دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > علوم اللغة > متون علوم اللغة العربية > النحو والصرف > ألفية ابن مالك

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 24 ذو الحجة 1429هـ/22-12-2008م, 10:04 PM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,453
افتراضي فصل لو

فصلُ لوْ

لوْ حرْفُ شرطٍ في مُضِيٍّ ويَقِلّ = إِيلاؤُهُ مُستقبَلًا لكنْ قُبِلْ
وَهِيَ في الاخْتصاصِ بالفعْلِ كإِنْ = لَكِنَّ لوْ أَنَّ بِهَا قَدْ تَقْتَرِنْ
وإنْ مُضارِعٌ تَلاها صُرِفَا = إلى الْمُضِيِّ نحوُ لوْ يَفِي كَفَى


  #2  
قديم 26 ذو الحجة 1429هـ/24-12-2008م, 09:42 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي شرح ابن عقيل (ومعه منحة الجليل للأستاذ: محمد محيي الدين عبد الحميد)


فَصْلُ لَوْ
"لَوْ" حَرْفُ شَرْطٍ فِي مُضِيٍّ وَيَقِلْ = إِيلاَؤُهَا مُسْتَقْبَلاً لَكِنْ قُبِلْ([1])
لَوْ تستعملُ استعمالينِ:
أحدُهما: أنْ تكُونَ مصدريَّةً، وعلامتُهَا صحَّةُ وقوعِ "أَنْ" مَوْقِعَها نحو: "وَدِدْتُ لَوْ قَامَ زَيْدٌ" أي: قيامُه وقد سبَقَ ذِكْرُها في بابِ الموصولِ([2]).
الثاني: أنْ تكُونَ شرطيَّةً ولا يليها غالبًا إلا ماضٍ معنًى، ولهذا قال: (لَوْ حَرْفُ شَرْطٍ في مُضِيٍّ) وذلك نحو قولِك: "لَوْ قَامَ زَيْدٌ لَقُمْتُ" وفسَّرَها سيبويهِ بأنَّها حرفٌ لما كان سيقَعُ لوقوعِ غيرِه، وفسَّرَها غيرُه بأنها حرفُ امتناعٍ لامتناعٍ وهذه العبارةُ الأخيرةُ هي المشهورةُ، والأولى الأصحُّ، وقد يقعُ بعدَها ما هو مستقبَل المعنى وإليه أشارَ بقولِه: (وَيَقِلُّ إِيلاَؤُهَا مُسْتَقْبَلاً) ومنه قولُه تعالى: {وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ} وقولُه:
347- وَلَوْ أَنَّ لَيْلَى الأَخْيَلِيَّةَ سَلَّمَتْ = عَلَيِّ وَدُونِي جَنْدَلٌ وَصَفَائِحُ
لَسَلَّمْتُ تَسْلِيمَ البَشَاشَةِ أَوْ زَقَا = إِلَيْهَا صَدًى مِنْ جَانِبِ القَبْرِ صَائِحُ([3])
وَهِيَ فِي الِاخْتِصَاصِ بِالفَعْلِ كَإِنْ = لَكِنَّ لَوْ أَنْ بِهَا قَدْ تَقْتَرِنْ([4])
يعني أَنَّ "لو" الشرطيَّةَ تختصُّ بالفعلِ فلا تدخُلْ على الاسمِ، كما أنَّ "إِنْ" الشرطيَّةَ كذلك لكنْ تدخُلُ "لَوْ" على "أَنَّ" واسمِهَا وَخَبَرِهَا نحوَ: "لَوْ أَنَّ زَيْدًا قَائِمٌ لَقُمْتُ" واختُلفَ فيها، والحالةُ هذه، فقيلَ هي باقيةٌ على اختصاصِها، و"أنَّ" وما دخلَتْ عليه في موضعِ رفع فاعلِ بفعلٍ محذوفٍ والتقديرُ: "لو ثَبُتَ أَنَّ زَيْدًا قَائِمٌ لَقُمْتُ" أي: لو ثبُتَ قيامُ زيدٍ، وقيل: زالَتْ عن الاختصاصِ و"أنَّ" وما دخلَتْ عليه في موضعِ رفعِ مبتدأٍ، والخبرُ محذوفٌ والتقديرُ: "لَوْ أَنَّ زَيْدًا قَائِمٌ ثَابِتٌ لَقُمْتُ" أي: لوْ قيامُ زيدٍ ثابتٌ، وهذا مذهبُ سيبويهِ.
وَإِنْ مُضَارِعٌ تَلاَهَا صُرِفَا = إِلَى المُضِيِّ نَحْوُ: لَوْ يَفِي كَفَى([5])
قد سبقَ أنَّ "لَوْ" هذه لا يلِيها في الغالبِ إلا ما كان ماضيًا في المعنى، وذَكَرَ هنا أنه إنْ وقعَ بعدَها مضارعٌ فإنها تَقْلِبُ معناه إلى المُضِيِّ كقولِه:
348- رُهْبَانُ مَدْيَنَ وَالَّذِينَ عَهِدْتُهُمْ = يَبْكُونَ مِنْ حَذِرِ العَذَابِ قُعُودَا
لَوْ يَسْمَعُونَ كَمَا سَمِعْتَ كَلاَمَهَا = خَرُّوا لِعَزَّةَ رُكَّعًا وَسُجُودًا([6])
أي: لَوْ سَمِعُوا.
ولاَ بدَّ لِلَوْ هذه مِنْ جوابٍ، وجوابُها: إما فعلٌ ماضٍ أو مضارعٌ منفيٌ بلم.
وإذا كان جوابُها مُثْبَتًا فالأكثرُ اقترانُه باللامِ نحو: "لَوْ قَامَ زَيْدٌ لَقَامَ عَمْرٌو" ويجُوزُ حذفُها فتقول: "لَوْ قَامَ زَيْدٌ قَامَ عَمْرٌو".
وإنْ كانَ مَنْفِيًّا بلم لم تصحَبْها اللامُ فتقولُ: "لَوْ قامَ زيدٌ لم يَقُمْ عمرٌو".
وإن نُفِيَ بما فالأكثرُ تَجَرُّدُهُ مِنَ اللامِ نحو: "لَوْ قامَ زيدٌ مَا قامَ عمرٌو" ويجُوزُ اقترانُه بها نحو: "لَوْ قَامَ زَيْدٌ لَمَا قَامَ عَمْرٌو"([7]).


([1])(لو) قصد لفظه: مبتدأ (حرف) خبر المبتدأ، وحرف مضاف و(شرط) مضاف إليه (في مضي) جار ومجرور متعلق بمحذوف نعت لشرط (ويقل) فعل مضارع (إيلاؤها) إيلاء: فاعل يقل، وإيلاء مضاف وها: مضاف إليه من إضافة المصدر إلى مفعوله الأول (مستقبلا) مفعول ثان للمصدر (لكن) حرف استدراك (قبل) فعل ماض، مبني للمجهول وفيه ضمير مستتر جوازا تقديره هو يعود إلى (إيلاؤها مستقبلا) هو نائب الفاعل.

([2])قد أنكر جماعة من النحاة مجيء لو مصدرية، وقد ذكرنا ذلك مفصلا في (ص 51) الآتية.

([3])347 - البيتان لنوبة بن الحمير، بضم الحاء المهملة وفتح الميم وتشديد الياء المثناة.
اللغة: (جندل) - بفتحتين بينهما سكون – أي حجر (صفائح) هي الحجارة العراض التي تكون على القبور (البشاشة) طلاقة الوجه (زقا) صاح (الصدى) ذكر البوم أو هو ما تسمعه في الجبال كترديد لصوتك.
المعنى: يريد أن ليلى لو سلمت عليه بعد موته، وقد حجبته عنها الجنادل والأحجار العريضة، لسلم عليها وأجابها تسليم ذوي البشاشة، أو لناب عنه في تحيتها صدى يصيح من جانب البقر.
الإعراب: (لو) حرف امتناع لامتناع (أن) حرف توكيد ونصب (ليلى) اسم أن (الأخيلية) نعت لليلى (سلمت) سلم: فعل ماض والتاء علامة التأنيث والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هي يعود إلى ليلى، والجملة في محل رفع خبر أن و(أن) ومعمولها في تأويل مصدر إما فاعل لفعل محذوف، والتقدير: ولو ثبت تسليم ليلى وإما مبتدأ خبره محذوف والتقدير: ولو تسليم ليلى حاصل مثلا، وقد بين الشارح هذا الخلاف قريبا (ص 49) وعلى أية حال فهذه الجملة هي جملة الشرط (علي) جار ومجرور متعلق بسلمت (ودوني) الواو واو الحال دون: ظرف متعلق بمحذوف خبر مقدم، ودون مضاف وياء المتكلم مضاف إليه (جندل) مبتدأ مؤخر, والجملة من المبتدأ وخبره في محل نصب حال (لسلمت) اللام هي التي تقع في جواب لو، وسلم: فعل ماض، والتاء ضمير المتكلم فاعل (تسليم) منصوب على المفعولية المطلقة، وتسليم مضاف و(البشاشة) مضاف إليه، (أو) عاطفة (زقا) فعل ماض، معطوف على (سلمت) الماضي (إليها) جار ومجرور متعلق بزقا (صدى) فاعل زقا (من جانب) جار ومجرور متعلق بقوله (صائح) الآتي، وجانب مضاف و(القبر) مضاف إليه (صائح) نعت لصدى.
الشاهد فيه: وقوع الفعل المستقبل في معناه بعد لو، وهذا قيل.

([4])(وهي) ضمير منفصل مبتدأ (في الاختصاص) جار ومجرور متعلق بما يتعلق به الخبر الآتي (بالفعل) جار ومجرور متعلق بالاختصاص (كإن) جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر المبتدأ (لكن) حرف استدراك ونصب (لو) قصد لفظه: اسم لكن (أن) قصد لفظه أيضا: مبتدأ (بها) جار ومجرور متعلق بقوله (تقترن) الآتي (قد) حرف تقليل (تقترن) فعل مضارع وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هي يعود إلى (أن) والجملة من الفعل الذي هو تقترن وفاعله المستتر فيه في محل رفع خبر المبتدأ الذي هو أن، وجملة المبتدأ وخبره في محل رفع خبر لكن.

([5]) و(إن) شرطية (مضارع) فاعل لفعل محذوف يفسره ما بعده (تلاها) تلا: فعل ماض وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى مضارع وها مفعول والجملة من تلا وفاعله لا محل لها مفسرة (صرفا) صرف: فعل ماض مبني للمجهول، وهو جواب الشرط ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى (مضارع) السابق، والألف للإطلاق (إلى المضي) جار ومجرور متعلق بصرف (نحو) خبر مبتدأ محذوف، أي: وذلك نحو: (لو) حرف شرط غير جازم (يفي) فعل مضارع فعل الشرط، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو (كفى) جواب الشرط، وجملة الشرط وجوابه في محل جر بإضافة (نحو) إليه على تقدير مضاف، أي: نحو قولك: لو يفي كفى.

([6])348 - البيتان لكثير عزة، يتحدث فيهما عن تأثير عزة عليه ومنشئه.
اللغة: (رهبان) جمع راهب وهو عابد النصارى (مدين) قرية بساحل الطور (قعودا) جمع قاعد مأخوذ من قعد للأمر، أي اهتم له واجتهد فيه.
الإعراب: (رهبان) مبتدأ، ورهبان مضاف و(مدين) مضاف إليه مجرور بالفتحة نيابة عن الكسرة لأنه ممنوع من الصرف للعلمية والتأنيث و(الذين) اسم موصول معطوف على رهبان (عهدتهم) عهد: فعل ماض، وتاء المتكلم فاعله مبني على الضم في محل رفع، وضمير جماعة الغائبين العائد على الذين مفعول به لعهد، والجملة لا محل لها من الإعراب صلة الذين (يبكون) فعل مضارع، وواو الجماعة فاعله والنون علامة الرفع، والجملة في محل نصب حال من المفعول في عهدتم (من حذر) جار ومجرور متعلق بقوله (يبكون) السابق، وحذر مضاف و(العذاب) مضاف إليه (قعودا) منصوب على الحال: إما من المفعول في عهدتهم كجملة يبكون فتكون الحال مترادفة، وإما من الفاعل في يبكون فتكون الحال متداخلة (لو) حرف امتناع لامتناع (يسمعون) فعل مضارع، وواو الجماعة فاعل، والنون علامة الرفع، والجملة شرط لو لا محل لها من الإعراب (كما) الكاف جارة، ما: مصدرية (سمعت) فعل وفاعل و(ما) وما دخلت عليه في تأويل مصدر مجرور بالكاف، والجار والمجرور متعلق بمحذوف نعت لمصدر محذوف، أي: سماعا مثل سماعي (كلامها) كلام: تنازعه الفعلان قبله، وكل منهما يطلبه مفعولا، وكلام مضاف وها: مضاف إليه (خروا) خر: فعل ماض، وواو الجماعة فاعل، والجملة جواب لو لا محل لها من الإعراب، وجملتا الشرط والجواب في محل رفع خبر المبتدأ الذي هو رهبان مدين (لعزة) جار ومجرور متعلق بقوله (خروا) السابق (ركعا) حال من الواو في خروا (وسجودا) معطوف على قوله (ركعا).
الشاهد فيه: قوله (لو يسمعون) حيث وقع الفعل المضارع بعد (لو) فصرفت معناه إلى المضي فهو في معنى قولك: (لو سمعوا).

([7])اعلم أن كثيراً من النحاة ينكرون (لو) المصدرية، ويقولون لا تكون لو إلا شرطية، فإن ذكر جوابها فالأمر ظاهر، وإن لم يذكر جوابها – كما في الأمثلة التي تدعى فيها المصدرية – فالجواب محذوف، والذين أثبتوها قالوا: إنها توافق أن المصدرية: في المعنى، وفي سبك الفعل بعدها بمصدر، وفي بقاء الماضي على مضيه وتخليص المضارع للاستقبال وتفارقها في العمل، فإن لو لا تنصب ولا بد لهما من أن يطلبهما عامل، فيكون كل منهما مع مدخوله فاعلا نحو: "يعجبني أن تقوم، وما كان ضرك لو مننت" ومفعولا به نحو: "أحب أن تقوم، ويود أحدهم لو يعمر" وخبر مبتدأ نحو: ((الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه)) ونحو قول الأعشى:
وربما فات قوما جل أمرهم = من التأني وكان الحزم لو عجلوا
وتقع "أن" مع مدخولها مبتدأ نحو:{وأن تصوموا خير لكم}.

  #3  
قديم 26 ذو الحجة 1429هـ/24-12-2008م, 09:42 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي أوضح المسالك لجمال الدين ابن هشام الأنصاري (ومعه هدي السالك للأستاذ: محمد محيي الدين عبد الحميد)


فَصْلٌ في لَوْ

لـ (لو) ثَلاثةُ أَوْجُهٍ([1]):
أَحَدُها: أنْ تكونَ مَصْدَرِيَّةً([2])، فتُرَادِفَ (أنْ)، وأكثرُ وُقُوعِها بعدَ (وَدَّ)([3])، نحوُ: {وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ}([4])، أو (يَوَدُّ)، نحوُ: {يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ}([5])، ومن القليلِ قولُ قُتَيْلَةَ([6]):
518- ما كانَ ضَرَّكَ لَوْ مَنَنْتَ وَرُبَّمَا = مَنَّ الْفَتَى وَهْوَ الْمَغِيظُ الْمُحْنَقُ([7])
وإذا وَلِيَها الماضي بَقِيَ على مُضِيِّهِ أو المُضَارِعُ تَخَلَّصَ للاستقبالِ، كما أنَّ (أنِ) المصدريَّةَ كذلك.
الثاني: أنْ تكونَ للتعليقِ في المستقبَلِ، فتُرَادِفَ (إنْ)؛ كقولِهِ:
519- ولو تَلْتَقِي أَصْدَاؤُنَا بَعْدَ مَوْتِنَا([8])
وإذا وَلِيَها ماضٍ أُوِّلَ بالمُسْتَقْبَلِ، نحوُ: {وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا}([9])، أو مُضَارِعٌ تَخَلَّصَ للاستقبالِ كما في (إنِ) الشرطيَّةِ.
الثالِثُ: أنْ تكونَ للتعليقِ في الماضي، وهو أَغْلَبُ أقسامِ لو، وتَقْتَضِي امتناعَ شَرْطِها دائماً خِلافاً للشَّلَوْبِينَ، لا جَوابَها، خِلافاً للمُعْرِبِينَ([10])، ثمَّ إنْ لم يَكُنْ لِجَوَابِها سببٌ غَيْرُهُ لَزِمَ امْتِنَاعُه، نحوُ: {وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا}([11])، وكقولِكَ: (لَوْ كَانَتِ الشمسُ طَالِعَةً كانَ النهارُ مَوْجُوداً)، وإلاَّ لم يَلْزَمْ، نحوُ: (لو كانَتِ الشمسُ طالعةً كانَ الضوْءُ موجوداً)، ومنه: (لو لم يَخَفِ اللهَ لم يَعْصِهِ)، وإذا وَلِيَها مضارعٌ أُوِّلَ بالماضي، نحوُ: {لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الأَمْرِ لَعَنِتُّمْ}([12]).
وتَخْتَصُّ (لو) مُطلقاً بالفعلِ، ويَجُوزُ أنْ يَلِيَهَا قليلاً اسمُ معمولٍ لفعلٍ محذوفٍ يُفَسِّرُهُ ما بعدَه؛ كقولِهِ:
520- أَخِلاَّيَ لَوْ غَيْرُ الْحِمَامِ أَصَابَكُمْ([13])
وكثيراً (أنَّ) وصِلَتُها، نحوُ: {وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا}([14])، فقالَ سِيبَوَيْهِ وجمهورُ البَصْرِيِّينَ: مبتدأٌ. ثمَّ قيلَ: لا خَبَرَ له. وقيلَ: له خَبَرٌ محذوفٌ.([15]) وقالَ الكُوفِيُّونَ والمُبَرِّدُ والزَّجَّاجُ والزَّمَخْشَرِيُّ: فاعلٌ بِثَبَتَ مُقَدَّراً؛ كما قالَ الجميعُ في (ما) وصِلَتِها في: (لا أُكَلِّمُهُ ما أنَّ في السماءِ نَجْماً).
وجوابُ (لو) إما ماضٍ معنًى، نحوُ: (لو لم يَخَفِ اللهَ لم يَعْصِهِ)، أو وَضْعاً، وهو إمَّا مُثْبَتٌ فاقترانُه باللامِ - نحوُ: {لَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَاهُ حُطَاماً}([16]) - أكثرُ مِن تَرْكِها، نحوُ: {لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجاً}([17]).
وإما منفيٌّ، فالأمرُ بالعكسِ، نحوُ: {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ}([18]) وقولُه:
521- وَلَوْ نُعْطَى الْخِيَارَ لَمَا افْتَرَقْنَا([19])
قيلَ: وقد تُجَابُ بجملةٍ اسميَّةٍ، نحوُ: {لَمَثُوبَةٌ مِنْ عِنْدِ اللهِ خَيْرٌ}([20])، وقيلَ: الجملةُ مُسْتَأْنَفَةٌ، أو جوابٌ لِقَسَمٍ مقدَّرٍ، وإنَّ (لو) في الوجهيْنِ للتمنِّي؛ فلا جوابَ لها.


([1]) بل سَبْعَةُ أَوْجُهٍ:
الأَوَّلُ: التمنِّي، وسَيُشِيرُ إليه المؤلِّفُ في آخِرِ الفصلِ، ويُحْمَلُ عليه قولُه تعالى: {وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَمَثُوبَةٌ مِنْ عِنْدِ اللهِ خَيْرٌ}، ومن أمثلتِه قولُكَ: (لو تَأْتِينَا فتُحَدِّثُنَا) إذا كانَ المخاطَبُ مَيْئُوساً مِن إتيانِه، أو مُتَعَسِّراً إتيانُه عادَةً.
الثاني: العَرْضُ، نحوُ: (لو تَنْزِلُ عِنْدَنا فتُصِيبُ خَيْراً).
الثالِثُ: التحضيضُ، نحوُ: (لو تَأْمُرُ فتُطَاعُ).
الرابِعُ: التقليلُ، نحوُ: (تَصَدَّقُوا ولو بِظِلْفٍ مُحْرَقٍ)، وقيلَ: التقليلُ مستفادٌ مِن المقامِ. والثلاثةُ الباقيةُ مذكورةٌ في الكتابِ.

([2]) أَكْثَرُ النَّحْوِيِّينَ لم يُثْبِتْ وُرُودَ (لو) مَصْدَرِيَّةً، وزَعَمَ أنها شَرْطِيَّةٌ في نحوِ قولِهِ تعالى: {وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ}، وأنَّ مفعولَ (وَدُّوا) محذوفٌ تَقْدِيرُهُ: وَدُّوا إِدْهَانَكَ، وإذا لم يُوجَدْ في الكلامِ ما يَصْلُحُ جواباً، كما في قَوْلِهِ تعالى: {يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ} كانَ الجوابُ مُقَدَّراً أيضاً، فكأنَّ أصلَ الكلامِ: يَوَدُّ أَحَدُهم التعميرَ لو يُعَمَّرُ ألفَ سَنَةٍ لِسِرِّهِ ذلك.
ولا يَخْفَى عليك ما في هذا الرأيِ مِن التكلُّفِ بتقديرِ المفعولِ والجوابِ، وإنما دَعَاهُم إلى هذا أنَّهم وَجَدُوها تَدْخُلُ على (أنَّ) في نحوِ قولِه تعالى: {وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً}؛ فظَنُّوا أنها لو كانَتْ مَصْدَرِيَّةً لَمَا دَخَلَتْ على حرفٍ مَصْدَرِيٍّ؛ لأنَّ الحرفَ المصدريَّ لا يُدْخَلُ على مثلِه، والخَطْبُ في ذلك يَسِيرٌ؛ فإنَّا نُقَدِّرُ دخولَ لو على فِعْلٍ يكونُ المصدرُ المُنْسَبِكُ مِن أنَّ ومَصْحُوبِها فاعلاً له، وتقديرُ ذلك في الآيةِ واللهُ أَعْلَمُ: لو ثَبَتَ كونُ أَمَدٍ بَعِيدٍ بينَها وبينَه.
ومِمَّن ذَكَرَ (لو) المصدريَّةَ الفَرَّاءُ وأبو عَلِيٍّ، ومن المتأخِّرِينَ التِّبْرِيزِيُّ وأبو البَقَاءِ، وتَبِعَهم ابنُ مَالِكٍ وابنُ هِشَامٍ.

([3]) عبارةُ ابنِ مالِكٍ في (التسهيلِ) عندَ ذِكْرِ الموصولاتِ الحرفيَّةِ (ص14): (ومنها لو التالِيَةُ غالباً مُفْهِمَ تَمَنٍّ). اهـ، وذَكَرَ شُرَّاحُ التسهيلِ في شرحِ هذه العبارةِ أنَّ مُفْهِمَ التمنِّي يَشْمَلَ: أَحَبَّ، واخْتَارَ، وتَمَنَّى، ووَدَّ، ويَوَدُّ، لكنَّ السماعَ عن العربِ إنما ثَبَتَ في وَدَّ ويَوَدُّ، ثمَّ إنَّ ادِّعَاءَ أنَّ أَحَبَّ واخْتَارَ يُفْهِمَانِ التمنِّيَ مِمَّا لا تقومُ عليه حُجَّةٌ؛ فإنَّ كلَّ واحدٍ مِن هذيْنِ الفِعْلَيْنِ ليسَ مُرَادِفاً لِتَمَنٍّى، ولا لازِماً لِمَعْنَاهُ، فكم من الأشياءِ التي يُحِبُّها الإنسانُ ولا يَتَمَنَّى حُصُولَها؛ إمَّا لكونِه حاصلاً عندَه بالفعلِ، وإمَّا لِمَا عَسَى أنْ يكونَ معلوماً له من العوارِضِ التي تَمْنَعُ تَمَنِّيه.

([4]) سورةُ القَلَمِ، الآيةُ: 9

([5]) سورةُ البقرةِ، الآيةُ: 96.

([6]) مثلُ قولِ الأعشَى، وقيلَ: هو مِن قولِ القُطَّامِيِّ:
ورُبَّمَا فاتَ قَوْماً جُلُّ أَمْرِهِمُ = مِنَ التَّأَنِّي، وكانَ الحَزْمُ لَوْ عَجِلُوا
وقولِ امْرِئِ القَيْسِ:
تَجَاوَزْتُ أَحْرَاساً إِلَيْهَا وَمَعْشَراً = عَلَيَّ حِرَاصاً لو يُسِرُّونَ مَقْتَلِي
فإنَّ (لو) وما دَخَلَتْ عليه في تأويلِ مصدرٍ، وهذا المصدرُ في بيتِ الأَعْشَى خبرُ كانَ، والتقديرُ: وكانَ الحَزْمُ عَجَلَتَهم، وهو في بيتِ امْرِئِ القيسِ بَدَلُ اشتمالٍ من ياءِ المتكلِّمِ المجرورةِ مَحَلاًّ بعلى، والتقديرُ: عليَّ حُرَّاصاً على إسرارِ مَقْتَلِي.

([7])518- هذا بيتٌ مِن الكاملِ، وهو – كما قالَ المؤلِّفُ – مِن كَلِمَةٍ تقولُها قُتَيْلَةُ بنتُ الحارِثِ، وكانَ النبيُّ صَلَوَاتُ اللهِ وسلامُه عليه قد أَمَرَ بقتلِ أَخِيها النَّضْرِ بنِ الحارِثِ بعدَ غَزَاةِ بَدْرٍ.
اللغةُ: (ضَرَّكَ) عادَ عليكَ بالضَّرِّ، (مَنَنْتَ) أَنْعَمْتَ وتَفَضَّلْتَ، وتقولُ: (مَنَّ فلانٌ على الأسيرِ) إذا أَنْعَمَ عليه واسْتَبْقَاهُ على الحياةِ ولم يَقْتُلْه، سواءٌ أَخَذَ مِنه فِدَاءً على ذلكَ أم لم يَأْخُذْ، وقد خَصَّ العُرْفُ الشرعيُّ المَنَّ على الأسارَى بإطلاقِ سَرَاحِهِم من غيرِ فِدَاءٍ، (الْفَتَى) هو هنا الرجلُ الكريمُ، (المَغِيظُ) هو اسمُ المفعولِ مِن (غاظَ فلانٌ فلاناً يَغِيظُه غَيْظاً) إذا أَغْضَبَه وأَحْنَقَه وأَثَارَهُ، (المُحْنَقُ) بضمِّ الميمِ وسكونِ الحاءِ وفتحِ النونِ – اسمُ المفعولِ مِن (أَحْنَقَ فلانٌ فلاناً) إذا أَغْضَبَه أيضاً، والغيظُ أَشَدُّ مِن الحَنَقِ.
الإعرابُ: (ما) اسمُ استفهامٍ مبتدأٌ مبنيٌّ على السكونِ في مَحَلِّ رفعٍ، (كانَ) زائدةٌ، (ضَرَّكَ) ضَرَّ: فِعْلٌ ماضٍ مَبْنِيٌّ على الفتحِ، لا مَحَلَّ له من الإعرابِ، وفاعلُه ضميرٌ مُسْتَتِرٌ فيه جَوَازاً تَقْدِيرُهُ هو يعودُ إلى ما الاستفهاميَّةِ، وضميرُ المخاطَبِ مفعولٌ به مَبْنِيٌّ على الفتحِ في مَحَلِّ نصبٍ، والجملةُ من الفعلِ وفاعلِه ومفعولِه في مَحَلِّ رفعٍ خبرُ المبتدأِ، ويجوزُ أنْ تكونَ (كانَ) ناقصةً واسمُها ضميرٌ مُسْتَتِرٌ فيه جَوَازاً تَقْدِيرُهُ هو يعودُ إلى ما الاستفهاميَّةِ، وجملةُ (ضَرَّكَ) في مَحَلِّ نصبٍ خَبَرُها، وتكونُ جملةُ كانَ واسمِها وخبرِها في مَحَلِّ رفعٍ المبتدأُ، (لو) حرفٌ مَصْدَرِيٌّ، (مَنَنْتَ) فِعْلٌ ماضٍ وفاعلُه، ولو معَ ما دَخَلَتْ عليه على هذيْنِ الوجهيْنِ في تأويلِ مصدرٍ مجرورٍ بحرفِ جرٍّ محذوفٍ، والجارُّ والمجرورُ مُتَعَلِّقٌ بِضَرَّ، وتقديرُ الكلامِ على هذا: أيُّ شيءٍ ضَرَّكَ في المَنِّ؟ أو أيُّ شيءٍ كانَ ضَرَّكَ في المَنِّ؟ ويجوزُ أنْ تكونَ (ما) نافيةً، و(كانَ) ناقصةً، وجملةُ (ضَرَّكَ) في مَحَلِّ نصبٍ خَبَرُها تَقَدَّمَ على اسمِها، و(لو) معَ ما دَخَلَتْ عليه في تأويلِ مصدرٍ مرفوعٍ اسمِ كانَ، وتقديرُ الكلامِ على هذا: لم يَكُنِ المَنُّ ضَارًّا لك، ويجوزُ أنْ يكونَ المصدرُ المُؤَوَّلُ مِن لو ومَدْخُولِها فاعِلَ ضَرَّ، وتجوزُ وُجُوهٌ أُخَرُ من الإعرابِ أَعْرَضْنَا عنها؛ رِعَايَةً للاختصارِ، (وَرُبَّمَا) الواوُ واوُ الحالِ، رُبَّ: حرفُ تقليلٍ وجَرٍّ شَبِيهٌ بالزائدةِ، وما كافَّةٌ، (مَنَّ) فِعْلٌ ماضٍ، (الْفَتَى) فاعلُه، (وَهْوَ) الواوُ واوُ الحالِ، هو: ضميرٌ مُنْفَصِلٌ مبتدأٌ، (المَغِيظُ) خبرُ المبتدأِ، (المُحْنَقُ) نَعْتٌ له أو خَبَرٌ بعدَ خَبَرِ مبتدأٍ محذوفٍ؛ أي: وهو المَغِيظُ وهو المُحْنَقُ.
الشاهِدُ فيه: قولُها: (لو مَنَنْتَ)؛ فإنَّه في تأويلِ مصدرٍ مرفوعٍ على أنه اسمُ كانَ أو فاعلٌ بِضَرَّ؛ أي: ما كانَ ضَرَّكَ مِنْكَ، أو مجرورٌ بحرفِ جرٍّ محذوفٍ، على ما ذَكَرْنَاهُ في إعرابِ البيتِ.
وذَكَرَ الصَّبَّانُ أنه يَحْتَمِلُ أنْ تكونَ (لو) شرطيَّةً تَقْتَضِي شَرْطاً وجَوَاباً، فأمَّا شَرْطُها فهو قولُها: (مَنَنْتَ)، وأمَّا جَوابُها فمحذوفٌ يَدُلُّ عليه سابقُ الكلامِ، وكأنَّهَا قالَتْ: لو مَنَنْتَ لم يَضُرَّكَ شيءٌ، وعلى هذا الاحتمالِ تَخْرُجُ العبارةُ عن الاستشهادِ، وهو مسبوقٌ في هذا التأويلِ؛ فقد نَقَلَه الشيخُ يس عن الدنوشريِّ، ونَصُّ عِبَارَتِه: (ولو جَعَلْتَ لو شَرْطِيَّةً وما تَقَدَّمَ دليلَ الجوابِ كانَ حَسَناً). اهـ.

([8]) 519- هذا الشاهدُ مِن كلامِ قَيْسِ بنِ المُلَوَّحِ المعروفِ بمجنونِ لَيْلَى، وقيلَ: هو لأبي صَخْرٍ الهُذَلِيِّ، والذي أَنْشَدَهُ المؤلِّفُ صَدْرُ بيتٍ مِن الطويلِ، وعَجُزُهُ معَ بيتٍ يَأْتِي بعدَه قولُه:
لو تَلْتَقِي........ = ومِنْ دُونِ رَمْسَيْنَا مِنَ الأَرْضِ سَبْسَبُ
لَظَلَّ صَدَى صَوْتِي وإِنْ كُنْتُ رِمَّةً = لِصَوْتِ صَدَى لَيْلَى يَهَشُّ ويَطْرَبُ
اللغةُ: (تَلْتَقِي) تَتَقَابَلُ وتَجْتَمِعُ، (أَصْدَاؤُنَا) الأصداءُ: جَمْعُ صَدًى – بفتحِ الصادِ مقصوراً كما في البيتِ الثاني – وهو ما تَسْمَعُه كأنه يُجِيبُكَ إذا كُنْتَ على شَطِّ نَهَرٍ أو فوقَ جَبَلٍ أو في بيتٍ خَالٍ، (رَمْسَيْنَا) الرَّمْسُ – بفتحٍ فسكونٍ – القَبْرُ، (سَبْسَبُ) بسينيْنِ وباءيْنِ – الصحراءُ والأرضُ المستويَةُ البعيدةُ الأطرافِ، (رِمَّةً) الرِّمَّةُ – بكسرِ الراءِ وتشديدِ الميمِ – العَظْمُ البالي، وفي القرآنِ: {قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ}، (يَهَشُّ) من الهَشَاشَةِ، وهي الارتياحُ وخِفَّةُ السرورِ، (يَطْرَبُ) يُظْهِرُ الفَرَحَ والاستبشارَ.
الإعرابُ: (لو) شرطيَّةٌ غيرُ جازِمَةٍ، (تَلْتَقِي) فعلٌ مضارعٌ مرفوعٌ بضمَّةٍ مُقَدَّرَةٍ على الياءِ، (أَصْدَاؤُنَا) فاعلُ تَلْتَقِي ومضافٌ إليه، (بَعْدَ) ظرفٌ مُتَعَلِّقٌ بقولِه: تَلْتَقِي، وبعدَ مضافٌ وموتِ مِن (مَوْتِنَا) مضافٌ إليه، وموتِ مضافٌ والضميرُ مضافٌ إليه، (ومِن) الواوُ واوُ الحالِ، مِن: حرفُ جرٍّ، (دُونِ) مجرورٌ بِمِن، والجارُّ والمجرورُ مُتَعَلِّقٌ بمحذوفٍ خبرٌ مُقَدَّمٌ، ودونِ مضافٌ و(رَمْسَيْنَا) مضافٌ إليه، والضميرُ مضافٌ إليه، (مِن الأرضِ) جارٌّ ومجرورٌ مُتَعَلِّقٌ بمحذوفٍ حالٌ مِن سَبْسَبُ الآتي، وأصلُه صفةٌ له على ما تَقَدَّمَ مِرَاراً، فلَمَّا تَقَدَّمَ عليه أُعْرِبَ حالاً، (سَبْسَبُ) مبتدأٌ مُؤَخَّرٌ، وجملةُ الخبرِ المُقَدَّمِ ومُبْتَدَئِه المؤخَّرِ في مَحَلِّ نصبٍ حالٌ، (لَظَلَّ) اللامُ واقعةٌ في جوابِ لو، ظَلَّ: فِعْلٌ ماضٍ ناقصٌ، (صَدَى) اسمُ ظَلَّ مرفوعٌ بضمَّةٍ مُقَدَّرَةٍ على الألفِ، وصَدَى مضافٌ وصَوْتِ من (صَوْتِي) مضافٌ إليه، وصَوْتِ مضافٌ وياءُ المتكلِّمِ مضافٌ إليه، (وإِنِ) الواوُ عاطفةٌ على محذوفٍ؛ أي: إنْ لم أَكُنْ رِمَّةً، وإنْ كُنْتُ رِمَّةً، وقيلَ: هي واوُ الحالِ، وعلى الأوَّلِ تكونُ (إنْ) شرطيَّةً، وهي على الثاني: زائدةٌ للمُبَالَغَةِ، (كُنْتُ) كانَ: فِعْلٌ ماضٍ ناقصٌ، وتاءُ المتكلِّمِ اسْمُه، (رِمَّةً) خبرُ كانَ، (لِصَوْتِ) جارٌّ ومجرورٌ مُتَعَلِّقٌ بقولِهِ: يَهَشُّ الآتي، وصوتِ مضافٌ و(صَدَى) مضافٌ إليه، وهو مضافٌ و(لَيْلَى) مضافٌ إليه، (يَهَشُّ) فعلٌ مضارعٌ، وفاعلُه ضميرٌ مُسْتَتِرٌ فيه جَوَازاً تَقْدِيرُهُ هو يعودُ إلى صَدَى صَوْتِي، والجملةُ في مَحَلِّ نصبٍ خبرُ ظَلَّ، (ويَطْرَبُ) معطوفٌ على يَهَشُّ.
الشاهِدُ فيه: قولُه: (لو تَلْتَقِي) حيثُ وَرَدَتْ لو شرطيَّةً؛ بدليلِ الإتيانِ لها بجوابٍ - وهو قولُه: (لَظَلَّ صَدَى صَوْتِي) – وقد وَقَعَ بعدَ (لو) في هذه العبارةِ الفِعْلُ المضارِعُ الذي هو قولُه: (تَلْتَقِي)، وقد صَرَّحَ ابنُ مالِكٍ في الألفيَّةِ بأنَّ وُقُوعَ الفعلِ المضارِعِ شَرْطاً للو قليلٌ، ولكنَّه وَرَدَ به السماعُ عن العربِ فقَبِلَه النُّحاةُ، ونَصُّ عِبَارَتِهِ: (ويَقِلْ* إيلاؤُها مُضَارِعاً، لكِنْ قُبِلْ)، وهذا الموضوعُ يَحْتَاجُ إلى بيانٍ وتفصيلٍ تَتَّضِحُ به حَقِيقَتُه مِن غيرِ أنْ يَشُوبَهَا لَبْسٌ أو يَلْحَقُ بها غُمُوضٌ، فنقولُ:
اعْلَمْ أنَّ (لو) الشرطيَّةَ لَيْسَتْ ضَرْباً واحداً عندَ جَمْهَرَةِ النُّحَاةِ، بل هي على ضربيْنِ، ولها في كلِّ ضَرْبٍ منهما معنًى، كما أنَّ شَرْطَها يَخْتَلِفُ في أحدِ ضَرْبَيْهَا عن شَرْطِها في الضربِ الآخَرِ:
الضربُ الأوَّلُ: (لو) التي يُسَمُّونَهَا (لو الامْتِنَاعِيَّةَ)، وهي التي تَدُلُّ على تَعْلِيقِ فِعْلٍ بفِعْلٍ فيما مَضَى مِن الزمانِ، نحوُ قولِكَ: (لو زَارَنِي عليٌّ لأَكْرَمْتُه) فقد عَلَّقْتَ إكرامَكَ لِزَيْدٍ فيما مَضَى على زِيَارَتِهِ إيَّاكَ، وهذا الضربُ يَقْتَضِي أُمُوراً.
الأوَّلُ: أنْ يكونَ شَرْطُها ماضياً في اللفظِ والمعنَى، نحوُ: (لو زُرْتَنِي أَمْسِ لأَكْرَمْتُكَ)، أو ماضياً في المعنَى فقطْ، نحوُ قولِكَ: (لو لم تُسِئْ إِلَيَّ لأَحْسَنْتُ إليكَ)؛ فإنَّكَ تَعْلَمُ أنَّ الفعلَ المضارِعَ المجزومَ بلم ماضِي المعنى.
الثاني: أنه يَلْزَمُ فيه أيضاً أنْ يكونَ شَرْطُها مَحْكُوماً بامتناعِه – أي: عَدَمِ حُصُولِهِ – إذ لو قُدِّرَ الشرطُ حاصلاً لَوَقَعَ الجوابُ لِمَا ذَكَرْنَا مِن أنه يَلْزَمُ مِن تقديرِ حُصُولِ شَرْطِها حُصُولُ جَوَابِها، ولو حَصَلاَ لم تَكُنْ حرفَ امتناعٍ كما هو وَضْعُها، بل تكونُ حرفَ إيجابٍ، فأمَّا جَوَابُها فلا يَلْزَمُ امْتِنَاعُه دائماً كما لَزِمَ في شَرْطِها، بل يُنْظَرُ فيه؛ فإمَّا أنْ يكونَ له سَبَبٌ غيرُ شَرْطِها، وإمَّا ألاَّ يَكونَ له سَبَبٌ غيرُ شَرْطِها، فإنْ لم يَكُنِ للجوابِ سَبَبٌ غيرُ شَرْطِها اقْتَضَتِ العبارةُ امْتِنَاعَه؛ لامتناعِ سَبَبِهِ الذي لا سَبَبَ له سِوَاهُ، نحوُ قولِكَ: (لو آمَنَ لَحَقَنَ دَمَهُ)، ونحوُ قولِهِ تعالى: {وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا}، ونحوُ قولِهِم: (لو كانَتِ الشمسُ مَوْجُودَةً كانَ النهارُ مَوْجُوداً)، وتكونُ (لو) حينَئذٍ دَالَّةً على امتناعِ الجوابِ؛ لامتناعِ الشرطِ، وإنْ كانَ لِجَوَابِها أسبابٌ مُتَعَدِّدَةٌ، والشرطُ المذكورُ أحدُ هذه الأسبابِ، لم يَلْزَمْ على تقديرِ امتناعِ الشرطِ وعدمِ حُصُولِهِ امتناعُ الجوابِ؛ لأنَّ عدمَ السببِ المُعَيَّنِ لا يَلْزَمُه عدمُ المُسَبَّبِ؛ إذ يجوزُ أنْ يَكُونَ المُسَبَّبُ حاصِلاً وموجوداً لِسَبَبٍ آخَرَ غيرِ هذا السببِ المُعَيَّنِ، ومن هذا القَبِيلِ قولُ عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: (نِعْمَ العَبْدُ صُهَيْبٌ، لو لم يَخَفِ اللهَ لم يَعْصِهِ).
ولا تكونُ لو في هذه الصورةِ حرفَ امتناعٍ لامتناعٍ لِمَا عَرَفْتَ، ولهذا كانَ إطلاقُ قولِ المُعْرِبِينَ: (لو حرفُ امتناعٍ لامتناعٍ) غيرَ صحيحٍ؛ لأنَّ ذلك ليسَ شَأْنَهَا في جَمِيعِ صُوَرِهَا، بل هو معناها في بعضِ الصُّوَرِ دونَ بعضِها الآخرِ.
والضَّرْبُ الثاني مِن ضَرْبَي لو الشَّرْطِيَّةِ: أنْ تكونَ بمعنى إنْ، فتَدُلُّ على تعليقِ حصولِ جوابِها على حصولِ شَرْطِها، نعنِي أنها تَدُلُّ على أنه مَتَى حَصَلَ الشرطُ حَصَلَ الجوابُ، كما أنَّ (إنِ) الشرطيَّةُ كذلك، والفرقُ بينَ لو وإنْ أنَّ (لو) لا تَجْزِمُ، ولكِنَّ (إنْ) تَجْزِمُ، وفي هذه الحالِ لا يَقَعُ بعدَ (لو) إلاَّ الفعلُ المستقبَلُ في اللفظِ والمعنى جميعاً، نحوُ بيتِ الشاهِدِ (رَقْمِ 519)، ونحوُ قولِ الآخَرِ:
لا يُلْفَكَ الرَّاجُونَ إلاَّ مُظْهِراً = خُلُقَ الكِرَامِ وَلَوْ تَكُونُ عَدِيمَا
أو الفِعْلُ المُسْتَقْبَلُ في المعنى دونَ اللفظِ – بأنْ يكونَ ماضياً مُؤَوَّلاً بالمضارِعِ – ومن ذلكَ الآيةُ: {وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافاً خَافُوا عَلَيْهِمْ}.
والضَّرْبُ الأوَّلُ مِن هذيْنِ الضربيْنِ أَكْثَرُ في الاستعمالِ العربيِّ مِن الضربِ الثاني، وهو مرادُ ابنِ مالِكٍ بقولِهِ في الألفيَّةِ: (لو حَرْفُ شَرْطٍ في مُضِي)، ومعَ أنَّ الضربَ الثانِيَ من هذيْنِ الضربيْنِ أَقَلُّ وُرُوداً في كلامِ العربِ مِن الضربِ الأوَّلِ فهو فَصِيحٌ مقبولٌ، وهذا هو مرادُ ابنِ مالِكٍ من قولِهِ: (ويَقِلْ * إِيلاؤُها مُسْتَقْبَلاً لكِنْ قُبِلْ)، وحَلُّ هذا الكلامِ: ويَقِلُّ مَجِيءُ لو الشرطيَّةُ مُرَادِفَةً لإنِ الشرطيَّةِ في الدَّلالةِ على تعليقِ حُصُولِ الجوابِ بحُصُولِ الشرطِ، وحينَئذٍ يَلِيهَا الفعلُ المستقبَلُ لَفْظاً ومعنًى أو معنًى فقطْ، ومعَ قِلَّتِهِ هو وَارِدٌ في فَصِيحِ العربيَّةِ، ومِن أجلِ ذلك قَبِلَها النحاةُ وقالوا بمُقْتَضَاهُ.
وزَعَمَ ابنُ الحَاجِّ وابنُ الناظِمِ أنَّ (لو) الشرطيَّةَ لا تَجِيءُ إلاَّ على ضَرْبٍ واحدٍ هو الضربُ الأوَّلُ مِن الضربيْنِ اللذيْنِ شَرَحْنَا أَمْرَهُما، ولا تَجِيءُ مُرَادِفَةً لإنْ، ونَصُّ عبارةِ ابنِ الناظِمِ: (وعندي أنَّ لو لا تكونُ لغيرِ الشرطِ في الماضي، وما تَمَسَّكُوا به من نحوِ قولِه تعالَى: {وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا} لا حُجَّةَ فيه؛ لصِحَّةِ حَمْلِهِ على المُضِيِّ) اهـ.
وهذا كلامٌ يَدُلُّ على عدمِ التدبُّرِ في الاستعمالاتِ العربيَّةِ؛ فقد وَرَدَتْ جُملةٌ صالحةٌ مِن الشواهدِ تَدُلُّ فيها (لو) على التعليقِ في المستقبَلِ، ولا يُمْكِنُ فيها تأويلُها بالماضي، مِن ذلك قولُه تعالى على لِسَانِ إِخْوَةِ يُوسُفَ: {وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ}؛ إذ لو حُمِلَتْ هذه الآيةُ على أنَّ لو فيها هي الامتناعيَّةُ لكانَ حَاصِلُها: لو كُنَّا صادقينَ فيما مَضَى ما أنتَ بمُصَدِّقٍ لنا لكنَّا لم نُصَدِّقْ، ومُحَالٌ أنْ يُرِيدُوا ذلكَ، ومِن ذلكَ قولُه سُبْحَانَهُ: {لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ}، وقولُه جَلَّتْ كَلِمَتُهُ: {قُلْ لاَ يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ}، ومن ذلك: ((أَعْطُوا السَّائِلَ وَلَوْ جَاءَ عَلَى فَرَسٍ))، ومن ذلك قولُ الشاعِرِ:
قَوْمٌ إِذَا حَارَبُوا شَدُّوا مَآزِرَهُمْ = دُونَ النِّسَاءِ وَلَوْ بَاتَتْ بِأَطْهَارِ
فإنَّ هذه الأفعالَ التالِيَةَ لِلَوْ في هذه الشواهدِ كُلِّها مُسْتَقْبَلُ المَعْنَى، ولا يَصِحُّ تَأْوِيلُها بماضيِّ المعنى، وإنْ كانَ لَفْظُها ماضياً.

([9]) سورةُ النساءِ، الآيةُ: 9

([10]) حيثُ يقولونَ في الإعرابِ: (لو حَرْفُ امتناعٍ لامْتِنَاعٍ)؛ أي: حرفٌ يَدُلُّ على امتناعِ الجوابِ لامتناعِ الشرطِ، وإذا كانَ امتناعُ الشرطِ دائماً لَزِمَ أنْ يكونَ امتناعُ الجوابِ دائماً.

([11]) سورةُ الأعرافِ، الآيةُ: 176.

([12]) سورةُ الحُجُرَاتِ، الآيةُ: 7.

([13]) 520- هذا الشاهِدُ من كلامِ الغَطَمَّشُ الضَّبِّيُّ، وهو من شُعَرَاءِ الحَمَاسَةِ لأبي تَمَّامٍ، وما ذَكَرَه المؤلِّفُ صَدْرُ بيتٍ مِن الطويلِ، وعَجُزُهُ معَ بيتٍ سابقٍ عليه قولُه:
إلى اللهِ أَشْكُو لا إِلَى النَّاسِ أَنَّنِي = أَرَى الأرضَ تَبْقَى والأخِلاَّءُ تَذْهَبُ
أَخِلاَّيَ لَوْ...... = عَتَبْتُ، ولَكِنْ مَا على المَوْتِ مَعْتَبُ
اللغةُ: (أَخِلاَّيَ) الخَلِيلُ – بفتحِ الخاءِ – الصديقُ، ويُجْمَعُ على أَخِلاَّءَ، مثلُ صَدِيقٍ وأصدقاءٍ، وأصلُ أَخِلاَّءَ أَخِلْلاَءُ، بلاميْنِ أُولاهُما مكسورةٌ، فنُقِلَتْ حركةُ أوَّلِ المِثليْنِ إلى الساكِنِ قبلَه ثمَّ أُدْغِمَ، وقد قَصَرَه الشاعرُ هنا حينَ اضُطْرَّ، (الحِمَامِ) بكسرِ الحاءِ، بزِنَةِ الكِتابِ – الموتُ، (عَتَبْتُ) لُمْتُ وسَخِطْتُ، (مَعْتَبُ) مصدرٌ ميميٌّ معناه العِتابُ.
الإعرابُ: (أَخِلاَّيَ) الهمزةُ حرفٌ لنداءِ القريبِ، أَخِلاَّيَ: مُنَادًى مضافٌ لياءِ المتكلِّمِ، (لو) حرفُ شرطٍ غيرُ جازمٍ مَبْنِيٌّ على السكونِ لا مَحَلَّ له من الإعرابِ، (غيرُ) فاعلٌ بفعلٍ محذوفٍ يُفَسِّرُه المذكورُ بعدَه، والتقديرُ: لو أَصَابَكُم غيرُ الحِمَامِ أَصَابَكُم، وغيرُ مضافٌ و(الحِمامِ) مضافٌ إليه، (أَصَابَكُمْ) أصابَ: فِعْلٌ ماضٍ، وفاعلُه ضميرٌ مُسْتَتِرٌ فيه جَوَازاً تَقْدِيرُهُ هو يعودُ إلى غيرُ الحِمَامِ، وضميرُ المخاطَبِ مفعولٌ به، والجملةُ لا مَحَلَّ لها تَفْسِيرِيَّةٌ، (عَتَبْتُ) فِعْلٌ ماضٍ وفاعلُه، والجملةُ لا مَحَلَّ لها جوابُ لو، (ولَكِنِ) الواوُ حرفُ عطفٍ، لَكِنْ: حرفُ استدراكٍ، (ما) حرفُ نَفْيٍ، (على الموتِ) جارٌّ ومجرورٌ مُتَعَلِّقٌ بمحذوفٍ خبرٌ مُقَدَّمٌ، (مَعْتَبُ) مبتدأٌ مُؤَخَّرٌ.
الشاهدُ فيه: قولُه: (لو غَيْرُ الحِمَامِ)؛ حيثُ وَلِيَ (لو) الشرطيَّةِ في هذه العبارةِ الاسمُ المرفوعُ، وهو عندَ جَمْهَرَةِ النحاةِ فاعلٌ بفعلٍ محذوفٍ يُفَسِّرُه ما بعدَه، نظيرُ قولِه تَعَالَى: {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ}، وقولِهِ سُبْحَانَهُ: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ}، وقالَ قومٌ مِن النحاةِ الكُوفِيِّينَ: هذا الاسمُ المرفوعُ مبتدأٌ خبرُه ما يُذْكَرُ بعدَه. وهذا عِندي في (لو) وَحْدَها أَرْجَحُ مِمَّا ذَهَبَ إليه الجمهورُ، أمَّا في (إذَا) و(إنْ) فمَذْهَبُ الجمهورِ أَرْجَحُ عندي مِن مَذْهَبِ غَيْرِهم، ووجهُ الفرقِ الذي بَنَيْنَا عليه هذا الترجيحَ أَنَّا نَظَرْنَا فلم نَجِدِ اسماً مرفوعاً وَلِيَ إنْ أو إذَا الشرطيتيْنِ إلاَّ وبعدَه فِعْلٌ، فعَلِمْنَا أنَّ هذا الفعلَ لم يُلْتَزَمْ ذِكْرُه حينَئذٍ إلاَّ لأنَّهم قَصَدُوا به تفسيرَ فِعْلٍ محذوفٍ، فأمَّا في (لو) فوَجَدْنَاهُم ذَكَرُوا بعدَه اسماً مرفوعاً ولم يَذْكُرُوا بعدَه فِعْلاً، وذلك كما في قَوْلِ عَدِيِّ بنِ زَيْدٍ العَبَّادِيِّ:
لو بِغَيْرِ الْمَاءِ حَلْقِي شَرِقٌ = كُنْتُ كَالْغَصَّانِ بِالْمَاءِ اعْتِصَارْ
فعَلِمْنَا أنهم لَمَّا فَرَّقُوا في الاستعمالِ بينَ (لو) وغيرِها من أدواتِ الشرطِ قَصَدُوا إلى التفرِقَةِ بينَهما في الحُكْمِ أيضاً، واسْتَبْعَدْنَا أنْ نُقَدِّرَ فِعْلاً في بيتِ عَدِيٍّ الذي أَنْشَدْنَاهُ ونَدَّعِي أنَّ الدالَّ عليه الاسمُ الوَصْفُ المذكورُ بعدَ الاسمِ المرفوعِ؛ فإنَّ في ذلك إبعاداً في التخريجِ؛ لهذا نَصَرْنَا مَذْهَبَ الجمهورِ حيثُ وَجَدْنَا الدليلَ يَدُلُّ له، ونَصَرْنَا غيرَه حيثُ وَجَدْنَا الدليلَ يَدُلُّ له أيضاً.
وقد خَرَّجَ أبو عليٍّ الفَارِسِيُّ بيتَ عَدِيِّ بنِ زَيْدٍ الذي أَنْشَدْنَاهُ على أنَّ (حَلْقِي) فاعلٌ بفعلٍ محذوفٍ يُفَسِّرُه الوصفُ، وقولُه: (شَرِقٌ) خبرٌ لمبتدأٍ محذوفٍ، وعلى هذا يكونُ تقديرُ الكلامِ: ولو شَرِقَ حَلْقِي هو شَرِقٌ، وخَرَّجَه غيرُه على أنَّ (حَلْقِي) مبتدأٌ، و(شَرِقٌ) خَبَرُه، والجملةُ من هذا المبتدأِ والخبرِ في مَحَلِّ نصبٍ خبرُ (كانَ) المحذوفةِ هي واسمُها الذي هو ضميرُ الشأنِ، وتقديرُ الكلامِ على هذا: لو كانَ (هو: أي الحالُ والشأنُ) حَلْقِي شَرِقٌ، وفي كلا التخريجيْنِ من التكلُّفِ ما لا خَفَاءَ به.

([14]) سورةُ الحُجُرَاتِ، الآيةُ: 5.

([15]) وعلى القولِ بأنَّ هذا المبتدأَ له خَبَرٌ محذوفٌ اختَلَفُوا في تقديرِ ذلكَ الخبرِ؛ فقالَ ابنُ عُصْفُورٍ: يُقَدَّرُ مُؤَخَّراً عن المبتدأِ؛ لأنَّ مكانَ الخبرِ بعدَ المبتدأِ. ويَشْهَدُ لهذا القولِ أنَّ الخبرَ عن المصدرِ المسبوكِ من أنْ واسْمِها وخَبَرِها قد وَرَدَ عن العربِ مُؤَخَّراً عن أنْ واسْمِها وخَبَرِها بعدَ أمَّا، كما في قولِ الشاعِرِ:
عِنْدِي اصْطِبَارٌ وأَمَّا أَنَّنِي جَزِعٌ = يَوْمَ النَّوَى فَلِوَجْدٍ كادَ يَبْرِينِي
فيُحْمَلُ هذا المَوْضِعُ على ذلك، وقالَ قومٌ: يُقَدَّمُ الخبرُ في التقديرِ عن أنَّ واسْمِها وخَبَرِها، فيقالُ: التقديرُ في الآيةِ الكريمةِ: ولو ثَبَتَ صَبْرُهم؛ لأنَّك لو قَدَّمْتَ المبتدأَ الذي هو المصدرُ المسبوكُ من أنَّ واسْمِها وخَبَرِها لاَلْتَبَسَتْ أنَّ المُؤَكِّدَةَ بأنَّ التي بِمَعْنَى لَعَلَّ، وليكونَ هذا المَوْضِعُ نظيرَ قولِه تعالى: {وَآيَةٌ لَهُمْ أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ}؛ حيثُ قَدَّمَ الخبرَ – وهو آيةٌ لَهُمْ – على أنَّ واسْمِها وخبرِها التي تُؤَوَّلُ بمصدرٍ يَقَعُ مبتدأً لهذا الخبرِ.

([16]) سورةُ الواقعةِ، الآيةُ: 65.

([17]) سورةُ الواقعةِ، الآيةُ: 70.

([18]) سورةُ الأنعامِ، الآيةُ: 112.

([19]) 521-لم أَقِفْ على نِسْبَةِ هذا الشاهدِ إلى قائلٍ مُعَيَّنٍ، والذي أَنْشَدَهُ المؤلِّفُ صَدْرُ بيتٍ مِن الوافِرِ، وعَجُزُهُ قَوْلُهُ:
*ولَكِنْ لا خِيَارَ معَ اللَّيَالِي*
الإعرابُ: (لو) حرفُ شرطٍ غيرُ جَازِمٍ، (نُعْطَى) فعلٌ مضارِعٌ مَبْنِيٌّ للمجهولِ مرفوعٌ بضمَّةٍ مُقَدَّرَةٍ على الألفِ، ونائبُ فاعلِه ضميرٌ مُسْتَتِرٌ فيه وُجُوباً تَقْدِيرُهُ نحنُ، وهو المفعولُ الأوَّلُ لِنُعْطَى، (الخِيَارَ) مفعولٌ ثانٍ لِنُعْطَى، منصوبٌ بالفتحةِ الظاهرةِ، (لَمَا) اللامُ واقعةٌ في جوابِ لو، وما: حرفُ نفيٍ، (افْتَرَقْنَا) فِعْلٌ ماضٍ مَبْنِيٌّ على فتحٍ مُقَدَّرٍ على آخِرِهِ، ونا: فاعلُه، والجملةُ لا مَحَلَّ لها جوابُ لو، (ولَكِن) الواوُ حرفُ عطفٍ، لكِنْ: حرفُ استدراكٍ، (لا) نافيةٌ للجِنْسِ، (خِيَارَ) اسمُ لا النافيةِ للجنسِ مَبْنِيٌّ على الفتحِ في مَحَلِّ نصبٍ، (معَ) ظرفٌ مُتَعَلِّقٌ بمحذوفٍ خبرُ لا، ومعَ: مضافٌ و(الليالي) مضافٌ إليه مجرورٌ بكسرةٍ مُقَدَّرَةٍ على الياءِ، مَنَعَ مِن ظُهُورِها الثِّقَلُ.
الشاهِدُ فيه: قولُه: (لَمَا افْتَرَقْنَا)؛ حيثُ وَقَعَ جوابُ (لو) فِعْلاً ماضياً مَنْفِيًّا بما، واقْتَرَنَ معَ هذا باللامِ، وهذا قليلٌ، والكثيرُ في مثلِ هذه الحالِ أنْ يكونَ الجوابُ غيرَ مُقْتَرِنٍ باللامِ، ولو أنه جاءَ به على ما هو الكثيرُ لقالَ: (لو نُعْطَى الخِيَارَ ما افْتَرَقْنَا)، كما قالَ اللهُ تعالى: {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ}.

([20]) سورةُ البقرةِ، الآيةُ: 103.



  #4  
قديم 26 ذو الحجة 1429هـ/24-12-2008م, 09:44 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي شرح ألفية ابن مالك للشيخ: علي بن محمد الأشموني


فَصْلُ لَوْ

اعْلَمْ أَنَّ "لَوْ" تَأْتِي عَلَى خَمْسَةِ أَقْسَامٍ:
الأوَّلُ: أَنْ تكونَ للعَرْضِ نحوُ: "لَوْ تَنْزِلُ عَنْدَنَا فَتُصِيْبَ خَيْرًا" ذَكَرَهُ فِي (التَّسْهِيْلِ).
الثانِي: أَنْ تَكُونَ للتقليلِ, نحوُ: "تَصَدَّقُوا ولوْ بِظُلْفٍ مُحْرَقٍ" ذكَرَهُ ابْنُ هِشَامٍ اللَّخْمِيُّ وغيرُهُ.
الثالثُ: أَنْ تكونَ للتمَنِّي نَحْوُ: "لَوْ تَأْتِيْنَا فَتُحَدِّثَنَا" قيلَ: ومنهُ {لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً} ولهذَا نُصِبَ "فَنَكُونَ" فِي جَوَابِهَا، واخْتُلِفَ فِي "لَوْ" هذِهِ؛ فقالَ ابْنُ الصَّائِغِ، وابْنُ هِشَامٍ الخَضْرَاوِيُّ، هِي قِسْمٌ بِرَأْسِهَا، لا تَحْتَاجُ إِلَى جوابٍ كجوابِ الشرطِ، ولكِنْ قَدْ يُؤْتَى لَهَا بجوابٍ منصوبٍ كجوابِ "لَيْتَ"، وقَالَ بعضُهُمْ هِي "لَوْ" الشرطيةِ أُشْرِبَتْ مَعْنَى التَّمَنِّي، بدليلِ أنَّهُمْ جَمَعُوا لَهَا بينَ جوابينِ؛ جوابٍ منصوبٍ بعدَ الفاءِ، وجوابٍ باللامِ، كقولِهِ [مِنَ الوَافِرِ]:
1106- فَلَوْ نُبِشَ المَقَابِرْ عَنْ كُلَيْبٍ = فَيُخْبَرَ بالذَّنَائِبِ أَيَّ زِيْرِ
بِيَومِ الشَّعْثَمَيْنِ لَقَرَّ عَيْنًا = وَكَيْفَ لِقَاءُ مَنْ تَحْتَ القُبُورِ؟!‍
وقالَ المصنفُ: هِي "لَوْ" المصدريةُ أَغْنَتْ عَنْ فِعْلِ التمنِّي، وذلكَ أنَّهُ أوردَ قولَ الزَّمَخْشَرِيِّ، وقَدْ تَجِئُ "لَوْ" فِي معنَى التمنِّي، نحوُ: "لَوْ تَأْتِيْنِي فَتُحَدِّثَنِي" فقالَ: إِنْ أَرَادَ أَنَّ الأصْلَ" ودَدْتُ لَوْ يَأْتِيْنِي فَيُحَدِّثَنِي"، فَحَذَفَ فِعْلَ التمنِّي لدلالةِ "لَوْ" عليهِ، فأَشْبَهَتْ "لَيْتَ" فِي الإِشْعَارِ بمعنَى التمنِّي فَكَانَ لَهَا جوابٌ كجَوابِهَا، فصحيحٌ، أو أنَّها حرفٌ وُضِعَ للتمنِّي كـ"لَيْتَ" فممنوعٌ لاستلزامِهِ مَنْعَ الجَمْعِ بينَها وبينَ فِعْلِ التمنِّي، كَمَا لا يُجْمَعُ بينَهُ وبينَ "لَيْتَ" وقالَ فِي (التَّسْهِيْلِ) بَعْدَ ذِكْرِهِ المَصْدَرِيَّةِ: وتُغْنِي عَنِ التَّمَنِّي، فيُنْصَبُ بعدَهَا الفعلُ مَقْرُونًا بالفاءِ، وقالَ فِي شرحِهِ، أَشَرْتُ إِلى نحوِ قَوْلِ الشاعرِ [مِنَ الطَّوِيْلِ]:
1107- سَرَيْنَا إِلَيْهُمْ فِي جُمُوْعٍ كَأَنَّهَا = جِبَالُ شَرَوْرَى لَوْ تُعَانُ فَتَنْهَدَا
قالَ: فَلَكَ فِي "تَنْهَدَا" أَنْ تقولَ: نُصِبَ لأنَّهُ جوابُ تَمَنٍّ إِنْشَائِيٍّ كجوابِ "لَيْتَ" لأنَّ الأصلَ، وَدَدْنَا لَوْ تُعَانُ، فَحَذَفَ فِعْلَ التمنِّي لدلالةِ "لَوْ" فَأَشْبَهَتْ "لَيْتَ" فِي الإِشْعَارِ بمعنَى التمنِّي دُوْنَ لفظِهِ، فَكَانَ لهَا كجوابِ "لَيْتَ" وهَذَا عِنْدِي هُوَ المُخْتَارُ، ولكَ أَنْ تقولَ: لَيْسَ هذَا مِنْ بَابِ الجوابِ بالفاءِ، بَلْ مِنْ بَابِ العطفِ عَلَى المصدرِ، لأنَّ "لَوْ" والفعلَ فِي تأويلِ مصدرٍ، هذَا كلامُهُ، ونَصَّ عَلَى أَنَّ "لَوْ" فِي قولِهِ تَعَالَى: {لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً} مَصْدَرِيَّةٌ واعْتَذَرَ عَنِ الجَمْعِ بينَهَا وبينَ "أَنْ" المصدريةِ بوجهينِ، أحدِهِمَا: أَنَّ التقديرَ: لَوْ ثَبَتَ أَنَّ، والآخَرَ أَنْ تكونَ مِنْ بابِ التوكيدِ.
الرابعُ: أنْ تكونَ مصدريةً بمنزلةِ "أَنْ" إِلَّا أَنَّها لَا تَنْصِبُ، وأَكْثَرُ وقوعِ هذِهِ بَعْدَ "وَدَّ" أو "يَوَدُّ" نحوُ: {وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ} {يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ} ومِنْ وقوعِهَا بِدُونِهِمَا قولُ قُتَيْلَةَ [مِنَ الكَامِلِ]:
1108- مَا كَانَ ضَرَّكَ لَوْ مَنَنْتَ، وَرُبَّمَا = مَنَّ الفَتَى وهُو المَغِيْظُ المُحْنَقُ.
وقولُ الأَعْشَى [مِنَ البَسِيْطِ]:
1109- وَرُبَّمَا فَاتَ قَوْمًا جُلُّ أَمْرِهِمْ = مِنَ التَّأَنِّي وَكَانَ الحَزْمُ لَوْ عَجِلُوا
وأَكْثرُهُمْ لَمْ يُثْبِتْ ورودَ "لَوْ" مَصْدَرِيَّةً، ومِمَّنْ ذَكَرَهَا الفَرَّاءُ وأبُو عَلِيٍّ، ومِنَ المُتَأخرينَ التَّبْرِيْزِيُّ، وأبُو البَقَاءِ، وتَبِعَهُمْ المصنفُ، وعَلامَتُهَا أَنْ يَصْلُحَ فِي موضِعِهَا "أَنْ" وَيَشْهَدُ للمُثْبِتِيْنَ قراءةُ بعضِهِمْ (وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُوا) بحذفِ النونِ، فَعَطَفَ "يُدْهِنُوا" بالنصبِ عَلَى "تُدْهِنُ" لَمَّا كَانَ معنَاهُ "أَنْ تُدْهِنَ" ويَشْكُلُ عليهِمْ دخولُهَا عَلَى "أَنْ" فِي نحوِ: {وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيْدًا}، وجوابُهُ أَنَّ "لَوْ" إِنَّمَا دَخَلَتْ عَلَى فِعْلٍ محذوفٍ مُقَدَّرٍ بعدَهَا، تقديرُهُ: تَوَدُّ لَوْ ثَبُتَ أَنَّ بينَهَا وبينَهُ، كَمَا أَجَابَ بِهِ المُصَنِّفُ فِي {لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً} علَى رَأْيِهِ كَمَا سَبَقَ، وأمَّا جوابُهُ الثانِي وهو أنْ يكونَ مِنْ بابِ توكيدِ اللفظِ بِمُرَادِفِهِ عَلَى حَدِّ {فِجَاجًا سُبُلًا} ففِيْهِ نَظَرٌ، لأَنَّ توكيدَ المصدرِ قَبْلَ مجِيْءِ صلتِهِ شَاذٌّ، كقراءةِ زَيْدِ بْنِ عَلِيٍّ (والذِيْنَ مَنْ قَبْلِهِمْ) بفتحِ المِيْمِ.
الخامسُ: أَنْ تكونَ شرطيةً، وهِي المرادةُ بهَذَا الفَصْلِ، وهِي علَى قِسْمَيْنِ، امتناعيةٍ وهِيَ للتعليقِ فِي المَاضِي وبمعنَى "إِنْ" وهي للتعليقِ فِي المُسْتَقْبَلِ فَأَشَارَ للقِسْمِ الأوَّلِ بقولِهِ:
709- "لَوْ" حَرْفُ شَرْطٍ فِي مُضِيٍّ (وَيَقِلّ = إِيْلَاؤُهَا مُسْتَقْبَلًا لَكِنْ قُبِلْ)
(لَوْ حَرْفُ شَرْطٍ فِي مُضِيٍّ) يَعْنِي أَنَّ "لَوْ" حَرْفٌ يَدلُّ علَى تعليقِ فعلٍ بفعلٍ فيما مَضَى، فيلزمُ مِنْ تقديرِ حصولِ شرطِهَا حصولُ جوابِهَا، ويلزمُ كونُ شرطِهَا مَحْكُومًا بامْتِنَاعِهِ، إذْ لَوْ قُدِّرَ حصولُهُ لَكَانَ الجوابُ كذلكَ، ولم تَكُنْ للتعليقِ فِي المُضِيِّ، بلْ للإيجابِ، فتخْرُجُ عَنْ مَعْنَاهَا، وأمَّا جوابُهَا فَلا يَلْزَمُ كونُهُ مُمْتَنِعًا علَى كُلِّ تَقْدِيرٍ، لأنَّهُ قَدْ يكونُ ثَابتًا مَعَ امْتِنَاعِ الشرطِ، نَعَمْ الأكثرُ كونِهِ مُمْتَنِعًا.
وحاصِلُهُ أَنَّها تَقْتَضِي امتناعَ شرطِهَا دَائِمًا، ثُمَّ إِنْ لَمْ يَكُنْ لجوابِهَا سببٌ غيرُهُ لَزِمَ امتناعُهُ، نحوُ: {ولو شِئْنَا لرَفَعْنَاهُ بِهَا} وكقولكَ: لَوْ كانتِ الشمسُ طالِعَةً لكانَ النهارُ مَوْجُودًا، وإلا لَمْ يَلْزَمْ نحوُ: "لوْ كانتِ الشمسُ طالعةً لكانَ الضوءُ مَوْجُودًا" ومِنْهُ: "نِعْمَ المرءُ صُهَيْبٌ لَوْ لَمْ يَخَفِ اللهَ لَمْ يَعْصِهِ".
فقدْ بانَ لكَ أَنَّ قولَهُمْ: ""لَوْ حرفُ امتناعٍ لامتناعٍ" فَاسِدٌ، لاقتضائِهِ كونَ الجوابِ مُمْتَنِعًا فِي كُلِّ موضعٍ، وليسَ كذلكَ، ولهذَا قالَ فِي (شَرْحِ الكَافِيَةِ)، العبارةُ الجيدةُ، فِي "لَوْ" أَنْ يُقَالَ حرفٌ يَدُلُّ عَلَى امتناعِ تالٍ يَلْزَمُ لثبوتِهِ ثُبُوتُ تَالِيَهُ، فقيامُ زيدٍ مِنْ قولِكَ: "لَوْ قامَ زيدٌ لقامَ عمْرٌو" محكومٌ بانتفائِهِ فِيْمَا مَضَى، وكونُهُ مُسْتَلْزِمًا ثُبُوتَهُ لثبوتِ عَمْرٍو، وهَلْ لِعَمْرٍو قِيَامٌ آخَرُ غيرُ اللازمِ عَنْ قِيَامِ زَيْدٍ أَوَ لَيْسَ لَهُ؟ لا يُتَعَرَّضُ لذلكَ، بَلِ الأكثرُ كونُ الأَوَّلِ والثانِي غيرُ واقِعَيْنِ ا هـ.
وعبارةُ سِيْبَويْهِ، حَرْفٌ لِمَا كانَ سيقعُ لوقوعِ غيرِهِ، وهِي إِنَّما تَدُلُّ عَلَى الامتناعِ الناشئِ عَنْ فَقْدِ السببِ، لَا علَى مُطْلَقِ الامتناعِ عَلَى أَنَّهُ مُرَادُ العِبَارةِ الأُوْلَى، أَيْ: أنَّ جوابَ "لو" مُمْتَنِعٌ لامتناعِ سبَبِهِ، وقَدْ يكونُ ثَاِبتًا لثُبُوتِ سببِ غيرِهِ.
وأَشَارَ إلى القِسْمِ الثانِي بقولِهِ: (وَيَقِلُّ إيْلَاؤُهَا مُسْتَقْبَلًا لَكِنْ قُبِلْ) أيْ: يَقِلُّ إيلاءُ "لَوْ" فِعْلًا مُسْتَقْبَلَ المَعْنَى، ومَا كانَ مِنْ حَقِّهَا أَنْ يَلِيَهَا، لكنْ وردَ السماعُ بِهِ، فَوَجَبَ قَبُولُهُ، وهِي حينئذٍ بمعنَى "إِنْ" كَمَا تَقَدَّمَ إلا أنَّهَا لَا تَجْزِمُ، مِنْ ذَلكَ قولُهُ [مِنَ البَسِيْطِ]:
1110- وَلَوْ تَلْتَقِي أَصْدَاؤُنَا بَعْد مَوْتِنَا = ومِنْ دُوْنِ رَمْسَيْنَا مِنَ الأرضِ سَبْسَبُ
لَظَلَّ صَدَى صَوْتِي وإِنْ كُنْتُ رِمَّةً = لِصَوْتِ صَدَى لَيْلَى يَهَشُّ ويَطْرَبُ
وقولُهُ [مِنَ الكَامِلِ]:
1111- لَا يُلْفِكَ الرَّاجُوكَ إِلَّا مُظْهِرًا = خُلُقَ الكِرَامِ وَلَوْ تكونُ عَدِيْمًا
وإذَا وَلِيَها حينئذٍ أُوِّلَ بالمستقبلِ، نحوُ: {وَلْيَخْشَ الذِيْنَ لَوْ تَرَكُوا} الآيةَ، وقولُهُ [مِنَ الطَّوِيْلِ]:
1112- وَلَوْ أَنَّ لَيْلَى الْأَخْيَلِيَّةَ سَلَّمَتْ = عَلَيَّ ودُوْنِي جَنْدَلٌ وصَفَائِحُ
لَسَلَّمْتُ تَسْلِيْمَ البَاشَةِ أو زَقَا = إِلَيْهَا صَدًى مِنْ جَانِبِ القَبْرِ صَالِحُ
وإنْ تَلَاهَا مُضَارعٌ تَخَلَّصَ للاستقبالِ، كَمَا إِنَّ "إِنْ" الشرطيةَ كذلكَ، وأَنْكَرَ ابْنُ الحَاجِّ فِي نَقْدِهِ عَلَى المُقَربِ مَجِيءَ "لَوْ" للتعليقِ فِي المُسْتَقبَلِ وكذلكَ أَنْكَرَهُ الشارحُ، وتَأَوَّلَ مَا احْتَجُّوا بِهِ مِنْ نحوِ: {وَلْيَخْشَ الذينَ لَوْ تَرَكُوا} الآيةَ، وقولِهِ:
* وَلَوْ أَنَّ لَيْلَى الْأَخْيَلِيَّةَ سَلَّمَتْ *
وقَالَ: لا حُجَّةَ فِيهِ لصِحَّةِ حَمْلِهِ عَلَى المُضِيِّ، ومَا قَالَهُ لَا يُمْكِنُ فِي جميعِ المواضعِ المُحْتَجِّ بِهَا، فَمِمَّا لَا يمكنُ ذلكَ فيه، وصَرَّحَ كثيرٌ مِنَ النحويينَ بِأَنَّ "لَوْ" بِمَعْنَى "إِنْ"، قولُهُ تَعَالَى: {وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِيْنَ} {لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّيْنِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ المُشْرِكُونَ} {قُلْ لَا يَسْتَوِيِ الخَبِيْثُ والطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الخَبِيْثِ} {وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ} {وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ} {وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ} ونحوُ: "أَعْطُوا السائِلَ وَلَوْ جَاءَ عَلَى فَرَسٍ"، وقولُهُ [مِنَ البَسِيْطِ]:
1113- قَوْمٌ إِذَا حَارَبُوا شَدُّوا مَآزِرَهُمْ = دُوْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ بَاتَتْ بِأَطْهَارِ
710- (وهِي فِي الاخْتِصَاصِ بالفعلِ كَـ "إِنْ" = لَكِنَّ لَوْ "أَنَّ" بِهَا قَدْ تَقْتَرِنْ
(وهِي فِي الاخْتِصَاصِ بالفعلِ كإِنْ) أَيْ: "لَوْ" مِثْلُ "إِنْ" الشرطيةِ فِي أَنَّها لَا يَلِيْهَا إِلَّا فِعْلٌ أو مَعْمُولُ فعلٍ مُضْمَرٍ، يُفَسِّرُهُ فِعْلٌ ظَاهِرٌ بَعْدَ الاسمِ، كقولِ عُمَرَ رَضْيَ اللهُ عَنْهُ: "لَوْ غَيْرَكَ قَالَهَا يَا أَبَا عُبَيْدَةَ"، وقالَ ابْنُ عُصْفُورٍ: لا يَلِيْهَا فِعْلٌ مُضْمَرٌ، إِلَّا فِي ضرورةٍ، كقولِهِ [مِنَ الطَّوِيْلِ]:
1114- أَخِلَّايَ لَوْ غَيْرُ الحِمَامِ أَصَابَكُمْ = عَتَبْتُ، وَلَكِنْ مَا عَلَى الدَّهْرِ مَعْتَبُ
أو نادِرِ كلامٍ كقولِ حَاتِمٍ: "لَوْ ذَاتُ سِوَارٍ لَطَمَتْنِي" والظاهرُ أَنَّ ذلكَ لَا يَخْتَصُّ بالضرورةِ والنادرِ، بَلْ يكونُ في فَصِيْحِ الكلامِ، كقولِهِ تَعَالَى: {لَوْ أَنْتُمْ تَمْلُكُونَ خَزَائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي} حُذِفَ الفعلُ فانْفَصَلَ الضميرُ، وأمَّا قولُهُ [مِنَ الرَّمَلِ]:
1115- لَوْ بِغَيْرِ الماءِ حَلْقِي شَرِقٌ = كُنْتُ كَالغَصَّانِ بالماءِ اعْتِصَارِي
فقيلَ: عَلَى ظَاهِرِهِ، وأَنَّ الجُمْلَةَ الاسْمِيَّةَ وَلِيَتْهَا شُذُوذًا، وقَالَ ابْنُ خَرْوْفٍ، هُو عَلَى إِضْمَارِ "كَانَ" الشَّأْنِيَّةِ، وقَالَ الفَارِسِيُّ: هُو مِنَ الأَوَّلِ، والأصْلُ: لَوْ شُرِقَ حَلْقِي هُوَ شَرِقٌ، فَحَذَفَ الفعلَ أولًا والمُبْتَدَأَ آخِرًا.
ثُمَّ نَبَّهَ عَلَى مَا تُفَارِقُ فِيه "لَوْ" "إِنْ" الشرطيةَ، فَقَالَ (لَكِنَّ لَوْ أَنْ بِهَا قَدْ تَقْتَرِنْ) أَيْ: تَخْتَصُّ "لَوْ" بِمُبَاشَرَةِ "أَنْ" نحوُ: {وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُوا} {وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا} {وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ} {وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ} وقوله [مِنَ الطَّوِيْلِ]:
وَلَوْ أَنَّ مَا أَسْعَي لِأَدْنَى مَعِيْشَةٍ = كَفَانِي ـ وَلَمْ أَطْلُبْ ـ قليلٌ مِنَ المَالِ
وهو كثيرٌ، وموضِعُهَا عندَ الجميعِ رَفعٌ، فقالَ سِيْبَويْهِ وجمهورُ البصريينَ: بالابتداءِ، ولا تَحْتَاجُ إِلَى خبرٍ لاشتمالِ صِلَتِهَا عَلَى المُسْنَدِ والمُسْنَدِ إليهِ، وقيلَ: الخبرُ محذوفٌ، وقيلَ يُقَدَّرُ مُقَدَّمًا، أَيْ: ولوْ ثَابِتٌ إيمانُهُمْ عَلَى حَدِّ: {وَآيَةٌ لَهُمْ أَنَّا حَمَلْنَا} وقَالَ ابْنُ عُصْفُورٍ: بَلْ يُقَدَّرُ هُنَا مُؤَخَّرًا، ويَشْهَدُ لَهُ أَنَّهُ يَأْتِي مُؤَخَّرًا بَعْدَ "أَمَّا"، كقولِهِ [مِنَ البَسِيْطِ]:
عِنْدِي اصْطِبَارٌ وَأَمَّا أَنَّنِي جَزِعٌ = يَوْمَ النَّوَى فَلِوَجْدٍ كَادَ يَبْرِيْنِي
وذلكَ لأنَّ لعلَّ لَا تقعُ هُنَا فَلا تَشْتَبِهُ "أَنَّ" المُؤَكِّدَةُ إذَا قَدِمَتْ بِالتِي بمعنَى "لَعَلَّ"، فالْأَوْلَى حينئذٍ أَنْ يُقَدَّرَ الخبرُ مُؤَخَّرًا عَلَى الأصلِ، أَيْ: ولَوْ إِيْمَانُهُم ثَابِتٌ، وقَال الكوفيونَ والمُبَرِّدُ والزَّجَّاجُ والزَّمَخْشَرِيُّ فَاعِلُ "ثَبَتَ" مُقَدَّرٌ، كَمَا قالَ الجَمِيْعُ فِي "مَا" وَصِلَتِهَا فِي "لَا أُكَلِّمُهُ مَا أَنَّ فِي السَّمَاءِ نَجْمًا"، ومِنْ ثَمَّ قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ يَجِبُ أَنْ يكونَ خبرُ "أَنْ" فِعْلًا، ليكونَ عِوَضًا عَنِ الفعلِ المحذوفِ، ورَدَّهُ ابْنُ الحَاجِبِ وغيرُهُ بقولِهِ تَعَالَى {وَلَوْ أَنَّ مَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ} وقالُوا: إِنَّمَا ذلكَ فِي الخبرِ المُشْتَقِّ لَا الجامدِ كالذِي فِي الآيةِ، وفِي قولِهِ [مِنَ البَسِيْطِ]:
1116- مَا أَطْيَبَ العَيْشَ لَوْ أَنَّ الفَتَى حَجَرٌ = تَنْبُو الحَوَادِثُ عَنْهُ وَهْو مَلْمُومُ
وقولِهِ [مِنَ الطَّوِيْلِ]:
1117- وَلَوْ أَنَّها عُصْفُورَةٌ لَحَسِبْتَهَا = مُسَوَّمَةً تَدْعُو عُبَيْدًا وأَزْنَمَا
ورَدَّ المصنفُ قولَ هؤلاءِ بِأَنَّهُ قَدْ جَاءَ اسْمًا مُشْتقًا كقولِهِ [مِنَ الرَّجَزِ]:
1118- لَوْ أَنَّ حَيًّا مُدْرِكُ الفَلَاحِ = أَدْرَكَهُ مُلَاعِبُ الرِّمَاحِ
وقولِهِ [مِنَ الطَّوِيْلِ]:
1119- وَلَوْ أَنَّ مَا أَبْقَيْتِ مِنِّي مُعَلَّقٌ = بِعُودِ ثُمَامٍ مَا تَأَوَّدَ عُوْدُهَا
وقولُهُ [مِنَ الطَّوِيْلِ]:
1120- ولَوْ أَنَّ حَيًّا فَائِتُ الموتِ فَاتَهُ = أَخُو الحَرْبِ فَوُقَ القَارِحِ العَدَوانِ
711- (وإِنْ مُضَارِعٌ تَلَاهَا صُرِفَا = إِلَى المُضِيِّ نحوُ: لَوْ يَفِي كَفَى)
أَيْ: لَوْ وَفَى كَفَى، ومنهُ قولُهُ [مِنَ الكَامِلِ]:
1121- رُهْبَانُ مَدْيَنَ والذينَ عَهِدْتُهُمْ = يَبْكُونَ مِنْ حَذَرِ العَذَابِ قُعُودَا
لَوْ يَسْمَعُونَ كَمَا سَمِعْتُ حَدِيْثَهَا = خَرُّوا لِعَزَّةَ رُكَّعًا وسُجُودَا
وهذَا فِي الامتناعيةِ، وأمَّا التِي بِمَعْنَى "إِنْ" فقدْ تقَدَّمَ أَنَّهَا تَصْرِفُ الماضِي إلى المُسْتَقْبَلِ، وإذَا وَقَعَ بَعْدَهَا مضارعٌ فهو مستقبلُ المعنَى.
تنبيهانِ: الأوَّلُ: لِغَلَبَةِ دخولِ لو عَلَى المَاضِي لَمْ تَجْزِمْ، ولوْ أُرِيْدَ بِهَا مَعْنَى "إِنْ" الشرطيةِ، وزَعَمَ بعضُهُم أَنَّ الجَزْمَ بِهَا مُطَّرِدٌ عَلَى لُغَةٍ، وأَجَازَهُ جماعةٌ فِي الشِّعْرِ مِنْهُم ابْنُ الشَّجَرِيِّ، كقولِهِ [مِنَ الرَّمَلِ]:
لَوْ يَشَأْ طَارَ بِهَا ذُو مَيْعَةٍ = لَاحِقُ الآطَالِ نَهْدٌ ذُو خُصَلْ
وقولِهِ [مِنَ البَسِيْطِ]:
تَامَتْ فُؤَادَكَ لَوْ يَحْزُنْكَ مَا صَنَعَتْ = إِحْدَى نِسَاءِ بَنِي ذُهْلِ بْنِ شَيْبَانَا
وخَرَجَ عَلَى أَنَّ ضَمَّةَ الإعرابِ سُكِّنَتْ تَخْفِيفًا، كقراءةِ أَبِي عَمْرٍو {ويَنْصُرْكُمْ} و{يُشْعِرْكُمْ} و{يَأْمُرْكُمْ} والأوَّلُ على لُغَةِ مَنْ يقولُ: "شَا يَشَا" بالألفِ ثُمَّ أُبْدِلَتْ همزةً ساكنةً كَمَا قيلَ: "الْعَأْلَمِ" و"الخَأْتَمِ".
الثانِي: جوابُ "لَوْ" إِمَّا ماضٍ معنًى نحوُ: "لَوْ لَمْ يَخَفِ اللهَ لَمْ يَعْصِهِ"، أو وَضْعًا، وهو إِمَّا مُثْبَتٌ فاقْتِرَانُهُ باللامِ، ونحوُ: {لَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَاهُ حُطَامًا} أَكْثَرُ مِنْ تَرْكِهَا، نحوُ: {لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجًا} وإِمَّا مَنْفِيٌّ بِمَا فالأمرُ بالعكسِ نحوُ: {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ} ونحوُ قولِهِ [مِنَ الوَافِرِ]:
1122- وَلَوْ نُعْطَى الخِيَارَ لَمَا افْتَرَقْنَا = ولَكِنْ لَا خِيَارَ مَعَ اللَّيَالِي
وأمَّا قولُهُ عليهِ الصلاةُ والسلامُ فِيْمَا أَخْرَجَهُ البُخَارِيُّ، ((لَوْ كَانَ لِي مِثْلُ أُحُدٍ ذَهَبًا مَا يَسُرُّنِي أَنْ لَا يَمُرَّ عَلَيَّ ثلاثٌ وعِنْدِي مِنْهُ شيءٌ)) فهو عَلَى حَذْفِ "كَانَ" أَيْ: مَا كانَ يَسُرُّنِي قِيْلَ: وقَدْ تُجَابُ لَوْ بِجُملةٍ اسميةٍ، نحوُ: {ولَوْ أَنَّهُمْ آمَنُوا واتَّقُوا لَمَثُوبَةٌ مِنْ عِنْدِ اللهِ خَيْرٌ} وقيلَ: الجملةُ مُسْتَأْنَفَةٌ، أو جوابٌ لِقَسَمٍ مُقَدَّرٍ، و"لَوْ" فِي الوجهينِ للتَّمَنِّي فَلَا جوابَ لَهَا.

  #5  
قديم 26 ذو الحجة 1429هـ/24-12-2008م, 09:45 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي دليل السالك للشيخ: عبد الله بن صالح الفوزان


فَصْلُ (لَوْ)
أقسامُ (لَو) الشرطيَّةِ:
709- لَوْ حَرْفُ شَرْطٍ في مُضِيٍّ وَيَقِلْ = إِيلاؤُهُ مُسْتَقْبَلاً لَكِنْ قُبِلْ
(لَوْ) مِنْ أدواتِ الشرْطِ غيرِ الجازِمَةِ، وهيَ قِسمانِ:
1- لَو الشرطيَّةُ الامتناعيَّةُ.
2- لَو الشرطيَّةُ غيرُ الامتناعيَّةِ.
أمَّا الأُولَى: فهيَ حَرْفٌ يُفيدُ تعليقَ حُصولِ مَضمونِ الجزاءِ على حُصولِ مَضمونِ الشرْطِ في الزمَنِ الماضِي، ومُقْتَضَى ذلكَ امتناعُ شَرْطِها دائماً وأنَّهُ لم يَحْصُلْ، أمَّا جَوَابُها فقدْ يَمْتَنِعُ وقدْ لا يَمْتَنِعُ، فإنْ كانَ الشرْطُ هوَ السببَ الوحيدَ في إيجادِ الجوابِ امْتَنَعَ الجوابُ، وإن كانَ للجوَابِ سببٌ آخَرُ غيرُ الشرْطِ لم يَمْتَنِع الجوابُ بامتناعِ الشرْطِ.
فالأوَّلُ نحوُ: لوْ كانت الشمْسُ طالعةً كانَ النهارُ مَوجوداً.
والثاني نحوُ: لوْ رَكِبَ المسافِرُ الطائرةَ لبَلَغَ غَايَتَهُ. فالشرْطُ مُمْتَنِعٌ في كِلا الْمِثالَيْنِ، أمَّا الجوابُ فهوَ مُمْتَنِعٌ في الأَوَّلِ؛ لأنَّ الشرْطَ هوَ السببُ الوحيدُ في وُجودِهِ؛ فإنَّ طُلوعَ الشمْسِ هوَ السببُ في وُجودِ النهارِ.
أمَّا في الْمِثالِ الثاني فالجوابُ غيرُ مُمْتَنِعٍ؛ لأنَّ الشرْطَ ليسَ هوَ السببَ الوحيدَ في وُجودِهِ، بلْ هناكَ أسبابٌ أُخرى كالسَّفَرِ بالسيارةِ مَثَلاً.
وبهذا يَتَّضِحُ أنَّ قولَ الْمُعْرِبِينَ في (لَو): (إِنَّهَا حرْفُ امتناعٍ لامتناعٍ)؛ أي: امتناعُ الجوابِ لامتناعِ الشرْطِ فيهِ نَظَرٌ؛ لأنَّ ذلكَ غيرُ لازمٍ لِمَا تَقَدَّمَ، ولَعَلَّهُم نَظَرُوا إلى الكثيرِ الغالِبِ، والعبارةُ الدقيقةُ أنْ يُقالَ فيها: (حَرْفٌ يَدُلُّ على ما كانَ سَيَقَعُ لِوُقُوعِ غَيْرِهِ)؛ أيْ: حَرْفٌ يَدُلُّ على ما كانَ سيَقَعُ في الزمانِ الماضِي لِوُقوعِ غيرِهِ في الزمانِ الماضِي أيضاً، نحوُ: لوْ حَضَرَ أَخُوكَ لَحَضَرْتُ؛ أيْ: كانَ سيَقَعُ حُضورِي في الزمانِ الْمَاضِي لوْ وَقَعَ حُضورُ أَخِيكَ، وهكذا يُقالُ في الْمِثالَيْنِ الْمُتَقَدِّمَيْنِ.
أمَّا (لَو) الشرطيَّةُ غيرُ الامتناعيَّةِ فَتَقْتَضِي تعليقَ جوابِها على شَرْطِها وُجوداً أوْ عَدَماً في المستقبَلِ، فتُرَادِفُ (إِن) الشرطيَّةَ في التعليقِ، وفي أنَّ زَمَنَ الفعْلِ في جُملتَيِ الشرْطِ والجوابِ مُسْتَقْبَلٌ، والغالِبُ أنْ يكونَ فعْلُ الشرْطِ وفعْلُ الجوابِ مُضارعيْنِ، نحوُ: لوْ يَقْدَمُ خالدٌ غداً لا أُسَافِرُ.
فإنْ وَلِيَها ماضٍ أُوِّلَ بالمُسْتَقْبَلِ؛ كقولِهِ تعالى: {وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافاً خَافُوا عَلَيْهِمْ}، فالفِعْلُ (تَرَكُوا) ماضٍ مُؤَوَّلٌ بالمستقبَلِ (يَتْرُكُونَ)، وإنَّما قُدِّرَ ذلكَ لِيَصِحَّ وُقُوعُ (خَافُوا) جَواباً وجزاءً؛ لأنَّ الخوفَ إنَّما يكونُ قَبْلَ التَّرْكِ لا بَعْدَهُ؛ لاسْتِحَالَتِهِ بعدَ مَوْتِهم.
وهذا معنى قولِهِ: (لوْ حَرْفُ شرْطٍ.. إلخ): أيْ أنَّ (لَوْ) حرْفُ شرْطٍ يكونُ بها التعليقُ في الزمنِ الماضي، وهذهِ هيَ الامتناعيَّةُ. وقولُهُ: (ويَقِلُّ إيلاؤُها مُسْتَقْبَلاً) إشارةٌ إلى (لَو) الشرطيَّةِ غيرِ الامتناعيَّةِ التي يكونُ التعليقُ بها مُسْتَقْبَلاً، وهوَ معَ قِلَّتِهِ قَبِلَهُ النُّحَاةُ وقَالُوا بِمُقتضاهُ لِوُرودِهِ عن العربِ.
ما تَخْتَصُّ بهِ (لَو) الشرطيَّةُ:
710- وَهْيَ فِي الاخْتِصَاصِ بِالْفِعْلِ كَإِنْ = لكِنَّ لَوْ أَنَّ بَهَا قَدْ تَقْتَرِنْ
مِنْ أحكامِ (لَو) الشرطيَّةِ أنَّهُ لا يَلِيهَا إلاَّ الفعْلُ، سَوَاءٌ كانَ ظاهراً كما في الأَمْثِلَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ، أوْ مُضْمَراً، نحوُ: لوْ خالدٌ قَدِمَ لأَكْرَمْتُهُ، فـ(خالدٌ): فاعلٌ لفعْلٍ مُضْمَرٍ يُفَسِّرُهُ المذكورُ. ومِنْ أمثلةِ ذلكَ قَوْلُ عمرَ رَضِيَ اللَّهُ عنهُ: (لَوْ غَيْرُكَ قَالَهَا يا أَبَا عُبَيْدَةَ).
وقولُ حاتمٍ الطَّائِيِّ: (لوْ ذَاتُ سِوارٍ لَطَمَتْنِي)، وهيَ بهذا تُشْبِهُ (إِن) الشرطيَّةَ، لكنَّها تُخَالِفُها في جوازِ دُخُولِها على (أنَّ) واسْمِها وخَبَرِها؛ كقولِهِ تعالى: {وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَمَثُوبَةٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ خَيْرٌ}.
وقولِهِ تعالى: {وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ}.
وقولِهِ تعالى: {وَإِنْ يَأْتِ الأَحْزَابُ يَوَدُّوا لَوْ أَنَّهُمْ بَادُونَ فِي الأَعْرَابِ}.
وقد اخْتَلَفَ النُّحَاةُ في (لَوْ) -والحالةُ هذهِ- على قولَيْنِ:
الأوَّلُ: أنَّها باقيَةٌ على اختصاصِها، وهوَ الدخولُ على الفعْلِ، فـ(أنَّ) واسمُها وخبرُها في تأويلِ مَصْدَرٍ فاعلٍ لِفِعْلٍ مُقَدَّرٍ، والتقديرُ واللَّهُ أعلَمُ: ولوْ ثَبَتَ أنَّهُم آمَنوا؛ أيْ: إيمانُهم، ولوْ ثَبَتَ أنَّهُم صَبَرُوا؛ أيْ: صَبْرُهُم.
الثاني: أنَّها فَقَدَت اختصاصَها، وأنَّ الْمَصْدَرَ الْمُؤَوَّلَ مِنْ (أنَّ) واسْمِها وخَبَرِها في مَوْضِعِ رَفْعٍ مُبْتَدَأٌ+، وخَبَرُهُ محذوفٌ تقديرُهُ مثلاً: ثابتٌ، أوْ نحوُ ذلكَ ممَّا يُنَاسِبُ السِّيَاقَ.
والأوَّلُ أَظْهَرُ؛ لأنَّ فيهِ إبقاءَ (لَوْ) على اختصاصِها ما دامَ أنَّ تقديرَ المحذوفِ موجودٌ على كِلا القولَيْنِ، ولأنَّهُ يَنْبَنِي على القولِ الثاني دخولُ الْحَرْفِ الْمَصْدَرِيِّ على مِثْلِهِ بغيرِ فاصلٍ، وهذا خِلافُ الأَصْلِ.
وهذا معنى قولِهِ: (وَهْيَ في الاختصاصِ بالفعْلِ كَإِنْ.. إلخ): أيْ أنَّ (لَو) الشرطيَّةَ بِنَوْعَيْهَا مُخْتَصَّةٌ بالدخولِ على الفعْلِ، مثلُ (إِن) الشرطيَّةِ، ثمَّ بَيَّنَ أنَّ (لَوْ) تُخَالِفُ (إنْ) فتَدْخُلُ على (أنَّ) ومَعْمُولَيْهَا.
مِنْ أحكامِ (لو) الشرطيَّةِ الامتناعيَّةِ:
711- وَإنْ مُضَارعٌ تَلاهَا صُرِفَا = إلَى الْمُضِيِّ نَحْوُ: لَوْ يَفِي كَفَى
مِنْ أحكامِ (لو) الامتناعيَّةِ أنَّهُ لا يَلِيهَا إلاَّ الفعْلُ الماضي لَفْظاً ومعنًى، أوْ معنًى فقطْ، وهوَ المُضَارِعُ المسبوقُ بـ(لَمْ)، نحوُ: لوْ أَنْصَفَ الناسُ لاستراحَ القاضي، لوْ لم يَتَخَاصَم الناسُ لاستراحَ القاضي، قالَ تعالى: {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً}.
فإنْ جاءَ بعدَها مضارِعٌ لَفْظاً ومعنًى قَلَبَتْ زَمَنَهُ لِلْمُضِيِّ؛ كقولِهِ تعالى: {قَالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتَالاً لاتَّبَعْنَاكُمْ}؛ أيْ: لوْ عَلِمْنَا؛ لأنَّهُم عَلَّقُوا الاتِّباعَ على تقديرِ وُجودِ عِلْمِ القِتالِ، وهوَ مُنْتَفٍ، فانْتَفَى الاتِّباعُ، وإخبارُهم بانتفاءِ عِلْمِ القتالِ منهم إِمَّا على سبيلِ الْمُكابَرَةِ، وإمَّا على سبيلِ التَّخْطِئَةِ لهم في ظَنِّهِم أنَّ ذلكَ قِتَالٌ في سبيلِ اللَّهِ وليسَ كذلكَ، وإنَّما هوَ رَمْيُ النفوسِ في التَّهْلُكَةِ.
ومِثْلُ هذهِ الآيَةِ قولُهُ تعالى: {قَالُوا قَدْ سَمِعْنَا لَوْ نَشَاءُ لَقُلْنَا مِثْلَ هَذَا}، وقولُهُ تعالى: {لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجاً}.
وهذا معنى قولِهِ: (وإنْ مضارِعٌ تَلاهَا صُرِفَا.. إلخ): أيْ أنَّ المُضَارِعَ إنْ تَلا (لَوْ) ووَقَعَ بعدَها صُرِفَ زَمَنُهُ إلى الْمُضِيِّ حَتْماً، نحوُ: (لَوْ يَفِي كَفَى)؛ أيْ: لوْ وَفَى كَفَى.
جوابُ (لَوْ):
تَتِمَّةٌ:
لم يتَعَرَّض ابنُ مَالِكٍ رَحِمَهُ اللَّهُ في الأَلْفِيَّةِ لجوابِ (لَوْ)، وهذهِ نُبْذَةٌ عنهُ.
اعْلَمْ أنَّ (لَوْ) بنَوْعَيْهَا لا بُدَّ لها مِنْ جوابٍ، وهوَ قِسمانِ:
1- ماضٍ لَفْظاً ومعنًى، فإنْ كانَ مُثْبَتاً فالأكثَرُ اقترانُهُ بـ(اللامِ)؛ كقولِهِ تعالى: {لَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَاهُ حُطَاماً}، وقولِهِ تعالى: {وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْراً لأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ}.
2- وعَدَمُ الاقترانِ قليلٌ؛ كقولِهِ تعالى: {لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجاً}، وقولِهِ تعالى: {قَالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِيَّايَ}.
وإنْ كانَ مَنْفِيًّا بـ(مَا) فالأكثَرُ أنْ يَتَجَرَّدَ مِن اللامِ؛ كقولِهِ تعالى: {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ}، وقولِهِ تعالى: {لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا}، وهوَ كثيرٌ في القرآنِ.
ومِن اقترانِهِ باللامِ قولُ الشاعرِ:
ولوْ نُعْطَى الْخِيَارَ لَمَا افْتَرَقْنَا = ولَكِنْ لا خِيَارَ معَ اللَّيَالِي
فجاءَ جوابُ (لَوْ)، وهوَ قولُهُ: (لَمَا افْتَرَقْنَا)، فِعْلاً ماضياً مَنْفِيًّا بـ(مَا)، واقترَنَ باللامِ، وهذا قليلٌ.
وقدْ يَكُونُ الجوابُ جُمْلَةً اسْمِيَّةً مَقرونةً باللامِ؛ كقولِهِ تعالى: {وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَمَثُوبَةٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ خَيْرٌ}، فـ(اللامُ) واقعةٌ في جوابِ (لَوْ)، و(مَثُوبَةٌ): مُبتَدَأٌ، و(خَيْرٌ): خَبَرُهُ، والجملةُ جَوَابُ (لَوْ)، وأُوثِرَت الْجُملةُ الاسْمِيَّةُ على الفِعليَّةِ لِمَا فيها مِن الدَّلالةِ على ثَباتِ الْمَثُوبةِ واستقرارِها.
وقيلَ: جوابُ (لَوْ) محذوفٌ تقديرُهُ: لأُثِيبُوا، وجُملةُ (لَمَثُوبَةٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ خَيْرٌ) مُستأْنَفَةٌ، أوْ جَوَابٌ لِقَسَمٍ مُقَدَّرٍ، واللَّهُ أَعْلَمُ.

موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
من, فصل

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 03:19 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir