الفوائد المنتقاة من درس يوم الأحد 5/22
المراد بالبسملة هنا قول (بسم الله الرحمن الرحيم)
ولا خلاف في أن البسملة بعض آية في سورة النمل في قوله تعالى: {إنه من سليمان وإنه بسم الله الرحمن الرحيم}، وإنما اختلفوا فيما عدا ذلك، وهو عدّ البسملة في أول كل سورة عدا سورة براءة على أقوال:
القول الأول: لا تعدّ آيةً من سورة الفاتحة، ولا من أوّل كلّ سورة، وهذا قول أبي حنيفة والأوزاعي ومالك.
والقول الثاني: أنها آية في سورة الفاتحة دون سائر سور القرآن الكريم، وعليه العدّ الكوفي والمكي ، وهو رواية عن الشافعي.
والقول الثالث: أنها آية في أول كل سورة عدا سورة براءة، وهو قول سفيان الثوري وعبد الله بن المبارك وأصحّ الروايات عن الشافعي، ورواية عن أحمد، ورجَّحه النووي.
القول الرابع: أنها آية من الفاتحة، وجزء من الآية الأولى من كل سورة عدا سورة براءة، وهو رواية عن الشافعي، وقول لبعض الشافعية حكاه الرازي في تفسيره، وذكره شيخ الإسلام وابن كثير وابن الجزري، وهو قول ضعيف.
القول الخامس: أنها آية مستقلة في أول كل سورة وليست من السور ، فلا تعد مع آيات السور، وهو رواية عن أحمد، وقول لبعض الحنفية.
وهذا اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية وقال: (هو أوسط الأقوال وبه تجتمع الأدلة فإن كتابة الصحابة لها في المصاحف دليل على أنها من كتاب الله، وكونهم فصلوها عن السورة التي بعدها دليل على أنها ليست منها)ا.ه.
وأصل الخلاف في هذه المسألة راجع إلى اختيار كلّ إمام للقراءة التي يقرأ به.
تفسير البسملة
اختلف اللغويون في معنى الباء في (بسم الله) على أقوال أقربها للصواب أربعة أقوال، وهي أشهر ما قيل:
القول الأول: الباء للاستعانة.
والقول الثاني: الباء للابتداء،.
والقول الثالث: الباء للمصاحبة والملابسة.
والقول الرابع: الباء للتبرك.
والأظهر عند المؤلف أن هذه المعاني الأربعة كلها صحيحة لا تعارض بينها، وما ذكر من اعتراضات على بعض هذه الأقوال فله توجيه يصحّ به القول.
واتفقت المصاحف على حذف الألف في كتابة (بسم الله( في فواتح السور.
وتقدير متعلق الجار والمجرور المحذوف في قوله تعالى: {بسم الله}
الجار والمجرور متعلق بمحذوف مؤخَّر، يقدّر في كلّ موضع بما يناسبه، فإذا قرأت قدّرته باسم الله أقرأ، وإذا كتبت قدّرته باسم الله أكتب.
ومن أهل العلم من يقدّر المحذوف بحسب اختياره في معنى الباء؛ فيقول من رأى الباء للابتداء: التقدير: باسم الله أبدأ، أو باسم الله ابتدائي.
وسبب حذف متعلّق الجار والمجرور:
خلاصة ما ذكره النحاة من أسباب حذف متعلّق الجار والمجرور ثلاثة:
الأول: تقديم اسم الله تعالى فلا يُقدّم عليه شيء.
والثاني: التخفيف لكثرة الاستعمال.
والثالث: ليصلح تقدير المتعلّق المحذوف في كلّ موضع بحسبه.
و اختلف في اشتقاق معنى الإسم على قولين:
القول الأول: مشتقّ من السمو، والسموّ الرفعة، وهو القول المشهور عن البصريين.
والقول الثاني: مشتقّ من السِّمَة، وهي العلامة، فكأنّ الاسم علامة على المسمّى، وهذا القول مشهور عن الكوفيين.
والاسم دالٌّ على المسمّى، فألفاظ اسم "زيد" ليست هي نفسها شخص "زيد" ، وإنّما يدلّ اسم "زيد" على من سُمِّيَ به.
والكلام العربي يقع فيه التوسّع وتعدد الاعتبارات، فيُذكر الاسم أحياناً ويراد به المسمَّى به، باعتبار أنَّه دالّ عليه، كما في قوله تعالى: {سبّح اسم ربّك الأعلى} فكان النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (سبحان ربي الأعلى) ولم يقل: (سبحان اسم ربي..).
ويذكر أحياناً ويراد به الاسم نفسه كما يقال: الرحمن اسم عربي.
فالقول بأنّ الاسم هو المسمّى مطلقاً خطأ.
وكذلك القول بأنَّ الاسم غير المسمَّى مطلقاً خطأ.
واسم (الله) هو الاسم الجامع للأسماء الحسنى، وهو أخصّ أسماء الله تعالى؛ وأعرف المعارف على الإطلاق.
ومعنى اسم (الله) يشتمل على معنيين عظيمين متلازمين:
المعنى الأول: هو الإله الجامع لجميع صفات الكمال والجلال والجمال؛ فهذا الاسم يدلّ باللزوم على سائر الأسماء الحسنى.
والمعنى الثاني: هو المألوه أي المعبود الذي لا يستحق العبادة أحد سواه، كما قال تعالى: {وهو الله في السموات وفي الأرض} أي: المعبود في السماوات والمعبود في الأرض.
والعبادة لا تسمى عبادة حتى تجتمع فيها ثلاثة أمور:
الأمر الأول: المحبة العظيمة، فالعبادة هي أعظم درجات المحبة.
الأمر الثاني: التعظيم والإجلال.
الأمر الثالث: الذل والخضوع والانقياد.
وهذه الأمور الثلاثة (المحبة والتعظيم والانقياد) هي معاني العبادة ولوازمها التي يجب إخلاصها لله عز وجل، فمن جمع هذه المعاني وأخلصها لله فهو من أهل التوحيد والإخلاص.
(الرحمن) ذو الرحمة الواسعة التي وسعت كل شيء، وبناء هذا الاسم على وَزن "فَعْلان" يدلّ على معنى السعة وبلوغ الغاية، وهو اسم مختصّ بالله تعالى، لا يُسمَّى به غيره.
(الرحيم) فعيل بمعنى فاعل، أي: راحم، ووزن فعيل من أوزان المبالغة؛ والمبالغة تكون لمعنى العظمة ومعنى الكثرة.
والله تعالى هو الرحيم بالمعنيين؛ فهو عظيم الرحمة، وكثير الرحمة.
واختلف العلماء في سبب اقتران هذين الاسمين، وكثرة تكررهما مقترنين، على أقوال أحسنها وأجمعها:
قول ابن القيم رحمه الله تعالى: ( (الرحمن) دالٌّ على الصفة القائمة به سبحانه، و(الرحيم) دال على تعلقها بالمرحوم؛ فكان الأول للوصف والثاني للفعل،
فالأول دال على أن الرحمة صفته.
والثاني دال على أنه يرحم خلقه برحمته.
وإذا أردت فهم هذا فتأمل قوله تعالى: {وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا} ، {إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} ولم يجئ قط رحمن بهم، فعلم أن "رحمن" هو الموصوف بالرحمة، و"رحيم" هو الراحم برحمته)ا.هـ.
والله الموفق