دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > برنامج إعداد المفسر > خطة التأهيل العالي للمفسر > منتدى الامتياز

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 10 محرم 1438هـ/11-10-2016م, 01:30 AM
هيئة الإدارة هيئة الإدارة غير متواجد حالياً
 
تاريخ التسجيل: Dec 2008
المشاركات: 29,544
افتراضي تطبيقات على درس الأسلوب المقاصدي

تطبيقات على درس الأسلوب المقاصدي
الدرس (هنا)

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 11 محرم 1438هـ/12-10-2016م, 11:16 AM
كوثر التايه كوثر التايه غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المستوى السابع
 
تاريخ التسجيل: Aug 2014
المشاركات: 787
افتراضي

الأسلوب المقاصدي :


قال تعالى : ( وماخلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ، ماأريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون ، إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين ) –الذاريات :65
*الغاية من الخلق :
خلق الله تعالى الخلق لعبادته وتوحيده وإقامة شرعه على أرضه وبين خلقه ، وهذه هي غاية الوجود ، قال الراغب الأصفهاني : فحكمة خلق الإنسان وغايات حياته وسر وجوده يكمن الظاهر منها لنا في عبادة الله،قال تعالى:وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ
وشرف الإنسان بأن يوجد كاملاً في المعنى الذي أوجد لأجله، ودناءته بفقدان ذلك الفعل منه، فمن لا يصلح لخلافة الله تعالى ولا لعبادته ولا لعمارة أرضه فالبهيمة خير منه، ولذلك قال الله في ذم الذين فقدوا هذه الفضيلة:أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ [الأعراف:179] ا.هـ.
قال الطاهر بن عاشور : الأظهر أن ا ( وما خلقت الجن والانس إلا ليعبدون) معطوف على جملة (كذلك ما أتى الذين من قبلهم من رسول) الآية . التي هي ناشئة عن قوله " ففروا إلى الله " إلى( ولا تجعلوا مع الله إلها آخر ) عطف الغرض على الغرض لوجود المناسبة .
فبعد أن نظر حالهم بحال الأمم التي صممت على التكذيب من قبلهم أعقبه بذكر شنيع حالهم من الانحراف عما خلقوا لأجله وغرز فيهم . .
فقوله وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون خبر مستعمل في التعريض بالمشركين الذين انحرفوا عن الفطرة التي خلقوا عليها فخالفوا سنتها اتباعا لتضليل المضلين . واللام في " ليعبدون " لام العلة ، أي : ما خلقتهم لعلة إلا علة عبادتهم إياي . والتقدير : لإرادتي أن يعبدون ، ويدل على هذا التقدير قوله في جملة البيان ما أريد منهم . أن يطعمون إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين ) ا,ه
وعن مجاهد وزيد بن أسلم تفسير قوله ( إلا ليعبدون ) إلا لآمرهم وأنهاهم ، وقال ابن كثير : خلقتهم لآمرهم بعبادتي لا لحاجتي لهم
فالعلم بالله تعالى هو أصل العلوم وأجلها ، فمن لم يعلم ربه ، تاه في متاهات كثيرة متشعبة ، وغاص في أعماق الضلالات وهو يحسب أنه قد أحسن صنعا ، فالجهل بهذا الأصل العظيم قد يقود الانسان إلى إنكار المعارف الفطرية ويتوه في متاهات الالحاد التي تعددت مدارسها وأصول معارفها ، وترامت أطرافها وشباكهها لاقتناص كل هائم على وجه لا يعرف حقيقة ربه ولا غاية وجوده في هذا العالم ، قال ابن رجب: أفضل العلم: العلم بالله وهو العلم بأسمائه وصفاته وأفعاله، التي توجب لصاحبها معرفة الله وخشيته ومحبته وهيبته وإجلاله وعظمته والتبتل إليه والتوكل عليه والصبر عليه والرضا عنه والانشغال به دون خلقه. انتهى
*لماذا نعبد الله وهو الغني ؟
قد نسمع من يقول : لماذا نعبد الله وهو الغني عنا؟ وهل ينتفع الله من عبادتنا ؟ وهل نحن مضطرون إلى عبادته ؟؟
والجواب على هذا يتلخص في التالي:
1- العبادة حق لله هذا الخالق العظيم له علينا حق واجب هو عبادته والتسليم له والانقياد لأمره، وهو حق استحقه بمقتضى ربوبيته وألوهيته وكماله، ولو لم تأت الرسل من عنده آمرة بعبادته لاستحق أن يُعبد ويُعظم لذاته لا لشيء زائد.
وفي الصحيحين من حديث معاذ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يا معاذ أتدري ماحق الله على العباد وما حق العباد على الله؟ قلت الله ورسوله أعلم: قال: حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً، وحق العباد على الله أن لا يعذب من لا يشرك به شيئاً.
2- العبادة غاية في نفسها مطلوبة لذاتها، وما يترتب عليها من إصلاح النفس من أهدافها لا أنه غاية لها، ولهذا لو صلى وصام قاصداً صلاح نفسه وتربية ضميره دون الالتفات إلى حق الله عليه لم يبال الله به، ولا تنفعه عبادته تلك عنده:وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى*إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى*وَلَسَوْفَ يَرْضَى [الليل:19-21].
3- العبادة تنبيه دائم للإنسان إلى أنه روح قبل أن يكون مادة، وكما أن للجسد مطالب فكذلك الروح لها مطالب وغذاء، وغذاؤها عبادة خالقها، ولهذا إذا خلا الإنسان من روحه وتحول إلى شخص لا يعرف إلا المادة ولا يعترف إلا بالجسد، فإن هذا الإنسان أضُّر على الإنسانية من السلاح النووي والجرثومي، ولكان السبع الضاري أرحم وأرق منه، فالسبع يقتل ليأكل، والإنسان الذي لا روح له يقتل للقتل ويتلذذ وهو يعبث بفريسته.
4- العبادة تذكير للإنسان الفاني بالله ربه الذي خلق فسوى والذي قدر فهدى، ولو خلا الإنسان من العبادة لنسي ربه وخالقه ورازقه، ويظهر هذا المقصد في قول الله تعالى:وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي [طه:14]، وفي الحديث: إنما فرضت الصلاة لإقامة ذكر الله. رواه أبو داود ، وفي الحج :وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكاً لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ [الحج:34].
وهكذا فالعبادة فرار إلى الله، وهروب من الأثقال والقيود والأغلال التي تقسي القلب وتكدره، يقول الله فيمن هجر عبادته ورتع في شهواته:وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ [ الحديد:16].
5- العبادة تحرير الإنسان من عبادة غير الله، فإن الله تعالى قضى أن من ترك عبادته عبد غيره، هذا الغير قد يكون حجراً أو قمراً أو هوى أو حزباً أو فكراً أو كاهناً أو شهوة..
6- تحرير للإنسان من الخوف والجُبن والبخل والحرص والذِّل وكل الرذائل :إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَر [ العنكبوت :45]،وبالعبادة الشاملة يتحلى المسلم بكل الفضائل:وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً*إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ [ الإنسان:9-10]. وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلاماً [ الفرقان:63].
وهذه اشارات موجزة في منافع العبودية وما سواه أكثر – والله أعلم –
*شرط العبادة :
وشرط العبادة التي أمر الله بها لا تسمى عبادةً إلا مع توحيد الله تعالى، فلا تصح العبادة مع الشرك، ولا يوصف أحد بأنه عبد لله تعالى إلا مع تحقيقه التوحيد، وإفراد الله تعالى وحده بالعبادة ، فمن عَبَد الله تعالى وأشرك معه غَيْرَه فليس عبدا لله. ومن عبد الله لمقاصد دنيوية فليس ذلك من حقيقة العبادة شيء ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( من كانت هجرته إلى الله وروسله فهجرته إلى الله ورسوله ، ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ماهاجر إليه ) .
عن أبي موسى الأشعري أن رجلا أعرابيا أتى النبي صلىوسلمع فقال يا رسول الله الرجل يقاتل للمغنم، والرجل يقاتل ليذكر، والرجل يقاتل ليرى مكانه، فمن في سبيل الله فقال رسول الله صلىوسلمإ من قاتل لتكون كلمة الله أعلى فهو في سبيل الله .
*تعريف العبودية :
أصل معنى العبادة والعبودية في اللغة الذل والخضوع ، والتعبيد : التذليل ، يقال : طريق مُعبَّد إذا كان مذللا قد وطئته الأقدام ، والعبادة : الطاعة ، والتعبد : التنسك .
والعبودية لله نوعان :
قسرية واختيارية :
القسرية : فالعبد يراد به المعبد الذي عبَّده الله ، فذلله ودبره وصرفه سواء أقر العبد بذلك أو أنكره ، وبهذا الاعتبار فالمخلوقون كلهم عباد الله المؤمنون والكفار ، الأبرار والفجار ، أهل الجنة وأهل النار ، إذ هو ربهم كلهم ومليكهم لا يخرجون عن مشيئته وقدرته كما قال تعالى : { أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ } ( آل عمران الآية : 83 ) ، { إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا } ( مريم الآية : 93 ) .
الاختيارية : ويراد به العابد ، وهو الذي يقر بأن الله خالقه ومالكه ومدبره ، وأنه المستحق للعبادة وحده دون سواه ، فيعبده بكمال الحب والتعظيم والإجلال والإكرام والخوف والرجاء ونحو ذلك ، فيطيع أمره وأمر رسوله .
وهذه العبادة المتعلقة بالإلهية لله تعالى ، ولهذا كان عنوان التوحيد لا إله إلا الله ، بخلاف من يقر بربوبيته ولا يعبده ، أو يعبد معه إلها آخر .
وهذه العبادة هي التي يحبها الله ويرضاها ، وخلق الخلق لها ، وبعث بها رسله ، ووصف بها المصطفين من خلقه .
وقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - في مفتتح كتابه " العبودية " تعريفا للعبادة الشرعية يستوعب مجالاتها وتفصيلاتها ، ويبين أن الدين كله داخل في العبادة ، فقال : " العبادة اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الباطنة والظاهرة " .
*الأصول التي تقوم عليها العبادة :
شبه بعض السلف العبادة تشبيها بليغا يوصل المفهوم الصحيح للعبادة بما هو مؤمول منها، فقالوا ان العبادة كطائر بجناحين يحملانه على التحليق والطيران، لا يعمل احدهما إلا بوجود الآخر وإلا سقط وهوى. قال الغزالي في كتابه ( احياء علوم الدين ) : فإن الرجاء والخوف جناحان بهما يطير المقربون إلى كل مقامٍ محمودٍ.
وقال ابن القيم: الحب بمنزلة الرأس للطائر، والخوف والرجاء جناحاه. متى سلم الرأس والجناحان فالطائر جيد الطيران، ومتى قُطع الرأس مات الطائر، ومتى فُقد الجناحان فهو عرضة لكل صائد وكاسر.
كذلك المؤمن، إذا تعادل فيه الخوف والرجاء استطاع السير إلى الله سبحانه وتعالى، وإذا اختلّ أحدُ الركنين اختلّ إيمانه.
إن للقلوب أعمال، يقول ابن القيم – رحمه الله-: «والعمل قسمان: عمل القلب وهو نيته وإخلاصه، وعمل الجوارح»، أن أصل العمل هو عمل القلب وذلك لأنه لا يقبل عمل أو قول إلا بنية، وما كان في القلب لا بدَّ أن يظهر دليله ومقتضاه على الجوارح بالأعمال الظاهرة.
وأجمع السلف -رضوان الله عليهم- أن مبنى العبادة على ثلاثة أصول: الخوف والرجاء والمحبة، الخوف من عذابه، والرجاء لثواب الله -عز وجل- ورحمته، ومحبة الله، وكل منها فرض لازم، والجمع بين الثلاثة حتم واجب، فلهذا كان السلف يذمون من تعبد بواحد منها وأهمل االآخرين. قال ابن تيمية رحمه الله في كتاب العبودية : «قال بعض السلف: من عبد الله بالحب وحده فهو زنديق، ومن عبده بالرجاء وحده فهو مرجئ، ومن عبده بالخوف وحده فهو حروري، ومن عبده بالحب والخوف والرجاء فهو مؤمن موحد»، مصداقا لذلك قوله تعالى:{أُولَـئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُوراً(الاسراء:57} والوسيلة هي التقرب إلى الله بالعمل الصالح. والتقرب لا يكون الا لحبيب.
والعبادة: اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الباطنة والظاهرة. وهي التي خلق الله الخلق من أجلها، قال تعالى : { وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ }
*العلاقة بين الاصول الثلاثة :
الأمن من مكر الله خسران، اليأس من روحه كفران، والقنوط من رحمة الله ضلال وطغيان وعبادة الله -عز وجل- بالحب والخوف والرجاء توحيد وإيمان
الخوف يتعلق بعقاب الله والمحبة تتعلق بذاته وما يستحقه تبارك وتعالى فأين أحدهما من الآخر ولهذا كان دين الحب أثبت وأرسخ من دين الخوف وأمكن وأعظم تأثيرا، وشاهد ما نراه من طاعة المحب لمحبوبه وطاعة الخائف لمن يخافه كما قال بعض الصحابة إنه ليستخرج حبه مني من الطاعة ما لا يستخرجه الخوف-كما نقله ابن القيم -
إن المحبة لا تنفك عن الرجاء فكل واحد منهما يمد الآخر ويقويه
أن الخوف مستلزم للرجاء . والرجاء مستلزم للخوف . فكل راج خائف . وكل خائف راج . ولأجل هذا حسن وقوع الرجاء في موضع يحسن فيه وقوع الخوف . قال الله تعالى : ( ما لكم لا ترجون لله وقارا ) قال كثير من المفسرين : المعنى ما لكم لا تخافون لله عظمة ؟ قالوا : والرجاء بمعنى الخوف والتحقيق أنه ملازم له . فكل راج خائف من فوات مرجوه . والخوف بلا رجاء يأس وقنوط ،كل محبة مصحوبة بالخوف والرجاء على قدر تمكنها من قلب المحب
أن الرجاء يطرحه على عتبة المحبة ، ويلقيه فيها . فإنه كلما اشتد رجاؤه وحصل له ما يرجوه ازداد حبا لله تعالى ، وشكرا له ، ورضا به وعنه . وإذا حصل له مرجوه كان أدعى لشكره
فليزن العبد إيمانه بهذه الأنفاس الثلاثة ليعلم ما معه من الإيمان، فالعبد المؤمن بين الخوف والرجاء كما قال تعالى: {ويرجون رحمته ويخافون عذابه} [الإسرء: 57] وبين الرغبة والرهبة كما قال تعالى: {إنهم كانوا يسارعون في الخيرات ويدعوننا رغبا ورهبا وكانوا لنا خاشعين} [الأنبياء: 9]
فتارة يمده الرجاء والرغبة فيكاد أن يطير شوقا إلى الله, وطورا يقبضه الخوف والرهبة فيكاد أن يذوب من خشية الله تعالى, فهو دائب في طلب مرضاة ربه مقبل عليه, خائف من عقوباته ملتجئ منه إليه, عائذ به منه راغب فيما لديه-ذكره صاحب معارج القبول
*العلم بالله أصل العلوم :
مما ذكرنا سابقا فقد تبين أن العلم بالله أصل العلوم ، ومن ضل عن هذا الأصل فقد ضل ضلالا مبينا والله المستعان ، ومن هنا يتحتم أن نلقي الضوء على مايتناقله البعض ( هل العلم التجريبي ممكن أن يكون وسيلة للعبودية ؟؟؟ ولهذا يستحسن أن نذكر مقاصد العلم .
*مقاصد العلم :
للعلم الذي يُتعبد به لله مقاصد يجب أن لا يخرج عنها وهي :
1-تحقيق الاستخلاف على الأرض
قال تعالى في حديثه مع الملائكة عن خلق آدم أبو البشر : ( إن يجاعل في الأرض خليفة ) وهذاالخليفة مهمته الأصلية أي يحقق مراد الله من خلق البشر ، ويكون خليفة في تحقيق شرع الله في أرضه ،فأي علم يحصل عليه الانسان ( علم ديني شرعي أو دنيوي ) وجب أن يكون طريقة للاستخلاف في الأرض ، ومتى ضل المسلمون عن هذا المقصد العظيم ضل المسلمون بل وضل العالم أجمعه ، وفي هذا الموضوع كتب الامام الندوي ( ماذا خسر العالم بانحطاط المسلين ) وبين كيف حلت الكوارث والبلاياا على العالم أجمع عندما ترك المسلمون مهمتهم الأصيلة في الخلافة فتنازعتها الفرق الضالة ، وقال سيد قطب –رحمه الله – تعليقا على هذا الكتاب : ( وهنا يستعرض المؤلف أسباب هذا الانحطاط الروحي والمادي ، ويصف ماحل بالمسلمين أنفسهم عندما تخلوا عن مبادئ دينهم ، ونكصوا عن تبعاتهم ، ومانزل بالعالم كله من فقدانه اهذه القيادة الراشدة ، ومن انتكاسه إلى الجاهلية الأولى ......ومن خلال هذا الاستعراض ، يحس القارئ ، بمدى الحاجة البشرية الملحة إلى تغيير القيادة الانسانية ، وردها إلى الهدى الذي انبثق ليخرج الناس من الظلمات إلى النور ومن الجاهلية إلى المعرفة ، ويشعر بالقيمة الكلية لوجود هذه القيادة في الأرض ، وبمدى الخسارة التي حلت بالبشر جميعا ، لا بالمسلمين وحدهم في الماضي وفي الحاضر ، وفي المستقبل القريب والبعيد )
2-عبودية الله تعالى :
من الحقائق التي لا نزاع فيها أن الاسلام جاء بشريعة شاملة تحتضن كل جوانب الحياة ، قال تعالى : ( اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الاسلام دينا ) فكل العلوم وحتى التجريبية منها هي باب واسع لعبودية الله تعالى ووسيلة لتعبد الناس لله ، وتتمة لكلام سيد قطب السابق : ( وهذا الكتاب الذي بين أيدينا نموذج للتاريخ الذي ينظر للأمور كلها وللعوامل جميعها ، ولقيم على اختلافها ، ولعل القارئ لم يكن ينتظر من رجل مسلم ، واثق بقوة الروح الاسلامي ، متحمس لرد القيادة العالمية إليه ، أن يتحدث عن مؤهلات القيادة ، فلا ينسى بجوار ( الاستعداد الروحي ) أن يلح في ( الاستعداد الصناعي والحربي ) و ( التنظيم العلمي الجديد) وأن يتحدث عن (الاستقلال التجاري والمالي) .
إنه الاحساس المتناسق بكل مقومات الحياة البشرية ، وبهذا الاحساس المتناسق سار في استعراضه التاريخي ، وفي توجيهه للأمة الاسلامية سواء ، ومن هنا يعد هذا الكتاب أنموذجا للتاريخ دون التأثر بالطريقة الأوروبية التي ينقصها التناسق وهذه العدالة وهذا التحقيق )
وهذه العلوم الدنيوية أصولها في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم : ومنها :
-الاستعداد الحبربي والصناعي : قال تعالى: (وأعدوا لهم مااستطعتم من قوة ومن رباط الخيل ) وقال صلى الله عليه وسلم : ألا إن القوة الرمي ، فالكلمة جاءت على العموم ( الرمي) فيه كل ما يكون فيه رمي ، متسقا مع تطلبات الزمان والمكان .
-في علم الاحصاء : سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه يوما : (كم تحصون من المسليمن اليوم )
-في تعليم التجارة الآيات في ذلك كثيرة ومنها : ( وأحل الله البيع وحرّم الربا ) –البقرة ، والأحاديث في تنظيم أمور التجارة وشروط التاجر وتحريم الربا والغبن والغش ... وغيرها تملأ كتب الفقهاء وجمعت منها الكثير في أقوال الفقهاء
-في العلوم الكونية : قال تعالى : ( لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر ولا الليل سابق النهار وكل في فلك يسبحون ) فدراسة هذ العلوم تزيد القلب تعلقا بالله وتفتح له الآفاق لمعرفة آيات الله الكونية ، ومثلها :
-علم البحار : ( ظلمات بعضها فوق بعض إذا أخرج يده لم يكد يراها )
-وفي علم الحيوان : (وإن لكم في الأنعام لعبرة نسقيكم مما في بطونه من بين فرث ودم لنا خالصا سائغا للشاربين )
والحديث في ذلك يطول فلا سبيل لحصره ، ولذلك فقد كان كثير من أهل الشرك بل والملحدين ممن دخلوا الاسلام - ومنهم انتوني فلو و جيفري لانك -بعد دراستهم لهذه التخصصات العلمية التجريبية ، وأًبحوا دعاة إلى الله بهذا العلم
والمطلع على حال العالم اليوم مع العلوم التجريبية يعلم أن الخطأ الفادح ليس في العلم ، بل في توظيف العلم وما يتعلق به – إذا كان في منأى عن شرع الله ونظامه في الكون متحررا من القيود الدينية والأخلاقية -، وهاهو أب القنبلة الذرية آينشتاين يقول تعليقا على تفجير القنبلة في هيروشيما التي أُزهق فيها أرواح الألوف ، وتشويه أبدان الكثير من أهل المدينة : ( كان علي أن أحرق أصابع يدي ، قيل أن أكتب تلك الرسالة إلى الرئيس روزفلت ....) –كانت الرسالة تحوي معلومات عن محاولات للحصول على النوع الجديد من الطاقة تحت تصرف الرئيس الأمريكي .وفي تصريح لاحق أكد: ( لقد شجبت دائما استخدام القنبلة ضد اليابان )
ونحن نرى بوضوح أن العلم التجريبي كلما ابتعد عن المقاصد الأساسية للعلم فهو وبال على العالم ، وحال العالم اليوم يؤكد أن العالم الاسلامي أصبح – وبلا منازع – هو الحقل الأكثر استخداما للعلوم التجريبية التي تحمل دمارا كبيرا للأمة يتوارى أمامه ما احدث في هيروشيما .
ومن هنا يتحقق أن كل العلوم لابد أن تكون من أجل تعبيد الناس ، وكلها عندها هذه الخاصية .
*يتكفل الله تعالى بمن أطاعه :
قال ابن كثير : (ومعنى الآية أن الله تعالى خلق العباد ليعبدوه وحده لا شريك له ، فمن اطاعه جازاه أتم الجزاء ، ومن عصاه عذبه أشد العذاب وأخبر أنه غير محتاج إليهم ، بل هم الفقراء إليه في جميع أحوالهم ، فهو خالقهم ورلزقهم .
قال الامام أحمد : حدثنا محمد بن عبد الله ، حدثنا عمران - يعني ابن زائدة بن نشيط عن أبيه عن أبي خالد-وهو الوالبي – عن ابي هريرة : قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : قال الله : يا ابن آدم تفرغ لعبادتي أملأ صدرك غنى ، وأسد فقرك ، وإلا تفعل ، ملئت صدرك شغلا ولم أسد فقرك)أ.ه
وقال الطاهر بن عاشور :
(فقوله ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون ، كناية عن عدم الاحتياج إليهم ؛ لأن أشد الحاجات في العرف حاجة الناس إلى الطعام واللباس والسكن وإنما تحصل بالرزق وهو المال ، فلذلك ابتدئ به ثم عطف عليه الإطعام ، أي : إعطاء الطعام ؛ لأنه أشد ما يحتاج إليه البشر ، وقد لا يجده صاحب المال إذا قحط الناس فيحتاج إلى من يسلفه الطعام ، أو يطعمه إياه ، وفي هذا تعريض بأهل الشرك إذ يهدون إلى الأصنام الأموال والطعام تتلقاه منه سدنة الأصنام
والرزق هنا : المال كقوله تعالى( فابتغوا عند الله الرزق )وقوله (الله يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر) وقوله (ومن قدر عليه رزقه فلينفق مما آتاه الله )، ويطلق الرزق على الطعام كقوله تعالى( ولهم رزقهم فيها بكرة وعشيا) ويمنع من إرادته هنا عطف وما أريد أن يطعمون ) أ.ه.
وقال ابن الجوزي : ( إنما أسند الإطعام إلى الله في قوله : ( وما أريد أن يطعمون ) لأن الخلق عيال على الله ومن أطعم عيال أحد فقد أطعمه ، وجاء في الحديث الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : يقول الله يوم القيامة : ياابن آدم : استطعمتك فلم تطعمني ) أي لم تطعم عبدي .
وقال الزجاج : ( ذو القوة المتين ) ذو الاقتدار الشديد .
ومن هذا يتبين أن على المسلم ان يشغل نفسه بعبادة ربه ، حتى في سعيه في طلب رزقه عليه أن يعلم أن هذا عبادة ، ومن اشتغل بطاعة ربه كفاه الله ما أهمه ، قال تعالى : ( ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب ) ، وقال : ( ومن يتق الله يجعل له من أمره يسرا) فالتزم أيها العبد الضعيف الفقير الذليل لربك بطاعته وعبادته في جميع أمور حياتك كما قال صلى الله عليه وسلم : ( وفي بضع أحدكم صدقة ) ، فطري قالعبادة واسع ، فاشغل نفسك بمرضاة ربك وطاعته في كل سكناتك وهمساتك ، وفي أعمالك القلبية والبدنية ، واعلم أن الله كافلك وكافيك .

رد مع اقتباس
  #3  
قديم 11 محرم 1438هـ/12-10-2016م, 12:27 PM
أمل يوسف أمل يوسف غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المستوى الامتياز
 
تاريخ التسجيل: Aug 2014
المشاركات: 570
افتراضي

رسالة فى قوله تعالى {وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون}

فى هذه الآية الشريفة تلطف من الله تعالى لرسوله والمؤمنين ؛فقدأشار تعالى إلى أن حكمة التكليف تعتمد المصالح ودرء المفاسد ولا تعتمد ملاءمة الطبع ومنافرته ،إذ يكره الطبع شيئا وفيه نفعه وقد يحب شيئا وفيه هلاكه وذلك باعتبار العواقب والغايات ؛فإن الشىء قد يكون لذيذا ملائما ولكن ارتكابه يفضي إلى الهلاك ،وقد يكون كريها منفرا وفي ارتكابه صلاح .
وشأن جمهور الناس الغفلة عن العاقبة والغاية أو جهلهما ؛فكانت الشرائع وحملتها من العلماء والحكماء تحرض الناس على الأفعال والتروك باعتبار الغايات والعواقب.

فإن قلت ما الحكمة فى جعل أشياء كثيرة نافعة مكروهة وأشياء كثيرة ضارة محبوبة؟

والجواب أن حكمة الله تعالى اقتضت بناء نظام العالم على وجود النافع والضار والخبيث والطيب من الذوات والصفات والأحداث وخلق الإنسان صالحا للامرين وأراه طريقي الخير والشر ،وقد اقتضت الحكمة أن يكون النافع أكثر من الضار ولعل وجود الأشياء الضارة قدره الله ليكون آلة لحمل الناس على اتباع النافع كما قال تعالى {وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس}
وقد أقام نظام هذا العالم على وجود المتضادات ،وجعل الكمال الإنسانى حاصلا عند حصول جميع الصفات النافعة فيه بحيث إذا اختلت بعض الصفات النافعة منه انتقصت بقية الصفات النافعة منه أو اضمحلت ،وجعل الله الكمال أقل من النقص لتظهر مراتب النفوس فى هذا العالم ،وكما صارت الذوات الكاملة الفاضلة أقل من ضدها صار ت صفات الكمال عزيزة المنال وأحيطت عزتها ونفاستها بصعوبة منالها على البشر وبما يحف بها من الخطر والمتاعب لأنها لو كانت مما تنساق لها النفوس بسهولة لاستوى فيها الناس فلم تظهر مراتب الكمال ولم يقع التنافس بين الناس فى تحصيل الفضائل واقتحام المصاعب لتحصيلها
ثم إن الله تعالى جعل نظام الوجود فى هذا العالم بتولد الشىء من الشيئين والفضائل جعلت متولدة من النقائص؛فالشجاعة من التهور والجبن ،والكرم من السرف والشح ،ولا شك أن الشىء المتولد من شيئين يكون أقل من المتولد منه

ووراء ذلك أن الله تعالى حدد للناس نظاما لإستعمال الأشياء النافعة والضارة فيما خلقت لأجله فالتبعة على الإنسان فى صورة استعمالها وهذا النظام كله تهيئة لمراتب المخلوقات فى عالم الخلود وهو الدار الآخرة كما يقال {الدنيا مزرعة الآخرة}

والمقصود من هذا :تعليم المسلمين تلقي أمر الله تعالى بإعتقاد أنه الصلاح والخير وأن ما لم تتبين صفته لنا من الأفعال المكلف بها نوقن بأن فيه صفة مناسبة لحكم الشرع فيه فتطلبها بقدر الإمكان عسى أن تدركها

وفى هذه الآية عدة حكم وأسرار ومصالح للعبد ذكرها ابن القيم فى فوائده:

-منها أن العبد إذا علم أن المكروه قد يأتي بالمحبوب والمحبوب قد يأتى بالمكروه لم يأمن أن توافيه المضرة من جانب المسرة ولم ييأس أن تأتيه المسرة من جانب المضرة لعدم علمه بالعواقب فإن الله يعلم منها ما لا يعلمه العبد فأوجب له ذلك امور:

*منها أنه لاأنفع له من امتثال الامر وإن شق عليه فى الإبتداء لأن عواقبه كلها خيرات ومسرات ولذات وإن كرهته نفسه وكذلك لا شىء أضر عليه من ارتكاب النهى وإن هويته نفسه ومالت إليه وأن عواقبه كلها آلام وأحزان،والعاقل ينظر دائما إلى الغايات من وراء ستور مبادئها ولكن هذا يحتاج إلى فضل علم تدرك به الغايات من مبادئها ،وقوة صبر يوطن به نفسه على تحمل مشقة الطريق ؛فإذا فقد اليقين والصبر تعذر عليه ذلك وإذا قوى صبره ويقينه هان عليه كل مشقة يتحملها فى طلب الخير.

-ومن أسرار هذه الآية أنها تقتضى من العبد التفويض إلى من يعلم العواقب ،والرضا بما يختاره له ويقضيه له لما يرجو فيه من حسن العاقبة .

-ومنها انه لا يقترح على ربه ولا يختار عليه ولا يسأله ما ليس له به علم فلعل مضرته وهلاكه فيه وهو لا يعلم ؛فيسأل ربه حسن الإختيار له وأن يرضيه بما يختاره فلا أنفع له من ذلك.

-ومنها أنه إذا فوض إلى ربه ورضى بما يختاره له أمده فيما يختاره بالقوة عليه والعزيمة والصبر وصرف عنه الآفات التى هى عرضة اختيار العبد لنفسه وأراه من حسن عواقب اختياره ما لم يكن ليصل غلى بعضه باختياره هو لنفسه.

-ومنها أنه يريحه من الأفكار المتعبة فى انواع الإختيارات ويفرغ قلبه من التقديرات والتدبيرات فلا خروج له عما قدر عليه فلو رضى باختيار الله أصابه القدر وهو محمود مشكور ملطوف به فيه وإلا جرى عليه القدر وهو مذموم غير ملطوف به لأنه مع اختياره لنفسه،ومتى صح تفويضه ورضاه فإنه يصير بين لطفه وعطفه سبحانه فعطفه يقيه ما يحذره ولطفه يهون عليه ما قدره
فإذا نفذ القدر فى العبد كان من أعظم أسباب نفوذه تحيله فى رده فلا أنفع له من الإستسلام وإلقاء نفسه بين يدي القدر طريحا كالميتة فإن السبع لا يرضى باكل الجيف.

رد مع اقتباس
  #4  
قديم 12 محرم 1438هـ/13-10-2016م, 09:18 AM
فاطمة الزهراء احمد فاطمة الزهراء احمد غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - الامتياز
 
تاريخ التسجيل: Aug 2014
المشاركات: 1,051
افتراضي

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فهذه مقاصد من قوله تعالى:*{وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ۚ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَـٰئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا} [الإسراء:36].
هذه الآية جاءت من جملة ما أدب الله به نبيه صلى الله عليه وسلم في سورة الإسراء* وأرشد به خلقه .
وهي خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم ولأمته من بعده .
المقصد الأول :
النهي عن تتبع أمور الناس بلا دليل ، ولا غلبة ظن به .
وفي هذا دعوة إلى التحري والتثبت، والمعنى: لا تتبع ما ليس لك به علم، بل الواجب أن تتثبت في كل ما تقوله أو تعمله أو تتلقاه . ونظير هذا قوله تعالى " يأيها الذين ءامنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على مافعلتم نادمين "
المقصد الثاني :
وهو أن قوله:*{مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ}: عام لكل شيء؛ وذلك أن لفظة (مَا) تفيد العموم فهذا يشمل الكلام في الأعراض من الغيبة والنميمة؛ لأنها تقال من وراء الإنسان (القفا) والقذفَ والبهتَ والكذبَ وسائر أنواع الاعتقادات الباطلة هذا فيما يفعله الإنسانُ ويبتدئه، وهكذا الشأن فيما يتلقفه عن غيره من تصديق الأقوال والإشاعات الكاذبة، واتهام الصالحين والوقيعة في أعراضهم، وأن يقول: سمعتُ ولم يسمع وتقبل الأفكار الفاسدة، والمذاهب المنحرفة، والتقاليد المستوردة، والقول على الله بغير علم .
المقصد الثالث :
بيان أن الانسان سيسأل عن جميع حواسه التي وهبه الله تعالى له ،وذلك يوم القيامة كما قال تعالى " يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون " فالمقصد من هذه الاية الكريمة حفظ هذه الجوارح عن معصية الله
واستعمالها في طاعته .
المقصد الرابع :
على الإنسان تزكية نفسه وإبعادها عن القيل والقال وكثرة السؤال ،والاهتمام بما يجب عليها فعله من أوامر الله واجتناب نواهيه ، والاشتغال بما ينفعها في الدنيا والاخرة ، وهذا من أهم مقاصد هذه الاية الكريمة .
المقصد الخامس :
في ذكر الفؤاد هنا مع السمع والبصر دليلٌ على المؤاخذة على الأمور القلبية، كما أن الإنسان يؤاخذ على ما يسمع ويبصر.
ففيما يتعلق بالقلب فإن الإنسان يؤاخذ على المعتقدات التي يعتقدها فيثاب على التوحيد، ويعاقب على الشرك كما يؤاخذ على الأعمال القلبية الأخرى، فيثاب على اليقين والرضا والتوكل، ويعاقب على الأدواء التي تصيبه كالحسد والغل ونحو ذلك من سوء الظن وغيره من الآثام .
المقصد السادس:
بيان أن علم الله واسع ، وعلم البشر محدود ،فالنبي صلى الله عليه وسلم وما أنعم الله به عليه من الرسالة وما فيها من العلم الكبير ومن ذلك إخباره ببعض الأمور الغيبية عن طريق الوحي إلا أنه نهي عن أن يقفواماليس له به علم فما بالنا نحن الضعفاء الجهلاء .
المقصد السابع :
وجوب شكر الله تعالى على نعمة السمع والبصر والفؤاد وذلك باستعمالها فيما يرضي الله سبحانه وتعالى
فإذا استعمل الإنسان العضو فيما خُلق له وأُعد لأجله فذلك هو الحق القائم، والعدل الذي قامت به السماوات والأرض، وكان ذلك خيرًا وصلاحًا لذلك العضو ولربه وللشيء الذي استُعمل فيه، وذلك الإنسان الصالح هو الذي استقام حاله.
المقصد الثامن :
في
الآية الكريمة إصلاح اجتماعي كبير يجنب الأمة الوقوع في المهالك؛ ذلك أن إهمال تلك الجوارح الثلاث من المراقبة يجعلها تنطلق بلا زمام فتتلقف ما فيه بوارها، فتدمّر الأمة بفساد عقائدها وأخلاقه، وتتفكك الأواصرُ بسبب فشو الهمازون اللمازون .
نسأل الله أن يقينا شر أسماعنا وأبصارنا وأن يبصرنا بعيوبنا ،إنه ولي ذلك والقادر عليه .
والحمد لله رب العالمين .

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 12 محرم 1438هـ/13-10-2016م, 10:23 AM
هلال الجعدار هلال الجعدار غير متواجد حالياً
طالب علم
 
تاريخ التسجيل: Aug 2014
الدولة: مصر
المشاركات: 608
افتراضي تطبيقات على دورة أساليب التفسير. التطبيق السادس : (الأسلوب المقاصدي).

تطبيقات على دورة أساليب التفسير.
التطبيق السادس : (الأسلوب المقاصدي).
قال تعالى: {وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ ۚ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}سورة آل عمران آية 104
وقال تعالى:{ كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ۗ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُم ۚ مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ }.سورة آل عمران آية 110
وقال تعالى: { التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ ۗ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ}. سورة التوبة آية 112
وقال تعالى: { الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ ۗ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ}. سورة الحج آية 41
وقال تعالى: {يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَىٰ مَا أَصَابَكَ ۖ إِنَّ ذَٰلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ}. سورة لقمان آية 17

يتضح مما سبق أسباب وجود وخيرية أمة الإسلام، وهما ثلاثة أسباب:
الأول: الأمر بالمعروف.
الثاني: النهي عن المنكر.
الثالث: الإيمان بالله.
فأما الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فيبين مكانته وعظمته أن قُدم في جميع الآيات على الإيمان بالله مع أنه فرع عنه ، إذا يكف يكون معروفا ما ليس إيمان بالله ، وكيف يدعوا من لا يؤمن بالله إلى المعروف وهو لا يؤمن به أو لا يعرفه ، فمقتضى أنه يأمر بالمعروف أن يؤمن ويعمل به ، ولتقديم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على الإيمان لطيفة وهى أنهما الأهم في هذه المقامات المذكورة ، فضلاً عن أن الإيمان ثابت للمأمورين.
وهنا أسئلة لابد من معرفة إجاباتها ليُفه المراد:
فأما السؤال الأول: ما هو المعروف وما هو المنكر؟
-المعروف هو: ما عرفه العقل وحسنه الشرع ، والمنكر ضد ذلك ،وهو: ما عرف بالشرع والعقل قبحه.
والسؤال الثاني: ما المراد بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟
-المراد بذلك هو : بيان المعروف ، والأمر به ، وبيان المنكر ، والنَّهي عنه ، وأمَّا امتثال المأمورين والمنهيين لذلك ، فموكول إليهم أو إلى ولاة الأمور الَّذين يحملونهم على فعل ما أمروا به ، وأمَّا ما وقع في الحديث : « من رأى منكم منكراً فَلْيُغَيِّرْه بيدِه ، فإنْ لم يَسْتَطِعْ فبِلِسانه فإن لم يستطع فبقلبه » فذلك مرتبةُ التغيير ، والتَّغييرُ يكون باليد ، ويكون بالقلب ، أي تمنّى التَّغيير ، وأمَّا الأمر والنَّهي فلا يكونان بهما .
والسؤال الثالث: ما هى شروط الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ؟
-شروطه :
الأمر بالمعروف لابد فيه من شرطين:
الشرط الأول: أن يكون الآمر عالماً بأن هذا معروف، فإن كان جاهلاً فإنه لا يجوز أن يتكلم، لأنه إذا أمر بما يجهل فقد قال على الله تعالى ما لا يعلم.
الشرط الثاني:أن يعلم أن هذا المأمور قد ترك المعروف، فإن لم يعلم تركه إياه فليستفصل، ودليل ذلك أن رجلاً دخل يوم الجمعة والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب فجلس، فقال له: "أصليت؟ قال: لا، قال: قم فصل ركعتين وتجوز فيهما" فلم يأمره بصلاة ركعتين حتى سأله هل فعلهما أولا، فلابد أن تعلم أنه تارك لهذا المعروف.
والنهي عن المنكر كذلك لابد فيه من شروط:
الشرط الأول: أن تعلم أن هذا منكر بالدليل الشرعي، لا بالذوق ولا بالعادة ولا بالغيرة ولا بالعاطفة، وليس مجرد أن ترى أنه منكر يكون منكراً، فقد ينكر الإنسان ما كان معروفاً .
الشرط الثاني: أن تعلم أن هذا المخاطب قد وقع في المنكر، فإن لم تعلم فلا يجوز أن تنهى، لأنك لو فعلت لعد ذلك منك تسرعاً ولأكل الناس عرضك، بل لابد أن تعلم أن ما وقع فيه منكر.
الشرط الثالث: أن لا يزول المنكر إلى ما هو أعظم، فإن زال المنكر إلى ما هو أعظم كان إنكاره حراماً، لأن إنكاره يعني أننا حولناه مما هو أخف إلى ما هو أشد.
وتحت هذه المسألة أربعة أقسام:
القسم الأول: أن يزول المنكر بالكلية. وهذا حكمه واجب الإنكار
القسم الثاني: أن يخف. وهذا الإنكار واجب، لأن تخفيف المنكر أمر واجب
القسم الثالث: أن يتحول إلى منكر مثله. وهذا محل نظر، هل يُرجَّح الإنكار أو لا، فقد يرجح الإنكار لأن الإنسان إذا تغيرت به الأحوال وانتقل من شيء إلى شيء ربما يكون أخف، وقد يكون الأمر بالعكس بحيث يكون بقاؤه على ما هو عليه أحسن من نقله لأنه إذا تعود التنقل انتقل إلى منكرات أخرى.
القسم الرابع: أن يتحول إلى منكر أعظم. وهذا الإنكار حرام ، ذُكر عن شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - أنه مر مع صاحب له على قوم من التتر يشربون الخمر ويفسقون، ولم ينههم شيخ الإسلام عن هذا فقال له صاحبه: لماذا لا تنهاهم؟ وكان - رحمه الله - ممن عرف بإنكار المنكر، فقال: لو نهيت هؤلاء لقاموا إلى بيوت الناس ونهبوها وانتهكوا أعراضهم، وهذا أعظم مما هم عليه الآن - فانظر للفقه في دين الله عزّ وجل. شرح الاربعين النووية لابن عثيمين

والسؤال الرابع: ما حكم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟
-يجب أن تكون في الأمة طائفة تقوم بذلك ، وإن كان ذلك واجبا على كل فرد من الأمة بحسبه ، كما ثبت في صحيح مسلم عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من رأى منكم منكرا فليغيره بيده ، فإن لم يستطع فبلسانه ، فإن لم يستطع فبقلبه ، وذلك أضعف الإيمان"وفي رواية: "وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل".، وروى أحمد وغيره عن حذيفة بن اليمان ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "والذي نفسي بيده لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر ، أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عقابا من عنده ، ثم لتدعنه فلا يستجيب لكم" ، والمعروف والمنكر إن كانا ضروريين كان لكلّ مسلم أن يأمر وينهى فيهما ، وإن كانا نظريَّيْن ، فإنَّما يقوم بالأمر والنَّهي فيهما أهل العلم .

والسؤال الخامس: ما هى غاية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ؟
-غايته تكميل الغير بأمرهم بكل خير، ونهيهم عن كل شر، وشكر الله على نعمة الهداية.

والسؤال السادس: لماذا قُدم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على الإيمان بالله؟
-لأنهما الأهم في هذا المقام المسوق للتنويه بفضيلة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولأن إيمانهم ثابت محقّق من قبل، فالإيمان قصد به التفضيل على المشركين الذين كانوا يفتخرون بأنهم أهل حرم الله وسدنة بيته ، وذكر الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، قصد به التفضيل على أهل الكتاب ، الذين أضاعوا ذلك بينهم ، وقد قال تعالى فيهم{كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه}[المائدة : 79].
والسؤال السابع: لماذا أتبع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالصبر ، كما في آية لقمان؟
-لأن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قد يَجران للقائم بهما معاداةً من بعض الناس أو أذى من بعض فإذا لم يصبر على ما يصيبه من جراء الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أوشك أن يتركهما .

هذا وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 12 محرم 1438هـ/13-10-2016م, 10:24 AM
هلال الجعدار هلال الجعدار غير متواجد حالياً
طالب علم
 
تاريخ التسجيل: Aug 2014
الدولة: مصر
المشاركات: 608
افتراضي تطبيقات على دورة أساليب التفسير. التطبيق السادس : (الأسلوب المقاصدي)

تطبيقات على دورة أساليب التفسير.
التطبيق السادس : (الأسلوب المقاصدي)
قال تعالى: {وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ ۚ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}سورة آل عمران آية 104
وقال تعالى:{ كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ۗ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُم ۚ مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ }.سورة آل عمران آية 110
وقال تعالى: { التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ ۗ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ}. سورة التوبة آية 112
وقال تعالى: { الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ ۗ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ}. سورة الحج آية 41
وقال تعالى: {يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَىٰ مَا أَصَابَكَ ۖ إِنَّ ذَٰلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ}. سورة لقمان آية 17

يتضح مما سبق أسباب وجود وخيرية أمة الإسلام، وهما ثلاثة أسباب:
الأول: الأمر بالمعروف.
الثاني: النهي عن المنكر.
الثالث: الإيمان بالله.
فأما الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فيبين مكانته وعظمته أن قُدم في جميع الآيات على الإيمان بالله مع أنه فرع عنه ، إذا يكف يكون معروفا ما ليس إيمان بالله ، وكيف يدعوا من لا يؤمن بالله إلى المعروف وهو لا يؤمن به أو لا يعرفه ، فمقتضى أنه يأمر بالمعروف أن يؤمن ويعمل به ، ولتقديم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على الإيمان لطيفة وهى أنهما الأهم في هذه المقامات المذكورة ، فضلاً عن أن الإيمان ثابت للمأمورين.
وهنا أسئلة لابد من معرفة إجاباتها ليُفه المراد:
فأما السؤال الأول: ما هو المعروف وما هو المنكر؟
-المعروف هو: ما عرفه العقل وحسنه الشرع ، والمنكر ضد ذلك ،وهو: ما عرف بالشرع والعقل قبحه.
والسؤال الثاني: ما المراد بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟
-المراد بذلك هو : بيان المعروف ، والأمر به ، وبيان المنكر ، والنَّهي عنه ، وأمَّا امتثال المأمورين والمنهيين لذلك ، فموكول إليهم أو إلى ولاة الأمور الَّذين يحملونهم على فعل ما أمروا به ، وأمَّا ما وقع في الحديث : « من رأى منكم منكراً فَلْيُغَيِّرْه بيدِه ، فإنْ لم يَسْتَطِعْ فبِلِسانه فإن لم يستطع فبقلبه » فذلك مرتبةُ التغيير ، والتَّغييرُ يكون باليد ، ويكون بالقلب ، أي تمنّى التَّغيير ، وأمَّا الأمر والنَّهي فلا يكونان بهما .
والسؤال الثالث: ما هى شروط الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ؟
-شروطه :
الأمر بالمعروف لابد فيه من شرطين:
الشرط الأول: أن يكون الآمر عالماً بأن هذا معروف، فإن كان جاهلاً فإنه لا يجوز أن يتكلم، لأنه إذا أمر بما يجهل فقد قال على الله تعالى ما لا يعلم.
الشرط الثاني:أن يعلم أن هذا المأمور قد ترك المعروف، فإن لم يعلم تركه إياه فليستفصل، ودليل ذلك أن رجلاً دخل يوم الجمعة والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب فجلس، فقال له: "أصليت؟ قال: لا، قال: قم فصل ركعتين وتجوز فيهما" فلم يأمره بصلاة ركعتين حتى سأله هل فعلهما أولا، فلابد أن تعلم أنه تارك لهذا المعروف.
والنهي عن المنكر كذلك لابد فيه من شروط:
الشرط الأول: أن تعلم أن هذا منكر بالدليل الشرعي، لا بالذوق ولا بالعادة ولا بالغيرة ولا بالعاطفة، وليس مجرد أن ترى أنه منكر يكون منكراً، فقد ينكر الإنسان ما كان معروفاً .
الشرط الثاني: أن تعلم أن هذا المخاطب قد وقع في المنكر، فإن لم تعلم فلا يجوز أن تنهى، لأنك لو فعلت لعد ذلك منك تسرعاً ولأكل الناس عرضك، بل لابد أن تعلم أن ما وقع فيه منكر.
الشرط الثالث: أن لا يزول المنكر إلى ما هو أعظم، فإن زال المنكر إلى ما هو أعظم كان إنكاره حراماً، لأن إنكاره يعني أننا حولناه مما هو أخف إلى ما هو أشد.
وتحت هذه المسألة أربعة أقسام:
القسم الأول: أن يزول المنكر بالكلية. وهذا حكمه واجب الإنكار
القسم الثاني: أن يخف. وهذا الإنكار واجب، لأن تخفيف المنكر أمر واجب
القسم الثالث: أن يتحول إلى منكر مثله. وهذا محل نظر، هل يُرجَّح الإنكار أو لا، فقد يرجح الإنكار لأن الإنسان إذا تغيرت به الأحوال وانتقل من شيء إلى شيء ربما يكون أخف، وقد يكون الأمر بالعكس بحيث يكون بقاؤه على ما هو عليه أحسن من نقله لأنه إذا تعود التنقل انتقل إلى منكرات أخرى.
القسم الرابع: أن يتحول إلى منكر أعظم. وهذا الإنكار حرام ، ذُكر عن شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - أنه مر مع صاحب له على قوم من التتر يشربون الخمر ويفسقون، ولم ينههم شيخ الإسلام عن هذا فقال له صاحبه: لماذا لا تنهاهم؟ وكان - رحمه الله - ممن عرف بإنكار المنكر، فقال: لو نهيت هؤلاء لقاموا إلى بيوت الناس ونهبوها وانتهكوا أعراضهم، وهذا أعظم مما هم عليه الآن - فانظر للفقه في دين الله عزّ وجل. شرح الاربعين النووية لابن عثيمين

والسؤال الرابع: ما حكم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟
-يجب أن تكون في الأمة طائفة تقوم بذلك ، وإن كان ذلك واجبا على كل فرد من الأمة بحسبه ، كما ثبت في صحيح مسلم عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من رأى منكم منكرا فليغيره بيده ، فإن لم يستطع فبلسانه ، فإن لم يستطع فبقلبه ، وذلك أضعف الإيمان"وفي رواية: "وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل".، وروى أحمد وغيره عن حذيفة بن اليمان ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "والذي نفسي بيده لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر ، أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عقابا من عنده ، ثم لتدعنه فلا يستجيب لكم" ، والمعروف والمنكر إن كانا ضروريين كان لكلّ مسلم أن يأمر وينهى فيهما ، وإن كانا نظريَّيْن ، فإنَّما يقوم بالأمر والنَّهي فيهما أهل العلم .

والسؤال الخامس: ما هى غاية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ؟
-غايته تكميل الغير بأمرهم بكل خير، ونهيهم عن كل شر، وشكر الله على نعمة الهداية.

والسؤال السادس: لماذا قُدم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على الإيمان بالله؟
-لأنهما الأهم في هذا المقام المسوق للتنويه بفضيلة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولأن إيمانهم ثابت محقّق من قبل، فالإيمان قصد به التفضيل على المشركين الذين كانوا يفتخرون بأنهم أهل حرم الله وسدنة بيته ، وذكر الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، قصد به التفضيل على أهل الكتاب ، الذين أضاعوا ذلك بينهم ، وقد قال تعالى فيهم{كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه}[المائدة : 79].
والسؤال السابع: لماذا أتبع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالصبر ، كما في آية لقمان؟
-لأن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قد يَجران للقائم بهما معاداةً من بعض الناس أو أذى من بعض فإذا لم يصبر على ما يصيبه من جراء الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أوشك أن يتركهما .

هذا وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

رد مع اقتباس
  #7  
قديم 12 محرم 1438هـ/13-10-2016م, 12:14 PM
مضاوي الهطلاني مضاوي الهطلاني غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - الامتياز
 
تاريخ التسجيل: Aug 2014
المشاركات: 864
افتراضي

قال تعالى:(وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ۚ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ) [غافر : 60]

لما بين الله تعالى أن الساعة آتية لا ريب ولا شك فيها أرشد عبادة إلى ما فيه نجاتهم والفوز بدار الخلد ، فأمر نبيه صلى الله عليه وسلم أن يبلغهم قوله :( وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ۚ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ)
( وقال ربكم) أضاف ضمير المخاطبين إلى وصف الرب ، لما في هذا الوصف وإضافته من إيماء إلى وجوب امتثال أمره ، لأن من حق الربوبية امتثال المربوب بالطاعة لربه ، لهذا لم يذكر في الآية تذكير بآلائه وأنعامه ولا أشار إلى كمالات ذاته سبحانه .
(ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ۚ ) اختلف المفسرون في المراد في الدعاء في الآية إلى قولين :
أحدهما: وحِّدوني واعبُدوني أثِبْكم، قاله ابن عباس.
واستدلوا العلماء على هذا القول بدليل قوله تعالى في الآية (إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ)
ولولا أن الأمر بالدعاء أمر بمطلق العبادة لما بقي لقوله (إِنَّ ٱلَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِى ) معنى،فقوله: ((عن عبادتي)) أي عن الاستجابة لي فيما دعوت من العبادة وأمرت به ،
وأيضاً الدعاء بمعنى العبادة كثير في القرآن كقوله (إِن يَدْعُونَ مِن دُونِهِ إِلاَّ إِنَـٰثاً ) [النساء: 117]
وأيضلً لحديث النعمان بن بشير قال : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول : " الدعاء هو العبادة " ثم قرأ { وقَالَ ربُّكم ادعُوني أستَجِب لكم إنَّ الذِّين يستَكبرون عَن عبادتي سيَدخلُون جهنَّم داخِرين } رواه الترمذي . وقال : هذا حديث حسن صحيح .وهذا القول ذكر الشوكاني أنه قول أكثر المفسرين .
واستجابة الله لهم بقبول عبادتهم بمغفرة شركهم إذا وحدوه وبثوابهم على إيمانهم وطاعتهم وقبول توبتهم .

والثاني: سلوني أُعْطِكم، قاله السدي.
أي على معناه الحقيقي هو سؤال العبد ربه حاجته بجلب نفع أو دفع ضر .
واستدلوا على هذا القول ؛ أن معنى الدعاء حقيقة، وشرعاً هو: الطلب، فإن استعمل في غير ذلك، فهو: مجاز، و ترك الظاهرة لا يصار إليه إلا بدليل منفصل،
وعلى أن الدعاء في نفسه باعتبار معناه الحقيقي هو: عبادة، بل هو العبادة كما ورد بذلك الحديث الصحيح،
وبمعناها آية البقرة قوله تعالى؛(أجيب دعوة الداع إذا دعان فليستجيبوا لي)) تفسير : [آية: 186
حكى قتادة أن كعب قال: أعطيت هذه الأمة ثلاثاً لم تعطهن
أمّة قبلكم إلا نبي: كان إذا أرسل نبي قيل له: أنت شاهد على أمتك، وجعلكم شهداء على الناس، وكان يقال للنبي، ليس عليك في الدين من حرج، وقال لهذه الأمة: وما جعل عليكم في الدين من حرج، وكان يقال للنبي: ادعني أستجب لك، وقال لهذه الأمة: ادعوني أستجب لكم.
(أَسْتَجِبْ لَكُمْ ۚ)
وعدهم الله باستجابهم دعائهم ، لكن قد يدعو الإنسان كثيراً فلا يستجاب له،قيل :لأن هذا الوعد بالإجابة مقيد بالمشيئة، أي: أستجب لكم إن شئت كقوله سبحانه: (فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شَاء ) [الأنعام: 41]
وقيل: الدعاء له شروط منها:
- الإخلاص في الدعاء
- وأن لا يدعو وقلبه غافل لاه.
- وأن لا يكون فيه قطيعة رحم .
- والا يستعجل الإجابة.
- الا يتعدى في دعائه، فقد عاب رسول الله صلى الله عليه وسلم دعاء الذي قال: اللهم أعطني القصر الأبيض الذي عن يمين الجنة.
- أن يطيب مطعمه فقد سأل سعد بن أبي وقاص رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، ادع الله أن يجعلني مستجاب الدعوة. فقال: يا سعد ، أطب مطعمك، تكن مستجاب الدعوة، ..)رواه الطبراني في ( الأوسط ) وهو حديث ضعيف. لكن معنى هذا الحديث ثابت في أحاديث أُخر، كالحديث الذي في ( صحيح مسلم ) رحمه الله عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء: يا رب يا رب، ومطعمه حرام ومشربه حرام وملبسه حرام وغذي بالحرام فأنى يستجاب لذلك .
قال القشيري، وقيل: الدعاء مفتاح الإجابة، وأسنانه لقمة الحلال .
فإذا كان الدعاء بهذه الشروط كان حقيقاً بالإجابة فإما أن يعجلها له وإما أن يؤخرها له يدل عليه ما روي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "ما من رجل يدعو الله تعالى بدعاء إلا استجيب له فإما أن يعجل له به في الدنيا وإما أن يدخر له في الآخرة وإما أن يكفر عنه من ذنوبه بقدر ما دعا ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم أو يستعجل قالوا يا رسول الله وكيف يستعجل قال يقول دعوت ربي فما استجاب لي" أخرجه الترمذي وقال حديث غريب
فإن قيل روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال حكاية عن رب العزة أنه قال: « من شغله ذكري عن مسألتي أعطيته أفضل ما أعطي السائلين » فهذا الخبر يقتضي أن ترك الدعاء أفضل، هذه الآية تدل على أن ترك الدعاء يوجب الوعيد الشديد، فكيف الجمع بينهما؟
قال الرازي : قلنا لا شك أن العقل اذا كان مستغرقاً في الثناء كان ذلك أفضل من الدعاء، لأن الدعاء طلب للحظ والاستغراق في معرفة جلال الله أفضل من طلب الحظ، أما إذا لم يحصل ذلك الاستغراق كان الاشتغال بالدعاء أولى، لأن الدعاء يشتمل على معرفة عزة الربوبية وذلة العبودية،
وبعد أن بينا أقوال المفسرين في المراد بالدعاء يتبين أن المراد من الدعاء كلا المعنين ويدل على ذلك حديث النعمان بن بشير قال : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول : " الدعاء هو العبادة " ثم قرأ { وقَالَ ربُّكم ادعُوني أستَجِب لكم إنَّ الذِّين يستَكبرون عَن عبادتي سيَدخلُون جهنَّم داخِرين } رواه الترمذي . وقال : هذا حديث حسن صحيح ،
فقد دل قوله صلى الله عليه وسلم ( الدعاء هو العبادة) على اتحاد هذين المعنيين فالدعاء هو العبادة والعبادة هي الدعاء ، فالدعاء سؤال وطلب بلسان المقال وهو عبادة يتقرب بها إلى الله والعبادة طلب وسؤال فلا تخلو عبادة من نداء وسؤال والمقصود من العبادة الفوز بالجنة والنجاة من النار فهي إذاً طلب ولكن بلسان الحال والمقال.
وأيضاً ذكر أولا المعنى المشهور ( ادعوني) ثم ذكر المعنى الثاني( عبادتي) لتدخل العبادة في المعنى الأول المشهور وهو الدعاء ويدخل الدعاء في المعنى الثاني ( عبادتي)
والمراد بالعبادة في القرآن هو التوحيد كما قال ذلك ابن عباس في تفسير ( وما خلقت الجنّ والإنس إلا ليعبدون ) قال : ليوحدوه.

(إن الذين يَستكبِرونَ عن عبادتي)
المراد بالعبادة فيه قولان حسب المراد بالدعاء:
أحدهما: عن توحيد،وعبادتي
والثاني: عن دعائي ومسألتي ((سَيَدْخُلونَ جهنَّم. )
وقوله :(إنَّ الذين يَسْتكبرون عن عِبادَتي سيدخلون جهنَّم) هذه الجملة تعليلاً للأمر بالدعاء فيه التحذير من الاستكبار عن الدعاء أو عن عبادة الله وتوحيده
( سيدخلون جهنم داخرين ) أي : صاغرين حقيرين ، يجتمع عليهم العذاب والإهانة، جزاء على استكبارهم.
عن أبي هريرة [ رضي الله عنه ] قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " من لم يدع الله ، عز وجل ، غضب عليه " .تفرد به الامام أحمد واسناده لا بأس به.
عن عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " يحشر المتكبرون يوم القيامة أمثال الذر ، في صور الناس ، يعلوهم كل شيء من الصغار حتى يدخلوا سجنا في جهنم - يقال له : بولس - تعلوهم نار الأنيار ، يسقون من طينة الخبال عصارة أهل النار " .رواه الامام أحمد

وقرأ الجمهور { سيدخلون } بفتح التحتية وضم الخاء . وقرأه أبو جعفر ورويس عن يعقوب بضم التحتية وفتح الخاء على البناء للنائب ، أي سيدخلهم ملائكة العذاب جهنم .

سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أنه لا إله إلا أنت استغفرك وأتوب إليك

رد مع اقتباس
  #8  
قديم 13 محرم 1438هـ/14-10-2016م, 04:05 AM
هناء هلال محمد هناء هلال محمد غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - الامتياز
 
تاريخ التسجيل: Aug 2014
المشاركات: 663
افتراضي

رسالة في قوله تعالى : (وهيئ لنا من أمرنا رشدا)
تتحدث الآية عن أصحاب الكهف ، وهم فتية آمنوا بربهم ، فروا بدينهم يريدون الآخرة ، وخرجوا من ديارهم وأهليهم وأموالهم ، ثم نجد أنهم يطلبون من ربهم أن يهيئ لهم من أمرهم رشدا .
فما هو الرُّشد الذي طلبوه ؟
وحينما نتدبر القرآن الكريم ، ونبحث فيه نجد أنه عرض قضية الرشد في عدة مواضع من السور المكية والمدنية ، كما دعى الناس إليه ، وأثنى على الراشدين ، ونفي الرشد عن الكافرين ، فالرشد قضية مهمة جدا في القرآن .
- معنى الرُّشد لغة :
يدور معنى الرُّشد في لغة العرب حول الاستقامة والهداية والصلاح ، يقال : رجل راشد إذا أصاب وجه الأمر ، والرُّشد نقيض الغي والضلال .
- المراد بالرُّشد في القرآن
جاء الرُّشد في القرآن بعدة معان منها :
أولا : الرُّشد بمعنى الإيمان والتوحيد :
وقد جاء ذلك في قوله تعالى : (قد تبين الرشد من الغي)
قال الشوكاني والزمخشري والرازي : الرشد هنا الإيمان ، والغي الكفر ، وكذلك جاء بهذا المعنى قوله تعالى على لسان الجن : (قل أوحي إلي أنه استمع نفر من الجن فقالوا إنا سمعنا قرءانا عجبا (1) يهدي إلى الرشد فآمنا به ولن نشرك بربنا أحدا)
ثانيا : الرشد بمعنى الهداية والاستقامة :
ومن ذلك قوله (فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون)
قال القرطبي : الرشاد : الهداية والاستقامة .
ومن هذا المعنى أيضا قوله تعالى : (من يهد الله فهو المهتد ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا) ، وقوله (ومن أسلم فأولئك تحروا رشدا)
وعلى هذا المعنى الثاني جاءت الآية (وهيئ لنا من أمرنا رشدا)
قال الزمخشري : هيئ لنا رشدا : يسّر لنا كل سبب موصل إلى الهداية والاستقامة .
- مقاصد سورة الكهف مناسبة مع مقاصد الآية ومقاصد القرآن
والملاحظ أن مقاصد سورة الكهف مناسبة مع مقاصد الآية ، ومن هذه المقاصد تصحيح العقيدة ، وتصحيح القيم بميزان تلك العقيدة ، فبدأت بقوله (الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجا ...) إلى أن قال : (وينذر الذين قالوا اتخذ الله ولدا) ، كما اختتمت بقوله (قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي أنما إلهكم إله واحد) .
وهذه المقاصد متناسبة مع مقاصد القرآن كله ، فالقرآن كله يدور حول التوحيد الخالص والاستسلام لأوامر الله سبحانه ، وهذا هوالرشد بعينه .
وقد تحدث القرآن في مواضع عدة أمثلة عن الراشدين لنقتدي بهم ونتخذهم قدوة لنا ونسير على هداهم في حياتنا ، فذكر لنا أمثلة لرشد الأنبياء كما سنذكر ، وكذلك رشد بعض المؤمنين من الأمم السابقة كأصحاب الكهف وقوله تعالى : (وهيئ لنا من أمرنا رشدا) ، ورشد المؤمنين من أمة محمد صلى الله عليه وسلم في قوله (أولئك هم الراشدون) ، وكذلك رشد المؤمنين من الجن بقولهم (إنا سمعنا قرآنا عجبا يهدي إلى الرشد فآمنا به).
- أمثلة لرشد الأنبياء :
ضرب الله لنا الأمثلة على رشد الأنبياء ، فهم القدوة الحسنة لنا ومن ذلك :
أولا : رشد إبراهيم عليه السلام :
قوله تعالى : (ولقد آتينا إبراهيم رشده من قبل وكنا به علمين)
فسر بعض المفسرين الرشد هنا بالنبوة ، ولكن الذي عليه أكثر أهل العلم من المفسرين أنه بمعنى الهداية وإصابة الحق ، وقد ذكر لنا القرآن بعض مظاهر هذا الرشد ، وقد ظهر ذلك جليا في إنكاره على قومه عبادة الأصنام ، ومحاجته وجادله لهم ، كما ظهر ذلك في محاجته للنمرود ، وغير ذلك من مواقفه الواضحة .
ثانيا : رشد موسى عليه السلام :
وقد ظهر ذلك في طلبه من العبد الصالح أن يعلمه مما علمه الله ليقوده إلى الرشد الذي هو إصابة الخير والصلاح فقال : (قال له موسى هل أتبعك على أن تعلمن مما علمت رشدا) فلم يمنعه كونه نبيا ومن أولي العزم من الرسل أن يتعلم من غيره ما يقوده إلى الرشد .
ثالثا : رشد خاتم المرسلين صلى الله عليه وسلم :
قال تعالى مخاطبا نبيه : (ولا تقولن لشايء إني فاعل ذلك غدا إلا أن يشاء الله واذكر ربك إذا نسيت وقل عسى أن يهدين ربي لأقرب من هذا رشدا)
وهذا توجيه لنبيه ألا يعزم على فعل شيء إلا بعد أن يردّ ذلك لمشيئة الله سبحانه ، وأن يطلب من الله أن يهديه لما فيه الرشد والصواب .
- نفي الرشد عن الكافرين
وفي مقابل إثبات الرشد للمؤمنين ، نفي الله سبحانه الشرك عن الكافرين ، فالرشد لا يكون إلا مع الإيمان بالله وصلاح الشأن ، أما الكافر فلا يصح أن يوصف بهذا الوصف مهما بلغ من علوم الدنيا ، لأنه لو كان راشدا لقاده رشده إلى الإيمان بالله تعالى ، ولهذا نفي الله صفة الرشد عن الكافرين حتى لو ادعى بعضهم له ، كما قال تعالى في شأن فرعون : (وما أمر فرعون برشيد) على الرغم من ادعاء فرعون الرشد في قوله (ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم سبيل الرشاد) ، وكذلك قول لوط لقومه (أليس منكم رجل رشيد) فأنكر عليهم لوط وجود رجل رشيد بينهم يحسن التصرف في الأمور .
- أثر الرشد في حياة المؤمنين
يظهر الرشد في سلوك المؤمنين ، وفي أقوالهم وأفعالهم في أمور الدين والدنيا ، والثبات على العقيدة فلا تتبدل ولا تتغير ، وقد وصف الله المؤمنين بذلك في قوله (ولكن الله حبب إليكم الإيمان وزينه في قوبكم ، وكره إليكم الكفر والفسوق والعصيان أولئك هم الراشدون) ، كذلك قال سبحانه (فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون)
وقد ساد المؤمنين الدنيا حين استقاموا على منهج الله واهتدوا بهداه ، ولهذا وصف النبي صلى الله عليه وسلم الخلفاء الراشدين بهذا الوصف ، لظهور أثر الرشد على حياتهم .
- أثر الرشد في المجتمع
إن الرشد صفة يحتاجها المجتمع كما الأفراد ، وما أصاب الأمة الآن بل البشرية كلها من تخبط وتشتت ، إنما سببه البعد عن الرشد ، فعمت الفوضى وفشا الفساد ، ولا مخرج مما هي فيه إلا بعودتها لربها ولرشدها .

رد مع اقتباس
  #9  
قديم 15 محرم 1438هـ/16-10-2016م, 12:14 AM
عابدة المحمدي عابدة المحمدي غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المستوى السابع
 
تاريخ التسجيل: Aug 2014
المشاركات: 483
افتراضي

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم أدى الرسالة ونصح الأمة وجاهد في الله حق جهاده وتركنا على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك أما بعد:
فهذا تفسير بطريقة الأسلوب المقاصدي لقوله تعالى :
(وَاتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ كِتَابِ رَبِّكَ لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَلَنْ تَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا) (27)الكهف
بدأت الآية بأمر الرسول صلى الله عليه وسلم بتبليغ ما أنزل إليه عن طريق الوحي , وذلك بتلاوته كما أنزل, وأن لا يستثني من ذلك شيء ,وهذا ما كانت المشركين تريده حيث قد طلبت منه صلى الله عليه وسلم أن يذكر القرآن شيء من الثناء والمديح لهم ,فنهاه الله تعالى عن ذلك كقَوْلِهِ تَعَالَى:( وَإِنْ كادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنا غَيْرَهُ وَإِذاً لَاتَّخَذُوكَ خَلِيلًا) سُورَةِ الْإِسْرَاءِ [73]
وحاشاه صلى الله عليه وسلم أن يكتم شيئا نزل إليه ,أو يغير شيئا أنزل إليه ويشهد على ذلك الآيات التي تحمل عتابا للنبي عليه الصلاة والسلام ,ومن ذلك عتاب الله عزوجل للنبي صلى الله عليه وسلم في ترك الإستثناء,
(وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا (23) إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ) فلو كان كاتما شيئا لكتم أمثال ذلك ولكن قد بلغ النبي عليه الصلاة والسلام شرع الله تبليغا رضي عنه الله به وأشهد الله عز وجل في حجة الوداع فقال (ألا هل بلغت) ثم أشار بسبابته إلى السماء ثم قال( اللهم فاشهد )
ولكن الغرض تعليم أمته صلى الله عليه وسلم بأن لا يكتموا شيئا من دين الله عز وجل علموه ,سواء كان لهم أم عليهم أرضى الناس أم أغضبهم ذلك الحكم , وأن لا يشابهوا اليهود في كتمانهم شرع الله ,أو الحكم بين الناس بغير شرع الله .
وحث النبي صلى الله عليه وسلم أمته على تبليغ الدعوة وذلك بقوله (نضر الله امرأ سمع مقالتي فحفظها ثم ذهب إلى من لم يسمعها فرب حامل فقه ليس بفقيه ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه )
وهذا المعنى للآية مستمر إلى قيام الساعة من حيث تبليغ الدعوة للغير, ومن حيث تطبيق أحكامها على أنفسنا ومجتمعنا ,ولا نكتم منه شيئا هذا المقصد الأول
وفي الآية مقصد آخر: وهو الوعيد الشديد لمن كتم شيئا من أمور الدين ,أو لم يطبقها فقد ختم الله الآية بهذا الوعيد حيث قال (لن تجد من دونه ملتحدا )أي لن يجد له ملجئا يلجأ إليه من عذاب الله يوم القيامة لئن ذلك من الكفر أو الظلم أو الفسق كما بين ذلك الله عز وجل في سورة المائدة (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون )
وقال أيضا(ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون)
وقال أيضا(ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون)
هذا والحمد لله رب العالمين فإن كان صوابا فمن الله وإن كان خطأ فمن نفسي ومن الشيطان

رد مع اقتباس
  #10  
قديم 16 محرم 1438هـ/17-10-2016م, 10:24 PM
تماضر تماضر غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المستوى الثامن
 
تاريخ التسجيل: Aug 2014
المشاركات: 521
افتراضي

﴿وَسارِعوا إِلى مَغفِرَةٍ مِن رَبِّكُم وَجَنَّةٍ عَرضُهَا السَّماواتُ وَالأَرضُ أُعِدَّت لِلمُتَّقينَ﴾
[آل عمران:-133]

لما أمر الله تعالى عباده المؤمنين بطاعته سبحانه وطاعة رسوله ﷺ حين قال ( وَأَطيعُوا اللَّهَ وَالرَّسولَ لَعَلَّكُم تُرحَمونَ ۝ )
بين الطريق الموصل لهذه الرحمة بقوله (وسارعوا) أي بادروا بطاعتكم لله ورسوله لاغتنام مغفرته وجنته الواسعة التي وصف عرضها بقوله (وجنة عرضها السماوات والأرض) ، فكيف بطولها ؟
وقد بين سبحانه أن هذه الجنة العظيمة في العرض والطول التي تشمل على كل ما يسعد الإنسان ويبهجه ، الجنة التي لا لغو فيها ولا تأثيم ، لا حزن فيها ولا نوم ، قد أعدت لمن اتقاه من عباده ، وتقوى الله هي طاعته فيما أمر واجتناب ما نهى عنه وزجر.
وفيه عطفه على الآية السابقة بقوله (وسارعوا) حث على المسارعة في أسباب المغفرة ودخول الجنة بعمل الواجبات والتوبة من جميع المحرمات ، ويبين كذلك بتقديمه لطلب المغفرة قبل دخول الجنة مع أن دخولها هو المقصد الأول والأمنية الكبرى لكل مؤمن أن التخلية قبل التحلية ، فلا يدخل الجنة من لم يزحزح عن النار ويترك الذنوب والشهوات ، قال تعالى :( فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ) فجمع بين المغفرة والجنة للإشعار بأنه لا بد للمسلم من تحصيل الأمرين كي يفوز بالمقصود الأسمى والأهم والأعظم.
وفي الأمر بالمسارعة دليل على وجوب التوبة دائما وأن تكون على الفور لا على التراخي فلا يدري الإنسان متى يقبض الله روحه ، كما أن الإيمان لا يكون إيمانًا حقيقيًا إلا بدخول العمل الصالح فيه كما قال تعالى في سورة الحديد :( سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ) [الحديد: 21]، وهنا قال: أُعِدَّت للمُتَّقين، ثم وصَف المتَّقِين بأعمال كثيرة ماليَّة وبَدنيَّة؛ في الآيات التي تليها ، فدلَّ على أنَّ هؤلاء المتَّقِين الموصوفين بهذه الصِّفات هم أولئك المؤمِنون.
وتنكيرُ مَغْفِرَةٍ، وإضافتُها إلى مِنْ رَبِّكُمْ في قوله: مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ؛ لقَصْدِ الدَّلالةِ على التَّكثيرِ والتَّعظيم ، فالله سبحانه وتعالى يغفر الذنوب جميعا وكلما أذنب العبد وتاب واستغفر غفر الله له وتاب عنه وهذا من كرمه سبحانه وعظمته تعالى.
فمن أهم مقاصد هذه الآية : حث المسلمين على المبادرة والمسارعة في الخيرات من الأعمال الصالحة والأقوال وكثرة التوبة والاستغفار لينالوا بذلك هدفهم الأعظم وهو رضا الله وجنته سبحانه.

رد مع اقتباس
  #11  
قديم 20 محرم 1438هـ/21-10-2016م, 05:04 AM
شيماء طه شيماء طه غير متواجد حالياً
طالبة علم
 
تاريخ التسجيل: Aug 2014
المشاركات: 318
افتراضي

تطبيق الاسلوب المقاصدي
رسالة في قول الله تعالى:
"اتلُ ما أوحي اليك من الكتاب وأقم الصلاة ان الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون."
اشتملت هذه الآية على الكثير من المقاصد العظيمة والتوجيهات الكريمة والأسرار البديعة النافعة
والوصايا الماتعة
فهذه الآية جاءت بعد مثل ضربه الله عن الأمم السابقة وم يدعون اليه من فساد في المعتقد وخاصة أنهم كانوا يشركون مع الله غيره في عبادته
جاءت هذه الآية لتبين فساد ذلك المعتقد وتنوه بصحة اعتقاد المؤمنين
وجاءت لتخبر أن القرآن فيه ما هو صالح لكل زمان ومكان في العقيدة والمعاملة والسلوك
ولذلك أمر الله في هذه الآية وغيرها بتلاوة القرآن حق تلاوته وجاء الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم وما الرسول الا قدوة لأمته في جميع شؤون الحياة
أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم بأقامة الصلاة وهي عمل عظيم اشتملت على كثير من المقاصد والمنافع التي تتحقق للعبد ان اقامها والتي منها:
1 الاشارة اليها في آيات كثيرة يدل على أهميتها وما لها من مكانة عظيمة.
2 ما يحصل في الصلاة من الصلاح النفسي لذلك قال "ان الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر."
3 ما يحصل فيها من زيادة في الحسنات ومحو للسيئات.
4 ..
ما يحصل للخاشع في صلاته من الاخبات والمراقبة لله عزوجل.
وهذا من شأنه أن يصلح أقواله وأفعاله.
5 أن الصلاة تشتمل على مذكرات بالله من أقوال وأفعال من شأنها أن تكون للمصلي كالواعظ أذ ينهى سامعه عن ارتكاب ما لا يرضي الله.
6 في الصلاة تكبير لله وتحميده وتسبيحه والتوجه اليه بالدعاء والاستغفار وقراءة فاتحة الكتاب المشتملة على التحميد والثناء على الله والاعتراف بالعبودية له وطلب الاعانة والهداية منه
7 في الصلاة افعال هي خضوع وتذلل لله تعالى من قيام وركوع وسجود وذلك يذكر باجتناب ما يسخطه والتقرب اليه بما يرضيه.
8 في الصلاة أعمال قلبية من نية واستعداد للوقوف بين يدي الله وذلك يذكر بأن المعبود جدير بأن تمتثل أوامره وتجتنب نواهيه
لذلك قال الله تعالى عن الصلاة "تنهى عن الفحشاء والمنكر." ولم يقل تصد أو تحول
لأن الصلاة بمجموعها كالواعظ الناهي.
9 الحكمة في توزيع أوقات الصلوات على الليل والنهار لأن الناس في الانتهاء متفاوتون وليتجدد التذكير وتتعاقب المواعظ وبمقدار التكرر تزداد التقوى في النفوس وتتباعد عن المعاصي.
10 كلما تذكر المصلي عظمة ربه ووجوب طاعته وذكر ما قد يفعله من الفحشاء والمنكر كانىت صلاته قد نهته بعض أفراد الفحشاء والمنكر.
11 الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر لأنها ذكر لله وهو أمر كبير فلذلك قال تعالى "ولذكر الله أكبر."

رد مع اقتباس
  #12  
قديم 23 محرم 1438هـ/24-10-2016م, 12:11 PM
الشيماء وهبه الشيماء وهبه غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المستوى السابع
 
تاريخ التسجيل: Dec 2012
المشاركات: 1,465
افتراضي

بسم الله نبدأ وبه نستعين وعليه نتوكل
نحمد لله تعالى حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه نحمده تعالى على نعمة الإسلام وعلى نعمة القرآن وكفى بهما نعمة نحمده تعالى على نعمة العلم ونسأله العون على حسن العمل بما علمنا ،
نحمده تعالى على تيسير الذكر وتيسير بيانه وفهم خطابه ونسأله تعالى أن يطهر قلوبنا لتنهل من معاني كلام ربها اللهم آمين والصلاة والسلام على خير المرسلين أما بعد :


قال تعالى { ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِّلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ ۖ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ ( 10 )
وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِّلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِندَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِن فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ( 11 ) وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِن رُّوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ } }التحريم


والأمثال في القرآن هدفها أخذ العبرة والعظة وذلك لما فيها من تقريب للمراد من الأذهان بأمثلة واقعية يراها المتأمل لها رأى العيان فيفهم المراد من كلام ربه
ويقطع الحجة والشك بالدليل والبرهان .


وسورة التحريم نزلت لبيان الحكم في حدث هام وقع في بيت النبوة وقد اختلف المفسرون في تفاصيل الوقائع لهذا الحدث .
ولكن مجمل القول أن الرسول صلى الله عليه وسلم حرم على نفسه شىء هو حلال في أصله وذلك ابتغاء مرضاة أزواجه ولهذا دعا الله تعالى زوجات النبي صلى الله عليه وسلم للتوبة
وحذرهم من سوء عاقبة أمرهم إن أصروا على صنيعهم .


ولهذا كان ختام تلك السورة العظيمة بضرب المثال لامرأتين من أهل النار وامرأتين من أهل الجنة ، فتكون الموعظة أبلغ في البيان والتأثير في النفس .

وسنفصل في رسالتنا هذه بعون الله تعالى المقصد الأساسي من هذين المثلين

قال السعدي رحمه الله : هذان المثلان اللذان ضربهما الله للمؤمنين والكافرين، ليبين لهم أن اتصال الكافر بالمؤمن وقربه منه لا يفيده شيئًا، وأن اتصال المؤمن بالكافر لا يضره شيئًا مع قيامه بالواجب عليه.
فكأن في ذلك إشارة وتحذيرًا لزوجات النبي صلى الله عليه وسلم، عن المعصية، وأن اتصالهن به صلى الله عليه وسلم، لا ينفعهن شيئًا مع الإساءة.

إذن المقصد الأساسي من هذين المثلين بيان أن صحبة الصالحين وحدها ليست كافية في بلوغ رضا الله تعالى والنجاة من سخطه وعقابه ،


كما أن حياة المرء وسط الكفار أو أهل المعاصي لا تمنعه حقيقة من بلوغ رضا الله تعالى فلا يضره شىء إن اعتصم بربه واستعان به على لزوم الصراط .

وهذا المقصد العظيم فيه قطع لحجج كثير من أهل المعاصي وفيه أيضًا تقوية لعزيمة المرء على تحقيق الإيمان ونقاء السريرة وبذل العمل الصالح


وعدم الاكتفاء بمجالس الصالحين ظنًا منها النفع وتحقيق المغفرة وكما قال تعالى حكاية عن الكافرين وهم يتحسرون على مآلهم في جهنم
{ فَمَا لَنَا مِن شَافِعِينَ * وَلَا صَدِيقٍ حَمِيمٍ * فَلَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ } الشعراء

وكم من منافق جلس مجالس الصالحين وتظاهر بكونه منهم فوافقهم أقوالهم وأعمالهم وهو يبطن الشك والريب فيفضح الله تعالى أمره يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم كما
قال تعالى{ يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِن نُّورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُورًا فَضُرِبَ بَيْنَهُم بِسُورٍ لَّهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِن قِبَلِهِ الْعَذَابُ
* يُنَادُونَهُمْ أَلَمْ نَكُن مَّعَكُمْ ۖ قَالُوا بَلَىٰ وَلَٰكِنَّكُمْ فَتَنتُمْ أَنفُسَكُمْ وَتَرَبَّصْتُمْ وَارْتَبْتُمْ وَغَرَّتْكُمُ الْأَمَانِيُّ حَتَّىٰ جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ وَغَرَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ } الحديد



وكم من مؤمن رضي بالله تعالى ربا وبالإسلام دينا وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيًا ورسولًا وبالقرآن هاديًا وبشيرا فأبطن تلك العقيدة المنجية في قلبه وهو وسط بلاد الكفار متعرض لبطشهم أو هو وسط أناس قائمون على المعاصي يخشى أذاهم بالسخرية وقطع المصالح وهو مع هذا يستعين بربه فيطيعه قدر استطاعته فيجاهد رغمًا عن حاله لتحقيق طاعة ربه فينصره الله تعالى ولو بعد حين مصداقًا
لقوله تعالى {
والَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا ۚ وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} العنكبوت


قال السعدي { وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا }وهم الذين هاجروا في سبيل اللّه، وجاهدوا أعداءهم، وبذلوا مجهودهم في اتباع مرضاته،{ لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا }أي: الطرق الموصلة إلينا، وذلك لأنهم محسنون ، {وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ }بالعون والنصر والهداية.

فالهمة والمجاهدة أخي الكريم وأختي الكريمة في تنقية القلوب وتصفيتها من الشوائب وجمع شتات أمرها على محبة الله تعالى ومحبة اتباع أوامره والبعد عن نواهيه فلو علم الله تعالى الصدق من قلب العبد لهداه لما يحقق نجاته ولنجاه من كل الفتن والشرور التى تحيط به كما في قصة أصحاب الكهف لما آمنوا بربهم وخافوا بطش قومهم قال تعالى { وَرَبَطْنَا عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ إِذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَن نَّدْعُوَ مِن دُونِهِ إِلَٰهًا ۖ لَّقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا }
قال السعدي {وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ }أي صبرناهم وثبتناهم، وجعلنا قلوبهم مطمئنة في تلك الحالة المزعجة، وهذا من لطفه تعالى بهم وبره، أن وفقهم للإيمان والهدى، والصبر والثبات، والطمأنينة.

والحذر كل الحذر من الاغترار بصحبة الصالحين من العلماء وأهل العلم والدين فالنفس غرورة خداعة لصاحبها تمنيه ببلوغ تلك المراتب العليا بتقليد قول أو فعل فيظن أنه منهم وهو ليس منهم ولا ينفعه شىء من صحبتهم إن لم يحقق الصلاح في قلبه وفي ذاته وفي عمل سره قبل علانيته ، وإنما يصاحب الأخيار برجاء أن يكون منهم فيتعلم منهم ليزداد إيمانًا حقيقيًا في سلوكه وحياته وعباداته ولا ينتفع العبد في الحقيقة إلا بعمله الصالح كما قال تعالى في مواضع عديدة من كتابه الكريم:
{ من عمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ۖ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ } النحل
{ فأمَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَعَسَىٰ أَن يَكُونَ مِنَ الْمُفْلِحِينَ } القصص
{ وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُم بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِندَنَا زُلْفَىٰ إِلَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَٰئِكَ لَهُمْ جَزَاءُ الضِّعْفِ بِمَا عَمِلُوا وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ } سبأ
{ منْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ ۖ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا ۗ وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ } فصلت
هذا والله تعالى أعلى وأعلم .

رد مع اقتباس
  #13  
قديم 23 محرم 1438هـ/24-10-2016م, 06:42 PM
عائشة أبو العينين عائشة أبو العينين غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المستوى السابع
 
تاريخ التسجيل: Apr 2014
المشاركات: 600
افتراضي

رسالة تفسيرية فى قول الله تعالى:
يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ (16) لقمان


ونركز فى هذه الرسالة على مسألة مقصد الآية ونجمع إن شاء الله فيه ما تيسر مما ذكر المفسرون

بعد ما أوصى لقمان ابنه أن لا يقع فى الشرك بالله لا جلياً ولا خفياً وخاطبه ب
{ يا بني } فخاطبه بأحب ما يخاطب به ، مع إظهار الترحم والتحنن والشفقة ، ليكون ذلك أدعى لقبول النصح تحقيقاً لمزيد الإشفاق وقصد لقمان إبراز الاسم الأعظم لأنه الموجب لاستحضار جميع الجلال ،. فقال : { بالله } أي الملك الأعظم الذي لا كفوء له كما ذكر البقاعى فى تفسيره

ثم قال تعالى
يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ (16


ذكر بن عطية أن هذا القول من لقمان إنما قصد إعلام ابنه بقدر قدرة الله تعالى ، لأن « الخردلة » يقال إن الحس لا يقدر لها ثقلاً إذ لا ترجح ميزاناً ، وقد نطقت هذه الآية بأن الله تعالى قد أحاط بها علماً . وقوله { مثقال حبة } عبارة تصلح للجواهر ، أي قدر حبة ، وتصلح للأعمال أي ما تزنه على جهة المماثلة قدر حبة ، وظاهر الآية أنه أراد شيئاً من الأشياء خفياً قدر حبة ، ويؤيد ذلك ما روي من أن ابن لقمان سأل أباه عن الحبة تقع في مقل البحر يعلمها الله ، فراجعه لقمان بهذه الآية .
وذكر بن عطية أن كثير من المفسرين ذكروا أنه أراد الأعمال المعاصي والطاعات
ويؤيد ذلك قوله { يأت بها الله } أي لا تفوت ، وبهذا المعنى يتحصل في الموعظة ترجية وتخويف منضاف ذلك إلى تبيين قدرة الله تعالى


ولتأكيد مقصد الآية من بيان قدرة الله وأحاطته
-أثبت النون في قوله مسبباً عن صغرها : { فتكن } إشارة إلى ثباتها في مكانها . وليزداد تشوف النفس إلى محط الفائدة ويذهب الوهم كل مذهب لما علم من أن المقصد عظيم بحذف النون وإثبات هذه وعسرّها بعد أن حقرها بقوله معبراً عن أعظم الخفاء وأتم الإحراز
قال تعالى : { في صخرة } أي أيّ صخرة كانت ولو أنها أشد الصخور وأقواها وأصغرها وأخفاها .ذكره البقاعى
-ولما أخفى وضيق ، أظهر ووسع ، ورفع وخفض ، ليكون أعظم لضياعها لحقارتها فقال : { أو في السماوات } أي في أيّ مكان كان منها على سعة أرجائها وتباعد أنحائها ذكره البقاعى
-وأعاد « أو » نصاً على إرادة كل منهما على حدته ، والجار تأكيداً للمعنى فقال : { أو في الأرض } أي كذلك ، وهذا كما ترى لا ينفي أن تكون الصخرة فيهما أو في إحداهما ذكره البقاعى

-وفى اجتماع في هذه الجملة ثلاثة مؤكدات : النداء ، وإنَّ ، وضمير القصة ، لعظم خطر ما بعده المفيد تقرير وصفه تعالى بالعلم المحيط بجميع المعلومات من الكائنات ذكره بن عاشور

- وفى ذكر أدق الكائنات حالاً من حيث تعلق العلم والقدرة به ، وذلك أدق الأجسام المختفي في أصْلَب مكان أو أقصاه وأعزِّه منالاً ، أو أوسعه وأشده انتشاراً ، ليعلم أن ما هو أقوى منه في الظهور والدّنو من التناول أولى بأن يحيط به علم الله وقدرته ذكره بن عاشور

-وفى اعادة التعبير له بالاسم الأعظم لعلو المقام فقال : { يأتِ بها الله } بعظم جلاله ، وباهر كبريائه وكماله ، بعينها لا يخفى عليه ولا يذهب شيء منها ، ثم قال تعالى : { إنّ الله } فأعاد الاسم الأعظم تنبيهاً على استحضار العظمة وتعميماً للحكم ذكره البقاعى


-{ لطيف } أي عظيم المتّ بالوجوه الخفية الدقيقة الغامضة في بلوغه إلى أمر أراده حتى بضد الطريق الموصل فيما يظهر للخلق { خبير * } بالغ العلم بأخفى الأشياء فلا يخفى عليه شيء ، ولا يفوته أمر .
قال الحسن: معنى الآية هو الإحاطة بالأشياء، صغيرها وكبيرها ذكره البغوى


وذكر السعدى مقصود أخر للآية وهو الحث على مراقبة اللّه، والعمل بطاعته، مهما أمكن، والترهيب من عمل القبيح، وهذا من أثار العلم بقدرة الله وسعة إحاطة علمه


رد مع اقتباس
  #14  
قديم 28 محرم 1438هـ/29-10-2016م, 01:15 AM
مها شتا مها شتا غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - الامتياز
 
تاريخ التسجيل: Aug 2014
المشاركات: 655
افتراضي الرسالة التفسيرية السادسة "الأسلوب المقاصدي"

قال تعالى: {أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ } الزمر(22)
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله،
هذه الآية الكريمة من سورة الزمر تقرر قاعدة مطردة في القرآن ، ألا وهي عدم استواء أهل الهدي من المؤمنين أهل التوحيد الذين وسع الله صدورهم ،فسعدوا بقبول الإسلام والانقياد له والإيمان به،وأهل الضلال من الكافرين القاسية قلوبهم ،المعرضين عن ذكر الله وعن كلامه وشرعه،فلا يستوي الحي قلبه والميت ،وهذا القاعدة تتناسب مع مقصد سورة الزمر التي تركز على الدعوة للتوحيد و الإخلاص ، ونبذ الشرك ،وعاقبة كل في الآخرة،وتناسب أيضا أسمها "الزمر" حيث ذكر الله تعالى فيها زمرة السعداء من أهل الجنة وزمرة الأشقياء من أهل النار،أولئك مع الإجلال والإكرام ،وهؤلاء مع الهوان والصغار، وتناسب المقاصد العامة للقرآن ، التي منها تقرير التوحيد ونقي ضده وهو الشرك ،و بيان مآل كل صنف منهم من الجنه والنار وبيان عدم إستواء الفريقان ،وأيضا مكملات التوحيد من فعل الأوامر واجتناب النواهي التي هي تفاصيل الشريعة الغراء.
وهكذا جاء القرآن؛
قال تعالى :{أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} (122)الأنعام،
قال تعالى :{أفمن يمشي مكباً على وجهه أهدى أمن يمشي سويا على صراط مستقيم }(22) الملك ،
قال تعالى:{لا يستوي أصحاب النار وأصحاب الجنة أصحاب الجنة هم الفائزون } (20) الحشر،
قال تعالى:{الله ولي الذي أمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور والذين كفروا أولياؤهم الطاغوت يخرجونهم من النور إلى الظلمات أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون} (257)البقرة ،
علامة هداية العبد وسعادته :
إن من انشرح صدره للإسلام ،أي اتسع وانفسح ،فاستنار بنور الإيمان والتوحيد، و حييَ بنور اليقين ، فاطمانت بذلك نفسه ، وأحب الخير لنفسه وأخوانه من المؤمنين والمؤمنات ،وطوعت له نفسه فعل الخير متلذذا به غير مستثقل له ،فإن ذلك علامة على أن الله قد هداه ،ومنَّ عليه بالتوفيق وسلوك أحسن الطرق .
وعلامة شقاء العبد وضلاله:
أن يجعل الله صدره ضيقا حرجاً ،فيكون العبد في غاية الضيق والأعراض عن الإيمان والتوحيد والعلم واليقين ،وقد انغمس قلبه في الشبهات والشهوات ، فلا يصل إليه الخير ولا ينشرح قلبه لفعل الخير كأنه من ضيقه وشدته يكاد يصعد إلى السماء ،أي كأنه يكلف الصعود إلى السماء الذي لا حيلة له فيه،(وهذا أيضا ما أثبته العلم الحديث من ضيق صدر عند الصعود إلى أعلى)، وهذا سببه عدم الإيمان ،فهم سدوا على أنفسهم باب الرحمة والأحسان .
وهذه قاعدة هامة في الحياة،لا تكاد تتغير،وأصل عظيم فينبغي للعاقل أن يعرفه ويتفكر فيه ويعمل بمقتضاه ،فإن من أعطى واتقى ،وصدق بالحسنى ،يسره الله لليسرى ،ومن بخل واستغنى وكذب بالحسنى ،فسييسره للعسرى؛ولا يستوي من شرح الله صدره للإسلام فاتسع لتلقي أحكام الله والعمل بها ،ومن ليس كذلك ممن ضاق صدره وقسى وأعرض عن ذكر ربه.
قال تعالى:{ فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقاً حرجاً كأنما يصعد في السماء كذلك يجعل الله الرجس على الذين لا يؤمنون} الأنعام
سبب شرح الصدر وضيقه:
هو قبول الإسلام ،لأن تعاليم الإسلام وأخلاقه وآدابه تكسب المسلم فرحاً بحاله ومسرة برضى ربه واستخفافاً للمصائب والكوارث لجزمه بأنه على حق في أمرهوأنه مثاب على ضره وأنه راج رحمة ربه في الدنيا والآخرة وعدم مخالطة الشك والحيرة ضميره فهو على نور من ربه ينور به دربه،(فالنور موصوف بأنه جاء من عند الله ،إذا فهو نور كامل لا تخالطه ظلمة) ، كما قال تعالى :{يهدي الله لنوره من يشاء}النور،وإذا امتلاء القلب بنور الله اتسع وأنشرح ،وهذا عكس من قسى قلبه وضاق بسبب قلة تأثر العقل بما يسدى إلى صاحبه من المواعظ ونحوها .
علاقة القرآن بشرح الصدر وضيقه:
القرآن سبب اطمئنان قلوب المؤمنين ،قال تعالى:{الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب }الرعد ،والأعراض عنه أيضا سبب في قسوة قلوب الكافرين ،قال تعالى:{ فويل للقاسية قلوبهم من ذكر الله أولئك في ضلال مبين} الزمر
فالسبب واحد واختلفت آثاره وأفعاله باختلاف القابلية،فالقرآن الذي هو من ذكر الله سبب في لين القلوب وإشراقها إذا كانت القلوب سليمة من مرض العناد والكبر ،فإذا حل فيها هذا المرض صارت إذا ذكر الله عندهم وتليت عليهم آياته أشد مرضا مما كانت عليه وأصبحت أشد قسوة من ذي قبل.
كيفية انشراح الصدر وعلامته:
قال ابن مسعود :قلنا يا رسول الله كيف انشراح الصدر ؟ قال :" إذا دخل النور القلب انشرح وانفسح " ، قالوا وما علامة ذلك؟ قال :" الإنابة إلى دار الخلود ، والتجافي عن دار الغرور ،والتأهب للموت قبل الموت"
أورده ابن عطية في تفسيره.
وتفصيل ذلك في تفسير سورة الشرح:{ألم نشرح لك صدرك *ووضعنا عنك وزرك* الذي أنقص ظهرك *ورفعنا لك ذكرك *فإن مع العسر يسراً*إن مع العسر يسراً *فإذا فرغت فانصب * وإلى ربك فارغب}
والمقصد من ذلك أنه يتقرر في الأذهان عدم استواء الصنفان ،فلا يستوي المؤمن والكافر ،ولاأهل التوحيد وأهل الشرك،ولا يستوي أصحاب الجنة وأصحاب النار ،ولا يستوي الأحياء والأموات ،ولا يستوي الأعمى والبصير.
والله تعالى أعلى وأعلم

رد مع اقتباس
  #15  
قديم 2 صفر 1438هـ/2-11-2016م, 05:09 PM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,453
افتراضي

تقويم التطبيق السادس:


كوثر: أ
- أحسنت بارك الله فيك.

أمل يوسف: هـ
- أعيدي التطبيق بأسلوبك لأن النسخ واللصق من كتب التفسير لا يفيدك، وهو خلاف مقصود الدورة.
- راجعي تعليقي على تطبيقات الأختين هناء وعابدة.

فاطمة الزهراء: هـ
- أعيدي التطبيق بأسلوبك لأن النسخ واللصق من كتب التفسير ومن بعض المواقع لا يفيدك، وهو خلاف مقصود الدورة.
- راجعي تعليقي على تطبيقات الأختين هناء وعابدة.
هلال الجعدار: د
- ما كتبته أقرب إلى التفسير الموضوعي منه إلى التفسير المقاصدي، فأنت جمعت آيات في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ثم تحدثت عن هذا الموضوع، وفي التفسير المقاصدي تكلّم عن الآية التي تفسّرها واشرح مقاصدها في ضوء هدايات الآية وتنبيهاتها، وإعمال الذهن في مناسبة خاتمتها لأوّلها، وأثر ذلك على المكلفين، وأثر إعراضهم عن هذا الهدى الرباني، ودرجات المخالفة وأحكامها.

مضاوي: ج+
- أحسنت بارك الله فيك.
- في التفسير المقاصدي لهذه الآية ينبغي الحديث عن أمور متعلقة بمقاصد هذه الآية ومنها:
1. حاجة الناس إلى الهدى الرباني الوارد في هذه الآية.
2. بيان آثار اتباع الهدى الرباني الوارد في الآية.
3. التنبيه على المعوّقات التي تعترض الناس عند إرادة اتّباع هذا الهدى فتنة وابتلاء، وكيف تكون السلامة منها.
4. التحذير من خطر التهاون في اتّباع الهدى الرباني الوارد في هذه الآية.
5. بيان درجات المخالفين، وأثر مخالفاتهم عليهم في الدنيا والآخرة.
فأنت إذا تحدّثت عن هذه المسائل ونحوها في ضوء هدايات الآية كان تفسيرك لها تفسيرا مقاصديا.

تنبيه: الدعاء في النصوص يشمل دعاء العبادة ودعاء المسألة، والذكر من دعاء العبادة.


هناء هلال: ج
- أحسنت بارك الله فيك في كتابة الرسالة بأسلوبك، لكن ما كتبتيه كان أقرب إلى التفسير الموضوعي، وقد أحسنت في التنبيه على المناسبة بين مقصد الآية والمقاصد القرآنية العامة، لكن انصرف حديثك بعد ذلك إلى موضوع الرشد في القرآن الكريم، وهو أقرب إلى التفسير الموضوعي، وهو غير مندرج في أساليب التفسير.
- والمدخل لتفسير هذه الآية مقاصديا هو باعتبارها مثلاً تؤخذ منه العظة والعبرة، وفيه معان جليلة متوافقة مع المقاصد القرآنية العامة.

عابدة: ج
- أحسنت بارك الله فيك
والمدخل لتفسير هذه الآية مقاصديا هو الحديث عن حاجة الناس إلى تلاوة الوحي ، واليقين بأن كلمات الله لا تبديل لها، وبيان أثر ذلك عليها، وما يتطلبه هذا اليقين من العلم والعمل، ثم الحديث عن خطر التهاون في اتّباع هذا الهدى، وبيان سوء أثره، ودرجات المخالفين في هذا الهدى وأحكامهم وضرر مخالفاتهم عليهم.
فإذا تحدّثت عن هذه المسائل ونحوها كان تفسيرك لهذه الآية تفسيرا مقاصدياً.

تماضر: ج
- أحسنت بارك الله فيك بكتابة الرسالة بأسلوبك، لكن فاتك جملة من المسائل المهمة المتّصلة بمقاصد الآية، ولعلها تتضح بقراءة تعليقي على تطبيقات الأختين هناء وعابدة.

شيماء طه: ج
أحسنت بارك الله فيك بكتابة الرسالة بأسلوبك، وراجعي تعليقي على تطبيقات الأختين هناء وعابدة.

الشيماء وهبة: ب+
- أحسنت بارك الله فيك.
- واصلي التدرب على التفسير المقاصدي، وراجعي تعليقي على تطبيقات الأختين هناء وعابدة.

عائشة: ج
- أحسنت بارك الله فيك، وراجعي تعليقي على تطبيقات الأختين هناء وعابدة.

مها شتا: هـ
- أعيدي كتابة الرسالة بأسلوبك، وراجعي تعليقي على تطبيقات الأختين هناء وعابدة.

رد مع اقتباس
  #16  
قديم 2 صفر 1438هـ/2-11-2016م, 08:50 PM
فاطمة الزهراء احمد فاطمة الزهراء احمد غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - الامتياز
 
تاريخ التسجيل: Aug 2014
المشاركات: 1,051
افتراضي

رسالة تفسيرية في قوله تعالى :(وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما ( 23 ) واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا ( 24 )
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده .
أما بعد :
فهذه بعض الوقفات مع قوله تعالى :( ( وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما ( 23 ) واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا ).
الوقفة الأولى :
بيان وجوب عبادة الله وحده لا شريك له لأنه هو الخالق والمنعم على عباده بجميع النعم ،وكذلك المنع من عبادة غيره سبحانه وتعالى ،وهذا هو الحق ، وقد ذكر الرازي : أن العبادة عبارة عن الفعل المشتمل على نهاية التعظيم , ونهاية التعظيم لا تليق إلا بمن يصدر عنه نهاية الإنعام ، ونهاية الإنعام عبارة عن إعطاء الوجود والحياة والقدرة والعقل وغير ذلك ، وقد ثبت أن كل هذه النعم من الله تعالى وأن لا رب سواه .
الوقفة الثانية :
بيان أهمية الإحسان بالوالدين وذلك بقرن الإحسان إليهما بعبادة الله وتوحيده ، وتوحيد الله وعبادته هو الغاية من خلق الإنسان ، قال تعالى " وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون "
الوقفة الثالثة :
الحث على العناية بالوالدين في حالة الكبر خصوصا وذلك لضعفهما، وقد رغب النبي صلى الله عليه وسلم بالإحسان إليهما في هذه الحالة وذلك بقوله :"رغم أنف رجل ذكرت عنده فلم يصل علي . رغم أنف رجل أدرك أبويه عند الكبر أو أحدهما فلم يدخلاه الجنة . ورغم أنف رجل دخل عليه رمضان ثم انسلخ قبل أن يغفر له .
الوقفة الرابعة :
الإشارة إلى وجوب وجود الوالدين عند أولادهما عند الكبر عند حاجتهما لذلك في قوله تعالى " عندك " وليس وضعمهافي دار العجزة أو تركهما وحيدين في بيتهما كما هو الحال في أيامنا هذه ،وهذا من كمال الإحسان والبر .
وقال مجاهد في هذه الآية أيضا : إذا بلغا عندك من الكبر ما يبولان فلا تتقذرهما ولا تقل لهما أف حين تميط عنهما الخلاء والبول كما كانا يميطانه عنك صغيرا .
الوقفة الخامسة :
النهي عن الإساءة للوالدين سواءا بالقول أو الفعل ،و ألا يتعرض لسبهما ولا يعقهما ; فإن ذلك من الكبائر بلا خلاف ، قال تعالى : " ولا تقل لهما أف ولا تنهرهما " وورد في السنة وذلك في صحيح مسلم عن عبد الله بن عمرو أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : إن من الكبائر شتم الرجل والديه قالوا : يا رسول الله ، وهل يشتم الرجل والديه ؟ قال نعم . يسب الرجل أبا الرجل فيسب أباه ويسب أمه فيسب أمه .
الوقفة السادسة :
بعد النهي عن الإساءة إليهما بين وجوب الإحسان إليهما بالقول الكريم وخفض الجناح لهما وهو تعبير عن التواضع لهما وهذا من تمام الرحمة بهما وقد خارت قواهما ووهن عظمهما ، وأصبحا ضعفاء محتاجين لأبنائهما بعد أن كان أبناؤهما محتاجون إليهما .
والقول الكريم هو : القول اللين اللطيف مثل : يا أبتاه ويا أماه ، من غير أن يسميهما ويكنيهما ، . وقال ابن البداح التجيبي : قلت لسعيد بن المسيب كل ما في القرآن من بر الوالدين قد عرفته إلا قوله : وقل لهما قولا كريما ما هذا القول الكريم ؟ قال ابن المسيب : قول العبد المذنب للسيد الفظ الغليظ .
الوقفة السابعة :
التأكيد على أن جزاء الإحسان هو الإحسان وذلك في قوله تعالى :" كما ربياني صغيرا " فذكرنا الله سبحانه وتعالى بإحسانهما إلينا في صغرنا ليكون ذلك سببا في إحساننا إليهما في كبرهما ولنرد لهما بعض المعروف الذي أسدوه لنا ،وأيضا في هذا الحث على الدعاء لهما بالرحمة وهو من أعظم البر بهما والإحسان إليهما .
قال الزمخشري : أي : لا تكتف برحمتك عليهما التي لا بقاء لها ، وادع الله بأن يرحمهما رحمته الباقية . واجعل ذلك جزاء لرحمتهما عليك في صغرك وتربيتهما لك . والكاف للتعليل . أي : لأجل تربيتهما لي .
جعلنا الله وإياكم ممن يعبد الله حق عبادته ومن البارين بوالديين المحسنين إليهم .
وصلى وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .

رد مع اقتباس
  #17  
قديم 7 صفر 1438هـ/7-11-2016م, 10:28 AM
أمل يوسف أمل يوسف غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المستوى الامتياز
 
تاريخ التسجيل: Aug 2014
المشاركات: 570
افتراضي

بسم الله الرحمن الرحيم
رسالة تفسيرية بالأسلوب المقاصدي
فى قوله تعالى {كتب عليكم القتال وهو كره لكم وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون}

هذه الآية العظيمة من سورة البقرة التي يدور موضوعها حول الإستسلام لله تعالى ظاهرا وباطنا وتأتي هذه الآية فى معناها المستمد من المقصد الأصلي للسورة فإنها تحمل في طياتها هدايات عظيمة وتوجيهات نافعة تسبب لمن عمل بها سكون القلب وطمأنينة النفس أمام أحكام الملك العلي القدير الحكيم سواء أحكامه الشرعية أو القدرية بل حتى الجزائية
وتعين النفس البشرية على تجاوز الصعاب وتحمل المشاق فى سبيل ما تتيقن أنها ستلقاه في عاقبة أمرها بوعد المؤمن الصادق سبحانه وتعالى
ولقد تجاوزت هذه الآية على كلماتها الوجيزة أبعادا عظيمة ورفعت عن المؤمنين أحمالا وأثقال ليتنسموا رائحة الأمن .

وكلنا في هذه الحياة تجري علينا أقدارا قد فرغ منها وكتبت علينا تكاليف شرعت لنا والنفس بطبيعتها تلين أحيانا وتجفو أحيانا خاصة عند ورود ما يخالف ما جبلت عليه من الميل للدعة والراحة كالتكاليف الشاقة من الجهاد والإنفاق ونحوه أو الأقدار المؤلمة التي تصيب النفس بالأسى والحزن

فأتت هذه الآية بالعلاج الشافي التام لهذه النفس المؤمنة إذا عرض لها ما يعرض من كراهية تكليف شرعى أو حكم قدري فربما ترددت أو جزعت وتسخطت فلننظر كيف عالجت الآية هذه النفس:
أولا:قررت حال النفس وطبيعتها التى تكره الأمور الشاقة عليها فقال تعالى {كتب عليكم القتال وهو كره لكم} فلم ينكر على النفس كراهيتها لمشقة التكليف من التعرض للجراح وفقد النفس ومفارقة الأوطان والأهل وفقد المال ،
ثانيا:أنه قدم العلاج لها من دون مصادمة مع طبيعتها ففتح نافذة أخرى لها ترى منها حقائق كانت عنها غائبة إذ انشغلت بما تراه بعين البصر من مشقة وغفلت عما يكون من غايات وراء ما تكره إذا أعملت بصيرتها فقال تعالى {وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم}
وعسى من الله واجبة كما قال أهل العلم ،وهنا قاعدة جليلة يقررها القرآن وهي أن ما نراه على الحقيقة ويحكيه الواقع أن هناك أمورا وأحوالا كنا نكرهها ونفر منها ثم يتبين لنا أن الخير كل الخير كان فى وقوعها وكم من أمر تمنته النفس وسارعت إليه بكل طاقتها لتحصله فلم تظفر به ثم يتبين أن الخير كل الخير كان في البعد عنه وهذه الآية وإن كانت أتت في سياق الجهاد وبذل النفس إلا أنها تعم كل أمر تكرهه النفس وتأباه كما أشرنا سابقا
وقد ضرب الله لنا نماذج في مواطن أخر غير هذا الموطن تفصل في هذه القاعدة :

-كما في قوله تعالى في سورة الأنفال{كما أخرجك ربك من بيتك بالحق وإن فريقا من المؤمنين لكارهون ،يجادلونك في الحق بعدما تبين كأنما يساقون إلى الموت وهم ينظرون}
فقد بين الله حال المؤمنين قبيل غزوة بدر فقد خرجوا قاصدين للعير وحسب فإذا بهم أمام العدو لا مفر من ملاقاته حيث قال تعالى {وتودون ان غير ذات الشوكة تكون لكم} هذا ما أرادوه ،ولكن ماذا أراد الله {ويريد الله ان يحق الحق بكلماته ويقطع دابر الكافرين} ولا شك أن ما ترتب على القتال من حصول النصر المؤزر وعلو كلمة الإسلام أعلى وأجل شأنا من مجرد طلب العير
وهذه سورة محمد صلى الله عليه وسلم يقول تعالى {ولوشاء الله لانتصر منهم ولكن ليبلو بعضكم ببعض}أى لو شاء ما كلفكم عناء القتال بل كفاكم ونصركم من عنده وهو القادر على ذلك يقينا ولكن الغاية من تكليفكم الاختبار ليقوم سوق الجهاد ويتميز الصادق من الكاذب
ومن أبرز المواطن دلالة على هذه القاعدة في سورة الفتح في سياق صلح الحديبية وماتم فى الصلح من شروط ظاهرها الجور على المسلمين ولا يخفى علينا ما وقع لعمر رضي الله عنه جراء ذلك فلقد اعترض مستفهما منكرا {لم نرض فى ديننا بالدنية} ولكن أمر الله كله حكمة ورحمة فلقد ترتب على هذا الصلح دخول أفواج من الناس في الإسلام من دون قتال وتمكن المسلمون من الدعوة إلى الإسلام من دون خوف من المشركين.

وإذا أردنا أن نجمل العلة الجامعة لهذه القاعدة فهي فى خاتمة الآية في قوله تعالى {والله يعلم وأنتم لا تعلمون}
الله العليم الحكيم الذي يعلم عواقب الأمور ومباديها ،يعلم ما يصلحنا وما دون ذلك فإذا استقر ذلك في قلب العبد وتيقن بكمال صفات الرب تعالى وأنه العليم وسع علمه كل شىء الحكيم الذي يضع الامور مواضعها اللائقة بها الذى أحكم كل شىء وأتقنه فلا معقب لحكمه ولا راد لقضائه ولا يسأل عما يفعل وهم يسألون ،وإذا علم مع ذلك ضعف الإنسان وعجزه عن تدبير نفسه فضلا عن تدبير غيره وعلم جهله وقصور عقله وجهله بالعواقب والغايات التى غابت عنه واعترف لربه بكل كمال استسلم لربه ورضى بجكمه الشرعى والقدري وبذل وسعه مستعينا بربه على أمره وحكمه فلا يتحايل ولا يعترض ولا يقترح ،فإن مخالفة هذا الهدي الرباني وسلوك سبيل المعترضين على الاحكام والأقدار يظنون أنهم يفرون بها عن المشقة والحقيقة أنهم يسيرون نحو المشقة من حيث لا يعلمون والواقع خير شاهد على هذا فغن الله لا يغالب ولا يمانع وأمره نافذ فكم حاول من حاول أن يغير القدر أو يدفع عن نفسه الألم فعجز ولو أنه سلك سبيل المؤمنين لوجد الراحة والسكينة فليعتبر كل معتبر.

وأختم بكلام لابن القيم على هذه الآية وما تضمنته من فوائد كما جاء فى كتابه"الفوائد"
منها أنه لاأنفع له من امتثال الامر وإن شق عليه فى الإبتداء لأن عواقبه كلها خيرات ومسرات ولذات وإن كرهته نفسه وكذلك لا شىء أضر عليه من ارتكاب النهى وإن هويته نفسه ومالت إليه وأن عواقبه كلها آلام وأحزان،والعاقل ينظر دائما إلى الغايات من وراء ستور مبادئها ولكن هذا يحتاج إلى فضل علم تدرك به الغايات من مبادئها ،وقوة صبر يوطن به نفسه على تحمل مشقة الطريق ؛فإذا فقد اليقين والصبر تعذر عليه ذلك وإذا قوى صبره ويقينه هان عليه كل مشقة يتحملها فى طلب الخير.

-ومن أسرار هذه الآية أنها تقتضى من العبد التفويض إلى من يعلم العواقب ،والرضا بما يختاره له ويقضيه له لما يرجو فيه من حسن العاقبة .

-ومنها انه لا يقترح على ربه ولا يختار عليه ولا يسأله ما ليس له به علم فلعل مضرته وهلاكه فيه وهو لا يعلم ؛فيسأل ربه حسن الإختيار له وأن يرضيه بما يختاره فلا أنفع له من ذلك.

-ومنها أنه إذا فوض إلى ربه ورضى بما يختاره له أمده فيما يختاره بالقوة عليه والعزيمة والصبر وصرف عنه الآفات التى هى عرضة اختيار العبد لنفسه وأراه من حسن عواقب اختياره ما لم يكن ليصل غلى بعضه باختياره هو لنفسه.

-ومنها أنه يريحه من الأفكار المتعبة فى انواع الإختيارات ويفرغ قلبه من التقديرات والتدبيرات فلا خروج له عما قدر عليه فلو رضى باختيار الله أصابه القدر وهو محمود مشكور ملطوف به فيه وإلا جرى عليه القدر وهو مذموم غير ملطوف به لأنه مع اختياره لنفسه،ومتى صح تفويضه ورضاه فإنه يصير بين لطفه وعطفه سبحانه فعطفه يقيه ما يحذره ولطفه يهون عليه ما قدره
فإذا نفذ القدر فى العبد كان من أعظم أسباب نفوذه تحيله فى رده فلا أنفع له من الإستسلام وإلقاء نفسه بين يدي القدر طريحا كالميتة فإن السبع لا يرضى باكل الجيف.

وأخيرا وإن كنا نشير إلى الرضا بالأحكام والأقدار إلا أننا لا ننفي الأسباب وأنه ينبغي الأخذ بها بجد واجتهاد فيعمل ويجتهد وهو يوقن ان ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن وأن الأسباب لا تنفع ولا تضر بنفسها إلا ان يشاء الله
والحمد لله رب العالمين

رد مع اقتباس
  #18  
قديم 11 صفر 1438هـ/11-11-2016م, 09:43 AM
منيرة محمد منيرة محمد غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - الامتياز
 
تاريخ التسجيل: Aug 2014
الدولة: السعودية
المشاركات: 668
افتراضي

رسالة تفسيرية في قوله تعالى : ((فَلَعَلَّكَ تَارِكٌ بَعْضَ مَا يُوحَىٰ إِلَيْكَ وَضَائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ أَن يَقُولُوا لَوْلَا أُنزِلَ عَلَيْهِ كَنزٌ أَوْ جَاءَ مَعَهُ مَلَكٌ ۚ إِنَّمَا أَنتَ نَذِيرٌ ۚ وَاللَّهُ عَلَىٰ كلِّ شيىءٌ وٓكِيل ))

وردت هذه الآية في ثنايا سورة هود التي نزلت على النّبي صلى الله عليه وسلم في تلك الفترة الحرجة التى هي من أشقّ الفترات التي مرّت عليه صلى الله عليه وسلم حيث تكاثر فيها إيذاء المشركين له ولأصحابه ،فنزلت هذه الآية تثبت النّبي صلى الله عليه وسلم، وفي مضمونها قطع أمل المشركين بترك ذكر الأمر بالتوحيد، والنهي عن الشرك، والإنذار بالعذاب والتذكير بالبعث ،الذي هو غاية الوحي وإرسال الرّسل .....

والنّاظر في سيرة النّبي صلى الله عليه وسلم ودعوته ، يجد أنه قد بذل كلّ جهده في سبيل تبصيرالناس وإيضاح الحق لهم ، بشتى الطرق وأنواع الأساليب، صابراً متحملاً كلّ ما يُلاقي من مضايقات واستهزاء،وما موقف أهل الطائف بغائب عن الأذهان حيث وصل بهم الأمر أن رموه بالحجارة، وأدمو قدمه الشريفة، فما كان قوله صلى الله عليه وسلم عندما جاءه الملك ليستئذنه بأن يطبق عليهم الأخشبين إلا إن قال "بَلْ أَرْجُو أَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ مِنْ أَصْلاَبِهِمْ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ وَحْدَهُ لاَ يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا"كما ورد ذلك في حديث عائشة في صحيح البخاري .

فهذا الهمّ الذي حمله عليه أفضل الصلاة والسلام لم يكن ليثنيه عنه ضائق عابر،ولا تعنت ومساومة مشرك معاند،
قداعلمه ربه عز وجل مهمته حيث قال تعالى ((إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيراً وَنَذِيراً وَلاَ تُسْأَلُ عَنْ أَصْحَابِ الْجَحِيمِ)) .

والناس مقابل هذه الرّسالة فريقان، مؤمن وكافر، فمن انتفع بالبشارة وقبل الحق تهذبت اخلاقة
وزاد يقينه فسعى جاهداًلما يرضي ربه، ونال العاقبة الحسنة في الدنيا ولأخرة ،
وأما الأخر الذي ماقبل البشارة ومانفعته النّذارة، فتجده في تكبر وعناد وظلم واستبداد، قد اظلم
قلبه بالكفر والتكذيب فلا تحركه المواعظ ،ولا تزجره المصائب ،قد نسى خالقه فأنساه نفسه، فما
تذكر يوم الحساب ، ولا كان له سعيٌ يرجوا به الثواب ، وقد قامت عليه الحجة،وبانت له المحجّة ،
يقول الله عز وجل : {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءكُمُ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنَاْ عَلَيْكُم بِوَكِيلٍ } ويقول تعالى : {يَا أيّها النّاس قَدْ جَاءَكُم برهان مِّن ربّكم وَأَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُّبِينًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُواْ بِاللَّهِ وَاعْتَصَمُواْ بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِّنْهُ وَفَضْلٍ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِرَاطًا مُّسْتَقِيمًا}

جعلني الله وإياكم هداة مهتدين وثبتنا على صراطه المستقيم

رد مع اقتباس
  #19  
قديم 12 جمادى الآخرة 1438هـ/10-03-2017م, 10:33 PM
نبيلة الصفدي نبيلة الصفدي غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المستوى السابع
 
تاريخ التسجيل: Aug 2014
المشاركات: 508
افتراضي

رسالة تفسيرية بالأسلوب المقاصدي لسورة الانفطار
بسم الله الرحمن الرحيم
إِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ (1) وَإِذَا الْكَوَاكِبُ انْتَثَرَتْ (2) وَإِذَا الْبِحَارُ فُجِّرَتْ (3) وَإِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ (4) عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ (5) يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ (6) الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ (7) فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ (8) كَلَّا بَلْ تُكَذِّبُونَ بِالدِّينِ (9) وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ (10) كِرَامًا كَاتِبِينَ (11) يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ (12) إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ (13) وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ (14) يَصْلَوْنَهَا يَوْمَ الدِّينِ (15) وَمَا هُمْ عَنْهَا بِغَائِبِينَ (16) وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ (17) ثُمَّ مَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ (18) يَوْمَ لَا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئًا وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ (19)

-- المقصد العام للسورة :
تتحدث هذه السورة القصيرة عن الانقلاب الكوني الذي يصاحب قيام الساعة ، وما يرافقه من أحداث عظيمة ، ثم بيان حال الأبرار وحال الفجار يوم البعث والنشور
مقاصد السورة :
1- الإيمان باليوم الآخر ،وبيان أهوال القيامة
"إِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ (1) وَإِذَا الْكَوَاكِبُ انْتَثَرَتْ (2) وَإِذَا الْبِحَارُ فُجِّرَتْ (3) وَإِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ (4) عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ (5) "
في هذا اليوم سيكون الانهيار والانقلاب بكل شيء عهده الإنسان مستقراً ويفقد الكون نظامه الدقيق فتُظهر هذه الآيات القصيرة ايقاعاً سريعاً لما سيحدث في ذلك اليوم من مشاهد تشيب لها الولدان ،حيث تتشقق السماء وتنتثر الكواكب وتفقد نظامها المعهود وتتساقط، وتنفجر البحار، وتتبعثر القبور ويبعث من فيها من الأموات ويحشروا إلى الجزاء والحساب ، هناك تعلم كل نفس يقيناً بحصيلة ما عملته من خير أو شر
ومن هذه الآيات يتبين عدة فوائد :
1- بيان أهوال يوم القيامة
2- إثبات البعث
3- إقرار الإنسان بعمله يوم القيامة

2- المقصد الثاني هو بيان ربوبية الله ، وعظيم منته على الإنسان من خلال الآيات :
" يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ (6) الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ (7) فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ (8)"
يقول تعالى معاتباً للإنسان المقصر في حق ربه، مَا الذِي غَرَّكَ وَجَرَّأَكَ وَحَمَلَكَ عَلَى عِصْيَانِ رَبِّكَ الكَرِيمِ العَظِيمِ، حَتَّى أَقْدَمْتَ عَلَى مَعْصِيَتِهِ، وَقَابَلْتَهُ بِمَا لا يَلِيقُ عَلَى فَضْلِهِ وَنِعَمِهِ عَلَيْكَ.
وَوَصَفَ اللهُ تَعَالَى نَفْسَهُ بِالكَرِيمِ تَنْبِيهاً لِلإِنْسَانِ إِلَى أَنَّهُ لا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُقَابِلَ الكَرِيمَ بِالأَفْعَالِ القَبِيحَةِ.
أليس هو الذِي خَلَقَكَ مِنْ نُطْفَةٍ، ثُمَّ جَعَلَكَ سَوِيّاً مُسْتَقِيماً مُعْتَدلَ القَامَةِ، مُنْتَصِباً فِي أَحْسَنِ الهَيْئَاتِ وَالأَشْكَالِ. لو شاء ركبك في أي صورة , فلو شاء لجعلك مسخاً, لكنه جعلك في صورة كريمة، ، لِذَلِكَ كَانَ خَلِيقاً بك أَنْ تُقَدِّرَ نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْهِ، وَأَنْ تسْتَعْمِلَ عَقْلك وَحَواسَّك فِي الخَيْرِ، وَفِي فِعْلِ مَا أَمَرَك اللهُ بِهِ.
ومن هذه الآيات يتبنين عدة فوائد :
- وقوع الكافر في الغرور (يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ)
- أن العبادة هي مقتضى الربوبية.
- بديع صنع الله في الإنسان .

3- المقصد الثالث : الرد على منكري البعث في الآية " . كَلَّا بَلْ تُكَذِّبُونَ بِالدِّينِ "
بهذه الآية يوضح علة هذا الجحود والإنكار ، علة الغرور ، وهو التكذيب بالدين أي الحساب ، وعن هذا التكذيب ينشأ كل سوء وكل جحود
وفي هذه الآيات فوائد ":
• ذم منكري البعث لقوله: (كَلَّا بَلْ تُكَذِّبُونَ بِالدِّينِ)
• الإشارة إلى أحد دلائل البعث، وهو الدينونة، لأنه يحصل بها إحقاق الحق، وإبطال الباطل, والله تعالى قد خلق السموات والأرض بالحق، فليس من الحق أن يموت الظالم على ظلمه ، والمظلوم على مظلمته ، والمحسن على إحسانه دون ثواب ، والمسيء على إساءته دون عقاب, فلهذا كان الجزاء من دلائل البعث .

4- المقصد الرابع : الإيمان بالملائكة . " وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ (10) كِرَامًا كَاتِبِينَ (11) يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ (12) "
ويخبر الله تعالى بني الإنسان إلى أن الله جعل عليهم ملائكة حافظين يحفظونهم بأمره تعالى ، وهم كرام على الله ، أمناء فيما يكتبونه من أعمال العباد جميعها من خير أو شر ، وهم يحصون جميع ما يفعله العباد من خير وشر ويثبتونه في صحائفهم
ففي هذه الآيات فوائد :
- الإيمان بالملائكة الكرام , وهو أصل من أصول الإيمان.
- والإيمان أن أعمال العباد من خير وشر مكتوبة في صحائفهم

5- المقصد الخامس :الإيمان بالجنة والنار و إثبات الحساب والجزاء .في الآيات "إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ (13) وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ (14) يَصْلَوْنَهَا يَوْمَ الدِّينِ (15) وَمَا هُمْ عَنْهَا بِغَائِبِينَ (16) وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ (17) ثُمَّ مَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ (18) يَوْمَ لَا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئًا وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ (19)"
يخبر الله تعالى عن حال الخلائق يوم الحساب فيذكر أن الأبرار الذين أطاعوا الله واتبعوا رضوانه يصيرون إلى النعيم في جنات النعيم ، وأما الكفرة الذين عصوا الله ، وغرتهم الحياة الدنيا ونسوا ما أمرهم الله به ، فإنهم يصيرون إلى نار جهنم يصلون حرها وأهوالها يوم الحساب لا يغيبون عن العذاب طرفة عين, كلما فرغوا من عذاب انتقلوا إلى آخر، وكلما أرادوا أن يخرجوا منها من غم، أعيدوا فيها،
(وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ ، ثُمَّ مَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ): هذا الاستفهام، وهذا التكرار، يراد به التفخيم, والتعظيم, والتهويل. (وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ): كأنما يقال: ذلك الإنسان لم يقدر الأمر حق قدره، "أتدري ما يوم الدين ؟ أتعرف ما يوم الدين ؟ ثم يجيْ البيان بِأَنَّهُ يَوْمٌ لا تَسْتَطِيعُ فِيهِ نَفْسٌ أَنْ تَنْفَعَ نَفْساً، وَلا أَنْ تَدْفَعَ عَنْهَا، فَكُلُّ امْرِيءٍ مَشْغُولٌ بِمَا هُوَ فِيهِ، وَقَدِ اسْتَأْثَرَ اللهُ بِالأَمْرِ كُلِّهِ، فَإِلَيْهِ تَصْرِيفُ الأُمُورِ فِيهِ، وَإِلَيهِ المَرْجِعُ وَالمَآبُ.
ومن الفوائد :
- خلود النار، ودوام العذاب على أهلها، من قوله (وَمَا هُمْ عَنْهَا بِغَائِبِينَ).
- بطلان الشرك، وكل تعلق بغير الله "يَوْمَ لَا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئًا وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ"

من المراجع :
ظلال القرآن لسيد قطب
التفسير العقدي للدكتور أحمد القاضي
وأيسر التفاسير للشيخ أبو بكر الجزائري
وتفاسير آخرى

رد مع اقتباس
  #20  
قديم 11 شوال 1438هـ/5-07-2017م, 09:53 PM
هيئة التصحيح 11 هيئة التصحيح 11 غير متواجد حالياً
هيئة التصحيح
 
تاريخ التسجيل: Jan 2016
المشاركات: 2,525
افتراضي

بارك الله فيكم جميعًا ونفع بكم.

فاطمة الزهراء : أ
أحسنتِ ، بارك الله فيكِ ونفع بكِ.


أمل يوسف :
أ
أحسنتِ ، بارك الله فيكِ ونفع بكِ.

منيرة محمد : ب+
أحسنتِ ، بارك الله فيكِ ونفع بكِ.
- حاولي الربط بين تفسير الآية وبين ما تبينينه من المقاصد ، كأن تقولي أن كيد المشركين باقتراح الآيات ليس له أن يثنيه عن دعوته في قوله تعالى :{ أن يقولوا لولا اُنزل عليه كنزٌ أو جاء معه ملك }
، وحديثكِ عن أن مهمة النبي صلى الله عليه وسلم البلاغ والنذارة من قوله تعالى :{ إنما أنت نذير }
- يوجد خطأ في كتابة الآية ، والتصحيح : { واللهُ على كلِّ شيءٍ وكيل }


نبيلة الصفدي : أ
أحسنتِ ، بارك الله فيكِ ، وأؤكد على أهمية عزو العبارات المقتبسة لقائلها في رسالتكِ.
وفقني الله وإياكم لما يحب ويرضى.

رد مع اقتباس
  #21  
قديم 9 صفر 1439هـ/29-10-2017م, 09:40 PM
ميسر ياسين محمد محمود ميسر ياسين محمد محمود غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المستوى الثامن
 
تاريخ التسجيل: Aug 2014
المشاركات: 716
افتراضي

رسالة في الأسلوب المقاصدي لقوله تعالى:
﴿يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا اذكُرُوا اللَّهَ ذِكرًا كَثيرًا ۝ وَسَبِّحوهُ بُكرَةً وَأَصيلًا ۝)[الأحزاب: 41-43]
هذه الآية ذكرت في سياق قصة زواج النبي صلى الله عليه وسلم من زينب بنت جحش ،التي كان قد زوجها النبي صلى الله عليه وسلم لزيد بن حارثة رضي الله عنه -متبناه قبل النبوة-فمكثت عنده فترة طويلة ثم أخبر الله نبيه بأن زيداً سيطلقها، وأنه عليه الصلاة والسلام سيتزوجها.وبعد أن قضى زيد وطره منها ولم تعد له بها حاجة، زوجها الله نبيه صلى الله عليه وسلم لحكمة إلاهية :هي إبطال عادة الجاهلية في تحريم أزواج الأدعياء وهم المتبنين ، وقد أبطل الله التبني قبل هذ الحكم .عندها قال الذين في قلوبهم مرض :تزوج النبي من زوجة ابنه ؛ فردالله عليهم قولهم ،وجاءت هذه الآية كأنه سبحانه يأمر المؤمنين بالإعراض عن قول المنافقين وسبهم أو جدالهم والإشتغال بما هو أنفع وأجدى لهم من الذكر والتسبيح كما ذكر ابن عاشور .
ونحن في زمن الفتن الذي نعيشه الآن لابد فيه من التمسك والالتحاء بحبل الله .كما جاء في صحيح مسلم: (العبادة في الهرج كهجرة إليّ ).وأي عبادة من العبادات لا تخلو من الذكر !فالذكر هو لب وأساس العبادات كيف لا وقد شرعت سائر العبادات لأجله قال تعالى:(وأقم الصلاك لذكري) ،و هو مقياس تفاضل العبادات ؛فأي عبادة كان فيها العبد أكثر ذكراً لله كان أجرها أعظم كما جاء فيما روى الإمام أحمد والطبراني عن سهل بن معاذ بن أنس الجهني عن أبيه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم (( أَنَّ رَجُلًا سَأَلَهُ فَقَالَ أَيُّ الْمُجَاهِدِينَ أَعْظَمُ أَجْرًا يَا رَسُولُ اللَّه ؟ قَالَ أَكْثَرُهُمْ لِلَّهِ تَعَالَى ذِكْرًا ، قَالَ فَأَيُّ الصَّائِمِينَ أَعْظَمُ أَجْرًا ؟ قَالَ أَكْثَرُهُمْ لِلَّهِ ذِكْرًا ، ثُمَّ ذَكَرَ لَهُ الصَّلَاةَ وَالزَّكَاةَ وَالْحَجَّ وَالصَّدَقَةَ كُلُّ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : أَكْثَرُهُمْ لِلَّهِ ذِكْرًا ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لِعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : ذَهَبَ الذَّاكِرُونَ بِكُلِّ خَيْرٍ !! ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَجَلْ)).
ذكر المفسرون أنواع الذكر على نوعين :الأول :المقيد بوقت أو مكان أو حال .والثاني المطلق وهو على عكس المقيد لا يحدد له وقت ولا مكان ولا حال .وهذا من فضل الله علينا حتى تلهج ألستنا بذكره سائر الليل والنهار :براً وبحراً وجواً، سقماً وصحةً ،سراً وعلانيةً ،وفي كل حال من أحوالنا ،قال تعالى :﴿الَّذينَ يَذكُرونَ اللَّهَ قِيامًا وَقُعودًا وَعَلى جُنوبِهِم وَيَتَفَكَّرونَ في خَلقِ السَّماواتِ وَالأَرضِ رَبَّنا ما خَلَقتَ هذا باطِلًا سُبحانَكَ فَقِنا عَذابَ النّارِ﴾ [آل عمران: 191]فننال الحسنات والأفضال الكثيرة التي تكون مغنماً لنا يوم القيامة من عمل يسير سهل لا يشق على النفس فالذكر الكثير يأتي بالفوز والفلاح في الدنيا والآخرة ،قال تعالى :﴿يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنوا إِذا لَقيتُم فِئَةً فَاثبُتوا وَاذكُرُوا اللَّهَ كَثيرًا لَعَلَّكُم تُفلِحونَ﴾ [الأنفال: 45].وقال تعالى :"فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللهِ وَاذْكُرُوا اللهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ" [الجمعة: 10]
وقد قال ابن القيم في الوابل الصيب :(فأفضل الذكر ما تواطأ عليه القلب واللسان، وإنما كان ذكر القلب وحده أفضل من ذكر اللسان وحده، لأن ذكر القلب يثمر المعرفة بالله، ويهيج المحبة، ويثير الحياء، ويبعث على المخافة، ويدعو إلى المراقبة، ويزع عن التقصير في الطاعات، والتهاون في المعاصي والسيئات، وذكر اللسان وحده لا يوجب شيئاً من هذه الآثار، وإن أثمر شيئاً منها فثمرة ضعيفة.)أ.هـ كما أنه ذكر نحو من مائة فائدة للذكر لابد من الإطلاع عليها في الوابل الصيب .
يا من تلهج الألسن بذكرك وتنبض القلوب بحبك وترجو عفوك وتخاف عقابك فأنت العظيم الذي خلق وأعد الحياة ويسرها وجعل لعباد فيها قوتاً للأرواح قبل الأجساد فإذا انعدم الذكر ماتت القلوب، ففي صحيح البخاري من حديث أبي موسى رضي الله عنه قال: قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: «مَثَلُ الَّذِي يَذْكُرُ رَبَّهُ وَالَّذِي لَا يَذْكُرُ رَبَّهُ مَثَلُ الْحَيِّ وَالْمَيِّتِ»،
وما أسهله وأيسره من قوت مع سهولته ويسره إلا أنه لا يوفق إليه إلا من سلم قلبه من الغفلة وعدم الإنشغال بالدنيا قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ)،والذي ينتفع من الذكر ويتنعم بلذته وبحلاوة مناجاة ربه هو من صلحت عقيدته وأقواله وأعماله وأن لا يكون ممن اقترف جرم أو تقصير أو أكل مالاً حراماً أو غيره من الذنوب والآثام فهي سد تمنع حلاوة الذكر والتلذذ به كما جاء في الأربعين النووية حديث :(أن النبي عليه الصلاة والسلام *ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر، يمد يديه إلى السماء، يا رب، يا رب، ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغذي بالحرام، فأنى يستجاب لذلك ؟)لذلك لا بد من أن تعاهد القلوب ومراقبة الأعمال حتى لا تكون حاجزاً دون الانتفاع من الذكر ؛فهو خير الزاد في هذه الحياة
فاذكروه بقلوبكم ذكراً دائماً كثيراً غير محدود غير غافلين وغير لاهين أقروا فيه بربوبيته وتوحيده واعترفوا له باستسلامكم وخضوعكم التاميين .واذكروه بألسنتكم كثيراً بعدد الأنفاس دعاءً ورغبةً إليه واستعانة به حتى تستقيم الحياة به .
قوله تعالى : {وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأصِيلاً}
ذكر الماوردي قول قتادة أن البكرة والأصيل هما صلاة الصبح والعصر .
كما ذكر ثلاثة أوجه في معنى التسبيح:
أحدها: أنه تنزيه الله عما لا يليق به وهو التسبيح الخاص ،والثاني: أنه الصلاة.والثالث: أنه الدعاء،
قال سيد قطب حول المقصد من تخصيص هذه الأوقات :(وفي البكرة والأصيل خاصة ما يستجيش القلوب إلى الاتصال بالله، مغير الأحوال، ومبدل الظلال؛ وهو باق لا يتغير ولا يتبدل، ولا يحول ولا يزول. وكل شيء سواه يتغير ويتبدل، ويدركه التحول والزوال.)أ.هـ

المراجع:
الوابل الصيب لابن القيم
تفسير ابن عاشور
تفسير الماوردي
تفسير سيد قطب

رد مع اقتباس
  #22  
قديم 2 جمادى الآخرة 1439هـ/17-02-2018م, 09:24 PM
هيئة التصحيح 11 هيئة التصحيح 11 غير متواجد حالياً
هيئة التصحيح
 
تاريخ التسجيل: Jan 2016
المشاركات: 2,525
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ميسر ياسين محمد محمود مشاهدة المشاركة
رسالة في الأسلوب المقاصدي لقوله تعالى:
﴿يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا اذكُرُوا اللَّهَ ذِكرًا كَثيرًا ۝ وَسَبِّحوهُ بُكرَةً وَأَصيلًا ۝)[الأحزاب: 41-43]
هذه الآية ذكرت في سياق قصة زواج النبي صلى الله عليه وسلم من زينب بنت جحش ،التي كان قد زوجها النبي صلى الله عليه وسلم لزيد بن حارثة رضي الله عنه -متبناه قبل النبوة-فمكثت عنده فترة طويلة ثم أخبر الله نبيه بأن زيداً سيطلقها، وأنه عليه الصلاة والسلام سيتزوجها.وبعد أن قضى زيد وطره منها ولم تعد له بها حاجة، زوجها الله نبيه صلى الله عليه وسلم لحكمة إلاهية :هي إبطال عادة الجاهلية في تحريم أزواج الأدعياء وهم المتبنين ، وقد أبطل الله التبني قبل هذ الحكم .عندها قال الذين في قلوبهم مرض :تزوج النبي من زوجة ابنه ؛ فردالله عليهم قولهم ،وجاءت هذه الآية كأنه سبحانه يأمر المؤمنين بالإعراض عن قول المنافقين وسبهم أو جدالهم والإشتغال بما هو أنفع وأجدى لهم من الذكر والتسبيح كما ذكر ابن عاشور .
ونحن في زمن الفتن الذي نعيشه الآن لابد فيه من التمسك والالتحاء بحبل الله .كما جاء في صحيح مسلم: (العبادة في الهرج كهجرة إليّ ).وأي عبادة من العبادات لا تخلو من الذكر !فالذكر هو لب وأساس العبادات كيف لا وقد شرعت سائر العبادات لأجله قال تعالى:(وأقم الصلاك لذكري) ،و هو مقياس تفاضل العبادات ؛فأي عبادة كان فيها العبد أكثر ذكراً لله كان أجرها أعظم كما جاء فيما روى الإمام أحمد والطبراني عن سهل بن معاذ بن أنس الجهني عن أبيه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم (( أَنَّ رَجُلًا سَأَلَهُ فَقَالَ أَيُّ الْمُجَاهِدِينَ أَعْظَمُ أَجْرًا يَا رَسُولُ اللَّه ؟ قَالَ أَكْثَرُهُمْ لِلَّهِ تَعَالَى ذِكْرًا ، قَالَ فَأَيُّ الصَّائِمِينَ أَعْظَمُ أَجْرًا ؟ قَالَ أَكْثَرُهُمْ لِلَّهِ ذِكْرًا ، ثُمَّ ذَكَرَ لَهُ الصَّلَاةَ وَالزَّكَاةَ وَالْحَجَّ وَالصَّدَقَةَ كُلُّ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : أَكْثَرُهُمْ لِلَّهِ ذِكْرًا ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لِعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : ذَهَبَ الذَّاكِرُونَ بِكُلِّ خَيْرٍ !! ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَجَلْ)).
ذكر المفسرون أنواع الذكر على نوعين :الأول :المقيد بوقت أو مكان أو حال .والثاني المطلق وهو على عكس المقيد لا يحدد له وقت ولا مكان ولا حال .وهذا من فضل الله علينا حتى تلهج ألستنا بذكره سائر الليل والنهار :براً وبحراً وجواً، سقماً وصحةً ،سراً وعلانيةً ،وفي كل حال من أحوالنا ،قال تعالى :﴿الَّذينَ يَذكُرونَ اللَّهَ قِيامًا وَقُعودًا وَعَلى جُنوبِهِم وَيَتَفَكَّرونَ في خَلقِ السَّماواتِ وَالأَرضِ رَبَّنا ما خَلَقتَ هذا باطِلًا سُبحانَكَ فَقِنا عَذابَ النّارِ﴾ [آل عمران: 191]فننال الحسنات والأفضال الكثيرة التي تكون مغنماً لنا يوم القيامة من عمل يسير سهل لا يشق على النفس فالذكر الكثير يأتي بالفوز والفلاح في الدنيا والآخرة ،قال تعالى :﴿يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنوا إِذا لَقيتُم فِئَةً فَاثبُتوا وَاذكُرُوا اللَّهَ كَثيرًا لَعَلَّكُم تُفلِحونَ﴾ [الأنفال: 45].وقال تعالى :"فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللهِ وَاذْكُرُوا اللهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ" [الجمعة: 10]
وقد قال ابن القيم في الوابل الصيب :(فأفضل الذكر ما تواطأ عليه القلب واللسان، وإنما كان ذكر القلب وحده أفضل من ذكر اللسان وحده، لأن ذكر القلب يثمر المعرفة بالله، ويهيج المحبة، ويثير الحياء، ويبعث على المخافة، ويدعو إلى المراقبة، ويزع عن التقصير في الطاعات، والتهاون في المعاصي والسيئات، وذكر اللسان وحده لا يوجب شيئاً من هذه الآثار، وإن أثمر شيئاً منها فثمرة ضعيفة.)أ.هـ كما أنه ذكر نحو من مائة فائدة للذكر لابد من الإطلاع عليها في الوابل الصيب .
يا من تلهج الألسن بذكرك وتنبض القلوب بحبك وترجو عفوك وتخاف عقابك فأنت العظيم الذي خلق وأعد الحياة ويسرها وجعل لعباد فيها قوتاً للأرواح قبل الأجساد فإذا انعدم الذكر ماتت القلوب، ففي صحيح البخاري من حديث أبي موسى رضي الله عنه قال: قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: «مَثَلُ الَّذِي يَذْكُرُ رَبَّهُ وَالَّذِي لَا يَذْكُرُ رَبَّهُ مَثَلُ الْحَيِّ وَالْمَيِّتِ»،
وما أسهله وأيسره من قوت مع سهولته ويسره إلا أنه لا يوفق إليه إلا من سلم قلبه من الغفلة وعدم الإنشغال [ الانشغال ] بالدنيا قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ)،والذي ينتفع من الذكر ويتنعم بلذته وبحلاوة مناجاة ربه هو من صلحت عقيدته وأقواله وأعماله وأن لا يكون ممن اقترف جرم أو تقصير أو أكل مالاً حراماً أو غيره من الذنوب والآثام فهي سد تمنع حلاوة الذكر والتلذذ به كما جاء في الأربعين النووية حديث :(أن النبي عليه الصلاة والسلام *ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر، يمد يديه إلى السماء، يا رب، يا رب، ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغذي بالحرام، فأنى يستجاب لذلك ؟)لذلك لا بد من أن تعاهد القلوب ومراقبة الأعمال حتى لا تكون حاجزاً دون الانتفاع من الذكر ؛فهو خير الزاد في هذه الحياة
فاذكروه بقلوبكم ذكراً دائماً كثيراً غير محدود غير غافلين وغير لاهين أقروا فيه بربوبيته وتوحيده واعترفوا له باستسلامكم وخضوعكم التاميين .واذكروه بألسنتكم كثيراً بعدد الأنفاس دعاءً ورغبةً إليه واستعانة به حتى تستقيم الحياة به . [ ولعل في هذه العبارة خاصة بيان فائدة وصف الذكر بالكثرة؛ فلو ربطتيها بتفسير الآية ، مع بيان مناسبة الآية التالية لها ففيها تخصيص للتسبيح من الذكر ]
قوله تعالى : {وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأصِيلاً}
ذكر الماوردي قول قتادة أن البكرة والأصيل هما صلاة الصبح والعصر .
كما ذكر ثلاثة أوجه في معنى التسبيح:
أحدها: أنه تنزيه الله عما لا يليق به وهو التسبيح الخاص ،والثاني: أنه الصلاة.والثالث: أنه الدعاء،
قال سيد قطب حول المقصد من تخصيص هذه الأوقات :(وفي البكرة والأصيل خاصة ما يستجيش القلوب إلى الاتصال بالله، مغير الأحوال، ومبدل الظلال؛ وهو باق لا يتغير ولا يتبدل، ولا يحول ولا يزول. وكل شيء سواه يتغير ويتبدل، ويدركه التحول والزوال.)أ.هـ

المراجع:
الوابل الصيب لابن القيم
تفسير ابن عاشور
تفسير الماوردي
تفسير سيد قطب

التقويم : أ
أحسنتِ، بارك الله فيكِ ونفع بكِ.

رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
تطبيقات, على

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
إبحث في الموضوع:

البحث المتقدم
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 10:44 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir