دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > برنامج إعداد المفسر > مجموعة المتابعة الذاتية > منتدى المستوى الثامن

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 27 شعبان 1438هـ/23-05-2017م, 12:58 AM
هيئة الإدارة هيئة الإدارة غير متواجد حالياً
 
تاريخ التسجيل: Dec 2008
المشاركات: 29,544
افتراضي تطبيقات على درس أسلوب الحجاج

تطبيقات على درس أسلوب الحجاج
الدرس (هنا)

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 2 رمضان 1438هـ/27-05-2017م, 02:00 PM
الصورة الرمزية إشراقة جيلي محمد
إشراقة جيلي محمد إشراقة جيلي محمد غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المتابعة الذاتية
 
تاريخ التسجيل: Jan 2016
الدولة: الرياض
المشاركات: 303
افتراضي

{زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَن لَّن يُبْعَثُوا ۚ قُلْ بَلَىٰ وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ ۚ وَذَٰلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِير}ٌالتغابن (7)

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله

{زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَن لَّن يُبْعَثُوا ۚ قُلْ بَلَىٰ وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ ۚ وَذَٰلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِير}ٌ
ردت هذه الآية على منكري البعث وأكدت على حدوثه .
"زعم " أي: إدعى أو ظنَّ، فالزعم هو القول بالظن، ويطلق على الكذب، قال شريح لكل شيء كنية وكنية الكذب زعموا ، ويتعدى إلى مفعولين تعدي العلم، كما قال الشاعر:
وإن الذي قد عاش يا أم مالك يموت، ولم أزعمك عن ذاك معزلا
"والزعم: خبر كاذبٌ ، أو مشوب بخطأ ، أو بحيث يتّهمه الناس بذلك ، فإنّ الأعشى لمّا قال يمدح قيساً بن معد يكرب الكندي :
ونُبِّئْتُ قَيْساً ولم أبْلُهُ ... كما زَعموا خَيْرَ أهل اليَمَنْ
غضب قيس وقال: «وما هو إلاّ الزعم»
ويقول المحدّث عن حديث غريب فزعم فلان أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال كذا ، أي لإلقاء العهدة على المخبر ، ومنه ما يقع في كتاب سيبويه من قوله زعم الخليل ، ولذلك قالوا : الزعم مطية الكذب .
ويستعمل الزعم في الخبر المحقّق بالقرينة ، كقوله :

زعم العواذل أنّني في غمرة ... صَدقوا ولكن غمرتي لا تنجلي
فقوله { صدقوا } هو القرينة."(ابن عاشور)
{الذين كفروا} أي المشركون من أهل مكة ومن على دينهم.
{أن لن يبعثوا} وَ «أَنْ» هِيَ الْمُخَفَّفَةُ مِنَ الثَّقِيلَةِ لَا الْمَصْدَرِيَّةُ لِئَلَّا يَدْخُلَ نَاصِبٌ عَلَى نَاصِبٍ، واجتلاب حرف { لن } لتأكيد النفي فكانوا موقنين بانتفاء البعث .
والمعنى زعم كفّار العرب أن لن يبعثوا أبدًأ، فالبعث في ظنهم محال.
ولذلك جيء إبطال زعمهم مؤكَّداً بالقَسَم لينْقض نفيهم بأشد منه ، فأُمر النبي صلى الله عليه وسلم بأن يبلغهم عن الله أن البعث واقع وخاطبهم بذلك تسجيلاً عليهم أن لا يقولوا ما بلغناه ذلك .
{قُلْ بَلَىٰ وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ} وبَلى حرف يذكر في الجواب لإثبات النفي في كلام سابق، والمراد هنا: إثبات ما نفوه وهو البعث.
لتأكيد أمر البعث الذي نفوه بحرف لَنْ ولبيان ان البعث وما يترتب عليه من ثواب وعقاب، أمر ثابت ثبوتا قطعيا. وجملة ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِما عَمِلْتُمْ ارتقاء في الإبطال. وثُمَّ للتراخي الرتبي، فإن إنباءهم بما عملوا أهم من إثبات البعث إذ هو العلة للبعث والإِنباء : الإِخبار ، وإنباؤهم بما عملوا كناية عن محاسبتهم عليه وجزائهم عما عملوه ، فإن الجزاء يستلزم علم المجازَى بعمله الذي جوزي عليه فكانَ حصول الجزاء بمنزلة إخباره بما عمله كقوله تعالى : { إلينا مرجعهم فننبئهم بما عملوا } [ لقمان : 23 ] . وهذه هي الآية الثالثة التي أمر الله رسوله - صلى الله عليه وسلم - أن يقسم بربه ، عز وجل ، على وقوع المعاد ووجوده فالأولى في سورة يونس : ( ويستنبئونك أحق هو قل إي وربي إنه لحق وما أنتم بمعجزين ) [ يونس : 53 ] والثانية في سورة سبإ : ( وقال الذين كفروا لا تأتينا الساعة قل بلى وربي لتأتينكم ) الآية [ سبإ : 3 ] والثالثة هي هذه [ ( زعم الذين كفروا أن لن يبعثوا قل بلى وربي لتبعثن ثم لتنبؤن بما عملتم وذلك على الله يسير ) ]

{وذلك على الله يسير} وَذلِكَ الْبَعْثُ وَالْجَزَاءُ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ إِذِ الْإِعَادَةُ أَيْسَرُ مِنَ الِابْتِدَاءِ {وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده وهو أهون عليه}.

المصادر:
جامع البيان للطبري
الجامع لأحكام القران للقرطبي
تفسير القران العظيم لاب كثير
فتح القدير للشوكاني
التحرير والتنوير لابن عاشور
الوسيط للطنطاوي

رد مع اقتباس
  #3  
قديم 2 رمضان 1438هـ/27-05-2017م, 11:23 PM
مها الحربي مها الحربي غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المتابعة الذاتية
 
تاريخ التسجيل: Mar 2014
الدولة: بلاد الحرمين
المشاركات: 461
افتراضي

تفسير قوله تعالى : )فَأَرَاهُ الْآَيَةَ الْكُبْرَى (20) فَكَذَّبَ وَعَصَى (21) ثُمَّ أَدْبَرَ يَسْعَى (22) فَحَشَرَ فَنَادَى (23) فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى (24) فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكَالَ الْآَخِرَةِ وَالْأُولَى (25) إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشَى (26))النازعات

في هذه الآيات إيضاح لمصير من أعرض عن ذكر الله وتولى عنه وأصر على كبره بعد رؤية مايثبت أنه على باطل وأن الحق باتباع هدى الله .
تضمنت هذه الآيات فوائد عدة في أسلوب الإحتجاج بالتشنيع وتذكير المعرض بمصير فرعون وإلى أين صار مآله .

*أن الله أرسل موسى عليه السلام إلى فرعون بالآيات البينات ويقصد بها الحجج والبراهين التي تدل على أنه رسول الله حقا ،فأوصى الله عز وجل موسى عليه السلام أن يبين له الآيات بلطف ولين لعله يهتدي قال تعالى : (فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَّيِّنًا لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَىٰ (44)) سورة طه ، فأراه موسى عليه السلام الآيات وهي (اليد ،والعصا ) من التسع الآيات قال تعالى : ({فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُّبِينٌ (107) وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذَا هِيَ بَيْضَاء لِلنَّاظِرِينَ}

*فماكان جواب فرعون إلا التكذيب بالحق وعصيان الأمر ، فلم يكتفي بالتكذيب فقط وإنما تعدى إلى مبارزة الحق بالباطل والإفساد في الأرض ، ومنها جمعه للسحره ليردوا على المعجزات التي أتى بها موسى عليه السلام قال تعالى : ({ قالوا أرجه وأخاه وابعث في المدائن حاشرين يأتوك بكل سحار عليم } ) سورة الشعراء ، ،وأيضا من صور إفساده ومبارزته للحق أنه جمع الناس لمن هم تحت سيطرته ليقول قوله الشنيع وهو (أنا ربكم الأعلى )،فكان رد قومه أنهم استجابوا وانقادوا له قال تعالى : (فَلَمَّا آسَفُونَا انتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ (55))الزخرف

*فأخذ الله فرعون وجنوده أخذ عزيز منتقم ، أرسل عليه الطوفان عذاب في الدنيا قال تعالى : (فَانتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ (136))الأعراف ، وفي الآخره عذاب النار قال تعالى : (النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا ۖ وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ (46))سورة غافر

*وفي هذه الآيات دليلا واضحا لمن يعتبر ويتعظ وينزجر عن أفعاله الباطله .
أن دين الله واضح جلي لايخفى على أحد ، ففيه من الهدايه والحكم والعبر مايجعل المريد للهدى والبصيره يتبعه و يترك ماهو عليه من البطلان

*من آداب الدعوة :
1/ استخدام الإسلوب الحسن عند الدعوة مع التنويع بدعوته (بالترغيب إذا أطاع الله وبالترهيب إذا عصاه )
2/ التسلح بالعلم ، وأن يكون عنده من الأدله والحجج مايثبت دعوته
3/أن يكون على بصيره بمن يدعوا
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المراجع :
تفسير ابن كثير
تفسير السعدي
تفسير الأشقر
تفسير الطبري
تفسير ابن عاشور

رد مع اقتباس
  #4  
قديم 3 رمضان 1438هـ/28-05-2017م, 05:16 AM
فداء حسين فداء حسين غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - مستوى الإمتياز
 
تاريخ التسجيل: Jan 2016
المشاركات: 955
افتراضي

تفسير قوله تعالى: "وَجَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبَادِهِ جُزْءًا ۚ إِنَّ الْإِنسَانَ لَكَفُورٌ مُّبِينٌ (15) أَمِ اتَّخَذَ مِمَّا يَخْلُقُ بَنَاتٍ وَأَصْفَاكُم بِالْبَنِينَ (16) وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُم بِمَا ضَرَبَ لِلرَّحْمَٰنِ مَثَلًا ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ (17) أَوَمَن يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ (18) وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَٰنِ إِنَاثًا ۚ أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ ۚ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ (19) وَقَالُوا لَوْ شَاءَ الرَّحْمَٰنُ مَا عَبَدْنَاهُم ۗ مَّا لَهُم بِذَٰلِكَ مِنْ عِلْمٍ ۖ إِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ (20) أَمْ آتَيْنَاهُمْ كِتَابًا مِّن قَبْلِهِ فَهُم بِهِ مُسْتَمْسِكُونَ (21) بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَىٰ أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَىٰ آثَارِهِم مُّهْتَدُونَ (22)وَكَذَٰلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَىٰ أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَىٰ آثَارِهِم مُّقْتَدُونَ (23) ۞ قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكُم بِأَهْدَىٰ مِمَّا وَجَدتُّمْ عَلَيْهِ آبَاءَكُمْ ۖ قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُم بِهِ كَافِرُونَ (24) فَانتَقَمْنَا مِنْهُمْ ۖ فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (25)الزخرف

في هذ الايات البينات,رد الله على المشركين جميع شبههم ومزاعمهم في الملائكة المكرمين, فنقض كذباتهم واحدة بعد الأخرى, وبين سفاهة عقولهم, وما ساروا عليه من تقليد أعمى للآباء والأجداد دون الرجوع إلى العقل والشرع, فافتروا على الله كذبا وقالوا:
- أن الملائكة بنات الله.
- وزعموا بأن الملائكة إناثا.
- ورفعوا الملائكة لمرتبة الآله, فعبدوها.

فبدأ الله سبحانه وتعالى بتبكيتهم وتقريعهم على شناعة ما فعلوه من الإشراك به, بعد أن اقروا بربوبيته الكاملة, وكونه هو الواحد الخالق, المالك, الرازق, المدبر, قال تعالى:"وجعلوا له من عباده جزء"1, فقالوا: إن الملائكة بنات الله, فهم لم يلتزموا بلازم إقرارهم بربوبيته وخلقه وبملكه وتدبيره, وهو أن يتوجهوا إليه وحده بالعبادة, ويتركوا عبادة من سواه, ويقروا استحقاقه لها, فعبدوا من دونه الملائكة زاعمين أنها بنات الله, تعال الله عما يقولون علوا كبيرا, فرد الله قولهم بثلاث حجج عقلية:
الأولى: أن الملائكة عباد لله, مخلوقات له, مربوبة كغيرها من المخلوقات, فكيف يكون المخلوق الفاني الذي تحل به العوارض المختلفة, ابنا للخالق الأول والآخر الذي:"ليس كمثله شيئ"2؟ فهذا محال عقلا وشرعا.
الثانية: أن الذكور أفضل خلقا من الإناث, وقد فضل الله الذكور على الإناث, فقال:"وللرجال عليهن درجة"3, وقال:"الرجال قوامون على النساء بما فضل الله به بعضهم على بعض"4, وهم أنفسهم يفضلون الذكران على الإناث, ويفتخرون بولادة الذكور ويكرهون ولادة الإناث, فقال عنهم:"وإذا بشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسودا وهو كظيم"5, فكيف ينسبون لله القسم الأدنى ولأنفسهم القسم الأعلى!؟ فيلزم من هذا أن يكونوا أفضل وأعلى من الله, وهذا مرفوض عقلا وشرعا, حتى في عقولهم هم أنفسهم.
الثالثة: إن الإنثى ضعيفة الخلق والطبع, ناقصة, تنشأ في حب التزين ولبس الحلي, وهي عند الحجاج والمجادلة لا تقوى على رد خصمها, ولا إظهار حجتها, وأقوى حجة لديها دموعها, فكيف يكون الخالق الأوحد الذي اقروا له هم أنفسهم الآيات بخلقه لأعظم المخلوقات, وهي:السموات والأرض, وأقروا بتدبيره لأمور معيشتهم, وإنزاله المطر ليحي به الأرض بعد موتها, كيف ينسب للعظيم صاحب القدرة التامة, مخلوق ضعيف لا يقوى على إظهار حجته؟ إن هذا لمحال عقلا وشرعا.

وبعد أن ابطل الله زعمهم القائل بأن الملائكة بنات له, سبحانه وتعالى عما يقولون علوا كبيرا, أبطل أصل زعمهم بأن الملائكة من جنس الإناث, قال تعالى:" وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَٰنِ إِنَاثًا"6, فمعرفتهم بهذا الأمر يستلزم أن يكونوا قد شهدوا بأنفسهم خلق الملائكة فعرفوا انهم من جنس الإناث, وهذا باطل لا محالة, لا يستطيع أحد ادعائه, لذلك أنكر الله عليهم, وتوعدهم وهددهم, فقال تعالى:"أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ ۚ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ "6, فهددهم بأن ما قالوه محسوب عليهم مكتوب, وأن مسئولون عنه أمام الله تعالى, وهذا يقتضي أنهم محاسبون عليه, مجازون به بما يستحقون على كذبهم وافترائهم.

وبعد نقض جميع أباطيلهم, ما كانت حجتهم إلا الاحتجاج بالمشيئة والقدر, فقالوا:" لَوْ شَاءَ الرَّحْمَٰنُ مَا عَبَدْنَاهُم"7 وهذا تأسي واقتداء بإبليس حين قال:"رب بما أغويتني..."8, واقتداء بقول من سبقهم من المشركين, كما قال تعالى عنهم:" سيقول الذين أشركوا لو شاء الله ما أشركنا ولا آباؤنا ولا حرمنا من شيء كذلك كذب الذين من قبلهم حتى ذاقوا بأسنا"9, وإنما كان هذا منهم لخلطهم بين المشيئة الكونية والمشيئة الشرعية المتعلقة بما يحب الله ويرضاه, فكذبوا, فكل عاقل يعلم من نفسه وجود مشيئة لديه تعطيه القدرة على الاختيار والفعل, فكذب الله قولهم ورده, لأن صدق ما قالوه يعتمد على أحد أمرين:
الأول: إما أن يكون عندهم دليل عقلي يستند إليه قولهم وزعمهم, وهذا باطل نفاه الله سبحانه وتعالى بقوله:"إن هم إلا يخرصون"10, أي: مقولتهم مبنية على الظن الخالص القائم على اتباع الهوى, فوجود المشيئة للبشر شيء معلوم محسوس.
الثاني: أن يكون لديهم دليل مادي,فيكون الله قد أعلمهم بهذا من خلال إنزال الكتب إليهم قبل بعثة النبي عليه الصلاة والسلام ونززول القرآن, ومعلوم للجميع إن هذا لم يحصل, فهم ما جاءهم من نذير قبل النبي عليه الصلاة والسلام, قال تعالى:"وما أرسلنا إليهم قبلك من نذير"11.
ثم بين الله تعالى حقيقتهم فقال:"بل قالوا إنا وجدنا آبائنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون"12, وهنا أبطل ما كان من احتمالات قد تبرر مزاعمهم, فليس لديهم دليل, وليس لديهم كتاب سابق يتمسكون به, بل هو مجرد تقليد واتباع للآباء والأجداد والكبراء, دون إعمال للعقل أو الفكر, وبين الله بأن هذا فعل من سبقهم من الكفار, فهم لم يأتوا بقول جديد, بل ساروا على طريق من سبقهم في الكفر حذو القذة بالقذة.

ثم لو سلمنا لهم بأن آبائهم كانوا على بعض الهدى في طريقتهم, فالعقل يقتضي بأن يتفكروا ويقارنوا بين ما وجدوا عليه آبائهم, وبين ما جاء به الرسول عليه الصلاة والسلام, إن كانوا حقا قاصدين للهداية, باحثين عنها, متبعين لها, فالإنسان بطبعه يبحث عما يفيده, ويحرص على نجاة نفسه, لذلك قال لهم:"قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكُم بِأَهْدَىٰ مِمَّا وَجَدتُّمْ عَلَيْهِ آبَاءَكُمْ "13, فما كان ردهم إلا أن قالوا:" إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُم بِهِ كَافِرُونَ"13, وهذا إن دل على شيء فإنه يدل على تقليدهم الأعمى, وعنادهم, وعدم إعمال عقولهم فيما عرض عليهم من هداية وحق جاء به النبي عليه الصلاة والسلام, فاستحقوا ما حل بهم من عذاب.
----------------------------------------------------------------------------------------
1- الزخرف\15
2- الشورى\\11
3- البقرة\228
4- النساء\34
5- النحل\58
6- الزخرف\19
7- الزخرف\21
8- الحجر\39
9- الأنعام\148
10- الزخرف\20
11- سبأ\44
12- الزخرف\23
13- الزخرف\24

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 3 رمضان 1438هـ/28-05-2017م, 10:22 AM
فداء حسين فداء حسين غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - مستوى الإمتياز
 
تاريخ التسجيل: Jan 2016
المشاركات: 955
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة فداء حسين مشاهدة المشاركة
تفسير قوله تعالى: "وَجَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبَادِهِ جُزْءًا ۚ إِنَّ الْإِنسَانَ لَكَفُورٌ مُّبِينٌ (15) أَمِ اتَّخَذَ مِمَّا يَخْلُقُ بَنَاتٍ وَأَصْفَاكُم بِالْبَنِينَ (16) وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُم بِمَا ضَرَبَ لِلرَّحْمَٰنِ مَثَلًا ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ (17) أَوَمَن يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ (18) وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَٰنِ إِنَاثًا ۚ أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ ۚ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ (19) وَقَالُوا لَوْ شَاءَ الرَّحْمَٰنُ مَا عَبَدْنَاهُم ۗ مَّا لَهُم بِذَٰلِكَ مِنْ عِلْمٍ ۖ إِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ (20) أَمْ آتَيْنَاهُمْ كِتَابًا مِّن قَبْلِهِ فَهُم بِهِ مُسْتَمْسِكُونَ (21) بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَىٰ أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَىٰ آثَارِهِم مُّهْتَدُونَ (22)وَكَذَٰلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَىٰ أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَىٰ آثَارِهِم مُّقْتَدُونَ (23) ۞ قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكُم بِأَهْدَىٰ مِمَّا وَجَدتُّمْ عَلَيْهِ آبَاءَكُمْ ۖ قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُم بِهِ كَافِرُونَ (24) فَانتَقَمْنَا مِنْهُمْ ۖ فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (25)الزخرف

في هذ الايات البينات,رد الله على المشركين جميع شبههم ومزاعمهم في الملائكة المكرمين, فنقض كذباتهم واحدة بعد الأخرى, وبين سفاهة عقولهم, وما ساروا عليه من تقليد أعمى للآباء والأجداد دون الرجوع إلى العقل والشرع, فافتروا على الله كذبا وقالوا:
- أن الملائكة بنات الله.
- وزعموا بأن الملائكة إناثا.
- ورفعوا الملائكة لمرتبة الآله, فعبدوها.

فبدأ الله سبحانه وتعالى بتبكيتهم وتقريعهم على شناعة ما فعلوه من الإشراك به, بعد أن اقروا بربوبيته الكاملة, وكونه هو الواحد الخالق, المالك, الرازق, المدبر, قال تعالى:"وجعلوا له من عباده جزء"1, فقالوا: إن الملائكة بنات الله, فهم لم يلتزموا بلازم إقرارهم بربوبيته وخلقه وبملكه وتدبيره, وهو أن يتوجهوا إليه وحده بالعبادة, ويتركوا عبادة من سواه, ويقروا استحقاقه لها, فعبدوا من دونه الملائكة زاعمين أنها بنات الله, تعال الله عما يقولون علوا كبيرا, فرد الله قولهم بثلاث حجج عقلية:
الأولى: أن الملائكة عباد لله, مخلوقات له, مربوبة كغيرها من المخلوقات, فكيف يكون المخلوق الفاني الذي تحل به العوارض المختلفة, ابنا للخالق الأول والآخر الذي:"ليس كمثله شيئ"2؟ فهذا محال عقلا وشرعا.
الثانية: أن الذكور أفضل خلقا من الإناث, وقد فضل الله الذكور على الإناث, فقال:"وللرجال عليهن درجة"3, وقال:"الرجال قوامون على النساء بما فضل الله به بعضهم على بعض"4, وهم أنفسهم يفضلون الذكران على الإناث, ويفتخرون بولادة الذكور ويكرهون ولادة الإناث, فقال عنهم:"وإذا بشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسودا وهو كظيم"5, فكيف ينسبون لله القسم الأدنى ولأنفسهم القسم الأعلى!؟ فيلزم من هذا أن يكونوا أفضل وأعلى من الله, وهذا مرفوض عقلا وشرعا, حتى في عقولهم هم أنفسهم.
الثالثة: إن الإنثى ضعيفة الخلق والطبع, ناقصة, تنشأ في حب التزين ولبس الحلي, وهي عند الحجاج والمجادلة لا تقوى على رد خصمها, ولا إظهار حجتها, وأقوى حجة لديها دموعها, فكيف يكون الخالق الأوحد الذي اقروا له هم أنفسهم الآيات بخلقه لأعظم المخلوقات, وهي:السموات والأرض, وأقروا بتدبيره لأمور معيشتهم, وإنزاله المطر ليحي به الأرض بعد موتها, كيف ينسب للعظيم صاحب القدرة التامة, مخلوق ضعيف لا يقوى على إظهار حجته؟ إن هذا لمحال عقلا وشرعا.

وبعد أن ابطل الله زعمهم القائل بأن الملائكة بنات له, سبحانه وتعالى عما يقولون علوا كبيرا, أبطل أصل زعمهم بأن الملائكة من جنس الإناث, قال تعالى:" وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَٰنِ إِنَاثًا"6, فمعرفتهم بهذا الأمر يستلزم أن يكونوا قد شهدوا بأنفسهم خلق الملائكة فعرفوا انهم من جنس الإناث, وهذا باطل لا محالة, لا يستطيع أحد ادعائه, لذلك أنكر الله عليهم, وتوعدهم وهددهم, فقال تعالى:"أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ ۚ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ "6, فهددهم بأن ما قالوه محسوب عليهم مكتوب, وأن مسئولون عنه أمام الله تعالى, وهذا يقتضي أنهم محاسبون عليه, مجازون به بما يستحقون على كذبهم وافترائهم.

وبعد نقض جميع أباطيلهم, ما كانت حجتهم إلا الاحتجاج بالمشيئة والقدر, فقالوا:" لَوْ شَاءَ الرَّحْمَٰنُ مَا عَبَدْنَاهُم"7 وهذا تأسي واقتداء بإبليس حين قال:"رب بما أغويتني..."8, واقتداء بقول من سبقهم من المشركين, كما قال تعالى عنهم:" سيقول الذين أشركوا لو شاء الله ما أشركنا ولا آباؤنا ولا حرمنا من شيء كذلك كذب الذين من قبلهم حتى ذاقوا بأسنا"9, وإنما كان هذا منهم لخلطهم بين المشيئة الكونية والمشيئة الشرعية المتعلقة بما يحب الله ويرضاه, فكذبوا, فكل عاقل يعلم من نفسه وجود مشيئة لديه تعطيه القدرة على الاختيار والفعل, فكذب الله قولهم ورده, لأن صدق ما قالوه يعتمد على أحد أمرين:
الأول: إما أن يكون عندهم دليل عقلي يستند إليه قولهم وزعمهم, وهذا باطل نفاه الله سبحانه وتعالى بقوله:"إن هم إلا يخرصون"10, أي: مقولتهم مبنية على الظن الخالص القائم على اتباع الهوى, فوجود المشيئة للبشر شيء معلوم محسوس.
الثاني: أن يكون لديهم دليل مادي,فيكون الله قد أعلمهم بهذا من خلال إنزال الكتب إليهم قبل بعثة النبي عليه الصلاة والسلام ونززول القرآن, ومعلوم للجميع إن هذا لم يحصل, فهم ما جاءهم من نذير قبل النبي عليه الصلاة والسلام, قال تعالى:"وما أرسلنا إليهم قبلك من نذير"11.
ثم بين الله تعالى حقيقتهم فقال:"بل قالوا إنا وجدنا آبائنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون"12, وهنا أبطل ما كان من احتمالات قد تبرر مزاعمهم, فليس لديهم دليل, وليس لديهم كتاب سابق يتمسكون به, بل هو مجرد تقليد واتباع للآباء والأجداد والكبراء, دون إعمال للعقل أو الفكر, وبين الله بأن هذا فعل من سبقهم من الكفار, فهم لم يأتوا بقول جديد, بل ساروا على طريق من سبقهم في الكفر حذو القذة بالقذة.

ثم لو سلمنا لهم بأن آبائهم كانوا على بعض الهدى في طريقتهم, فالعقل يقتضي بأن يتفكروا ويقارنوا بين ما وجدوا عليه آبائهم, وبين ما جاء به الرسول عليه الصلاة والسلام, إن كانوا حقا قاصدين للهداية, باحثين عنها, متبعين لها, فالإنسان بطبعه يبحث عما يفيده, ويحرص على نجاة نفسه, لذلك قال لهم:"قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكُم بِأَهْدَىٰ مِمَّا وَجَدتُّمْ عَلَيْهِ آبَاءَكُمْ "13, فما كان ردهم إلا أن قالوا:" إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُم بِهِ كَافِرُونَ"13, وهذا إن دل على شيء فإنه يدل على تقليدهم الأعمى, وعنادهم, وعدم إعمال عقولهم فيما عرض عليهم من هداية وحق جاء به النبي عليه الصلاة والسلام, فاستحقوا ما حل بهم من عذاب.
----------------------------------------------------------------------------------------
1- الزخرف\15
2- الشورى\\11
3- البقرة\228
4- النساء\34
5- النحل\58
6- الزخرف\19
7- الزخرف\21
8- الحجر\39
9- الأنعام\148
10- الزخرف\20
11- سبأ\44
12- الزخرف\23
13- الزخرف\24
المصادر:
- تفسير القرآن العظيم, لأبي الفداء إسماعيل ابن كثير.
- التحرير والتنوير, لمحمد الطاهر ابن عاشور.


ملاحظة:
نهبهتني أحد الأخوات-جزاها الله خيرا- لضرورة إرفاق المصادر, حيث جهلت هذا لتغيبي عما سبق من الدروس, وعدم اتساع الوقت للاطلاع عليها للآن.

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 4 رمضان 1438هـ/29-05-2017م, 03:00 AM
رقية إبراهيم عبد البديع رقية إبراهيم عبد البديع غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المستوى السابع
 
تاريخ التسجيل: Sep 2013
المشاركات: 312
افتراضي

الرد على منكري البعث من خلال قوله تعالى: (زَعَمَالَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّلَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ وَذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (7) )
الحمد لله الذي أنزل القرآن، وخلق الإنسان، وعلمه البيان، وجعل القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان، وجادل أهل الباطل بالحجة والبرهان؛ وبعد..
فقد تضمنت هذه الآية الكريمة الرد على منكري البعث بأقوى دليل وأبلغ حجة.
وقد صرَّف اللهُالآياتِ في خطابهم تنبيهاً وتعريفاً، وتبصيراً وتذكيراً، ببيانبديع محكم، وإلزام بالحجة الظاهرة التي لا يردّها إلا مكابرٌ معاند.
ومن تأمّلهذه الآية بقلب حيّ منيب تبيّن له ما يفيد اليقين ببطلان مقالتهم الكفرية،وضلالهم عن الصراط المستقيم. (الداخل)

وبيان ذلكمن وجوه:
الوجه الأول: تعبير القرآن عن مقالتهم الردية بفعل ماضٍ-بدلالة الماضي على توكيد الحدث وتحقق وقوعه- (زعم) مشتق من مادة الزعم "، وقال عبد الله بن عمر: الزعم: كنية الكذب، وقال عليهالسلام: بئس مطية الرجل زعموا، ولا توجد «زعم» مستعملة في فصيح من الكلام إلا عبارةعن الكذب، أو قول انفرد به قائله فيريد ناقله أن يبقي عهدته على الزاعم، ففي ذلك ماينحو إلى تضعيف الزعم " (ابن عطية الأندلسي).
الوجه الثاني: إسناد هذا الزعم إلى المعرف بالموصولية (الذين كفروا) وهو من ألفاظ العموم؛ فالآية وإن كانت مرادا بها كفار قريش؛ فإنها تعم كل كافر منكر للبعث والحساب في كل زمان ومكان؛ لأن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.
الوجه الثالث: في إسناد إنكار البعث إلى الذين كفروا دليل على كفر كل من أنكر البعث، وأن هذا الاعتقاد مخرج عن الملة، مفض بصاحبه إلى الهلكة، والعياذ بالله.
الوجه الرابع: عتو الكافرين وطغيانهم في دعواهم، فلم يكتفوا بنفي البعث، بل إنهم أكدوا نفيهم {أن لن يبعثوا} بأن المخففة من الثقيلة، واسمها ضمير الشأن محذوف، والتقدير: أنهم لن يبعثوا.
الوجه الخامس: أمر الحقُّ تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم بما ينفي به دعواهم (بلى) وهي حرف جواب، وتختص بالنفي، وتفيد إبطاله، وكذلك أمره بالقسم على عدم صحة دعواهم.
الوجه السادس: آثر التعبير القرآني أن يكون القسم ب (وربي) المشتقة من الربوبية التي من معانيها: الخلق والرزق والإحياء والإماتة، فالرب هو المربي لخلقه بنعمه، فهو أنسب بالسياق من القسم ب (والله) المشتقة من الألوهية والتعبد؛ فكأنَّ النبي صلى الله عليه وسلم أُمر أن يقسم لهم بربه الذي رباه ورباهم بنعمه فأوجدهم من العدم وأحياهم بعد أن لم يكونوا شيئا مذكورا، وهو سبحانه من سيميتهم- حين يحين أجلهم-، ففيه إشارة وتنبيه إلى أن من خلقكم وأوجدكم من عدم قادر على أن يعيدكم ويجازيكم، فليس أول الخلق بأهون من إعادته.
الوجه السابع: تأكيد القسم باللام ونون التوكيد ناسب حال المخاطبين من منكري البعث (بلى وربي لتبعثن)، ولزيادة التأكيد والتبكيت لهم عطف عليه: (ثم لتنبئن بما عملتم) كل هذا لردعهم وزجرهم عن إفكهم، لعلهم يتقون أو يحدث لهم ذكرا.
الوجه الثامن: صيغة العموم في قوله: (ثم لتنبئن بما عملتم) دلت على الشمول والعموم، فحين يبعثون سيخبرون بكل ما عملوا، ويجازون بكل ما قدموا، كما قال تعالى: {ووجدوا ما عملوا حاضرا ولا يظلم ربك أحدا}، هذا فضلا عن توكيد الفعل بلام القسم ونون التوكيد؛ ففي الآية إرهاب وزجر لهم، وقرع لأسماعهم بأبلغ حجة وأقوى بيان.
الوجه التاسع: قوله تعالى: {وَذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ } دل على أن ما استبعدوه من البعث والحساب يسير على الله تعالى، بل إن العقل يقضي بأن إعادة الخلق أهون من ابتداءه، كما قال تعالى:{أوليس الذي خلق السماوات والأرض بقادر على أن يخلق مثلهم بلى وهو الخلاق العليم}.
واستحضار قولهم باسم الإشارة الذي يشار به للبعيد حقيقة أو مجازا؛ دال على استبعادهم لهذا الأمر أيما استبعاد، حتى عدُّوه مستحيلا!.
وتقديم متعلق الخبر {على الله} للاهتمام والتخصيص؛ فإن إحياء الموتى على الله تعالى يسير، أما على المخلوقين فهو محال.
فنرى الآية قد أبطلت مقالتهم ونفت حجتهم وقرعت أسماعهم وبكتت عقولهم وقلوبهم بأوضح أسلوب وأقوى بيان.
________________________

المراجع:
جامع البيان لمُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍالطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ)
معاني القرآن ل إِبْرَاهِيمُبْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ)
المحرر الوجيز لعَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَالأَنْدَلُسِيُّ (ت:546ه)
تفسير القرآن العظيم لابْنِ كَثِيرٍالقُرَشِيُّ (ت: 774 ه)
مقالة تفسير قول الله تعالى: {لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالثثلاثة...} د/ عبد العزير الداخل.
مقالة إعراب سورة التغابن د/ محمد منير الجنباز.

رد مع اقتباس
  #7  
قديم 9 رمضان 1438هـ/3-06-2017م, 09:24 PM
بيان الضعيان بيان الضعيان غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المتابعة الذاتية
 
تاريخ التسجيل: Jan 2016
المشاركات: 245
افتراضي

بسم الله الرجمن الرحيم
تفسير قوله تعالى(أيحسب الإنسان أن يترك سدى*ألم يك نطفة من مني يمنى*ثم كان علقة فخلق فسوى*فجعل منه الزوجين الذكر والأنثى*أليس ذلك بقادر على أن يحيي الموتى)

جاءت هذه الآيات في سياق الرد على منكري البعث،فقد ورد قوله تعالى في أول السورة (أيحسب الإنسان ألن نجمع عظامه) فجاء مايدل على بطلان هذا الاعتقاد من عدة وجوه:
الوجه الأول:
ما دل عليه الاستفهام الإنكاري(أيحسب الإنسان أن يترك سدى)، فقد أنكر الله عليهم اعتقادهم أنهم سيتركون سدى أي هملا لا يؤمرون ولا ينهون كما ذكر ذلك ابن زيد ومجاهد وابن عباس والشافعي عند تفسيرهم لهذه الآية وقد نقله عنهم القرطبي والطبري وابن كثير.
ومن المفسرين من قال إن معنى سدى أي لا يبعث بعد موته منهم السدي وذكره عنه ابن كثير وقال به ابن عاشور.
والمعنيين متلازمين كما ذكر ذلك ابن عاشور فمن أمر ونهي لابد وأن يبعث ويحاسب .

فيكون إثبات البعث في هذه الآية صريحا باعتبار القول الثاني ،وباعتبار القول الثاني يكوز الرد بلازمه.

الوجه الثاني:
أنه ليس من حكمة الله أن يخلق الخلق ويرسل إليهم الرسل ويأمرهم وينهاهم ثم يتركهم يتساوى محسنهم ومسيئهم لا يحاسبون ولا يعاقبون.

الوجه الثالث:
بعدما بين الله عزوجل لزوم البعث لتحقيق الحكمة الإلهية بين إمكانية وقوعه وقدرته عليه،فاستدل بالبدء على الإعادة فقد خلق الإنسان من ماء مهين يقذف في الرحم ثم يكون علقة وهي قطعة الدم ثم تدرج في مراحل التكوين حتى أصبح خلقا كاملا معتدل القامة سوي الخلقة،له أبناء ذكور وإناث.
فمن قدر على البدء قادر على الإعادة والتي هي أسهل كما قال تعالى(وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده وهو أهون عليه).

الوجه الرابع:
إنكار الله عليهم تكذيبهم بالبعث بقوله (أليس ذلك بقادر على أن يحيي الموتى).

وبعد هذه الحجج لا يكذب بالبعث إلا معاند مكابر متبع لهواه.

المراجع:
_تفسير ابن عاشور.
_تفسير القرطبي.
_تفسير الطبري.
_تفسير البغوي.
_تفسير ابن كثير.
_تفسير السعدي.

رد مع اقتباس
  #8  
قديم 12 رمضان 1438هـ/6-06-2017م, 09:13 AM
فاطمة احمد صابر فاطمة احمد صابر غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المستوى السابع
 
تاريخ التسجيل: Jan 2016
المشاركات: 370
افتراضي

قال تعالى " أكفاركم خير من أولئكم أم لكم براءة في الزبر . أم يقولون نحن جميع منتصر . سيهزم الجمع ويولون الدبر . بل الساعة موعدهم والساعة أدهى وأمر . إن المجرمين في ضلال وسعر . يوم يسحبون في النار على وجوههم ذوقوا مس سقر "

في سورة القمر حيث ذكر الله تعالى قصص الأمم السابقين من قوم نوح وعاد وثمود وقوم لوط وفرعون وقومه وذكر رسالته إليهم و تكذيبهم لرسله ثم ماأحله بهم من العذاب ثم أعقب ذلك بخطابه لكفار قريش أو كفار هذه الأمة بعامة فذكر شبههم ودحضها وبين عاقبة أمرهم في الدنيا والآخرة وفي هذا حجة واضحة لمن يسير على طريقتهم وينهج نهجهم وذلك من وجوه
الأول : غير سبحانه أسلوب الكلام من كونه موجها للرسول صلى الله عليه وسلم إلى توجيهه للمشركين لينتقل عن التعريض إلى التصريح اعتناء بمقام الإنذار والإبلاغ ذكره ابن عاشور
الثاني : تبكيت الله عز وجل لهم وتوبيخهم وتقريعهم بذكر أحوالهم فبدأ بقوله " أكفاركم خير من أولئكم " فعبر بالاستفهام الإنكاري أي ما كفاركم خير من أولئكم الكفار المعدودين بأن يكونوا أكثر منهم قوة وشدة وأوفر عددا وعدة، أو بأن يكونوا ألين شكيمة في الكفر والعصيان والضلال والطغيان بل هم دونهم في القوة وما أشبهها من زينة الدنيا، أو أسوأ حالا منهم في الكفر، وقد أصاب من هو خير ما أصاب فكيف يطمعون هم في أن لا يصيبهم نحو ذلك واستدلالهم هذا على خير الآخرة بخير الدنيا من أفسد الأدلة، وهو من طرق الكفار. مستفاد من الآلوسي وابن عاشور والسعدي
الثالث : ذكر ما يمكن أن يكون حجة أخرى لهم فقال " أم لكم براءة في الزبر " اضراب انتقالي للتبكيت أي بل ألكفاركم براءة وأمن من تبعات ما يعملون من الكفر والمعاصي وغوائلها في الكتب السماوية فلذلك يصرون على ما هم عليه ولا يخافون مستفاد من الآلوسي وابن عاشور
الرابع : انتقاله بإضراب آخر إلى حجتهم الثالثة النصر وبالتالي فهم يزعمونه لأنفسهم فبكتهم تعالى أشد التبكيت حيث التفت عن خطابهم إلى حكاية قبائحهم لغيرهم " أم يقولون نحن جميع منتصر " بل أيقولون واثقين بشوكتهم نحن جماعة أمرنا مجتمع لا يرام ولا يضام، أو مُنْتَصِرٌ من الأعداء لا يغلب، أو متناصر ينصر بعضنا بعضا مستفاد من الآلوسي وابن عاشور
الخامس : رد الله عز وجل بما يبطل دعواهم ألا وهو هزيمتهم ونصر المؤمنين عليهم وهذا من الإخبار بالغيب ، الدال على إعجاز القرآن الكريم فقد هزم الكفار في بدر مع ان الاية نزلت بمكة حيث لم يكن أذن في القتال ذكره سيد طنطاوي
السادس : وعيد الله عز وجل لهم بما هو أشد وأنكى ألا وهو عذاب يوم القيامة ذكره سيد طنطاوي
السابع : تكرار لفظ الساعة لتهويل أمرها عليهم قال الآلوسي : وإظهار الساعة في موضع إضمارها لتربية تهويلها
الثامن : وصف الله لها بوصفان أشد ما يكون صعوبة على النفس وذلك لبيان عظم عذابه لهم فوصفها بالأدهى والأمر .. فالأدهى أعظم في الضر، وأفظع من الدهاء، وهو النكر والفظاعة أما الأمر فالمراد بها أشد مرارة من القتل، والأسر في الدنيا ذكره الواحدي .
التاسع : تأكيد مصير المجرمين عامة ويدخل هؤلاء فيه دخولا أوليا بأنه في ضلال وسعر أي في ذهاب عن الحق، وأخذ على غير هدى كما أنه في احتراق من شدة العناء والنصب في الباطل ذكره ابن جرير.
العاشر : تقريع الله لهم بوصفه لعذابهم من جنس فعلتهم في الدنيا فكما كانوا ضلالا يسحبون فيها على وجوههم لا يدرون أين يذهبون، ويقال لهم تقريعا وتوبيخا: ذوقوا مس سقر ذكره ابن كثر

وقد يلتحق بأسلوب السبر والتقسيم فقد حصر تعالى أسباب عدم إيمانهم وسيرهم على طريق المكذبين في ثلاث
إما خيريتهم على السابقين أو براءتهم وخلاصهم قد وجد في الكتب أو النصر سيكون حليفهم
وأبطل ثلاثتهم بالاستفام الانكاري والإضراب عن القولين الأوليين ثم ذكره تعالى عن هزيمتهم بأن هذا هو عذابهم الي يستحقونه في الدنيا وليس هذا تمام عقوبتهم بل الساعة موعد عذابهم وهذا من طلائعه
________
المصادر والمراجع
تفسير الطبري
تفسير الواحدي
تفسير الزمخشري
تفسير ابن كثير
روح المعاني للآلوسي
التحرير والتنوير لابن عاشور
تفسير السعدي
الوسيط لسيد طنطاوي

رد مع اقتباس
  #9  
قديم 12 رمضان 1438هـ/6-06-2017م, 06:07 PM
منال انور محمود منال انور محمود غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المتابعة الذاتية
 
تاريخ التسجيل: Jan 2016
المشاركات: 168
افتراضي

التطبيق على أسلوب الحجاج
قُلْ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ هَادُوا إِن زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِيَاءُ لِلَّهِ مِن دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ (6)
هذه الآية الكريمة من سورة الجمعة جاءت لإبطال حجة أهل الكتاب بأنهم أولياء لله من دون الناس وقد جاءت نظائر لهذه الأية في إدعائاتهم المتكررة ومنها :
*زعمهم أنهم أبناء الله وأحبائه :
الدليل (وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَىٰ نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ ۚ).
زعمهم أنه لن يدخل الجنة إلا هم:
الدليل (وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى)
وذكر بن عطية في تفسيره روي أنها نزلت بسبب أن يهود المدينة لما ظهر رسول الله صل الله عليه وسلم خاطبوا يهود خيبر في أمره وقالوا ( إن رأيتم أتباعه أطعناكم وإن رأيتم خلافه خالفناه فجاء جواب أهل خيبر يقولون نحن أبناء إبراهيم خليل الرحمن وأبناء عزير بن الله ومنا الأنبياء ومتى كانت النبوة في العرب لا سبيل لنا لاتباعه فنزلت الأيه أنكم إن كنتم في تلك المنزلة فقربه وفراق هذه الحياة الحسية أحب أليكم

وفي الأية موضع بحثنا أبطل الله حجتهم من وجوه:
-منها: أنها جاءت بعد مثال عظيم ضربه الله سبحانه وتعالى في اليهود والنصارى الذين حملهم التوراة والإنجيل يتعلموا ويعملوا بما فيها فلم يحملوها ولم يعملوا بما فيها وأهمها الإيمان بالنبي الخاتم الموجود صفته وأخباره في كتبهم فشبههم بالحمار يحمل أسفارا .
- ومنها :أن الله سبحانه وتعالى أقام عليهم الحجة على علم ولكنهم أعطوا لأنفسهم أفضليه لمجرد أنهم أهل الكتاب فحملهم أياه دون علم أو عمل نفى عنهم زعمهم أنهم أولياء لله.
- ومنها : أن الله أمر نبيه صل الله وعليه وسلم أن يقول لهم لإبطال حجتهم (يا أيها الذين هادوا إن زعمتم أنكم أولياء لله من دون الناس فتمنوا الموت إن كنتم صادقين ) فأقام عليهم الحجة إن كان زعمهم صادقا فتمنوا الموت لتستريحوا من الكرب ومن هموم الدنيا وتصيروا الى الجنة فالولي يؤثر الآخرة ومبدئها الموت وذكر الإمام القرطبي أن هذه الآية معجزه للنبي صلى الله عليه وسلم وإخبار منه للغيب فقد قال صل الله عليه وسلم لما نزلت هذه الآية (والذي نفس محمد بيده لو تمنوا الموت ما بقي على ظهرها يهودي إلا مات )


-ومنها: أن بطلان قولهم أصبح آكدا في الأيه التالية ( ولن يتمنوه أبدا بما قدمت أيديهم ) من الكفر والمعاصي والتحريف والتبديل وكفرهم بالنبي وهم يعلمون صفته وأخباره .
وفي هذه لفتة مهمة وهى أن هذه الآية ليست المقصود المعذرة لهم ولكن تحديهم لإقامة الحجة عليهم.
- ومنها: أن الله سبحانه وتعالى أبطل حجتهم أنهم لن يتمنوه فما تمناه أحدا خوفا من الموت وثقة بصدق محمد صلى الله عليه وسلم لأنه روي أنه صلى الله عليه وسلم قال لهم (والذي نفسي بيده لا يقولها منكم أحدا إلا غص بريقه ) فلم يقولها أحدا علما منهم بصدقه .
المصادر :
جامع البيان فى تفسير القرءان للإمام الطبرى.
الجامع فى أحكام القرءان للقرطبي.
تفسير القرءان الكريم لإبن كثير.
تفسير الجلالين للسيوطى.
فتح القدير للشوكانى.
المحرر الوجيز لابن عطية.
التحرير والتنوير لابن عاشور.
أسأل الله أن يتقبل منا ومنكم.

رد مع اقتباس
  #10  
قديم 16 رمضان 1438هـ/10-06-2017م, 04:06 AM
حليمة محمد أحمد حليمة محمد أحمد غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المتابعة الذاتية
 
تاريخ التسجيل: Jan 2016
المشاركات: 248
افتراضي تطبيق 4 أسلوب الحجاج

أسلوب الحجاج

(...وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۖ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (7)) سورة الحشر

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلام والسلام على أشرف المرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن اتبع نهجه واستن بسنته إلى يوم الدين.
وردت هذه الآية الكريمة في سورة الحشر وفي مطلعها الحديث عن قسمة مال الفيء حيث قال جل وعلا:( مَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَىٰ فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنكُمْ ۚ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۖ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (7))
وشأن الفيء إن كان يدخل فيه معنى الآية دخولًا أوليًا إلا أن فيها أمرًا بالأخذ بكل ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم من الأوامر، ونهي عام عن كل ما نهى عنه صلى الله عليه وسلم
قال ابن كثير رحمه الله: "أي : مهما أمركم به فافعلوه ، ومهما نهاكم عنه فاجتنبوه ، فإنه إنما يأمر بخير وإنما ينهى عن شر "

وفي الآية الكريمة إثبات لحجية السنة ووجوب الأخذ بكل ما ورد فيها وبيان ذلك من وجوه:
- قوله :" وما آتاكم " "وما نهاكم" حيث أتى في الموضعين بالاسم الموصول الذي يدل على العموم .
- حذف متعلق الإيتاء والنهي ليشمل كل ما أمر به صلى الله عليه وسلم وكل ما نهى عنه.
- صيغة الأمر في الفعلين :"فخذوه" "فانتهوا" والأمر يقتضي الوجوب مالم تأت قرينة صارفة . وورود الأمر باتباعها دليل على حجيتها.
قال الإمام الطاهر ابن عاشور رحمه الله : "وهذه الآية جامعة للأمر باتباع ما يصدر من النبي صلى الله عليه وسلم من قول وفعل فيندرج فيها جميع أدلة السنة "
وقال العلامة السعدي رحمه الله:" وهذا شامل لأصول الدين وفروعه، ظاهره وباطنه، وأن ما جاء به الرسول يتعين على العباد الأخذ به واتباعه، ولا تحل مخالفته، وأن نص الرسول على حكم الشيء كنص الله تعالى، لا رخصة لأحد ولا عذر له في تركه، ولا يجوز تقديم قول أحد على قوله"

وفيها رد على من زعم عدم لزوم الأخذ بالسنة اكتفاءًا بالقرءان؛ لأن الله تعالى قال:( ونزلنا عليك الكتاب تبيانًا لكل شيء) وهذا زعم باطل واستدلال فاسد؛ إذ لا شك أن القرءان تبيان لكل شيء، ولكن ليس ذلك عن طريق التنصيص على كل حكم ومسألة بعينها فقط، وإنما يحصل كذلك بالإحالة والإرشاد إلى إطاعة الرسول صلى الله عليه وسلم في أمره ونهيه كما ورد ذلك في عشرات المواضع من كتاب الله عز وجل، فمن اتبع أمر الرسول صلى الله عليه وسلم فيما لم يرد نصه في القرءان الكريم فإنه يعتبر متبعا للقرءان قال الإمام الألوسي عليه رحمة الله :" وكون الكتاب تبيانا لذلك باعتبار أن فيه نصا على البعض وإحالة للبعض الآخر على السنة حيث أمر باتباع النبي صلى الله عليه وسلم، وقيل فيه: وما ينطق عن الهوى وحثا على الإجماع في قوله سبحانه: ويتبع غير سبيل المؤمنين الآية "

وقد وردت كثير من الآثار التي تدل على فهم الصحابة رضوان الله عليهم لهذا المعنى، ومن ذلك ما ورد في الصحيحين عن ابن مسعود:" نه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لعن الله الواشمات والمستوشمات " . الحديث . فبلغ ذلك امرأة من بني أسد يقال لها : أم يعقوب فجاءته فقالت : بلغني أنك لعنت كيت وكيت فقال لها : وما لي لا ألعن من لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في كتاب الله؟ فقالت : لقد قرأت ما بين اللوحين فما وجدت فيه ما تقول . فقال : لئن كنت قرأتيه لقد وجدتيه ، أما قرأتِ : { وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا } .

فإن قال قائل : أن المقصود بما ورد في هذه الآية ونظائرها من الأمر بطاعة الرسول أن المقصود به الكتاب الذي جاء به وهو القرءان، وأن المراد بالرسول الرسالة، وليس الشخص المرسل.
فالجواب :
أن السياقات التي وردت فيها تلك الآيات تأبى هذا المعنى، وتحكم بفساده فمثلا قوله تعالى:( من يطع الرسول فقد أطاع الله ومن تولى فما أرسلناك عليهم حفيظًا) حيث أتى بكاف الخطاب في قوله: "أرسلناك" فتعين أن المقصود هو الرسول لا الرسالة.
وهنا في قوله:(وما آتاكم الرسول فخذوه ...) قال في أولها :( :( مَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَىٰ فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ) فالآية في سياق قسمة الرسول صلى الله عليه وسلم للفيء فكيف يستقيم أن يقصد بلفظ الرسول الرسالة؟؟
ولذلك فإن الاقتصار على ما ورد في القرءان فيه مخالفة للقرءان نفسه، ومن جهة أخرى فإن فيه هدمًا لكثير من أصول الدين الثابتة كالصلوات الخمس والزكاة والحج إذ لم ترد تفاصيلها وكيفيتها إلا في السنة المطهرة.
ولذلك فقد أمر الله تعالى في ختام الآية بتقواه والحذر من مخالفة رسوله وأخبر أنه شديد العقاب لمن عصاه ورسوله صلى الله عليه وسلم.
وأما من يردُّ دلالة هذه الآية على حجية السنة باعتبار أنها في خصوص الفيء، فما أوردت سابقًا من دلالات العموم في الآية يرده، ولو سلمنا جدلًا بسقوط دلالتها لأجل ذلك ، فإنما هي دليل واحد في مقابل أدلة متكاثرة من النقل والعقل وإسقاط دليل واحد من مجموع الأدلة لا يلزم منه بطلان المدلول.

هذا والله أعلم وصلى الله وسلم على نبيه الأكرم وعلى آله وصحبه ومن بسنته التزم.



مصادر الرسالة:
- تفسير الطبري ت (310 هـ)
- تفسير ابن كثير ت ( 774هـ)
- تفسير الألوسي ت (1270)
- تفسير السعدي ت (1371 هـ)
- تفسير ابن عاشور ت ( 1394هـ)
- تثبيت حجية السنة أحمد السيد.

رد مع اقتباس
  #11  
قديم 16 رمضان 1438هـ/10-06-2017م, 05:35 AM
إيمان شريف إيمان شريف غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المتابعة الذاتية
 
تاريخ التسجيل: Aug 2015
المشاركات: 173
افتراضي رسالة تطبيقية تفسيرية على أسلوب الحجاج

رسالة تفسيرية في قوله تعالى : { وَإِذْ قَالَ عِيسَى ٱبْنُ مَرْيَمَ يٰبَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ ٱللَّهِ إِلَيْكُم مُّصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ ٱلتَّوْرَاةِ وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي ٱسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءَهُم بِٱلْبَيِّنَاتِ قَالُواْ هَـٰذَا سِحْرٌ مُّبِينٌ } * { وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ ٱفْتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ ٱلْكَذِبَ وَهُوَ يُدْعَىٰ إِلَى ٱلإِسْلاَمِ وَٱللَّهُ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلظَّالِمِينَ } الآيتان( 6&7) من سورة الصف.
بسم الله الرحمن الرحيم....
الحمد لله وكفى وسلام على عباده الذين اصطفى والصلاة والسلام على خير المرسلين المصطفى وعلى آله وصحبه أجمعين ....أما بعد..
في هاتين الآيتين الكريمتين اللتين وردتا في سورة الصف في سياق عتاب الله تعالى على المؤمنين بأنهم يقولوا مالا يفعلون وعتاب الرسل عليهم السلام على أقوامهم بتكذيبهم لما جاءوا به من البينات والحجج الواضحات والبراهين القاطعات علىأنهم رسل من رب الأرض والسماوات أرسلهم ليهدي بهم خلقه ويخرجهم من ظلمات الكفر والشرك والمعاصي إلى نور الإيمان واليقين والطاعات ، وقد احتج عيسى عليه في هاتين الآيتين على قومه بأبلغ الحجج وأظهر البراهين على أنه رسول الله إليهم جميعا مصدقا لما أرسله الله به من التوراة واحتج عليهم بأن محمد صلى الله عليه وسلم هو النبي الخاتم وهو ما بشرت به الكتب السماوية كلها ومنها التوراة والإنجيل ، ومن هذه الحجج:
- قول عيسى عليه السلام : { يٰبَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ ٱللَّهِ إِلَيْكُم } فمن أرسله الله رسولا من عنده فلايُمكن أن يكون إلا لدعوتهم لما هو خير لهم ونهيهم عن ما فيه شر لهم وهذا من لوازم حكمة الله تعالى وربوبيته فلم يخلق خلقه ثم يتركهم هملا لا يُؤمرون بما ينفعهم ولا يُنهون عما يضُرهم بل أرسل إليهم الرسل وأنزل عليهم الكتب وأيّد رسله بالآيات والبراهين الظاهرة .
- ومنها : أن ما جاء به من الدعوة إلى الدين الحق وتوحيد الله وترك عبادة من سواه هو مصداق لما معه من التوراة التي أخبرت وبشرت به ، ومصداق للشرائع السماوية كلها ؛ فلو كان مُدّعيا كاذبا لخالف ما جاءت به الرسل من قبله وذلك في قوله : { مُّصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ ٱلتَّوْرَاةِ }.
- ومن الحجج على أن النبي صلى الله عليه وسلم هو النبي الخاتم : هو بشارة عيسى عليه السلام به في قوله : { وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي ٱسْمُهُ أَحْمَدُ } وهو: محمد بن عبد الله بن عبد المطلب النبي الهاشمي ؛ وذلك لِما أخرجه مالك والبخاري ومسلم والدارمي والترمذي والنسائي عن جبير بن مطعم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن لي خمسة أسماء: أنا محمد وأنا أحمد، وأنا الحاشر الذي يحشر الناس على قدمي، وأنا الماحي الذي يمحو الله بي الكفر، وأنا العاقب، والعاقب الذي ليس بعده نبي ".
- ومن هذه الحجج أيضا : أن عيسى عليه السلام كالأنبياء، يصدق بالنبي السابق، ويبشر بالنبي اللاحق، بخلاف الكذابين، فإنهم يناقضون الأنبياء أشد مناقضة، ويخالفونهم في الأوصاف والأخلاق، والأمر والنهي كما ذكر ذلك السعدي رحمه الله.

- ومنها : أدلة نبوة النبي صلى الله عليه التي وردت في الحديث عن محمد بن إسحاق حدثني ثور بن يزيد عن خالد بن معدان عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهم قالوا يا رسول الله أخبرنا عن نفسك، قال " دعوة أبي إبراهيم، وبشرى عيسى، ورأت أمي حين حملت بي كأنه خرج منها نور أضاءت له قصور بصرى من أرض الشام " وهذا إسناد جيدوذكره ابن كثير في تفسيره ، ويُعضده حديث الإمام أحمد قال : حدثنا عبد الرحمن بن مهدي، حدثنا معاوية بن صالح عن سعيد بن سويد الكلبي عن عبد الأعلى بن هلال السلمي عن العرباض بن سارية قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إني عند الله لخاتم النبيين، وإن آدم لمنجدل في طينته، وسأنبئكم بأول ذلك دعوة أبي إبراهيم، وبشارة عيسى بي، ورؤيا أمي التي رأت، وكذلك أمهات النبيين يرين "
- ومنها : أدلة نبوته صلى الله عليه وسلم في القرآن وبشارة عيسى عليه السلام به وهو خاتم أنبياء بني إسرائيل، وقد أقام في ملأ بني إسرائيل مبشراً بمحمد، وهو أحمد خاتم الأنبياء والمرسلين، الذي لا رسالة بعده ولا نبوة ، ومنها : قوله تعالى : { ٱلَّذِينَ يَتَّبِعُونَ ٱلرَّسُولَ ٱلنَّبِىَّ ٱلأُمِّىَّ ٱلَّذِى يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِى ٱلتَّوْرَاةِ وَٱلإِنجِيلِ }
الأعراف 157 الآية، وقوله تعالى :
{ وَإِذْ أَخَذَ ٱللَّهُ مِيثَـٰقَ ٱلنَّبِيِّيْنَ لَمَآ ءَاتَيْتُكُم مِّن كِتَـٰبٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَآءَكُمْ رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ لِّمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ قَالَ ءَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَىٰ ذٰلِكُمْ إِصْرِى قَالُوۤاْ أَقْرَرْنَا قَالَ فَٱشْهَدُواْ وَأَنَاْ مَعَكُمْ مِّنَ ٱلشَّـٰهِدِينَ
} آل عمران 81 قال ابن عباس في تفسير هذه الآية الأخيرة وذكره عنه ابن كثير في تفسيره : "ما بعث الله نبياً إلا أخذ عليه العهد لئن بعث محمد، وهو حي، ليتبعنه، وأخذ عليه أن يأخذ على أمته لئن بعث محمد، وهم أحياء، ليتبعنه وينصرنه" .

- ومنها: قوله تعالى : { فَلَمَّا جاءَهُمْ بالبَيِّناتِ } وهي الدلالات والآيات الواضحات والمعجزات الباهرات التي آتاه الله حُججا على نبوته ، ويُحتمل أن المراد هنا { عيسى } ، وتكون الآية وما بعدها تمثيلاً بأولئك لهؤلاء المعاصرين لمحمد صلى الله عليه وسلم، ويحتمل أن يكون التمثيل قد فرغ عند قوله: { اسمه أحمد } قال بذلك ابن عطية في تفسيره ،
ولا منافاة بين القولين إذ الآية فيها احتجاج على نبوة عيسى عليه السلام وأيضا تصديقا وتبشيرا بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم.

- ومنها : عدم قدرتهم لإبطال الحجج الواضحه والآيات القاطعه بما يقبله العقل والمنطق فقالوا للحق مكذبين له { هَـٰذَا سِحْرٌ مُّبِينٌ }وفي قراءة جمهور الناس: " هذا ساحر " إشارة إلى ما جاء به، وقرأ ابن مسعود وطلحة والأعمش وابن وثاب: " هذا سحر " إشارة إليه بنفسه وكلاهما إبطال للحق الواضح بالسفاهة والحمق ، وهذا من أعجب العجائب، الرسول الذي قد وضحت رسالته، وصارت أَبْيَنَ من شمس النهار، يجعلوه ساحراً بَيِّناً سحره، فهل في الخذلان أعظم من هذا؟ وهل في الافتراء أعظم من هذا الافتراء، الذي نفى عنه ما كان معلوماً من رسالته، وأثبت له ما كان أبعد الناس منه؟ " السعدي"
- ومنها : قوله تعالى بعد هذه الآية : { وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ ٱفْتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ ٱلْكَذِبَ } فدل ذلك على كذبهم فيما ادعوه وافتراؤهم على الله الكذب وما لايليق به سبحانه ، وقوله تعالى: { ومن أظلم } تعجيب وتقرير أي لا أحد أظلم منه، و " افتراء الكذب " هو قولهم: { هذا سحر } ، وما جرى مجرى هذا من الأقوال التي هي اختلاق ، وفي " يدعى " قراءتين ذكرهما ابن عطية في تفسيره :
الأولى : قرأ الجمهور: " يُدعَى " على بناء الفعل للمفعول.
الثانية : وقرأ طلحة بن مصرف " يُدَّعي " بضم الياء وفتح الدال المشددة على ما لم يسم فاعله....بمعنى ينتمي وينتسب ومن ذلك قول الشاعر [ساعدة بن عجلان الهذلي]: [الكامل]
فرميت فوق ملاءة محبوكة
وأبنت للأشهاد حزة أدعي
وبالجمع بين القراءتين يتبين أنه لا أحد أشد ظلما وعدوانا ممن يفتري الكذب على الله، ويجعل له أنداداً وشركاء، وهو يدعى إلى التوحيد والإخلاص، ولهذا قال تعالى { وَٱللَّهُ لاَ يَهْدِى ٱلْقَوْمَ ٱلظَّـٰلِمِينَ} ، وأيضا لا أحد أظلم ممن يزعم أنه نبي ويدعي إلى الإسلام وهو مع ذلك مفتر على ربه .
ومنها : قوله تعالى عن هاؤلاء المفترين الكذب عليه وعلى أنبيائه: { وَٱللَّهُ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلظَّالِمِينَ } الذين لا يزالون على ظلمهم مستقيمين ولا يزجرهم بيان ولا برهان، خصوصاً هؤلاء الظلمة القائمين بمقابلة الحق ليردوه، ولينصروا الباطل.
نسأل الله تعالى أن يُرينا الحق حقا ويرزقنا اتباعه ويُرينا الباطل باطلا ويرزقنا اجتنابه وأن يردنا إليه ردا جميلا...
المصادر:
تفسير جامع البيان في تفسير القرآن/ الطبري (ت 310 هـ)
تفسير المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز/ ابن عطية (ت 546 هـ)
تفسير القرآن الكريم/ ابن كثير (ت 774 هـ)
تفسير الدر المنثور في التفسير بالمأثور/ السيوطي (ت 911 ه)
تفسير تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان/ عبد الرحمن بن ناصر بن السعدي (ت 1376هـ)

رد مع اقتباس
  #12  
قديم 3 شوال 1438هـ/27-06-2017م, 12:24 PM
عباز محمد عباز محمد غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المستوى السادس
 
تاريخ التسجيل: Jan 2016
الدولة: الجزائر
المشاركات: 309
افتراضي

بسم الله الرحمن الرحيم
رسالة تفسيرية في قوله تعالى:
{ وَإِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَىٰ عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُم مِّن دُونِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ * فَإِن لَّمْ تَفْعَلُوا وَلَن تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ}.

كثير من المشركين شكوا في صدق نبوة محمد صلى الله عليه و سلم، و شكوا في صدق ما جاء به عند سماعهم للقرآن و قالوا أنه كلام بشر و ليس بكلام رب البشر، فأراد الله تعالى أن يزيل شكهم، و أن يبطل زعمهم فقال سبحانه:{ وَإِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَىٰ عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُم مِّن دُونِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ * فَإِن لَّمْ تَفْعَلُوا وَلَن تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ}.
ففي هذه الآية المباركة حجج عدة على أن هذا القرآن هو من عند الله و ليس بقول البشر:

- قوله تعالى:{نزلنا} دليل على أنه منزل من عند الله تعالى لا من غيره، خاصة و أن هذه الآية جاءت عقب ذكر الحجج الدالة على وحدانية الله تعالى.

- قوله تعالى: {عبدنا} فوصفه بالعبودية يدل على أن النبي صلى الله عليه و سلم عبد مملوك متذلل لله تعالى وحده، فكيف ينبغي لعبد مملوك خاضع لنا أن يأتي بكلام مفترى من عنده، و لو على سبيل الفرض افترى و تقول علينا النبي محمد صلى الله عليه و سلم شيئا لأهلكناه بالقوة، قال تعالى:{ وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ * لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ * ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ}، و حاشاه صلى الله عليه و سلم أن يفتري على الله تعالى شيئا.

- { فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ} تفيد التعجيز، فأنتم أيها المشركون تعرفون صاحبكم أتم المعرفة، و تعرفون أنه أمي لا يكتب و لا يقرأ، و غير عارف بالشعر و بحوره، ثم زعمتم أنه كلام بشر، فإن كان الأمر كما تقولون و تزعمون فإن منكم من هو أفصح منه و أعلم منه، و أعرف منه بالشعر، و إن منكم من يجيد الكتابة و القراءة، فإذا: { فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ} أي: بأي سورة من سور القرآن و لو كانت من أقصرها.

- { فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ} فالقرآن قد نزل بلسان عربي كلسانكم يا كفار قريش، و هو كلام يشبه كلامكم، فكلفناكم و حاججناكم بأن تأتوا بكلام عربي يوافق إدراككم و يناسب فهمكم، بل أنتم أهل الصنعة و من أفصح العرب، و الله تعالى لم يكلفكم بأن تأتوا بكلام على غير لسانكم العربي، و لو حصل ذلك لقلتم: لا طاقة لنا و لكن لو تحديتنا بلساننا لتحديناك و لأتينا بما تنبهر به العقول.

- ثم إن كان الأمر كذلك فلا تكتفوا بأنفسكم لتأتوا بكلام مثل الذي يقول، بل { وَادْعُوا شُهَدَاءَكُم مِّن دُونِ اللَّهِ} فتحداهم الله تعالى حال تفرقهم و حال تجمعهم على السواء، أي: فاستعينوا على ذلك بمن شئتم من آلهتكم التي تدعون فينصرونكم، و بأقوام يمدونكم بيد العون فتجتمعون أيها الفصحاء البلغاء و تتعاونون أو ليشهدو لكم أنكم أتيتم بما يماثله في الحسن، و بلا أدنى شك فسوف تأتون بكلام أجود من كلام هذا البشري الأمي لكونكم أهل الفصاحة و الخطابة، و لكونه واحد و أنتم قد تظاهرتم عليه، و هذا على حسب زعمكم.

- {إن كنتم صادقين} الصدق ضد الكذب، و هذه الآية تثير الحماسة فيهم و تدفعهم دفعا إلى قبول التحدي و خاصة أن الكذب كان منبوذا و مذموما في الجاهلية. و زيادة على ذلك قد ادعيتم من قبل أنكم تقدرون على معارضته بالإتيان بمثل هذا القرآن، لقولهم في آية أخرى : {لو نشاء لقلنا مثل هذا} فإن كنتم صادقين في دعواكم فأثبتوا صدق دعواكم.

- {فَإِن لَّمْ تَفْعَلُوا} بأن تأتوا بمثل هذا القرآن فيما مضى رغم اجتماعكم و تعاونكم على الإتيان بمثله يا بلغاء العرب {وَلَن تَفْعَلُوا} بأن تأتوا ما يعارض هذا القرآن مستقبلا في أي وقت من الأوقات لأنه كلام رب البشر الذي لا نظير له و مثل له، فإن كان الأمر كذلك و عجزتم على الإتيان بمثل هذا القرآن فاستكبرتم و أصررتم على تكذيب نبينا {فَاتَّقُوا النَّارَ}.

- {وَلَن تَفْعَلُوا} إنْ عجز كفار قريش على الإتيان بسورة مثل هذا القرآن، فمن أتوا بعدهم أعجز من باب أولى، كيف لا و كفار قريش هم فرسان اللغة العربية و أمراء الفصاحة و البيان بين الأمم.

- {فَاتَّقُوا النَّارَ} فالله تعالى يخوف و يهدد بعد هذه الحجج و البراهين و بعد هذا التنزل معكم على أن هذا الكلام هو كلام رب العالمين و ليس بكلام البشر، فإن كفرتم به فالنار موعدكم.

فالحمد لله الذي أنزل الكتاب على عبده و لم يجعل له عوجا و الحمد لله الذي هدانا للإيمان بأن هذا القرآن هو كلام رب العالمين نزل به الروح الأمين على قلب نبينا محمد صلى الله عليه و سلم.

المراجع:
- معاني القرآن للفراء ت (207ه)
- جامع البيان في تأويل القرآن للطبري ت (310ه)
- تفسير ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي ت (327هـ)
- معالم التنزيل للبغوي ت ( 510هـ)
- الجامع لأحكام القرآن للقرطبي ت ( 671هـ)
- تفسير القرآن العظيم لابن كثير ت (774هـ)
- تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان للسعدي ( 1376 هـ)
- التحرير والتنوير لابن عاشور ت (1393هـ)

رد مع اقتباس
  #13  
قديم 10 شوال 1438هـ/4-07-2017م, 01:00 PM
أمل عبد الرحمن أمل عبد الرحمن غير متواجد حالياً
هيئة الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
المشاركات: 8,163
افتراضي

تقويم تطبيقات أسلوب الحجاج


أحسنتم، بارك الله فيكم وتقبل منكم.
الرسائل المكتوبة بأسلوب الحجاج قائمة على أصلين:
الأول: إيراد الشبه المراد إبطالها.
الثاني: بيان دلالات الآية على ردّ تلك الشبه، وتوظيف أدوات الحجاج التي اشتملت عليها الآية.
والخروج عن هذين الأصلين يغيّر من أسلوب الرسالة إلى نوع آخر من الأساليب.


1: إشراقة جيلي محمد د
بارك الله فيك ونفع بك.
- غلب اشتغالك بالتحرير العلمي على أسلوب الحجاج، والتحرير العلمي في أسلوب الحجاج مطلوب بالمقدار الذي يبين عن غرض الرسالة ومقصودها فقط دون التوسّع في تفصيلات لا تخدم موضوع الرسالة.
كما أنك بالغت في النسخ من التفاسير مما أثّر على حضور أسلوبك في الكتابة.
وأحيلك إلى رسالة الطالبة "رقية عبد البديع" فقد أجادت في بيان دلالات الآية على إبطال قول منكري البعث.

2: مها الحربي

بارك الله فيك وشكر جهدك.
- رسالتك جيّدة لكنها رسالة وعظية مقصودها التحذير من مصير فرعون وقومه وسلوك مذهبهم، أما رسائل الحجاج فمقصدها ردّ شبه المبطلين ومجادلة المعاندين بقصد إظهار الحقّ ودحض الباطل، والآيات موضوع الرسالة لا يظهر فيها شيء من المحاجّة.
لذا لابد من اختيار الآية موضوع الرسالة بعناية أولا، وأوصيك بمراجعة تطبيقات الزملاء للاستفادة منها في اختيار آية أخرى كموضوع للرسالة ومراجعة التنبيه المذكور في أول التقويم، وفقك الله.

3: فداء حسين أ+

أحسنت وأجدت بارك الله فيك ونفع بك.
- احرصي على بيان نوع الأداة المستعملة في الآيات ما أمكن فهي تزيد الرسالة حسنا، واعتني بمراجعة الرسالة لغويا قبل اعتمادها، مع العناية بتوسيع دائرة المصادر عموما، وفقك الله وسدّدك.

4: رقية عبد البديع أ+

أحسنت وأجدت بارك الله فيك ونفع بك.
- احرصي على توثيق الأحاديث والآثار، وبيان حكم الأحاديث ما أمكن، وفقك الله وسدّدك.

5: بيان الضعيان أ+
أحسنت وأجدت بارك الله فيك ونفع بك.

6:
فاطمة أحمد صابر أ+
أحسنت وأجدت بارك الله فيك ونفع بك.

7:
منال أنور ب
أحسنت بارك الله فيك ونفع بك.
- فاتتك الإشارة إلى بعض الدلالات والأدوات المهمّة في ردّ زعم اليهود الباطل، كدلالة استعمال وصف التهوّد، واستعمال فعل الزعم، واستعمال "إن" في قوله: {إن كنتم صادقين}، ووصفهم بالظلم مع توعّدهم على ما زعموه كما قال تعالى: {والله عليم بالظالمين}، فاحرصي على توظيف جميع مسائل الآية في الرسالة.
- تصحيح الآية الثانية: {ولا يتمنّونه}.

8: حليمة محمد أ+

أحسنت وأجدت بارك الله فيك ونفع بك.

9: إيمان شريف ب+
أحسنت بارك الله فيك ونفع بك.
- كلامك في إثبات نبوة محمد صلى الله عليه وسلم فيه تكرار، وفي قوله تعالى: {والله لا يهدي القوم الظالمين} تشنيع على هؤلاء القوم الذين ردّوا نبوّة عيسى عليه السلام بعدما تبيّنت لهم صحّتها.
- وأوصيك بالعناية بتفسيري ابن عاشور والشنقيطي في رسائل الحجاج على وجه الخصوص فهي نافعة جدا في هذا الباب، وفقك الله.

10: عباز محمد أ+
أحسنت وأجدت بارك الله فيك ونفع بك.
- فاتتك الإشارة إلى بعض الدلالات المهمّة، مثل دلالة استعمال "إن" في قوله: {وإن كنتم في ريب}، وقوله: {إن كنتم صادقين}، وقوله: {فإن لم تفعلوا}، وما يفيده قوله تعالى: {من دون الله}، واجتهد في التعريف بأدوات الحجاج التي اشتملت عليها الآية، وفقك الله وسدّدك.



رزقكم الله العلم النافع والعمل الصالح

رد مع اقتباس
  #14  
قديم 14 شوال 1438هـ/8-07-2017م, 01:59 AM
مها محمد مها محمد غير متواجد حالياً
طالبة علم
 
تاريخ التسجيل: Jan 2016
المشاركات: 251
افتراضي

بسم الله الرحمن الرحيم
رسالة في تفسير قوله تعالى: {وقالوا اتخذ الله ولدا سبحانه بل له ما في السموات والأرض كل له قانتون* بديع السموات والأرض وإذا قضى أمراً فإنما يقول له كن فيكون}
زعم اليهود والنصارى ومشركو العرب أن لله ولداً ، قالت النصارى المسيح ابن الله ، وقالت اليهود عزير ابن الله ، وقال مشركو العرب الملائكة بنات الله ، فأراد الله تعالى أن يبطل زعمهم فقال سبحانه:{وقالوا اتخذ الله ولداً سبحانه بل له ما في السموات والأرض كل له قانتون * بديع السموات والارض وإذا قضى أمراً فإنما يقول له كن فيكون} ففي هذه الآية حجج عدة على إبطال هذا الزعم وتلك الفرية ؛ التي إن دلت على شيء فهي تدل على عتو الإنسان وطغيانه وقد أبطل الله هذه الدعوى الكاذبة من وجوه.
الوجه الأول:فيقوله تعالى:{ وقالوا} ، الضمير المرفوع عائد على جميع الفرق الثلاث وهي اليهود والنصارى والذين لايعلمون (وهم مشركو العرب) كما في سياق الآيات السابقة لهذه الآية ، وفي هذا إشارة إلى ضلال آخر اتفقت فيه هذه الفرق الثلاث كما اتفقوا على ما قبلها من افتراءات.
الوجه الثاني: في قوله تعالى:{ اتخذ}، تعريضاً بالاستهزاء بهم بأن كلامهم لا يلتئم ؛ لأنهم اثبتوا ولداً لله ويقولون اتخذه الله ، والاتخاذ ينافي الولدية إذ الولدية تولد بدون صنع ، فإذا جاء الصنع جاءت العبودية لا محالة ، وهذا يسمى بفساد الوضع وهو أن يستنتج وجود الشيء من وجود ضده.
الوجه الثالث:في قوله تعالى: { سبحانه}، أي تعالى وتقدس وتنزه عن ذلك علواً كبيراً ، فإن تنزهه عن النقص يقتضي بأن يكون منزهاً عن اتخاذ الولد ؛ لأن اتخاذ الولد نقص بالنسبة إلى الله تعالى ، وإن كان كمالاً في حق المخلوق من حيث إنه يسد بعض نقائصه عند العجز والفقر ويسد مكانه عند الاضمحلال ، والله منزه عن جميع ذلك .
الوجه الرابع: في قوله تعالى : { بل له ما في السموات والأرض}، { بل }إضراب عن قولهم لإبطاله فليس الأمر كما افتروا وإنما له ملك السموات والأرض ومن فيهن ، والجملة مستأنفة ، واللام للملك ، و(ما في السموات والأرض ) أي كل ما هو موجود فيهما من مجموع العوالم العلوية والسفلية كلها مملوك لله تعالى ،والمملوك لايمكن أن يكون ولداً للمالك ، فالولد إنما يكون متولداً من شيئين متناسبين ، والولد لايكون إلا من جنس والده لأنه جزء منه، وهو تبارك وتعالى ليس له نظير ولا مشارك فكيف يكون له ولد ؛ فالله خالق وماسواه مخلوق فكيف يكون المخلوق ولداً للخالق ؟.
الوجه الخامس : في قوله تعالى : { بل له ما في السموات والأرض}، وعموم ملكه لكل شيء يستلزم استغناءه عن الولد ، كما قال تعالى { قالوا اتخذ الله ولداً سبحانه هو الغني}.
ومن لطائف التعبير القرآني أن {ما} من صيغ العموم وتغلب في غير العاقل والتعبير بها هنا يشمل العاقل وغير العاقل ، تنزيلاً للعقلاء في كونهم من صنع الله بمنزلة مساوية لغيرهم من بقية الموجودات تصغيراً لشأن كل موجود ، فالله خالق كل شيء وما سواه مخلوق مربوب له.

الوجه السادس:في قوله تعالى: { كل له قانتون} ، أي خاضعون ذليلون، وهذا يقتضي أن يكون كل العباد مربوبين لله تعالى عابدين له ؛ والعبد لا يكون ولداً لربه ؛ لأن الخضوع من شعار العبيد أما الولد فله إدلال على الوالد ، فكان إثبات القنوت كناية عن انتفاء الولدية بانتفاء لازمها.

الوجه السابع : في قوله تعالى{ بديع السموات والأرض} ، فهو سبحانه مبدع السموات والارض ، وخالقها من غير أصل ولا مثال احتذاها عليه ؛ والقادر على ذلك قادر على أن يخلق إنساناً بلا أب ، كما قال تعالى : ( لخلق السموات والأرض أكبر من خلق الناس).
الوجه الثامن: في قوله تعالى: { إذا قضى أمراً فإنما يقول له كن فيكون} ، فمن كانت هذه قدرته فلا يستحيل عليه شيء ، ولا يستحيل عليه أن يخلق المسيح بدون أب ، وفي هذا إبطال لقول النصارى ، ونبه الله بذلك على أنه خلق عيسى بكلمة كن فكان كما أمره ، قال تعالى: { إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون}.

فالحمد لله الذي هدانا للتوحيد ورزقنا "لا إله إلا الله "ونسأله أن يقبضنا عليها.

المراجع
-
جامع البيان في تأويل القرآن للطبري ت (310ه)
-
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي ت ( 671هـ)
-
تفسير القرآن العظيم لابن كثير ت (774هـ)
-
تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان للسعدي ( 1376 هـ).
-
التحرير والتنوير لابن عاشور ت (1393هـ).
--------

رد مع اقتباس
  #15  
قديم 18 شوال 1438هـ/12-07-2017م, 11:13 PM
أمل عبد الرحمن أمل عبد الرحمن غير متواجد حالياً
هيئة الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
المشاركات: 8,163
افتراضي

تابع تقويم تطبيقات أسلوب الحجاج


مها محمد أ+
أحسنت وأجدت، بارك الله فيك وزادك توفيقا.

رد مع اقتباس
  #16  
قديم 21 شوال 1438هـ/15-07-2017م, 09:49 PM
مها الحربي مها الحربي غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المتابعة الذاتية
 
تاريخ التسجيل: Mar 2014
الدولة: بلاد الحرمين
المشاركات: 461
افتراضي

تفسير قوله تعالى: (وَقَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ (116))سورة البقرة


الحمدلله رب العالمين ،والصلاة والسلام على الهادي الأمين محمد وآله وصحبه أجمعين ، وبعد ،
في هذه الآية رد على من زعم من اليهود والنصارى والمشركين أن لله ولد، قال تعالى : (وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ۖ ذَٰلِكَ قَوْلُهُم بِأَفْوَاهِهِمْ ۖ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن قَبْلُ ۚ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ ۚ أَنَّىٰ يُؤْفَكُونَ (30))سورة التوبة


قال تعالى :{وقالوا اتّخذ اللّه ولدًا}:
قالت اليهود والنصارى والمشركين أن لله ولد ، والولد لايكون إلا لمن يحتاج له من معاونة و مؤازه فيدل على النقص، فسبحان الله المنزه عن النقائص والمعايب ،له صفات الجلال والكمال الكل فقير محتاج له وهو الغني عن الكل ،قال تعالى :( يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ ۖ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (15))سورة فاطر ، فرد الله عليهم إفتراءهم وكذبهم نافيا ماقالوا .
فقال تعالى (سبحانه )أي :تنزه الله عما قالوا من أفتراءات وأكاذيب ،وتقدس وتعالى عن ذلك علوا كبيرا ،فسبحان من له صفات الكمال والجلال


قال تعالى : (بل له ما في السّموات والأرض):
ليس الأمر كاما قالوا بل لله مافي السماوات والأرض من الممالك والمخلوقات ، فهو المتصرف فيها وحده ، ومن زعمتم أنه الولد لله فلايكون إلا في واحد منهما إما الأرض و إما السماء ،وهو واحد من هذه المخلوقات وفيه أثر الصنعة وهو محتاج لله فقير له ،فكيف يكون الذي زعمتم أنه ولد لله ؟؟


قال تعالى : (كل له قانتون ):
(كل) تفيد الإحاطة ،أي جميع من في السماوات والأرض ومنهم المسيح مقرون أنه هو الخالق والمالك والمدبروأن لاأحد يستحق العبودية إلا هو ، فكيف يكون له من هذه المخلوقات المربوبة ولد ؟
ذكر الطبري معنى القنوت :
القنوت في كلام العرب معانٍ: أحدها الطّاعة، والآخر القيام، والثّالث الكفّ عن الكلام والإمساك عنه.
وأولى معاني القنوت في قوله: {كلٌّ له قانتون} الطّاعة والإقرار للّه عزّ وجلّ بالعبوديّة بشهادة أجسامهم بما فيها من آثار الصّنعة، والدّلالة على وحدانيّة اللّه عزّ وجلّ، وأنّ اللّه تعالى ذكره بارئها وخالقها.

فخلاصة القول كما ذكره ابن عطية : (أن المخلوقات كلها تقنت لله أي تخضع وتطيع، والكفار والجمادات قنوتهم في ظهور الصنعة عليهم وفيهم، وقيل: الكافر يسجد ظله وهو كاره)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المراجع :
ابن حجر العسقلاني
ابن جرير الطبري
ابن عطية الأندلسي
ابن كثير
السعدي

رد مع اقتباس
  #17  
قديم 27 شوال 1438هـ/21-07-2017م, 07:18 PM
هدى محمد صبري عبد العزيز هدى محمد صبري عبد العزيز غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المتابعة الذاتية
 
تاريخ التسجيل: Jan 2016
المشاركات: 164
افتراضي تطبيق اسلوب الحجاج

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله
سورة النبأ من 27-30
قال تعالى : ( إنهم كانوا لا يرجون حسابًا – وكذبوا بآياتنا كذابًا – وكل شىءٍ أحصيناه كتابًا – فذوقوا فلن نزيدكم إلا عذابًا )
(إنهم كانوا لا يرجون حسابا )
الشبهة الأولى : أن المشركين أنكروا وجود البعث والجزاء والحساب وأن ثم دار آخرة بعد الموت يجازى الله سبحانه فيها العباد وفق أعمالهم إن خيرا فخير وإن شرا فشر وأهملوا العمل لهذه الدار لأنهم لا يعتقدون بها و لا يخافون محاسبة الله إياهم في الآخرة على نعمه عليهم، وإحسانه إليهم، وسوء شكرهم له على ذلك.
- والجملة تعليل لجملة (إن جهنم كانت مرصادا إلى قوله جزاءا وفاقا )
- وضمير إن عائد إلى الطاغين
- وفعل كانوا دل على انتفاء رجائهم الحساب وتمكن هذا الوصف من نفوسهم
- وجىء فعل يرجون مضارعًا ليدل على و ذلك لانهم كلما أعيد لهم ذكر يوم الحساب جددوا إنكارهم وجددوا شبهتهم على نفى إمكانه .
(وكذبوا بآياتنا كذابا )
والشبهة الثانية : أن هؤلاء الطغاة كذبوا بآيات الله تكذيبا عظيما
- والآيات :
قيل : أنها حجج الله ودلائله على خلقه التى أنزلها على أنبيائه وما أنزل الله من الكتب .
وقيل : آيات القرءان وما اشتملت عليع من دلائل الوحدانية ورسالة محمد صلى الله عليه وسلم وكل ما جاء به .
- وكذابا مفعول مطلق مؤكد لعامله يفيد شدة التكذيب والمعاندة .
- وجاء فعل كذبوا فى الماضى دليل على إستقراره فى نفوسهم وعدم ترددهم فيه .
وردالله تعالى على المشركين بعد انكارهم البعث والجزاء وتكذيبهم بآيات الله وأبطل حجتهم فقال :
(وكل شىء أحصيناه كتابًا )
جملة إعتراضية بين الآيتين وفائدة الاعتراض المبادرة بإعلامهم أن الله لا يخفى عليه شىء من أعمالهم فلا يدع شيئا من سيئاتهم إلا يحاسبهم عليه ولو كان مثقال ذرة .
قال تعالى : { وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا }
- والإِحصاء للشئ : ضبطه ضبطا محكما . وأصله من لفظ الحصا واستعمل فيه لأنهم كانوا يعتمدون على الحصا فى العد كما يعتمد بعض الناس الآن على الأصابع.
- والمراد ب( أحصيناه كتابا ): أثبتناه وكتبناه.
وقيل : أراد به العلم , فإن ما كتب كان أبعد من النسيان .
وقيل : أي كتبناه في اللوح المحفوظ لتعرفه الملائكة .
وقيل : أراد ما كتب على العباد من أعمالهم . قال تعالى : " وإن عليكم لحافظين كراما كاتبين ". وَقَوْلِهِ: (مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ)
- لفظ كتابا : مصدر منصوبمفعولا مطلقا كناية عن شدة الضبط لأن الامور المكتوبة مصونة عن النسيان والإغفال . قال تعالى: (أَحْصَاهُ اللَّهُ وَنَسُوهُ)
وهذه الاية أعظم رد على المشركين بأن هناك بعث وحساب وجزاء وأكبر دليل على قدرته تعالى وسعة علمه وأنه لايفوته شىء قط ويعلم الجزئيات علمه بالكليات وأنه سيحاسبهم على أعمالهم إن خيرا فخير وإن شرا فشر ولا يظلم ربك أحدا
قال تعالى : ( فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ )

وتأكيدا للرد على المشركين فى أن ثَمَّ يوما للحساب والجزاء وترهيباً للمشركين لما سيلاقونه يوم القيامة قال تعالى:
(فذوقوا فلن نزيدكم إلا عذابًا )
سيقال لهم يوم القيامة على سبيل الإِذلال والإِهانة والتوبيخ والتقريع : ذوقوا سوء عاقبة كفركم وعصيانكم فلن نزيدكم إلا عذابا فوق العذاب الذى أنتم فيه .
- والفاء فى قوله( فَذُوقُواْ )للتفريع على ما تقدم من كون جهنم كانت مرصادا للطاغين مآبا أى : إن جهنم كانت معدة ومهيأة لهؤلاء الطغاة بسبب أعمالهم القبيحة

- الفاء فى قوله (فلن نزيدكم إلا عذابا ) للتفريع على فذوقوا ما يزيد تنكيدهم وحسرتهم بإعلامهم أن الله سيزيدهم عذابا فوق ما هم فيه .


- الزيادة المنفية فى (فلن نزيدكم ):
يجوز أن تكون الزيادة نوع آخر من العذاب كقوله تعالى (زدناهم عذابا فوق العذاب )
ويجوز أن تكون الزيادة بتكريره فى المستقبل

- لن :حرف تأبييد وتأكيد للنفى أى تأكييد للعذاب .
- معنى جملة الاستثناء :الخلود فى العذاب وقطع أى مطمع للكافرين فما يزيدهم إلا حزنا فوق حزن وغما فوق غم وهذا ايضًا نوعا من العذاب .

وهذه أشد آية نزلت فى شأن أهل النارفهم فى مزيد من العذاب أبدًا - قال أبو برزة : سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن أشد آية في القرآن ؟ فقال : قوله تعالى : " فذوقوا فلن نزيدكم إلا عذابا " أي " كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها " [ النساء : 56 ] و " كلما خبت زدناهم سعيرا " [ الإسراء : 97 ]

نسأل الله عزوجل النجاة من النار .
_____________________________________________

رد مع اقتباس
  #18  
قديم 27 شوال 1438هـ/21-07-2017م, 07:20 PM
هدى محمد صبري عبد العزيز هدى محمد صبري عبد العزيز غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المتابعة الذاتية
 
تاريخ التسجيل: Jan 2016
المشاركات: 164
افتراضي

تابع تطبيق أسلوب الحجاج
المراجع :
- تفسير الطبرى
- تفسير القرطبى
- تفسير البغوى
- تفسير بن كثير
- تفسير السعدى
- الوسيط لطنطاوى
- التحرير والتنوير لابن عاشور
- أضواء البيان للشنقيطى
______________________________

- تم بفضل الله

رد مع اقتباس
  #19  
قديم 14 ذو القعدة 1438هـ/6-08-2017م, 02:54 PM
أمل عبد الرحمن أمل عبد الرحمن غير متواجد حالياً
هيئة الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
المشاركات: 8,163
افتراضي

تابع تقويم تطبيقات أسلوب الحجاج


مها الحربي ب+
أحسنت بارك الله فيك ونفع بك.
واجتهدي في تسمية أدوات الحجاج التي اشتملت عليها الآية، مع توسيع دائرة مصادرك، وفقك الله.

هدى محمد صبري
بارك الله فيك ونفع بك.
وأثني على مجهودك في الرسالة، لكن ما ذكرتيه لا يعتبر شبها، ولا الردّ عليهم كان إبطالا للشبه، بل ذكر إنكارهم البعث وتكذيبهم بالآيات إنما هو تعليل لاستحقاقهم العذاب في قوله تعالى قبلها: {إن جهنم كانت مرصادا} الآيات، وقوله تعالى: {وكل شيء أحصيناه كتابا} فيه وعيد وتهديد بمحاسبتهم على ما قدّموه.
فأرجو اختيار آيات أخرى، وإعادة التطبيق، مع التثبّت جيدا من ظهور أسلوب الحجاج في الآيات المختارة.
وفقك الله.



رد مع اقتباس
  #20  
قديم 13 ذو الحجة 1438هـ/4-09-2017م, 06:14 PM
الصورة الرمزية محمد عبد الرازق جمعة
محمد عبد الرازق جمعة محمد عبد الرازق جمعة غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المتابعة الذاتية
 
تاريخ التسجيل: Jan 2016
المشاركات: 510
افتراضي

بسم الله الرحمن الرحيم


تطبيق على أسلوب الحجاج

تفسير من سورة المنافقون من بداية السورة من قوله تعالى: (إذا جاءك المنافقون قالوا نشهد إنك لرسول الله والله يعلم إنك لرسوله والله يشهد إن المنافقين لكاذبون) ....... إلى قوله تعالى ....... (يقولون لإن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين ولكن المنافقين لا يعلمون).

· في هذه الآيات من سورة المنافقون يبين المولى تبارك وتعالى مجموعة من أوصاف المنافقين وللفهم الصحيح لمراده تعالى لهذه الآيات يجب علينا معرفة السبب وراء نزول هذه الآيات.

· جاء في تفسير القرطبي روى البخاري عن زيد بن أرقم قال: كنت مع عمي فسمعت أبي بن سلول يقول: لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضوا, وقال: لإن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل, فذكرت ذلك لعمى فذكر عمي لرسول الله صلى الله عليه وسلم, فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عبد الله بن أبي بن سلول وأصحابه فحلفوا ما قالوا, فصدقهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وكذبني. فأصابني هم لم يصيبني مثله فجلست في بيتي فأنذل الله عز وجل: (إذا جاءك المنافقون) إلى قوله: (هم اللذين يقولون لا تنفقوا على من عند رسول الله) إلى قوله: (ليخرجن الأعز منها الأذل). فأرسل إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم, ثم قال: (إن الله قد صدقك).

· ومن خلال معرفتنا لسبب نزول الآيات نجد أنه لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة وكثر المسلمون في المدينة وأعتز الإسلام بها صار أناس من أهلها من الأوس والخزرج يظهرون الإيمان ويبطنون الكفر ليبقى جاههم وتحقن دماؤهم وتسلم أموالهم فذكر الله من أوصافهم ما به يعرفون لكي يحذر العباد منهم ويكونوا منهم على بصيرة.

· وهذه الآيات أنزلها الله لفضح المنافقين وعلى رأسهم رأس النفاق عبد الله بن أبي بن سلول وقد سرد الله تعالى في هذه الآيات مجموعة من علامات النفاق وبين كذبها وبين لرسوله صلى الله عليه وسلم كيف أن هؤلاء ومن على شاكلتهم لن يستفيد الإسلام منهم بل سيكونون سببا في ضعف المسلمين وسيكونون عونا للأعداء عليهم. والمقصود العام من هذه الآيات هو إعلام النبي صلى الله عليه وسلم وإعلام المسلمين بطائفة مبهمة شأنهم النفاق ليتوسموهم ويختبروا أحوالهم وقد يتلقى النبي صلى الله عليه وسلم بطريقة الوحي تعيينهم أو تعيين بعضهم.

· وفيما يلي سرد لما وصفهم الله به من علامات يعرفون بها وسرد لحقيقتهم التي يعلمها الله وأراد أن يعلمها رسوله صلى الله عليه وسلم ومن معه من المسلمين:

1. كما جاء في الآية الأولى: والحديث موجه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول الله تعالى لرسوله إذا حضروا عندك وأظهروا لك ذلك (الإسلام) فاعلم أنهم كاذبون لأنهم لا يعتقدون صحة ما يقولون ولا صدقه. فكما أن الله شهد لرسوله صلى الله عليه وسلم بالرسالة شهد أيضا له بكذب هؤلاء المنافقين فهو وحده الذي يرى ما في قلوبهم.

2. وفي الآية الثانية: يزيد الله في فضحهم وبيان حقيقتهم التي كانوا يخفونها فقال لرسوله صلى الله عليه وسلم أنهم يستخدمون الحلف والأيمان وقاية وترسا يتترسون به وبذلك صدوا غيرهم ممن لا يعلمون بحالهم عن سبيل الله حيث أظهروا الإيمان وأبطنوا الكفر وأقسموا على ذلك. ويقول القرطبي: إنهم ساء ما كانوا يعملون أي: بئست أعمالهم الخبيثة من نفاقهم وأيمانهم الكاذبة وصدهم عن سبيل الله.

3. وفي الآية الثالثة: يوضح لنا صاحب الكشاف ما كان عليه المنافقون في مراحلهم الثلاثة:
a) آمنوا: أي نطقوا بكلمة الشهادة وفعلوا كما يفعل من يدخل في الإسلام
b) ثم كفروا: أي ثم ظهر كفرهم بعد ذلك وتبين بما أطلع الله عليه المؤمنين.
c) فطبع على قلوبهم: أي ختم الله عليهم بالكفر نتيجة إصرارهم عليه فصاروا بحيث لا يصل إليهم الإيمان.
وكانت النتيجة النهائية لهذه المراحل التي مر بها المنافقون أنه لن يصل إلى قلوبهم هدى ولا يخلص إليها خير فلا تعي ولا تهتدي. وبسبب انتفاء إدراكهم الحقائق النظرية فلن يدركوا دلائل الإيمان حتى يعلموا حقيقتها.

4. وفي الآية الرابعة: يبين الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم حقيقة صورهم التي هم عليها ولكن على خلاف حقيقتهم التي يعلمها الله فيقول لرسوله صلى الله عليه وسلم أن هؤلاء المنافقين إذا رأيتهم تعجبك أجسامهم لاستواء خلقها وحسن صورها وإن يتكلموا تسمع كلامهم لأن منطقهم يشبه منطق الناس ولكنهم يا محمد كالخشب المسندة لا خير فيها فلا فقه ولا علم لأنهم صور بلا أحلام وأشباح بلا عقول وهؤلاء المنافقون وهذه حال عقولهم فهم دائما على وجل أن ينزل الله فيهم أمرا يهتك به أستارهم ويفضحهم فيبيح للمؤمنين قتلهم وسبي ذراريهم وأخذ أموالهم فهم من خوفهم من ذلك كلما نزل بهم من الله وحي على رسوله ظنوا أنه نزل بهلاكهم. ثم يحذر الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم من هؤلاء المنافقين بأنهم هم العدو فإن ألسنتهم إذا لقوكم معكم وقلوبهم عليكم مع أعدائكم فهم عين لأعدائكم عليكم. ثم يبين الله تعالى جزائهم بأنهم أخزاهم الله حيث صرفوا وجوههم عن الحق فطبع على قلوبهم فلن يهتدوا أبدا.

5. وفي الآية الخامسة: يذكر الله لنا في هذه الآية علامة من أكثر علامات المنافقين وضوحا وفضحا لحالهم أمام المسلمين فهؤلاء المنافقين لما أخطأوا في حق النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمين وما حدث منهم في غزوة أحد فلما عرض أحد الأنصار عليهم أن يذهبوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يستغفر لهم فكان ردهم الرفض وقالوا لا نبتغي أن يستغفر لنا ولووا رؤوسهم إعراضا وتكبرا عما دعوا إليه من استغفار رسول الله صلى الله عليه وسلم لهم.

6. وفي الآية السادسة: يضع الله تعالى نهاية قاطعة في حق هؤلاء المنافقين أنهم حتى لو كانوا قبلوا ما عرض عليهم من استغفار النبي صلى الله عليه وسلم لهم أنه سيكون حالهم سواء عند الله فلن يصفح الله لهم عن ذنوبهم بل يعاقبهم عليها لأن الله لا يوفق للإيمان القوم الكاذبين عليه الكافرين به الخارجين عن طاعته. وفي ذلك نهاية لمحاولات النبي صلى الله عليه وسلم أن ينقذهم من النار فعن بن عباس رضي الله عنه قال: نزلت هذه الآية بعد الآية التي في سورة التوبة (إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم) فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: زيادة على سبعين مرة, فأنزل الله (سواء عليهم أستغفرت لهم أم لم تستغفر لهم لن يغفر الله لهم).

7. وفي الآية السابعة: يبين المولى تبارك وتعالى كم هم منافقون ولم يدخل الإيمان في قلوبهم فيظهر الله مدى جهلهم وحقدهم على الإسلام والمسلمين فظنوا أنه لولا أموالهم ونفقاتهم على من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم لما اجتمعوا في نصرة دين الله ويبين الله تعالى مدى عجب هذا القول وأنه لما صدر, صدر من هؤلاء المنافقين اللذين هم أحرص الناس على خزلان الدين وأذية المسلمين وبين الله كم أن هذه الدعوى لا تروج إلا على من لا علم له بحقائق الأمور ولذا كان الرد عليهم بقوة كذب دعواهم فقال لهم الله أنه لا يعطي أحد أحدا شيئا إلا بإذنه ولا يمنعه إلا بمشيئته ولكن هؤلاء المنافقين ومن على شاكلتهم لا يفقهون أنه تعالى إذا أراد شيئا يقول له كن فيكون.

8. وفي الآية الثامنة: في هذه الآية فضح الله رأس النفاق عبد الله بن أبي بن سلول فهو صاحب هذه المقولة (لإن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل) وذكر ذلك بن كثير في تفسيره. وقال القرطبي في تفسيره أنه قد قيل أن أبي بن سلول لما قال: ليخرجن الأعز منها الأذل ورجع إلى المدينة لم يلبث إلا أياما يسيرة حتى مات. وروي أن عبد الله بن عبد الله بن أبي بن سلول قال لأبيه: والذي لا إله إلا هو لا تدخل المدينة حتى تقول: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الأعز وأنا الأذل, فقاله. توهموا بأن العزة بكثرة الأتباع والأموال فبين الله لهم أن العزة والمنعة والقوة لله ولكن هؤلاء المنافقين وأمثالهم من المشركين لا يعلمون ذلك لأنهم لم يؤمنوا بالله حق الإيمان ولم يعرفوا عن ربهم وقوته وعظمته ومنعته ولكن مرض قلوبهم وتسلط الشياطين عليهم هو ما كان يقودهم في ذلك.

المراجع :
جامع البيان في تأويل القرآن للطبري ت (310هـ)
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي ت ( 671هـ)
تفسير الطنطاوي ت (2010م)
تفسير القرآن العظيم لابن كثير ت (774هـ)
تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان للسعدي ( 1376 هـ)
تفسير التحرير والتنوير لمحمد الطاهر بن عاشور (1973 م)
زبدة التفاسير للأشقر (1430 هـ)

رد مع اقتباس
  #21  
قديم 14 ذو الحجة 1438هـ/5-09-2017م, 08:47 AM
هدى محمد صبري عبد العزيز هدى محمد صبري عبد العزيز غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المتابعة الذاتية
 
تاريخ التسجيل: Jan 2016
المشاركات: 164
افتراضي تطبيق أسلوب الحجاج

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله :


(وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَىٰ نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ ۚ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُم بِذُنُوبِكُم ۖ بَلْ أَنتُم بَشَرٌ مِّمَّنْ خَلَقَ ۚ يَغْفِرُ لِمَن يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَن يَشَاءُ ۚ وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا ۖ وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ)
الآية الكريمة رقم 19 من سورة المائدة و تظهر فيها شبهتان إشترك فيها كلا من اليهود والنصارى وهما :
الشبهة الأولى : زعمهم أنهم أبناء الله عزوجل
الشبهة الثانية : أنهم أحباؤه
وكلتا الشبهتين أقاويل فاسدة ودعاوى باطلة
**= فقد زعم كلا من اليهود والنصارى أنهم أبناء الله والمراد بالأبناء حسب زعمهم :
- المقربون أى أنهم مقربون عند الله تعالى قرب الاولاد من والدهم .
- الخاصة .
- اشياع وأتباع من وصف بالنبوة أى إدعت اليهود أنهم أشياع ابنه عزير وادعت النصارى أنهم أشياع ابنه عيسى والمعنى تشبيها لانفسهم بالابناء فى قرب المنزلة كما يقول أتباع الملك أنهم ملوك .

- وقيل الكلام على حذف المضاف . أي : نحن أبناء أنبياء الله - تعالى - وهو خلاف الظاهر
والخلاصة : أن كلا الفريقين يزعم أن له فضلا ومزية على سائر الخلق كما زعم اليهود أنهم شعب الله والمختار وزعمت النصارى أنهم على الحق وغيرهم على الباطل .
والذى حملهم على هذا القول هو الجهل بما تشتمل عليه كتبهم وتحريفهم لها وتخبطهم فى طريق الضلال والجهل .
= أحباؤه : جمع حبيب .
= وعطف أبناؤه على أحباؤه للإشارة على الغلو فى الجهل والغرور حيث قصدوا انهم ابناء محبوبون وليس أبناء مغضوب عليهم من أبيهم بل هم محل رضاه وإكرامه .
وقد روى محمد بن إسحاق بن أبي حاتم وابن جرير عن ابن عباس قال : أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم جماعة من اليهود فكلموه وكلمهم ودعاهم إلى الله - تعالى - وحذرهم نقمته فقالوا : ما تخوفنا يا محمد؟ نحن أبناء الله وأحباؤه كقول النصارى؛ فأنزل الله - تعالى – فيه هذه الآية وأمر النبى صلى الله عليه وسلم أن يرد عليهم بما يخرص ألسنتهم ويبطل دعواهم .
والرد على هاتين الشبهتين كان فى قوله تعالى :
(قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُم بِذُنُوبِكُم ۖ بَلْ أَنتُم بَشَرٌ مِّمَّنْ خَلَقَ ۚ يَغْفِرُ لِمَن يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَن يَشَاءُ ۚ وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا ۖ وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ)
ويتضمن الرد عدة أوجه منها :
الوجه الأول : قوله تعالى (فلم يعذبكم بذنوبكم )
الفاء فى قوله تعالى (فلم يعذبكم بذنوبكم ) للإفصاح عن جواب شرط مقدر أى قل لهم يا محمد فلأى شىء يعذبكم والحبيب لا يعذب حبيبه
وواقعهم يناقض دعواهم فقد عذبهم الله تعالى فى الدنيا بسبب ذنوبهم بالقتل والأسر والمسخ وتهييج العداوة والبغضاء بينهم إلى يوم القيامة وفى الآخرة سيجازى الله تعالى كلا حسب عمله وقد أقر اليهود بأن العذاب سيقع بهم عندما قالوا (لن تمسنا النار إلا أياما معدودات )كما أقرت النصارى أنهم مجازون وهذا الإقرار منهم دليل على كذبهم وأنهم ليس أبناؤه ولا أحباؤه لأن الحبيب لا يعذب حبيبه .
الوجه الثانى : قوله تعالى (بل أنتم بشر ممن خلق )
دليل على أنهم مجرد بشر مملوكون لله تعالى جزء من بعض خلقه مساوون لغيرهم فى البشرية وبذلك امتنع البنوة والأبوة وبين الله تعالى كذبهم .

الوجه الثالث : قوله تعالى (يَغْفِرُ لِمَن يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَن يَشَاءُ ۚ وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا ۖ وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ)
تأكيد على قدرة الله تعالى وإرادته وهيمنته على خلقه فهو وحده الخالق الرازق الماللك المتصرف المجازى كلا بعمله يغفر للمؤمنين ويعذب الضالين المنحرفين عن طريق الحق لا فضل لأحد على أحد تجرى على الجميع أحكام عدله وفضله سبحانه .
وفى كل ما سبق بيان لرد دعواهم الباطلة وتكذيبهم فيما زعموا وأن الله عزوجل حى صمد - لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد - تعالى الله عما يصفون .


المراجع :
تفسير الطبرى
تفسير بن كثير
تفسير البغوى
تفسير السعدى
الوسيط لطنطاوى
التحرير والتنوير لابن عاشور
__________________________________

رد مع اقتباس
  #22  
قديم 15 ذو الحجة 1438هـ/6-09-2017م, 09:48 PM
زينب الجريدي زينب الجريدي غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المستوى الرابع
 
تاريخ التسجيل: Sep 2015
المشاركات: 188
افتراضي

أسلوب الحجاج

{ أَمْ خُلِقُواْ مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ ٱلْخَالِقُونَ } { أَمْ خَلَقُواْ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضَ بَل لاَّ يُوقِنُونَ } { أَمْ عِندَهُمْ خَزَآئِنُ رَبِّكَ أَمْ هُمُ ٱلْمُصَيْطِرُونَ } { أَمْ لَهُمْ سُلَّمٌ يَسْتَمِعُونَ فِيهِ فَلْيَأْتِ مُسْتَمِعُهُم بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ } { أَمْ لَهُ ٱلْبَنَاتُ وَلَكُمُ ٱلْبَنُونَ } { أَمْ تَسْأَلُهُمْ أَجْراً فَهُم مِّن مَّغْرَمٍ مُّثْقَلُونَ } { أَمْ عِندَهُمُ ٱلْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ } { أَمْ يُرِيدُونَ كَيْداً فَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ هُمُ ٱلْمَكِيدُونَ } { أَمْ لَهُمْ إِلَـٰهٌ غَيْرُ ٱللَّهِ سُبْحَانَ ٱللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ }

بسم الله و الصلاة و السلام على أشرف خلق الله نبينا محمد و على أصحابه و أهله الطيبين، أما بعد فهذه آيات كريمة من سورة الطور و فيها حجج دامغة قوية من الله تعالى يلقنها لرسوله صلى الله عليه و سلم للرد على المشركين فيذكر له باطلهم ثم يدمغه بالحق بأحسن الطرق الواضحة التي لا يستطيعون الاعتراض عنها؛
الحجة الأولى:
*أَمْ خُلِقُواْ مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ: فيها قولين أي هل خلقوا من غير خالق أم هل خلقوا هملا هكذا بدون حساب و لا عذاب
*أَمْ هُمُ ٱلْخَالِقُونَ: أم خلقوا أنفسهم
و هذا محال، فلا يمكن لشيء أن يخلق بدون خالق فهذا لا يستقيم مع نظام الكون لأن لكل شيء خالق، و ليس من الحكمة أن يخلق الإنسان بدون حساب فهذا طعن في العدل الإلاهي، و لا يمكن للعبد أن يخلق نفسه إذ الواجد يجب أن يخلق قبل الموجود.

الحجة الثانية:
*أَمْ خَلَقُواْ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضَ: طبعا لا لأنهم عاجزون على أدنى من ذلك، فهم يعجزون عن خلق ذبابة فما بالك بالخلق العظيم الذي هو السماوات و الأرضين.
*بَل لاَّ يُوقِنُونَ: أي هم يعلمون أن الله هو من خلقهم و خلق السماوات و الأرض -و الدليل قوله تعالى:"و لئن سألتهم من خلق السماوات و الأرض ليقولن الله"-و لكنهم يتخبطون في ظلمات جهلهم و غييهم فلا ينتفعون لا بالأدلة العلمية و لا العقلية.
و فيها نكتة ذكرها الطبري في تفسير{ بَلْ لا يُوقِنُونَ }، يقول: لم يتركوا أن يأتمروا لأمر ربهم، وينتهوا إلى طاعته فيما أمر ونهى، لأنهم خلقوا السموات والأرض، فكانوا بذلك أرباباً، ولكنهم فعلوا، لأنهم لا يوقنون بوعيد الله وما أعدّ لأهل الكفر به من العذاب في الآخرة.
و ذكر بن كثير حديثا في الصحيحين، حدثنا سفيان عن محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في المغرب بالطور، فلما بلغ هذه الآية { أَمْ خُلِقُواْ مِنْ غَيْرِ شَىْءٍ أَمْ هُمُ ٱلْخَـٰلِقُونَ أَمْ خَلَقُواْ ٱلسَّمَـٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ بَل لاَّ يُوقِنُونَ أَمْ عِندَهُمْ خَزَآئِنُ رَبِّكَ أَمْ هُمُ ٱلْمُصَيْطِرُونَ } كاد قلبي أن يطير، وكان أنذاك كافرا و كانت سببا في إسلامه.
فهذه الآيات حجج تبدد الكفر و الشك لدى من أراد الله له الهداية.

الحجة الثالثة:
* أَمْ عِندَهُمْ خَزَآئِنُ رَبِّكَ: أي هل عندهم خزائن الرزق حتى يعطوا النبوة من شاؤوا
*أَمْ هُمُ ٱلْمُصَيْطِرُونَ: المصيطرون الجبارون الذين يتحكون في خلق الله و ملكه بالقهر و البطش.


الحجة الرابعة:
*أَمْ لَهُمْ سُلَّمٌ يَسْتَمِعُونَ فِيهِ فَلْيَأْتِ مُسْتَمِعُهُم بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ : أم لهم سلم يصعدون فيه إلى السماء فيعلمون الغيب و يسمعون كلام الملائكة، لكن أنى لهم هذا و قد حجب الغيب عن سيد المرسلين نبينا محمد صلى الله عليه و سلم و عن الجن و الشياطين الذين هم أقوى من خلقا فكيف بالمخلوق الضغيف الذي هو الإنسان.
*فليأت مستمعهم بسلطان مبين: أي فمن فعل هذا الفعل و صعد للملائكة فليأت بحجة تبين لنا صدق قوله،و هذا مستحيل طبعا كمثل قوله تعالى:"فإن لم تفعلوا و لن تفعلوا فاتقوا النار التي وقودها الناس و الحجارة".

الحجة الخامسة:
* أَمْ لَهُ ٱلْبَنَاتُ وَلَكُمُ ٱلْبَنُونَ: أم تجعلون لله الولد، مع أنه قال أنه لم يلدو لم يولد، ثم تجعلون له أضعف الجنسين و هن البنات اللاتي تكرهون إنجابهن ومن كرهكم لهن كن تؤدنهن في الجاهلين،كما قال تعالى:"و يجعلون لله ما يكرهون"، فكيف تدعون لله ما تكرهونه لأنفسكم و هو ربكم و خالقكم و رازقكم.

الحجة السادسة:
*أَمْ تَسْأَلُهُمْ أَجْراً فَهُم مِّن مَّغْرَمٍ مُّثْقَلُونَ: أم أنك يا محمد تسألهم أجرا على دعوتك إياهم ، فهم من ثقل هذا المغرم لا يستطيعون دفعه، فأنت تدعوهم دعوة مجانية بل و تدفع الأموال للمؤلفة قلوبهم ليدخل لها الإيمان و العلم.

الحجة السابعة:
*أم عندهم الغيب فهم يكتبون: أم أنهم يعلمون الغيب يكتبونه ليجادلوك و يكذبوك به.

الحجة الثامنة:
*أم يريدون كيدا: أي يريدون بتكذيبك و إيذائك و قتلك إبطال الدعوة
*فالذين كفروا هم المكيدون: فالذين كفروا هم المغلوبون المهزومون

الحجة التاسعة:
*أَمْ لَهُمْ إِلَـٰهٌ غَيْرُ ٱللَّهِ: أي هل لهم إله معبود غير الله
*سُبْحَانَ ٱللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ:تنزه الله و تقدس عما يجعلون له من شركاء.

و هذه الآية الأخيرة هي ملخص الحجج المذكورة و لبها أي أن الله الذي هو وحده من خلق العباد و الذي هو وحده من خلق السماوات و الأرض و الذي هو وحده عالم الغيب و الشهادة و لا يطلع على غيبه أحدا إلا من ارتضى، و هو الذي بيده الرزق و الملك و القوة و التدبير جميعا..إذا فهو الوحيد المستحق للعبادة و لا أحد غيره.

فهذه حجج دامغات يلقنها الله لنبيه لتكون هداية له في دعوته و لكل من يسلك سبيل الدعوة إلى الله ، ليبطل بها أكاذيبهم و إفترائهم و حججهم التي على غير وجه الحق، و يظهر ما في بواطنهم الخبيثة من غل و شر للمسلمين، و كما قال الله تعالى في كتابه "بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق"،،فلكفرهم وعنادهم و كبرهم على الحق يرمون بهذه المطاعن، مع علمهم ببطلان قولهم.


المراجع
جامع البيان في تفسير القرآن للطبري
الكشاف للزمخشري
تفسير القرآن الكريم لابن كثير
فتح القدير للشوكاني
أيسر التفاسيرلأبو بكر الجزائري
تيسير الكريم الرحمان في تفسير كلام المنان للسعدي

رد مع اقتباس
  #23  
قديم 16 ذو الحجة 1438هـ/7-09-2017م, 06:11 AM
أمل عبد الرحمن أمل عبد الرحمن غير متواجد حالياً
هيئة الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
المشاركات: 8,163
افتراضي

تابع تقويم تطبيقات أسلوب الحجاج


محمد عبد الرازق جمعة
أحسنت بارك الله فيك ونفع بك.
يجب أن يكون مقصد الرسالة واضحا، فنحن قد نفسّر آيات بعينها أكثر من مرّة، ولأجل اختلاف الأسلوب تختلف طريقة الطرح والتفسير كليّا، وقد ذكرت في أول الرسالة أن المقصد فضح المنافقين وبيان كذبهم في دعواهم "نشهد إنك لرسول الله"، ولكنك بعد ذلك جعلت الرسالة سردا لصفات المنافقين لأجل التوقّي منهم والحذر، فتغيّر مسار الرسالة عما أنشئت له.
فلو أنك ذكرت مثلا في أول آية أن الآية ابتدأت بوصفهم بالمنافقين وما في ذلك الوصف من التشنيع عليهم، والتعبير بالفعل "قالوا" المشعر بأنه مجرّد ادّعاء قولي وليس اعتقادا منهم، ثم ذكرت شهادته تعالى على أنهم كاذبون وهي أعظم وأصدق شهادة مع ما احتوته هذه الشهادة من المؤكّدات، كل ذلك يؤكّد كفرهم وينفي عنهم الإيمان كليّا.
وقس على ذلك ما ذكر في الآيات التالية، فنستطيع بهذا المسلك أن نحوّل أسلوب الرسالة من مجرّد بيان لمعاني الآيات إلى الأسلوب المطلوب في الرسالة.
فأرجو أن يكون المراد قد اتّضح، وأوصيك بمراجعة تطبيقات الزملاء الجيّدة والاستفادة منها في إعداد رسالة أخرى، ولا تكثر من الآيات، بل تكفيك آية واحدة أو آيتان تتدرّب فيهما على إبراز المحاجّة والتعبير عنها بأسلوبك من خلال الاستفادة من ألفاظ الآية وأساليبها وما تشتمل عليه من أدوات الحجاج، وفقك الله وسدّدك.

هدى محمد صبري أ
أحسنت بارك الله فيك ونفع بك.
- اجتهدي في تسمية أدوات الحجاج التي اشتملت عليه الآية وهي ظاهرة في أكثر من موضع، فهذا مما يبرز المحاجّة ويقوّيها.

زينب الجريدي
أحسنت بارك الله فيك ونفع بك.
وأثني على جهدك في الرسالة، والملاحظ على الرسالة أنك ذكرتِ أن الآيات ردّ على باطل المشركين ولكنك لم تذكري هذا الباطل قبل أن تبطليه فلم يتبيّن للقاريء وجه الربط بين هذه الآيات ولا مناسباتها.
فأسلوب الحجاج له طرفان، شبهة وإبطال لهذه الشبهة، والمحاجّ هو الذي يسعى لإبطال قول خصمه وإقامة الدليل على صحّة قوله.
وللتمثيل لما ذكر.. فالآية الأولى تردّ على شبهة إنكار البعث، وفيها الاستدلال على وجود الخالق ومن ثمّ قدرته على الإعادة، وقد استُعملت فيها أكثر من أداة للحجاج، ولكنك لم تذكري ذلك فأتت الآية مجرّد تقرير لهذه الحقيقة دون بيان الدليل الدالّ على صحّتها، والكافر المعاند يحتاج لدليل وحجّة قوية وليس مجرّد تقرير الحقائق، وتأمّلي الاستفهام الإنكاري وحصر الاحتمالات بطريقة السبر والتقسيم لإلزام الكافر الحجّة وإبطال دعوته.
ومن أجل الفائدة يرجى إعادة الرسالة، والاقتصار على عدد قليل من الآيات، واعتني فيهما بإبراز المحاجّة والإبانة عن أدوات الحجاج التي اشتملت عليها الآية مما تعلمتيه في الدرس، واستزيدي من المصادر وخاصّة التي تعنى بأسلوب الحجاج كتفسير ابن عاشور والشنقيطي، فالعناية بالمصادر من أهمّ أسباب نجاح الرسالة، وفقك الله وسدّدك.

رد مع اقتباس
  #24  
قديم 16 ذو الحجة 1438هـ/7-09-2017م, 06:46 PM
الصورة الرمزية محمد عبد الرازق جمعة
محمد عبد الرازق جمعة محمد عبد الرازق جمعة غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المتابعة الذاتية
 
تاريخ التسجيل: Jan 2016
المشاركات: 510
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أمل عبد الرحمن مشاهدة المشاركة
تابع تقويم تطبيقات أسلوب الحجاج


محمد عبد الرازق جمعة
أحسنت بارك الله فيك ونفع بك.
يجب أن يكون مقصد الرسالة واضحا، فنحن قد نفسّر آيات بعينها أكثر من مرّة، ولأجل اختلاف الأسلوب تختلف طريقة الطرح والتفسير كليّا، وقد ذكرت في أول الرسالة أن المقصد فضح المنافقين وبيان كذبهم في دعواهم "نشهد إنك لرسول الله"، ولكنك بعد ذلك جعلت الرسالة سردا لصفات المنافقين لأجل التوقّي منهم والحذر، فتغيّر مسار الرسالة عما أنشئت له.
فلو أنك ذكرت مثلا في أول آية أن الآية ابتدأت بوصفهم بالمنافقين وما في ذلك الوصف من التشنيع عليهم، والتعبير بالفعل "قالوا" المشعر بأنه مجرّد ادّعاء قولي وليس اعتقادا منهم، ثم ذكرت شهادته تعالى على أنهم كاذبون وهي أعظم وأصدق شهادة مع ما احتوته هذه الشهادة من المؤكّدات، كل ذلك يؤكّد كفرهم وينفي عنهم الإيمان كليّا.
وقس على ذلك ما ذكر في الآيات التالية، فنستطيع بهذا المسلك أن نحوّل أسلوب الرسالة من مجرّد بيان لمعاني الآيات إلى الأسلوب المطلوب في الرسالة.
فأرجو أن يكون المراد قد اتّضح، وأوصيك بمراجعة تطبيقات الزملاء الجيّدة والاستفادة منها في إعداد رسالة أخرى، ولا تكثر من الآيات، بل تكفيك آية واحدة أو آيتان تتدرّب فيهما على إبراز المحاجّة والتعبير عنها بأسلوبك من خلال الاستفادة من ألفاظ الآية وأساليبها وما تشتمل عليه من أدوات الحجاج، وفقك الله وسدّدك.

بسم الله الرحمن الرحيم


تطبيق على أسلوب الحجاج

تفسير من سورة المنافقون من بداية السورة من قوله تعالى: (إذا جاءك المنافقون قالوا نشهد إنك لرسول الله والله يعلم إنك لرسوله والله يشهد إن المنافقين لكاذبون * أتخذوا أيمانهم جنة فصدوا عن سبيل الله إنهم ساء ما كانوا يعملون * ذلك بأنهم آمنوا ثم كفروا فطبع على قلوبهم فهم لا يفقهون)

· في هذه الآيات من سورة المنافقون يفضح المولى تبارك وتعالى المنافقين ويبين كذبهم وللفهم الصحيح لمراده تعالى لهذه الآيات يجب علينا معرفة السبب وراء نزول هذه الآيات.

· جاء في تفسير القرطبي روى البخاري عن زيد بن أرقم قال: كنت مع عمي فسمعت أبي بن سلول يقول: لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضوا, وقال: لإن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل, فذكرت ذلك لعمى فذكر عمي لرسول الله صلى الله عليه وسلم, فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عبد الله بن أبي بن سلول وأصحابه فحلفوا ما قالوا, فصدقهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وكذبني. فأصابني هم لم يصيبني مثله فجلست في بيتي فأنذل الله عز وجل: (إذا جاءك المنافقون) إلى قوله: (هم اللذين يقولون لا تنفقوا على من عند رسول الله) إلى قوله: (ليخرجن الأعز منها الأذل). فأرسل إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم, ثم قال: (إن الله قد صدقك).

· ومن خلال معرفتنا لسبب نزول الآيات نجد أنه لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة وكثر المسلمون في المدينة وأعتز الإسلام بها صار أناس من أهلها من الأوس والخزرج يظهرون الإيمان ويبطنون الكفر ليبقى جاههم وتحقن دماؤهم وتسلم أموالهم فذكر الله من أوصافهم ما فضحهم به وبين به كذبهم حتى يعرفون لكي يحذر العباد منهم ويكونوا منهم على بصيرة.

· وهذه الآيات أنزلها الله لفضح المنافقين وبيان كذبهم وعلى رأسهم رأس النفاق عبد الله بن أبي بن سلول وقد سرد الله تعالى في هذه الآيات مجموعة من العبارات والحقائق التي فضح الله بها نفاق المنافقين وبين لرسوله ومن معه من المسلمين كم أن هؤلاء المنافقين كاذبون في دعواهم:

1. كما جاء في الآية الأولى: فقد وصفهم الله تعالى بالمنافقين وكم في هذا الوصف من التشنيع عليهم وفضح حقيقتهم التي كان يجهلها المسلمون وقت نزول هذه الآيات فقد كذبوا على رسول الله بقولهم وفعلهم ولكن كانت قلوبهم تقول الحقيقة ويعلم الله ما فيها ففضحهم لرسوله وللمسلمين فجاء بقوله تعالى (قالوا) توضيحا وبيانا وفضحا لما في قلوبهم فغدعائهم الإيمان ما هو إلا مجرد ادعاء قولي ولما يدخل الإيمان في قلوبهم ولن يدخل فقد استحقوا أن لا يفتح الله قلوبهم للإيمان.
و
في هذه الآية أيضا: شهد المولى عز وجل على كذبهم ونفاقهم وهذه الشهادة من أعظم الشهادات في حق المنافقين وأكثرها بيانا لكذبهم حيث أستعمل الله فيها مجموعة من المؤكدات التي أكد الله بها كذبهم ونفاقهم فقوله تعالى (والله يشهد) وهذا أعظم المؤكدات وقوله (إن المنافقين) فإن هنا توكيدية تؤكد ما بعدها وهذا لزيادة التأكيد على كذب المنافقين ثم أكد بعد ذلك بمؤكد ثالث وهو اللام في (لكاذبون) واستعمال كل هذه المؤكدات يوضح كم يريد المولى تبارك وتعالى فضحهم وبيان حالهم من النفاق والكذب.

ومن ذلك يتضح ويظهر جليا رد المولى عز وجل على دعواهم بأنهم مسلمون وفضح لما تكنه صدورهم من الكفر والكيد للإسلام والمسلمين.

2. وفي الآية الثانية: يزيد الله في فضحهم وبيان حقيقتهم التي كانوا يخفونها فقال لرسوله صلى الله عليه وسلم أنهم يستخدمون الحلف والأيمان وقاية وترسا يتترسون به وبذلك صدوا غيرهم ممن لا يعلمون بحالهم عن سبيل الله حيث أظهروا الإيمان وأبطنوا الكفر وأقسموا على ذلك.

3. وفي الآية الثالثة: يتضح لنا كيف زاد المولى عز وجل في فضح حقيقتهم وبيان كذبهم وادعائهم فقال:

a) آمنوا: أي نطقوا بكلمة الشهادة وفعلوا كما يفعل من يدخل في الإسلام ولكن هذا الإسلام لم يعبر حلوقهم فلم يسلموا بقلوبهم ولا حتى بعقولهم فقط أدعوا الإسلام ونطقوه بألسنتهم مما يؤكد كذبهم وكفرهم واستحقاقهم لما أعده الله لهم من العذاب يوم القيامة.

b) ثم كفروا: أي ثم ظهر كفرهم بعد ذلك وتبين بما أطلع الله عليه المؤمنين من أقوالهم التي لم يستطيعوا كتمها في صدورهم وأفعالهم التي لم يتمكنوا من كبح جماح أنفسهم للقيام بها فظهر كفرهم وفضحوا على الملأ.

c) فطبع على قلوبهم: أي ختم الله عليهم بالكفر نتيجة إصرارهم عليه فصاروا بحيث لا يصل إليهم الإيمان وكان ذلك جزاء عادلا من المولى عز وجل لهم مؤكدا على استمرار كفرهم حتى يموتوا وذلك ما جنته أنفسهم لما قاموا به من الكذب على الله ورسوله والمسلمين وما كانوا يكيدون للإسلام والمسلمين حقدا وحسدا من عند أنفسهم.

ومن كل ما سبق من المؤكدات والحقائق والأدلة ما ثبت به نفاق المنافقين وكذبهم في حق الله ورسوله وكيدهم للإسلام والمسلمين وسعيهم لقتل الإسلام قبل أن ينتشر وينتمي إليه الكثير من الناس ولكن أتم الله نعمته على هذا الدين وعلى رسوله والمسلمون بأن فضح هؤلاء المنافقين وبين حقيقتهم وكذبهم فكان من الرسول والمسلمون أن أتخذوهم أعداء واحترسوا منهم كما ينبغي فلا يضرب الدين من اتجاههم مرة أخرى فاللهم أكشف لنا المنافقين وارزقنا القوة عليهم فلا يتحكموا في الدين وأهله وأنت أحكم الحاكمين.

المراجع :
جامع البيان في تأويل القرآن للطبري ت (310هـ)
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي ت ( 671هـ)
تفسير الطنطاوي ت (2010م)
تفسير القرآن العظيم لابن كثير ت (774هـ)
تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان للسعدي ( 1376 هـ)
تفسير التحرير والتنوير لمحمد الطاهر بن عاشور (1973 م)

رد مع اقتباس
  #25  
قديم 3 صفر 1439هـ/23-10-2017م, 07:48 AM
زينب الجريدي زينب الجريدي غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المستوى الرابع
 
تاريخ التسجيل: Sep 2015
المشاركات: 188
افتراضي

. أسلوب الحجاج

{ أَمْ خُلِقُواْ مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ ٱلْخَالِقُونَ } { أَمْ خَلَقُواْ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضَ بَل لاَّ يُوقِنُونَ }

بسم الله و الصلاة و السلام على أشرف خلق الله نبينا محمد و على أصحابه و أهله الطيبين، أما بعد فهذه آيات كريمة من سورة الطور و فيها حجج دامغة قوية من الله تعالى يلقنها لرسوله صلى الله عليه و سلم للرد على المشركين فيذكر له باطلهم ثم يدمغه بالحق بأحسن الطرق الواضحة التي لا يستطيعون الاعتراض عنها؛

فالكفار يشهدون بأن الله إله و يدعونه و لكنهم يشركون معه غيره، و يقولون كيف نعبد الله مباشرة فيجب علينا أن نجعل بيننا وسائط و هي الآلهة كما قال الله تعالى في سورة الزمر على لسان الكفار:" ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى"، ثم عبدوا هذه الآلهة من دون الله عز و جل،
فكيف يشرك بمن خلق و رزق و برأ و أنزل الكتب و الرسل ..
و جاءت الإجابة من الله للرد عليهم و تبكيتهم بالحجج الباهرة، فبدأ بتذكيرهم بحجة الخلق*أَمْ خُلِقُواْ مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ: هل خلقوا من غير خالق أَمْ هُمُ ٱلْخَالِقُونَ: أم خلقوا أنفسهم
و هذا محال، فلا يمكن لشيء أن يخلق بدون خالق فهذا لا يستقيم مع نظام الكون لأن لكل شيء خالق، و لا يمكن للعبد أن يخلق نفسه إذ الواجد يجب أن يخلق قبل الموجود، .
فإن كنتم تعلمون و توقنون أن الله هو من خلقكم فهو إذا المستحق الوحيد للعبادة، فكيف تشركون معه غيره، فهذا من أعظم الجحود.

الحجة الثانية:
*أَمْ خَلَقُواْ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضَ: طبعا لا لأنهم عاجزون على أدنى من ذلك، فهم يعجزون عن خلق ذبابة فما بالك بالخلق العظيم الذي هو السماوات و الأرضين.
*بَل لاَّ يُوقِنُونَ: أي هم يعلمون أن الله هو من خلقهم و خلق السماوات و الأرض -و الدليل قوله تعالى:"و لئن سألتهم من خلق السماوات و الأرض ليقولن الله"-و لكنهم يتخبطون في ظلمات جهلهم و غييهم فلا ينتفعون لا بالأدلة العلمية و لا العقلية.
و قال الإمام الطبري في تفسير{ بَلْ لا يُوقِنُونَ }، يقول: "لم يتركوا أن يأتمروا لأمر ربهم، وينتهوا إلى طاعته فيما أمر ونهى، لأنهم خلقوا السموات والأرض، فكانوا بذلك أرباباً، ولكنهم فعلوا، لأنهم لا يوقنون بوعيد الله وما أعدّ لأهل الكفر به من العذاب في الآخرة".
و ذكر بن كثير حديثا في الصحيحين، حدثنا سفيان عن محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في المغرب بالطور، فلما بلغ هذه الآية { أَمْ خُلِقُواْ مِنْ غَيْرِ شَىْءٍ أَمْ هُمُ ٱلْخَـٰلِقُونَ أَمْ خَلَقُواْ ٱلسَّمَـٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ بَل لاَّ يُوقِنُونَ أَمْ عِندَهُمْ خَزَآئِنُ رَبِّكَ أَمْ هُمُ ٱلْمُصَيْطِرُونَ } كاد قلبي أن يطير، وكان أنذاك كافرا و كانت سببا في إسلامه.
فهذه الآيات حجج تبدد الكفر و الشك لدى من أراد الله له الهداية، فيا أيها المشرك من تدعي أن مع الله آلهة تعبدها ، فماذا فعلوا و أين آثارهم، ما بالكم لا تعقلون و لا تفقهون، فإن كان الله هو من خلقكم و هو من خلق السماوات و الأرض و ما بينهما، فكيف تتركون عبادة هذا الرب العظيم و تعبدون آلهة أنتم تصنعونها بأيديكم و هي لا تملك لكم ضرا و لا نفعا و لم تخلقكم و لم تخلق شيئا.


المراجع
جامع البيان في تفسير القرآن للطبري
الكشاف للزمخشري
تفسير القرآن الكريم لابن كثير
فتح القدير للشوكاني
أيسر التفاسيرلأبو بكر الجزائري
تيسير الكريم الرحمان في تفسير كلام المنان للسعدي

رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
تطبيقات, على

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
إبحث في الموضوع:

البحث المتقدم
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 04:46 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir