دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > برنامج إعداد المفسر > خطة التأسيس في التفسير > صفحات الدراسة

 
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #8  
قديم 13 محرم 1436هـ/5-11-2014م, 11:11 AM
لطيفة المنصوري لطيفة المنصوري غير متواجد حالياً
برنامج الإعداد العلمي - المستوى الخامس
 
تاريخ التسجيل: Oct 2011
المشاركات: 728
افتراضي

مقاصد مقدمة ابن جرير

المقصد العام: بيان نزول جميع القرآن بلسان العرب، ومعنى نزوله بسبعة أحرف، والرد على ما يثار حول ذلك من التساؤلات، مع ذكر بعض الفوائد المتفرقة في فضل القرآن وعلومه.

المقاصد الفرعية
:

أ: بيان فضل القرآن
ب: نزول جميع القرآن بلسان العرب
ج: معنى نزول القرآن على سبعة أحرف والرد على بعض التساؤلات
د: بيان بعض الفوائد والقواعد في أصول التفسير
هـ: تأويل أسماء القرآن وسوره وآيه
و: بيان منهج الطبري في التفسير


أ: بيان فضل القرآن
1: فضل بيان القرآن على سائر الكلام

- أعلى منازل البيان درجة: أبلغه في حاجة المبين عن نفسه، وأقربه من فهم سامعه، فما جاوز ذلك، وعجز عن أن يأتي بمثله جميع العباد، وأقر رؤساء صناعة الخطب والبلاغة، وقيل الشعر والفصاحة ـ إلا من استكبر منهم - بالعجز عن الإتيان بمثل بعضه، كان حجة وعلما لرسل الواحد القهار.
-
قدر فضل بيان الله جل ذكره على بيان جميع خلقه، كفضله على جميع عباده.

2: تفضيل أمة محمد صلى الله عليه وسلم على سائر الأمم بحفظ الوحي والتنزيل
إن من جسيم ما خص الله به أمة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم من الفضيلة، وشرفهم به على سائر الأمم من المنازل الرفيعة، حفظه ما حفظ عليهم من وحيه وتنزيله، الذي جعله على حقيقة نبوة نبيهم صلى الله عليه وسلم دلالة، وعلى ما خصه به من الكرامة علامة واضحة.

3: اتباع القرآن سبيل الهداية والفوز في الدنيا والآخرة
- قال تعالى: {يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام ويخرجهم من الظلمات إلى النور بإذنه ويهديهم إلى صراط مستقيم}
-
قال ابن جرير: (جعله لهم في دجى الظلم نورا ساطعا، وفي سدف الشبه شهابا لامعا وفي مضلة المسالك دليلا هاديا، وإلى سبل النجاة والحق حاديا، ولا يجور عن قصد المحجة تابعه ولا يضل عن سبل الهدى مصاحبه. من اتبعه فاز وهدى، ومن حاد عنه ضل وغوى، فهو موئلهم الذي إليه عند الاختلاف يئلون، ومعقلهم الذي إليه في النوازل يعتقلون وحصنهم الذي به من وساوس الشيطان يتحصنون، وحكمة ربهم التي إليها يحتكمون، وفصل قضائه بينهم الذي إليه ينتهون، وعن الرضى به يصدرون، وحبله الذي بالتمسك به من الهلكة يعتصمون).

4: العلم بالقرآن هو أحق ما صرفت إليه العناية
-
كتاب الله أحق ما صرفت إليه العناية؛ لأن لله في العلم به رضى، وللعالم به إلى سبيل الرشاد هدى، وهو الفائز بجزيل الذخر وسني الأجر تاليه، الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، تنزيل من حكيم حميد.

ب:بيان نزول جميع القرآن بلسان العرب

1: اتفاق معاني آي القرآن ومعاني اللسان العربي

-
لا يرسل الله تعالى رسولا برسالة إلا بلسان وبيان يفهمه المرسل إليهم، قال تعالى:{وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم}، وكتاب الله الذي أنزله إلى نبينا محمد صلى الله عليه وسلم بلسان محمد صلى الله عليه وسلم، فهو عربي مبين، قال تعالى: {إنا أنزلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون}
-
معاني كتاب الله المنزل على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، لمعاني كلام العرب موافقة، وظاهره لظاهر كلامها ملائما، فماكان موجودا في كلام العرب من الإيجاز في بعض الأحوال، واستعمال الإطالة والإكثار، وإظهار المعاني بالأسماء دون الكناية عنها، والإسرار في بعض الأوقات، وتقديم ما هو في المعنى مؤخر، وتأخير ما هو في المعنى مقدم، وغير ذلك فله في كتاب الله المنزل على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم من كل ذلك نظيرا وشبيها.

2: البيان عن الأحرف التي اتفقت فيها ألفاظ العرب وألفاظ غيرها من بعض أجناس الأمم
جاءت بعض الأخبار التي تدل على أن في القرآن ألفاظ وردت في غير لسان العرب، وأن فيه من كل لسان، من ذلك:
-
عن أبي موسى: {يؤتكم كفلين من رحمته}، قال: الكفلان: ضعفان من الأجر، بلسان الحبشة.
-
عن ابن عباس: {إن ناشئة الليل}قال: بلسان الحبشة إذا قام الرجل من الليل قالوا: نشأ.
-
عن أبي ميسرة: {يا جبال أوبي معه}قال: سبحي، بلسان الحبشة
-
عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه سئل عن قوله: {فرت من قسورة}قال: هو بالعربية الأسد، وبالفارسية شار، وبالنبطية أريا، وبالحبشية قسورة.
-
عن أبي ميسرة، قال: في القرآن من كل لسان.

توجيه ابن جرير:
-
نسبة بعض السلف بعض ألفاظ القرآن إلى لسان الحبشة أو لسان الفرس أو لسان الروم، لا ينف - بنسبته إياه إلى ما نسبه إليه - أن يكون عربيا، ولم يقولوا أنها لم تكن للعرب كلاما قبل نزول القرآن، وإنما قال بعضهم: حرف كذا بلسان الحبشة معناه كذا، وحرف كذا بلسان العجم معناه كذا،فقد تتفق ألفاظ بعض الأجناس المختلفة بمعنى واحد. ولو عرف استعمال بعض الكلام في أجناس من الأمم -جنسين أو أكثر- بلفظ واحد ومعنى واحد، كان ذلك منسوبا إلى كل جنس من تلك الأجناس، لا يستحق جنس منها أن يكون به أولى من سائر الأجناس غيره.
-
وفيه من كل لسان بمعنى والله أعلم: أن فيه من كل لسان اتفق فيه لفظ العرب ولفظ غيرها من الأمم التي تنطق به، نظير ما وصفنا.
-
كما أنه غير جائز أن يتوهم ذو فطرة صحيحة، مقر بكتاب الله، ممن قد قرأ القرآن وعرف حدود الله -أن يعتقد أن بعض القرآن فارسي لا عربي، وبعضه رومي لا عربي، وبعضه حبشي لا عربي، بعد ما أخبر الله تعالى ذكره عنه أنه جعله قرآنا عربيا.

فإن قال قائل: الألفاظ التي تقدم ذكرها وما أشبهها إنما هي كلام أجناس من الأمم سوى العرب، وقعت إلى العرب فعربته
قيل له: ما برهانك على صحة ما قلت في ذلك؟ وما الفرق بينك وبين من عارضك في ذلك فقال: هذه الأحرف، وما أشبهها من الأحرف غيرها، أصلها عربي، غير أنها وقعت إلى سائر أجناس الأمم غيرها فنطقت كل أمة منها ببعض ذلك بألسنتها، من الوجه الذي يجب التسليم له؟ فلن يقول في شيء من ذلك قولا إلا ألزم في الآخر مثله.

3: بيان نزول القرآن ببعض ألسنة العرب لا بألسن جميعها
-
عن أبي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((أنزل القرآن على سبعة أحرف، فالمراء في القرآن كفر -ثلاث مرات- فما عرفتم منه فاعملوا به، وما جهلتم منه فردوه إلى عالمه))
-
عن أم أيوب، أنها سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ((نزل القرآن على سبعة أحرف، فما قرأت أصبت)).
- قال ابن جرير: العرب، وإن جمع جميعها اسم أنهم عرب، فهم مختلفو الألسن بالبيان، متباينو المنطق والكلام، وإذ كان ذلك كذلك -وكان الله جل ذكره قد أخبر عباده أنه قد جعل القرآن عربيا وأنه أنزل بلسان عربي مبين، ثم كان ظاهره محتملا خصوصا وعموما- لم يكن لنا السبيل إلى العلم بما عنى الله تعالى ذكره من خصوصه وعمومه، إلا ببيان من جعل إليه بيان القرآن، وهو رسول الله صلى الله عليه وسلم.
- وقال أيضا: صح وثبت أن الذي نزل به القرآن من ألسن العرب البعض منها دون الجميع، إذ كان معلوما أن ألسنتها ولغاتها أكثر من سبعة، بما يعجز عن إحصائه.

ج
:بيان معنى نزول القرآن على سبعة أحرف والرد على بعض التساؤلات
1: المراد بالأحرف السبعة التي نزل بها القرآن
قال ابن جرير:الأحرف السبعة التي أنزل الله بها القرآن، هن لغات سبع، في حرف واحد، وكلمة واحدة، باختلاف الألفاظ واتفاق المعاني، كقول القائل: هلم، وتعال، وأقبل، وإلي، وقصدي، ونحوي، وقربي، ونحو ذلك، مما تختلف فيه الألفاظ بضروب من المنطق وتتفق فيه المعاني، وإن اختلفت بالبيان به الألسن، كالذي روينا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعمن روينا ذلك عنه من الصحابة، أن ذلك بمنزلة قوله: "هلم وتعال وأقبل"، وقوله: {ما ينظرون إلا صيحة}، و (إلا زقية).
- وأما ما كان من اختلاف القراءة في رفع حرف وجره ونصبه، وتسكين حرف وتحريكه، ونقل حرف إلى آخر مع اتفاق الصورة، فمن معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((أمرت أن أقرأ القرآن على سبعة أحرف))بمعزل؛لأنه معلوم أنه لا حرف من حروف القرآن - مما اختلفت القراءة في قراءته بهذا المعنى- يوجب المراء به كفر المماري به في قول أحد من علماء الأمة.

2: الرد على بعض التساؤلات
إن قال قائل: وما برهانك على أن معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((نزل القرآن على سبعة أحرف))، وقوله: ((أمرت أن أقرأ القرآن على سبعة أحرف))، هو ما ادعيته - من أنه نزل بسبع لغات، وأمر بقراءته على سبعة ألسن- دون أن يكون معناه ما قاله مخالفوك، من أنه نزل بأمر وزجر وترغيب وترهيب وقصص ومثل ونحو ذلك من الأقوال؟ فقد علمت قائل ذلك من سلف الأمة وخيار الأئمة.

قيل له: - إن الذين قالوا ذلك لم يدعوا أنهم قالوه في الأحرف السبعة التي نزل بها القرآن دون غيره، فيكون ذلك لقولنا مخالفا، وإنما أخبروا أن القرآن نزل على سبعة أحرف، يعنون بذلك أنه نزل على سبعة أوجه،والذي قالوه من ذلك كما قالوا.
-
ثبتت الروايات عن عمر بن الخطاب، وعبد الله بن مسعود، وأبي بن كعب، وغيرهم، أنهم تماروا في القرآن، فخالف بعضهم بعضا في نفس التلاوة، دون ما في ذلك من المعاني، وأنهم احتكموا فيه إلى النبي صلى الله عليه وسلم فاستقرأ كل رجل منهم، ثم صوب جميعهم في قراءتهم على اختلافها، ومعلوم أن تماريهم فيما تماروا فيه من ذلك، لو كان تماريا واختلافا فيما دلت عليه تلاواتهم من التحليل والتحريم والوعد والوعيد وما أشبه ذلك، لكان مستحيلا أن يصوب جميعهم صلى الله عليه وسلم، ويأمر كل قارئ منهم أن يلزم قراءته في ذلك على النحو الذي هو عليه؛ لأن الله تعالى لم ينزل كتابه على لسان محمد صلى الله عليه وسلم إلا بحكم واحد متفق في جميع خلقه، لا بأحكام فيهم مختلفة. قال تعالى:{أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا}

-
أوضح نص الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن اختلاف الأحرف السبعة، إنما هو اختلاف ألفاظ، كقولك "هلم وتعال" باتفاق المعاني، لا باختلاف معان موجبة اختلاف أحكام:فعن عبد الرحمن بن أبي بكرة، عن أبيه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((قال جبريل: اقرأ القرآن على حرف. قال ميكائيل: استزده. فقال: على حرفين. حتى بلغ ستة أو سبعة أحرف، فقال: كلها شاف كاف، ما لم يختم آية عذاب بآية رحمة، أو آية رحمة بآية عذاب، كقولك: هلم وتعال)).

-
وقد صحت بذلك الأخبار عن السلف والخلف:
-
فعن شقيق، قال: قال عبد الله: إني قد سمعت القرأة، فوجدتهم متقاربين فاقرأوا كما علمتم، وإياكم والتنطع، فإنما هو كقول أحدكم: هلم وتعال.
- عن عبد الرحمن بن عابس، عن رجل من أصحاب عبد الله، عن عبد الله بن مسعود، قال: من قرأ القرآن على حرف فلا يتحولن منه إلى غيره.
فمعلوم أن عبد الله لم يعن بقوله هذا: من قرأ ما في القرآن من الأمر والنهي فلا يتحولن منه إلى قراءة ما فيه من الوعد والوعيد، ومن قرأ ما فيه من الوعد والوعيد فلا يتحولن منه إلى قراءة ما فيه من القصص والمثل، وإنما عنى رحمة الله عليه أن من قرأ بحرف - والحرف: قراءة بعض من قرأ ببعض الأحرف السبعة-، فلا يتحولن عنه إلى غيره رغبة عنه، فإن الكفر بحرف من ذلك كفر بجميعه.
-
عن الأعمش، قال: قرأ أنس هذه الآية: (إن ناشئة الليل هي أشد وطئا وأصوب قيلا) فقال له بعض القوم: يا أبا حمزة، إنما هي: {وأقوم}فقال: أقوم وأصوب وأهيأ، واحد.
-
وعن مجاهد: أنه كان يقرأ القرآن على خمسة أحرف، وعن سالم: أن سعيد بن جبير كان يقرأ القرآن على حرفين، وعن مغيرة، قال: كان يزيد بن الوليد يقرأ القرآن على ثلاثة أحرف.فمن زعم أن تأويل الأحرف السبعة هو الأوجه السبعة من الأمر والنهي والوعد والوعيد والجدل والقصص والمثل - كان يرى أن مجاهدا وسعيد بن جبير لم يقرآ من القرآن إلا ما كان من وجهيه أو وجوهه الخمسة دون سائر معانيه؟ ويكون ظنه بهما غير الذي يعرفان به من منازلهما من القرآن، ومعرفتهما بآي الفرقان!

فإن قال: ففي أي كتاب الله نجد حرفا واحدا مقروءا بلغات سبع مختلفات الألفاظ، متفقات المعنى، فنسلم لك صحة ما ادعيت من التأويل في ذلك؟
قيل: إنا لم ندع أن ذلك موجود اليوم، وإنما أخبرنا أن معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((أنزل القرآن على سبعة أحرف))، على نحو ما جاءت به الأخبار التي تقدم ذكرناها. وهو ما وصفنا، دون ما ادعاه مخالفونا في ذلك، للعلل التي قد بينا.

فإن قال قائل: إن الأحرف السبعة، لغات في القرآن سبع، متفرقة في جميعه، من لغات أحياء من قبائل العرب مختلفة الألسن
قيل: إن كانت الأحرف السبعة التي نزل بها القرآن، متفرقة في القرآن، مثبتة اليوم في مصاحف أهل الإسلام، فقد بطلت معاني الأخبار التي رويتها عمن رويت عنه من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهم اختلفوا في قراءة سورة من القرآن، فاختصموا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأمر كلا أن يقرأ كما علم. لأن الأحرف السبعة إذا كانت لغات متفرقة في جميع القرآن، فغير موجب حرف من ذلك اختلافا بين تاليه لأن كل تال فإنما يتلو ذلك الحرف تلاوة واحدة على ما هو به في المصحف، وعلى ما أنزل.
- وهذا القول لا يجتمع والأخبار التي رويت عمن روي ذلك عنه من الصحابة والتابعين أنه قال: هو بمنزلة قولك تعال وهلم وأقبل؛ وأن بعضهم قال: هو بمنزلة قراءة عبد الله (إلا زقية)، وهي في قراءتنا {إلا صيحة}وما أشبه ذلك؛لأن الذي نزل به القرآن عنده إحدى القراءتين -: إما "صيحة"، وإما "زقية" وإما "تعال" أو "أقبل" أو "هلم" - لا جميع ذلك؛ لأن كل لغة من اللغات السبع عنده في كلمة أو حرف من القرآن، غير الكلمة أو الحرف الذي في اللغة الأخرى.

فإن قال: فما بال الأحرف الأخر الستة غير موجودة، إن كان الأمر في ذلك على ما وصفت، وقد أقرأهن رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه، وأمر بالقراءة بهن، وأنزلهن الله من عنده على نبيه صلى الله عليه وسلم؟ أنسخت فرفعت، فما الدلالة على نسخها ورفعها؟ أم نسيتهن الأمة، فذلك تضييع ما قد أمروا بحفظه؟ أم ما القصة في ذلك؟

قيل له: لم تنسخ فترفع، ولا ضيعتها الأمة وهي مأمورة بحفظها، ولكن الأمة أمرت بحفظ القرآن، وخيرت في قراءته وحفظه بأي تلك الأحرف السبعة شاءت، كما أمرت إذا هي حنثت في يمين وهي موسرة، أن تكفر بأي الكفارات الثلاث شاءت، فكذلك الأمة، أمرت بحفظ القرآن وقراءته، وخيرت في قراءته بأي الأحرف السبعة شاءت، فرأت - لعلة من العلل أوجبت عليها الثبات على حرف واحد- قراءته بحرف واحد، ورفض القراءة بالأحرف الستة الباقية، ولم تحظر قراءته بجميع حروفه على قارئه، بما أذن له في قراءته به.

فإن قال: وما العلة التي أوجبت الثبات على حرف واحد دون سائر الأحرف الستة الباقية؟
-
قال ابن شهاب: أخبرني أنس بن مالك الأنصاري: أنه اجتمع لغزوة أذربيجان وإرمينية أهل الشام وأهل العراق، فتذاكروا القرآن، فاختلفوا فيه حتى كاد يكون بينهم فتنة. فركب حذيفة بن اليمان - لما رأى اختلافهم في القرآن - إلى عثمان، فقال: "إن الناس قد اختلفوا في القرآن، حتى إني والله لأخشى أن يصيبهم مثل ما أصاب اليهود والنصارى من الاختلاف". قال: ففزع لذلك فزعا شديدا، فأرسل إلى حفصة فاستخرج الصحف التي كان أبو بكر أمر زيدا بجمعها، فنسخ منها مصاحف، فبعث بها إلى الآفاق.

وما أشبه ذلك من الأخبار والآثار الدالة على أن إمام المسلمين وأمير المؤمنين عثمان بن عفان رحمة الله عليه، جمع المسلمين إشفاقا منه عليهم، ورأفة منه بهم، حذار الردة من بعضهم بعد الإسلام، والدخول في الكفر بعد الإيمان، إذ ظهر من بعضهم بمحضره وفي عصره التكذيب ببعض الأحرف السبعة التي نزل عليها القرآن، مع نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن التكذيب بشيء منها، وإخباره إياهم أن المراء فيها كفر- فحملهم رحمة الله عليه على حرف واحد، وجمعهم على مصحف واحد، وخرق ما عدا المصحف الذي جمعهم عليه بما أمن عليهم معه عظيم البلاء في الدين.
واستوثقت له الأمة على ذلك بالطاعة ورأت أن فيما فعل من ذلك الرشد والهداية، فتركت القراءة بالأحرف الستة من غير جحود منها صحتها وصحة شيء منها ولكن نظرا منها لأنفسها ولسائر أهل دينها.

فإن قال بعض من ضعفت معرفته: وكيف جاز لهم ترك قراءة أقرأهموها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأمرهم بقراءتها؟
قيل: إن أمره إياهم بذلك لم يكن أمر إيجاب وفرض، وإنما كان أمر إباحة ورخصة؛ لأن القراءة بها لو كانت فرضا عليهم، لوجب أن يكون العلم بكل حرف من تلك الأحرف السبعة، عند من يقوم بنقله الحجة، ويقطع خبره العذر، ويزيل الشك من قرأة الأمة. وفي تركهم نقل ذلك كذلك أوضح الدليل على أنهم كانوا في القراءة بها مخيرين.بل كان الواجب عليهم من الفعل ما فعلوا، من النظر للإسلام وأهله وهو أولى من فعل ما لو فعلوه كانوا إلى الجناية على الإسلام وأهله أقرب منهم إلى السلامة من ذلك.

فإن قال لنا قائل: فهل لك من علم بالألسن السبعة التي نزل بها القرآن؟ وأي الألسن هي من ألسن العرب؟
قلنا: أما الألسن الستة التي قد نزلت القراءة بها، فلا حاجة بنا إلى معرفتها، لأنا لو عرفناها لم نقرأ اليوم بها مع الأسباب التي قدمنا ذكرها.
وقد قيل إن خمسة منها لعجز هوازن، واثنين منها لقريش وخزاعة. روي جميع ذلك عن ابن عباس، وليست الرواية به عنه من رواية من يجوز الاحتجاج بنقله.
وذلك أن الذي روى عنه: "أن خمسة منها من لسان العجز من هوازن"، الكلبي عن أبي صالح، وأن الذي روى عنه: "أن اللسانين الآخرين لسان قريش وخزاعة"، قتادة، وقتادة لم يلقه ولم يسمع منه.
- قال أبو جعفر: والعجز من هوازن: سعد بن بكر، وجشم بن بكر، ونصر بن معاوية، وثقيف.

ما معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم، إذ ذكر نزول القرآن على سبعة أحرف: إن كلها شاف كاف؟
-
هو كما قال جل ثناؤه في وصفه القرآن: {يا أيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم وشفاء لما في الصدور وهدى ورحمة للمؤمنين}، جعله الله للمؤمنين شفاء، يستشفون بمواعظه من الأدواء العارضة لصدورهم من وساوس الشيطان وخطراته، فيكفيهم ويغنيهم عن كل ما عداه من المواعظ ببيان آياته.

ما معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((كان الكتاب الأول، نزل على حرف واحد، ونزل القرآن على سبعة أحرف))؟
كل كتاب تقدم كتابنا نزوله على نبي من أنبياء الله صلى الله عليهم، فإنما نزل بلسان واحد، متى حول إلى غير اللسان الذي نزل به، كان ذلك له ترجمة وتفسيرا لا تلاوة له على ما أنزله الله وأنزل كتابنا بألسن سبعة، بأي تلك الألسن السبعة تلاه التالي، كان له تاليا على ما أنزله الله لا مترجما ولا مفسرا، حتى يحوله عن تلك الألسن السبعة إلى غيرها، فيصير فاعل ذلك حينئذ -إذا أصاب معناه- له مترجما.

ما معنى قوله صلى الله عليه وسلم: ((إن الكتاب الأول نزل من باب واحد، ونزل القرآن من سبعة أبواب))؟
((نزل الكتاب الأول من باب واحد))، المراد -والله أعلم -، ما نزل من كتب الله على من أنزله من أنبيائه، خاليا من الحدود والأحكام والحلال والحرام، كزبور داود، الذي إنما هو تذكير ومواعظ، وإنجيل عيسى، الذي هو تمجيد ومحامد وحض على الصفح والإعراض -دون غيرها من الأحكام والشرائع- وما أشبه ذلك من الكتب التي نزلت ببعض المعاني السبعة، فلم يكن المتعبدون بإقامته يجدون لرضى الله تعالى مطلبا ينالون به الجنة، إلا من الوجه الواحد الذي أنزل به كتابهم، وذلك هو الباب الواحد من أبواب الجنة الذي نزل منه ذلك الكتاب.
وخص الله جل وعز نبينا محمدا صلى الله عليه وسلم وأمته، بأن أنزل عليهم كتابه على أوجه سبعة من الوجوه التي ينالون بها رضوان الله، ويدركون بها الفوز بالجنة، إذا أقاموها فكل وجه من أوجهه السبعة باب من أبواب الجنة الذي نزل منه القرآن.
فالعمل بما أمر الله جل ذكره في كتابه، وترك ما نهى الله عنه فيه؛ وتحليل ما حلل الله فيه، وتحريم ما حرم الله فيه، والإيمان بمحكمه المبين، والتسليم لمتشابهه الذي استأثر الله بعلمه وحجب علمه عن خلقه، والإقرار بأن كل ذلك من عند ربه، والاعتبار بأمثاله والاتعاظ بعظاته، كل منها باب من أبواب الجنة.

تنبيه:
وكل هذه الأخبار التي ذكرناها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، متقاربة المعاني، لأن قول القائل: فلان مقيم على باب من أبواب هذا الأمر، وفلان مقيم على حرف من هذا الأمر، سواء، كما وصف تعالى قوما عبدوه على وجه من وجوه العبادات، أنهم عبدوه على حرف فقال: {ومن الناس من يعبد الله على حرف}، يعني أنهم عبدوه على وجه الشك، لا على اليقين به والتسليم لأمره.
فكذلك رواية من روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((نزل القرآن من سبعة أبواب)) و((نزل على سبعة أحرف)) سواء، معناهما مؤتلف، وتأويلهما غير مختلف في هذا الوجه.

معنى ما جاء في رواية ابن مسعود عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((أنزل القرآن على سبعة أحرف، لكل حرف منها ظهر وبطن، ولكل حرف حد، ولكل حد مطلع))
وأما قوله صلى الله عليه وسلم في القرآن: ((إن لكل حرف منه حدا))، يعني الكل وجه من أوجهه السبعة حداً حده الله جل ثناؤه، لا يجوز لأحد أن يتجاوزه.
وقوله صلى الله عليه وسلم: ((وإن لكل حرف منها ظهرا وبطنا))، فظهره: الظاهر في التلاوة، وبطنه: ما بطن من تأويله.
وقوله صلى الله عليه وسلم: ((وإن لكل حد من ذلك مطلعا))، فإنه يعني أن لكل حد من حدود الله التي حدها فيه -من حلال وحرام، وسائر شرائعه- مقدارا من ثواب الله وعقابه، يعاينه في الآخرة، ويطلع عليه ويلاقيه في القيامة. كما قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "لو أن لي ما في الأرض من صفراء وبيضاء لافتديت به من هول المطلع"، يعني بذلك ما يطلع عليه ويهجم عليه من أمر الله بعد وفاته.

د: بيان بعض الفوائد والقواعد في أصول التفسير
1: الوجوه التي من قِبَلها يوصل إلى معرفة تأويل القرآن
-
قال ابن عباس: " التفسير على أربعة أوجه: وجه تعرفه العرب من كلامها، وتفسير لا يعذر أحد بجهالته، وتفسير يعلمه العلماء، وتفسير لا يعلمه إلا الله."رواه ابن جرير.
1: ما لا يعلم تأويله إلا الله تعالى:
- مثل: ما فيه من الخبر عن آجال حادثة، وأوقات آتية، كوقت قيام الساعة، والنفخ في الصور، ونزول عيسى بن مريم، وما أشبه ذلك.
قال تعالى: {يسألونك عن الساعة أيان مرساها قل إنما علمها عند ربي لا يجليها لوقتها إلا هو ثقلت في السماوات والأرض لا تأتيكم إلا بغتة يسألونك كأنك حفي عنها قل إنما علمها عند الله ولكن أكثر الناس لا يعلمون}

2: ما لا يوصل إلى علم تأويله إلا ببيان الرسول صلى الله عليه وسلم:
- قال الله تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: {وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون}وقال: {وما أنزلنا عليك الكتاب إلا لتبين لهم الذي اختلفوا فيه وهدى ورحمة لقوم يؤمنون}
-
وذلك تأويل جميع ما فيه: من وجوه أمر الله - واجبه وندبه وإرشاده-، وصنوف نهيه، ووظائف حقوقه وحدوده، ومبالغ فرائضه، ومقادير اللازم بعض خلقه لبعض، وما أشبه ذلك من أحكام آيه.
-
هذا وجه لا يجوز لأحد القول فيه، إلا ببيان رسول الله صلى الله عليه وسلم تأويله بنص منه عليه، أو بدلالة قد نصبها، دالة أمته على تأويله.

3: ما تعرفه العرب من كلامها:
- وذلك: إقامة إعرابه، ومعرفة المسميات بأسمائها اللازمة غير المشترك فيها، والموصوفات بصفاتها الخاصة دون ما سواها، فإن ذلك لا يجهله أحد منهم.
-
وذلك كسامع منهم لو سمع تاليا يتلو: {وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون * ألا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون}، لم يجهل أن معنى الإفساد هو ما ينبغي تركه مما هو مضرة، وأن الإصلاح هو ما ينبغي فعله مما فعله منفعة، وإن جهل المعاني التي جعلها الله إفسادا، والمعاني التي جعلها الله إصلاحا.

2: النهي عن القول في تأويل القرآن بمجرد الرأي
-
قال تعالى: {قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون}.
-عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ((من قال في القرآن برأيه - أو بما لا يعلم - فليتبوأ مقعده من النار))رواه ابن جرير.
-
عن جندب: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((من قال في القرآن برأيه فأصاب، فقد أخطأ)) رواه ابن جرير.
- قال ابن جرير: ما كان من تأويل القرآن الذي لا يدرك علمه إلا بنص بيان رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو بنصبه الدلالة عليه، فغير جائز لأحد القيل فيه برأيه، وهو مخطئ وإن أصاب عين الحق، فالقائل في دين الله بالظن، قائل على الله ما لم يعلم.

3: الحض على العلم بتفسير القرآن
-
عن ابن مسعود، قال: كان الرجل منا إذا تعلم عشر آيات لم يجاوزهن حتى يعرف معانيهن، والعمل بهن.
-
عن أبي عبد الرحمن، قال: حدثنا الذين كانوا يقرئوننا: أنهم كانوا يستقرئون من النبي صلى الله عليه وسلم، فكانوا إذا تعلموا عشر آيات لم يخلفوها حتى يعملوا بما فيها من العمل، فتعلمنا القرآن والعمل جميعا.
-
قال عبد الله: والذي لا إله غيره، ما نزلت آية في كتاب الله إلا وأنا أعلم فيم نزلت؟ وأين نزلت؟ ولو أعلم مكان أحد أعلم بكتاب الله منى تناله المطايا لأتيته.
-
عن سعيد بن جبير، قال: من قرأ القرآن ثم لم يفسره، كان كالأعجمي أو كالأعرابي.
-
قال أبو جعفر: في حث الله عز وجل عباده على الاعتبار بما في آي القرآن من المواعظ والبينات - بقوله جل ذكره لنبيه صلى الله عليه وسلم: {كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكر أولو الألباب}وقوله: {ولقد ضربنا للناس في هذا القرآن من كل مثل لعلهم يتذكرون * قرآنا عربيا غير ذي عوج لعلهم يتقون} وما أشبه ذلك من آي القرآن، التي أمر الله عباده وحثهم فيها على الاعتبار بأمثال آي القرآن، والاتعاظ بمواعظه - ما يدل على أن عليهم معرفة تأويل ما لم يحجب عنهم تأويله من آيه.

4: الأخبار التي غلط في تأويلها منكرو القول في تأويل القرآن والرد عليها
4-أ: حديث الرسول صلى الله عليه وسلم
عن عائشة، قالت
: "ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يفسر شيئا من القرآن إلا آيا بعدد، علمهن إياه جبريل."
توجيه ابن جرير:
-
هو مما لا يعلمه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا بتعليم الله ذلك إياه بوحيه إليه، إما مع جبريل، أو مع من شاء من رسله إليه، من ذلك تفصيل جمل ما في آيه من أمر الله ونهيه وحلاله وحرامه، وحدوده وفرائضه، وسائر معاني شرائع دينه، الذي هو مجمل في ظاهر التنزيل، وهن لا شك آي ذوات عدد.
-
أمر الله نبيه ببيان ما لا بد للعباد من علم تأويله، فقال له جل ذكره: {وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون}، ولو كان تأويل الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من أنه لم يكن يفسر من القرآن إلا القليل من آيه واليسير من حروفه، كان إنما أنزل إليه صلى الله عليه وسلم الذكر ليترك للناس بيان ما أنزل إليهم، لا ليبين لهم ما نزل إليهم.
-
هذا مع ما في الخبر الذي روي عن عائشة من العلة التي في إسناده، التي لا يجوز معها الاحتجاج به .

4-ب: أقوال التابعين
- عن عبيد الله بن عمر، قال: لقد أدركت فقهاء المدينة، وإنهم ليعظمون القول في التفسير منهم: سالم بن عبد الله، والقاسم بن محمد، وسعيد بن المسيب، ونافع.
-
عن يحيى بن سعيد، قال: سمعت رجلا يسأل سعيد بن المسيب عن آية من القرآن، فقال: لا أقول في القرآن شيئا.
-
عن ابن أبي مليكة: أن ابن عباس سئل عن آية لو سئل عنها بعضكم لقال فيها، فأبى أن يقول فيها.
-
عن الوليد بن مسلم، قال: جاء طلق بن حبيب إلى جندب بن عبد الله، فسأله عن آية من القرآن، فقال له: أحرج عليك إن كنت مسلما، لما قمت عنى - أو قال: أن تجالسني.
-
عن الشعبي، قال: ثلاث لا أقول فيهن حتى أموت: القرآن، والروح، والرأي. وأشباه ذلك.

توجيه ابن جرير:من أحجم منهم إنما كان إحجامه عنه حذارا أن لا يبلغ أداء ما كلف من إصابة صواب القول فيه، لا على أن تأويل ذلك محجوب عن علماء الأمة، غير موجود بين أظهرهم، فهو كفعل من أحجم منهم عن الفتيا في النوازل والحوادث، مع إقراره بأن لله في كل نازلة وحادثة حكما موجودا بنص أو دلالة.

5: الأخبار عن بعض السلف ممن كان محمودا علمه بالتفسير ومن كان مذموما علمه به
- عن مسروق، عن عبد الله بن مسعود، قال: نعم ترجمان القرآن ابن عباس.
- عن مجاهد، قال: عرضت المصحف على ابن عباس ثلاث عرضات، من فاتحته إلى خاتمته، أوقفه عند كل آية منه وأسأله عنها.
- سمعت سفيان الثوري يقول: إذا جاءك التفسير عن مجاهد فحسبك به.
- عن عبد الملك بن ميسرة، قال: لم يلق الضحاك ابن عباس، وإنما لقي سعيد بن جبير بالري، فأخذ عنه التفسير.
- عن زكريا، قال: كان الشعبي يمر بأبي صالح باذان، فيأخذ بأذنه فيعركها ويقول: تفسر القرآن وأنت لا تقرأ القرآن!
- عن علي بن الحسين بن واقد، قال: حدثني أبي، قال: حدثنا الأعمش، قال: حدثني سعيد بن جبير، عن ابن عباس: {والله يقضي بالحق}قال: قادر على أن يجزي بالحسنة الحسنة وبالسيئة السيئة {إن الله هو السميع البصير}، قال الحسين: فقلت للأعمش: حدثني به الكلبي، إلا أنه قال: إن الله قادر أن يجزى بالسيئة السيئة وبالحسنة عشرا، فقال الأعمش: لو أن الذي عند الكلبي عندي ما خرج مني إلا بخفير.
- عن صالح بن مسلم، قال: مر الشعبي على السدي وهو يفسر، فقال: لأن يضرب على استك بالطبل، خير لك من مجلسك هذا.

6: أحق المفسرين بإصابة الحق في تأويل القرآن
- أوضحهم حجة فيما تأول وفسر، من أخبار رسول الله صلى الله عليه وسلم الثابتة عنه: إما من جهة النقل المستفيض، وإما من جهة نقل العدول الأثبات، أو من جهة الدلالة المنصوبة على صحته.
-
وأوضحهم برهانا مما كان مدركا علمه من جهة اللسان: إما بالشواهد من أشعارهم السائرة، وإما من منطقهم ولغاتهم المستفيضة المعروفة.
-
ومن لا يكون خارجا تفسيره عن أقوال السلف من الصحابة والأئمة، والخلف من التابعين وعلماء الأمة.

هـ: بيان تأويل أسماء القرآن وسوره وآيه

1 : تأويل أسماء القرآن
قال أبو جعفر:إن الله عز وجل سمى تنزيله الذي أنزله على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم أسماء أربعة، ولكل اسم من أسمائه الأربعة في كلام العرب، معنى ووجه غير معنى الآخر ووجهه، منهن:

1-أ: القرآن
- قال تعالى: {نحن نقص عليك أحسن القصص بما أوحينا إليك هذا القرآن وإن كنت من قبله لمن الغافلين}
- اختُلف في تأويله على قولين:
الأول:من التلاوة والقراءة.
-
مصدر من قول القائل: قرأت القرآن، كقولك: "الخسران" من "خسرت"، و "الغفران" من "غفر الله لك"
-
عن ابن عباس: {إن علينا جمعه وقرآنه}قال: أن نقرئك فلا تنسى{فإذا قرأناه}عليك{ فاتبع قرآنه} يقول: إذا تلي عليك فاتبع ما فيه.
الثاني:من الجمع والتأليف.
- مصدر من قول القائل: قرأت الشيء، إذا جمعته وضممت بعضه إلى بعض، كقولك: "ما قرأت هذه الناقة سلى قط" تريد بذلك أنها لم تضمم رحما على ولد.
-
عن قتادة في قوله تعالى: {إن علينا جمعه وقرآنه}يقول: حفظه وتأليفه، {فإذا قرأناه فاتبع قرآنه}يقول: اتبع حلاله، واجتنب حرامه.

قال ابن جرير:ولكلا القولينوجه صحيح في كلام العرب، غير أن أولى قوليهما بتأويل قول الله تعالى: {إن علينا جمعه وقرآنه * فإذا قرأناه فاتبع قرآنه}قول ابن عباس؛ لأن الله جل ثناؤه أمر نبيه صلى الله عليه وسلم في غير آية من تنزيله باتباع ما أوحى إليه، ولم يرخص له في ترك اتباع شيء من أمره إلى وقت تأليفه القرآن.فإن قال قائل: وكيف يجوز أن يسمى "قرآنا" بمعنى القراءة، وإنما هو مقروء؟قيل: كما جاز أن يسمى المكتوب "كتابا"، بمعنى: كتاب الكاتب.
1-ب: الفرقان
-قال تعالى : {تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا}
-
قال ابن جرير:جاء تأويله على ألفاظ مختلفة هي في المعاني مؤتلفة:
* هو النجاة. ذكره عكرمة والسدي وجماعة غيرهما.
* هو المخرج. ذكره ابن عباس ومجاهد.
وكان مجاهد يقول في قول الله جل ثناؤه: {يوم الفرقان}يوم فرق الله فيه بين الحق والباطل.

قال ابن جرير:وأصل "الفرقان" عندنا: الفرق بين الشيئين والفصل بينهما.
فقد تبين بذلك أن القرآن سمي "فرقانا"، لفصله - بحججه وأدلته وحدود فرائضه وسائر معاني حكمه - بين المحق والمبطل. وفرقانه بينهما: بنصره المحق، وتخذيله المبطل، حكما وقضاء.

1-ج: الكتاب:
-
قال تعالى: {الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجا * قيما}.
-
قال ابن جرير: هو مصدر من قولك: كتبت كتابا كما تقول: قمت قياما.
والكتاب: هو خط الكاتب حروف الكتاب المعجم مجموعة ومفترقة. وسمي "كتابا"، وإنما هو مكتوب، كما قال الشاعر في صفة طلاق كتابه كتبه لامرأته:

تؤمل رجعة منى وفيها = كتاب مثل ما لصق الغراء
يريد: طلاقا مكتوبا، فجعل "المكتوب" كتابا.

1-د: الذكر:
قال تعالى: {إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون}
قال ابن جرير:تأويله محتمل معنيين:
أحدهما: أنه ذكر من الله جل ذكره، ذكر به عباده، فعرفهم فيه حدوده وفرائضه، وسائر ما أودعه من حكمه.
والآخر:أنه ذكر وشرف وفخر لمن آمن به وصدق بما فيه، كما قال جل ثناؤه:{وإنه لذكر لك ولقومك}، يعني به أنه شرف له ولقومه.

2: تأويل أسماء السور
- عن واثلة بن الأسقع: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((أعطيت مكان التوراة السبع الطول، وأعطيت مكان الزبور المئين، وأعطيت مكان الإنجيل المثاني، وفضلت بالمفصل))

2-أ: السبع الطول:
- قال ابن جرير:سميت هذه السور السبع الطول، لطولها على سائر سور القرآن، وقال سعيد بن جبير هي: البقرة، وآل عمران، والنساء، والمائدة، والأنعام، والأعراف، ويونس، وروي عن ابن عباس قول يدل على موافقته هذا القول.
عن ابن عباس قال: "قلت لعثمان بن عفان: ما حملكم على أن عمدتم إلى الأنفال، وهي من المثاني، وإلى براءة وهي من المئين، فقرنتم بينهما ولم تكتبوا بينهما سطرا: "بسم الله الرحمن الرحيم"، ووضعتموها في السبع الطول؟ ما حملكم على ذلك؟"إلى آخر ما جاء في الأثر الذي رواه ابن جرير، وقال عنه: يصرح عن ابن عباس أنه لم يكن يرى ذلك منها.

2-ب: المئين:
-
هي ما كان من سور القرآن عدد آيه مائة آية، أو تزيد عليها شيئا أو تنقص منها شيئا يسيرا.

3-ج: المثاني:
-قيل:ما ثنى المئين فتلاها، وكان المئون لها أوائل، وكان المثاني لها ثواني.
- وقيل:إن المثاني سميت مثاني، لتثنية الله جل ذكره فيها الأمثال والخبر والعبر، وهو قول ابن عباس. وعن سعيد بن جبير: لأنها ثنيت فيها الفرائض والحدود.
- قال جماعة يكثر تعدادهم: القرآن كله مثان.وقال جماعة أخر: بل المثاني فاتحة الكتاب، لأنها تثنى قراءتها في كل صلاة.

4-
د: المفصل:
-
سميت مفصلا لكثرة الفصول التي بين سورها بـ "بسم الله الرحمن الرحيم".

3: تأويل السورة والآية
3-
أ: تأويل السورة:
- السورة، بغير همز: المنزلة من منازل الارتفاع. ومن ذلك سور المدينة، سمي بذلك الحائط الذي يحويها، لارتفاعه على ما يحويه.
- وقد همز بعضهم السورة من القرآن، وتأويلها في لغة من همزها: القطعة التي قد أفضلت من القرآن عما سواها وأبقيت. وذلك أن سؤر كل شيء: البقية منه تبقى بعد الذي يؤخذ منه.

3-
ب: تأويل الآية:
قال ابن جرير:وأما الآية من آي القرآن، فإنها تحتمل وجهين في كلام العرب:
أحدهما:أن تكون سميت آية، لأنها علامة يعرف بها تمام ما قبلها وابتداؤها، ومنه قوله جل ثناؤه: {ربنا أنزل علينا مائدة من السماء تكون لنا عيدا لأولنا وآخرنا وآية منك}يعني بذلك علامة منك لإجابتك دعاءنا وإعطائك إيانا سؤلنا.
والآخر منهما:القصة، كما قال كعب بن زهير بن أبي سلمى:ألا أبلغا هذا المعرض آية = أيقظان قال القول إذ قال أم حلم
يعني بقوله "آية": رسالة مني وخبرا عني.فيكون معنى الآيات: القصص.

4: تأويل أسماء فاتحة الكتاب
-
عن أبي هريرة، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: ((هي أم القرآن، وهي فاتحة الكتاب، وهي السبع المثاني)).
-
قال ابن جرير: سميت "فاتحة الكتاب"، لأنها يفتتح بكتابتها المصاحف، وبقراءتها في الصلوات، فهي فواتح لما يتلوها من سور القرآن في الكتاب والقراءة.
- وسميت "أم القرآن" لتقدمها على سائر سور القرآن غيرها، وتأخر ما سواها خلفها في القراءة والكتابة؛ لأن العرب تسمي كل جامع أمرا - أو مقدم لأمر إذا كانت له توابع تتبعه، هو لها إمام جامع- "أما"، فتقول للجلدة التي تجمع الدماغ: "أم الرأس".وقد قيل إن مكة سميت "أم القرى"، لتقدمها أمام جميعها، وجمعها ما سواها.
- وأما تأويل اسمها أنها "السبع"، فإنها سبع آيات، لا خلاف بين الجميع من القراء والعلماء في ذلك، وإنما اختلفوا في الآي التي صارت بها سبع آيات.
-
وأما وصفها بمثان، فلأنها تثنى قراءتها في كل صلاة تطوع ومكتوبة. وكذلك كان الحسن البصري يتأول ذلك.
-
وليس في وجوب اسم "السبع المثاني" لفاتحة الكتاب، ما يدفع صحة وجوب اسم "المثاني" للقرآن كله، ولما ثنى المئين من السور. لأن لكل ذلك وجها ومعنى مفهوما، لا يفسد - بتسمية بعض ذلك بالمثاني - تسمية غيره بها.

و: بيان منهج الطبري في التفسير
بيان معاني القرآن في كتاب جامع يذكر فيه ما انتهى إليه من اتفاق الحجة فيما اتفقت عليه منه واختلافها فيما اختلفت فيه منه، مبينا علل كل مذهب من مذاهبهم، وموضحا الصحيح لديه من ذلك، بأوجز ما أمكن من الإيجاز

رد مع اقتباس
 

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
الطالبة, صفحة


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 10:52 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir