دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > الأقسام العامة > الأقسام العلمية العامة > القراءة المنظمة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 14 ربيع الثاني 1431هـ/29-03-2010م, 04:58 AM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,453
افتراضي تطبيق9: رسالة في التوبة لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله

التطبيق التاسع من تطبيقات الدرس الأول: رسالة في التوبة لشيخ الإسلام أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية الحراني (ت:728هـ) رحمه الله تعالى.

المطلوب: تلخيص مقاصد الرسالة وبيان شيء من سنادها.
***
قال رحمه الله تعالى: (الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله وكفى بالله شهيدا صلى الله عليه وعلى آله وسلم تسليماً.
قال الله تعالى: {آلر كتاب أحكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير ألا تعبدوا إلا الله إنني لكم منه نذير وبشير وأن استغفروا ربكم ثم توبوا إليه يمتعكم متاعا حسنا إلى أجل مسمى ويؤت كل ذي فضل فضله وإن تولوا فإني أخاف عليكم عذب يوم كبير} [سورة هود: 1- 3]
وقال تعالى: {قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم وأنيبوا إلى ربكم وأسلموا له من قبل أن يأتيكم العذاب ثم لا تنصرون واتبعوا أحسن ما أنزل إليكم من ربكم من قبل أن يأتيكم العذاب بغتة وأنتم لا تشعرون} الآيات [سورة الزمر 53- 55]
وقال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا توبوا إلى الله توبة نصوحا عسى ربكم أن يكفر عنكم سيئاتكم ويدخلكم جنات تجري من تحتها الأنهار يوم لا يخزي الله النبي والذين آمنوا معه نورهم يسعى بين أيديهم وبأيمانهم} الآية [سورة التحريم: 8]
وقال تعالى: {وتوبوا إلى الله جميعا أيها المؤمنون لعلكم تفلحون} [سورة النور: 31]
وقال تعالى: {لقد تاب الله على النبي والمهاجرين والأنصار الذين اتبعوه في ساعة العسرة من بعد ما كاد يزيغ قلوب فريق منهم ثم تاب عليهم إنه بهم رءوف رحيم (117) وعلى الثلاثة الذين خلفوا حتى إذا ضاقت عليهم الأرض بما رحبت وضاقت عليهم أنفسهم وظنوا أن لا ملجأ من الله إلا إليه ثم تاب عليهم ليتوبوا إن الله هو التواب الرحيم} [سورة التوبة: 117- 118]
وقال تعالى: {وقلنا يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة وكلا منها رغدا حيث شئتما ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين (35) فأزلهما الشيطان عنها فأخرجهما مما كانا فيه وقلنا اهبطوا بعضكم لبعض عدو ولكم في الأرض مستقر ومتاع إلى حين (36) فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه إنه هو التواب الرحيم} [سورة البقرة: 35- 37]
وقال تعالى في السورة الأخرى: {وناداهما ربهما ألم أنهكما عن تلكما الشجرة وأقل لكما إن الشيطان لكما عدو مبين قالا ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين} [سورة الأعراف: 22- 23]
وقال تعالى: {وعصى آدم ربه فغوى ثم اجتباه ربه فتاب عليه وهدى} [سورة طه:121 - 122]
وقال تعالى عن نوح أنه قال لقومه: {استغفروا ربكم إنه كان غفارا يرسل السماء عليكم مدرارا} الآية [سورة نوح:10- 11]
وقال عن نوح: {رب إني أعوذ بك أن أسألك ما ليس لي به علم وإلا تغفر لي وترحمني أكن من الخاسرين} [سورة هود:47]
وعن هود: {ويا قوم استغفروا ربكم ثم توبوا إليه يرسل السماء عليكم مدرارا ويزدكم قوة إلى قوتكم ولا تتولوا مجرمين} [سورة هود: 52]
وعن صالح: {فاستغفروه ثم توبوا إليه إن ربي قريب مجيب} [سورة هود: 61]
وكذلك قال شعيب: {واستغفروا ربكم ثم توبوا إليه إن ربي رحيم ودود} [سورة هود:90]
وقال إبراهيم عليه السلام: {ربنا اغفر لي ولوالدي وللمؤمنين يوم يقوم الحساب} [سورة إبراهيم:41]
وقال: {والذي أطمع أن يغفر لي خطيئتي يوم الدين} [سورة الشعراء: 82]
وقال: {وأرنا مناسكنا وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم} [سورة البقرة: 128]
وقال عن موسى عليه السلام: {فوكزه موسى فقضى عليه قال هذا من عمل الشيطان إنه عدو مضل مبين قال رب إني ظلمت نفسي فاغفر لي فغفر له إنه هو الغفور الرحيم} [سورة القصص: 15- 16]
وقال موسى: {رب اغفر لي ولأخي وأدخلنا في رحمتك وأنت أرحم الراحمين} [سورة الأعراف: 151]
وقال موسى: {سبحانك تبت إليك وأنا أول المؤمنين} [سورة الأعراف: 143]
وقال تعالى لموسى: {لا تخف إني لا يخاف لدي المرسلون إلا من ظلم ثم بدل حسنا بعد سوء فإني غفور رحيم}[سورة النمل: 10- 11]
وقال موسى: {أتهلكنا بما فعل السفهاء منا إن هي إلا فتنتك تضل بها من تشاء وتهدي من تشاء أنت ولينا فاغفر لنا وارحمنا وأنت خير الغافرين واكتب لنا في هذه الدنيا حسنة وفي الآخرة إنا هدنا إليك قال عذابي أصيب به من أشاء ورحمتي وسعت كل شيء فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة والذين هم بآياتنا يؤمنون الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل}الآية [سورة الأعراف 155- 157 ]
وقال لخاتم الرسل: {فاعلم أنه لا إله إلا الله واستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات} [سورة محمد: 19]
وقال: {إنا فتحنا لك فتحا مبينا ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر} [سورة الفتح: 1 -2 ]
وقال تعالى: {إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين} [سورة البقرة: 222]
وقال: {حم تنزيل الكتاب من الله العزيز العليم غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب ذي الطول لا إله إلا هو إليه المصير} [سورة غافر: 1 -3]
وقال تعالى: {وهو الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات ويعلم ما تفعلون ويستجيب الذين آمنوا وعملوا الصالحات ويزيدهم من فضله} [سورة الشورى: 25- 26]
وقال تعالى: {وآخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا عسى الله أن يتوب عليهم إن الله غفور رحيم خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وصل عليهم إن صلاتك سكن لهم والله سميع عليم ألم يعلموا أن الله هو يقبل التوبة عن عباده ويأخذ الصدقات وأن الله هو التواب الرحيم وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون وستردون إلى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون وآخرون مرجون لأمر الله إما يعذبهم وإما يتوب عليهم والله عليم حكيم} [سورة التوبة: 102- 106]
وفي صحيح مسلم عن أبي بردة عن الأغر عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال: (( يا أيها الناس توبوا إلى الله فإني أتوب إليه في اليوم مائة مرة ))
وعن أبي بردة عن الأغر المزني قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: ((إنه ليُغَان على قلبي وإني لأستغفر الله في اليوم مائة مرة))
وقال: ((إني لأستغفر الله وأتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين مرة))
وقال: ((إن الله تعالى يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل حتى تطلع الشمس من مغربها))
وقال: ((من تاب قبل أن تطلع الشمس من مغربها تاب الله عليه))
وقال: (( لله أشد فرحا بتوبة عبده حين يتوب إليه من أحدكم كان على راحلته بأرض فلاة فانفلتت منه وعليها طعامه وشرابه فأيس منها فأتى شجرة فاضطجع في ظلها قد أيس من راحلته فبينما هو كذلك إذا هو بها قائمة عنده فأخذ بخطامها ثم قال من شدة الفرح: (اللهم أنت عبدي وأنا ربك) أخطأ من شدة الفرح)) وهذا الحديث متواتر عن النبي صلى الله عليه وسلم رواه ابن مسعود والبراء بن عازب والنعمان بن بشير وأبو هريرة وأنس بن مالك؛ ففي الصحيحين عن ابن معسود قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لله أفرح بتوبة أحدكم من رجل خرج بأرض دوية مهلكة معه راحلته عليها طعامه وشرابه وزاده وما يصلحه فأضلها فخرج في طلبها حتى إذا أدركه الموت ولم يجدها قال أرجع إلى مكاني الذي أضللتها فيه فأموت فيه فأتى مكانه فغلبته عينه فاستيقظ فإذا راحلته عند رأسه عليها طعامه وشرابه وزاده وما يصلحه))
وفي السنن أنه صلى الله عليه و سلم قال: ((كل بني آدم خطاء وخير الخطائين التوابون))
وقال: (( إن العبد إذا أذنب نكتت في قلبه نكتة سوداء؛ فإن تاب ونزع واستغفر صقل قلبه، وإن زاد زيد فيها حتى تعلو قلبه فذلكم الران الذي ذكر الله {كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون})) [سورة المطففين: 14]
وعن ابن عباس في قوله {إلا اللمم} [سورة النجم: 32] قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: ...
إن تغفر اللهم تغفر جما ... وأي عبد لك لا ألما ...
وعن ابن عمر قال: إن كنا لنعد لرسول الله صلى الله عليه و سلم في المجلس الواحد يقول: ((رب اغفر لي وتب علي إنك أنت التواب الغفور)) مائة مرة رواه أحمد والترمذي وقال حديث صحيح.

فصل:
التوبة نوعان: واجبة ومستحبة
فالواجبة: هي التوبة من ترك مأمور أو فعل محظور وهذه واجبة على جميع المكلفين كما أمرهم الله بذلك في كتابه وعلى ألسنة رسله.
والمستحبة: هي التوبة من ترك المستحبات وفعل المكروهات فمن اقتصر على التوبة الأولى كان من الأبرار المقتصدين ومن تاب التوبتين كان من السابقين المقربين ومن لم يأت بالأولى كان من الظالمين إما الكافرين وإما الفاسقين قال الله تعالى: {وكنتم أزواجا ثلاثة فأصحاب الميمنة ما أصحاب الميمنة وأصحاب المشأمة ما أصحاب المشأمة والسابقون السابقون أولئك المقربون في جنات النعيم} [سورة الواقعة: 7 -12]
وقال تعالى: {فأما إن كان من المقربين فروح وريحان وجنة نعيم وأما إن كان من أصحاب اليمين فسلام لك من أصحاب اليمين وأما إن كان من المكذبين الضالين فنزل من حميم وتصلية جحيم} [سورة الواقعة: 88 -94]
وقال تعالى: {فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات بإذن الله} [سورة فاطر: 32].
وقال تعالى: {إنا هديناه السبيل إما شاكرا وإما كفورا إنا أعتدنا للكافرين سلاسل وأغلالا وسعيرا إن الأبرار يشربون من كأس كان مزاجها كافورا عينا يشرب بها عباد الله يفجرونها تفجيرا} [سورة الإنسان: 3 6]
وقال: {كلا إن كتاب الفجار لفي سجين} إلى قوله {كلا إن كتاب الأبرار لفي عليين وما أدراك ما عليون} إلى قوله: {ومزاجه من تسنيم عينا يشرب بها المقربون} [سورة المطففين: 7 -28]
قال ابن عباس: تمزج لأصحاب اليمين مزجا ويشرب بها المقربون صرفا.
والتوبة رجوع عما تاب منه إلى ما تاب إليه؛ فالتوبة المشروعة هي الرجوع إلى الله وإلى فعل ما أمر به وترك ما نهى عنه.
وليست التوبة من فعل السيئات فقط كما يظن كثير من الجهال، لا يتصورون التوبة إلا عما يفعله العبد من القبائح كالفواحش والمظالم، بل التوبة من ترك الحسنات المأمور بها أهم من التوبة من فعل السيئات المنهي عنها؛ فأكثر الخلق يتركون كثيرا مما أمرهم الله به من أقوال القلوب وأعمالها وأقوال البدن وأعماله وقد لا يعلمون أن ذلك مما أمروا به أو يعلمون الحق ولا يتبعونه، فيكونون إما ضالين بعدم العلم النافع وإما مغضوبا عليهم بمعاندة الحق بعد معرفته.
وقد أمر الله عباده المؤمنين أن يدعوه في كل صلاة بقوله اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين ولهذا نزه الله نبيه عن هذين فقال تعالى:{ والنجم إذا هوى ما ضل صاحبكم وما غوى وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى} سورة النجم 1 4 فالضال الذي لا يعلم الحق بل يظن أنه على الحق وهو جاهل به كما عليه النصارى قال تعالى:{ ولا تتبعوا أهواء قوم قد ضلوا من قبل وأضلوا كثيرا وضلوا عن سواء السبيل} سورة المائدة 77
والغاوي الذي يتبع هواه وشهواته مع علمه بأن ذلك خلاف الحق كما عليه اليهود قال تعالى:{ سأصرف عن آياتي الذين يتكبرون في الأرض بغير الحق وإن يروا كل آية لا يؤمنوا بها وإن يروا سبيل الرشد لا يتخذوه سبيلا وإن يروا سبيل الغي يتخذوه سبيلا ذلك بأنهم كذبوا بآياتنا وكانوا عنها غافلين} سورة الأعراف 146 وقال تعالى:{ واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها فأتبعه الشيطان فكان من الغاوين ولو شئنا لرفعناه بها ولكنه أخلد إلى الأرض واتبع هواه فمثله كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث }الآية سورة الأعراف 175 176
وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه و سلم:" إن أخوف ما أخاف عليكم شهوات الغي في بطونكم وفروجكم ومضلات الفتن فإن الغي والضلال يجمع جميع سيئات بني آدم فإن الإنسان كما قال تعالى:{ وحملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولا } "سورة الأحزاب 72 فبظلمه يكون غاويا وبجهله يكون ضالا وكثيرا ما يجمع بين الأمرين فيكون ضالا في شيء غاويا في شيء آخر إذ هو ظلوم جهول ويعاقب على كل من الذنبين بالآخر كما قال:{ في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضا }سورة البقرة 10 وكما قال:{ فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم} سورة الصف 5
كما يثاب المؤمن على الحسنة بحسنة أخرى فإذا عمل بعلمه ورثه الله علم ما لم يعلم وإذ عمل بحسنة دعته إلى حسنة أخرى قال تعالى:{ والذين اهتدوا زادهم هدى وآتاهم تقواهم} سورة محمد 17 وقال تعالى:{ ويزيد الله الذين اهتدوا هدى} سورة مريم 76 وقال:{ والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا} سورة العنكبوت 69 وقال:{ ولو أنهم فعلوا ما يوعظون به لكان خيرا لهم وأشد تثبيتا وإذا لآتيناهم من لدنا أجرا عظيما ولهديناهم صراطا مستقيما} سورة النساء 66 68 وقال تعالى:{ يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وآمنوا برسوله يؤتكم كفلين من رحمته ويجعل لكم نورا تمشون به ويغفر لكم والله غفور رحيم لئلا يعلم أهل الكتاب ألا يقدرون على شيء من فضل الله وأن الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم }سورة الحديد 28 29
وهو صلى الله عليه و سلم ذكر شهوات الغي في البطون والفروج كما في الصحيح أنه قال:" من تكفل لي بما بين لحييه وما بين رجليه تكفلت له بالجنة" فإن هذا يعلم عامة الناس أنه من الذنوب لكن يفعلونه اتباعا لشهواتهم.
وأما مضلات الفتن فأن يفتن العبد فيضل عن سبيل الله وهو يحسب أنه مهتد كما قال:{ ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانا فهو له قرين وإنهم ليصدونهم عن السبيل ويحسبون أنهم مهتدون} سورة الزخرف 36 37 وقال:{ أفمن زين له سوء عمله فرآه حسنا فإن الله يضل من يشاء ويهدي من يشاء} سورة فاطر 8 وقال:{ وكذلك زين لفرعون سوء عمله وصد عن السبيل وما كيد فرعون إلا في تباب}سورة غافر 37 وقال:{ قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا} سورة الكهف 103 104
ولهذا تأول أصحاب النبي صلى الله عليه و سلم هذه الآية فيمن يتعبد بغير شريعة الله التي بعث بها رسوله من المشركين وأهل الكتاب كالرهبان وفي أهل الأهواء من هذه الأمة كالخوارج الذين أمر النبي صلى الله عليه و سلم بقتالهم وقال فيهم يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم وصيامه مع صيامهم وقراءته مع قراءتهم يقرأون القرآن لا يجاوز حناجرهم يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية أينما لقيتموهم فاقتلوهم فإن في قتلهم أجرا عند الله لمن قتلهم يوم القيامة وذلك لأن هؤلاء خرجوا عن سنة رسول الله صلى الله عليه و سلم وجماعة المسلمين حتى كفروا من خالفهم مثل عثمان وعلي وسائر من تولاهما من المؤمنين واستحلوا دماء المسلمين وأموالهم كما قال النبي صلى الله عليه و سلم فيهم يقتلون أهل الإسلام ويدعون أهل الأوثان, وإذا اجتمع شهوات الغي ومضلات الفتن قوى البلاء وصار صاحبه مغضوبا عليه ضالا وهذا يكون كثيرا بسبب حب الرئاسة والعلو في الأرض كحال فرعون قال تعالى:{ إن فرعون علا في الأرض وجعل أهلها شيعا يستضعف طائفة منهم يذبح أبناءهم ويستحيي نساءهم إنه كان من المفسدين} سورة القصص 4 فوصفه بالعلو في الأرض والفساد وقال في آخر السورة:{ تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا في الأرض ولا فسادا والعاقبة للمتقين} سورة القصص 83 ولهذا قال في حق فرعون:{ وكذلك زين لفرعون سوء عمله}سورة غافر 37
وذلك أن حب الرئاسة شهوة خفية كما قال شداد بن أوس رضي الله عنه يا بغايا العرب يا بغايا العرب إن أخوف ما أخاف عليكم الرياء والشهوة الخفية قيل لأبي داود السجستاني ما الشهوة الخفية قال حب الرئاسة وحبك الشيء يعمى ويصم فيبقى حب ذلك يزين له ما يهواه مما فيه علو نفسه ويبغض إليه ضد ذلك حتى يجتمع فيه الإستكبار والإختيال والحسد الذي فيه بغض نعمة الله على عباده لا سيما من مناظره والكبر والحسد هما داءان أهلكا الأولين والآخرين وهما أعظم الذنوب التي بها عصى الله أولا فإن إبليس استكبر وحسد آدم وكذلك ابن آدم الذي قتل أخاه حسد أخاه ولهذا كان الكبر ينافي الإسلام كما أن الشرك نافي الإسلام فإن الإسلام هو الإستسلام وحده فمن استسلم له ولغيره فهو مشرك به ومن لم يستسلم فهو مستكبر كحال فرعون وملإه ولذلك قال لهم موسى:{ وأن لا تعلوا على الله إني آتيكم بسلطان مبين} سورة الدخان 19 وقال تعالى:{ عن فرعون واستكبر هو وجنوده في الأرض بغير الحق وظنوا أنهم إلينا لا يرجعون} سورة القصص 39 وقال تعالى:{وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا فانظر كيف كان عاقبة المفسدين } سورة النمل 14
ومن أسلم وجهه لله حنيفا فهو المسلم الذي على ملة إبراهيم الذي قال له ربه أسلم قال أسلمت لرب العالمين.
وهذا الإسلام هو دين الأولين والآخرين من الأنبياء وأتباعهم كما وصف الله به في كتابه نوحا وإبراهيم وموسى ويوسف وسليمان وغيرهم من النبيين مثل قول موسى لقومه:{ إن كنتم آمنتم بالله فعليه توكلوا إن كنتم مسلمين} سورة يونس 84 وقال تعالى:{ إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور يحكم بها النبيون الذين أسلموا للذين هادوا } سورة المائدة 44 وقال نوح عليه السلام:{ فإن توليتم فما سألتكم من أجر إن أجري إلا على الله وأمرت أن أكون من المسلمين } سورة يونس 72
وقال يوسف:{ توفني مسلما وألحقني بالصالحين} سورة يوسف 101 وقالت بلقيس:{ وأسلمت مع سليمان لله رب العالمين}سورة النمل 44 .
وليس الغي مختصا بشهوات البطون والفروج فقط بل هو في شهوات البطون والفروج وشهوات الرئاسة والكبر والعلو وغير ذلك فهو اتباع الهوى وإن لم يعتقد أنه هوى بخلاف الضال فإنه يحسب أنه يحسن صنعا ولهذا كان إبليس أول الغاوين كما قال: {فبما أغويتني لأقعدن لهم صراطك المستقيم ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم ولا تجد أكثرهم شاكرين} [سورة الأعراف:16- 17] .
وقال: {رب بما أغويتني لأزينن لهم في الأرض ولأغوينهم أجمعين إلا عبادك منهم المخلصين} [سورة الحجر: 39 -40 ]
وقال تعالى: {ويوم يناديهم فيقول أين شركائي الذين كنتم تزعمون قال الذين حق عليهم القول ربنا هؤلاء الذين أغوينا أغويناهم كما غوينا تبرأنا إليك ما كانوا إيانا يعبدون} [سورة القصص: 62 -63 ]
وقد قال تعالى: {فكبكبوا فيها هم والغاوون وجنود إبليس أجمعون} [سورة الشعراء: 94 -95]
وإنما في الحديث ما يخاف على هذه الأمة من الغي وهو شهوات الغي في البطون والفروج؛ فأما الغي الذي هو الإستكبار عن ابتاع الحق فذاك أصل الكفر فصاحبه ليس من هذه الأمة كإبليس وفرعون وغيرها.
وأما غي شهوات البطون والفروج؛ فذاك يكون لأهل الإيمان ثم يتوبون كما قال: {وعصى آدم ربه فغوى ثم اجتباه ربه فتاب عليه وهدى} [سورة طه: 121- 122]
وفي السنن والمسند من حديث ليث بن سعد عن يزيد بن الهاد عن عمرو عن أبي سعيد الخدري قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول: (( إن إبليس قال لربه عز و جل: بعزتك وجلالك لا أبرح أغوى بني آدم ما دامت الأرواح فيهم فقال له ربه عز وجل: (فبعزتي وجلالي لا أبرح أغفر لهم ما استغفروني) )).

فصل :
وجميع ما يتوب العبد منه سواء كان فعلا أو تركا قد لا يكون كان عالما بأنه ينبغي التوبة منه وقد يكون كان عالما بذلك فإن الإنسان كثيرا ما يكون غير عالم بوجوب الشيء أو قبحه ثم يتبين له فيما بعد وجوبه أو قبحه وقد يكون عالما بوجوبه أو قبحه ويتركه أو يفعله لضعف المقتضى لفعل الواجب أو قوة المقتضى لفعل القبيح لكن هذا لا يكاد يقع إلا مع ضعف العلم بوجوبه وقبحه وإلا فإذا كمل العلم استلزم الإرادة الجازمة في الطرفين ولهذا قال سبحانه:{ إنما التوبة للذين يعملون السوء بجهالة ثم يتوبون من قريب فأولئك يتوب الله عليهم وكان الله عليما حكيما } سورة النساء 17 قال أبو العالية قال أصحاب محمد صلى الله عليه و سلم كل من عصى الله فهو جاهل وكل من تاب قبل الموت فقد تاب من قريب وقال تعالى:{ وإذا جاءك الذين يؤمنون بآياتنا فقل سلام عليكم كتب ربكم على نفسه الرحمة أنه من عمل منكم سوءا بجهالة ثم تاب من بعده وأصلح فأنه غفور رحيم} [سورة الأنعام: 54] والمؤمن لا يزال يخرج من الظلمات إلى النور ويزداد هدى فيتجدد له من العلم والإيمان ما لم يكن قبل ذلك فيتوب مما تركه وفعله والتوبة تصقل القلب وتجليه مما عرض له من رين الذنوب كما قال النبي صلى الله عليه و سلم:(( إن العبد إذا أذنب نكتت في قلبه نكتة سوداء فإن تاب ونزع واستغفر صقل قلبه وإن زاد زيد فيها حتى تعلو قلبه فذلك الران الذي قال الله:{ كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون} )) سورة المطففين 14
وقد قال النبي صلى الله عليه و سلم في الحديث الصحيح:(( إنه ليغان على قلبي وإني لأستغفر الله في اليوم مائة مرة )).
والتوبة من الإعتقادات أعظم من التوبة من الإرادات فإن من ترك واجبا أو فعل قبيحا يعتقد وجوبه وقبحه كان ذلك الإعتقاد داعيا له إلى فعل الواجب ومانعا من فعل القبيح فلا يكون في فعله وتركه ثابت الدواعي والصوارف بل تكون دواعيه وصوارفه متعارضة ولهذا يكون الغالب على هذا التلوم وتكون نفسهم لوامة تارة يؤدون الواجب وتارة يتركونه وتارة يتركون القبيح وتارة يفعلونه كما تجده في كثير من فساق القبلة الذين يؤدون الحقوق تارة ويمنعونها أخرى ويفعلون السيئات تارة ويتركونها أخرى لتعارض الإرادات في قلوبهم إذ معهم أصل الإيمان الذي يأمر بفعل الواجب وينهى عن فعل القبيح ومعهم من الشبهات والشهوات ما يدعوهم إلى خلاف ذلك.
وأما ما فعله الإنسان مع اعتقاد وجوبه وتركه مع اعتقاد تحريمه فهذا يكون ثابت الدواعي والصوارف أعظم من الأول بكثير وهذا تحتاج توبته إلى صلاح اعتقاده أولا وبيان الحق وهذا قد يكون أصعب من الأول إذ ليس معه داع إلى أن يترك اعتقاده كما كان مع الأول داع إلى أن يترك مراده وقد يكون أسهل إذا كان له غرض فيما يخالف موجب الإعتقاد مثل الآصار والأغلال التي على أهل الكتاب وإذلال المسلمين لهم وأخذ الجزية منهم مع مخالفة المسلمين له فهذا قد يكون داعيا إلى أن ينظر في اعتقاده هل هو حق أو باطل حتى يتبين له الحق وقد يكون أيضا مرغبا له في اعتقاد يخرج به من هذا البلاء.
وكذلك قهر المسلمين لعدوهم بالأسر يدعوهم إلى النظر في محاسن الإسلام فللرغبة والرهبة تأثير عظيم في معاونة الإعتقاد كما للإعتقاد تأثير عظيم في الفعل والترك فكل واحد من العلم والعمل من الإعتقاد والإرادة يتعاونان فالعلم والإعتقاد يدعو إلى العمل بموجبه والإرادة رغبة ورهبة والعمل بموجبها يؤيد النظر والعلم الموافق لتلك الإرادة والعمل كما قال من عمل بما علم أورثه الله علم ما لم يعلم.
وفي القرآن شواهد هذا متعددة في مثل قوله: {ولو أنهم فعلوا ما يوعظون به لكان خيرا لهم وأشد تثبيتا وإذا لآتيناهم من لدنا أجرا عظيما ولهديناهم صراطا مستقيما} [سورة النساء:66- 68]
وفي قوله: {اتقوا الله وآمنوا برسوله يؤتكم كفلين من رحمته ويجعل لكم نورا تمشون به ويغفر لكم والله غفور رحيم} [سورة الحديد:28] وغير ذلك.
فإذا كان الإنسان معاقبا على الإعتقاد كما يعاقب الكفار على كفرهم كانت التوبة منه ظاهرة كما قال تعالى: {لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة وما من إليه إلا إله واحد وإن لم ينتهوا عما يقولون ليمسن الذين كفروا منهم عذاب أليم أفلا يتوبون إلى الله ويستغفرونه والله غفور رحيم} [سورة المائدة: 73 -74]
وقال تعالى: {فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصد فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم} [سورة التوبة:5]
فأما الاعقتاد المغفور كالخطأ والنسيان الذي لا يؤاخذ الله به هذه الأمة كما في قوله: {ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا} [سورة البقرة:286] وقد ثبت في الصحيح أن الله قد فعل ذلك، وكما قال النبي صلى الله عليه و سلم: (( إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران، وإذا اجتهد فأخطأ فله أجر ))
فهذا قد يقال في مثله: إن قيل إنه يتاب منه فكيف يتاب مما لا ذم فيه ولا عقاب؟
وإن قيل لا يتاب منه فكيف لا يرجع الإنسان إلى الحق إذا تبين له؟
وجواب ذلك: أنه يتاب منه كما يتاب من غيره لأن صاحبه قد ترك ما هو مأمور به في نفس الأمر من العلم وما يتبعه من أعمال القلوب والجوارح إما لعجزه عن بلوغه وإما لتقصيره في طلبه.
وأيضا فإنه قد فعل من الإعتقاد وما يتبعه من أعمال القلوب والجوارح ما هو منهي عنه في نفس الأمر لكن سقط عنه النهي لعدم قدرته على معرفة قبحه والتكليف مشروط بالتمكن من العلم والقدرة فلا يكلف العاجز عن العلم ما هو عاجز عنه والناسي والمخطىء كذلك لكن إذا تجدد له قدرة على العلم صار مأمورا بطلبه وإذا تجدد له العلم صار مأمورا حينئذ باتباعه وصار في هذه الحال مذموما على ترك ما يقدر عليه من طلب العلم الواجب وعلى ترك اتباع ما تبين له من العلم
وأيضا فما دام غير مستيقن للحق فهو مأمور بطلب العلم الذي يبين له الحق والمعتقد المخطىء لا يكون مستيقنا قط فإن العلم واليقين يجده الإنسان من نفسه كما يجد سائر إدراكاته وحركاته مثلما يجد سمعه وبصره وشمه وذوقه فهو إذا رأى الشيء يقينا يعلم أنه رآه وإذا علمه يقينا يعلم أنه علمه وأما إذا لم يكن مستيقنا فإنه لا يجد ما يجده العالم كما إذا لم يستيقن رؤيته لم يجد ما يجده الرائي وإنما يكون عنده ظن ونوع إرادة توجب إعتقاده هذا هو الذي يجده بنو آدم في نفوسهم كما قال سبحانه: {إن يتبعون إلا الظن وما تهوى الأنفس ولقد جاءهم من ربهم الهدى} [سورة النجم:23] وإذا كان الإنسان مأمورا بطلب العلم الذي يحتاج إليه بحسب إمكانه وهو إذا لم يجد العلم اليقيني يعلم أنه لم يجد العلم فهو مأمور بالطلب والإجتهاد فإن ترك ما أمر به كان مستحقا للذم والعقاب على ذلك فإذا تبين له الحق وعلمه وعلم أنه كان جاهلا به معتقدا غير الحق كان تائبا بمعنى أنه رجع من الباطل إلى الحق وإن كان الله قد عفى عنه ما رجع عنه لعجزه إذ ذاك وكان أيضا تائبا مما حصل فيه أولا من تفريط في طلب الحق فكثير من خطأ بني آدم من تفريطهم في طلب الحق لا من العجز التام وكان أيضا تائبا من اتباع هواه أولا بغير هدى من الله فإن أكثر ما يحمل الإنسان على اتباع الظن المخطىء هو هواه كما قال تعالى إن يتبعون إلا الظن وما تهوى الأنفس وليس توبة هذا وحاله كحال من كان عاجزا عن الفعل ثم قدر عليه كالمريض الذي لا يطيق القيام إذا قدر عليه بعد ذلك وكالخائف إذا أمن وكالمصلي بتيمم ونحو هؤلاء وذلك أن هؤلاء إذا كانت إرادتهم للفعل المأمور به على وجهة الكمال ثابتة في قلوبهم وقد عملوا ما يقدرون عليه من المراد وإنما تركوا تمامه لعجزهم كان لهم مثل ثواب الفاعل كما قال النبي صلى الله عليه و سلم في الحديث المتفق عليه عن أبي موسى إذا مرض العبد أو سافر كتب له من العمل ما كان يعمل وهو صحيح مقيم وفي الصحيح عن النبي صلى الله عليه و سلم قال:(( إن بالمدينة لرجالا ما سرتم مسيرا ولا قطعتم واديا إلا كانوا معكم حبسهم العذر ))
وقد قال تعالى: {لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر والمجاهدون في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم} [سورة النساء:95] فهؤلاء لهم علم بالمأمور به الكامل واعتقاد الأمر به وإرادة فعله بحسب الإمكان وهذا كله من أدائهم للمأمور به فإذا تجددت لهم قدرة لم يتجدد رغبة في الفعل الكامل وإنما يتجدد العمل بتلك الرغبة المتقدمة وإن كان لا بد لهذا الفعل من إرادة تخصه ولم يكن هؤلاء مأمورين بذلك إلا في هذه الحال فقط كما تؤمر المرأة بالصلاة عند انقضاء الحيض وكما يؤمر الصبي بما يجب عليه عند بلوغه وكما يؤمر المزكى بالزكاة بعد ملك النصاب والحول والمصلي بالصلاة بعد دخول الوقت وأما الناسي والمخطىء فإنه لم يكن قد أتى بالعلم والإعتقاد والإرادة فلا يثاب على هذه الأمور التي لم تكن له بل يكون الذي حصل له ذلك أفضل منه بها كما قال تعالى هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون سورة الزمر 9 فنفى المساواة بين الذي يعلم والذي لا يعلم مطلقا لم يستثن المعذور كما استثنى في تفضيل المجاهد على القاعد المعذور وكذلك سائر ما في القرآن من نحو هذا كقوله: {وما يستوي الأعمى والبصير ولا الظلمات ولا النور ولا الظل ولا الحرور وما يستوي الأحياء ولا الأموات} [سورة فاطر :19- 22]
وقوله: {مثل الفريقين كالأعمى والأصم والبصير والسميع هل يستويان مثلا} [سورة هود:24]
وقوله: {أو من كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها} [سورة الأنعام: 122 ]
ولهذا قال النبي صلى الله عليه و سلم في الحديث المتفق عليه: ((إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران وإذا اجتهد فأخطأ فله أجر)) لم يجعل أجر العاجز على إصابة الصواب مع اجتهاده كأجر القادر عليه كما جعل للمريض والمسافر مثل ثواب الصحيح المقيم، كما جعل المعذور من القاعدين عن الجهاد الذي تمت رغبته بمنزلة المجاهد؛ فإن الأصل هو القلب والبدن تابع؛ فالمستويان في عمل القلب إذا فعل كل منهما بقدر بدنه متماثلان بخلاف المتفاضلين في عمل القلب علمه وإرادته وما يتبع ذلك فإنهما لا يتماثلان.ولهذا يعاقب العبد على ما تركه من الإيمان بقلبه.
وإن قيل: إن ذلك تكليف ما لا يطاق، ولا يعاقب على ما عجز عنه بدنه باتفاق المسلمين؛ فهو يعاقب على ترك ما أُمِرَ بإرادته وفعله، وإن كانت نفسه لا تريده ولا تحبه، وليس هو معاقَبًا على ترك ما عجز عنه بدنه كجهاد المقعد والأعمى ونحوهما، ونفسه إنما لا تعلم الحق الذي بعث الله به رسله ولا تريده لتفريطه وتعديه إذ آيات ذلك الحق ظاهره وهو محبوب وقد خلق الله كل مولود على الفطرة التي تتضمن القوة على معرفة هذا الحق وعلى محبته ولكن غير فطرته بما يقلده عن غيره كما قال النبي صلى الله عليه و سلم في الحديث المتفق عليه كل مولود يولد على الفطرة فأبوه يهودانه وينصرانه ويمجسانه كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء هل تحسون فيها من جدعاء وإذا كان قد خلق على الصحة والسلامة فهو يستحق العقوبة على ما غيره من خلق الله بتفريطه وعدوانه لاتباعه الظن وما تهوى الأنفس وقد بعث الله الرسل مبشرين ومنذرين وقال سبحانه: {وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا} [سورة الإسراء: 15] وهذا مما يظهر به الفرق بين المجتهد المخطىء والناسي من هذه الأمة في المسائل الخبرية والعملية وبين المخطىء من الكفار والمشركين وأهل الكتاب الذي بلغته الرسالة إذا قيل إنه غير معاند للحق فإن ذاك لا يكون خطؤه إلا لتفريطه وعدوانه لا يتصور أن يجتهد فيكون مخطئا في الإيمان بالرسول بل متى اجتهد والإجتهاد استفراغ الوسع في طلب العلم بذلك كان مصيبا للعلم به بلا ريب فإن دلائل ما جاء به الرسول ودواعيه في نهاية الكمال والتمام الذي يشمل كل من بلغته ولا يترك أحد قط اتباع الرسول إلا لتفريط وعدوان فيستحق العقاب بخلاف كثير من تفصيل ما جاء به فإنه قد يعزب علمه عن كثير من خواص الأمة وعوامها بحيث لا يكونون في ترك معرفته لا مقصرين ولا مفرطين فلا يعاقبون بتركه مع أنهم قد آمنوا به إيمانا محملا في إيمانهم بما جاء به الرسل فهم آمنوا به مجملا ومعهم أصول الإيمان به كما أن الفاسق معه الدواعي لفعل المأمور وترك المحظور فلهذا كان المخطىء بالتأويل من هذه الأمة والفاسق بالفعل مع صحة الإعتقاد كل منهما محسنا من وجه مسيئا من وجه وليس واحد منهما كالكفار من المشركين وأهل الكتاب وإن كانوا في ذلك على درجات متفاوتة بل كل منهما ليس تاركا لما أمر به من الإعتقاد والعمل مطلقا ولا فاعلا لضده مطلقا بل المتأول قد آمن إيمانا عاما بكل ما جاء به الرسول واستسلم لكل ما أمره به وهذا الإيمان والإسلام يتناول ما جهله ويدعوه إلى الإيمان والإسلام المفصل إذا علمه لكن عارض ذلك من جهله وظلمه لنفسه ما قد يكون مغفورا له وقد يكون معذبا به ولذلك الفاجر بالعمل معه من الإيمان بقبح الفعل وبغضه ما هو داع له إلى فعل الأصل المأمور به وداع له إلى تركه لكن عارض ذلك من هواه ما منع كمال طاعته بخلاف المكذب للرسول صلى الله عليه و سلم والكافر به فإنه لم يصدق بالحق ولم يستسلم له لا جملة ولا تفصيلا لكن قد يكون ما اتبعه من ظنه وهواه موجبا لبعض ما جاء به الرسول ومانعا له من النظر فيه بحيث لا يستطيع مع ذلك أن يسمع به فهذا واقع كما قال سبحانه:{ وعرضنا جهنم يومئذ للكافرين عرضا الذين كانت أعينهم في غطاء عن ذكري وكانوا لا يستطيعون سمعا} [ سورة الكهف 100 ـ101 ]
وقال تعالى: {ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا أولئك يعرضون على ربهم ويقول الأشهاد هؤلاء الذين كذبوا على ربهم ألا لعنة الله على الظالمين الذين يصدون عن سبيل الله ويبغونها عوجا وهم بالآخرة هم كافرون أولئك لم يكونوا معجزين في الأرض وما كان لهم من دون الله من أولياء يضاعف لهم العذاب ما كانوا يستطيعون السمع وما كانوا يبصرون} [سورة هود: 18- 20]
لكن عدم هذه الإستطاعة كان بتفريطه وعدوانه ومن كان تركه للمأمور بذنب منه أو ضرورته إلى المحظور بذنب منه لم يكن ذلك مانعا من ذمه وعقابه ومن هذا قوله سبحانه:{ ونقلب أفئدتهم وأبصارهم كما لم يؤمنوا به أول مرة} [ سورة الأنعام 11 ] وقال تعالى:{ وقالوا قلوبنا غلف بل لعنهم الله بكفرهم فقليلا ما يؤمنون} [ سورة البقرة 88 ] وقال:{ وقولهم قلوبنا غلف بل طبع الله عليها بكفرهم فلا يؤمنون إلا قليلا} [ سورة النساء 155 ] وبهذا يظهر ضعف قول طائفة من المتكلمين الذين يقولون الخطأ والإثم يتلازمان ثم منهم من يقول كل مجتهد في المسائل العملية مصيب كما يقوله كثير من المعتزلة والأشعرية ومنهم من يقول بل فيها مخطىء والمخطىء آثم كما يقوله المريسي وغيره وذلك أنهم اعتقدوا أنه حيث يكون مخطئا يكون تاركا لما وجب عليه
ثم قال الأولون فإذا لم يكن تاركا للمأمور به فلا يكون لله في المسألة حكم معين أو لا يكون الحكم المنصوص حكما في حقه إذا لم يتمكن من معرفته.
وقال الآخرون بل إذا كان مخطئا يكون تاركا للمأمور به فيكون آثماً.
والتحقيق: أنه مأمور به أمرا مطلقا لكن شرط الإثم بمنزلة التمكن من معرفته فإذا لم يتمكن من معرفته لا يكون شرط الإثم موجودا فيه ولكن ذلك لا ينفى أن يكون هو المأمور به وهو الذي يحبه الله ويرضاه ويثيب فاعله إذا فعله وإنما سقط عن بعض العباد لفوات الشرط في حقه خاصة وحينئذ فيكون النزاع في بعض المواضع نزاعا لفظيا ولهذا اختلف العلماء هل هو مصيب في اجتهاده وإن كان مخطئا في نفس الأمر أو هو مخطىء في اجتهاده وفي نفس الأمر على قولين ذكرهما القاضي روايتين عن أحمد وذلك أن الخطأ في الإجتهاد قد يعني به القصور والتقصير وقد لا يعني به إلا التقصير إذ العاجز عن معرفة الحكم الذي لله عاجز قاصر ليس بمقصر ولا مفرط فيما بعد عليه فإذا قال أخطأ في اجتهاده أراد أخطأ في استدلاله بمعنى أنه لم يستدل بالدليل الذي يوصله إلى نفس الحق ولا ريب أنه أخطأ هذا الإستدلال الموصل له إلى الحق إذ لو أصابه لأصاب الحق لكنه لم يكن قادرا على هذا الإستدلال فلا يعاقب على تركه ومن قال لم يخطىء في اجتهاده أراد أنه لم يخطىء فيما قدر عليه من الإجتهاد بل فعله على وجهه لكن لم يكن مقدوره من الإجتهاد كافيا في إدراك المطلوب في نفس الأمر.
ومثل هذا النزاع أن يقال هل فعل ما أمر به أو لم يفعل ما أمر به فالمأمور به في نفس الأمر لم يفعله وأما المأمور به في حقه من العمل الممكن فقد فعله ولذلك إذا اشتبهت اخته بأجنبية هل يقال الحرام في نفس الأمر واحدة أم الإثنتان محرمتان على القولين بهذا الإعتبار.

فصل:
فأما التوبة من الحسنات فلا تجوز عند أحد من المسلمين بل من تاب من الحسنات مع علمه بأنه تاب من الحسنات فهو إما كافر وإما فاسق وإن لم يعلم أنه تاب من الحسنات فهو جاهل ضال وذلك أن الحسنات هي الإيمان والعمل الصالح فالتوبة من الإيمان هي الرجوع عنه والرجوع عنه ردة وذلك كفر والتوبة من الأعمال الصالحة رجوع عما أمر الله به وذلك فسوق أو معصية
والله تعالى حبب إلى المؤمنين الإيمان وكره إليهم الكفر والفسوق والعصيان فكل حسنة يفعلها العبد إما واجبة وإما مستحبة والتوبة تتضمن الندم على ما مضى والعزم على أن لا يعود إلى مثله في المستقبل والندم يتضمن ثلاثة أشياء اعتقاد قبح ما ندم عليه وبغضه وكراهته وألم يلحقه عليه فمن اعتقد قبح ما أمر الله به أمر إيحاب أو استحباب أو أبغض ذلك وكرهه بحيث يتألم على فعله ويتأذى بوجوده ففيه من النفاق بحسب ذلك وهو إما نفاق أكب ريخرجه من أصل الإيمان وإما نفاق أصغر يخرجه من كماله الواجب عليه قال تعالى:{ ذلك بأنهم اتبعوا ما أسخط الله وكرهوا رضوانه فأحبط أعمالهم} [سورة محمد: 28] وقال تعالى:{ وإذا ما أنزلت سورة فمنهم من يقول أيكم زادته هذه إيمانا فأما الذين آمنوا فزادتهم إيمانا وهم يستبشرون وأما الذين في قلوبهم مرض فزادتهم رجسا إلى رجسهم وماتوا وهم كافرون}[سورة التوبة:124 -125] وقال تعالى:{ وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين ولا يزيد الظالمين إلا خسارا } [سورة الإسراء 82 ].
بل إذا علم العبد أن هذا الفعل قد أمره الله به وأحبه فاعتقد هو أن ذلك ليس مما أمر الله به وأبغضه وكرهه فهو كافر بلا ريب فمثل هذه التوبة عن الحسنات هي ردة محضة عن الإيمان وكفر بالإيمان {ومن يكفر بالإيمان فقد حبط عمله وهو في الآخرة من الخاسرين } [سورة المائدة 5 ]
فإطلاق القول بأن الحسنات يتاب منها هو كفر يجب أن يستتاب صاحبه إذ معناه أنه يؤمر بالرجوع عن الحسنات واعتقاد أن الرجوع عن الحسنات يقرب إلى الله وهذا كفر بلا ريب ثم إن هذه التوبة متناقضة ممتنعة في نفسها فإن التائب من الحسنات إن اعتقد أن هذه التوبة حسنة فعليه أن يتوب منها فتكون باطلة فلا يكون قد تاب من الحسنات وإن اعتقد أنها سيئة كان مقرا بأن هذه التوبة محرمة فقد التزم أحد أمرين إما أنه لم يتب من الحسنات أو تاب توبة محرمة وهذا اشتبه عليه حال السابقين المقربين الذين يتوبون من ترك المستحبات أو فعل المكروهات غير المحرمات فظن أنهم تابوا مما فعلوه من الحسنات وتركوه من المحرمات فإنهم لو تابوا من ذلك لكانوا مرتدين إما عن أصل الإيمان وإما عن كماله وإنما هي كوبة عما تركوه من مستحب وفعلوه من مكروه مثل أن يكو العبد يصلي صلاة مجزئة غير كاملة فتبلغه صلاة النبي صلى الله عليه و سلم المستحبة فيصلي كصلاته ويندم على ما كان يفعله من الصلاة الناقصة فهو لا يتوب مما فعله من الحسن وإنما يتوب مما تركه من الحسن ولهذا ينسب نفسه إلى التفريط بما أضاعه من الحسنات وكذلك إذا سمع فضائل الأعمال المستحبة وما وعد الله لأصحابها من علو الدرجات فيندم على ما فرط من ذلك ويعزم على فعلها فهو توبة مما تركه من الحسنات وكذلك لو كان يصبر على المكاره مثل الفقر والمرض وخوف العدو من غير رضى بذلك فبلغه مقام أهل الرضا وأنه أعلى من الصبر الذي لا رضا معه وأن هؤلاء يستحقون رضوان الله عليهم وأن أول من يدعى إلى الجنة الحمادون الذين يحمدون الله على السراء والضراء وما روى عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال لابن عباس إن استطعت أن تعمل لله بالرضا مع اليقين فافعل وإن لم تستطع فإن في الصبر على ما يكره خيرا كثيرا فهذا يتوب من ترك الرضا لا من نفس ما أمر به من الصبر فإن الصبر يبقى مع الرضا لا بد من الصبر في الحالتين لكن تذهب مرارة الكراهة بالرضا وتلك المرارة ليست من الحسنات المأمور بها ولا هي داخلة أيضا في حد الصبر المأمور به بل الصبر قد تكون معه مرارة وقد لا تكون ومن اعتقد أن الصبر لا يكون إلا مع مرارة وأنه ضد الرضا فقد تكلم بعرف بعض المتأخرين وليس ذاك عرف الكتاب والسنة فإن الله تعالى أمرنا بالصبر وأثنى على أصحابه في أكثر من تسعين موضعا من كتابه، والله تعالى لا يأمر بما هو مكروه أو ترك الأفضل ولا يكون ذلك إلا بفعل الحسن لا بترك الأحسن، وبهذا يعرف قول من قال حسنات الأبرار سيئات المقربين مع أن هذا اللفظ ليس محفوظا عمن قوله حجة لا عن النبي صلى الله عليه و سلم ولا عن أحد من سلف الأمة وأئمتها وإنما هو كلام وله معنى صحيح وقد يحمل على معنى فاسد.
أما معناه الصحيح فوجهان:
أحدهما: أن الأبرار يقتصرون على أداء الواجبات وترك المحرمات وهذا الإقتصار سيئة في طريق المقربين ومعنى كونه سيئة أن يخرج صاحبه عن مقام المقربين فيحرم درجاتهم وذلك مما يسوء من يريد أن يكون من المقربين فكل من أحب شيئا وطلبه إذا فاته محبوبه ومطلوبه ساءه ذلك فالمقربون يتوبون من الإقتصار على الواجبات لا يتوبون من نفس الحسنات التي يعمل مثلها الأبرار بل يتوبون من الإقتصار عليها وفرق بين التوبة من فعل الحسن وبين التوبة من ترك الأحسن والإقتصار على الحسن.
الثاني: أن العبد قد يؤمر بفعل يكون حسنا منه إما واجبا وإما مستحبا لأن ذلك مبلغ علمه وقدرته ومن يكون أعلم منه وأقدر لا يؤمر بذلك بل يؤمر بما هو أعلى منه فلو فعل هذا ما فعله الأول كان ذلك سيئة.
مثال ذلك: أن العامي يؤمر بمسألة العلماء المأمونين على الإسلام والرجوع إليهم بحسب قوة إدراكه وإن كان في ذلك تقليد لهم إذا لا يؤمر العبد إلا بما يقدر عليه وأما العلماء القادرون على معرفة الكتاب والسنة والاستدلال بهما فلو تركوا ذلك وأتوا بما يؤمر به العامي لكانوا مسيئين بذلك، وهذا كما يؤمر المريض أن يصلي قائما فإن لم يستطع فقاعدا فإن لم يستطع فعلى جنب وكما يؤمر المسافر أن يصلي الظهر والعصر والعشاء ركعتين في السفر، وهذا لو فعله المقيم لكان مسيئا تاركا للفرض بل فرضه أربع ركعات فإن المرض والسفر لا ينقص العبد عن كونه مقربا إذا كان ذلك حاله في الإقامة فقد ثبت في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال إذا مرض العبد أو سافر كتب له من العمل ما كان يعمل وهو صحيح مقيم بخلاف العلم والجهاد في سبيل الله بالنفس والمال والمسابقة إلى الخيرات فإن الله يقول: {يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات} [سورة المجادلة:11] ويقول: {لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر والمجاهدون في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم فضل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجة وكلا وعد الله الحسنى} [سورة النساء:95].
ويقول في كتابه: {لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل أولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا وكلا وعد الله الحسنى} [سورة الحديد:10] ويقول:{ أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كمن آمن بالله واليوم الآخر وجاهد في سبيل الله لا يستوون عند الله والله لا يهدي القوم الظالمين الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم أعظم درجة عند الله وأولئك هم الفائزون يبشرهم ربهم برحمة منه ورضوان وجنات لهم فيها نعيم مقيم
خالدين فيها أبدا إن الله عنده أجر عظيم} [سورة التوبة: 19- 22]
وكذلك في الصحيحين عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (( لا تسبوا أصحابي فوالذي نفسي بيده لو أنفق أحدكم سئل أحد ذهبا ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه)) وقال: (( خير القرون القرن الذين بعثت فيهم ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم )).
فالعلم والجهاد كالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وما يدخل في ذلك هو واجب على الكفاية من المؤمنين؛ فمن قام به كان أفضل ممن لم يقم به وإذا ترك ذلك من تعين عليه كان مذنبا مسيئا فيكون ذلك سيئة له إذا تركه وحسنة مفضلة له على غيره إذا فعله وإن كان القيام بالواجبات بدون ذلك من حسنات من لم يكن قادرا على ذلك فحسنات هؤلاء الأبرار وهي الإقتصار على ذلك سيئات أولئك المقربين وكذلك السابقون الأولون من هذه الأمة فيما فعلوه من الجهاد والهجرة لو تركوا ذلك واقتصروا على ما دون كان ذلك من أعظم سيئاتهم قال النبي صلى الله عليه و سلم لا هجرة بعد الفتح ولكن جهاد ونية وإذا استنفرتم فانفروا كان الإقتصار على مجرد ذلك من حسنات الأبرار الذين ليسوا من أولئك السابقين وكذلك المرسلون لهم مأمورات لو تركوها كان ذلك سيئات وإن كان فعل ما دونها حسنات لغيرهم ممن لم يؤمر بذلك إلى نظائر ذلك مما يؤمر فيه العبد بفعل لم ؤمر به من هو دونه فيكون ترك ذلك سيئة في حقهه وهو من المقربين إذا فعله ويكون فعل ما دون ذلك حسنات لمن دونه وذلك أن الإنسان يفضل على غيره إما بفعل مستحب في حقهما وإما بما يؤمر به أحدهما دون الآخر فيفعله وتخصيصه بفعله قد يكون لقدرته وقد يكون لامتحانه بسببه كمن له والدان فإنه يؤمر ببرهما ويكون بذلك أفضل ممن لم يعمل مثل عمله كما روى عن النبي صلى الله عليه و سلم في حق المتصدقين بفضول أموالهم المشاركين لغيرهم في الأعمال البدينة ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء فهؤلاء المفضلون الإقتصار على ما دون هذه الأمور سيئات في حقهم وحسنات لمن ليس مثلهم في ذلك.
فهذان الوجهان كلاهما معنى صحيح لقول القائل حسنات الأبرار سيئات المقربين.
وأما المعنى الفاسد: فأن يظن الضان أن الحسنات التي أمر الله بها أمرا عاما يدخل فيه الأبرار ويكون سيئات للمقربين مثل من يظن أن الصلوات الخمس ومحبة الله ورسوله والتوكل على الله وإخلاص الدين لله ونحو ذلك هي سيئات في حق المقربين فهذا قول فاسد غلا فيه قوم من الزنادقة المنافقين المنتسبين إلى العلماء والعباد فزعموا أنهم يصلون إلى مقام المقربين الذي لا يؤمرون فيه بما يؤمر به عموم المؤمنين من الواجبات ولا يحرم عليهم ما يحرم على عموم المؤمنين من المحرمات كالزنا والخمر والميسروكذلك زعم قوم في أحوال القلوب التي يؤمر بها جميع المؤمنين أن المقربين لا تكون هذه حسنات في حقهم.
وكلا هذين من أخبث الأقوال وأفسدها وإنما قلنا إن التائب من الحسنات إن علم أنها حسنات وتاب منها فقد أذنب إما بكفر أو فسوق أو معصية وإن لم يعلم أنها حسنات فهو ضال جاهل لأنه إذا تاب مما يسمى حسنة وكان حسنة في الشريعة حقيقة قد أمر الله بها فهو ارجع عن طاعة الله التي هي طاعته وهي حسنة والرجوع عن طاعة الله ودينه لا يخرج عن أن يكون ردة عن أصل الدين فيكون كفرا مغلظا وإما عن كماله هذا لو كان الرجوع بنفس الترك فإن ترك الإيمان كفر وترك الواجبات إما فسق وإما معصية وترك المستحبات المتطوعة يؤخر درجته هذا إذا كان تركا محضا فأما إذا اعقتد مع ذلك أن الحسنات التي يحبها الله ورسوله مما يتاب منها بحيث يندم العبد عليها فيعتقد أن تركها خير من فعلها أو أنها ليست أمورا بها أو أنها لا تقرب إلى الله أو لا تنفع
عنده أو أبغضها وكرهها ورجع عنها وتألم من فعلها مندينا بذلك فهذا كافر مرتد تجب استتابته بلا نزاع بين العلماء وهذا هو مسمى التوبة فعلم أن القول بأن الحسنات يتاب منها كفر محض
وأما إن لم يعلم أنها حسنات بل تاب مما كان يسميه أو غيره حسنات أو كان حسنة في الشريعة ولم يعلم العبد أنه حسنة بل ظن أنه سيئة أو كان سيئة منهيا عنها واعتقد المرء أنه حسنة مأمور بها فهو ضال جاهل وهذا عليه أن يتوب من هذا الإعتقاد والعمل الذي كان يعتقد أنه حسنة كما يتوب كل ضال من الكفار وأهل الأهواء المشركين وأهل الكتاب والمبتدعة كالخوارج والروافض والقدرية والجهمية وغيرهم فإن هؤلاء يتوبون مما كانوا يظنونه حسنات لا يتوبون مما هو في الشريعة حسنات ولا يطلقون القول إنا نتوب من الحسنات ولا أن التوبة من الحسنات فعل المقربين ولا أن التوبة من الحسنات مشروع للسابقين ولا أن الذي تبنا منه كان حسنات ولكن يقولون نتوب مما كنا نظن أنه حسنات وليس بحسنات كما قيل ... إذا محاسني اللاتي أدل بها ... كانت ذنوبي فقل لي كيف أعتذر ...
وكذلك يتوب المرء مما يعده حسنات له وهو مقصر في فعله أو خائف من تقصيره في فعله كما قال تعالى: {والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة أنهم إلى ربهم راجعون} [سورة المؤمنون:60] وقد روى عن عائشة أنها قالت يا رسول الله أهو الرجل يزني ويسرق ويشرب الخمر ويخاف فقال لا يا بنت الصديق ولكنه الرجل يصوم ويصلي ويتصدق ويخاف ألا يقبل منه وهذا لأن الله تعالى يقول في كتابه: {إنما يتقبل الله من المتقين} [سورة المائدة:27] أي من الذين يتقونه في العمل، والتقوى في العمل بشيئين:
أحدهما: إخلاصه لله وهو أن يريد به وجه الله لا يشرك بعبادة ربه أحدا.
والثاني: أن يكون مما أمره الله به وأحبه فيكون موافقا للشريعة لا من الدين الذي شرعه من لم يأذن الله له.
وهذا كما قال الفضيل بن عياض في قوله: {ليبلوكم أيكم أحسن عملا} [سورة تبارك:2] قال: أخلَصُهُ وأصوَبُه.
وذلك أن العلم إذا كان خالصا ولم يكن صوابا لم يقبل، وإذا كان صوابا ولم يكن خالصا لم يقبل، حتى يكون خالصا صوابا والخالص أن يكون لله والصواب أن يكون على السنة؛ فالسعيد يخاف في أعماله أن لا يكون صادقا في إخلاصه الدين لله أو أن لا تكون موافقة لما أمر الله به على لسان رسوله ولهذا كان السلف يخافون النفاق على أنفسهم فذكر البخاري عن أبي عالية قال أدركت ثلاثين من أصحاب محمد صلى الله عليه و سلم كلهم يخاف النفاق على نفسه ولهذا كانوا يستثنون فيقول أحدهم أنا مؤمن إن شاء الله ومثل هؤلاء يستغفرون الله مما علموه أو لم يعلموه من التقصير والتعدي ويتوبون من ذلك.
وهذا مشروع للأنبياء والمؤمنين كان النبي صلى الله عليه و سلم يستغفر بعد الصلاة ثلاثا، وقال تعالى: {والمستغفرين بالأسحار} [سورة آل عمران:17] قالوا كانوا يحيون الليل صلاة ثم يقعدون في السحر يستغفرون فيختمون قيام الليل بالإستغفار وقال تعالى:{ فإذا أفضتم من عرفات فاذكروا الله عند المشعر الحرام واذكروه كما هداكم وإن كنتم من قبله لمن الضالين ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس واستغفروا الله إن الله غفور رحيم} [سورة البقرة 198ـ199 ] وقال تعالى:{ إذا جاء نصر الله والفتح ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان توابا
فإن قيل قد قال تعالى وتوبوا إلى الله جميعا أيها المؤمنون لعلكم تفلحون} [سورة النور:31] وفي المؤمنين من لا ذنب له فيكون أمره بالتوبة أمرا بالتوبة من الحسنات وكذلك توبة الأنبياء وهم معصومون قيل هذا من أعظم الفرية لم تأت الشريعة بالتوبة من الحسنات وهي ما أمر به من طاعته وطاعة أنبيائه وليس في المؤمنين إلا من له ذنب من ترك مأمور أو فعل محظور كما قال صلى الله عليه و سلم كل بني آدم خطاء وخير الخطائين التوابون.
وقد قال تعالى: {والذي جاء بالصدق وصدق به أولئك هم المتقون لهم ما يشاءون عند ربهم ذلك جزاء المحسنين ليكفر الله عنهم أسوأ الذي عملوا ويجزيهم أجرهم بأحسن الذي كانوا يعملون} [سورة الزمر: 33 -35 ]
وقال تعالى: {أولئك الذين نتقبل عنهم أحسن ما عملوا ونتجاوز عن سيئاتهم في أصحاب الجنة وعد الصدق الذي كانوا يوعدون} [سورة الأحقاف:16].
وأصل هذه المقالة وهو دعوى العصمة في المؤمنين وما يشبه ذلك هو من أقوال الغالية من النصارى وغالية هذه الأمة وابتدعها في الملتين منافقوها، قال الله تعالى: {يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم ولا تقولوا على الله إلا الحق إنما المسيح عيسى ابن مريم رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه} [سورة النساء :171]
وقال تعالى: {يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم غير الحق ولا تتبعوا أهواء قوم قد ضلوا من قبل وأضلوا كثيرا وضلوا عن سواء السبيل} [سورة المائدة 77 ] وقال تعالى:{ ما كان لبشر أن يؤتيه الله الكتاب والحكم والنبوة ثم يقول للناس كونوا عبادا لي من دون الله ولكن كونوا ربانيين بما كنتم تعلمون الكتاب وبما كنتم تدرسون ولا يأمركم أن تتخذوا الملائكة والنبيين أربابا أيأمركم بالكفر بعد إذ أنتم مسلمون}[ سورة آل عمران 79 ـ80 ].
وقال تعالى: {وقالت اليهود عزيز ابن الله وقالت النصارى المسيح ابن الله ذلك قولهم بأفواههم يضاهئون قول الذين كفروا من قبل قاتلهم الله أنى يؤفكون اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله والمسيح ابن مريم وما أمروا إلا ليعبدوا إلها واحدا لا إله إلا هو سبحانه عما يشركون} [سورة التوبة: 30- 31 ].
وقد روى في حديث عدي بن حاتم عن النبي صلى الله عليه وسلم قال قلت يا رسول الله ما عبدوهم قال:(( أحلوا لهم الحرام فأطاعوهم وحرموا عليهم الحلال فأطاعوهم فتلك عبادتهم إياهم)).
وهذا الغلو الذي في النصارى حتى اتخذوا المسيح وأمه إلهين من دون الله واتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله قد ذكروا أن أول من ابتدعه لهم بولص الذي كان يهوديا فأسلم واتبع المسيح نفاقا ليلبس على النصارى دينهم فأحدث لهم مقالات غالية وكثرت البدع في النصارى في اعتقاداتهم وعباداتهم كما قال تعالى:{ ورهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم إلا ابتغاء رضوان الله فما رعوها حق رعايتها فآتينا الذين آمنوا منهم أجرهم وكثير منهم فاسقون} [ سورة الحديد 27 ]
وكذلك أول ما ابتدعت مقالة الغالية في الإسلام من جهة بعض من كان قد دخل في الإسلام وانتحل التشيع وقيل أول من أظهر ذلك عبدالله بن سبأ الذي كان يهوديا فأسلم وكان ممن أقام الفتنة على عثمان ثم أظهر موالاة علي وهو من ابتدع الغلو في علي حتى ظهر في زمانه من ادعى فيه الإلهية
وسجدوا له لما خرج من باب مسجد كندة فأمر علي رضي الله عنه بتحريقهم بالنار بعد أن أجلهم ثلاثة أيام وفي الصحيح أن ابن عباس بلغه أن عليا حرق زنادقة فقال لو كنت أنا لم أحرقهم لنهى النبي صلى الله عليه و سلم أن يعذب بعذاب الله ولضربت رقابهم بالسيف لقول النبي صلى الله عليه و سلم:(( من بدل دينه فاقتلوه)) قالوا وهم هؤلاء وقد رووا قصتهم مستوفاة وروا أنه أظهر أيضا سب أبي بكر وعمر حتى طلب علي أن يقتله فهرب منه ولما بلغ عليا أن أقواما يفضلونه على أبي بكر وعمر قال لا أوتي بأحد يفضلني على أبي بكر وعمر إلا جلدته حد المفتري تحقيقا لما رواه البخاري في صحيحه عن محمد بن الحنفية أنه سأل أباه من خير الناس بعد رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال أبو بكر قال ثم من قال ثم عمر وقد روى ذلك عن على من نحو ثمانين طريقا وهو متواتر عنه وروى هذا المعنى عنه من وجوه مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه و سلم كما رواه الترمذي ورواه الدارقطني في كتاب ثناء الصحابة على القرابة وثناء القرابة وثناء القرابة على الصحابة وحينئذ ابتدع القول بأن عليا إمام منصوص على إمامته وابتدع أيضا القول بأنه معصوم أعظم مما يعتقده المؤمنون في عصمة الأنبياء بل ابتدع القول بنبوته وحدث بإزاء هؤلاء من اعتقد كفره وردته واستحل قتله على ذلك من الخوارج ومن اعتقد فسقه أو ظلمه من الأموية وبعض أهل الكلام من المعتزلة وغيرهم ومن لم يعتقد إمامته ولا إمامة غيره في زمانه أو جعل إمامته وإمامة غيره سواء مع اعتقاده فضله وسابقته فهؤلاء الثلاثة حدثت بإزاء تلك الثلاثة فالغالية والرافضة والمفضلة بإزاء المكفرة والمفسقة والمتوقفة عن اختصاصه بالإمامة إذ ذاك
ثم القائلون بأنه إمام منصوص عليه معصوم تفرقوا في الإمامة بعده تفرقا كثيرا مشهورا في كتب المقالات منهم الإثنا عشرية الذين يقولون بأن الإمامة انتقلت بالنص من واحد إلى واحد إلى المنتظر محمد بن الحسن الذي يزعمون أنه دخل سرداب سامراء سنة ستين ومائتين وهو طفل له سنتان أو ثلاث وأكث رما قيل خمس ويزعمون مع ذلك أنه إمام معصوم يعلم كل شيء من أمر الدين ويجب الإيمان به على كل أحد ولا يصح إيمان أحد إلا بالإيمان به ومع هذا فله اليوم أكثر من أربعمئة وأربعين سنة لم يعرف له عين ولا أثر ولا سمع له أحد بما يعتمد عليه من الخبر
وأهل المعرفة بالنسب يقولون إن الحسن بن علي العسكري والده لم يكن له نسل ولا عقب واتفق العقلاء على أنه لم يدخل السرداب أحد وأجمع أهل العلم بالشريعة على ما دل عليه الكتاب والسنة أن هذا لو كان موجودا لكان من أطفال المسلمين الذين يجب الحجر عليهم في أنفسهم وأموالهم حتى يبلغ ويؤنس منه الرشد كما قال تعالى:{ وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح فإن آنستم منهم رشدا فادفعوا إليهم أموالهم ولا تأكلوها إسرافا وبدارا أن يكبروا} [ سورة النساء 6 ].
وقد بسطنا القول في بيان فساد هذا في ذكر ما خاطبنا به الشيعة قبل هذا ثم في كتابنا الكبير المسمى بمنهاج أهل السنة النبوية في نقض كلام الشيع والقدرية.
ومن الرافضة من يزعم أن الإمام بعد علي أو بعد الحسين هو ابن علي محمد ابن الحنفية وهم الكيساينة ومنهم طوائف كثيرة ليس هذا موضعها إذ ليس في نحل الأمة أكثر تفرقا واختلافا منهم فإن أول من ابتدع مقالتهم كان منافقا زنديقا لم يك مؤمنا ثم انتشرت في أقوام لم يعرفوا أخبار المسلمين الأوائل ولم يقصدوا الزندقة.
والمقصود هنا أن هؤلاء هم أول من أظهر القول بأن في المؤمنين من لا ذنب له كما قال هذا السائل وادعوا عصمة الأئمة الإثنى عشر حتى عن الخطأ في الإجتهاد وعن نسيان العلم وعن عدم معرفة شيء من العلم فقالوا إنهم يعلمون كل شيء وادعوا عصمتهم من صغير الذنوب وكبيرها وغير ذلك وادعوا ذلك في الأنبياء أيضا لأنهم أفضل من الأئمة ولم يقل هذا في الأمة غيرهم على هذا الوجه لكن ظهر في صنفين من الأمة بعض بدعتهم طائفة من النساك والعباد يزعمون في بعض المشايخ أو فيمن يقولون إنه ولي الله أنه لا يذنب وبما عينوا بعض المشايخ وزعموا أنه لم يكن لأحدهم ذنب وربما قال بعضهم النبي معصوم والولي محفوظ ومن غالية هؤلاء من يعتقد في بعض المشايخ من الإلهية والنبوة ما اعتقدته الغالية في علي ويزعم أن الشيخ يخلق ويرزق ويدخل من يشاء الجنة ومن يشاء النار ويعبده ويدعوه كما يعبد الله ويقول كل رزق لا يرزقنيه الشيخ فلان فإني لا أريده ويذبح الذبائح باسمه ويصلي ويسجد إلى جهة قبره ويستغيث به في الحاجات كما يستغاث بالله تعالى فأما ضلال هذه الغالية فشرك واضح قد بيناه في غير هذا الموضع فإنه لا تجوز عبادة أحد دون الله ولا التوكل عليه والإستعانة به ودعاؤه ومسألته كما يدعى الله ويسأل الله، قال تعالى:{ قل ادعوا الذين زعمتم من دونه فلا يملكون كشف الضر عنكم ولا تحويلا أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة أيهم أقرب ويرجون رحمته ويخافون عذابه إن عذاب ربك كان محذورا } [سورة الإسراء 56 ـ57 ] وقال تعالى:{ قل ادعوا الذين زعمتم من دون الله لا يملكون مثقال ذرة في السموات ولا في الأرض وما لهم فيهما من شرك وما له منهم من ظهير ولا تنفع الشفاعة عنده إلا لمن أذن له}[ سورة سبأ 22 ـ23 ] وقال تعالى:{ من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه} [ سورة البقرة 255 ] وقال تعالى:{ أم اتخذوا من دون الله شفعاء قل أو لو كانوا لا يملكون شيئا ولا يعقلون قل لله الشفاعة جميعا له ملك السموات والأرض} [ سورة الزمر 43 ـ44 ] وقال تعالى:{ فلا تدع مع الله إلها آخر فتكون من المعذبين} [ سورة الشعراء 213 ] وقال تعالى:{ لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم وقال المسيح يا بني إسرائيل اعبدوا الله ربي وربكم إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار وما للظالمين من أنصار} [ سورة المائدة 72 ].
والمقصود هنا ذكر العصمة فقد أجمع جميع سلف المسلمين وأئمة الدين من جميع الطوائف أنه ليس بعد رسول الله صلى الله عليه و سلم أحد معصوم ولا محفوظ لا من الذنوب ولا من الخطايا بل من الناس من إذا أذنب استغفر وتاب وإذا أخطأ تبين له الحق فرجع إليه وليس هذا واجبا لأحد بعد رسول الله صلى الله عليه و سلم بل يجوز أن يموت أفضل الناس بعد الأنبياء وله ذنب يغفره الله وقد خفى عليه من دقيق العلم ما لم يعرفه ولهذا اتفقوا على أنه ما من الناس أحد إلا يؤخذ من قوله ويترك إلا رسول الله صلى الله عليه و سلم وذهب بعض الناس إلى أن قول أبي بكر وحده حجة وإن خالفه عمر ثم قول عمر حجة وإن خالفه عثمان وعلي وأما أئمة الإسلام فلا يقولون بهذا بل تنازعوا فيما إذا اتفق أبو بكر وعمر على قول هل يكون حجة على قولين هما روايتان عن أحمد والأظهر في الموضعين أن ذلك حجة لقوله صلى الله عليه و سلم اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر وقوله إن يطع القوم أبا بكر وعمر يرشدوا وقوله لو اتفقتما على شيء لم أخالفكما ولقوله عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل بدعة ضلالة وقد قال الخلافة بعدي ثلاثون سنة ثم تصير ملكا وقد كانت خلافة على تمام الثلاثين مع الأشهر التي تولاها الحسن رضي الله عنه واتفقوا على أنه ليس من شرط ولي الله أن لا يكون له ذنب أصلا بل أولياء الله تعالى هم الذين قال الله فيهم:{ ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون الذين آمنوا وكانوا يتقون} [سورة يونس:62 -63]
ولا يخرجون عن التقوى بإتيان ذنب صغير لم يصروا عليه ولا بإتيان ذنب كبير أو صغير إذا تابوا منه.
قال تعالى: {والذي جاء بالصدق وصدق به أولئك هم المتقون لهم ما يشاءون عند ربهم ذلك جزاء المحسنين ليكفر الله عنهم أسوأ الذي عملوا ويجزيهم أجرهم بأحسن الذي كانوا يعملون} [سورة الزمر:33- 35]
وقال تعالى: {إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم وتدخلك مدخلا كريما} [سورة النساء: 31]
وقال تعالى: {لقد تاب الله على النبي والمهاجرين والأنصار الذين اتبعوه في ساعة العسرة من بعد ما كاد يزيغ قلوب فريق منهم ثم تاب عليهم إنه رءوف رحيم وعلى الثلاثة الذين خلفوا حتى إذا ضاقت عليهم الأرض بما رحبت وضاقت عليهم أنفسهم وظنوا أن لا ملجأ من الله إلا إليه} [سورة التوبة:117- 118 ].
والفريق الثاني قوم من أهل الكلام من المعتزلة ومن اتبعهم زعموا أن الأنبياء عليهم السلام معصومون مما يتاب منه وأن أحدا منهم لم يتب عن ذنب وحرفوا نصوص الكتاب والسنة كعادة أهل الأهواء في تحريف الكلم عن مواضعه والإلحاد في أسماء الله وآياته وقد اتفق سلف الأمة وأئمتها ومن اتبعهم على ما أخبر الله به في كتابه وما ثبت عن رسوله من توبة الأنبياء عليهم السلام من الذنوب التي تابوا منها وهذه التوبة رفع الله بها درجاتهم فإن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين وعصمتهم هي من أن يقروا على الذنوب والخطأ فإن من سوى الأنبياء يجوز عليهم الذنب الخطأ من غير توبة والأنبياء عليهم السلام يستدركهم الله فيتوب عليهم ويبين لهم كما قال تعالى:{ وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته فينسخ الله ما يلقي الشيطان فتنة للذين في قلوبهم مرض والقاسية قلوبهم وإن الظالمين لفي شقاق بعيد } [سورة الحج 52ـ 53 ].
وقد ذكر الله تعالى قصة آدم ونوح وداود وسليمان وموسى وغيرهم كما تلونا بعض ذلك فيما ذكرناه من توبة الأنبياء واستغفارهم كقوله: {فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه} [سورة البقرة:37]
وقول نوح: {رب إني أعوذ بك أن أسألك ما ليس لي به علم وإلا تغفر لي وترحمني أكن من الخاسرين} [سورة هود:47]
وقول إبراهيم: {ربنا اغفر لي ولوالدي وللمؤمنين يوم يقوم الحساب} [سورة إبراهيم:41]
وقوله: {والذي أطمع أن يغفر لي خطيئتي يوم الدين} [سورة الشعراء:82]
وقوله سبحانه: {فاعلم أنه لا إله إلا الله واستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات} [سورة محمد: 19]
وقال تعالى: {وذا النون إذ ذهب مغاضبا فظن أن لن نقدر عليه فنادى في الظلمات أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين فاستجبنا له ونجيناه من الغم وكذلك ننجي المؤمنين} [سورة الأنبياء :87 -88 ]
وقال تعالى: {واذكر عبدنا داود ذا الأيد إنه أواب إنا سخرنا الجبال معه يسبحن بالعشي والإشراق إلى قوله ظن داود أنما فتناه فاستغفر ربه وخر راكعا وأناب فغفرنا له ذلك وإن له عندنا لزلفى وحسن مآب} إلى قوله: {ولقد فتنا سليمان وألقينا على كرسيه جسدا ثم أناب قال رب اغفر لي وهب لي ملكا لا ينبغي لأحد من بعدي إنك أنت الوهاب} الآية [سورة ص: 17- 35]
ولما كان اليهود ضد النصارى حيث قتلوا الأنبياء وكذبوهم جحدوا نبوة داود وهم لنبوة سليمان أجحد وزعموا أنهما كانا حكيمين وأن داود كان مسيحا وقد نزه الله سليمان مما تلته الشياطين على ملكه مما اتبعه السحرة من الصابئة والمشركين ومن اتبعهم من أهل الكتاب والمنتسبين إلى هذه الملة والسامرة أعظم جحودا لا يقرون إلا بنبوه موسى خاصة ويوشع بعده، والله سبحانه قد هدى الذين آمنوا لما اختلفوا فيه من الحق بإذنه والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم كما اختلفت الأمتان في المسح فقال تعالى:{ ذلك عيسى ابن مريم قول الحق الذي فيه يمترون ما كان لله أن يتخذ من ولد سبحانه إذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون} [ سورة مريم 34ـ 35 ].
وكذلك المنحرفون من هذه الأمة قد اختلفوا في علي وغيره كما تقدم فتجد أحدهم يغلو في الرجل العالم والعابد حتى يعتقد عصمته أو يجعله كالأنبياء أو فوقهم أو يجعل لهم حظا في الإلهية وتجد الآخر يقدح في ذلك فربما كفره أو فسقه أو أخرجه عن أن يكون من أولياء الله الذين آمنوا وكانوا يتقون فالأول يجعل ما صدر منه من اجتهاد وعمل صوابا وإن كان خطأ وذنبا والآخر يجعل صدور الذنب والخطأ منه مانعا من ولايته ووجوب موالاته وكلا القولين خطأ موروث عن أهل الكتابين كما قال صلى الله عليه و سلم في الحديث المتفق عليه لتركبن سنن من كان قبلكم حذو القذة بالقذة حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه قالوا اليهود والنصارى وقال فمن وقد ثبت في صحيح البخاري عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال في أم القرآن أنها أفضل سورة في القرآن وأنه لم ينزل في التوراة ولا في الإنجيل ولا في الزبور ولا في القرآن مثلها وأنها السبع المثاني والقرآن العظيم الذي أعطيه النبي صلى الله عليه و سلم حيث قال تعالى: {ولقد آتيناك سبعا من المثاني والقرآن العظيم} [سورة الحجر:87] .
وثبت في صحيح مسلم(( أن الله تعالى يقول قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين فنصفها لي ونصفها لعبدي ولعبدي ما سأل فإذا قال العبد الحمد لله رب العالمين قال الله حمدني عبدي فإذا قال الرحمن الرحيم قال أثنى علي عبدي فإذا قال مالك يوم الدين قال مجدني عبدي فإذا قال إياك نعبد وإياك نستعين قال هذه الآية بيني وبين عبدي نصفين ولعبدي ما سأل فإذا قال اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم قال فهؤلاء لعبدي ولعبدي ما سأل))
وهذه البدع هي وغيرها من البدع لا بد أن تنافي كمال الإيمان وتقدح في بعض حقائقه فإن رأس الإسلام شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله فلا بد من إخلاص الدين لله حتى لا يكون في القلب تأله لغير الله فمتى كان في القلب تأله لغير الله فذاك شرك يقدح في تحقيق شهادة أن لا إله إلا الله ولا بد من الشهادة بأن محمدا رسول الله وذلك يتضمن تصديقه في كل ما أخبر وطاعته فيما أمر به ومن ذلك الإيمان بأنه خاتم النبيين وأنه لا نبي بعده فمتى جعل لغيره نصيبا من خصائص الرسالة والنبوة كان في ذلك نصيب من الإيمان بنبي بعده ورسول بعده كالمؤمنين بنبوة مسيلمة والعنسي وغيرهما من المتنبئين الكذابين كما قال صلى الله عليه و سلم إن بين يدي الساعة ثلاثين دجالين كذابين كلهم يزعم أنه رسول الله فمن أوجب طاعة أحد غير رسول الله صلى الله عليه و سلم في كل ما يأمر به وأوجب تصديقه في كل ما يخبر به وأثبت عصمته أو حفظه في كل ما يأمر به ويخبر من الدين فقد جعل فيه من المكافأة لرسول الله والمضاهأة له في خصائص الرسالة بحسب ذلك سواء جعل ذلك المضاهي لرسول الله صلى الله عليه و سلم بعض الصحابة أو بعض القرابة أو بعض الأئمة والمشايخ أو الأمراء من الملوك وغيرهم وقد قال الله في كتابه :{يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول والأولى الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا}[سورة النساء:59].
فغاية المطاع بإذن الله أن يكون من أولى الأمر الذين أمر الله بطاعتهم من العلماء والأمراء ومن يدخل في ذلك من المشايخ والملوك وكل متبوع فإن الله تعالى أمر بطاعتهم مع طاعة رسوله كما قال: {أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم} فلم يقل: وأطيعوا أولي الأمر، ليبين أن طاعتهم فيما كان طاعة للرسول أيضا إذا اندراج الرسول في طاعة الله أمر معلوم فلم يكن تكرير لفظ الطاعة فيه مؤذنا بالفرق بخلاف ما لو قيل أطيعوا الرسول وأطيعوا أولى الأمر منكم فإنه قد يوهم طاعة كل منهما على حياله.
وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه و سلم في الصحيح أنه قال:(( إنما الطاعة في المعروف وقال لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق)) وقال:(( على المرء المسلم الطاعة فيما أحب وكره ما لم يؤمر بمعصية فإذا أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة))).
ولهذا قال سبحانه بعد ذلك:{ فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا} فلم يأمر عند التنازع إلى بالرد إلى الله والرسول دون الرد إلى أولى الأمر ولهذا كان أولو الأمر إذا اجتمعوا لا يجتمعون على ضلالة فإذا تنازعوا فالرد إلى كتاب الله وسنة رسوله لا إلى غير ذلك من عالم أو أمير ومن يدخل في ذلك من المشايخ والملوك وغيرهم ولو كان غير الرسول معصوما أو محفوظا فيما يأمر به ويخبر به لكان ممن يرد إليه مواقع النزاع كما يرده القائلون بإمام معصوم إليه وكما جرت عادة كثير من الأتباع أن يردوا ما تنازعوا فيه إلى الإمام والقدوة الذي يقلدونه.
ومعلوم أن علماء الطوائف ومقتصديهم لا يرون هذا الرد واجبا على الإطلاق لكن قد يفعلون ذلك لأنه لا طريق لهم إلى معرفة الحق واتباعه إلا ذلك لعجزهم عما سوى ذلك فيكونون معذورين وقد يفعلون ذلك اتباعا لهواهم في محبتهم لذلك الشخص وبغضهم لنظرائه فيكونون غير معذورين ولكن من اعتقد من هؤلاء في متبوعه أنه معصوم أو أنه محفوظ عن الذنوب والخطأ في الإجتهاد فذلك مردود عليه بلا نزاع بين أهل العلم والإيمان.
ولهذا إنما يقول ذلك غلاة الطوائف الذين يغلب عليهم اتباع الظن وما تهوى الأنفس وقد غلب على أحدهم جهله وظلمه وكما أن الغلو في غير الرسول صلى الله عليه و سلم فيه قدح في منصب الرسول وما خصه الله به وهو أحد أصلي الإسلام فكذلك الغلو في غير الله فيه قدح فيما يجب لله من الألوهية وفيما يستحقه من صفاته فمن غلا في البشر أو غيرهم فجعلهم شركاء في الألوهية أو الربوبية فقد عدل بربه وأشرك به وجعل له ندا ومن زعم أن الله ذم أحدا من البشر أو عاقبه على ما فعله ولم يكن ذلك ذنبا فقد قدح فيما أخب رالله به وما وجب له من حكمته وعدله فالجاهل يريد تنزيه الصحابة أو العلماء أو المشايخ من شيء لا يضيرهم ولا يضرهم ثبوته فيقدح في الرسول أو في الله تعالى ويريد تنزيه الأنبياء عما لا يضرهم ثبوته بل هو رفع درجة لهم فيقدح في الربوبية فتدبر هذا فإنه نافع.
والقائلون بعصمة الأنبياء من التوبة من الذنوب ليس لهم حجة من كتاب الله وسنة رسوله ولا لهم إمام من سلف الأمة وأئمتها وإنما مبدأ قولهم من أهل الأهواء كالروافض والمعتزلة وحجتهم آراء ضعيفة من جنس قول الذين في قلوبهم مرض والقاسية قلوبهم الذين قال الله فيهم ليجعل ما يلقى الشيطان فتنة للذين في قلوبهم مرض والقاسية قلوبهم وإن الظالمين لفي شقاق بعيد سورة الحج 53
وعمدة من وافقهم من الفقهاء أن الإقتداء بالنبي صلى الله عليه و سلم في أفعاله مشروع ولولا ذلك ما جاز الإقتداء به وهذا ضعيف فإنه قد تقدم أنهم لا يقرون بل لا بد من التوبة والبيان والإقتداء إنما يكون بما استقر عليه الأمر فأما المنسوخ والمنهي عنه والمتوب منه فلا قدوة فيه بالإتفاق فإذا كانت الأقوال المنسوخة لا قدوة فيها فالأفعال التي لم يقر عليها أولى بذلك.
وأما مذهب السلف والأئمة وأهل السنة والجماعة القائلين بما دل عليه الكتاب والسنة من توبة الأنبياء من الذنوب فقد ذكرنا من آيات القرآن ما فيه دلالات على ذلك.
وفي الصحيحين عن أبي موسى الأشعري عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه كان يدعو: (( اللهم اغفر لي خطيئتي وجهلي وإسرافي في أمري وما أنت أعلم به منى اللهم اغفر لي جدي وهزلي وخطئي وعمدي وكل ذلك عندي اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت وما أسررت وما أعلنت
وأما أنت أعلم به مني أنت المقدم وأنت المؤخر وأنت على كل شيء قدير)).
وفي الصحيح عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه كان يقول في استفتاح الصلاة: (( اللهم أنت الملك لا شريك لك أنت ربي وأنا عبدك ظلمت نفسي واعترفت بذنبي فاغفر لي ذنوبي جميعا فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت واهدني لأحسن الأخلاق فإنه لا يهدي لأحسنها إلا أنت واصرف عني سيئها فإنه لا يصرف عني سيئها إلا أنت ))
قال ثم يكون من آخر ما يقول بين التشهد التشهد والتسليم: (( اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت وما أسررت وما أعلنت وما أنت أعلم به مني أنت المقدم وأنت المؤخر لا إله إلا أنت )).
وفي الصحيحين عن أبي هريرة قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسكت بين التكبير والقراءة إسكاتة؛ فقلت بأبي وأمي يا رسول الله إسكاتك بين التكبير والقراءة ما تقول؟
قال: (( أقول: اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب اللهم نقني من الخطايا كما ينقي الثوب الأبيض من الدنس اللهم اغسل خطاياي بالماء والثلج والبرد)) .
وفي الصحيحين عن عائشة قالت كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يكثر أن يقول في ركوعه وسجوده: (( سبحانك اللهم ربنا وبحمدك اللهم اغفر لي )) يتأول القرآن.
وفي الصحيح أيضا عن أبي هريرة قال كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول:(( في سجوده اللهم اغفر لي ذنبي كله دقه وجله وأوله وآخره وعلانيته وسره وقليله وكثيره)).
وقد تقدم قوله في الحديث الصحيح ((إني لأسغفر الله وأتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين مرة ))وقوله:(( يا أيها الناس توبوا إلى ربكم فإني أتوب إليه في اليوم مائة مرة)) وقوله:(( إنه ليغان على قلبي وإني لأستغفر الله في اليوم مائة مرة )) وتقدم أيضا أنهم كانوا يعدون لرسول الله صلى الله عليه و سلم في المجلس الواحد يقول رب اغفر لي وتب علي إنك أنت التواب الغفور مائة مرة
وفي الصحيحين عن ابن عمر قال:(( كان رسول الله صلى الله عليه و سلم إذا قفل من غزو أو حج أو عمرة يكبر على كل شرف من الأرض ثلاث تكبيرات ثم يقول لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير آيبون تائبون عابدون لربنا حامدون صدق الله وعده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده )).
وفي السنن عن علي أنه أتى بدابة ليركبها؛ فلما وضع رجله في الركاب قال: (( بسم الله )) فلما استوى على ظهرها قال: (( الحمد لله سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين وإنا إلى ربنا لمنقلبون )) ثم قال: (( الحمد لله )) ثلاثا (( سبحانك إني ظلمت نفسي فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت )) ثم ضحك.
فقيل: من أي شيء ضحكت يا أمير المؤمنين؟
قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم صنع كما صنعت ثم ضحك؛ فقلت: من أي شيء ضحكت يا رسول الله؟
فقال: (( إن ربك ليعجب من عبده إذا قال رب اغفر لي ذنوبي يقول يعلم أن الذنوب لا يغفرها أحد غيري )).


رد مع اقتباس
  #2  
قديم 8 جمادى الأولى 1435هـ/9-03-2014م, 01:59 AM
هيئة الإدارة هيئة الإدارة غير متواجد حالياً
 
تاريخ التسجيل: Dec 2008
المشاركات: 29,544
افتراضي

أسماء الطلاب الذين أدوا التطبيق التاسع

1: أبو صهيب
2: أم جهاد الحربي
3: أم أسامة
4: محمد بدر الدين سيفي
5: طالبة العفو


رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
تطبيق9, رسالة

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
إبحث في الموضوع:

البحث المتقدم
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
تطبيق 7: بيان معنى الصراط المستقيم لشيخ الإسلام ابن تيمية عبد العزيز الداخل القراءة المنظمة 1 8 جمادى الأولى 1435هـ/9-03-2014م 01:19 AM
تطبيق 5: قاعدة جليلة في توحيد الله لشيخ الإسلام ابن تيمية عبد العزيز الداخل القراءة المنظمة 1 8 جمادى الأولى 1435هـ/9-03-2014م 12:53 AM
تطبيق 6: (بيان معنى الشرك) لشيخ الإسلام ابن تيمية عبد العزيز الداخل القراءة المنظمة 1 8 جمادى الأولى 1435هـ/9-03-2014م 12:48 AM
تطبيق 4: رسالة في أمراض القلوب وشفائها لشيخ الإسلام ابن تيمية عبد العزيز الداخل القراءة المنظمة 1 8 جمادى الأولى 1435هـ/9-03-2014م 12:46 AM
تطبيق 3: الوصية الجامعة لشيخ الإسلام ابن تيمية عبد العزيز الداخل القراءة المنظمة 1 8 جمادى الأولى 1435هـ/9-03-2014م 12:38 AM


الساعة الآن 07:48 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir