دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > برنامج إعداد المفسر > خطة التأهيل العالي للمفسر > منتدى الامتياز

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 21 ربيع الأول 1440هـ/29-11-2018م, 03:51 AM
هيئة الإدارة هيئة الإدارة غير متواجد حالياً
 
تاريخ التسجيل: Dec 2008
المشاركات: 29,544
افتراضي المجلس الثاني عشر: مجلس مذاكرة القسم الأول من تفسير سورة آل عمران

بسم الله الرحمن الرحيم
مجلس مذاكرة القسم الأول من تفسير سورة آل عمران
(الآيات 1-9)


حرر القول في واحدة من المسائل التالية:
1:
المراد بالآيات المحكمة والآيات المتشابهة.
2: الوقف والابتداء في قوله تعالى: {وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا}.


تعليمات الإجابة على المسائل:
هذا التطبيق مطلوب تقديمه في صورة خطوات منفصلة كالتالي:
أولا: ذكر مراجع البحث مرتّبة على مراتب مراجع الأقوال في التفسير.
ثانيا:
استخلاص الأقوال وتصنيفها ونسبتها.
ثالثا: تخريج الأقوال.
رابعا: توجيه الأقوال.
خامسا: دراسة الأقوال ونقدها وبيان الراجح منها.



تنبيهات:
- دراسة تفسير سورة آل عمران سيكون من خلال مجالس المذاكرة ، وليست مقررة للاختبار.
- مجالس المذاكرة تهدف إلى تطبيق مهارات التفسير التي تعلمها الطالب سابقا.
- لا يقتصر بحث المسائل على التفاسير الثلاثة الموجودة في المعهد.
- يوصى بالاستفادة من التفاسير الموجودة في جمهرة العلوم، وللطالب أن يستزيد من غيرها من التفاسير التي يحتاجها.
- تبدأ مهلة الإجابة من اليوم إلى الساعة السادسة صباحاً من يوم الأحد القادم، والطالب الذي يتأخر عن الموعد المحدد يستحق خصم التأخر في أداء الواجب.



تقويم أداء الطالب في مجالس المذاكرة:
أ+ = 5 / 5
أ = 4.5 / 5
ب+ = 4.25 / 5
ب = 4 / 5
ج+ = 3.75 / 5
ج = 3.5 / 5
د+ = 3.25 / 5
د = 3
هـ = أقل من 3 ، وتلزم الإعادة.

معايير التقويم:
1: صحة الإجابة [ بأن تكون الإجابة صحيحة غير خاطئة ]
2: اكتمال الجواب. [ بأن يكون الجواب وافيا تاما غير ناقص]
3: حسن الصياغة. [ بأن يكون الجواب بأسلوب صحيح حسن سالم من ركاكة العبارات وضعف الإنشاء، وأن يكون من تعبير الطالب لا بالنسخ واللصق المجرد]
4: سلامة الإجابة من الأخطاء الإملائية.
5: العناية بعلامات الترقيم وحسن العرض.

نشر التقويم:
- يُنشر تقويم أداء الطلاب في جدول المتابعة بالرموز المبيّنة لمستوى أداء الطلاب.
- تكتب هيئة التصحيح تعليقاً عامّا على أجوبة الطلاب يبيّن جوانب الإجادة والتقصير فيها.
- نوصي الطلاب بالاطلاع على أجوبة المتقنين من زملائهم بعد نشر التقويم ليستفيدوا من طريقتهم وجوانب الإحسان لديهم.


_________________

وفقكم الله وسدد خطاكم ونفع بكم

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 24 ربيع الأول 1440هـ/2-12-2018م, 01:25 AM
عقيلة زيان عقيلة زيان غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - الامتياز
 
تاريخ التسجيل: May 2011
المشاركات: 700
افتراضي

حرر القول في واحدة من المسائل التالية:

2: الوقف والابتداء في قوله تعالى: {وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا}.
هذه المسألة تفسيرية ؛ لغوية لها ؛ و علاقة بعلوم القران –الوقف والابتداء –المحكم المتشابه-؛ عقدية مسألة التأويل؛ وبالقراءات
أولا: ذكر مراجع البحث مرتّبة على مراتب مراجع الأقوال في التفسير.
المرتبة الأولى: كتب التفسير في دواوين السنّة
-سنن سعيد بن منصور .(ت227)
- الجامع في علوم القرآن لعبد الله بن وهب المصري ت ( 197 )
-- صحيح البخاري ت (256)
المرتبة الثانية: كتب التفسير في جوامع الأحاديث :
- تفسير السيوطي ،جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت911هـ)
المرتبة الثالثة: التفاسير المسندة المطبوعة
- تفسير عبدالرزاق (211)
- جامع البيان أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ( 310هـ)
- تفسير القرآن العظيم ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (327هـ)
- معالم التنزيل لأبي محمد الحسين بن مسعود البغوي (516هـ).
المرتبة الرابعة: التفاسير المسندة التي طُبع شيء منها :
-تفسير ابن المنذر . (ت:319)
المرتبة الخامسة: أجزاء وصحف تفسيرية مطبوعة :
---تفسير ابن وهب(197)
- تفسير مجاهد بن جبر،من رواية عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (352هـ)
المرتبة السادسة: التفاسير التي تنقل أقوال السلف في التفسير
- المحرر الوجيز لابن عطية(542هـ).
- النكت والعيون للماوري(450هـ).
- زاد المسير لابن الجوزي (597هـ).
- الجامع لأحكام القرآن للقرطبي(671هـ).
- تفسير ابن كثير لإِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (774 هـ)
المرتبة الثامنة: شروح الأحاديث :
- فتح الباري لابن حجر: ت ( 852ه)
- عمدة القاري لمحمود بن أحمد بن موسى العيني ت :( 855)
- إرشاد الساري لأحمد بن محمد القسطلاني ت ( 923)
-شرح مشكل الآثار للطحاوي (321)
-
كتب أحكام القران
- أحكام القران لأبي بكر الجصاص (370)
- أحكام القران بالكيا الهراسي (504)
ومن المصادر اللغوية :
من المرتبة الأولى كتب معاني القران:
- معاني للقران للفراء (207)
- تأويل مشكل القرآن لابن قتيبة الدينوري ت :( 276)
- معاني القرآن أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (338هـ)
-المرتبة الثانية كتب غريب القران
- تفسير غريب القرآن، لابن قتيبة (276)
- مفردات غريب القران الأصبهاني (502)
ومن المرتبة الثالثة :
- الأضداد ، لمحمد بن القاسم بن بشار الأنباري (328)

المرتبة الرابعة: التفاسير التي يعنى أصحابها بالمسائل اللغوية،
مجموع الفتاوى لشيخ الاسلام (728هـ)
- وما جمع من تفسير ابن القيّم رحمه الله. (751هـ)
أضواء البيان للشنقيطي (1393ه)
- والتحرير والتنوير لابن عاشور. (1393ه)

المرتبة الخامسة كتب خاصة بالمسألة
-فهم القران للمحاسبي (243)
-تأويل مشكل القران ابن قتيبة (276)
-
القطع والائتناف أبو جعفر النحاس (338)
- إعراب القران للنحاس ( 338 )

-
الانتصار للقرآن للباقلاني (403)
-المكتفى في الوقف والابتداء أبو عمرو الداني (444هـ)
- إبطال التأويلات لأخبار الصفات القاضي أبو يعلى (ات: 458هـ)
-إعراب القران للأصبهانى (535 هـ)
-التبيان في إعراب القران العكبري (616هـ)
-البرهان في علوم القرآن الزركشي (المتوفى: 794هـ)

-معترك الأقران في إعجاز القرآن، السيوطى (911)
-منار الهدىفي بيان الوقف والابتداء الأشموني (ت 1100هـ)

-
مباحث في علوم القرآن مناع بن خليل القطان (1420هـ)
-مفهوم التفسير والتأويل والاستنباط والتدبر والمفسر د مساعد الطيار
-القرآن ونقض مطاعن الرهبان د صلاح عبد الفتاح الخالدي
-التفسير والتأويل في القرآن صلاح عبد الفتاح الخالدي (معاصر)
-محاضرات في علوم القرآن أبو عبد الله غانم بن قدوري

**************
ثانيا: استخلاص الأقوال وتصنيفها ونسبتها.
لأهل العلم قولان في هذه المسألة
الأول : الوقف على لفظ الجلالة ( إلا الله ) ، ثم الابتداء بما بعده .
الثاني : وصل قوله تعالى ( والراسخون في العلم ) بلفظ الجلالة .




عرض الأقوال:

القول الأول : الوقف على لفظ الجلالة ( وما يعلم تأويله إلا الله )؛ وهو وقف تام ، ثم الابتداء بما بعده ( والراسخون في العلم يقولون آمنّا به ..) .

ومِمَّنْ قالَ به منَ السَّلفِ: عَائِشَةُ بنت الصِّديقِ) (58)،وابن عباس(68) ؛ وعُرْوَةُ بُنُ الزُّبَيرِ (:94)، وأبي الشّعثاء، وأبي نهيك؛وعُمَرُ بُنُ عَبْدِ العَزِيزِ (:101)، ومَالِكُ بُنُ أَنَسٍ (ت:179) وغيرُهم.
وقال به من اللُّغويِّين: عليُّ بن حمزة الكِسَائِيُّ (ت:183) ، وأبو زكريَّا الفَرَّاءُ (ت:207) ، والأخْفشُ (ت:215) ، وأبو عُبَيدٍ القاسم بن سلام(ت:224) ، وأبو حَاتِم السجستانيُّ (ت:255) ، وأبو إسحاق الزَّجَّاجُ (ت:311) ، وأبو بكر بن الأنباريِّ (ت:328) ، وغيرُهم.وهو اختيار ابن جريرو الشنقيطي

وهو مذهب الأكثرون من الصحابة والتابعين وتابعيهم ومن بعدهم خصوصاً أهل السنة كما قال السيوطي
و قال السيوطى :وهو أصح الروايات عن ابن عباس.
قال ابن السمعاني: لم يذهب إلى القول الأخر إلا شرذمة قليلة.

تخريج القول الأول :


-أما قول عائشة فأخرجه ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم من طريق نافعٍ بن عمر الجمحي ، عن ابن أبي مليكة، عنها .
- قال ابن جرير :حدّثني محمّد بن عبد اللّه بن عبد الحكم، قال: حدّثنا خالد بن نزارٍ، عن نافعٍ، عن ابن أبي مليكة، عن عائشة، قوله: {والرّاسخون في العلم يقولون آمنّا به} قالت: كان من رسوخهم في العلم أن آمنوا بمحكمه ومتشابهه، ولم يعلموا تأويله ) .
وقال ابن المنذر
حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ هَارُونَ، قَالَ: حَدَّثَنَا دَاوُدُ بْنُ عَمْرٍو الضَّبِّيُّ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، عنها
قال ابن أبي حاتم حَدَّثَنَا أَبِي ثنا يَسَرَةُ بْنُ صَفْوَانَ، ثنا نَافِعُ بْنُ عُمَرَ الْجُمَحِيُّ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ عنها


• أما قول ابن عباس فأخرجه عبد الرزاق من طريق معمر عن ابن طاووس عن أبيه عنه ، ورواه ابن جرير عنه . عن الحسن بن يحيى
حدث عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن ابن طاووسٍ، عن أبيه، قال: كان ابن عبّاسٍ يقول: {وما يعلم تأويله إلاّ اللّه} يقول الرّاسخون في العلم: آمنّا به.

و أمّا قول عروة فأخرجه ابن وهب عن ابن أبي الزناد، عن هشام ، عنه ، وأخرجه ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن وهب بسنده .
- قال ابن وهبٍ، قال: أخبرني ابن أبي الزّناد، قال: قال هشام بن عروة:.....و كان أبي يقول في هذه الآية {وما يعلم تأويله إلاّ اللّه والرّاسخون في العلم} أنّ الرّاسخين في العلم لا يعلمون تأويله، ولكنّهم يقولون: {آمنّا به كلٌّ من عند ربّنا}.

و أما قول أبي نهيك الأسدي فأخرجه ابن جرير من طريق يحيى بن واضح عن عبيد الله عنه .
- قال ابن جرير : حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا يحيى بن واضحٍ، قال: حدّثنا عبيد اللّه، عن أبي نهيكٍ الأسديّ، قوله: {وما يعلم تأويله إلاّ اللّه والرّاسخون في العلم} فيقول: إنّكم تصلون هذه الآية وإنّها مقطوعةٌ {وما يعلم تأويله إلاّ اللّه والرّاسخون في العلم يقولون آمنّا به كلٌّ من عند ربّنا} فانتهى علمهم إلى قولهم الّذي قالوا.


• و أما قول أبي الشعثاء فأخرجه ابن أبي حاتم منطريق أبي تميلة عن أبي منيب عنه
.
قال ابن أبي حاتم: حدّثنا عبد اللّه بن سعيدٍ الأشجّ، ثنا أبو تميلة، أنبأ أبو منيبٍ، عن أبي الشّعثاء وأبي نهيكٍ في قوله: وما يعلم تأويله إلّا اللّه والرّاسخون في العلم قال:
إنّكم تصلون هذه الآية وهي مقطوعةٌ ثمّ يقرأ: والرّاسخون في العلم يقولون آمنّا به كل من عند ربّنا فأثنى عليهم إلى قوله الّذين قالوا وما يعلم تأويله إلا اللّه ثمّ قال: والرّاسخون في العلم يقولون آمنّا به



- أما قول عمر ابن العزيز فأخرجه ابن جرير وابن المنذر من طريق عن عمرو بن عثمان عنه
قال ابن جرير حدثنا المثنى ، قال : حدثنا ابن دكين ، قال : حدثنا عمرو بن عثمان بن عبد الله بن موهب ، قال : سمعت عمر بن عبد العزيز يقول : { الرّاسِخُونَ فِي العِلْمِ } انتهى علم الراسخين في العلم بتأويل القرآن إلى أن قالوا : { آمَنّا بِهِ كُلّ مِنْ عِنْدِ رَبّنَا } .

- وقال ابن المنذر :حَدَّثَنَا علي بْن عَبْد العزيز، قَالَ: حَدَّثَنَا أبو نعيم، قَالَ: حَدَّثَنَا عمرو بْن عثمان،عنه


-أما قول مالك فقد أخرجه ابن جرير من طريق يونس عن أشهب عنه.

قال ابن جرير
: حدثني يونس قال : أخبرنا أشهب ، عن مالك في قوله : { وما يعلم تأويله إلا الله } قال : ثم ابتدأ فقال : { والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا } وليس يعلمون تأويله .


- وروى قوله أيضا ابن القاسم ذكره ابن رشد في البيان والتحصيل
قال ابن رشد : قال ابن القاسم : وسألته-يعني مالكا- عن تفسير قول الله عز وجل : { وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا } أيعلم تأويله الراسخون في العلم ؟ قال : لا ، إنما تفسير ذلك أن الله عز وجل قال : { وما يعلم تأويله إلا الله } ثم أخبر فقال : { والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا } ليس يعلمون تأويله . والآية التي بعدها أشد عندي قوله : { ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب } .


-أما قول أبي عبيد القاسم بن سلام فقد أخرجه ابن المنذر

قال ابن المنذر: حَدَّثَنَا علي بْن عَبْد العزيز، عَنْ أبي عبيد، قَالَ: " قَدْ خولف مجاهد فِي هَذَا التفسير، يعني: أن الراسخين فِي العلم يعلمون تأويله " قَالَ أبو عبيد: وإنما المعروف فِيهِ أن الْكَلام انقطع عِنْد قوله: {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلا اللهُ} ، ثُمَّ ابتدأ، فَقَالَ: {وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ} ، فوصفهم بالإيمان، ولم يصفهم بالعلم بالتأويل

الحجج والأقوال :

وكانت حجج القوم على ما صحة ذهبوا إليه من أوجه:
1-جهة دلالة الآية
-المتشابهات فيها لَبْساً وإِشكالاً، ومَعْناها غيرُ واضحٍ وُضوحَ معنى المحكَمات فأنى يكون لهم العلم به..قَالَ عُبَيْدَة السَّلمَانِي من أَيْن يعلمُونَ تَأْوِيله وَإِنَّمَا انْتهى علم الراسخين إِلَى أَن قَالُوا {آمنا بِهِ كل من عِنْد رَبنَا}.
-
-هذه الآية جاءت على وزان ما جاءت به كثير من آيات الذكر الحكيم في مدح الذين يؤمنون بالغيب كما قال {الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بالغيب}..فلو كانت الواو للعطف لم يكن هناك غيب يؤمنون به ويمدحون عليه

-
اللَّهَ سبحانه وتعالى قَالَ: {وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ}. أي صدقنا به ؛ ولم يقل أنهم يقولوا علمنا به. فلم يقتضى العطف المشاركة في العلم .فأنى يكونوا لهم العلم..
-الآيات جاءت في سياق ذم مبتغي التأويل؛ فلو كان ذلك للراسخين في العلم معلوما لكان مبتغيه ممدوحا لا مذموما
- معنى التأويل هو ما تؤول إليه حقيقة الأمور

2-ترتب لوازم فاسدة بالقول بأن الواو في قوله "والراسخون " للعطف:
-يقتضي مشاركة الراسخين الله عزوجل في العلم..وعلم الله لا يشاركه أحد ؛ فهذا من المحال .فاحتاج الكلام إلى إضمار و الإضمار ترك الحقيقة..ولاقتضى ذلك إضافة قول "أمنا به " إِلَى اللَّهِ، وَلَا يجوز إِضافة ذَا القَوْل إِلَى الله تَعَالَى.
-يلزم منه أنه لا يكون في القران متشابه ، ، وَكَانَ جَمِيعه محكما، وَقد أخبر اللَّه تَعَالَى: أَن فِيهِ محكما، وَفِيه متشابها.
- لزم أن يكون قَوْلُهُ: {يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ} مُبْتَدَأً، وَلا يَصِحُّ الابْتِدَاءُ بِهِ لأَنَّهُ غَيْرُ مُفِيدٍ لِتَعَلُّقِهِ بِمَا قَبْلَهُ، وَإِذَا كَانَتِ الْوَاوُ لِلاسْتِئْنَافِ حَصَلَ الْمُبْتَدَأُ: {وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ} فَيَكُونُ كَلامًا مُفِيدًا لأَنَّهُ غَيْرُ مُتَعَلِّقٍ بِمَا قَبْلَهُ
-لزم منه أن قوله تعالى " كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا" لا فائدة فيه .

3-جهة القراءات
وعضدوا قولهم هذا بما ورد من قراءات في الآية
1-- قراءة عبد الله ابن مسعود فقد كان يقرأ رضي الله عنه " إنْ تأويله إلا عند الله ، والراسخون في العلم يقولون

وأخرج ابن أبي داود في المصاحف من طريق الأعمش، قال في قراءة ابن مسعود: وإنْ تأويله إلا عند الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به. ذكر ذلك السيوطي في معترك الأقران ورجعت غلى كتاب المصاحف فلم أجده بهذا اللفظ....بل قال ابن أبي داود فِي قِرَاءَةِ عَبْدِ اللَّهِ: (الْحَيُّ الْقَيَّامُ) ، (وَإِنْ حَقِيقَةُ تَأْوِيلِهِ إِلَّا عِنْدَ اللَّهِ. وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ)
2 - قراءة أبىّ وابن عباس رضي الله عنهما فقد قرءا " ويقول الراسخون "
حدث عبد الرزاق الصنعاني قال نا معمر عن ابن طاوس عن أبيه قال : كان ابن عباس يقرؤها : [ وما يعلم تأويله إلا الله ويقول الراسخون في العلم آمنا به ]
وهذه القراءة وإن لم تثبتْ بها القراءة فأقل درجاتها أن تكون خبرا بإسناد صحيح إلى ترجمان القرآن، فيقدم كلامه في ذلك على مَنْ دونه.


و رد أن هذه القراءات مخالفة للرسم المصحف وإن صحّت فليس فيها حجة لمن قال الراسخون في العلم ويقول الراسخون في العلم آمنا بالله. فأظهر ضمير الراسخين ليبيّن المعنى كما أنشد سيبويه: [الخفيف]
-لا أرى الموت يسبق الموت شيء ... نغّص الموت ذا الغنى والفقيرا .

-4 جهة الآثار والحديث المروية
- ومما تمسكوا به حديث رواه الطبراني في المعجم الكبير (3/ 293)
قال حَدَّثَنَا هَاشِمُ بْنُ مَرْثَدٍ الطَّبَرَانِيُّ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ، حَدَّثَنِي أَبِي، حَدَّثَنِي ضَمْضَمُ بْنُ زُرْعَةَ، عَنْ شُرَيْحِ بْنِ عُبَيْدٍ، عَنْ أَبِي مَالِكٍ الْأَشْعَرِيِّ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " لَا أَخَافُ عَلَى أُمَّتِي إِلَّا ثَلَاثَ خِلَالٍ: أَنْ يُكْثَرَ لَهُمْ مِنَ الْمَالِ فَيَتَحَاسَدُوا فَيَقْتَتِلُوا، وَأَنْ يُفْتَحَ لَهُمُ الْكُتُبُ يَأْخُذُ الْمُؤْمِنُ يَبْتَغِي تَأْوِيلَهُ، وَلَيْسَ يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللهُ، وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبَّنَا، وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ، وَأَنْ يَرَوْا ذَا عِلْمِهِمْ فَيُضَيِّعُوهُ وَلَا يُبَالُونَ عَلَيْهِ "
- و بما رَوَاهُ ابْنُ الْمُظَفَّرِ الْحَافِظُ فِي أَوَّلِ كِتَابِ السُّنَنِ بِإِسْنَادِهِ،عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " أُنْزِلَ الْقُرْآنُ عَلَى أَرْبَعَةِ أَحْرُفٍ: حَلالٌ وَحَرَامٌ لا يُعْذَرُ أَحَدٌ بِالْجَهَالَةِ بِهِ، وَتَفْسِيرٌ تُفَسِّرُهُ الْعَرَبُ، وَتَفْسِيرٌ تُفَسِّرُهُ الْعُلَمَاءُ، وَمُتَشَابِهٌ لا يَعْلَمُهُ إِلا اللَّهُ، مَنِ ادَّعَى عِلْمَهُ سِوَى اللَّهِ فَهُوَ كَاذِبٌ "
وقد روي هذا الأثر موقوفا على ابن عباس قال: أَنْزَلَ اللَّهُ الْقُرْآنَ عَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ حَلَالٍ وحرام ووجه لا يسع أحد جَهَالَتُهُ وَوَجْهٍ تَعْرِفُهُ الْعَرَبُ وَوَجْهٌ تَأْوِيلٌ لَا يَعْلَمُهُ إِلَّا اللَّهُ"
-وبما روى أَبُو هُرَيْرَةَ وعبد الله بن عمرو، عن النبي، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " يحمل هَذَا العلم من كل خلف عدوله ينفون عنه تحريف الغالين، وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين " فوجه الدلالة أنه منع التأويل فِي ذَلِكَ.
-وأيضا بما أخرجه ابن مَرْدَويه من حديث عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: إن القرآن لم ينزل ليكذّب بعضه بعضاً، فما عرفتم منه فاعملوا به، وما تشابه منه فآمنوا به.
-وبما أخرج الحاكم، عن ابن مسعود، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، قال: كان الكتاب الأول ينزل من باب واحد على حرف واحد، ونزل القرآن من سبعة أبواب على سبعة أحرف: زاجر، وآمر، وحلال، وحرام، ومحكم، ومتشابه، وأمثال، فأحِلّوا حلاله وحرِّموا حرامه، وافعلوا ما أمرتم به، وانتهوا عما نُهيتم عنه، واعتبروا بأمثاله، واعملوا بمحكمه، وآمنوا بمتشابهه، وقولوا: (آمنّا به كلّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا) .

5- واستدلوا أيضا بجملة من آثار تدل أن السلف من الصحابة توقفوا في تفسير بعض الآيات القران وأوكلوا علمها إلى الله

-ما روي عن أبي بكر الصديق أنه قال لما سئل عن الأب :أي سماء تضلني وأي أرض تقلني إذا قلت في كتاب الله بما لا أعلم
- وَقَالَ حميد، عن أنس: تلى عمر عَلَى المنبر: {وَفَاكِهَةً وَأَبًّا} فقال: هَذِهِ الفاكهة قد عرفناها فما الأب؟ ثم رجع عَلَى نفسه فقال: لعمرك يا ابن الخطاب إن هَذَا لهو التكلف.
-وروي عن ابن عباس أنه قال لا أدري ما الأواه [التوبة: 114] وما غِسْلِينٍ [الحاقة: 36].

- وعن ابن أَبِي مليكة قَالَ: دخلت عَلَى ابن عباس أنا وعبد الله بن فيروز مولى عثمان، فقال له عبد الله: يا أَبَا العباس {تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ} أي يوم هَذَا؟ فقال ابن عباس: من أنت؟ فانتسب له فلما عرفه قَالَ: مرحبا بك، {يُدَبِّرُ الأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ} أي يوم هَذَا؟ قَالَ: أنا سألتك يا ابن العباس لتخبرني؟ قَالَ: أيام سماها الله، عَزَّ وَجَلَّ، هو أعلم بها كيف تكون، أكره أن أقول فِي كتاب الله، عَزَّ وَجَلَّ، بما لا أعلم.

-وأخرج الدارمي في مسنده، عن سليمان بن يسار - أن رجلا يقال له صَبِيغ قدم المدينة، فجعل يسأل عن متشابه القرآن، فأرسل إليه عمر - وقد أعد له عراجين النخل، فقال: من أنت، قال: أنا عبد الله صبيغ، فأخذ عمر عرجوناً من تلك العراجين فضربه حتى أدمى رأسه.
وفي رواية عنده: فضربه بالجريد حتى ترك ظهره دَبِراً، ثم تركه حتى برأ، فدعا به ليعود، فقال: إن كنت تريد قتلي فاقتلني قتلاً جميلاً، فأذن له إلى أرضه. وكتب إلى أبي موسى الأشعري ألا يجالسه أحد من المسلمين

- وأخرج الدارمي، عن عمر بن الخطاب - أنه قال: إنه سيأتيكم ناس يجادلونكم بمشتبهات القرآن، فخذوهم بالسنن، فإن أصحاب السنن أعلم بكتاب الله

فهذه الآثار تدل على أن المتشابه مما لا يعلمه إلا الله، وأن الخوض فيه مذموم

-قالوا أن التـأويل في الآية معناه ما تؤول إليه حقائق القرآن وأخباره المغيَّبة، وهذا لا يعلمه إلا الله تعالى، فلا يعلم متى وقوعها ولا كيفية وقوعها إلا هو سبحانه، ومن ادَّعى علمها فقد كذب على الله.
-


6- جهة النحو وقواعد اللغة

- جملة "يقولون" في محل نصب حال على القول بأن الواو عاطفة وهذا الإعراب مشكل من جهات
-:
1- أَنَّهَا حَالٌ مِنَ الْمَعْطُوفِ وَهُوَ الرَّاسِخُونَ، دُونَ الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ وَهُوَ لَفْظُ الْجَلَالَةِ. وَالْمَعْرُوفُ إِتْيَانُ الْحَالِ مِنَ الْمَعْطُوفِ وَالْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ مَعًا كَقَوْلِكِ: جَاءَ زَيْدٌ وَعَمْرٌو رَاكِبَيْنِ.
2- المعروف من قواعد اللغة أن الحال قيد لعاملها ووصف لصحابها.. فيشكل تقييد العامل "يعلم" بهذه الحال " يقولونا أمنا" ..لأن مفهومه أنهم حال عدم قولهم أمنا به لا يعلمون تأويله وهذا باطل.فهذا دليل قوي على منع الحالية في جملة يقولون على القول بالعطف.

7- الرد على المعترض

-ولا مجال للمعترض أن يقول أن قولكم هذا يلزم منه أننا كلفنا بالإيمان بما نحيط علما بحقيقته ؛فيقال أنه غير ممتنع صحة الإيمان بما لا نعلم حقيقته وقد أمرنا أَنْ نُؤْمِنَ بِمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَبِالْجَنَّةِ وَنَعِيمِهَا وَبِالنَّارِ وَأَلِيمِ عَذَابِهَا، وَمَعْلُومٌ أَنَّا لا نُحِيطُ عِلْمًا بِكُلِّ شَيْءٍ مِنْهَا عَلَى التَّفْصِيلِ..

ومما اعترض عليه. أنه لا فائدة في خطاب لا يعلم تأويله ..ويستحيل أن يكون في القران ما لا فائدة فيه قيل بل فيه فائدة وهو اختبارالعبد بالإيمان به؛ ليؤمن به المؤمن فيسعد ؛ ويكفر به الكافر فيشقى..ثم يقال لَئِنْ جَازَ أَنْ يُقَالَ: إِنَّ هَذَا لا يُفِيدُ جَازَ أَنْ يُقَالَ: إِنَّ أَمْرَنَا بِالإِيمَانِ بِمَلائِكَتِه وَرُسُلِهِ وَنَعِيمِ الْجَنَّةِ لا يُفِيدُ لأَنَّا لا نَعْلَمُهُ ولا قائل به

. وقيل أن الله تعبد عباده من كتابه بما لا يعلمون وهو المتشابه كما تعبدهم من دينه بما لا يعقلون وهو التعبدات


-ومما يرد به على القول الأخر استدلالهم بقول مجاهد قالوا..والحديثان اللَّذان احتجَّ بهما أَصحابُ القول الأخر لا يصحَّحان، لأَنَّ ابن أَبي نَجيح هو الرَّاوي لهما عن مجاهد. وقد قال ابن عُيينة: لم يسمع ابن أَبي نَجيح التفسيرَ
عن مُجاهد، والآثار كلّها تُبْطِلها.

توجيه القول
هذا القول مبني على أمور:
- الواو في "والراسخون" للاستئناف؛ "والراسخون" رفع بالابتداء و "يقولون" في موضع رفع خبر
- معنى التشابه و التأويل ؛ فالمتشابه معناه ما لا يعلم ويعرف معناه
-التأويل معناه ما تؤول إليه حقيقة الأمر
- جوزا أن يتعبدنا الله بالإيمان بما لا يعرف معناه اختبارا و وابتلاء




القول الثاني:

وصل قوله تعالى ( والراسخون في العلم ) بلفظ الجلالة .. الواو عاطفة ؛عطف الراسخون في العلم على لفظ الجلالة الله..والمعنى وما يعلم تأويله إلى الله والراسخون في العلم..اشترك الراسخون في العلم مع الله عزوجل في معرفة تأويل المتشابه

وقال به من السَّلفِ: ابنُ عَبَّاسٍ (ت:68) ، ومجاهد (ت:104) ، والرَّبيعُ بن أنس البكريُّ (ت:139). وقتادة(117)
ومن اللُّغويِّين: ابنُ قتيبة (ت:276) ، وعليُّ بنُ سليمانَ الأخفشُ (ت:315) ، وغيرهم.
والنحاس(338)..و وابو البقاء العكبري (616ه)؛ وهو اختيار الطاهر ابن عاشور
والفراء وأبي عبيدة وأبي حاتم كما ذكر ذلك أبو جعفر النحاس ولم أجد فيما وصلت من كلامهم ما يدل عليه.
******


تخريج الأقوال

فأما قول ابن عباس (68) فرواه ابن جرير وابن المنذر و عبد الرحمن بن الحسن الهمذاني من طريق ابن نجيح عن مجاهد عنه .


قال ابن جرير : حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، عن عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، عن ابن عبّاسٍ، أنّه قال: أنا ممّن يعلم تأويله.
قال ابن المنذر : حَدَّثَنَا أَبُو سَعْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو سَلَمَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ عِيسَى، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِه

وأما قول مجاهد(104) فرواه ابن جرير وعبد الرحمان من طريق ابن أبي نجيح عنه .
ورواه
.وابن المنذر وأبي القاسم بن سلام في فضائل القران عبيد من طريق أبي جريج عنه
و رواه عبد بن حميد كما ذكر السيوطى
- قال ابن جرير : حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، عن عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، والرّاسخون في العلم يعلمون تأويله ويقولون آمنّا به.
قال عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: نا إِبْرَاهِيمُ، قَالَ: نا آدَمُ، قَالَ: نا وَرْقَاءُ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ قَالَ: " يَعْلَمُونَ تَأْوِيلَهُ , وَ {يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا} [آل عمران: 7] "

قال ابن المنذر حَدَّثَنَا علي بْن عَبْد العزيز، عَنْ أبي عبيد، قَالَ: حَدَّثَنَا حجاج، عَنْ ابْن جريج، عَنه
وقال أبو عبيد قال حَدَّثَنَا أَبُو عُبَيْدٍ قَالَ وَحَدَّثَنَا حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ} [آل عمران: 7] قَالَ: «الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَعْلَمُونَ تَأْوِيلَهُ وَيَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ» . وَفِي غَيْرِ قَوْلِ مُجَاهِدٍ قَالَ: انْتَهَى عِلْمُهُمْ إِلَى أَنْ قَالُوا {آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا} [آل عمران: 7]
قال السيوطي : أخرج عبيد بن حميد عن مجاهد في قوله: (وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ) - قال: يعلمون تأويله ... ويقولون آمنّا له

وأما قول الضحاك(105) فأخرجه ابن أبي حاتم من طريق حم بن نوح عن أبي معاذ عن أبي مصلح عنه
.
قال ابن أبي حاتم
حدّثنا عبد اللّه بن سليمان الأشعث، ثنا حم بن نوحٍ، ثنا أبو معاذٍ، ثنا أبو مصلحٍ، عن الضّحّاك: وما يعلم تأويله إلّا اللّه والرّاسخون في العلم .



- أما قول قتادة(117)فأخرجه ابن أبي حاتم من طريق شيبان عنه وابن المنذر
قال ابن أبي حاتم خرجه ابن ابي
أَخْبَرَنَا مُوسَى بْنُ هَارُونَ الطُّوسِيُّ فِيمَا كَتَبَ إِلَيَّ، ثنا الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمَرُّوذِيُّ، ثنا شَيْبَانُ، عَنْ قَتَادَةَ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ قَالَ: آمَنُوا بِمُتَشَابِهِهِ وَعَمِلُوا بِمُحْكَمِهِ، فَأَحَلُّوا حَلالَهُ وَحَرَّمُوا حَرَامَهُ.

-قال ابن المنذر أَخْبَرَنَا محمد بْن عَبْد اللهِ بْن عَبْد الحكم، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْن وهب ....وَقَالَ قتادة " الراسخون فِي العلم، قَالُوا: كُلّ من عِنْد ربنا آمنوا بمتشابهه وعملوا بمحكمة

وأما قول محمد بن جعفر بن الزبير 110-120 ، فرواه ابن جرير من طريق ابن حميدٍ، عن سلمة، عن ابن إسحاق عنه .
قال ابن جرير
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، عن محمد بن جعفر بن الزبير : { وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ } الذي أراد ما أراد إلا الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به . فكيف يختلف وهو قولٌ واحدٌ من رب واحد ؟ ثم ردوا تأويل المتشابهة على ما عرفوا من تأويل المحكمة التي لا تأويل لأحد فيها إلا تأويل واحد ، فاتسق بقولهم الكتاب ، وصدّق بعضه بعضا ، فنفذت به الحجة ، وظهر به العذر ، وزاح به الباطل ، ودمغ به الكفر

وأما قول الربيع(139) فرواه ابن جرير من طريق ابن أبي جعفر عن أبيه عنه .
- قال ابن جرير : حدّثت عن عمّار بن الحسن، قال: حدّثنا ابن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع: {والرّاسخون في العلم} يعلمون تأويله ويقولون آمنّا به.

الحجج والأقوال

-قَالَ الْحسن الْبَصْرِيّ لم ينزل الله آيَة إِلَّا وَهُوَ يحب أَن تعلم فِي مَاذَا نزلت وَمَا عني بهَا.

-قَالَ الرَّاغِبُ فِي مُقَدِّمَةِ تَفْسِيرِهِ وَذَهَبَ عَامَّةُ الْمُتَكَلِّمِينَ إِلَى أَنَّ كُلَّ الْقُرْآنِ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ مَعْلُومًا وَإِلَّا لَأَدَّى إِلَى إِبْطَالِ فَائِدَةِ الِانْتِفَاعِ بِهِ وَحَمَلُوا قَوْلَهُ: {وَالرَّاسِخُونَ} بِالْعَطْفِ عَلَى قَوْلِهِ: {إِلَّا اللَّهُ} وَقَوْلُهُ: {يَقُولُونَ} جُمْلَةٌ حَالِيَّةٌ

قال الطاهر ابن عاشور:.. فَقَوْلُهُ: وَالرَّاسِخُونَ مَعْطُوفٌ عَلَى اسْمِ الْجَلَالَةِ، وَفِي هَذَا الْعَطْفِ تَشْرِيفٌ عَظِيمٌ: كَقَوْلِهِ: شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُوا الْعِلْمِ ."

-المتشابه ليس يستحيل معرفته على العلماء وليس مما استأثر الله بالعلم به.بل المراد بالمتشابهات هو ما خفيت دلالته و احتاج لمعرفة المراد منه مزيد بحث و نظر و استدلال بخلاف المحكم فهو الذي اتضحت دلالته.

- الآيات المتشابهة ليستْ بوضوحِ الآياتِ المحكَمات، ولَنْ يُعْرَفَ معناها بدقَّةٍ وإِتْقانٍ إِلّا بَحَمْلها على أُصولِها من الآياتِ المحْكَمات، وهذا ممكنٌ يتمُّ على أَيْدي الراسخين في العلم.



--التأويل في الآية معناه التفسير. وعليه جاز عطف الراسخين في العلم على لفظ الجلالة "الله " لأن الراسخين في العلم يعلمون تفسيره فجاز وصل لفظ الجلالة بما بعده والوقف على لفظ (العلم).

-الرَّاسِخُونَ يَعْلَمُونَ تَأْوِيلَهُ، لَوْ لَمْ يَعْلَمُوا تَأْوِيلَهُ لَمْ يَعْلَمُوا نَاسِخَهُ مِنْ مَنْسُوخِهِ، وَلَمْ يَعْلَمُوا حَلالَهُ مِنْ حَرَامِهِ، وَلا مُحْكَمَهُ مِنْ مُتَشَابِهِهِ.

-- إذا لم يدخل الراسخون مع الله فِي العلم لم يكن لهم فضل عَلَى من لم يرسخ فِي العلم، لأن كل المسلمين يقولون آمنا به..فبأي شيء يكون لهم الرسوخ في العلم..وقد مدحهم الله بالرسوخ في العلم
وقد رد أن فضيلتهم تحصل بمعرفتهم الأحكام المحكمات مالا يعرفه غيرهم، وقد قيل: إن فضيلتهم تحصل بإيمانهم بالغيب عَلَى من لم يؤمن به.

-أنه يلزم على القول بأنه لا يعلم تأويل المتشابه إلا الله أن النبي محمد صلى الله عليه وسلم لا يعلم تأويله..وهذا لا قائل به..وإذا جاز أن يعرفه النبي صلى الله عليه وسلم مع قول الله تعالى:" وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ" جاز أن يعرفه الرّبّانيون من صحابته. والمفسرون من أمته


-قد دعا النبي صلى الله عليه وسلم لابن عباس فقال: «اللهم علّمه التأويل، وفقّهه في الدين»..أي علمه معاني كتابك .


وكان عمر إذا وقع مشكل في كتاب الله يستدعيه ويقول له : غص غوّاص .

- وروى عبد الرّزّاق ، عن إسرائيل»، عن سماك بن حرب ، عن عكرمة، عن ابن عباس أنه قال: كلّ القرآن أعلم إلا أربعا: غسلين، وحنانا، والأوّاه، والرّقيم..ففيه دلالة أن من الصحابة من يعلم التأويل

-ما روي عن ابن عباس أنه كان يقول : أَنَا مِنَ الرَّاسِخِينَ فِي الْعِلْمِ وَيَقُولُ عِنْدَ قِرَاءَةِ قَوْلِهِ فِي أَصْحَابِ الْكَهْفِ: {ما يعلمهم إلا قليل} أَنَا مِنْ أُولَئِكَ الْقَلِيلِ

-وقد قال مجاهد: عرضت المصحف على ابن عباس من فاتحته إلى خاتمته أقف عند كل آية وأسأله عن تفسيرها.

فهذه الآثار تبين أن بعض الصحابة كانوا يعلمون جميع معاني القران

- لم نجد آية في كتاب الله توقف فيها أهل العلم من السلف و الخلف و قالوا لا نعلم معناها بل فسروا و تكلموا في جميع آي القران حَتَّى أنهم فَسَّرُوا الْحُرُوفَ الْمُقَطَّعَةَ فِي أَوَائِلِ السُّوَرِ مِثْلَ: الم وحم وص وق

- الله أنزل القران بلسان عربي مبين " فكل ما في القران معلوم ومفهوم المعنى ومن ذلك الآيات المتشابهات


ولم يخاطبنا الله في القران بشيء لا نعلم معناه.لهذا كان لزاما على العلماء الراسخين في العلم بيان معاني القران ومن ذلك معنى الآيات المتشابهات وإلا لزم أن يكون في القران شيء غير معلوم المعنى وهذا لا يصح
- أن الله عزوجل قال {تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ}؛ فيلزم منه أن يكون كل آيات القران بينة واضحة


-الله أمرنا بتدبر القران قال تعالى : " أفلا يتدبروا القران أم على قلوب أقفالها "..ولا يعقل أن يتدبر العبد ما لا يعلم معناه

-قَالَ الله تعالى في ختام هذه الآيات : {وَمَا يَذَّكَّرُ إلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ} وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ هُنَا تَذَكُّرًا يَخْتَصُّ بِهِ أُولُو الْأَلْبَابِ فَإِنْ كَانَ مَا ثَمَّ إلَّا الْإِيمَانُ بِأَلْفَاظٍ فَلَا يُذَكِّرُ لِمَا يَدُلُّهُمْ عَلَى مَا أُرِيدَ بِالْمُتَشَابِهِ.

توجيه القول

هذا القول مبني على أمور:
- الواو في "والراسخون" للعطف؛ عطف الراسخون على الله ..و "يقولون" في موضع نصب حال من "الراسخون" .والمعنى وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم قائلين آمنا به .
- المتشابه معناه ما خفي معناه و احتاج لمزيد بحث ونظر و استدلال للوصول إلى معناه.
التأويل معناه التفسير
-لا يوجد في كتاب الله شيء لا يعرف معناه
-


ا لمناقشة
ومما سبق يتبن أن سبب الخلاف في المسألة اختلافهم في معنى المتشابه و في معنى التأويل فترتب على ذلك الاختلاف في معنى الواو في "والراسخون" .

قال الزركشي في كتابه البرهان:..
وَتَرَدُّدُ الْوَاوِ فِي {وَالرَّاسِخُونَ} بَيْنَ الِاسْتِئْنَافِ وَالْعَطْفِ وَمِنْ ثَمَّ ثَارَ الْخِلَافُ فِي ذَلِكَ

والذي عليه المحققون من العلم أن المتشابه قسمان:

-1 ما لا يعرف معناه وهو الذي استأثر الله بعلمه ، فلا يعلم تأويله أحد غيره سبحانه جل وعلا ..وهو ما أطلق عليه بالمتشابه الحقيقي وهذا هو مراد أصحاب القول الأول .
2-ما خفيت دلالته ولم تتضح معناه ؛ فاحتيج إلى مزيد نظر و استدلال لمعرفة معناه..وهو الذي أطلق عليه لفظ المتشابه النسبي


قال الراغب " "والمتشابه من القرآن ما أُشْكِلَ تفسيره لمشابهته بغيره، إمَّا من حيث اللفظ أو من حيث المعنى.

وهذا قد يخفى على بعض دون بعض.. فلابد من وقت وفي زمن من الزمان أن يوجد في الأمة من يعرف تأويله حتى تقيم الله به الحجة على الخلق..وهذا هو مراد أصحاب القول الثاني أن الراسخين في العلم يعلمون التأويل

-كما أن من أسباب الاختلاف اختلافهم في معنى التأويل وقد بين أهل العلم المحققون أن التأويل يطلق على ثلاثة إطلاقات:
الْأَوَّلُ: يطلق على الحقيقة التي يؤول إليها الأمر ؛..فتأويل ما أخبر الله به عن ذاته وصفاته هو حقيقة ذاته المقدسة وما لها من حقائق الصفات، وتأويل ما أخبر الله به عن اليوم الآخر هو نفسه ما يكون في اليوم الآخر..والتأويل بهذا المعنى ورد به القران كقوله تعالى: {هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ }.
.وهذا مما لا يمكن لأحد أن يعلم تأويله لا الراسخين في العلم ولا غيرهم .
الثَّانِي: يُرَادُ بِهِ التفسير والبيان ، وهو أيضا قد ورد بهذا المعنى في كتاب الله قال تعالى "{ {ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا}...وَمِنْهُ أيضا بِهَذَا الْمَعْنَى قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي ابْنِ عَبَّاسٍ: «اللَّهُمَّ فَقِّهْهُ فِي الدِّينِ، وَعَلِّمْهُ التَّأْوِيلَ» .وهذا مما يعلمه الراسخون في العلم
الثَّالِثُ: هُوَ مَعْنَاهُ الْمُتَعَارَفُ فِي اصْطِلَاحِ الْأُصُولِيِّينَ، وَهُوَ صَرْفُ اللَّفْظِ عَنْ ظَاهِرِهِ الْمُتَبَادَرِ مِنْهُ إِلَى مُحْتَمَلٍ مَرْجُوحٍ بِدَلِيلٍ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ...وهذا المعنى لا يدخل معنا في بيان معنى الآية لأنه اصطلاح حادث متأخر قال شيخ الإسلام رحمه الله تعالى : وَأَمَّا لَفْظُ التَّأْوِيلِ إِذَا أُرِيدَ بِهِ صَرْفُ اللَّفْظِ عَنْ ظَاهِرِهِ إِلَى مَا يُخَالِفُ ذَلِكَ لِدَلِيلٍ يَقْتَرِنُ بِهِ، فَلَمْ يَكُنِ السَّلَفُ يُرِيدُونَ بِلَفْظِ التَّأْوِيلِ هَذَا وَلَا هُوَ مَعْنَى التَّأْوِيلِ فِي كِتَابِ.

.وبعد هذا البيان يمكن التقريب بين القولين والجمع بينهما فيقال:

فالوقف الأول: {وَمَا يَعْلَمُ تَاوِيلَهُ إِلاَّ اللَّهُ}، ثم تبتدئ {وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ}.
مبني على أنَّ المراد بالمتشابه ما استأثر الله بالعلم به و بالتأويل: ما تؤول إليه حقائق القرآن وأخباره المغيَّبة، وهذا لا يعلمه إلا الله تعالى، فلا يعلم متى وقوعها ولا كيفية وقوعها إلا هو سبحانه، ومن ادَّعى علمها فقد كذب على الله.
وأما الوقف الثاني: {وَمَا يَعْلَمُ تَاوِيلَهُ إِلاَّ اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ}، ثم يجوز الوصل أو الابتداء بجملة {يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ}.
وهذا الوقف مبني على أن المراد بالمتشابه ما خفيت دلالته و بالتأويل: التفسير، والتفسير يعلمه الراسخون في العلم بخلاف ما تؤول إليه حقائق القرآن وأخباره التي لا يعلمها إلا الله، فهم يشتركون في معرفة المعنى، حيث إنه ليس من العلم الذي يختصُّ بالله تعالى.
وعلى هذا لا يجوز أن يقال: إن في القرآن آيات لا يُعرف معناها، بل جميع القرآن معلوم المعنى للعلماء، وهم يتفاوتون في معرفة تلك المعاني.
وكلا المعنيين متغايرين..وليسا متضادين..قال الأشموني :...وبين الوقفين تضادّ ومراقبة. فإن وقف على أحدهما امتنع الوقف على الآخر، وقد قال بكل منهما طائفة من المفسرين.اهـ
وهذا الوقف ما يسمى عند أهل لهذا الفن بوقف التعانق ؛ إذا وقف على أحدها امتنع الوقف على الأخر
قال الدكتور مساعد الطيار :"وهما اللذان يصلح أن ينطبق عليهما وقف التعانق."

وقد ذهب إلى الجمع بين القولين جماعة من أهل العلم منهم شيخ الإسلام ابن تيمية قال رحمه الله:..وكلا الْقَوْلَيْنِ حق بِاعْتِبَار فَإِن لفظ التَّأْوِيل يُرَاد بِهِ التَّفْسِير وَمَعْرِفَة مَعَانِيه...وَقد يَعْنِي بالتأويل مَا اسْتَأْثر الله بِعِلْمِهِ من كَيْفيَّة مَا أخبر بِهِ عَن نَفسه وَعَن الْيَوْم الآخر وَقت السَّاعَة ونزول عِيسَى وَنَحْو ذَلِك .فَهَذَا التَّأْوِيل لَا يُعلمهُ الا الله" اهـ

والله أعلم



رد مع اقتباس
  #3  
قديم 17 جمادى الأولى 1440هـ/23-01-2019م, 11:44 AM
هناء محمد علي هناء محمد علي غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - الامتياز
 
تاريخ التسجيل: Aug 2015
المشاركات: 439
افتراضي

بسم الله الرحمن الرحيم
مجلس مذاكرة القسم الأول من تفسير سورة آل عمران
(الآيات 1-9)

حرر القول في واحدة من المسائل التالية:
الوقف في ( وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به )


المسألة مسألة تفسيرية تتعلق بالوقف والابتداء واللغة
♦المصادر و المراجع
جوامع الأحاديث
- صحيح البخاري 256 هـ
- مسند الإمام أحمد

شروح الحديث :
- فتح الباري بشرح صحيح البخاري لأحمد بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ)
- تغليق التعليق لابن حجر العسقلاني
- إرشاد الساري بشرح صحيح البخاري للقسطلاني
- عمدة القاري في شرح صحيح البخاري لبدر الدين العيني

تفاسير تخرج أقوال السلف :
- تفسير عبد الرزاق الصنعاني 211 هـ
- جامع البيان لابن جرير الطبري. 310هـ
- تفسير القرآن العظيم لابن أبي حاتم
- تفسير مجاهد برواية عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ)

تفاسير تجمع أقوال السلف :
- والنكت والعيون للماوردي.(450)هـ
- والمحرر الوجيز لابن عطية.(542)هـ
- وزاد المسير لابن الجوزي. (579)هـ
- وتفسير ابن كثير. (774)هـ
- الدر المنثور للسيوطي

تفاسير ومراجع لغوية :
- مجاز القرآن لمعمر بن المثنى 210 هـ
- معاني القرآن للفراء 211 هـ
- معاني القرآن للزجاج 311 هـ
- معاني القرآن للنحاس 338 هـ
- تفسير غريب القرآن لليزيدي 237 هـ
- غريب القرآن لابن قتيبة 276 هـ
- تأويل مشكل القرآن لابن قتيبة
- الأضداد لابن الأنباري 328 هـ

كتب في الوقف والابتداء :
- إيضاح الوقف والابتداء لأبي بكر محمَّدُ بنُ القاسمِ بنِ بشَّار ابن الأَنباريِّ (ت:328هـ)
- المكتفى لأبي عمرو عثمان بن سعيد الداني (444 هـ )
- علل الوقوف لأبي عبدِ الله محمدُ بنُ طَيْفُورَ الغزنويُّ السَّجَاوَنْدِيُّ (ت:560هـ)
- منار الهدى في الوقف والابتدا لأحمد بنُ عبد الكريمِ بنِ محمَّدٍ الأَشْمُونِيُّ (ت:ق11هـ)

الأقوال الواردة في المسألة :
اختلف في الوقف في هذا الموضع على قولين :
1- القول الأول :
أن الوقف على لفظ الجلالة ( إلا الله ) ويكون الوقف تاما
والواو للاستئناف ، والراسخون مستأنف منقطع عما قبله ، مرفوع للابتداء به
( وما يعلم تأويله إلا الله /
والراسخون في العلم يقولون آمنا به)
وعليه يكون المعنى أن المتشابه لا يعلم أحد تأويله إلا الله
وأن الراسخين في العلم لا يعلمون تأويل المتشابه ولكنهم يقولون آمنا به

قال بهذا القول :
عائشة وابن عباس وعروة ابن الزبير وابن أبي الشعثاء و أبو نهيك ، كما روي عن مالك

- قال عنه الأشموني : هو وقف السلف

- وقال ابن الأنباري عن هذا الوقف : وفي قراءة ابن مسعود تقوية لمذهب العامة: (إن تأويله إلا عند الله والراسخون في العلم يقولون)
وفي قراءة أبي: (ويقول الراسخون في العلم)

- وروي عن عمر بن عبد العزيز قوله : انتهى علم الراسخين في العلم إلى أن قالوا: آمنا به .

- قال صاحب المرشد: لا إنكار لبقاء معنى في القرآن استأثر الله تعالى بعلمه دون خلقه ؛ فالوقف على إلا الله على هذا تام

2- القول الثاني :
أن الوقف على ( العلم ) ، حيث الواو في ( والراسخون ) عاطفة ،وعليه فـ ( الراسخون ) معطوف على لفظ الجلالة داخل في العلم بتأويل المتشابه
فيكون ( وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم )
فالمعنى على هذا الوقف أن الراسخين في العلم يعلمون تأويل المتشابه وأنهم مع علمهم به يقولون آمنا به كل من عند ربنا
والوقف على العلم حسن غير كاف كما قال ابن الأنباري لتعلقها معنى وإعرابا بما بعدها لأن ( يقولون آمنا به ) حال فكأنه قال : قائلين آمنا به ، والراسخون في العلم صاحب الحال

- قال بهذا القول ابن عباس وقال ( أنا ممن يعلم تأويله )
وقاله مجاهد والربيع والضحاك ومحمد بن جعفر بن الزبير


▪قال الأشموني على الوقف هنا : ( إلاَّ الله ) وقف السلف وهو أسلم لأنه لا يصرف اللفظ عن ظاهره إلاَّ بدليل منفصل
ووقف الخلف على العلم ومذهبهم أعلم أي أحوج إلى مزيد علم لأنهم أيدوا بنور من الله لتأويل المتشابه بما يليق بجلاله

تخريج الأقوال :
1- الوقف على لفظ الجلالة وقطع ما بعدها عنها
🔺أما عائشة :
فقد أخرج الطبري وابن أبي حاتم جميعا عن نافع عن ابن أبي مليكة، عن عائشة، قوله: {والرّاسخون في العلم يقولون آمنّا به} قالت: كان من رسوخهم في العلم أن آمنوا بمحكمه ومتشابهه، ولم يعلموا تأويله.
واللفظ للطبري

🔺وأما ابن عباس :
فقد أخرج الطبري وابن الأنباري بسنديهما عن عبد الرزاق عن معمر عن ابن طاووس عن أبيه قال : كان ابن عباس يقرؤها وما يعلم تأويله إلا الله ويقول الراسخون في العلم آمنا به).

🔺وأما عروة بن الزبير :
- فقد روى الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما عن ابن أبي الزّناد، قال: قال هشام بن عروة: كان أبي يقول في هذه الآية {وما يعلم تأويله إلاّ اللّه والرّاسخون في العلم} أنّ الرّاسخين في العلم لا يعلمون تأويله، ولكنّهم يقولون: {آمنّا به كلٌّ من عند ربّنا}.

🔺وأما أبو الشعثاء و أبو نهيك :
- فقد روى الطبري عن عبيد الله أبي نهيكٍ الأسديّ، قوله: {وما يعلم تأويله إلاّ اللّه والرّاسخون في العلم} فيقول: إنّكم تصلون هذه الآية وإنّها مقطوعةٌ {وما يعلم تأويله إلاّ اللّه والرّاسخون في العلم يقولون آمنّا به كلٌّ من عند ربّنا} فانتهى علمهم إلى قولهم الّذي قالوا.

- كما روى ابن أبي حاتم عن أبي منيب عن أبي الشعثاء وأبي نهيك في قوله: وما يعلم تأويله إلّا اللّه والرّاسخون في العلم قال: إنّكم تصلون هذه الآية وهي مقطوعةٌ ثمّ يقرأ: والرّاسخون في العلم يقولون آمنّا به كل من عند ربّنا فأثنى عليهم إلى قوله الّذين قالوا وما يعلم تأويله إلا اللّه ثمّ قال: والرّاسخون في العلم يقولون آمنّا به.

🔺وأما عمر بن عبد العزيز
-فقال الطبري عن عبد الله بن موهب قال: سمعت عمر بن عبد العزيز، يقول: {الرّاسخون في العلم} انتهى علم الرّاسخين في العلم بتأويل القرآن إلى أن قالوا: {آمنّا به كلٌّ من عند ربّنا}.

🔺وأما الإمام مالك فقد روى الطبري عن أشهب عن مالكٍ، في قوله: {وما يعلم تأويله إلاّ اللّه} قال: ثمّ ابتدأ فقال: {والرّاسخون في العلم يقولون آمنّا به كلٌّ من عند ربّنا} وليس يعلمون تأويله.

2- الوقف على ( العلم ) وعطف ( الراسخون ) على لفظ الجلالة
🔺أما ابن عباس :
فقد روى عنه الطبري عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، عن ابن عبّاسٍ، أنّه قال: أنا ممّن يعلم تأويله.

🔺وأما مجاهد :
- فقد روى ابن الأنباري وروى عنه أبو عمرو الداني عن ابن جريج عن مجاهد في قوله: (والراسخون في العلم) قال: «الراسخون في العلم يعلمون تأويله ويقولون آمنا به»

- وروى الطبري عن أبي عاصم عن عيسى عن ابن أبي نجيح
وعن شبل عن ابي نجيح عن مجاهد قوله : والرّاسخون في العلم يعلمون تأويله ويقولون آمنّا به.

- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو حذيفة، قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: والرّاسخون في العلم يعلمون تأويله ويقولون آمنّا به.

- كما روى الهمذاني عن ورقاء عن ابن أبي نجيح مثله
كما ذكره البخاري معلقا : {والرّاسخون في العلم} يعلمون {يقولون آمنّا به}
ووصله العسقلاني في تغليق التعليق فقال :
قوله والراسخون في العلم يعلمون ويقولون آمنا به الآية وصله عبد بن حميدٍ من الطّريق المذكور عن مجاهدٍ في قوله والرّاسخون في العلم يعلمون تأويله ويقولون آمنّا به ومن طريق قتادة قال: قال الرّاسخون كما يسمعون آمنّا به كلٌّ من عند ربّنا المتشابه والمحكم فآمنوا بمتشابهه وعملوا بمحكمه فأصابوا

🔺وأما الضحاك
فقد روى ابن ابي حاتم عن أبي مصلحٍ، عن الضّحّاك: وما يعلم تأويله إلّا اللّه والرّاسخون في العلم
يقول: الرّاسخون يعلمون تأويله، لو لم يعلموا تأويله لم يعلموا ناسخه من منسوخه، ولم يعلموا حلاله من حرامه، ولا محكمه من متشابهه.

🔺وأما الربيع :
- قال الطبري حدّثت عن عمّار بن الحسن، قال: حدّثنا ابن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع: {والرّاسخون في العلم} يعلمون تأويله ويقولون آمنّا به.

🔺وأما محمد بن جعفر
- فقد روى الطبري عن محمد بن إسحق عن محمّد بن جعفر بن الزّبير: {وما يعلم تأويله} الّذي أراد ما أراد {إلاّ اللّه والرّاسخون} في العلم يقولون آمنّا به، ثمّ ردّوا تأويل المتشابهة على ما عرفوا من تأويل المحكمة الّتي لا تأويل لأحدٍ فيها إلاّ تأويلٌ واحدٌ، فاتّسق بقولهم الكتاب، وصدّق بعضه بعضًا، فنفذت به الحجّة، وظهر به العذر، وزاح به الباطل، ودمغ به الكفر

توجيه الأقوال :
القولان في الوقف مبنيان على معنى المتشابه ومعنى التأويل للمتشابه الذي قال فيه تعالى ( وما يعلم تأويله إلا الله )
وكما بين ابن عطية أن الله في هذه الآية قسم آيات كتابه إلى محكم ومتشابه
فأما المحكم فهو الذي لا لبس فيه ولا خفاء ولا غموض بحيث يفهمه ويعرفه من يقرأ القرآن ، و يستوي في إدراكه وفهمه أهل العلم وغيرهم

- قال ابن عطية : فالمحكم هو المتضح المعنى لكل من يفهم كلام العرب لا يحتاج فيه إلى نظر ولا يتعلق به شيء يلبس ويستوي في علمه الراسخ وغيره

وأما المتشابه :
أ - فمنه المتشابه الكلي الذي استأثر الله عز وجل بعلمه ، فلا يعلمه أعلى البشر علوما وأفهاما ... كأمر الروح ، ويوم القيامة ، وأجل الإنسان ، وأخبار الغيب وصفات الله تعالى وكيفياتها التي نسلم بها كما هي ...

ب - ومنه المتشابه النسبي الذي فيه شيء من اللبس والغموض ، ولكن الله من على بعض أمته بمزيد علم وفهم ورسوخ إيمان فعلموا تأويل ذلك المتشابه ... ومنه يفهم قول ابن عباس ( أنا ممن يعلم تأويله )

- قال ابن عطية : والمتشابه يتنوع، فمنه ما لا يعلم البتة، كأمر الروح، وآماد المغيبات التي قد أعلم الله بوقوعها إلى سائر ذلك،
ومنه ما يحمل على وجوه في اللغة ومناح في كلام العرب، فيتأول تأويله المستقيم، ويزال ما فيه مما عسى أن يتعلق به من تأويل غير مستقيم كقوله في عيسى: {وروحٌ منه} [النساء: 171] إلى غير ذلك، ولا يسمى أحد راسخا إلا بأن يعلم من هذا النوع كثيرا بحسب ما قدر له، وإلا فمن لا يعلم سوى المحكم فليس يسمى راسخا»


- وقد قال ابن عباس عن التفسير : «التّفسير على أربعة أنحاءٍ: فتفسيرٌ لا يعذر أحدٌ في فهمه، وتفسيرٌ تعرفه العرب من لغاتها، وتفسيرٌ يعلمه الرّاسخون في العلم، وتفسيرٌ لا يعلمه إلّا اللّه عزّ وجلّ»

فيتبين من قول ابن عباس أن هناك من تفسير القرآن ما يفتح الله به على الراسخين في العلم فيتميزون بعلمه عن غيرهم ... وعد ابن عطية هذا العلم هو العلم بالمتشابه للنسبي إذ من لا يعلم إلا المحكم الذي لا يعذر في فهمه أحد فليس براسخ في العلم ... إنما الراسخ من تميز بعلم وفهم ما يحتاج إلى بحث ونطر وتأمل ...
ولذلك قال ابن عباس ( أنا ممن يعلم تأويله )
وقد دعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم ( اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل )

وعلى ضوء هذا الفهم يمكن أن يفهم أن ذم الله لمن يتبعون المتشابه هو ذلك المتشابه الكلي الذي لا يعلمه حقيقة إلا الله ...
وعليه بالمتشابه النسبي يمكن لمن رسخت قدمه في العلم أن يبحثه ويعلم تأويله ...
وعليه يتبين وجه من أدخل الراسخين في العلم في العلم بتأويله ...
ولكن لاكتمال فهم القول في معرفة الراسخين في العلم بتأويل المتشابه أو جهلهم فيه لا بد من معرفة المقصود بالتأويل :

🔺والتأويل يحمل معنيين رئيسين :
1- ما يؤول إليه الشيء ويصير إليه أمره على الحقيقة ...
2- التأويل : التفسير


▪قال ابن كثير : التّأويل يطلق ويراد به في القرآن معنيان، أحدهما:التّأويل بمعنى حقيقة الشّيء، وما يؤول أمره إليه، ومنه قوله تعالى: {ورفع أبويه على العرش وخرّوا له سجّدًا وقال يا أبت هذا تأويل رؤياي من قبل قد جعلها ربّي حقًّا} [يوسف: 100] وقوله: {هل ينظرون إلا تأويله يوم يأتي تأويله} [الأعراف: 53] أي: حقيقة ما أخبروا به من أمر المعاد
وأما المعنى الثاني للتأويل وهو التّفسير والتّعبير والبيان عن الشّيء كقوله تعالى: {نبّئنا بتأويله}[يوسف: 36] أي: بتفسيره

ومن هنا يتبين وجه القولين :
1- فوجه الوقف على لفظ الجلالة هو اعتبار التأويل بمعنى حقيقة الشيء ؛ إذ لا أحد يعلم حقائق الأمور وكنهها إلا الله
ويكون هنا الراسخون مبتدأ ويقولون خبره


وعليه يكون أن منتهى علم الراسخين في العلم في متشابه الكتاب أن يقولوا آمنا به كل من عند ربنا أي المحكم والمتشابه كل من عند الله
وواضح أن من أخذ بهذا المعنى للتأويل قصد في المتشابه ذلك المتشابه الذي لا يعلم كنهه وحقيقته إلا الله كتأويل صفات الله تعالى التي ضل بسبب تأويلها كثير
وأخبار الغيب كموعد يوم القيامة وعمر أمة محمد صلى الله عليه وسلم وكثير غيرها
فهذه أمور مهما بلغ علم الرسخين في العلم لن يعلموا حقيقتها فهي مما استأثر الله بعلمه فلم يطلع عليه أحدا من خلقه ؛ وإنما يؤمن بها الراسخون في العلم ويسلمون بها ويمرونها كما هي دون تأويل ...

- ووجه أصحاب هذا القول إلى اعتبار الواو استئنافية كما مر ، و( الراسخون ) مرفوع على الابتداء ، ويقولون خبره
وقالوا أنه أليق بسياق الكلام وأقرب لظاهره وما يفهم منه

▪قال الطبري :
وما يعلم وقت قيام السّاعة وانقضاء مدّة أكل محمّدٍ وأمّته وما هو كائنٌ إلاّ اللّه، دون من سواه من البشر الّذين أمّلوا إدراك علم ذلك من قبل الحساب والتّنجيم والكهانة
وأمّا الرّاسخون في العلم، فيقولون: آمنّا به كلٌّ من عند ربّنا، لا يعلمون ذلك، ولكنّ فضل علمهم في ذلك على غيرهم العلم بأنّ اللّه هو العالم بذلك دون من سواه من خلقه.

2- وأما من وقف على العلم وأدخل الراسخين في العلم في علم تأويله فوجهه حمل ( تأويله ) على معنى التفسير
فالوقف على: {والرّاسخون في العلم} لأنّهم يعلمون ويفهمون ما خوطبوا به بهذا الاعتبار، وإن لم يحيطوا علمًا بحقائق الأشياء على كنه ما هي عليه،
وعندهم يكون ( يقولون آمنا به ) حال من ( الراسخون )

والمتشابه هنا كما يتبين هو النسبي الذي يعلمه بعض من من الله عليه بعلم وفهم لدقائق الأمور ولطائفها

- ولذلك قال ابن قتيبة أن الراسخين في العلم لم يتوقفوا عند شيء من القرآن إلا أمروه على التفسير ، فلم يقولوا هذا متشابه لا يعلمه إلا الله فتركوه ، إنما اجتهدوا فيه ما استطاعوا وإن وكلوا حقيقة علمه إلى الله

- ووجه هؤلاء أن الواو هنا عاطفة ، والمعطوف يشترك مع المعطوف عليه في الحكم وإن لم يكن اشتراكا كليا ، فقد يشترك معه ببعض خصائصه لا كلها كما سيأتي
ويكون رفع ( الراسخون ) على العطف ، وجملة ( يقولون ) جملة حال فكأنه قائل والراسخون في العلم يعلمون تأويله قائلين آمنا به ...

🔺وبعد بيان المعنى الرئيس الذي يمكن به فهم وجه كل قول وطبيعة الاختلاف في الوقف يمكن أن نبين بعض ما انبنى عليه كل قول من الحجج التي بينها أصحاب كل قول توضيحا لما ذهبوا إليه من اعتبارات :

مناقشة الأقوال والترجيح :
1- القول الأول :
أن الوقف على لفظ الجلالة
والواو استئنافية لا عاطفة ، والراسخون مبتدأ ويقولون خبرها
وعليه فإن المتشابه لا يعلم تأويله إلا الله
وأما الراسخون في العلم فهم يؤمنون بالمتشابه كما آمنوا بالمحكم ويقولون كل من عند ربنا

2- القول الثاني :
أن الوقف على ( في العلم )
والواو في ( والراسخون ) عاطفة
فالراسخون معطوف على لفظ الجلالة داخل في حكم العلم بتأويل المتشابه
و( يقولون آمنا به ) حالهم أنهم مع علمهم بتأويله يؤمنون به

🔸وقبل مناقشة الأقوال جميل أن نتبين معنى ( الراسخون في العلم ) بشكل موجز يبين المعنى :
- قال الزجاج ؛ ومعنى: (والراسخون في العلم) أي: الثابتون. يقال: رسخ الشيء , يرسخ, رسوخاً إذا ثبت

-و قال ابن عطية : والرسوخ الثبوت في الشيء، وأصله في الأجرام أن يرسخ الجبل أو الشجر في الأرض وسئل النبي عليه السلام عن «الراسخين في العلم»، فقال: «هو من برت يمينه وصدق لسانه واستقام»

وما ذكره ابن عطية من حديث رسول الله فقد أخرجه ابن جرير، وابن أبي حاتم عن أنس وأبي أمامة وواثلة بن الأسقع وأبي الدرداء أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، سئل عن {والراسخون في العلم} فقال: من برت يمينه وصدق لسانه واستقام قلبه ومن عف بطنه وفرجه، فذلك من الراسخين في العلم.

- وقال الطبري : يعني بالرّاسخين في العلم العلماء الّذين قد أتقنوا علمهم ووعوه فحفظوه حفظًا لا يدخلهم في معرفتهم وعلمهم بما علموه شكٌّ ولا لبسٌ، وأصل ذلك من رسوخ الشّيء في الشّيء، وهو ثبوته وولوجه فيه

وذكر السيوطي في تفسيره ما روي عن نافع بن يزيد قوله : «الرّاسخون في العلم المتواضعون للّه، المتذلّلون للّه في مرضاته، لا يتعاطون من فوقهم، ولا يحقّرون من دونهم. ولهذا قال تعالى: {وما يذّكّر إلا أولو الألباب} أي: إنّما يفهم ويعقل ويتدبّر المعاني على وجهها أولو العقول السّليمة أو الفهوم المستقيمة»).

🔹أما حجج التي احتج بها أصحاب كل قول :
🔺أما القول الأول فقد أخذ به واختاره ابن جرير والكسائي, والأخفش , والفراء, وأبي عبيدة , وابن أبي حاتم وابن الأنباري

وحجتهم في ذلك :
1- ما ورد من قراءة ابن عباس وابن مسعود وأبي في تقديم القول على ( الراسخون في العلم ) أي بقراءة ( ويقول الراسخون ) فتقديم يقول يقطع كل احتمال لعطف الراسخين على لفظ الجلالة
وكما قال العسقلاني عن هذه القراءة أنها وإن لم تثبت كقرءان إلا أن الخبر بها صح ، فقال :لأنّ هذه الرّواية وإن لم تثبت بها القراءة لكن أقلّ درجاتها أن تكون خبرًا بإسنادٍ صحيحٍ إلى ترجمان القرآن فيقدّم كلامه في ذلك على من دونه

- كما قال القسطلاني في إرشاد الساري :
({يقولون آمنا به}) وفي مصحف ابن مسعود: ويقول الراسخون في العلم آمنا به بواو قبل يقول وثبت ذلك من قراءة ابن عباس كما رواه عبد الرزاق بإسناد صحيح وهو يدل على أن الواو للاستئناف.

2- أن ذكر قول الراسخين في العلم وإيمانهم بالكتاب كله جاء بعد ذم متبعي المتشابه ووصفهم بالزيغ والضلال ( فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله )
كما ورد هذا الذم والتحذير في الحديث الذي رواه البخاري عن ابن أبي مليكة، عن القاسم بن محمّدٍ، عن عائشة رضي اللّه عنها، قالت: تلا رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم هذه الآية: {هو الّذي أنزل عليك الكتاب منه آياتٌ محكماتٌ هنّ أمّ الكتاب وأخر متشابهاتٌ ، فأمّا الّذين في قلوبهم زيغٌ فيتّبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة، وابتغاء تأويله، وما يعلم تأويله إلّا اللّه، والرّاسخون في العلم يقولون: آمنّا به كلٌّ من عند ربّنا وما يذّكّر إلّا أولو الألباب ) قالت: قال رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم: «فإذا رأيت الّذين يتّبعون ما تشابه منه فأولئك الّذين سمّى اللّه فاحذروهم»

ثم مدح الله الذين فوضوا العلم إليه وقالوا ( آمنا به كل من عند ربنا )
قال العسقلاني : وكان يمكن أن يقال وأمّا الّذين في قلوبهم استقامةٌ فيتّبعون المحكم لكنّه وضع موضع ذلك الرّاسخون في العلم لإتيان لفظ الرّسوخ لأنّه لا يحصل إلّا بعد التّتبّع التّامّ والاجتهاد البليغ فإذا استقام القلب على طريق الرّشاد ورسخ القدم في العلم أفصح صاحبه النّطق بالقول الحقّ

3- دعاء المؤمنين أو الراسخين في العلم بعد هذه الآية ب( ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا ) مما يقوي أن ( الراسخون في العلم ) جاءت في مقابل ( الذين في قلوبهم زيغ ) وجملة ( وما يعلم تأويله إلا الله ) معترضة بين القسمين
قال العسقلاني : وفيه إشارةٌ على أنّ الوقف على قوله إلّا اللّه تامٌّ وإلى أنّ علم بعض المتشابه مختصٌّ باللّه تعالى وأنّ من حاول معرفته هو الّذي أشار إليه في الحديث بقوله فاحذروهم

4- ما ورد من قول عائشة أن الراسخين في العلم لا يعلمون تأويله
وأن الوقف يتم على لفظ الجلالة كما قال ابن أبي الشعثاء أبو نهيك : إنكم تصلون هذه الآية وهي مقطوعة {وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا} فانتهى علمهم إلى قولهم الذي قالوا.
وقد ورد تخريج أقوالهم .
وذلك في مقابل ما ورد عن مجاهد في أنهم بعلمون تأويله قال ابن الأنباري : والحديثان اللذان احتج بهما أصحاب القول الأول لا يصححان؛ لأن ابن أبي نجيح هو الراوي لهما عن مجاهد. وقد قال ابن عيينة: لم يسمع ابن أبي نجيح التفسير عن مجاهد، والآثار كلها تبطلها.

5- أن أمور الغيبيات وأحداث الساعة والآجال والروح وأمرها والكرسي والعرش وغيرها من الأمور هي مما لا يعلم كنهه وحقيقته إلا الله ولا ينبغي البحث والتنقيب فيها ولا ادعاء علمها بل مذهب سلف الأمة التسليم بها وإمرارها كما هي
وهم بذلك قد خصصوا المتشابهات بالمتشابهات الكلية التي لا يعلمها إلا الله ...
وأخذوا كذلك بأن التأويل هو معرفة الأمر على حقيقته وما يؤول إليه وهذا كذلك لا يعلمه إلا الله

فمن ذلك قول الزجاج : معنى {ابتغائهم تأويله}: أنهم طلبوا تأويل بعثهم, وأحيائهم, فأعلم الله عز وجل أن تأويل ذلك, ووقته لا يعلمه إلا الله , قال: والدليل على ذلك قوله: {هل ينظرون إلا تأويله يوم يأتي تأويله}, أي: يوم يرون ما وعدوا به من البعث, والنشور, والعذاب, يقول: الذين نسوه, أي: تركوه : قد جاء ت رسل ربنا بالحق, أي: قد رأينا تأويل ما أنبأتنا به الرسل.
قال: والوقف التام: { وما يعلم تأويله إلا الله}, أي: يعلم أحد متى البعث غير الله)
فحصر المراد بتأويل المتشابه معرفة يوم القيامة وهو لا شك مما استأثر الله بعلمه دون خلقه

6- ذكره تعالى للمحكم والمتشابه في كتابه ، فلو كان الراسخون في العلم يعلمون المحكم والمتشابه ما كان قسم الآيات لمحكمات ومتشابهات ، ووصف متبعي المتشابه بالزيغ والضلال فهذا دل على اختلاف بينهم وتفاوت في علم كل منهما
فالراسخون في العلم يعلمون المحكم ويؤمنون بالمتشابه ويحملون تأويله على محكمه ويكلون ما يجهلون إلى الله

7 - أن الأصل في المرفوع بالفعل أن يرفعه فعل واحد ، فإذا اعتبرنا أن الرافع ل( والرسخون ) هو العطف على لفظ الجلالة ودخولهم في فعل العلم قطعناهم عن قولهم الذي لاشك ولا احتمال في نسبته لهم ، ذلك أنهم هم الذين يقولون آمنا به مل من عند ربنا ... فهم إما يقولون أو يعلمون تأويله ...

8 - أن الأصل في المعطوف والمعطوف عليه اشتراكهما في الحكم ، ومن المسلم به أنه مهما علم الراسخون في العلم من كتاب الله فعلمهم لا يقارن ولا يشارك علم الله الذي وسع علمه كل شيء سبحانه ، بينما هم كما قال تعالى ( وما أوتيتم من العلم إلا قليلا )

9- أن مما يقوي أن ( الراسخون ) مستأنف لا معطوف أن ذكر الذين في قلوبهم زيغ جاء مسبوقا بأما ( فأما الذين في قلوبهم زيغ ) وإذا جاءت أما متبوعة بمرفوا فلا بد من أن يأتي ذكرها بعد ذلك مثنى وثلاث ( فأما السفينة / وأما الغلام / وأما الجدار )
( فأما الزبد فيذهب جفاء / وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض )
وهنا لا بد أن تأتي أما وهي في ( والراسخون ) إذ إصلها ( وأما الراسخون ) لكنها حذفت ودل عليها السياق والرفع

10 - ما ورد من سبب نزول الآية في أن اليهود طلبوا معرفة مدة أمة محمد بحساب الجمل فجاءت الآية ردا عليهم وأن أمور الغيب لا يعلمها إلا الله ... وأن الله أخفاها ابتلاء للعباد واختبارا لهم
قال ابن الأنباري في الأضداد : وقال أكثر أهل العلم: (الراسخون) مستأنفون مرفوعون بما عاد من (يقولون)، لا يدخلون مع الله تبارك وتعالى في العلم، لأن في كتاب الله جل وعز حروفا طوى الله تأويلاتها عن الناس اختبارا للعباد، ليؤمن المؤمن بها على غموض تأويلها فيسعد، ويكفر بها الكافر فيشقى

🔸وقد رد القائلون بدخول الراسخين في العلم في علم تأويله بأمور منها :
1- أن القراءة التي وردت عن ابن مسعود وابن عباس وأبي وإن صح سندها إليها وكان لها مستند لغوي قوي إلا أنها ليست قرءانا ، بل القرءان الذي بين أيدينا يجعل الوقف محتملا على أي من الموضعين ، ولكنه كوقف المراقبة ، إن وقفت على أحدهما لم تقف على الآخر ، فإما أن تدخل الراسخين في العلم بالاستثناء وإما تقطعه عنه وتدخله فقط في القول ...

والآثار التي وردت في علم الراسخين تأويل المتشابه ليست كلها عن مجاهد بل وردت عن غير مجاهد كذلك، وكذلك فإن أثر مجاهد روي منه عن طريق ابن جريج كما ورد سابقا ...

2- أن ما ذكر من ذم لمتبعي المتشابه ، ونفي لعلم الخلق به ، وأن تأويله لا يعلمه إلا الله كله يرجع إلى المتشابه الكلي الذي لا يعلم حقيقته وتأريله إلا الله حقا ... والآية جاءت عامة في ذكر المتشابه فلم خصصتموها بغير دليل تخصيص ... نعم متبعو المتشابه الذين يزيغون به ويضلون لا شك أنهم يتبعون ما لا يعلمه إلا الله ، أما المتشابه النسبي الذي مكن الله مَنْ مَنَّ عليه من أهل العلم من عباده بالوقوف على معانيه وفهم أسراره فهذا مما يدخل فيه الراسخون في العلم ولا إشكال في دخولهم فيه ...

وكذلك تخصيص معنى التأويل هنا على معرفة حقيقة الشيء مع أنه يحمل معنى التفسير أيضا ، ولا شك أنه لو حمل على التفسير فالراسخون في العلم كذلك يعلمون تفسير آي القرآن
وفي ذلك قال ابن قتيبة : وبعد فإنّا لم نر المفسرين توقّفوا عن شيء من القرآن فقالوا: هذا متشابه لا يعلمه إلا الله، بل أمرّوه كلّه على التفسير، حتى فسروا (الحروف المقطّعة) في أوائل السّور، مثل: الر، وحم، وطه، وأشباه ذلك.

3- أن قولكم أن المعطوف والمعطوف عليه يجب أن يشتركا في كل ما عطف به أحدهما على الآخر ويتساويا فيه فغير مسلم به ، ذلك أن الله قد عطف في كتابه في مواضع كثيرة الأدنى على الأعلى ، وأشرك بين المعطوفين بصفات جزئية لا كلية ...
فمن عطف الأدنى على الأعلى : كقوله: {للفقراء المهاجرين الّذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم}إلى قوله: {والّذين جاءوا من بعدهم يقولون ربّنا اغفر لنا ولإخواننا الّذين سبقونا بالإيمان}الآية [الحشر: 8-10]، فاختلفت أنواع المعطوفات وأفعالهم ومكانتهم

وكقوله تعالى: {وجاء ربّك والملك صفًّا صفًّا} [الفجر: 22] أي: وجاءت الملائكة صفوفًا صفوفًا.
وفي الثانية عطف مع اختلافهم في الكيفيات
فلا شك أن مجيء الله مجيء يليق بجلاله سبحانه لا يعلم أحد كيفيته ، ومجيء الملائكة مختلف وإن اشتركوا في فعل المجيء ...
وكذلك هنا ... إن اشترك المعطوف والمعطوف عليه في العلم فعلم الله علم كله لا يعزب عنه مثقال ذرة في السماء ولا في الأرض ، وعلم الراسخين في العلم نسبي بما من الله عليهم به من العقول والأفهام

4- ما ذكرتموه من أن إدخال الراسخين في العلم في الاستثناء قطع لهم عن القول المنسوب لهم لا يسلم لكم به كذلك
- قال ابن قتيبة ردا على ذلك :من قال : وأنت إذا أشركت الراسخين في العلم انقطعوا عن (يقولون)، وليست هاهنا واو نسق توجب للراسخين فعلين. وهذا مذهب كثير من النحويين في هذه الآية، ومن جهته غلط قوم من المتأوّلين؟.
قلنا له: إن (يقولون) هاهنا في معنى الحال، كأنه قال: الرّاسخون في العلم قائلين: آمنا به. ومثله في الكلام: لا يأتيك إلا عبد الله، وزيد يقول: أنا مسرور بزيارتك.
يريد: لا يأتيك إلا عبد الله وزيد قائلا: أنا مسرور بزيارتك.

ولذلك فكون الراسخين معطوف على ما قبله لا ينفي أن نسبة الدعاء ( ربنا لا تزغ قلوبنا ) كذلك لهم ، فلا إشكال في أنهم يعلمون تأويل ما يمكن علمه من كتاب الله ، ويقولون آمنا به كل من عند ربنا ، ثم يسألون الله الثبات والعصمة من الزيغ والضلال ،،، لا منافاة ولا إشكال في ذلك

5- ما ذكر من حذف ( أما ) قبل الراسخين وأن ذلك دلالة على الاستئناف لا العطف ليس عليه دليل كذلك إذ أن ( أما ) ليست مما يضمر أو يخذف في مواضع إظهارها ، فعدم وجودها ليس دليلا عليها وإنما دليل على عدم وجودها فعلا وأن الواو واو عطف لا استئناف

- قال ابن الأنباري ردا على السجستاني الذي قال بإضمار ( وأما ) : وهذا غلط فلو كان ( وأما الراسخون في العلم فيقولون» لم يجز أن تحذف (أما) والفاء لأنهما ليستا مما يضمر.

6- أنه لو كان الراسخون في العلم لا يعلمون إلا المحكم ما كان لهم مزية على غيرهم ، إذ المحكم يشترك العالم والجاهل في معرفته لوضوح دلالته وانتفاء اللبس والغموض عنه ...
فمدح الله الراسخين في العلم وذكرهم وذكر قولهم دليل على تميزهم ، وما تميزوا إلا بما آتاهم الله من فهم وعلم بالتأويل
وقد رد أصحاب القول الأول على هذا بأن الراسخين في العلم يكفيهم تميزا مدح الله لإيمانهم وتسليمهم له وعدم خوضهم مع الخائضين فيما لا سبيل لهم بعلمه فهذا رفعة ومزية لهم ...

- كما قال أصحاب القول الثاني في ذلك أنه لو كان المقصود الاستئناف لم خص الراسخين في العلم ، إذ أن غير الراسخين في العلم كذلك يؤمنون بالمتشابه ... ورد عليهم ابن الأنباري أنه لما كان الراسخون أرفع قدرا اكتفي بذكرهم عن ذكر من دونهم كما في قوله تعالى {ألم تر أن الفلك تجري في البحر بنعمة الله ليريكم من آياته إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور}. وهي آيات لكل شكور وغير شكور ، لكنه خص أولئك بالذكر لمزيتهم وفضلهم

7- لا شك أن ما قاله أصحاب القول الأول من أنه ليس بغريب ولا يبعد أن يستأثر الله بعلم دون خلقه ، ولكن لما كان القرآن كتاب هداية كان كما قال كثير من المفسرين وأهل الأصول : الخطاب بما لا يفهم بعيدٌ.
فما استأثر الله بعلمه كما مر هو مما لا يؤثر في هداية الناس ، من أخبار الغيب التي لا تقدم معرفتها للناس ولا تزيدهم درجات عند الله ... وأما كل ما احتاجوا لبيانه في حياتهم وفي ابتلائهم فيها فقد من الله على الأمة بعلمه واستخراج كنوزه ، وإن خفي على بعض العلماء إلا أن مجموع الأمة تعلمه ... فلا يتعبد بما لا يفهم ...
ولذلك حتى آيات صفات الله يفهم منها ما يقرب معناها لغة لكن حقيقتها موكلة إلى الله ...
فالضلال والزيغ ليس في فهمها كما هي وإنما في محاولة تكييفها وفقا لأذهاننا القاصرة ، وإنزالها على ما انتهت إليه عقولنا القاصرة التي لا يمكنها أن تدرك كنهها وإنما تسلم بها وتؤمن بها ... ولذلك ما ضلت الفرق التي ضلت إلا لما تجاوزت حدها المسموح لها وسمحت لعقلها أن يدخل فيما لا سبيل لها بعلم كنهه وقاست أمور الغيب على قوانين الأرض فحسب بعضهم عمر نهاية العالم وبعضهم كيف صفات الله وجسمها فمن هنا ضلوا وأضلوا ...

🔸الخلاصة والترجيح :
إن المتأمل في قول الفريقين وحججهما يجد لكل منهما حجته وقوة في قوله ... والمتأمل للآية بمعنييها لا يجد تضادا في فهمها إذا فهم ما يدخل تحت المتشابه وما يعنيه التأويل ...
فكما قلنا أن مرجع الخلاف بالأصل هو أن من قال بالوقف التام على لفظ الجلالة خص المتشابه بالمتشابه الكلي الذي لا يعلمه إلا الله ، وخص التأريل بمعنى علم الشيء على حقيقته ... يدل على ذلك قول الطبري لما صوب الوقف التام على لفظ الجلالة : وأصله من آل الشّيء إلى كذا، إذا صار إليه ورجع يؤول أولاً وأوّلته أنا: صيّرته إليه.
وقد قيل: إنّ قوله: {وأحسن تأويلاً} أي جزاءً، وذلك أنّ الجزاء هو المعنى الّذي آل إليه أمر القوم وصار إليه
فنرى أنه أخذ من التأويل معنى المصير وترك معنى التفسير والكشف والبيان
وكذلك ما مر في قوله بالمتشابه حيث حصره في معرفة الغيب كيوم القيامة وأمر الروح وأجل الأمة وغيرها ...

وأخذ عموم اللفظ يدخل المتشابه النسبي في المتشابه ، والمتشابه النسبي مما يمكن أن يعلمه أولو العلم بالبحث والتنقيب والاستنباط
وكذلك التأويل بمعنى التفسير يجعل دخول الراسخين في العلم بمعرفة التفسير أمرا ممكنا بل لازما ...

- وقد اختار الطبري وابن الأنباري والفراء والكسائي وابن أبي حاتم والزجاج وغيرهم القول الأول واعتبروه وقف السلف وقالوا أنه أسلم
- بينما أخذ ابن قتيبة الدينوري والنحاس بالثاني



أما ابن عطية فقد جمع بين القولين جمعا وفق فيه إذ قرب بينهما وبين أن المتأمل فيهما لا يجد خلافا ولا اضادا بينهما وإنما كل منهما حمل الآية على وجه ، ويكتمل معناها على وجهيهما ...

▪فالمتشابه الكلي الذي استأثر الله بعلمه كأمور الغيب وعلم الساعة وأمر الروح وآجال البشر والأمم وماريتعلق بالإلهيات كالعرش والكرسي والأسماء والصفات لا يعلمه إلا الله ... وعلى الراسخ بالعلم أن يؤمن بها وبعلم الله الكامل لها دون أن يجهد نفسه في بحث كنهها وحقيقتها ومعرفة أمدها وأجلها إذ هو بحث فيما لا مجال للعقل البشري فيه ولا طائل من ورائه ولذلك ضل من ضل وزاغ من زاغ في البحث والتنقيب عن هذه الأمور ، إذ ترك العمل بما طلب منه واشتغل بما أمر بالتسليم به والإيمان بعلم الله المطلق له ...
وهذا على قول من وقف وقفا تاما على لفظ الجلالة

▪والمتشابه النسبي الذي يمكن علمه بمزيد من العلم والبحث والتنقيب ... وإعمال أصول وقواعد الاستنباط والاجتهاد والغوص إلى تأويل المعاني والمراد منها هذا مما امتن الله على الراسخين بالعلم به بل وامتدحهم فقال ( قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون ) وقال ( إنما يخشى الله من عباده العلماء ) وفيهم قال ابن الأنباري : إذا كانوا يؤمنون بما تعقله قلوبهم، وتنطوي عليه ضمائرهم، وغير الراسخين يقلدون الراسخين، ويقتدون بهم، ويجرون على مثل سبيلهم، والمقتدي وإن كان له أجر وفضل يتقدمه المقتدى به، ويسبقه إلى الفضل والأجر والخير.
وهذا على من أدخل الراسخين في الاستثناء وعطفهم على لفظ الجلالة وأشركهم أنهم يعلمون ووقف على العلم .

وما رآه ابن عطية أجمع للأقوال وأوسع للفظ القرآن ومعانيه ...

🔹وختاما أختم ببعض ما ورد من أقوال في القرآن وفي دور الراسخين في التعامل مع متشابه الكتاب :
▪قال ابن كثير
وقوله إخبارًا عنهم أنّهم {يقولون آمنّا به} أي: بالمتشابه {كلٌّ من عند ربّنا} أي: الجميع من المحكم والمتشابه حقٌّ وصدقٌ، وكلّ واحدٍ منهما يصدّق الآخر ويشهد له؛ لأنّ الجميع من عند اللّه وليس شيءٌ من عند اللّه بمختلفٍ ولا متضادٍّ لقوله: {أفلا يتدبّرون القرآن ولو كان من عند غير اللّه لوجدوا فيه اختلافًا كثيرًا} [النّساء: 82] ولهذا قال تعالى: {وما يذّكّر إلا أولو الألباب} أي: إنّما يفهم ويعقل ويتدبّر المعاني على وجهها أولو العقول السّليمة والفهوم المستقيمة

وقال : أخبرنا ابن أبي حاتمٍ عن أبيه، عن عمرو بن شعيبٍ، عن أبيه، عن ابن العاص، عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: «إنّ القرآن لم ينزل ليكذّب بعضه بعضًا، فما عرفتم منه فاعملوا به، وما تشابه منه فآمنوا به».

▪أخرج ابن أبي شيبة في المصنف عن أبي قال: كتاب الله ما استبان منه فاعمل به وما اشتبه عليك فآمن به وكله إلى عالمه.

▪وأخرج ابن أبي شيبة عن ابن مسعود قال: إن للقرآن منارا كمنار الطريق فما عرفتم فتمسكوا به وما اشتبه عليكم فذروه.

▪وأخرج ابن أبي شيبة عن معاذ قال: القرآن منار كمنار الطريق ولا يخفى على أحد فما عرفتم منه فلا تسألوا عنه أحدا وما شككتم فيه فكلوه إلى عالمه.

▪قول محمد بن جعفر السابق الذكر :
وقال محمّد بن إسحاق، عن محمّد بن جعفر بن الزّبير:«{وما يعلم تأويله} الّذي أراد ما أراد {إلا اللّه والرّاسخون في العلم يقولون آمنّا به} ثمّ ردّوا تأويل المتشابه على ما عرفوا من تأويل المحكمة الّتي لا تأويل لأحدٍ فيها إلّا تأويلٌ واحدٌ، فاتّسق بقولهم الكتاب، وصدّق بعضه بعضًا، فنفذت الحجّة، وظهر به العذر، وزاح به الباطل، ودفع به الكفر»

والله تعالى أعلم

رد مع اقتباس
  #4  
قديم 23 جمادى الأولى 1440هـ/29-01-2019م, 05:42 AM
أمل عبد الرحمن أمل عبد الرحمن غير متواجد حالياً
هيئة الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
المشاركات: 8,163
افتراضي

تقويم مجلس مذاكرة القسم الأول من تفسير سورة آل عمران
(الآيات 1-9)


أحسنتم، بارك الله فيكم ونفع بكم.

الوقف والابتداء في قوله تعالى: {وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا}.

1: عقيلة زيان أ+
أحسنت بارك الله فيك ونفع بك.


2: هناء محمد علي أ+
أحسنت بارك الله فيك ونفع بك.
- انتبهي لعبارة "مذهب السلف أسلم ومذهب الخلف أعلم وأحكم"، فإن مذهب السلف هو الأعلم والأحكم والأسلم، ولعلك تبحثين في أصلها.


رزقكم الله العلم النافع والعمل الصالح


رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
المجلس, الثاني

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
إبحث في الموضوع:

البحث المتقدم
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 11:46 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir