِّثُوا الصفةَ؛ لأنَّ الموصوفَ مُؤَنَّثٌ، إلا أنهم عاملوا هذه الصيغةَ معاملةَ أُخْتِها التي هي فَعِيلٌ بمعنى مفعولٍ؛ كقَوْلِهِم: امرأةٌ جَرِيحٌ، وامرأةٌ قَتِيلٌ، وكأنهم حينَ قالُوا: (جاؤوا الجَمَّاءَ الغَفِيرَ) قالُوا: جاؤوا الجماعةَ الساترةَ لوجهِ الأرضِ، يَعْنُونَ أنهم لِكَثْرَتِهِم وعَظِيمِ عَدَدِهِم سَتَرُوا وجهَ الأرضِ، فلم يَظْهَرْ منها شيءٌ. هذا وقد قالُوا في هذا المثالِ: (جاؤوا جَمَّاءَ غَفِيراً)،فأتوا به مُنَكَّراً على الأصلِ في الحالِ.
وأمَّا المثالُ الثاني - وهو قولُهم: (أَرْسَلَهَا العِرَاكَ) - فقد بَيَّنَّاهُ في شرحِ الشاهدِ (رَقْمِ 180)؛فلا حاجةَ بنا إلى تَكْرَارِ الكلامِ عليه في هذا الموضِعِ.
وأمَّا المثالُ الثالثُ - وهو قولُهُم: (اجْتَهِدْ وَحْدَكَ) - فإنَّ (وَحْدَكَ) اسمٌ يَدُلُّ على التوحُّدِ والانفرادِ، والغالبُ استعمالُ هذه الكَلِمَةِ منصوبةً، وقد وَرَدَتْ في عِبَارَاتٍ قليلةٍ مجرورةً بالإضافةِ، وذلك نحوُ قولِهِمْ في المدْحِ:(فلانٌ نَسِيجُ وَحْدِهِ، وقَرِيعُ وَحْدِهِ)، ونحوُ قولِهم في الدَّلالةِ على الإعجابِ بالنفسِ:(فلانٌ رُجَيْلُ وَحْدِهِ)، ونحوُ قَوْلِهِم في الذمِّ:(فُلانٌ عُيَيْرُ وَحْدِهِ وجُحَيْشُ وَحْدِهِ).
وقد اخْتَلَفَ النحاةُ في تخريجِ هذه الكلمةِ في حالةِ النصبِ؛ فقالَ سِيبَوَيْهِ والخليلُ بنُ أَحْمَدَ: هو اسمٌ موضوعٌ مَوْضِعَ المصدرِ الموضوعِ مَوْضِعَ المُشْتَقِّ، وهو منصوبٌ على الحالِ، وكأنَّكَ حينَ تقولُ: (جاءَ زَيْدٌ وَحْدَهُ) قد قُلْتَ: جاءَ زَيْدٌ إِيحاداً؛ أي: مُتَوَحِّداً، ، والمعنى: جاءَ مُنْفَرِداً.
وذَهَبَ يُونُسُ بنُ حَبِيبٍ وهِشَامٌ والكُوفِيُّونَ إلى أنه منصوبٌ على الظَرْفِيَّةِ، واسْتَمِعْ إلى المُحَقِّقِ الرَّضِيِّ يقولُ في شرحِ هذيْنِ المذهبيْنِ: (ومَذْهَبُ الكُوفِيِّينَ انْتِصَابُ وَحْدَهُ على الظَرْفِيَّةِ؛ أي: لا معَ غيرِه، فهو في المعنى ضِدُّ مَعاً في قولِكَ: جَاؤُوا مَعاً، وكما أنَّ في مَعاً خلافاً هل هو منتصِبٌ على الحالِ؛ أي: مُجْتَمِعِينَ، أو على الظرفِ؛ أي: في مكانٍ واحدٍ، فكذا اخْتُلِفَ في وَحْدَهُ في نحوِ: جاءَ وَحْدَهُ، أهو حالٌ؛ أي: مُنْفَرِداً،أو ظَرْفٌ؛ أي: لا معَ غَيْرِهِ).اهـ كلامُه.
ويقولُ أبو رَجَاءٍ عَفَا اللهُ تعالى عنه: وَلَيْسَ يَبْعُدُ عِنْدِي أنْ يَذْهَبَ ذاهبٌ إلى أنَّ وَحْدَهُ مفعولٌ مُطْلَقٌ ما دامَ قدِ اعْتُبِرَ قَائِماً مَقَامَ المصدرِ، ويَصِحُّ على هذا الاعتبارِ أنْ يكونَ العاملُ فيه فِعْلاً تَقَعُ جُمْلَتُه حالاً؛ أي: جاءَ زيدٌ يَتَوَحَّدُ تَوَحُّداً، كما يَصِحُّ أنْ يكونَ العاملُ فيه اسماً مُشْتَقًّا يَقَعُ حالاً؛أي: جاءَ زَيْدٌ مُتَوَحِّداً تَوَحُّداً.
وأمَّا المِثَالُ الرابِعُ - وهو قولُهُم: (كَلَّمْتُهُ فَاهُ إِلَى فِيَّ) فقد وَرَدَتْ هذه العبارةُ بروايتيْنِ: الأولى: (كَلَّمْتُهُ فُوهُ إِلَى فِيَّ)،وهذه الروايةُ لا إشكالَ فيها ولا خِلافَ في تَوْجِيهِها، وفُوهُ: مبتدأٌ ومُضافٌ إليه، والجارُّ والمجرورُ مُتَعَلِّقٌ بمَحْذُوفٍ خَبَرٌ، والجملةُ في مَحَلِّ نصبٍ حالٌ، والروايةُ الثانيةُ: (كَلَّمْتُهُ فاهُ إِلَى فِيَّ)،وقد وَرَدَ على هذا الوجهِ قولُ أبي الطَّيِّبِ المُتَنَبِّي:
قَبَّلْتُهَا وَدُمُوعِي مَزْجُ أَدْمُعِهَا = وَقَبَّلَتْنِي عَلَى خَوْفٍ فَمَا لِفَمِ
وهذه الروايةُ هي التي ثارَتْ حولَها عَجَاجَةُ الكلامِ، وكَثُرَ فيها التخريجُ؛فذَهَبَ سِيبَوَيْهِ وجَمْهَرَةُ البَصْرِيِّينَ إلى أنَّ (فَاهُ) حالٌ، وإنْ كانَ اسماً جامداً،وإنْ كانَ مَعْرِفَةً بالإضافةِ؛ لأنَّه في قُوَّةِ اسمٍ مُشْتَقٍّ مُنَكَّرٍ، والجارُّ والمجرورُ بعدَه مُتَعَلِّقٌ بمَحْذُوفٍ صفةٌ لِفَاهُ؛ لأنَّه نَكِرَةٌ في التقديرِ كما قُلْتُ لك، وكأنه قالَ: فاهُ مُوَجَّهاً إلى فِيَّ، وذَهَبَ الكُوفِيُّونَ إلى أنَّ (فَاهُ) مفعولٌ به لاسمِ فاعلٍ محذوفٍ يَقَعُ حالاً، وكأنه قد قِيلَ: كَلَّمْتُهُ جَاعِلاً فاهُ إلى فِيَّ.
وقد اخْتَلَفُوا بعدَ ذلك في جَوَازِ القِيَاسِ على هذه العبارةِ؛فالجمهورُ على أنه لا يجوزُ القياسُ عليها، وذَهَبَ هِشَامٌ إلى أنه يجوزُ القياسُ عليها،فيقالُ مثلاً: جَاوَرْتُهُ مَنْزِلَهُ إلى مَنْزِلِي، وناضَلْتُه قَوْسَهُ عن قَوْسِي، ونحوُ ذلك.
وأَحْسَبُنِي قد أَطَلْتُ عليكَ، لكنِّي إنما قَصَدْتُ أنْ أُقَرِّبَ إليكَ هذه الأمثلةَ، واخْتِلافَ العلماءِ فيها، وأَشْرَحَ لكَ ذلك كُلَّهَ بعبارةٍ يَسْهُلُ عليك فَهْمُها، ولا يَبْعُدُ على ذِهْنِكَ وَعْيُها، واللهُ المسؤولُ أنْ يَنْفَعَكَ به.

([14])(مَصْدَرٌ) مبتدأٌ،(مُنَكَّرٌ) نَعْتٌ لِمَصْدَرٌ، (حَالاً) منصوبٌ على الحالِ، وصاحِبُه الضميرُ المُسْتَتِرُ في (يَقَعُ) الآتي،(يَقَعْ) فِعْلٌ مُضَارِعٌ، وفاعِلُهُ ضميرٌ مُسْتَتِرٌ فيه جَوَازاً تَقْدِيرُهُ هو يَعُودُ إلى مصدرٌ مُنَكَّرٌ، والجملةُ في مَحَلِّ رفعٍ خَبَرُ المُبْتَدَأِ،(بِكَثْرَةٍ) جارٌّ ومَجْرُورٌ مُتَعَلِّقٌ بِيَقَعُ،(كَبَغْتَةً) الكافُ جارَّةٌ لقولٍ محذوفٍ، بَغْتَةً: حالٌ مِن الضميرِ المُسْتَتِرِ في (طَلَعَ) الآتي،(زَيْدٌ) مبتدأٌ، (طَلَعْ) فِعْلٌ ماضٍ، وفاعِلُهُ ضميرٌ مُسْتَتِرٌ فيه جَوَازاً تَقْدِيرُهُ هو يَعُودُ إلى زيدٌ، والجملةُ في مَحَلِّ رفعٍ خَبَرُ المُبْتَدَأِ.‌‌‌‌‌‌‌‌

([15])اعْلَمْ أوَّلاً أنَّ في هذا الموضوعِ خِلافيْنِ أشارَ الشارِحُ إليهما، وتَحَدَّثَ عن كلِّ واحدٍ مِنهما حَديثاً مُقْتَضَباً، حيثُ لا يكادُ القارِئُ يُمَيِّزُهُما، ونحنُ نُرِيدُ لكَ أنْ تَفْهَمَ الأمرَ فَهْماً واضحاً، ولهذا رَأَيْنَا أنْ نُبَيِّنَ لكَ الخِلافيْنِ، ونُفْرِدَ أَحَدَهما عن الآخَرِ، ونُبَيِّنَ - معَ كلِّ واحدٍ مِنهما - آراءَ العلماءِ الذين اخْتَلَفُوا فيه.
فأمَّا الخلافانِ: فأَحَدُهما: في إعرابِ المصدرِ المنكَّرِ في نحوِ قولِكَ: (جاءَ مُحَمَّدٌ رَكْضاً)،وثانيهما: في جوازِ القياسِ على هذا التركيبِ.
فأمَّا الخلافُ الأوَّلُ فقدْ أشارَ الشارِحُ إليه بقولِهِ: (وهو منصوبٌ على الحالِ، وهذا مَذْهَبُ سِيبَوَيْهِ والجمهورِ، وذَهَبَ الأخفشُ.. وذَهَبَ الكُوفِيُّونَ) وحاصلُ هذا الاختلافِ أنَّ للعلماءِ فيه سِتَّةُ آراءٍ.
الأوَّلُ - وهو مَذْهَبُ سِيبَوَيْهِ وجمهرةِ النحاةِ - أنَّ هذا المصدرَ نفسَه حالٌ، وأنه على التأويلِ بالوصفِ المناسِبِ، وحُجَّتُهُم فيما ذَهَبُوا إليه أنَّ المصدرَ قد وَقَعَ خَبَراً في كلامِ العربِ في نحوِ قولِهِم: زيدٌ عَدْلٌ، ورِضاً، وصَوْمٌ، وفِطْرٌ، كما وَقَعَ نَعْتاً كذلك، والخبرُ والنعتُ أَخَوَا الحالِ، وأيضاًًً فإنَّ المَصْدَرَ والوصفَ يَتَقَارَضَانِ في الكلامِ، فيَقَعُ كلٌّ مِنهما موقِعَ الآخرِ،فيَقَعُ الوصفُ مَفْعُولاً مُطْلَقاً، والأصلُ فيه المصدرُ، نحوُ قَوْلِهِم: قُمْ قَائِماً، وسِرْتُ أَشَدَّ السَّيْرِ، وتَأَدَّبْتُ أَكْمَلَ التأدُّبِ، ويَقَعُ المصدرُ خَبَراً ونَعْتاً، والأصلُ في الموضعيْنِ للوصفِ.
الثاني - وهو مَذْهَبُ الأخفشِ والمبرِّدِ - أنَّ هذا المصدرَ مفعولٌ مطلَقٌ عامِلُه فِعْلٌ مِن لَفْظِهِ، وجملةُ الفعلِ وفاعِلِهِ حالٌ، وتقديرُ (جاءَ زَيْدٌ رَكْضاً): جاءَ زيدٌ يَرْكُضُ رَكْضاً.
الثالِثُ - وهو رَأْيُ أبي عَلِيٍّ الفَارِسِيِّ - أنَّ هذا المصدرَ مفعولٌ مُطْلَقٌ عَامِلُهُ وَصْفٌ مَحْذُوفٌ يَقَعُ حَالاً،فتقديرُ المثالِ المذكورِ: جاءَ زيدٌ رَاكِضاً رَكْضاً.
الرابعُ - وهو قولُ الكُوفِيِّينَ ـ أنَّ هذا المصدرَ مفعولٌ مطلَقٌ مُبَيِّنٌ لنوعِ عاملِهِ، وعاملُه هو نَفْسُ الفعلِ المتقدِّمِ في الكلامِ، ونظيرُ ذلك قولُهم: أَحْبَبْتُهُ مِقَةً، وشَنِئْتُهُ بُغْضاً.
الخامِسُ: أنَّ المصدرَ المذكورَ أصلُه مُضافٌ إليه، والمُضافُ المحذوفُ مصدرٌ آخَرُ مِن لفظِ الفعلِ المتقدِّمِ في الكلامِ، وأصلُ المثالِ المذكورِ: جاءَ زيدٌ مَجِيءَ رَكْضٍ.
السادِسُ: أنَّ هذا المصدرَ حالٌ على تقديرِ مُضافٍ هو وَصْفٌ أو مُؤَوَّلٌ بوَصْفٍ، فتقديرُ المثالِ المذكورِ - على هذا الرأيِ - جاءَ زيدٌ صاحبَ رَكْضٍ، أو ذا رَكْضٍ، على نحوِ تَأْوِيلِهِ المصدرَ الواقِعَ خبراً.
وأمَّا الاخْتِلاَفُ الثاني - وهو الذي أَشَارَ الشارِحُ إليه بقولِهِ: (وقد كَثُرَ مَجِيءُ الحالِ مَصْدراً نَكِرَةً، ولكنَّه ليسَ بِمَقِيسٍ)، فإنَّا نَذْكُرُ لكَ أَوَّلاً أنه قد وَرَدَ عن العربِ في ألفاظٍ كثيرةٍ جِدًّا،حتى قالَ أبو حَيَّانَ: (ووُرُودُ المصدرِ حالاً أكثرُ مِن وُرُودِهِ نَعْتاً).اهـ. ومنه قولُه تعالى: {ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْياً}،وقولُه: {يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ سِرًّا وَعَلاَنِيَةً}،وقولُه: {ادْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً}،وقولُه: {إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَاراً}،وقالَ العربُ: قَتَلْتُهُ صَبْراً، وأَتَيْتُهُ رَكْضاً، ومَشْياً وعَدْواً، ولَقِيتُهُ فَجْأَةً، وكِفَاحاً، وعِيَاناً، وكَلَّمْتُهُ مُشَافَهَةً، وأَخَذْتُ عن فلانٍ سَمَاعاً، وكثيرٌ غيرُ هذا من الأمثلةِ الواردةِ عنهم.
وقد اخْتَلَفَ النحاةُ في جوازِ القياسِ على ما وَرَدَ عن العربِ.
فأمَّا سِيبَوَيْهِ وَأَصْحَابُهُ فلم يُجِزِ القياسَ عليها، معَ كَثْرَتِهَا، ومعَ أنه رَوَى الكثيرَمِمَّا سَمِعَه عن العربِ، وجَزَمَ بأنَّ ما وَرَدَ عنهم يُحْفَظُ ويُسْتَعْمَلُ ولا يُقاسُ عليه، وعُذْرُهُ في ذلك أنه خِلافُ الأصلِ، مِن قِبَلِ أنَّ الحالَ في المعنى وَصْفٌ لِصَاحِبِها، وما جاءَ على خِلافِ القياسِ فغَيْرُهُ عليه لا يَنْقَاسُ.
وأمَّا أبو العبَّاسِ مُحَمَّدُ بنُ يَزِيدَ الثُّمَالِيِّ المعروفِ بالمبرِّدِ فقد اخْتَلَفَ نقلُ العلماءِ عنه، فمِنهم مَن نَقَلَ عنه أنه يُجَوِّزُ القياسَ على ما وَرَدَ عن العربِ مُطلقاً، ونعني بالإطلاقِ ههنا أنه يَسْتَوِي في جوازِ القياسِ أنْ يكونَ المصدرُ نوعاً من الفعلِ، نحوُ: كَلَّمْتُهُ مُشَافَهَةً، وجِئْتُهُ سُرْعَةً، وألاَّ يكونَ المصدرُ نوعاً من الفعلِ، نحوُ: جاءَ على بُكَاءٍ، ومن العلماءِ مَن نَقَلَ عنه أنه يُجَوِّزُ القياسَ فيما كانَ المصدرُ نَوْعاً من الفعلِ، دونَ ما لا يكونُ كذلك،قالَ المُحَقِّقُ الرَّضِيُّ: (ثُمَّ اعْلَمْ أنه لا قِيَاسَ في شيءٍ مِن المصادرِ يَقَعُ حالاً،بل يُقْتَصَرُ على ما سُمِعَ منها،نحوُ: قَتَلْتُهُ صَبْراً، والمبرِّدُ يَسْتَعْمِلُ القياسَ في المصدرِ الواقِعِ حَالاً إذا كانَ من أنواعِ ناصبِه،نحوُ: أتانا رُجْلَةً وسُرْعَةً وبُطْئاً،ونحوِ ذلك، وأمَّا ما ليسَ مِن تَقْسِيمَاتُه وأنواعِه فلا خِلافَ أنه ليسَ بقياسِيٍّ، فلا يقالُ: جاءَ ضَحِكاًَ، وبُكَاءً ونَحْوُ ذلكَ؛ لِعَدَمِ السماعِ). اهـ.
وأمَّا ابنُ مالِكٍ ومُشَايِعُوهُ فقد أَجَازُوا القِيَاسَ على ثلاثةِ أنواعٍ مِن المصدرِ المُنَكَّرِ:
الأوَّلُ: أنْ يكونَ المصدرُ المنصوبُ واقعاً بعدَ خبرٍ مُقْتَرِنٍ بألِ الدالَّةِ على الكمالِ، وقد وَرَدَ مِن ذلك قولُهم: أنتَ الرجلُ عِلماً. وأجازَ هؤلاء أنْ تقولَ: أنتَ الرجُلُ فَضْلاً، ونُبْلاً، وحِلماً، ومُرُوءَةً، وشَجَاعَةً، وإِقْدَاماً، وأنْ تقولَ: أنتَ الصَّدِيقُ تَضْحِيَةً، وإخلاصاً.
الثاني: مِن ذلك قولُهم: هو زُهَيْرٌ شِعْراً، وأجازَ هؤلاءِ لكَ أنْ تَقولَ: مُحَمَّدٌ حاتِمٌ جُوداً، وعليٌّ قَضَاءً،وإِيَاسٌ زَكَانَةً، وعُمَرُ عَدْلاً، =وحثيفٌ إِباءً، والأَحْنَفُ حِلْماً،ويُوسُفُ جَمَالاً،وما أَشْبَهَ ذلك.
الثالِثُ: أنْ يَقَعَ المصدرُ المنكَّرُ المنصوبُ بعدَ أمَّا الشَرْطِيَّةُ،وذلك نحوُ: أمَّا عِلْماً فعالِمٌ،وأَمَّا نُبْلاً فنَبِيلٌ، وأمَّا حِلْماً فحَلِيمٌ، وأمَّا كَرَماً فكَرِيمٌ، وسِيبَوَيْهِ يَجْعَلُ هذا المصدرَ الواقِعَ بعدَ أمَّا حالاً بِتَأْوِيلِهِ بالمُشْتَقِّ، ويَجْعَلُ العاملَ في هذا الحالِ هو الفِعْلَ المقدَّرَ الذي نَابَتْ عنه أمَّا، ويَجْعَلُ صاحبَ هذا الحالِ هو الاسمَ المرفوعَ بأداةِ الشرطِ.


  #3  
قديم 24 ذو الحجة 1429هـ/22-12-2008م, 02:24 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي أوضح المسالك لجمال الدين ابن هشام الأنصاري (ومعه هدي السالك للأستاذ: محمد محيي الدين عبد الحميد)


هذا بابُ الحالِ([1])

الحالُ نوعانِ: مُؤكِّدَةٌ, وستأتي, ومُؤَسِّسَةٌ, وهي: وَصْفٌ فَضْلَةٌ مذكورٌ لبيانِ الهيئةِ كـ:ِئْتُ رَاكِباً", و:َرَبْتُهُ مَكْتُوفاً", و:َقِيتُهُ رَاكبيْنِ"([2]).
وخرَجَ بذكرِ الوصْفِ نحوُ: "القَهْقَرَى", في:َجَعْتُ القَهْقَرَى"([3]).
وبذكرِ الفَضْلَةِ الخبرُ في نحوِ: "زيدٌ ضاحِكٌ".
وبالباقي التمييزُ في نحوِ: "للَّهِ دَرُّهُ فَارِساً", والنعْتُ في نحوِ: "جَاءَنِي رجُلٌ رَاكِبٌ"؛ فإنَّ ذِكْرَ التمييزِ لبيانِ جنسِ المُتعَجَّبِ منه, وذِكْرَ النعْتِ لتخصيصِ المنعوتِ, وإنَّما وقعَ بيانُ الهيئةِ بهما ضِمناً, لا قَصْداً.
وقالَ الناظِمُ:
الحالُ وَصْفٌ فَضْلَةٌ مُنْتَصِبُ = مُفْهِمُ فِي حَالِ كذا......
فالوصفُ: جنسٌ يَشْمَلُ الخبرَ والنعتَ والحالَ, وفَضْلَةٌ مُخرِجٌ للخبرِ, ومُنْتصِبٌ([4]) مُخْرِجٌ لنعتَيِ المرفوعِ والمخفوضِ؛ كـ:َاءَنِي رجُلٌ رَاكِبٌ", و"مَرَرْتُ برَجُلٍ راكِبٍ", ومُفْهِمُ في حالِ كذا: مُخْرِجٌ لنعتِ المنصوبِ؛ كـ "رأَيْتُ رَجُلاً رَاكِباً"؛ فإنَّه إنَّما سِيقَ لتقييدِ المنعوتِ, فهو لا يُفْهِمُ في حالِ كذا بطريقِ القَصْدِ, وإنَّما أفْهَمَه بطريقِ اللُّزومِ.
وفي هذا الحدِّ نَظَرٌ؛ لأنَّ النصْبَ حُكْمٌ, والحكمَ فَرْعُ التصَوُّرِ والتصَوُّرَ مُتوَقِّفٌ على الحدِّ؛ فجاءَ الدَّوْرُ.
فَصْلٌ: للحالِ([5]) أربعةُ أوصافٍ:
أحدُها: أنْ تَكُونَ مُنتقِلَةً([6]) لا ثابتةً, وذلكَ غَالِبٌ, لا لازمٌ؛ كـ: "جاءَ زيدٌ ضَاحِكاً".
وتقَعُ وصْفاً ثابتاً([7]) في ثلاثِ مَسائِلَ:
إحداها: أنْ تَكُونَ مُؤكِّدَةً نحو: "زَيدٌ أبوكَ عَطُوفاً" و: َوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا}([8]).
الثانيةُ: أنْ يدُلَّ عامِلُها على تَجَدُّدِ صاحبِها([9]) نحوُ: "خَلَقَ اللهُ الزَّرافَةَ يَدَيْها أطولَ مِن رِجْلَيْها", فـ "يَدَيْها" بدَلٌ بعضٍ, و"أطْوَلَ" حالٌ مُلازِمَةٌ.
الثالثةُ: نحوُ: {قَائِماً بالقِسْطِ}([10]) ونحوُ: {أَنْزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصًّلا}([11]ولا ضَابِطَ لذلك, بل هو موقوفٌ على السماعِ, ووَهِمَ ابنُ الناظمِ فمَثَّلَ بمُفَصًّلا في الآيةِ للحالِ التي تَجَدَّدَ صاحِبُها.
الثاني: أنْ تَكُونَ مُشتقَّةً لا جَامِدةً, وذلك أيضاً غَالِبٌ, لا لازِمٌ.
وتقَعُ جامدةً مُؤَوَّلةً بالمُشتقِّ في ثلاثِ مَسائِلَ:
إحداها: أنْ تدُلَّ على تشبيهٍ نحوَ: "كَر‍َّ زيدٌ أسَداً", و:َدَتِ الجاريةُ قَمَرا,ً وتَثَنَّتْ غُصْناً", أي: شُجاعاً, ومُضِيئةً, ومُعْتدِلةً([12])،وقالوا: "وقَعَ المُصْطَرِعانِ عِدْلَي عَيْرٍ" أي: مُصْطَحِبيْنِ اصطحابَ عِدْلَي حمارٍ حِينَ سُقوطِهما.
الثانيةُ: أنْ تدُلَّ على مفاعلةٍ نحوَ: "بِعْتُه يَداً بيَدٍ"([13]) أي: مُتقابضيْنِ, و"كَلَّمتُه فَاهً إلى فِيَّ" أي: مُتشافهَيْنِ.
الثالثةُ: أنْ تدُلَّ على ترتيبٍ كـ: "ادْخُلُوا رَجُلاً رجُلاً" أي: مُترتِّبِينَ.
وتقَعُ جامدةً غيرَ مُؤوَّلةٍ بالمشتقِّ في سبعِ مسائلَ وهي:
أنْ تكونَ مَوْصوفةً نحوَ: {قُرْآناً عَرَبِيًّا}([14]) {فتَمَثَّلَ لَهَا بَشَراً سَوِيًّا}([15]) وتُسَمَّى حالاً مُوطِّئِةً([16]).
أو دَالَّةً على سِعْرٍ نحوَ: "بِعْتُه مُدًّا بكذا".
أو عددٍ نحوَ: {فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً}([17]).
أو طَوْرٍ واقعٍ فيه تفضيلٌ نحوَ: "هذا بُسْراً أطْيَبُ منه رُطَباً".
أو تَكُونَ نوعاً لصاحبِها نحوَ: "هَذَا مَالُكَ ذَهَباً".
أو فَرْعاً نحوَ: "هَذا حَدِيدُكَ خَاتَماً", و: َنْحِتُونَ الْجِبَالَ بُيُوتاً}([18]).
أو أصْلاً له نحوَ: "هذا خَاتَمُكَ حَدِيداً", و{أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِيناً}([19]).
تنبيهٌ: أكثرُ هذه الأنواعِ وُقوعاً مسألةُ التسعيرِ والمسائلُ الثلاثُ الأُوَلُ, وإلى ذلك يُشِيرُ قولُه([20]):
ويَكْثُرُ الجُمودُ فِي سِعْرٍ وَفِي = مُبْدِي تَأَوُّلٍ بِلاَ تَكَلُّفِ
ويُفْهَمُ منه أنَّها تقَعُ جامدةً في مواضِعَ أُخَرَ بقِلَّةٍ, وأنَّها لا تُؤَوَّلُ بالمشتقِّ كما لا تُؤوَّلُ الواقعةُ في التسعيرِ, وقد بَيَّنْتُها كُلَّها.
وزعَمَ ابنُه أنَّ الجميعَ مُؤَوَّلٌ بالمشتقِّ([21]) وهو تَكَلُّفٌ, وإنَّما قُلْنا به في الثلاثِ الأُوَلِ؛ لأنَّ اللفظَ فيها مُرادٌ به غيرُ معناهُ الحقيقيِّ, فالتأويلُ فيها واجِبٌ.
الثالِثُ: أنْ تَكُونَ نَكِرَةً لا معرفةً([22]) وذلك لازِمٌ, فإنْ ورَدَتْ بلفظِ المعرفةِ أُوِّلَتْ بنكرةٍ قالوا:‌‌‌ "جاءَ وحْدَه"([23]) أي: مُنفرِداً, و"رجَعَ عَوْدَه على بَدْئِه"([24]) أي: عائداً, و"ادْخُلُوا الأوَّلَ فالأوَّلَ"([25]) أي: مُترتِّبِينَ, و"جَاؤُوا الجَمَّاءَ الغفيرَ"([26]أي: جَمِيعاً و"أَرْسَلَها العِرَاكَ"([27]) أي: مُعْتَرِكَةً.
الرابِعُ: أنْ تَكُونَ نفسَ صاحبِها في المعنَى؛ فلذلك جازَ: "جاءَ زيدٌ ضَاحِكاً", وامْتَنَعَ "جاءَ زيدٌ ضَحِكاً".
وقد جاءَتْ مَصَادِرُ أحوالاً بقِلَّةٍ في المعارفِ؛ كـ "جاءَ وَحْدَه" و"أرْسَلَها العِراكَ".
وبكثرةٍ في النَّكِراتِ([28])؛كـ "طَلَعَ بَغْتَةً", و:"جاءَ رَكْضاً", و: َتَلْتُه صَبْراً" وذلك على التأويلِ بالوصْفِ, أي: مُباغِتاً, ورَاكِضاً, ومَصْبوراً, أي: مَحْبوساً.
ومعَ كثرةِ ذلك فقالَ الجمهورُ: لا يَنقاسُ مُطْلقاً, وقَاسَهُ المُبَرِّدُ فيما كانَ نَوْعاً من العاملِ فأجازَ: "جاءَ زَيْدٌ سُرْعَةً", ومَنَعَ: "جاءَ زيدٌ ضَحِكاً", وقاسَه الناظمُ وابنُه بعدَ "أمَّا" نحوَ: "أمَّا عِلْماً فعَالِمٌ", أي: مَهْمَا يُذْكَرُ شَخْصٌ في حالِ عِلْمٍ فالمذكورُ عَالِمٌ, وبعدَ خبرٍ شُبِّهِ بهِ مبتدؤُه؛ كـ "زيدٌ زُهَيْرٌ شِعْراً" أو قُرِنَ هو بـ"أل" الدالِّ على الكمالِ نحو: "أنتَ الرجُلُ عِلْماً".


([1]) اعلَمْ أنَّ لفظَ الحالِ يُذَكَّرُ فيقالُ:َالٌ". ويُؤَنَّثُ فيُقالُ:َالَةٌ". بالتاءِ، وأنَّ معناه قد يُذَكَّرُ، فيعودُ الضميرُ عليهِ مُذَكَّراً، ويُسْنَدُ إليه الفعلُ الماضي بغيرِ تاءٍ، ويُشارُ إليه باسمِ الإشارةِ الموضوعِ للمُذَكَّرِ، ويُوصَفُ بما يُوصَفُ به المُذَكَّرُ، وغيرُ ذلك مِمَّا لا يَعْسُرُ عليكَ استقصاؤُه، وقدْ يُؤَنَّثُ معناه، فيعودُ الضميرُ عليهِ مُؤنَّثاً، ويُسنَدُ إليه الفعلُ الماضي مُقترِناً بتاءِ التأنيثِ، ويُشارُ إليهِ باسمِ الإشارةِ الموضوعِ للمؤنَّثِ، ويُوصَفُ بما يُوصَفُ بهِ المُؤَنَّثُ، ومن شَواهدِ تذكيرِ لفظِ الحالِ قولُ الشاعرِ:
إِذَا أعْجَبَتْكَ الدَّهْرَ حَالٌ مِن امْرِئٍ = فدَعْهُ ووَاكِلْ أمْرَهُ واللَّيالِيَا
ومن شواهدِ تأنيثِ لَفْظِها قولُ الفَرَزْدَقِ:
على حَالةٍ لو أنَّ في القومِ حَاتِماً = على جُودِه ضَنَّتْ بهِ نَفْسُ حَاتِمِ
فإذا كانَ لفظُ الحالِ مُذَكَّراً فأنتَ في سَعةِ من أنْ تُذَكِّرَ معناه أو تُؤنَّثَه، تقولُ: هذا حالٌ، وهذه حالٌ، وحالٌ حَسَنٌ، وحالٌ حَسَنَةٌ، والحالُ الذي أنا فيه طَيِّبٌ، والحالُ التي أنا فِيها طَيِّبَةٌ، وكانَ حَالُنا يومَ كذا جَمِيلاً، وكانتْ حَالُنا يومَ كذا جميلةً. وتأمَّلْ في قولِ الشاعرِ:"أعْجَبَتْكَ الدَّهْرَ حَالٌ". فقد أسنَدَ الفعلَ الماضِيَ إلى لفظِ الحالِ المُذكَّرِ مُقترِناً بتاءِ التأنيثِ، وقالَ أبو الطَّيِّبِ المُتنَبِّي:
لا خَيْلَ عِنْدَكَ تُهدِيهَا وَلاَ مَالُ = فَلْيُسْعِدِ النُّطْقُ إِنْ لَمْ يُسْعِدِ الحالُ
فذَكَّرَها لَفْظاً ومعنًى في قولِه:ُسْعِدِ الحَالُ".
وأمَّا إذا كانَ لفظُ الحالِ مُؤَنَّثاً فليسَ لكَ مَعْدًى عن تأنيثِ الفعلِ الذي تُسْنِدُه إليها، وتَأنِيثِ الإشارةِ إليها، وتأنيثِ وَصْفِها، وتأنيثِ ما تُخْبِرُ به عنها، وهَلُمَّ جَرًّا.

([2]) الحالُ المُؤَكِّدَةُ هي التي يُستفادُ معناها بدونِ ذِكْرِها، وذلك بأنْ يدُلَّ عَامِلُها على معناها نحوُ قولِكَ:"لا تَعْثَ في الأرضِ مُفْسِداً". أو يدُلَّ صاحبُها على معناها، نحوُ قولِه تعالى:ِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً}. أو تَدُلَّ على معناها جملةٌ سابقةٌ نحوُ قولِكَ:َيْدٌ أبوكَ عَطُوفاً). وسيأتي ذِكْرُ ذلك كُلِّه.
والحالُ المُؤسِّسَةُ – ويُقالُ لها: المُبَيِّنَةُ – هي التي لا يُستفادُ معناها إلاَّ بذِكْرِها، وهي التي عَرَّفَها المُؤلِّفُ بهذا التعريفِ.
والأمثلةُ الثلاثةُ التي ذكَرَها المُؤلِّفُ أَوَّلُها الحالُ فيها من الفاعلِ، وثانيها الحالُ فيها من المفعولِ، وثَالِثُها الحالُ فيها من الفاعلِ والمفعولِ جَمِيعاً.

([3]) القَهْقَرَى – بفتحِالقافيْنِ بينَها هاءٌ ساكنةٌ، مَقْصوراً – ومثلُه القَهْقَرَةُ – بتاءٍ مَكانَ الألفِ– الرُّجوعُ إلى خَلْفٍ. وتُثَنَّى القَهْقَرَى على القَهْقَرَيْنِ، بحذفِ الألفِ، والقياسُ يَقْتَضِي قَلْبَها ياءً فتقولُ: القَهْقَرِيَّانِ والقَهْقَرِيَّيْنِ، ولم يذكُرِ المجدُ في (القاموسِ) القَهْقَرَةُ بالتاءِ، وإِنَّما خرجَ هذا بذكرِ الوصْفِ؛ لأنَّه مَصْدَرٌ، وليسَ وَصْفاً, فإعرابُه على أنَّه مفعولٌ مُطْلَقٌ مُبيِّنٌ لنوعِ العاملِ؛ لأنَّ القَهْقَرَى نوعٌ من أنواعِ مُجرَّدِ الرجوعِ، وقد تَقدَّمَ ذِكْرُ ذلك في بابِ المفعولِالمُطْلَقِ، فارْجِعْ إليهِ هناكَ إنْ شِئْتَ.
والمرادُ بالوَصْفِ ما كانَ صَرِيحاً؛ كاسمِ الفاعلِ واسمِ المَفْعولِ، أو مُؤَوَّلاً كالجملةِ في نحوِ قولِكَ: "جَاءَنِي زيدٌ يَضْحَكُ". فإنَّه في قُوَّةِ قَوْلِكَ: جَاءَنِي زَيدٌ ضاحكاً، وكالظرفِ والجارِّ والمجرورِ في نحوِ قولِكَ:َقِيتُ زَيداً عِنْدَكَ، أو في دَارِكَ".

([4]) قد تأتي الحالُ مَجْرورةً بحرفِ جَرٍّ زائدٍ، وقد مَثَّلوا لذلكَ بقراءةِ مَن قرَأَ:َا كَانَ يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نُتَّخَذَ مِنْ دُونِكَ أَوْلِيَاءَ) من الآيةِ 18 من سورةِ الفرقانِ– ببناءِ ُتَّخَذَ)للمجهولِ؛ فإنَّ َوْلِيَاءَ)حالٌ, وهو مجرورٌ بمِن زائدةٍ، والتقديرُ: أنْ نُتَّخَذَ مِن دُونِكَ أَوْلِيَاءَ، ومثلُ ذلك قولُ الشاعرِ:
فَمَا رَجَعَتْ بِخَائِبَةٍ رِكَابٌ = حَكِيمُ بنُ المُسَيَّبِ مُنْتَهَاهَا
تقديرُه: فما رَجَعَتْ خَائِبَةً رِكَابٌ... إلخ.

([5]) المرادُ في هذا المقامِ الحالُ من حيثُ هي، أي: بقطعِ النظَرِ عن كونِها مُؤَسِّسةً أو مُؤَكِّدَةً، فلا يُقالُ: إنَّ كلامَ المُؤلِّفِ في خُصوصِ الحالِ المُؤَسِّسَةِ؛ لأنه قَالَ في أولِ البابِ: (الحالُ نَوعانِ: مُؤَكِّدَةٌ وستأتي، ومُؤَسِّسَةٌ وهي ... إلخ) ثم عَرَّفَها، ولو كانَ غَرَضُه ما تَوَهَّمَه المُتَوَهِّمُ لَمَا صَحَّ أنْ يجعَلَ من الثابتةِ المُؤَكِّدَةَ لمضمونِ جملةٍ؛ لأنَّه يَكونُ من تقسيمِ الشيءِ إلى نفسِه وغيرِه، وهو لا يَجوزُ، لكنْ إذا كانَ الغرَضُ هنا – كما قُلْنا – هو الحالَ من حيثُ هي, لم يُرَدَّ ذلك الكلامُ، فتَأمَّلْ ذلك.

([6]) إنَّما كانَ الأصلُ في الحالِ أنْ تكُونَ مُتنقِلَةً, أي: تُفارِقَ صَاحِبَها, ويكونَ مُتَّصِفاً بغيرِها؛ لأنَّ لفظَ الحالِ نفسَه يُنْبِئُ عن ذلك ويدُلُّ عليه، أفلا تَرَى أنَّ الحالَ والتحَوُّلَ – الذي هو الانتقالُ من مادَّةٍ واحدةٍ؟ وفي المثالِ الذي ذكَرَه المُؤلِّفُ للحالِ المُتنقِلةِ تَجِدُ الضَّحِكَ يُزايِلُ زَيْداً ويُفارِقُه, فيكونُ مُتَّصِفاً بصفةٍ أُخْرَى غيرِه، سواءٌ أكانتْ هذهِ الصفةُ الأخرى مُضادَّةً للحالِ؛ كالبُكاءِ أم لَمْ تَكُنْ مُضادَّةً؛ كالركوبِ.

([7]) المرادُ بالثباتِ اللزومُ وعَدَمُ المفارقةِ، بدليلِ مقابلتِها بالمتنقلةِ وتفسيرِهم الانتقالَ بكونِها تُفارِقُ صاحبَها، ثم إنَّ اللزومَ يَكونُ بسببِ وجودِ عَلاقةٍ بينَ الحالِ وبينَ صاحبِها أو عَامِلِها؛ عَقْلاً، أو عَادَةً، أو طَبْعاً، وإنْ لم تَكُنْ في نفسِها دائمةً، وقدْ مَثَّلَ المُؤلِّفُ للحالِ الثابتةِ في المسألةِ الأولى بمثاليْنِ: الأولُ: للحالِ المُؤَكِّدَةِ لمضمونِ جملةٍ قَبْلَها، وهو "زَيْدٌ أبوكَ عَطُوفاً"، والأُبوَّةُ من شأنِها العطْفُ، والثاني: للحالِ المُؤَكِّدَةِ لعامِلِها وهو قولُه تعالى:َوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا}. والبعْثُ من لازمِه الحياةُ، وبَقِيَ عليه نوعٌ ثالثٌ, وهي الحالُ المُؤَكِّدَةُ لصاحبِها، ومثالُ ذلك قولُه تعالى:َآمَنَ مَنْ فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً}. فإنَّ{جَمِيعاً} مُؤَكِّدٌ لـ{مَن}؛ لأنَّ"مَن" لفظٌ من الألفاظِ الدالَّةِ على العمومِ، والعمومُ يَقْتَضِي الاجتماعَ، فكلُّ واحدٍ من هذهِ الأنواعِ الثلاثةِ مُستفادٌ مِمَّا قبلَه، لهذا كانَتِ الحالُ مُؤَكِّدَةً.

([8]) سورة مَرْيَمَ، الآية: 33.

([9]) الدالُّ على التجَدُّدِ في هذا المثالِ هو قولُهم:َلَقَ). فإنَّه يدُلُّ على تجَدُّدِ المخلوقِ وحُدوثِه، وخَلَقَ هو العامِلُ في الحالِ وفي صاحبِها، وبَقِيَ في هذا النوعِ قِسْمٌ آخَرُ, وهو ما كانَ الدالُّ على التجَدُّدِ هو العامِلَ أيضاً, لكنَّ المُتجَدِّدَ والمُحْدَثَ وَصْفٌ من أوصافِ صاحبِها، ومثالُها قولُه تعالى:َهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلاً}. فمُفَصَّلاً حَالٌ من الكتابِ، والكتابُ قَدِيمٌ, فلا يُوصَفُ بتجَدُّدٍ وحدوثٍ، لكنَّ نزولَه على الرسولِ حادثٌ، واعتبارُ هذه الآيةِ مِمَّا دَلَّ على تجَدُّدِ صاحبِها على الوجهِ الذي شَرَحْناه مما وافَقْنا فيه ما ذهَبَ إليه ابنُ الناظمِ، والمُؤلِّفُ لم يَعْتبِرْه هنا منه.

([10]) سورة آلِ عِمْرانَ، الآية: 18.

([11]) سورة الأنعامِ، الآية: 114.

([12]) ومثلُ ذلك قَوْلُ الشاعرِ (وهو أبو الطَّيِّبِ المُتَنَبِّي):
بَدَتْ قَمَراً، ومَالَتْ غُصْنَ بَانٍ = وفَاحَتْ عَنْبراً، ورَنَتْغَزَالاً
وقولُ هندِ بنتِ عُتْبةَ بنِ رَبِيعةَ أُمِّ مُعاويةَ بنِ أبي سُفْيانَ:
أَفِي السِّلْمِ أعْياراً جَفَاءً وغِلْظَةً = وفي الحَرْبِ أشْبَاهَ النِّساءِ العَوَارِكِ
ومنه قولُ رجلٍ من أصحابِ أبي السِّبْطَيْنِ عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ:
فَمَا بَالُنَا أمْسِ أُسْدَ العَرِينِ؟ = ومَا بَالُنَا اليَوْمَ شَاءَ النَّجَفْ؟
ومنه قولُ جريرٍ من قصيدةٍ يَهْجُو الأخْطَلَ:
مَشَقَ الهَوَاجِرُ لَحْمَهُنَّ مَعَ السُّرَى = حَتَّى ذَهَبْنَ كَلاكِلاً وصُدُوراً
وتقديرُ هذهِ الأحوالِ بالمُشتَقِّ يَحتمِلُ وجهيْنِ: الأولُ: أنْ تُقَدِّرَ قبلَ الاسمِ الجامدِ كلمةً لا تَتعرَّفُ بالإضافةِ نحوُ:ِثْل" فتَجْعَلَها حَالا،ً وتُقَدِّرَ أنَّها كانَتْ مُضافةً إلى هذا الاسمِ الجامدِ، ثم حُذِفَ المضافُ وأُقِيمَ المضافُ إليه مُقامُه، أي: بَدَتْ مثلَ قَمَرٍ, ومالَتْ مِثْلَ غُصْنِ بانٍ, وفاحَتْ مِثْلَ عَنْبَرٍ, ورَنَتْ مِثْلَ غزالٍ، وفي السِّلْمِ مِثْلَ أعيارٍ، وما بَالُنَا أمسِ مِثْلَ أُسْدِ العَرِينِ, وما بَالُنا اليومَ مثلَ شاءِ النَّجَفِ، والثاني: أنْ تُقَدِّرَ نفسَ الاسمِ الجامدِ قَائِماً مقامَ اسمٍ مُشتَقٍّ، وكأنَّه قِيلَ: بَدَت وَضِيئةً ومَالَتْ مُهْتَزَّةً، وفي السِّلْمِ شُجْعاناً, وفي الحربِ جُبَناءَ، وما بَالُنا أمسِ شُجْعاناً, وما بَالُنا اليومَ ضُعفاءَ، وهَلُمَّ جَرًّا.

([13]) يجوزُ في قولِكَ: (يَداً بيَدٍ). رفعُ يَدٍ الأولى ونَصْبُها، فأمَّا إذا قُلْتَها بالرفعِ فهي مُبْتدأٌ، والجارُّ والمجرورُ بعدَها مُتعلِّقٌ بمحذوفٍ خَبَرٌ، ولكلٍّ من يَدٍ المرفوعِ ويَدٍ المجرورِ بالباءِ وَصْفٌ محذوفٍ، أي: يَدٌ منه، مُصاحِبَةٌ ليَدٍ مِنِّي، وهذهِ الصفةُ المُقدَّرَةُ هي التي سَوَّغَتِ الابتداءَ بالنكرةِ، جملةُ المبتدأِ والخبرِ في مَحلِّ نصبٍ حالٌ، وإذا قُلْتَ: "يَداً". بالنصْبِ, فهي حَالٌ، واختلَفَتْ عبارةُ النحاةِ في الجارِّ والمجرورِ بعدَه، فيذكُرُ الشيخُ خالِدٌ نقْلاً عن ابنِ هشامٍ أنَّ سِيبَوَيْهِ يجعَلُه للبيانِ، يعني أنَّه مُتعَلِّقٌ بمحذوفٍ مقصودٍ به البيانُ، وفيه معنَى المفاعلةِ، ويذكُرُ الصَّبَّانُ أنه مُتعلِّقٌ بمحذوفٍ, صفةٌ للحالِ، أي: يداً معَ يَدٍ، ويقالُ مثلُ هذا الكلامِ في قولِهم:ُدًّا بكَذَا).

([14]) سورة يُوسُفَ، الآية: 2.

([15]) سورة مريَمَ، الآية: 17.

([16]) الحالُ المُوَطِئَّةُ هي: الاسمُ الجامدُ الموصوفُ بصِفَةٍ, هي الحالُ على وَجْهِ التحقيقِ، فكأنَّ الاسمَ الجامِدَ قَدْ وَطَّأَ الطريقَ ومَهَّدَه لِمَا هو الحالُ؛ بسببِ مَجيئِه قبلَه، وقدْ ذَكَرَ المُؤلِّفُ مثاليْنِ لذلك من القرآنِ الكريمِ، ولك أنْ تَقِيسَ على ما جاءَ منه، كأنْ تقولَ: لَقِيتُ زَيْداً رَجُلاً سَمْحاً، وزَارَنِي عليٌّ إنساناً كريماً. وهَلُمَّ جَرًّا.

([17]) سورة الأعرافِ، الآية:142.

([18]) سورة الأعرافِ، الآية: 74.

([19]) سورة الإسراءِ، الآية:61.

([20]) أي: قولُ ابنِ مالكٍ في ألفيَّتِه.

([21]) فهو يُؤَوِّلُ الحالَ المُوَطِّئَةَ في قولِه تعالى: {فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَراً سَوِيًّا}. بأنَّه على معنَى فتمَثَّلَ لها مُستوِياً في صِفَةِ البشرِ، ويُؤَوَّلُ الحالُ الدالَّةُ على سِعْرٍ بمُسَعَّرٍ – بزنةِ اسمِ المفعولِ إنْ كانتْ حالاً من المفعولِ، وبزِنَةِ اسمِ الفاعلِ إنْ كانَتْ حالاً من الفاعلِ– ويُؤَوَّلُ الحالُ الدالَّةُ على العَدَدِ في نحوِ قولِه تعالى: {فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً}. بمعدودٍ، ويُؤَوَّلُ الحالُ الدالَّةُ على طَوْرٍ فيهِ تَفْضيلٌ نحوُ:َذَا بُسْراً أطْيَبُ مِنْهُ رُطَباً) بمُطوَّرٍ، ويُؤَوَّلُ الحالُ الدالَّةُ على نوعِ صَاحِبِها نحوُ:َذَا مَالُكَ ذَهَباً) بمَصوغٍ، ويُؤَوَّلُ الحالُ الدالَّةُ على فرعِ صاحبِها نحوُ قولِه تعالى: {وَتَنْحِتُونَ الْجِبَالَ بُيوتاً} بمصنوعٍ أو نحوِه، ويُؤَوَّلُ الحالُ الدالَّةُ على أصْلِ صاحبِها نحوُ قولِه تعالى: {أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِيناً} بمَصْنوعٍ.

([22]) فإنْ قُلْتَ: فلماذا وجَبَ أنْ تكُونَ الحالُ نكرةً معَ أنَّ الحالَ وَصْفٌ لصاحِبِها، والوصْفُ كما يكونُ بالنكرةِ يكونُ بالمعرفةِ؟
فالجوابُ عن ذلك أنْ نَقولَ لك: إنَّ الحالَ لَمَّا كانتْ– كما قُلْتُ آنفاً– وصفاً لصاحبِها كانَ الغالِبُ فيها أنْ تكُونَ مُشتَقَّةً، وأنتَ تَعْلَمُ أنَّ صاحِبَ الحالِ لا يَكونُ إِلاَّ مَعْرِفَةً، فإنْ كانَ صَاحِبُها نكرةً وجَبَ أنْ يكُونَ لها مُسَوِّغٌ، فلو أنَّه جَازَ أنْ تكُونَ الحالُ مَعْرِفةً في حينِ أنَّ صاحبِها معرفةٌ؛ لتوَهَّمَ السامعُ أنَّها نَعْتٌ في حالِ وقوعِ صاحبِها في موقعِ النصْبِ نحوُ قولِكَ: "ضَرَبْتُ اللِّصَّ المُقَيَّدَ". ففَرُّوا من تَوَهُّمِ كونِها نعتاً في هذهِ الحالِ فالتَزَموا تَنْكِيرَها؛ لتَكُونَ مُخالِفَةً لصاحبِها في التعريفِ والتنكيرِ, فلا يَتوَهَّمُ مُتوَهِّمٌ أنَّها نعتٌ؛ لأنَّ النعْتَ يَجِبُ مُوافَقَتُه للمنعوتِ فيهما.

([23]) اعلَمْ أنَّ كَلِمَةََحْدَ) اسمٌ يدُلُّ على التوَحُّدِ والانفرادِ، وأنَّ أغْلَبَ استعمالِ هذا اللفظِ استعمالُه منصوباً؛ إمَّا لفظاً كما في قولِهم: (جَاءَ وَحْدَهُ). وقولِهم:"اجْتَهِدْ وَحْدَكَ". ومنه قولُه تعالى: {فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آمَنَّا بِاللهِ وَحْدَهُ} من الآية 84 من سورةِ غَافِرٍ، وإِمَّا منصوباً تقديراً، وذلكَ إذا أُضِيفَ لياءِ المتكلِّمِ، كما في قولِ الشاعرِ:
والذِّئْبُ أَخْشَاهُ إنْ مَرَرْتُ بِهِ = وَحْدِي، وأَخْشَى الرِّياحَ والمَطَرَا
وقدْ وَرَدَتْ هذه الكلمةُ مجرورةً بالإضافةِ في خمسِ كلماتٍ؛ قالوا في المدحِ: "فُلانٌ نَسِيجُ وَحْدِه". وقالوا: "فُلانٌ قَرِيعُ وَحْدِه". وقالوا في الدلالةِ على الإعجابِ بالنفسِ: "فُلانٌ رَجِيلُ وَحْدِهِ". ومن الأولِ من هذهِ الألفاظِ قولُ عَائِشَةَ أُمِّ المُؤمِنينَ في عمرَ رضِيَ اللهُ عنهما: (كَانَ واللهِ أَحْوَذِيًّا نَسِيجَ وَحْدِهِ).
ومنه قولُ الراجزِ:
جَاءَتْ بهِ مُعْتَجِرا ببُرْدِهِ = سَفْوَاءَ تَرْدِي بنَسِيجِ وَحْدِهِ
وقالوا عندَ إرادةِ الذمِّ: "فُلانٌ عُيَيْرُ وَحْدِهِ". و"فُلانٌ جُحَيْشُ وَحْدِهِ". والعُيَيْرُ: تصغيرُ عَيْرٍ وهو الحِمَارُ، والجُحَيْشُ: تَصغيرُ جَحْشٍ, وهو وَلَدُ الحِمارِ، وكِلاهما بفتحِ أَوَّلِه وسكونِ ثانيهِ.
ثم اعلَمْ ثَانياً أنَّ النحاةَ قد اختَلَفوا في تخريجَِحْدَه) في حالِ النصْبِ.
فقالَ سِيبَوَيْهِ والخليلُ بنُ أحمدَ: هو اسْمٌ مَوْضوعٌ موضِعَ المَصْدرِ الموضوعِ موضِعَ المُشتَقِّ، فهو مَنْصوبٌ على الحالِ، وكأنَّكَ حِينَ تَقولُ: "جاءَ زَيْدٌ وَحْدَه". قدْ قُلْتَ: جاءَ زَيْدٌ إيحاداً. أي انفراداً، وأنتَ تُرِيدُ جَاءَ زيدٌ مُتوَحِّداً؛ أي: مُنفَرِداً.
وذهَبَ يُونُسُ بنُ حَبِيبٍ وهشامٌ والكُوفِيُّونَ إلى أنه منصوبٌ على الظرفيَّةِ، وكأنَّكَ حينَ تقولُ: "جاءَ محمدٌ وَحْدَه". قد قُلْتَ: (جاءَ زيدٌ لا معَ غَيْرِه). وهؤلاءِ قاسوا (وَحْدَه) على مقابلِه وهو قولُهم: "قدْ جاءَ محمدٌ وعَلِيٌّ معاً".
ويقولُ أبو رَجاءٍ عَفَا اللهُ عنه: وإذا كانَ الأصلُ في هذهِ الكلمةِ أنَّها بمعنَى المصدرِ, وهو التوَحُّدُ والانفرادُ- كما يَرَى سِيبَوَيْهِ- فليسَ يَبْعُدُ عندي أنْ يكُونَ في نحوِ قولِكَ: "جاءَ عَلِيٌّ وَحْدَه". مفعولاً مُطْلَقاً، وعلى هذا يصِحُّ أنْ يكُونَ العاملُ فيه اسماً مُشتَقًّا, يكونُ حالاً من الضميرِ المستترِ في جاءَ، وتقديرُ الكلامِ: جاءَ زيدٌ مُتوَحِّداً تَوَحُّداً، ويصِحُّ أنْ يكُونَ العاملُ فيه فِعْلاً تقَعُ جملتُه حالاً، ويكونَ تقديرُ الكلامِ: جاءَ زيدٌ يَتَوَحَّدُ تَوَحُّداً.
واخْتَلَفوا في موضِعٍ آخرَ من هذا المثالِ، وحاصلُه أنَّ الذين قالوا: إنَّ"وحْدَه" حالٌ. قد اخْتَلَفوا في صاحبِ الحالِ, إذا قُلْتَ: "رأيْتُ زيداً وَحْدَه". فقالَ سِيبَوَيْهِ: هو حالٌ من الفاعلِ. وقالَ ابنُ طَلْحَةَ: هو حالٌ من المفعولِ. وأجازَ المُبرِّدُ كِلا الوجهيْنِ، والذي أمِيلُ إليهِ أنَّه حالٌ من المفعولِ في المثالِ الذي ذَكَرْناه, كما ذهَبَ إليه ابنُ طْلَحَةَ؛ لأنَّ المُتكلِّمَ لو أرادَ أنَّ الانفرادَ من أوصافِه هو, لَقالَ: "رَأيتُ زيداً وَحْدِي". أما هذا الاختلافُ فيُتَصَوَّرُ في نحوِ: "رأَى محمدٌ عَلِيًّا وَحْدَه".

([24]) اعلَمْ أوَّلاً أنََّوْدَه) بفتحِ العينِ وسكونِ الواوِ– أصلُه مصدرُ عَادَ يَعودُ، والبَدْءُ: أصلُه مَصْدَرُ بدَأَ يَبْدَأُ – بوزنِ فتَحَ يَفْتَحُ، ومعناهُ الابتداءُ، ثم اعلَمْ أن هذه العبارةَ تُرْوَى برفعَِوْدُه) وبنصبِه، فأمَّا روايةُ الرفعِ فلا خلافَ فيها ولا إشكالَ، وعَوْدُه: مبتدأٌ، والجارُّ والمجرورُ بعدَه مُتعَلِّقٌ بمحذوفٍ خبرٌ، والجملةُ في مَحَلِّ نصبٍ حالٌ من الضميرِ المُستتِرِ جوازاً في (جَاءَ), وأمَّا روايةُ النصْبِ فهي مَحَلُّ الكلامِ، وقد اختَلَفَ النحاةُ في تَخْريجِها، فأمَّا شيخُ النحاةِ سِيبَوَيْهِ فذهَبَ إلى أنََّوْدَه) مصدرٌ في تأويلِ المُشتَقِّ, وهو حالٌ من فاعلِ رَجَعَ، والجارُّ والمجرورُ يَكُونُ متعلِّقاً بالحالِ، وكأنَّه قد قِيلَ: رجَعَ عائداً على ابتدائِه. فالحالُ حينَئذٍ مُؤَكِّدَةٌ لعاملِها، وذهَبَ المُحَقِّقُ الرَّضِيُّ إلى أنََّوْدَه) مفعولٌ مُطْلَقٌ مُبَيِّنٌ لنوعِ عاملِه، والجارَّ والمجرورَ مُتعلِّقٌ برَجَعَ، وكأنَّه قدْ قِيلَ: رجَعَ على بَدْئِه عَوْدَهُ المَعْهودَ. فالإضافةُ في (بَدْئِه) وفي (عَوْدَه) بمعنَى أل العهديَّةِ، ويقالُ هذا الكلامُ في حقِّ إنسانٍ عُهِدَ منه عَدَمُ الاستقرارِ على ما يَنْتقِلُ إليه، بل يَرْجِعُ إلى ما كانَعليه، وذهَبَ أبو عَلِيٍّ الفَارِسِيُّ إلى أنََّوْدَهُ) مفعولٌ مُطْلَقٌ وعاملُه اسْمٌ مُشْتَقٌّ يَكونُ حَالاً، وكأنَّه قدْ قِيلَ: رجَعَ عائداً عَوْدَه على بَدْئِه.

([25]) الأولُ: أفعلُ تَفْضيلٍ مُقْتَرِنٍ بأل المُعَرِّفَةِ، وقد وَرَدَ منصوباً، وأعْرَبَهُ النحاةُ حَالاً، وجَعَلوا ما بعدَه معطوفاً عليهِ بالفاءِ، ثم يُفْهَمُ من كلامِهم أنَّهم مُخْتَلِفونَ في المُؤَوَّلِ بنكرةٍ, أهو مَجْموعُ الاسميْنِ فيَكُونَ قَوْلُكَ: "ادْخُلُوا الأوَّلَ فالأوَّلَ". على تقديرِ ادْخُلُوا مُتَرَتِّبِينَ؟ أم أنَّ كلَّ واحدٍ من الاسميْنِ يُؤَوَّلُ بوَصْفٍ مُنَكَّرٍ، فيَكونَ تأويلِ هذا المثالِ: ادْخُولُوا واحداً فوَاحِداً؟ ولا شَكَّ أنَّ التأويلَ الأولَ أقربُ مَسْلَكاً للدلالةِ على المعنَى الذي يُرِيدُه المُتَكَلِّمُ بهذا الكلامِ.

([26]) الجَمَّاءُ في الأصلِ: مُؤنَّثُ الأجَمِّ، وهما نَظِيرُ أبيضَ وبيضاءَ, وأحْمَرَ وحمراءَ، واشتقاقُهما من الجَمِّ – بفتحِ الجيمِ وتشديدِ الميمِ - وهو الكثرةُ، وقالوا: ماءٌ جَمٌّ، يُرِيدونَ أنَّه كَثِيرٌ، وقالَ اللهُ تعالى: {وَتُحِبُّونَ المَالَ حُبًّا جَمًّا}. أي: حُبًّا كَثِيراً.
وقالَ الراجزُ:
إنْ تَغْفِرِ اللَّهُمَّ تَغْفِرْ جَمَّا = وأيُّ عَبْدٍ لَكَ لاَ أَلَمَّا
وقالوا: هذه امرأةٌ جَمَّاءُ المَرافِقِ. يُرِيدونَ أنَّها كثيرةُ اللَّحْمِ على مَرافِقِها، وأصْلُ اشتقاقِ (الغَفِيرِ) من الغَفْرِ – بفتحِ الغينِ وسكونِ الفاءِ– وهو السِّتْرُ، تَقولُ: غَفَرَ اللهُ تعالى ذَنْبَكَ. تُرِيدُ سَتَرَه عليكَ ولم يَفْضَحْكَ به، والغَفِيرُ في صناعةِ العربيَّةِ فَعِيلٌ بمعنى فاعِلٍ, صِفَةٌ للجَمَّاءِ، وكانَ مِن حَقِّ العربيَّةِ عليهم أنْ يُؤَنِّثُوا الصِّفَةَ؛ لأنَّ المَوْصوفُ– هو الجَمَّاءُ– مُؤَنَّثٌ، إِلاَّ أنَّهم عَامَلوا هذهِ الصيغةَ معاملةَ أختِها التي هي فَعِيلٌ بمعنى مفعولٍ؛ فإِنَّهم لا يُؤَنِّثُونَ لَفْظَها, وإنْ جَرَتْ على موصوفٍ مُؤَنَّثٍ، فيَقولونَ: امرأةٌ جَرِيحٌ, وامرأةٌ قتيلٌ. وكأنَّهم حينَ قالوا:َاؤُوا الجَمَّاءَ الغَفِيرَ). قد قالوا: جَاؤُوا الجَماعَةَ السَّاتِرَةَ لوَجْهِ الأرضِ، يَعْنُونَ أنَّهم لكثرتِهم وعظيمِ عَدَدِهم سَتَروا وجْهَ الأرضِ, فلم يَظْهَرْ منها شيءٌ، وقد قالوا في هذا المثلِ:َاؤُوا جَمَّاءَ غَفِيراً). فأَتَوْا بهِ مُنَكَّراً على الأصلِ في الحالِ، والمُعرَّفُ على التأويلِ بالنكرةِ.

([27]) قد وَرَدَتْ هذه الجملةُ في قولِ لَبِيدِ بنِ رَبِيعةَ العَامِرِيِّ يَصِفُ حِماراً وَحْشِيًّا أوْرَدَ أُتُنَه الماءَ لتَشْرَبَ:
فأوْرَدَها العِرَاكَ ولَمْ يَذُدْهَا = ولَمْ يُشْفِقْ علَى نَغَصِ الدِّخَالِ
والضميرُ المُستتِرُ في "أَوْرَدَها" يعودُ إلى حمارِ الوحشِ، والضميرُ البارِزُ يعودُ إلى أُتُنِه، وأصْلُ العراكِ مصدرٌ بمعنَى ازدحامِ الإبلِ أو غَيْرِها حِينَ وُرودِ الماءِ، ولم يَذُدْهَا: لم يَمْنَعْها ولم يَطْرُدْها، والنَّغَصُ – بفتحِ النونِ والغينِ جميعاً– مصدرَُغِصَ الرجُلُ) – من مثالِ فَرِحَ – إذا لم يُتِمَّ مُرادَه، و(نَغِصَ البعيرُ) إذا لم يُتِمَّ شُرْبَه، والعِراكُ كما ترَى مصدرٌ مُقترِنٌ بأل، فهو معرفةٌ، وللنحاةِ في تخريجِه ثلاثةُ مذاهِبَ:
الأَوَّلُ – وهو مذهَبُ سِيبَوَيْهِ – أنَّ هذا المصدرَ حَالٌ– معَ مخالفةِ لفظِه للأصلِ في الحالِ من وجهيْنِ: كونُه مصدراً، وكونُه معرفةً, وهو في التأويلِ وصْفٌ مُنَكَّرٌ، وكأنَّه قد قالَ: أَرْسَلَها مُعارَكَةً.
الثاني – وهو مذهَبُ الكُوفِيِّينَ – أنَّ (العِرَاكَ) مفعولٌ ثانٍ لأرْسَلَ، بعدَ أنْ ضَمَّنَ أرْسَلَ معنَى أوْرَدَ، فإِنَّكَ تقولُ: "وَرَدَ البَعِيرُالماءَ". فيَتعدَّى الفعلُ إلى مفعولٍ واحدٍ، وفي القرآنِ الكريمِ:َلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ}. وفيه:َوْ كَانَ هَؤُلاءِ آلِهَةٌ مَا وَرَدُوهَا}. وتقولُ: "أوْرَدْتُ بَعيرِي الماءَ". فيتعدَّى الفعلُ بالهمزةِ إلى مفعولٍ ثانٍ، وفي القرآنِ الكريمِ: {يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ}. وكأنَّه لَمَّا قالَ: "فأرْسَلَها العِرَاكَ". قد قالْ: فأَوْرَدَها العِرَاكَ. أي: الازدحامَ، وأرادَ مكانَه، ومعَ ثقافةِ هذا التخريجِ نرَى فيه من التكلُّفِ ما لا يخفَى على مُتأمِّلٍ.
المذهبُ الثالِثُ – وهو مَذْهَبُ أبي عَلِيٍّ الفارسيِّ– وحاصلُه أنَّ (العراكَ) مصدرٌ باقٍ على مصدريَّتِه، وهو مفعولٌ مُطلَقٌ مُؤكِّدٌ لعاملِه معَ أنه مُبَيِّنٌ لنوعِ عاملِه الذي يُقَدَّرُ وَصْفاً مُنَكَّراً، ويكونُ هذا العامِلُ حالاً من الضميرِ البارزِ المُتَّصِلِ العائدِ على الأُتُنِ، وكأنَّه قد قالَ: فأرْسَلَها مُعْترِكَةً العِرَاكَ، أي: مُزدحمةً الازدحامَ المعهودَ.

([28]) اعلَمْ أوَّلاً أنَّ للعلماءِ خِلافيْنِ في هذا الموضوعِ: أحَدُهما في إعرابِ نحوُ:َكْضاً). من قولِهم:"جاءَ زيدٌ رَكْضاً". ولم يَتعَرَّضِ المُؤلِّفُ لهذا الخلافِ، بل اختارَ مذهَبَ سِيبَوَيْهِ كما اختارَه ابنُ مالكٍ– وهو أحدُ آراءٍ كثيرةٍ في المسألةِ– ولم يَتعرَّضْ لغيرِه بإثباتٍ ولا نَفْيٍ، والخلافُ الثاني في قِياسِيَّةِ مثلِ هذا التركيبِ، وقد تَعرَّضَ المُؤلِّفُ له بنوعٍ من التفصيلِ.
وقبلَ أنْ نَتعرَّضَ لذكْرِ هذيْنِ الخلافيْنِ نقولُ لكَ: إنَّه قد وَرَدَ عن العربِ جملةٌ صالحةٌ من الكلامِ المماثلِ لهذا التركيبِ، فقد قالوا: قَتَلْتُه صَبْراً، وأتَيتُه رَكْضاً، ومَشْياً، وعَدْواً، ولَقِيتُه فَجْأةً، وكِفَاحاً، وعِياناً، وكَلَّمْتُه مُشافهةً، وطلَعَ علينا بَغْتَةً، وأخَذْتُ عن فلانٍ سَماعاً، وقالَ اللهُ تعالى:ُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْياً}. وقالَ سبحانَه: {يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ سِرًّا وعَلانِيَةً}. وقالَ: {ادْعُوهُ خَوْفاً وطَمَعاً}. وقالَ:ِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَاراً}.
ثم نَقولُ عن الخلافِ الأولِ: إنَّ للنحاةِ فيهِ أقوالاً كثيرةً نَجْتَزِئُ لك منها بأربعةٍ ونَكِلُكَ في الرجوعِ إلى بَاقِيها –إنْ أردْتَ المزيدَ– لِمَا كَتَبْنَاهُ على شَرْحِ الأشمونيِّ.
المذَهَبُ الأولُ: أنَّ هذا المصدرَ المُنَكَّرَ نفسَه حالٌ، وأنَّه على التأويلِ بوَصْفٍ مُناسبٍ، وهذا مذهَبُ سِيبَوَيْهِ وجمهورِ البصْرِيِّينَ، وحُجَّتُهم أنَّ الخبَرَ أخو الحالِ والنعْتِ، وقد وقَعَ الخبرُ مَصْدراً مُنَكَّراً كثيراً في نحوِ:"زيدٌ عَدْلٌ", ووقَعَ النعتُ مَصْدراً مُنَكَّراً في نحوِ:"هذا ماءٌ غَوْرٌ", فلا يُنْكَرُ أنْ يقَعَ المصدرُحَالاً، وأيضاً فإنَّ المصدرَ والاسمَ المُشْتَقَّ يَتقارَضانِ, فيقَعُ كلُّ واحدٍ منهما موقِعَ صاحبِه، فيقَعُ الاسمُ المُشْتَقُّ مفعولاً مُطْلقاً في الموضعِ الذي الأصْلُ فيه أنْ يَقَعَ فيه المَصدَرُ, نحوُ قولِهم: "قُمْ قَائِماً". أي: قُمْ قِياماً، وقالوا: "سِرْتُ أشَدَّ السيرِ". و"تَأَدَّبْتُ أكْمَلَ التأديبِ".
المذهبُ الثاني: أنَّ هذا المصدرَ المُنكَّرَ مفعولٌ مطلقٌ لفعلٍ محذوفٍ, جملتُه هي التي تقَعُ حالاً، فتأويلُ (طلَعَ زيدٌ بغْتَةً): طلَعَ زيدٌ يَبْغَتُ بَغْتَةً، وهذا مذهَبُ الأخفشِ والمُبرِّدِ.
المذهبُ الثالثُ: أنَّ هذا المصدرَ المُنكَّرَ مفعولٌ مطلقٌ, عاملُه وَصْفٌ يَكُونُ هو الحالَ، فتأويلَُتَلْتُه صَبْراً): قَتَلْتُه صَابِراً صَبْراً، وهذا مذهَبُ أبي عَلِيٍّ الفارسيِّ، وهو مَنْحولٌ من مذهَبِ المُبرِّدِ والأخفشِ.
المذهبُ الرابعُ: أنَّ هذا المصدرَ المُنَكَّرَ مفعولٌ مطلقٌ مُبيِّنٌ لنوعِ عاملِه، وعاملُه هو ما يَتقدَّمُ عليه من فِعْلٍ أو وَصْفٍ، وليسَ في الكلامِ حَذْفٌ، فتأويلُ"جاءَ زَيْدٌ رَكْضاً": رَكَضَ زيدٌ رَكْضاً، كما قيلَ في نحوِ: "أحْبَبْتُه مِقَةً" و"شَنِئْتُه بُغْضاً". وهذا مذهَبُ الكُوفِيِّينَ، وكأنَّهم لم يَرْوُوا من هذا الأسلوبِ إلاَّ ما كانَ المصدرُ نَوْعاً من أنواعِ العاملِ؛ كالصبرِ معَ القتلِ, والركضِ معَ السيرِ أو المجيءِ؛ ولذلك ذَكَروا أنَّ المصدرَ يَكونُ مَفْعولاً مُطْلقاً مُبَيِّناً لنوعِ العاملِ، وقد عَلِمْتَ في بابِ المفعولِ المُطْلَقِ – مِمَّا ذَكَرْناه لكَ ثَمَّةَ – أنَّ من صورِ المفعولِ المُطْلَقِ المُبيِّنِ للنوعِ أنْ يكُونَ المصدرُ بهذه المثابةِ، فتأمَّلْ ذلك واحْرِصْ عليه.
وأمَّا عن الخلافِ الثاني, ففيه أربعةُ مذاهِبَ:
الأوَّلُ: أنَّه لا يجوزُ القياسُ على ما سُمِعَ من ذلك، على الرَّغْمِ من كَثْرَةِ ما سُمِعَ منه، وهذا مذهَبُ سِيبَوَيْهِ، وعُذْرُه في ذلك أنَّ الحالَ وَصْفٌ لصاحبِها، وقدْ تَقرَّرَ أنَّ الأصْلَ في الوصْفِ أنْ يكُونَ مُشتَقًّا، والأصلَ الذي تَقَرَّرَ عندَه أنَّ ما جاءَ على خلافِ الأصلِ يُقْتَصَرُ فيه على ما سُمِعَ منه.
المذهبُ الثاني: أنَّه يجوزُ القياسُ على ما ورَدَ منه مطلقاً، نعني بالإطلاقِ هنا أنَّه لا فرقَ بينَ أنْ يكُونَ المصدرُ نوعاً من أنواعِ عاملِه نحوَ: "كَلَّمْتُه مُشافهَةً", و"جِئْتُه سُرْعَةً" و"قَتَلْتُه صَبْراً", وألاَّ يكونَ كذلك نحوُ: "جاءَ عَلِيٌّ بُكَاءً" ويُنْسَبُ هذا إلى أبي العَبَّاسِ المُبرِّدِ.
المذهَبُ الثالِثُ: أنَّه يَجوزُ القِياسُ على ما سُمِعَ من ذلك فيما إذا كانَ المصدرُ نوعاً من أنواعِ العاملِ؛ كالأمثلةِ التي ذَكَرْناها قبلَ ذِكْرِ الخلافِ، فأمَّا إذا لم يَكُنِ المصدرُ نَوْعاً من العاملِ؛ فإنَّه لا يجوزُ القياسُ حينَئذٍ، وهذا هو المشهورُ فيما يُرْوَى من آراءِ أبي العَبَّاسِ المُبرِّدِ.
قالَ المُحَقِّقُ الرَّضِيُّ: (ثم اعلَمْ أنه لا قياسَ في شيءٍ من المصدرِ الواقعِ حَالاً، بل يُقْتَصَرُ على ما سُمِعَ منه، نحوُ: قَتَلْتُه صَبْراً.
والمُبرِّدُ يَستعمِلُ القياسَ في المصدرِ الواقعِ حَالاً إذا كانَ من أنواعِ نَاصِبِه، نحوُ: (أتَانَا رُجْلةً، وسُرْعةً، وبُطْأً، ونحوَ ذلك، وأمَّا ما ليسَ من تَقسيماتِه وأنواعِه فلا خلافَ أنَّه ليسَ بقِياسِيٍّ، فلا يُقالُ: جاءَ ضَحِكاً وبُكَاءً، ونحوُ ذلك؛ لعَدَمِ السماعِ). اهـ.
المذهَبُ الرابِعُ: وهو ما اختارَه ابنُ مالكٍ صَاحِبُ الألفيَّةِ، وتَبِعَه عليه ابْنُه بَدْرُ الدِّينِ، وحَاصِلُ هذا الرَّأْيِ أنَّه يَجوزُ القياسُ في ثلاثةِ مَوَاضِعَ ورَدَ بها السَّمَاعُ:
المَوْضُوعُ الأوَّلُ: أنْ يكُونَ المصدرُ المنصوبُ وَاقِعاً بعدَ خَبَرٍ مُقْتَرِنٍ بأل الدالَّةِ على الكمالِ، وقدْ سُمِعَ من هذا قولُهم:"أنتَ الرجُلُ عِلْماً". فيَجوزُ لك أنْ تقولَ: "أنتَ الرَّجُلُ أدَباً، وحِلْماً، ونُبْلاً، وشَجَاعَةً، وأنتَ الصديقُ إِخْلاصاً، ووَفَاءً، وتَضْحِيَةً". وأنْ تقولَ: "أنتَ العالِمُ تَحْقِيقاً، ودِقَّةَ نَظَرٍ, وطُولَ صَبْرٍ، وأنَاةً". وورَدَ النصُّ عن الخليلِ بأنَّ المصدرَ المنصوبَ في هذا المثالِ حالٌ، وذكَرَ أحمدُ بنُ يَحْيَى ثعلبٌ أنه مَفْعولٌ مُطْلَقٌ.
الموضِعُ الثاني: أنْ يكُونَ المصدرُ واقعاً بعدَ خَبَرٍ شُبِّهَ مُبْتَدَؤُه به، وقد سُمِعَ من هذا النوعِ قولُهم:ُوَ زُهَيْرٌ شِعْراً). وعلى جوازِ القياسِ لكَ أنْ تقولَ: (أنتَ حَاتِمٌ جُوداً، وأنتَ عَلِيٌّ شَجَاعَةً، وأنتَ السَّمَوْأَلِ وَفاءً، وأنتَ إياسٌ ذَكاءً وفِطْنَةً، وأنتَ عُمَرُ عَدْلاً وعَطْفاً، وأنتَ يُوسُفُ حُسْناً، وأنتَ الأحْنَفُ حِلْماً). ومن النحاةِ مَن رَأَى أنْ يُعْرِبَ المصدرَ في هذا النوعِ تَمْيِيزاً، وقالَ أبو حَيَّانَ: (والتمييزُ فيه أظْهَرُ).
الموضوعُ الثالثُ: أنْ يقَعَ المصدرُ بعدَ (أمَّا) الشرطيَّةِ التي تَنوبُ عن أداةِ الشرطِ وفعلِ الشرطِ جَمِيعاً، وقدْ سُمِعَ من ذلك قولُهم:"أمَّا عِلْماً فعَالِمٌ". وعلى جوازِ القياسِ لكَ أنْ تقولَ: "أمَّا ثراءً فثَرِيٌّ، وأمَّا نَزَاهَةً فنَزِيهٌ، وأمَّا شَجَاعَةً فشُجَاعٌ، وأمَّا احتجاجاً فذُو حُجَّةٍ، وأمَّا فَقاهةً ففَقِيهٌ". والقولُ بأنَّ انتصابَ المصدرِ المُنَكَّرِ بعدَ أمَّا على الحالِ هو قولُ سِيبَوَيْهِ وجمهورِ البصْرِيِّينَ، وذهَبَ الأخفشُ إلى أنَّ هذا المصدرَ مَفْعولٌ مُطْلَقٌ نَاصِبُه الاسمُ المُشْتَقُّ الواقِعُ بعدَه، وذهَبَ الكُوفِيُّونَ إلى أنَّه مفعولٌ به لفِعْلِ الشرطِ الذي نابَتْ عنه أمَّا، ويَجِبُ – على هذا – تقديرُ فعلِ الشرطِ مُتعَدِّياً، ففي نحوِ قولِهم: (أمَّا عِلْماً فعَالِمٌ). يُقَدَّرُ كأنَّكَ قد قُلْتَ: "مَهْمَا تَذْكُرْ عَلْماً فالمذكورُ عالِمٌ". ويُذْكَرُ عنهم هذا الرأيُ فيما إذا كانَ بعدَ أمَّا مصدراً مُعرَّفاً نحوَ: (أمَّا العِلْمَ فعَالِمٌ) أو اسْمَ جنسٍ غيرَ مصدرٍ نحوَ: "أمَّا العَبِيدَ فذُو عَبِيدٍ" فطَرَّدوا البابَ في جميعِ الأنواعِ.



  #4  
قديم 24 ذو الحجة 1429هـ/22-12-2008م, 02:25 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي شرح ألفية ابن مالك للشيخ: علي بن محمد الأشموني


الجزء الثاني



الحالُ
(الحالُ): يذكَّرُ ويؤنَّثُ ومنَ التأنيثِ قولُهُ [من الطويل]:
إِذَا أَعْجَبَتْكَ الدَّهَرَ حَالٌ مِنَ امْرِئٍ = فَدَعْهُ وَواِكلْ أَمْرَهُ وَاللَّيَالِيَا
وسيأتي الاستعمالانِ في النظمِ وهو في اصطلاحِ النحاةِ.
332 - الحَالُ وَصْفٌ فَضْلَةٌ مُنْتَصِبُ = مُفْهِمُ فِي حَالِ كَفَرْدًا أَذْهَبُ
(وَصْفٌ فَضْلَةٌ مُنْتَصِبُ = مُفْهِمُ فِي حَالِ كَفَرْدًا أَذْهَبُ)
فالوصفُ: جنسٌ يشملُ الحالَ وغيرَهُ، ويخرجُ نحوَ: القَهْقَرَى في قولِكَ: "رَجَعْتُ القَهْقَرَى" فإنَّهُ ليسَ بوصفٍ، إذِ المرادُ بالوصفِ: ما صيغَ مِنَ المصدرِ ليدلَّ على متصفٍ وذلكَ: اسمُ الفاعلِ واسمُ المفعولِ والصفةُ المشبهةُ وأمثلةُ المبالغةِ وأفعلُ التفضيلِ.
وفضلةٌ يُخْرِجُ العمدةَ كالمبتدإِ في نحوِ: "أقائمٌ الزيدانِ" والخبرُ في نحوِ: "زيدٌ قائمٌ".
ومُنْتَصِبُ: يُخْرِجُ النعتَ؛ لأنه ليسَ بلازمِ النصبِ.
وَمُفْهِمُ في حَالِ كذا: يُخْرِجُ التمييزَ في نحوِ: "للهِ درُّهُ فارسًا".
تنبيهانِ: الأَوَّل: المرادُ بالفضلةِ ما يستغنى عنه مِنْ حيثُ هو هو، وقدْ يجبُ ذكرُهُ لعارضِ كونِهِ سادًّا مسدَّ عمدةٍ: كـ"ضربِي العبدَ مسيئا" أو لتوقفِ المعنى عليه كقولِهِ [من الخفيف]:
لَيْسُ مَنْ مَاتَ فَاسْتَرَاحَ بِمَيْتٍ = إِنَّمَا المَيْتُ مَيِّتُ الأَحْيَاءِ
471 - إِنَّمَا المَيْتُ مَنْ يَعِيشُ كَئِيبًا = كَاسِفًا بَالُهُ قَلِيلَ الرَّجَاءِ
الثاني: الأَوَّلى أن يكونَ قولُهُ: " كَفَرْدًا أَذْهَبُ" تتميمًا للتعريفِ لأن فيه خللينِ: الأَوَّل أن في قولِهِ مُنْتَصِبُ تعريفًا للشيءِ بحكمِهِ والثاني أنه لم يقيدْ مُنْتَصِبُ باللزومِ وإن كانَ مرادُهُ ليُخْرِجَ النَّعْتَ المنصوبَ: كـ"رأيتُ رَجُلًا راكبًا" فإنه يفهمُ في حالِ ركوبِهِ وإن كانَ ذلكَ بطريقِ اللزومِ لا بطريقِ القَصْدِ فإنَّ القَصْدَ إنما هو تقييدُ المنعوتِ.
333 - وَكَوْنُهُ مُنْتَقَلِاً مُشْتَقَاًّ = يَغْلِبُ لَكِنْ لَيْسَ مُسْتَحَقِاًّ
(وَكَوْنُهُ): أيْ: الحالُ (مُنْتَقَلِاً) عنِ صاحبِهِ غيرِ ملازمٍ لَهُ (مُشْتَقَاًّ) مِنَ المصدرِ ليدلَّ على متصفٍ (يَغْلِبُ لَكِنْ لَيْسَ) ذلكَ (مُسْتَحَقِاًّ) له فقدْ جَاءَ غيرَ منتقلٍ كما في الحالِ المؤكدةِ نحوَ: "زيدٌ أبوكَ عطوفًا" و{يَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا} والمشعرُ عاملُها بتجددِ صاحبِهِا، نحوَ: { وَخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفًا} وقولُهُمْ: "خلقَ اللَّهُ الزرافةَ يديْهَا أطولَ مِنْ رِجْلَيْهَا". وقولُهُ [من الطويل]:
472 - وَجَاءَتْ بِهِ سَبْطَ العِظَامِ كَأَنَّمَا = عِمَامَتُهُ بَيْنَ الرَّجَالِ لِوَاءُ
وغيرَهما نحوَ: "دعوتُ اللَّهَ سميعًا" { قَآئِمَاً بِالْقِسْطِ}
وجَاءَ جامدًا.
334 - وَيَكْثُرُ الجُمُودَ: فِي سِعْرٍ وَفِي = مُبْدِي تَأَوُّلٍ بِلَا تَكَلُّفِ
335 - كَبِعْهُ مُدًّا بِكَذَا يَدًا بِيَدْ = وَكَرَّ زَيْدٌ أَسَدًا أَيْ كَأَسَدْ
(وَيَكْثُرُ الجُمُودَ: فِي) الحالِ الدالةِ على (سِعْرٍ) أو مفاعلةٍ أو تشبيهٍ أو ترتيبٍ (وفي) كلِ (مُبْدِي تَأَوُّلٍ بِلَا تَكَلُّفِ * كَبِعْهُ) البرَّ (مُدًّا بِكَذَا) أيْ: مُسَعَّرًا وبعْهِ (يَدًا بِيَدْ) أي مقابضةً (وَكَرَّ زَيْدٌ أَسَدًا أَيْ كَأَسَدْ) أيْ: مشبهًا لأسدٍ و"ادخلوا رجلًا رجلًا" أيْ: مترتبينِ.
تنبيهانِ: الأَوَّل: قد ظَهَرَ أن قولَهُ: " وَفِي مُبْدِي تَأَوُّلٍ بِلَا تَكَلُّفِ" مِنْ عَطْفِ العامِ على الخاصِ إذْ ما قبلَهُ مِنْ ذلكَ خلافًا لما في (التوضيحِ).
الثاني: تَقَعُ الحالُ جامدةً غيرَ مؤولةٍ بالمشتقِ في ستِّ مسائلٍ: وهيَ:
أن تكونَ موصوفةً نحوَ: { قُرْآنًا عَرَبِيًّا}، { فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا} وتسمى حالًا موطئةً.
أو دالةً على عددٍ نحوَ: { فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً} أو طورٍ واقعٍ فيه تفضيلٌ نحوَ: هذا بسرًا أطيبَ منه رطبًا,
أو تكون َنوعًا لصاحبِهَا نحوَ: هذا مالُكَ ذَهَبًا.
أو فرعًا له، نحوَ: "هذا حديدُكَ خاتمًا" { وَتَنْحِتُونَ الْجِبَالَ بُيُوتًا}.
أو أصلًا له، نحوَ: "هذا خاتمَُكَ حديدًا" و{ أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِينًا}.
وجَعَلَ الشارحُ هذا كلَّهُ مِنَ المؤولِ بالمشتقِّ وهو ظاهرُ كلامِ والدِهِ في (شرحِ الكافيةِ) وفِيهِ تكلفٌ اهـ.
336 - وَالحَالُ إِنْ عُرِّفَ لَفْظًا فَاعْتَقِدْ = تَنْكِيرَهُ مَعْنًى كَوَحْدَكَ اجْتَهِدْ
و"كلَّمتُهُ فاهُ إلى فِيِّ" وأرسلَهَا العراكَ و"جاءوا الجَمَّاءَ الغَفِيرَ" فـ "وَحْدَكَ" و" فاهُ" و" العراكَ" و" الجَمَّاءَ" أحوالٌ: وهي معرفةٌ لفظًا لكنَّهَا مؤولةٌ بنكرةٍ والتقديرُ: اجتهدْ منفردًا وكلمتُهُ مشافهةً وأرسلَهَا معتركةً وجاءوا جميعًا. وإنما التزمَ تنكيرَهُ لئلَّا يتوهمُ كونُهُ نعتًا لأنَّ الغالبَ كونُهُ مشتقًّا وصاحبُهُ معرفةٌ.
وأجازَ يونسُ والبغداديون تعريفَهُ مطلقًا بلا تأويلٍ فأجازوا: "جاءَ زيدٌ الراكبَ".
وفَصَّلَ الكوفيون فقالوا: إنْ تضمنتِ الحالُ معنى الشرطِ صحَّ تعريفُهَا لفظًا نحوَ: "عبدُ اللَّهِ المحسنَ أفضَلُ منه المُسيءَ" فـ "المحسنَ" و"المسيءَ" حالانِ وصحَّ مجيئُهُمَا بلفظِ المعرفةِ لتأولِهِمَا بالشرطِ إذِ التقديرُ: عبدُ اللَّهِ إذا أحسنَ أفضلَ منه إذا أساءَ فإن لم تتضمنِ الحالُ معنى الشرطِ لم يصحَّ مجيئُهَا بلفظِ المعرفةِ فلا يجوزُ: "جاءَ زيدٌ الراكبَ" إذْ لا يصحَّ: "جاءَ زيدٌ إنْ رَكِبَ".
تنبيهٌ: إذا قلتَ: "رأيتُ زيدًا وحدَهُ" فمذهبُ سِيبَوَيْه أن "وحدَهُ" حالٌ مِنَ الفاعلِ وأجازَ المُبَرِّدُ أن يكونَ حالًا مِنَ المفعولِ وقالَ ابنُ طَلْحَةَ: يتعينُ كونُهُ حالًا مِنَ المفعولِ لأنه إذا أرادَ الفاعلَ يقولُ: "رأيتُ زيدًا وحدِي" وصِحَّةُ "مررتُ برجلٍ وحدَهُ" – وبِهِ مَثَّلَ سِيبَوَيْه – تدلُّ على أنه حالٌ مِنَ الفاعلِ وأيضًا فهو مصدرٌ أو نائبُ المصدرِ والمصادرُ في الغالبِ إنما تجيءُ أحوالًا مِنَ الفاعلِ. وذَهَبَ يونسُ إلى أنه منتصبٌ على الظرفيةِ لقولِ بعضِ العربِ: "زيدٌ وحدَهُ" ولتقديرِ: زيدٌ موضِعَ التَّفَرُّدِ.
337 - وَمَصْدَرٌ مُنَكَّرٌ حالاً يَقَعْ = بِكَثْرَةٍ كَبَغْتَهً زَيْدٌ طَلَعْ
و"جاءَ زيدٌ ركْضًا" و"قتلتُه صبًرا" وهو عند سيبويهِ والجمهورِ على التأويلِ بالوصفِ: أي: بَاغِتًا وراكضًا ومصبورًا أي: محبوسًا.
وذهبَ الأخفشُ والمبرِّدُ إلى أن نحوَ ذلكَ منصوبٌ على المصدريَّةِ ، والعاملُ فيه محذوفٌ والتقديرُ: طلَعَ زيدٌ يبغَتُ بَغْتَةً، وجاءَ يركضُ رَكْضًا وقتلتُه يصبُر صبرًا ، فالحالُ عندهما الجملةُ لا المصدرُ.
وذهبَ الكوفيونَ إلى أنه منصوبٌ على المصدريَّةِ ، كما ذهبَا إليه ، لكن الناصبُ عندهم الفعلُ المذكورُ لتأولِّهِ بفعلٍ من لفظِ المصدرِ فـ"طلعَ زيدٌ بغتةً"، عندهم في تأويل: "بغَتَ زيدٌ بغتةً" و"جاءَ ركضًا" في تأويلِ: ركضَ ركضًا و"قتلتُه صبرًا" في تأويلِ: صبرْتُه صبرًا.
وقيلَ: هي مصادرُ على حذف ِمصادرِ ، والتقديرُ : طلَع زيدٌ طلوعَ بغتةٍ، وجاء مجيءَ ركضٍ ، وقتلتُه قتلَ صبرٍ.
وقيل: هي مصادرُ على حذفِ مضافٍ ، والتقديرُ: طلعَ ذا بغتةٍ ،وجاءَ ذا ركضٍ وقتلتُه ذا صبرٍ
تنبيهانِ: الأَوَّل مع كونِ المصدرِ المنكَّرِ يقعُ حالاً بكثرةٍ هو عندهم مقصورٌ على السماعِ.
وقاسَه المبرِّدُ فقيلَ: مطلقًا وقيلَ: فيما هو نوعٌ من عاملِه نحو: "جاءَ زيدٌ سرعةً" وهو المشهورُ عنه.
وقاسَه الناظمُ وابنُه في ثلاثةٍ:
الأَوَّل: قولُهم "أنتَ الرجُلُ علمًا" فيجوزُ: أنتَ الرجُلُ أدبًا ونبلاً والمعنى الكاملُ في حالِ علمٍ وأدبٍ ونبلٍ وفي الارتشافِ "يحتملُ عندي أن يكونَ تمييزاً".
الثاني: نحوَ: "زيدٌ زُهَيْرًا شعرًا" قال في (الارتشافِ): "والأظهرُ أنَّ يكونَ تمييزًا".
الثالثُ: نحوَ: "أمّا علمًا فَعَالِمٌ" تقولُ ذلك لمِنَ وُصفَ عندك شخصًا بعلمٍ وغيرِه مُنكِرًا عليه وصفَه بغيرِ العلمِ ، والناصبُ لهذه الحالِ هو فعلُ الشرطِ المحذوفِ ، وصاحبُ الحالِ هو المرفوعُ به ، والتقديرُ: مهما يذكرُ إنسانٌ في حالِ عِلْمٍ فالمذكورُ عَالِمٌ ويجوزُ أن يكونَ ناصبُها ما بعدَ الفاءِ وصاحبُها الضميرَ المستكِنَّ فيه ، وهي على هذا مؤكَّدةٌ والتقديرُ: مهما يكُنْ مِنْ شيءٍ ، فالمذكورُ عالِمٌ في حال علمٍ.
فلو كانَ ما بعدَ الفاءِ لا يعملُ فيما قبلَها، نحو: "أمَّا علمًا فهو ذو علمٍ" تعيَّنَ الوجهُ الأَوَّل.
فلو كانَ المصدرُ التالي لـ "أمَّا" معرَّفًا بـ "أل" فهو عند سيبويهِ مفعولٌ له.
وذهبَ الأخفشُ إلى أنَّ المُنَكَّرَ والمُعَرَّفَ كليهما بعد "أمَّا" مفعولٌ مطلقٌ.
وذهبَ الكوفيونَ – على ما نقلَه ابنُ هشامٍ – إلى أنَّ القسمينِ مفعولٌ به بفعلٍ مقدَّرٍ ، والتقديرُ: مهما تَذْكُرْ علمًا أو العلمَ ، فالذي وُصفَ عالمٌ.
قالَ في شرحِ التسهيلِ: "وهذا القولُ عندي أوْلى بالصوابِ وأحقُّ ما اعْتُمِدَ عليه في الجوابِ".
الثاني: أشعَرَ كلامُه أنَّ وقوعَ المصدرِ المعرَّفِ حالاً قليلٌ وهو كذلك ، وذلك ضربانِ: عَلَمُ جنسٍ نحوَ قولِهم : "جاءَتِ الخيلُ بَدَادِ"، ومعرَّفٌ بـ "ألْ" نحو: "أرسلَها العِرَاكِ" والصحيحُ أنَّه على التأويلِ بمتبدِّدةٍ ومعترِكةٍ كما مرَّ.

  #5  
قديم 24 ذو الحجة 1429هـ/22-12-2008م, 02:26 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي دليل السالك للشيخ: عبد الله بن صالح الفوزان


الحالُ
تعريفُ الحالِ

331- الحالُ وَصْفٌ فَضْلَةٌ مُنْتَصِبُ = مُفْهِمُ في حالٍ كفَرْداً أَذْهَبُ
الحالُ نَوعانِ:
1- حال مُؤَكِّدَةٌ: وهي التي لا تُفيدُ معنًى جَديداً سوى التوكيدِ ويأتي ذكْرُها في آخِرِ البابِ.
2- حالٌ مُؤَسِّسَةٌ أو مُبَيِّنَةٌ: وهي:
وصْفٌ فَضْلَةٌ مَنصوبٌ يُبَيِّنُ هَيْئَةَ صاحبِه عندَ وُقوعِ الفِعْلِ.
والمرادُ بالوصْفِ: ما دَلَّ على معنًى وذاتٍ كـ (راكِبٍ وفَرِحٍ ومَسرورٍ) ونحوِها، والوصْفُ جنْسٌ يَشملُ الحالَ والخبرَ والنعْتَ.
والمرادُ بالفَضْلَةِ هنا، ما ليس رُكْناً في الإسنادِ، وأصْلُ الفَضلةِ: ما يُمْكِنُ الاستغناءُ عنه غالِباً كالْمَفاعيلِ.
ومعنى: يُبَيِّنُ هيئةَ صاحبِه: صاحبُ الحالِ هو ما يُبَيِّنُ الحالُ هيئتَه؛ كالفاعلِ أو نائبِ الفاعلِ أو المفعولِ به وغيرِها، والمرادُ بيانُ صِفتِه وقتَ وُقوعِ الفعْلِ، وتُعرَفُ الدَّلالةُ على الهيئةِ بوضْعِ سُؤالٍ مُصَدَّرٍ بـ (كيفَ؟) يكونُ جوابُه لفْظُ الحالِ.
مِثالُ ذلك: حَضَرَ الضيفُ ماشِياً، فـ (ماشِياً) حالٌ مِن الفاعِلِ، وهو وصْفٌ لأنه اسمُ فاعلٍ، وفَضْلَةٌ: لأنه ليس رُكْناً في الإسنادِ، فهو زائدٌ على المسنَدِ (حَضَرَ) والمسنَدُ إليه (الضيْفُ) وبَيَّنَ هيئةَ الاسمِ الذي قَبْلَه، فيَصِحُّ أنْ يُقالَ: كيف جاءَ الضيْفُ؟ فيُقالُ: ماشِياً، ومِن أَمْثِلَةِ ذلك قولُه تعالى: {وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ} فـ (مُخْلِصِينَ) حالٌ مِن الفاعلِ وهو الواوُ، وقولُه تعالى: {فَبَعَثَ اللهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرَينَ وَمُنْذِرِينَ} فـ (مُبَشِّرِينَ ومُنْذِرِينَ) حالٌ مِن المفعولِ (النَّبِيِّينَ) وقولُه تعالى: {فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلاَلاً طَيِّباً} فـ (حَلالاً طَيِّباً) حالانِ مِن الموصولِ المجرورِ.
وخَرَجَ بذكْرِ الوصْفِ، نحوُ: رَجعتُ القَهْقَرَى، فإنه وإن كان مُبَيِّناً لهيئةِ الفاعلِ، إلاَّ أنه ليس بوَصْفٍ بل هو اسمٌ للرجوعِ إلى الْخَلْفِ.
وخَرَجَ بذكْرِ الفَضلةِ: الوصْفُ الواقعُ عُمدةً كالخبَرِ، نحوُ: عِمادٌ مَسرورٌ.
وبذِكْرِ الدَّلالةِ على الهيئةِ، التمييزُ المشتَقُّ، نحوُ: للهِ دَرُّه فَارِساً؛ فإنه تَمييزٌ لا حالٌ إذ لم يُقْصَدْ به الدَّلالةُ على الهيئةِ، بل التعَجُّبُ مِن فُروسيَّتِه، ووَقَعَ بيانُ الهيئةِ ضِمْناً.
وكذا النعْتُ المنصوبُ، نحوُ: رأيتُ رَجُلاً واقِفاً، فإنه لم يُسَقْ لبيانِ الهيئةِ، وإنما لتخصيصِ المنعوتِ، ووَقَعَ بيانُ الهيئةِ ضِمْناً.
وهذا معنى قولِه: (الحالُ وَصْفٌ... إلخ) أيْ: إنَّ الحالَ هو الوصْفُ المشتَقُّ الفَضْلَةُ المنتَصِبُ للدَّلالةِ على هيئةِ صاحبِه وصِفَتِه، مِثلُ: فَرْداً أَذْهَبُ، ففَرداً حالٌ بمعنى مُنْفَرِداً، وفيه القُيودُ المذكورةُ، وقد أفادَ الْمِثالُ جوازَ تقديمِ الحالِ على عامِلِها، وسيأتي إنْ شاءَ اللهُ.
وقولُه: (مُفْهِمُ) يُقرأُ بلا تَنوينٍ لأنه على حَذْفِ المضافِ إليه، وكذا: (في حالٍ) لأنَّ المضافَ إليه مَنْوِيُّ الثبوتِ، أيْ: مُفْهِمٌ معنًى في حالِ كذا، واعلَمْ أنَّ لفْظَ (حالٍ) يَجُوزُ في لفْظِه وضميرِه ووَصْفِه وغيرِ ذلك التذكيرُ والتأنيثُ، والأحسَنُ في لفْظِه التذكيرُ، وفي ضميرِه ووصْفِه التأنيثُ، وقد وَرَدَ الاستعمالانِ في النظْمِ فتأمَّلْ ذلك في الأبياتِ الآتيةِ في هذا البابِ.
أوصافُ الحالِ:
1- مُنْتَقِلَةٌ. 2- مُشْتَقَّةٌ.
332- وكونُه مُنْتَقِلاً مُشْتَقًّا = يَغْلِبُ لكن ليس مُسْتَحَقًّا
للحالِ أربعةُ أوصافٍ:
الأوَّلُ: أنْ تكونَ مُنْتَقِلَةً لا ثابِتَةً، وهذا غالِبٌ لا لازِمٌ، والْمُنْتَقِلَةُ: هي التي تُبَيِّنُ هيئةَ صاحبِها مُدَّةً مُؤَقَّتَةً، نحوُ: جاءَ بَكْرٌ ضاحِكاً، رأيتُ زِياداً واقِفاً.
والثابتةُ: هي الملازِمَةُ لصاحِبِها لا تُفَارِقُه، وتَقَعُ الحالُ وصْفاً ثابِتاً في ثلاثِ مَسائلَ:
الأوَّلُ: أنْ يَدُلَّ عامِلُها على تَجَدُّدِ صاحبِها، بأن يكونَ صاحبُها فرداً مِن نَوْعٍ يَسْتَمِرُّ فيه الخلْقُ والإيجادُ، نحوُ: خَلَقَ اللهُ الزَّرَافَةَ يَدَيْهَا أطْوَلَ مِن رِجْلَيْهَا، فـ (يَدَيْهَا) بدَلُ بعضٍ و (أَطْوَلَ) حالٌ مُلازِمَةٌ لـ (يَدَيْهَا) والعاملُ: خَلَقَ، وهو يَدُلُّ على تَجَدُّدِ هذا المخلوقِ.
أيْ: إيجادُ أمثالِه، واستمرارُ هذا الإيجادِ في الأزمنةِ الْمُقْبِلَةِ ـ ومنه قولُه تعالى: {وَخُلِقَ الْإِنسَانُ ضَعِيفاً}.
الثانيةُ: أنْ تكونَ الحالُ مُؤَكِّدَةً إمَّا لعَامِلِها كقولِِه تعالى: {وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولاً} أو لصاحبِها كقولِِه تعالى: {لَآمَنَ مَن فِي الْأَرْضِ كُلُّهُم جَمِيعاً}.
أو مُؤَكِّدَةً لمضمونِ جُملةٍ قَبْلَها بشَرْطِ أنْ يكونَ هذا المضمونُ أمْراً ثابتاً مُلازِماً في الغالِبِ، فيَتَّفِقُ معنى الحالِ ومضمونِ الجملةِ، نحوُ: هشامٌ أبوك عَطوفاً، فـ (عطوفاً)، حالٌ مِن (أبٌ) الذي هو صاحبُها، ومعنى هذه الحالِ، وهو (العطْفُ) يُوافِقُ المعنى الضِّمْنِيَّ للجُملةِ التي قَبْلَها؛ لأنَّ مَضمونَ الْجُملةِ (هِشامٌ أَبوكَ) أنه عَطوفٌ.. وهذا أمْرٌ ثابتٌ
ومُلازِمٌ في الغالِبِ فاتَّفَقَ معنى الحالِ ومضمونُ الْجُملةِ.
الثالثةُ: في أمثلةٍ مَسموعةٍ لا ضابِطَ لها كقولِهم: دَعَوْتُ اللهَ سَميعاً، وقولِه تعالى: {شَهِدَ اللهُ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلاَئِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِماً بِالْقِسْطِ} فـ (قائماً) حالٌ لازِمَةٌ.
الوصْفُ الثاني للحالِ: أنْ تكونَ مُشْتَقَّةً لا جامِدَةً وهذا ـ أيضاً ـ غالبٌ لا لازِمٌ، فتَقَعَ الحالُ جَامِدَةً.
وهي نوعانِ:
1- جامدةٌ مُؤَوَّلَةٌ بالْمُشْتَقِّ وَأَشْهَرُ مَوَاضِعِها أربعةٌ، ذَكَرَ ابنُ مالِكٍ منها ثلاثةً فقالَ:
مَجيءُ الحالِ جامِدَةً
333- ويَكْثُرُ الْجُمودُ في سِعْرٍ وَفِي = مُبْدِي تَأَوُّلٍ بلا تَكَلُّفِ
334- كبِعْهُ مُدًّا بكذا يَداً بِيَدْ = وَكَرَّ زَيْدٌ أَسداً أيْ كأسَدْ
فالأوَّلُ: أنْ تَدُلَّ على تَشبيهٍ، نحوُ: هَجَمَ القائدُ على العدوِّ أسداً.
فـ (أسداً) حالٌ مِن الفاعِلِ، وهي جامِدَةٌ مُؤَوَّلَةٌ بالمشتَقِّ، أيْ: شُجاعاً أو مُشْبِهاً الأَسَدَ.
الثاني: أنْ تَدُلَّ على مفاعَلَةٍ (أيْ وُقوعِ الفعْلِ مِن شَخصينِ)، نحوُ: سلَّمْتُ البائعَ نُقودَه يَداً بِيَدٍ، فـ (يَداً) حالٌ مِن الفاعلِ والمفعولِ معاً، وهي جامِدَةٌ مُؤَوَّلَةٌ بالْمُشْتَقِّ؛ لأنَّ معناها مقَابَضَةٌ، وتأويلُها، مُقَابِضِينَ، ونحوُ كَلَّمْتُ الصديقَ فاهُ إلى فِيّ، أيْ: (فَمُه إلى فَمِي) فـ (فاهُ) حالٌ مِن الفاعلِ والمفعولِ معاً، وهي جامِدَةٌ مُؤَوَّلَةٌ بالمشتَقِّ؛ لأنَّ معناها مُشافَهَةً، وتأويلُها: مشَافِهِينَ.
الثالثُ: أنْ تَدُلَّ على سِعْرٍ، نحوُ: بِعِ القمْحَ صَاعاً بثلاثةٍ، أيْ: مُسَعَّراً كلَّ صاعٍ بثلاثةٍ.
الرابعُ: أنْ تَدُلَّ على ترتيبٍ، نحوُ: خرَجَ الطلابُ ثلاثةً ثلاثةً، أيْ: خَرَجُوا متَرَتِّبِينَ، ونحوُ: تَعَلَّمُوا المسائلَ واحدةً واحدةً، أيْ: متَرَتِّبَاتٍ.
وضابِطُ هذا النوعِ: أنْ يُذْكَرَ المجموعُ أوَّلاً ثم يُفْصَلَ هذا المجموعُ بذكْرِ بعْضِه مُكَرَّراً، ومِن مجموعِ الكَلِمَتَيْنِ الْمُكَرَّرَتَيْنِ تَنشأُ الحالُ الْمُؤَوَّلَةُ الدالَّةُ على الترتيبِ، ولا يَحْدُثُ الترتيبُ مِن حالٍ واحدةٍ فَقَطْ.
أمَّا الإعرابُ فاللفْظُ الأوَّلُ: حالٌ مِن الفاعِلِ وهو (الطُّلاَّبُ) والثاني الْمُكَرَّرُ تَوكيدٌ لَفْظِيٌّ، أو معطوفٌ على الأوَّلِ بعاطِفٍ مُقَدَّرٍ هو (الفاءُ) أو (ثُمَّ).
وهذا معنى قولِه: (ويَكْثُرُ الجمودُ في سِعْرٍ... إلخ) أيْ: يَكْثُرُ مَجيءُ الحالِ جامِدَةً (في سِعْرٍ) أيْ: في الأشياءِ التي تُسَعَّرُ (وفي مُبْدِي تَأَوُّلٍ بلا تَكَلُّفِ) أيْ: في كلِّ مَوْضِعٍ يَظهَرُ تأويلُ الحالِ بالمشتَقِّ بلا تَكَلُّفٍ، ومِن ذلك ما دَلَّ على سِعْرٍ ـ كما ذَكَرَ ـ ويكونُ قولُه: (وفي مُبْدِي...) معطوفاً على ما قَبْلَه مِن عَطْفِ العامِّ على الخاصِّ، ثم مَثَّلَ للمُبْدِي التأوَّلَ دونَ تَكَلُّفٍ فقالِ: (كبِعْهُ مُدًّا بكذا... إلخ)، فذَكَرَ ثلاثةَ أنواعٍ كما شَرَحْنَا.
النوعُ الثاني مِن الحالِ الجامِدَةِ: غيرُ مُؤَوَّلَةٍ بالمشتَقِّ، وهذا لم يَتعرَّضْ له ابنُ مالكٍ، ولكنْ نَذْكُرُ أهمَّ مَوَاضِعَه مِن بابِ إتمامِ الموضوعِ:
فالأوَّلُ: أنْ تكونَ الحالُ الجامدةُ مَوصوفةً بِمُشْتَقٍّ، نحوُ: وَقَفَ سُورُ البلَدِ سدًّا حائِلاً فـ (سدًّا) حالٌ جامِدَةٌ وُصِفَتْ بالمشتَقِّ (حائلاً) ومنه قولُه تعالى: {فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَراً سَوِيًّا} فـ (بَشَراً) حالٌ مِن فاعلِ تَمَثَّلَ، و(سَوِيًّا) صِفةٌ.
وهذه الحالُ الجامدةُ تُسَمَّى (الحالَ الْمُوَطِّئَةَ) بكسْرِ الطاءِ أي: الْمُمَهِّدَةِ لِمَا بَعْدَها؛ لأنها تُمَهِّدُ الذهْنَ وتُهَيِّئُه لِمَا يَجيءُ بعدَها مِن الصفةِ التي لها الأَهَمِّيَّةُ الأُولَى دُونَ الحالِ، فإنَّ الحالَ غيرُ مقصودةٍ، بل هي وَسيلةٌ إلى النعتِ الذي بَعْدَها.
الثاني: أنْ تكونَ الحالُ دالَّةً على عددٍ، نحوُ: انتهى الشهْرُ ثلاثينَ يَوْماً، ومنه قولُه تعالى:{فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً} فـ (أَربعينَ) حالٌ مِن (مِيقاتُ) و (لَيْلَةً) تَمييزٌ.
الثالثُ: أنْ تكونَ نَوْعاً مِن أنواعِ صاحبِها الْمُتَعَدِّدَةِ، نحوُ: هذه أموالُكَ بُيوتاً، فـ (بيوتاً) حالٌ مِن (أموالٌ) والأموالُ أنواعٌ مُتَعَدِّدَةٌ، وهذه منها.
الرابعُ: أنْ تكونَ فَرْعاً لصاحبِها، نحوُ: لا أَرْغَبُ في الذهَبِ خاتَماً.
ومنه قولُه تعالى: {وَتَنْحِتُونَ الْجِبَالَ بُيُوتاً} فـ (بُيُوتاً) حالٌ مِن الجبالِ وهي فَرْعٌ منها.
الخامِسُ: أنْ تكونَ أَصْلاً لصاحِبِها، نحوُ: لا أَرْغَبُ في الخاتَمِ ذَهَباً، ومنه قولُه تعالى: {أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِيناً} فـ (طِيناً) حالٌ مِن مفعولِ (خَلَقْتَ) المحذوفِ أيْ: خَلقْتَه، والطينُ أصْلٌ للمخلوقِ.
مِن أوصافِ الحالِ:
3- أنها لا تَكونُ إلاَّ نَكِرَةً
335- والحالُ إن عُرِّفَ لَفْظاً فاعْتَقِدْ = تَنكيرَه معنًى كوَحْدَكَ اجْتَهِدْ
الوَصْفُ الثالثُ مِن أوصافِ الحالِ: أنَّ الحالَ لا تكونُ إلاَّ نَكِرَةً أو ما هو بِمَنْزِلَةِ النكرةِ كالجملةِ الواقِعَةِ حالاً، وستأتي إنْ شاءَ اللهُ، وهذا لازِمٌ، كما في الأمثلةِ الْمُتَقَدِّمَةِ، وقد وَرَدَتْ مَعرِفَةً في ألفاظٍ مَسموعةٍ لا يُقاسُ عليها: ولا يَجُوزُ الزيادةُ فيها ـ ومنها كَلِمَةُ (وَحْدَ) في نحوِ: جاءَ الضيْفُ وحْدَه، وقالوا: جَاؤُوا الْجَمَّاءَ الغفيرَ، وادْخُلُوا الأوَّلَ فالأوَّلَ، ورَجَعَ عَوْدَه على بَدْئِه، فـ (وَحْدَه) و (الْجَمَّاءَ) و(الأوَّلَ فالأوَّلَ) و(عَوْدَه) أحوالٌ، وهي معارِفُ فأَوَّلَها النُّحاةُ بنَكِرَةٍ، أيْ: مُنْفَرِداً، جَميعاً، مُتَرَتِّبِينَ، عائِداً.
وهذا معنى قولِه: (والحالُ إن عُرِّفَ لَفْظاً) أيْ: إنْ جاءَ الحالُ مَعْرِفَةً في لسانِ العرَبِ، فهو نَكِرَةٌ في المعنَى.
مِن أوصافِ الحالِ

4- أنها نَفْسُ صاحِبِها في المعنى وقد تَكونُ مَصْدَراً
336- ومَصْدَرٌ مُنَكَّرٌ حالاً يَقَعْ = بِكثرةٍ كبَغْتَةً زيدٌ طَلَعْ
الوصْفُ الرابعُ مِن أوصافِ الحالِ: أنْ تكونَ نفْسَ صاحِبِها في المعنى، وهذا هو الغالبُ كالحالِ الْمُشْتَقَّةَ، نحوُ: جاءَ خالِدٌ مَسروراً، فالمسرورُ هو خالِدٌ، وخالِدٌ هو المسرورُ.
وغيرُ الغالِبِ أنْ تكونَ مخالِفَةً له كالحالِ الواقعةِ مَصْدَراً، نحوُ: خرَجَ عصامٌ جَرْياً، فإنَّ الْجَرْيَ ليس هو عِصامٌ وعصامٌ ليس هو الجرْيُ.
وقد كَثُرَ مَجيءُ الحالِ مَصْدَراً نَكِرَةً، وَرَدَ ذلك في كتابِ اللهِ تعالى، وفي كلامِ العرَبِ، قالَ تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْماً} وقالَ تعالى: {لاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهاً} وقالَ تعالى: {ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْياً} وقالَ تعالى: {ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَاراً} وقالَ تعالى: {يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً} وقالَ تعالى: {وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً} فـ (ظُلْماً) و (كَرْهاً) و (سَعْياً) و(جَهَاراً) و (خَوْفاً وطَمَعاً) و (طَوْعاً وكَرْهاً) أحوالٌ وكلُّها مصادِرُ، ورُوِيَ عن العرَبِ أنهم كانوا يقولونَ: قَتَلْتُهُ صَبْراً، وأتيتُه رَكْضاً، ولَقِيتُه فَجْأَةً، وكَلَّمَهُ مُشافَهَةً، وطَلَعَ علينا بَغْتَةً.
والصحيحُ أنَّ ذلك مَقيسٌ لكثرةِ ما وَرَدَ منه، ولا دَاعِيَ للتأويلاتِ التي وَرَدَتْ في كُتُبِ النحوِ، وقولُهم: إنَّ ذلك لا يُقاسُ عليه لِمَجِيئِه على خِلافِ الأصْلِ، غيرُ مقبولٍ فإنَّ كَثْرَتَها تُبيحُ القياسَ، وما الذي يُقاسُ عليه إذا لم تكنْ هذه الشواهِدُ دَاعيةً للقِياسِ عليها؟
وهذا معنى قولِه: (ومَصْدَرٌ مُنَكَّرٌ حالاً يَقَعْ.. إلخ) أيْ: إنَّ المصدَرَ المنكَّرَ ـ أيْ: النَّكِرَةَ ـ يَقَعُ حالاً بكثْرَةٍ ثم ذَكَرَ الْمِثالَ.

موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
الحال

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 03:19 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir