دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > برنامج إعداد المفسر > مجموعة المتابعة الذاتية > منتدى المستوى الثامن

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 21 شعبان 1438هـ/17-05-2017م, 01:17 AM
هيئة الإدارة هيئة الإدارة غير متواجد حالياً
 
تاريخ التسجيل: Dec 2008
المشاركات: 29,544
افتراضي تطبيقات على درس الأسلوب الوعظي

تطبيقات على درس الأسلوب الوعظي
الدرس (هنا)
- مجلس مناقشة دروس دورة أساليب التفسير.

تنبيه:
- الآيات موضوع التطبيق تكون من الأجزاء الثلاثة الأخيرة.
وفقكم الله وسددكم.

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 24 شعبان 1438هـ/20-05-2017م, 05:57 AM
لولوة الحمدان لولوة الحمدان غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المتابعة الذاتية
 
تاريخ التسجيل: Jan 2016
المشاركات: 303
افتراضي

وصف العذاب في سورة الحاقة
مشهد عظيم من مشاهد يوم القيامة، يوجل القلوب، ويعظ النفوس، ويحييها من غفلاتها!
مشهد يعلمنا بأن بطش الله شديد، وأنه لا يعذِّب عذابه أحد، ولا يوثق وثاقه أحد!
مشهد يذكرنا بحقيقة الدنيا وأنها عرض زائل وأنها متاع الغرور، ففي ذلك اليوم تعظم حسرات من تعلق بها وركن إليها واغترَّ بها، وتتقطع نفسه حسرات حين يراها لم تغنِ عنه من الله شيئاً! بل لقد هلك السلطان وتقطعت الأسباب، وتبرَّأ الأحباب، وجاء العبد فرداً وحيداً، (ولقد جئتمونا كما خلقناكم أول مرة وتركتم ما خولناكم وراء ظهوركم وما نرى معكم شفعاءكم الذين زعمتم أنهم فيكم شركاء لقد تقطع بينكم وضل عنكم ما كنتم تزعمون).
في هذه السورة بعد أن ذكر الله تعالى حال السُّعداء في الآخرة أتبعه بذكر حال الأشقياء، وهذا من عادات القرآن أنه يذكر حال كلٍّ من الفريقين.
قال تعالى: (وأما من أوتي كتابه بشماله فيقول يا ليتني لم أوت كتابيه)
فهؤلاء الأشقياء - إذا كانت عرصات القيامة - أُعطي الواحد منهم كتابه بشماله ليمتاز ويعرف خزياً وعاراً وفضيحةً فيندم حينئذ غاية الندم، ويقول حزناً وكرباً وهمّاً وغمّاً (يا ليتني لم أوتَ كتابيه) أي لم أعطه لِمَا رأى فيه من سيئاته، ولأن هذا الكتاب يبشر بدخول النار والخسار الأبدي.
(وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ)
ولما يرى كتابه ويعلم أن حسابه كله عليه يتمنى أن لو كان نسياً منسياً ولم يبعث ولم يدرِ أي شيء حسابه.
(يَا ‎لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ)
ويتمنى حينئذ أن موتته كانت موتةً دائمة لا حياة بعدها ولا بعث، فتمنى الموت بعد أن كان أكره شيء إليه لما رأى سوء عمله، والعذاب الذي يصير إليه، وشر من الموت ما يُطلب منه الموت!.
(مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ)
ثم تذكر ماله، فازداد حسرةً أن رآه وبالاً عليه، لم يقدِّم منه لآخرته شيئاً، وليس ينفعه اليوم في الافتداء من عذاب الله، فقد ذهب وقت نفعه، فلا يدفع عنه عذاب الله وبأسه، ولا يخلصه منه.
(هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ)
وتذكر سلطانه فإذا هو قد ذهب واضمحل كان لم يكن! قد زال الجاه العريض وذهبت الجنود الكثيرة والعُدَد الخطيرة أدراج الرياح، فخلص إليه الأمر فرداً وحيداً تغشاه الهموم والأتراح، لا معين له، ولا مجير، ولا يُغني عنه من الله أحد.
وفُسِّر السلطان هنا أيضاً بالحجة، فالمراد أن حجته قد ضلَّت عنه، ففي ذلك اليوم لا تنفع الحجج والمعاذير، فشهود المرء جوارحه وأركانه، لا يخفى على الله منه شيء.
(خُذُوهُ فَغُلُّوهُ)
فحينئذٍ يؤمر بعذابه فيقال للزبانية الغلاظ الشداد (خذوه فغلوه) أي اجمعوا يده إلى عنقه بالأغلال واجعلوا في يمينه غلِّاً يخنقه، فتبتدره الزبانية تأخذه عنفاً من المحشر فتغلُّه. وقد ورد في الآثار أنه يبتدره سبعون ألف ملك وقيل أربعمائة ألف ملك أيهم يجعل الغل في عنقه، فلا يبقى شيء إلا دقه الملك فيقول له: ما لي ولك؟ فيقول: إن الرب عليك غضبان، فكل شيء عليك غضبان. نعوذ بالله من غضبه وعقابه.
(ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ)
أي أدخلوه فيها ليصلى حرَّها، واغمروه فيها وقلِّبوه على جمرها ولهبها، وبالغوا في تصليته إياها وكرروها بغمسه في النار، لا جرم أن الزبانية تبتدره فتغلّه ثم تورده إلى جهنم، فتصليه إياها.
(ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَاسْلُكُوهُ)
السلسلة: هي الحلق المنتظمة، قال كعب: كل حلقة منها قدر حديد الدنيا، وقال قتادة: لو أن حلقة منها وضعت على ذروة جبل لذاب كما يذوب الرصاص، ومعنى ذرعها: طولها، قال العوفي عن ابن عباس: بذراع الملك.
وعن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لو أن رصاصة مثل هذه -وأشار إلى مثل جمجمة – أُرسلت من السماء إلى الأرض وهي مسيرة خمسمائة سنةٍ، لبلغت الأرض قبل الليل، ولو أنها أرسلت من رأس السلسلة لسارت أربعين خريفاً الليل والنهار، قبل أن تبلغ قعرها أو أصلها". أخرجه الإمام أحمد.
فيأمر الله الزبانية أن يسلكوه أي ينظموه فيها، فتدخل في دبره وتخرج من فمه، حتى لا يقوم على رجليه، ويُنظمون فيها كما يُنظم الجراد عند الشوي، ويعلقون فيها فلا يزالون يعذبون هذا العذاب الفظيع. أجارنا الله من النار.
والله سبحانه وتعالى لا يظلم الناس شيئاً ولكن الناس أنفسهم يظلمون، وإنما يجزون ما كانوا يعملون، فهذا العذاب استوجبه الظالم بما كسبت يداه (إنه كان لا يؤمن بالله العظيم) فالله العظيم هو المستحق للعبادة والخضوع والتعظيم، فمن لا يعظمه استوجب العذاب العظيم!
(ولا يحض على طعام المسكين) فهو لا يطعم المسكين من ماله ولا يحض على إطعامه، مبالغة في شحِّه عن المساكين بمال غيره فضلاً عن ماله.
وفي جعل عدم حضه على طعام المسكين جزء لسبب العذاب وجعله قريناً لترك الإيمان بالله موعظة للمؤمنين زاجرة عن منع المساكين حقهم، وأن ذلك من أعظم الجرائم، فإن أقبح العقائد الكفر بالله تعالى، وأشنع الرذائل البخل وقسوة القلب!
وفيه الترغيب بالتصدق على المساكين وسد فاقتهم؛ فإن مدار السعادة ومادتها أمران: الإخلاص لله الذي أصله الإيمان بالله، والإحسان إلى الخلق بوجوه الإحسان ومن أعظمها دفع ضرورة المحتاجين بإطعامهم، ولهذا أمر الله بإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وقُبض النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقول: "الصلاة وما ملكت أيمانكم".
ولهذا امتثل المؤمنون هذا الخطاب الرباني، عن أبي الدردار رضي الله عنه قال: "إن لله سلسلة لم تزل تغلي منها مراجل النار منذ خلق الله جهنم إلى يوم تلقى في أعناق الناس، وقد نجانا الله من نصفها بإيماننا العظيم، فحضي على طعام المسكين يا أم الدرداء".
وقال الحسن البصري: "أدركت أقواماً يعزمون على أهليهم ألا يردوا سائلاً، وكان بعضهم يأمر أهله بتكثير المرقة لأجل المساكين، ويقول: خلعنا نصف السلسلة بالإيمان، أفلا نخلع النصف الثاني بالإطعام!".
المصادر:
التحرير والتنوير، لابن عاشور.
تفسير القرآن العظيم، لابن كثير.
تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان، للسعدي.
زبدة التفسير، للأشقر.
فتح البيان، للقنوجي.

رد مع اقتباس
  #3  
قديم 24 شعبان 1438هـ/20-05-2017م, 02:29 PM
عباز محمد عباز محمد غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المستوى السادس
 
تاريخ التسجيل: Jan 2016
الدولة: الجزائر
المشاركات: 309
افتراضي

بسم الله الرحمن الرحيم
رسالة وعظية حول قوله تعالى:{ وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ أُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ(19)} سورة الحشر.


البعض يتساءل لماذا أنا أسعى وراء المعصية و تارك لطاعة الله؟ و البعض الآخر يقول لماذا الله أضلني و صرفني عن طاعته؟ ...
الجواب عن ذلك في كلمتين: أنت السبب؟...لا تتعجب لمثل هذا الجواب و اسمع لكلام ربك حين قال: { وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ} فالخطوة الأولى للضلال بدأت منك. قد تقول: أنا لم أنس الله فأحيانا أذكره فبالتالي لست معنيا بهذه الآية؟ نعم النسيان لغة هو عدم تذكر شيء ما، و كما هو معلوم فإن النسيان لا يؤاخذ عليه الإنسان، كمن نسي الصلاة فهذا لا يؤاخذ فقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم: «رفع عن أمتي الخطأ والنسيان» حديث حسن رواه ابن ماجة والبيهقي وغيرهما. و لكن هل ينطبق المعنى اللغوي على مراد الله تعالى في قوله: { وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ}؟ الجواب: لا، فقد اتفق المفسرون على أن المراد بنسيان العبد لربه هنا هو بترك أوامره أي ترك و إهمال طاعته.
فعن سفيان الثوري {نَسُوا اللَّهَ} قال: نسوا حق الله، أي تركوا عبادته، تركوا الانقياد لأوامره و الانصياع لنواهيه، تركوا الاستسلام لحكمه كما نقل ذلك الطبري.
و الله تعالى استفتح هذه الآية بقوله: { وَلَا تَكُونُوا} و "لا" تفيد النهي، فالله ينهانا و يحذرنا من أن نتشبه و نقتدي بأقوام كانت ميزتهم أنهم { نَسُوا اللَّهَ}، فكانت عقوبتهم في الدنيا:{ فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ}...و السؤال: هل يقدر الإنسان أن ينسى نفسه التي بين جنبيه؟ الجواب: إذا قال الله بأن الذي ينساه سيُنسيه الله نفسه فنحن نؤمن و نصدق بذلك، فإذا سوف ينس الإنسان نفسه و لكن كيف ذلك؟ الجواب عند سفيان:{ فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ} أي: أنساهم حظ و حق أنفسهم، كما ذكر الطبري و القرطبي.
و معنى كلام سفيان رحمه الله أي أن الذي ينسى ربه بترك طاعته و الغفلة عن عبادته يعاقب بأن ينسيه الله تعالى ما ينفع نفسه و يصلحها و يرفع قدرها، فيصير شغله و كدحه و همه فيما يضر نفسه و يهلكها في الدنيا و الآخرة و المسكين لا يشعر بل يحسب أنه يحسن صنعا، قال تعالى:{ قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُم بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا}.
يا عباد الله، {نَسُوا اللَّهَ} أعتقد أن كل واحد منا قد كان له أو لا يزال له نصيب من هذه الآية، فكل بني آدم خطاء، فقد مرت علينا لحظات و أيام أو حتى دهور و نحن غافلين عن طاعة الله، تاركين لعبادة الله، منغمسين في معصية الله، ...تذكر...كيف كان حالي و حالك في لحظات البعد عن الله؟
قد يخطر في بال البعض أنه كان متمتع بقضاء شهوات نفسه و تلبية رغباتها: نظر إلى الحرام، سماع للحرام، لهو و مجون، انفاق للأموال في الحرام، تدخين و مخدرات و غيرها من المعاصي و المحرمات. فهو قد انكب في المعاصي و ترك طاعة الرحمن فعاقبه الله تعالى من جنس عمله: نسي ربه فأنساه ربه نفسه، فهو متمتع لا يبالي: {قل تمتعوا فإن مصيركم إلى النار}.
قال ابن القيم - رحمه الله -: "أنساه نفسه أي أنساه مصالحها، وما ينجيها من عذابه، وما يوجب له الحياة الأبدية، وكمال لذتها وسرورها ونعيمها، فأنساه الله ذلك كله جزاء لما نسيه من عظمته وخوفه، والقيام بأمره، فترى العاصي مهملاً لمصالح نفسه، مضيعاً لها، قد أغفل الله قلبه عن ذكره، واتَّبع هواه، وكان أمره فرطاً...وأعظم العقوبات نسيان العبد لنفسه وإهماله لها، وإضاعته حظها ونصيبها من الله...".
و اعلم ان العبد كلما ازداد نسيانه لربه، زاد الله إنساءه لنفسه، تجده لا يفكر في الله و لا في لقاء الله، الآخرة ليست في حساباته، شغله الشاغل ارضاء شهواته و نزواته، و يسلك شتى السبل لتحقيق رغباته...و انظر إلى حال أصحاب المخدرات مثلا، فهم في سكرة و لا يبالون بحالهم و لا بحال من حولهم، فالواحد منهم قد يبيع نفسه أو حتى أهله، بل قد يصل الحال إلى حد القتل و هذا فقط من أجل جرعة مخدر و العياذ بالله.
إنه حال من نسي الله فأنساه الله نفسه، فضلال هؤلاء هو من أنفسهم {فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم} و كن على يقين بأن الله لم يظلمهم {و ما ظلمهم الله و لكن أنفسهم كانوا يظلمون}.
و قد ذكر الله في كتابه عقوبة أخرى لمن نسيه، فقال سبحانه في سورة التوبة:{نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ} فمن نسي و ترك طاعة ربه تركه الله تعالى و لم يبالي به في أي واد هلك، و حرمه من هدايته و رحمته و فضله، وفي الصحيح: ((أن الله - تعالى - يقول للعبد يوم القيامة: ألم أزوجك، ألم أكرمك، ألم أسخر لك الخيل والإبل، وأذرك ترأس وتربع؟ فيقول: بلى، فيقول الله - تعالى -: أفظننت أنك ملاقي؟ فيقول: لا، فيقول الله: اليوم أنساك كما نسيتني))!!.
فيا من نسيت ربك...أجل ربك الذي رباك، ربك الذي أطعمك و أجاع غيرك، ربك الذي عافاك و ابتلى غيرك، ربك الذي آواك و شرد غيرك، ربك الذي أكرمك بالإسلام و أهان غيرك، ربك الذي قربك و أسمعك و أبعد غيرك، ربك الذي حفظك و اعتنى بك و ترك غيرك، ربك الذي بسط لك الرزق و قدر على غيرك، ربك الذي حلم عليك و أخذ غيرك، ربك الذي سترك و قد فضح غيرك، ربك الذي جمّل ذكرك بين الناس و قبّح غيرك....أوَ مثل هذا الرب يُنسى فلا يُذكر، أوَ مثل هذا الرب يُكفر فلا يشكر، أوَ مثل هذا الرب يُعصى فلا يُطاع...
أنا و أنتَ و أنتِ فل نقف وقفة نحاسب أنفسنا و نتفكر في فضائل الله علينا، و لنستحيي من ربنا الكريم: {يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ * الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ * فِي أَيِّ صُورَةٍ مَّا شَاءَ رَكَّبَكَ}.
و أختم كلامي بكلام ربي، و أحق القول قول ربي:{ أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ} و لا تيأس فإن الله قادر على إحياء قلبك:{ اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ}.
و الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات و صلى الله على نبينا محمد و على آله و صحبه أجمعين.

المراجع :
- جامع البيان في تأويل القرآن للطبري ت (310)
- معالم التنزيل للبغوي ت ( 510هـ)
- الجامع لأحكام القرآن للقرطبي ت ( 671هـ)
- الجواب الكافي لابن القيم ( 751 هـ)
- تفسير القرآن العظيم لابن كثير ت (774هـ)
- التحرير والتنوير لابن عاشور ت (1393هـ)
- تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان للسعدي ( 1376 هـ)

رد مع اقتباس
  #4  
قديم 24 شعبان 1438هـ/20-05-2017م, 11:11 PM
مها الحربي مها الحربي غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المتابعة الذاتية
 
تاريخ التسجيل: Mar 2014
الدولة: بلاد الحرمين
المشاركات: 461
افتراضي

رساله تفسيريه في قوله تعالى : ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (18)) سورة الحشر

في هذه الآية حث المؤمنين على تقوى الله في السر والعلن ومحاسبة النفس في الدنيا ورد الحقوق لأهلها قبل الإتيان بها في يوم لاينفع مال ولابنون .

قال تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ):
أمر الله المؤمنين بتقوى الله في القول والعمل ، وفي السر والعلن ،وهي دلالة الإيمان .
والتقوى :
هي أن يجعل بينه وبين المعاصي حاجزا و وقاية يقيه من عذاب الله وغضبه ،ويفعل ماأمر به من توحيده ويصدق ماأمر به ،ويترك مانهى عنه من الشرك ومايتبعها من معاصي.
وقال السعدي في تفسير هذه الآيه :( هذهِ الآيةُ الكريمةُ أصْلٌ فِي مُحاسبَةِ العبْدِ نفْسَه، وأنَّه يَنبغِي له أنْ يَتَفَقَّدَها؛ فإنْ رَأَى زَللاً تَدارَكَه بالإقلاعِ عنه والتوبةِ النصوحِ والإعراضِ عن الأسبابِ الْمُوِصِلَةِ إليه.
وإنْ رَأَى نفْسَه مُقَصِّراً في أمْرٍ مِن أوامِرِ اللَّهِ؛ بَذَلَ جَهْدَه واستعانَ برَبِّه في تَتْمِيمِه وتَكميلِه وإتقانِه، ويُقايِسُ بينَ مِنَنِ اللَّهِ عليهِ وإحسانِه, وبينَ تَقصيرِه؛ فإنَّ ذلك يُوجِبُ له الحَيَاءَ لا مَحَالَةَ)

وقوله تعالى : (وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ):
في هذه الآيه دعوه لمحاسبة النفس في الدنيا ، وفعل الصالحات والتزود من الخيرات والمسابقه لها ، وترك الذنوب والمعاصي ، وأن يجعل همه الآخره والتزود لها والإيتعاد عن مايشغلهم عنها
قال الحسن وقتادة : قرب الساعة حتى جعلها كغد . ولا شك أن كل آت قريب ; والموت لا محالة آت . ومعنى ما قدمت يعني من خير أو شر .

وقوله تعالى : (وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ):تأكيد ثان لتقواه وفعل ماأمر به وترك مانهى عنه ، ويدل هذا التأكيد على أهمية التقوى وعظم أمرها ، إن الله يعلم مافي نفوسكم ومايظهر منكم لاتخفى عليه خافيه ،ومحاسبكم عليها

آثار تقوى الله :
1/قال تعالى :(وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنا عَلَيْهِمْ بَرَكاتٍ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ)
فتح الله عليهم الرزق الوفير والخير الكثير
2/( وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ).
يجعل له من أموره وهمومه مخرجا وفرجا عاجلا ، ويرزقه من حيث لايعلم
3/( الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ)
شفاعة المتقين يوم القيامة بعضهم لبعض.
4/( إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ، فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ)
جزاء المتقين يوم القامه الجنات
5/رضا الله عن المتقي وثوابه ،قال تعالى :( وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا)
6/تكفير سيئاته وذهاب المحذور عنه ،ينجيه من شبهات الأمور ويحفظه من المعاصي ،قال تعالى :(وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ )
7/ويسهل عليه الأمور ولا يشقيه، وينجيه من كرب الدنيا والآخره وكرب الموت، قال تعالى :(وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المراجع
تفسيرابن كثير
تفسير السعدي
تفسير الطبري
الوسيط للطنطاوي

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 25 شعبان 1438هـ/21-05-2017م, 12:51 AM
حليمة محمد أحمد حليمة محمد أحمد غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المتابعة الذاتية
 
تاريخ التسجيل: Jan 2016
المشاركات: 248
افتراضي تطبيق الرسائل التفسيرية(2)

بسم الله الرحمن الرحيم
تفسير قوله تعالى: (لَوْ أَنـزلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ )

الحمد لله رب العالمين منزل القرءان المبين، هدى ورحمة للأولين والآخرين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين نبينا محمد الأمين صلاة وسلامًا دائمين متتاليين إلى يوم الدين. وبعد :
يقول الله تعالى في هذه الآية مخبرًا عن علو القرءان ، وعظيم تأثيره حتى على غير الأحياء : (لو أنزلنا هذا القرءان على جبل لرأيته خاشعًا )
خشع أي : رمى ببصره نحو الأرض وغضه وخفض صوته . وقوم خشع : متخشعون . وخشع بصره : انكسر
وقيل : الخشوع قريب من الخضوع إلا أن الخضوع في البدن ، والخشوع في البدن والصوت والبصر كقوله تعالى : (خاشعة أبصارهم) وقوله :( وخشعت الأصوات للرحمن) ; أي : سكنت وكل ساكن خاضع خاشع .
قال ابن الأثير : والخشعة ، مثال الصبرة : أكمة متواضعة ملتصقة بالأرض .
والخاشع من الأرض : الذي تثيره الرياح لسهولته فتمحو آثاره، وإذا يبست الأرض ولم تمطر قيل : قد خشعت .
قال تعالى : (ترى الأرض خاشعة فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت ) والعرب تقول : رأينا أرض بني فلان خاشعة هامدة قد خلت من الخضرة . ويقال : مكان خاشع . وخشع سنام البعير إذا أنضي فذهب شحمه وتطأطأ شرفه . وجدار خاشع إذا تداعى واستوى مع الأرض،ويقال : خشعت الشمس وخسفت وكسفت بمعنى واحد .
وقال أبو صالح الكلابي : خشوع الكواكب إذا غارت وكادت تغيب في مغيبها ; وأنشد :
بدر تكاد له الكواكب تخشع

والتصدع هو التشقق، والمعنى لو كان المخاطب بهذا القرءان جبلًا - وهو المعروف- لرأيته أي : يا محمد، وقيل هي الخطاب لغير معين، لأبصرت ذلك الجبل متشققًا؛ خشوعًا وتأثرًا بهذا القرءان، وهذا دليل على عظمة وجلال هذا الكتاب وقد ورد نظير هذا المعنى في قوله تعالى : ( ولو أن قرآنا سيرت به الجبال أو قطعت به الأرض أو كلم به الموتى ) الرعد : 31 وتقدير الجواب المحذوف: لكان هذا القرآن .
وهذا مثل يضربه الله تعالى لعباده ليتفكروا فيه وينتفعوا بمغزاه؛ ولذلك قال بعدها (وتلك الأمثال نضربها للناس لعلهم يتفكرون)
وقد ورد في غير موضع من كتاب الله تعالى أن هذا الكتاب إنما أنزل ليتدبره العباد، ولينتفعوا بمواعظه ينزلونها على قلوبهم ، ومن ثم تترجمها جوارحهم قال تعالى:( كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ ﴾ سورة ص: 29 ثم أن الله تعالى عاتب عباده يستحثهم على الخشوع، وإنابة القلوب عند ذكره فقال :( أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ ) سورة الحديد 16

قال ابن القيم عليه رحمة الله:" فَلَيْسَ شَيْءٌ أَنْفَعَ لِلْعَبْدِ فِي مَعَاشِهِ وَمَعَادِهِ، وَأَقْرَبَ إِلَى نَجَاتِهِ مِنْ تَدَبُّرِ الْقُرْآنِ، وَإِطَالَةِ التَّأَمُّلِ فِيهِ، وَجَمْعِ الْفِكْرِ عَلَى مَعَانِي آيَاتِهِ، فَإِنَّهَا تُطْلِعُ الْعَبْدَ عَلَى مَعَالِمِ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ بِحَذَافِيرِهِما، وَعَلَى طُرُقَاتِهِمَا وَأَسْبَابِهِمَا وَغَايَاتِهِمَا وَثَمَرَاتِهِمَا، وَمَآلِ أَهْلِهِمَا، وَتَتُلُّ فِي يَدِهِ مَفَاتِيحَ كُنُوزِ السَّعَادَةِ وَالْعُلُومِ النَّافِعَةِ، وَتُثَبِّتُ قَوَاعِدَ الْإِيمَانِ فِي قَلْبِهِ، وَتُشَيِّدُ بُنْيَانَهُ وَتُوَطِّدُ أَرْكَانَهُ، وَتُرِيهِ صُورَةَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَالْجَنَّةِ وَالنَّارِ فِي قَلْبِهِ، وَتُحْضِرُهُ بَيْنَ الْأُمَمِ، وَتُرِيهِ أَيَّامَ اللَّهِ فِيهِمْ، وَتُبَصِّرُهُ مَوَاقِعَ الْعِبَرِ، وَتُشْهِدُهُ عَدْلَ اللَّهِ وَفَضْلَهُ، وَتُعَرِّفُهُ ذَاتَهُ، وَأَسْمَاءَهُ وَصِفَاتِهِ وَأَفْعَالَهُ، وَمَا يُحِبُّهُ وَمَا يُبْغِضُهُ، وَصِرَاطَهُ الْمُوصِلَ إِلَيْهِ، وَمَا لِسَالِكِيهِ بَعْدَ الْوُصُولِ وَالْقُدُومِ عَلَيْهِ، وَقَوَاطِعَ الطَّرِيقِ وَآفَاتِهَا، وَتُعَرِّفُهُ النَّفْسَ وَصِفَاتِهَا، وَمُفْسِدَاتِ الْأَعْمَالِ وَمُصَحِّحَاتِها وَتُعَرِّفُهُ طَرِيقَ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَأَهْلِ النَّارِ وَأَعْمَالَهُمْ ، وَأَحْوَالَهُمْ وَسِيمَاهُمْ، وَمَرَاتِبَ أَهْلِ السَّعَادَةِ وَأَهْلِ الشَّقَاوَةِ، وَأَقْسَامَ الْخَلْقِ وَاجْتِمَاعَهُم فِيمَا يَجْتَمِعُونَ فِيهِ، وَافْتِرَاقَهُم فِيمَا يَفْتَرِقُونَ فِيهِ.
وَبِالْجُمْلَةِ تُعَرِّفُهُ الرَّبَّ الْمَدْعُوَّ إِلَيْهِ، وَطَرِيقَ الْوُصُولِ إِلَيْهِ، وَمَا لَهُ مِنَ الْكَرَامَةِ إِذَا قَدِمَ عَلَيْهِ.
وَتُعَرِّفُهُ فِي مُقَابِلِ ذَلِكَ ثَلَاثَةً أُخْرَى: مَا يَدْعُو إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ، وَالطَّرِيقَ الْمُوصِلَةَ إِلَيْهِ، وَمَا لِلْمُسْتَجِيبِ لِدَعْوَتِهِ مِنَ الْإِهَانَةِ وَالْعَذَابِ بَعْدَ الْوُصُولِ إِلَيْهِ" أ. هـ

وقد تمثل رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك النهج الرباني بتدبر القرءان وكان البكاء عند تلاوته هديًا له فقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم في الصحيحين من حديث عبد الله بن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: (اقرأ عليَّ، فقال عبد الله رضي الله عنه: أقرأ عليك وعليك أنزل؟ قال النبي صلى الله عليه وسلم: فإني أحب أن أسمعه من غيري، يقول: فقرأت عليه سورة النساء، حتى بلغت قول الله تعالى: فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاءِ شَهِيدًا [النساء:41] فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: أمسك، فإذا عيناه تذرفان)
وتأسى به الصحابة رضوان الله عليهم من بعده فهذا أبوبكر الصديق رضي الله الصديق يقرأ القرآن في فناء داره، فتجتمع عليه نساء المشركين وأبناؤهم يتعجبون منه وينظرون إليه، وكان رضي الله عنه رجلاً بكاءً لا يملك دمعه حين يقرأ القرآن، و عمر رضي الله عنه الشديد القوي الذي لم تقف قوته وشدته حائلًا بين لين قلبه أمام آيات هذا الكتاب العظيم – فقد صلى رضي الله عنه بالجماعة الصبح، فقرأ سورة يوسف فبكى حتى سالت دموعه على ترقوته. وكان بكاء وقافًا عند كتاب الله تعالى رضي الله عنهم وعن صحابة نبينا عليه الصلاة والسلام.

وفي الآية جملة من الفوائد واللطائف منها :
- في قوله :"لو أنزلنا " إشارة إلى أن كتاب الله منزل غير مخلوق.
- على العبد أن يستشعر إن شرف كتاب الله تعالى من شرف المتكلم به، ولذلك فإن من اعتنى به قراءة وعملًا وتدبرًا حاز أشرف المنازل في الدنيا والآخرة.
- أن من لم ينتفع بالقرءان ولم ينزله على قلبه دواءً وعلى جوارحه اهتداءً، فإنه فيه شبهًا من المعرضين عن كتاب الله.
- فضيلة التدبر وأنه المقصود الأعظم من إنزال هذا الكتاب؛ فكما لا يجوز للعبد هجر الكتاب قراءةً، فكذلك لا يحسن به الاعتناء بإقامة الحروف وتصحيحها وتجويدها، مع التفريط في التدبر والعمل بكتاب الله تعالى .
- أن في مفهوم هذه الآية وآيات أخر من كتاب الله أن الجمادات تعظم الله وتعرفه وتتأثر بكلامه، قال تعالى عن الحجارة:(وإن منها لما يهبط من خشية الله)
فهل ترضى لنفسك أيها الموفق أن تكون الجمادات، بل وأقسى الجمادات وأكثرها صلابة وهي الجبال خيرًا منك بمعرفتها وخشيتها وتأثرها من كلام الله تعالى؟؟!!


مصادر الرسالة:
- جامع البيان للطبري
- الجامع لأحكام القرءان للقرطبي
- تفسير القرءان العظيم لابن كثير.
- التحرير والتنوير للطاهر ابن عاشور
- لسان العرب لابن منظور
- مدارج السالكين لابن القيم

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 25 شعبان 1438هـ/21-05-2017م, 12:52 AM
مها محمد مها محمد غير متواجد حالياً
طالبة علم
 
تاريخ التسجيل: Jan 2016
المشاركات: 251
افتراضي

بسم الله الرحمن الرحيم
رسالة في تفسير قوله تعالى: {يا أيّها الّذين آمنوا إنّ من أزواجكم وأولادكم عدوًّا لكم فاحذروهم وإن تعفوا وتصفحوا وتغفروا فإنّ اللّه غفورٌ رحيمٌ} التغابن (14)


من هو العدو؟؟؟
العدو هو من يريد لك الشر، أو يحملك عليه ، أو يكون سبباً في منع الخير عنك عن قصد منه أو عن غير قصد، فبعض الأزواج أعداء لأزواجهم ، وبعض الأولاد أعداء لوالديهم ، قال ابن القيم :" ليس المراد من هذه العداوة عداوة البغضاء والمحاداة ، بل إنما هي عداوة المحبة الصادة للآباء عن الهجرة والجهاد وتعلم العلم وغير ذلك من أمور الدين وأعمال البر ... وما أكثر ما فات العبد من الكمال والفلاح بسبب زوجته وولده" وذلك يظهر من وجوه عدة:
1- أنهم يلتهون بهم عن طاعة الله تعالى، وعن العمل الصالح كما قال تعالى: {يا أيّها الّذين آمنوا لا تلهكم أموالكم ولا أولادكم عن ذكر اللّه ومن يفعل ذلك فأولئك هم الخاسرون}المنافقون (9)
2- ومنها أنهم قد يحملونهم على معصية الله ويثبطونهم عن طاعة الله فقد يتساهل الأزواج والوالدان في ترك بعض الواجبات ، كترك الهجرة والجهاد في سبيل الله وغير ذلك.
3- قد يحملونهم على ارتكاب بعض المنهيات مجاراة لهم ونزولاً على رغباتهم فتحملهم العاطفة أو طلب رضاهم على تقديم محبتهم على محبة ورضا الله عز وجل.
4- ومنها أن الأزواج أو الوالدان قد يقصرون في توجيه أزواجهم وأولادهم وحملهم على أداء الواجبات ، والبعد عن المنهيات ونحو ذلك، فيأثمون بسبب ذلك.
5- ومنها أنهم ربما حملوهم على السعي في اكتساب الحرام ؛ محبة لهم وشفقة بهم ليكونوا في رغد من العيش.

قال مجاهد:{إنّ من أزواجكم وأولادكم عدوًّا لكم} قال: يحمل الرجل على قطيعة الرحم، أو معصية ربه فلا يستطيع الرجل مع حبه إلا أن يطيعه".
أقول -والله المستعان – كم حمل الأزواج والأولاد أزواجهم ووالديهم على قطيعة الرحم مع الإخوة والأخوات وغيرهم من الأقارب، بل ومع الآباء والأمهات ، وكم حملوهم على المعصية ، بإدخال آلات اللهو والفساد في البيوت إرضاء لهم ، وكم تهاون الآباء في حمل أولادهم على الحق مجاملة لهم، وكم حملوهم على الكسب من حرام.
كم من مفرط في الصلاة والزكاة وغيرهما من الواجبات بسبب الانشغال بالأولاد والأزواج ، وكم من صلى صلاة لا يدري ماذا قال فيها بسبب ذلك ، وكم نسى كثير من الناس حقوق الله وحقوق الخلق بسبب الأولاد والأزواج.

وفي حديث أبي يعلى العامري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " الولد ثمرة القلوب ، وإنهم لمجبنة مبخلة محزنة" أخرجه ابن ماجة في الأدب 3666.
قال الزجاج :"إن الإنسان مفتون بولده ، لأنه ربما عصى الله بسببه وتناول الحرام لأجله ، ووقع في العظائم إلا من عصمه الله تعالى".

ولنتدبر معاً لطائف الآية:
1- صدرت الآية بالنداء بصفة الإيمان ؛ لحضهم على الاستجابة لما اشتملت عليه الآيات من توجيهات سامية وإرشادات عالية ، فإن من شأن الإيمان الحق أن يحمل صاحبه على طاعة الله ، وهذا من لطف الله عز وجل مع العباد بهم ، .
2- {من} للتبعيض ، فهناك من الأزواج والأولاد الذين هم عون على الطاعة والخير إذا أصلحهم الله وهداهم .
3- قوله تعالى{فاحذروهم} أي: كونوا منهم على حذر ، واحتاطوا لدينكم ، واحذروهم أن يضروكم في دينكم ، أو أن توافقوهم على رغباتكم فيما لا يرضي الله ، وفي هذا التنبيه نستشعر ودَّ الله عز وجل لعباده وعنايته بهم.
4- إرشاد وحث منه سبحانه وتعالى إلى طريقة التعامل مع الأزواج والأبناء في هذه الحالة يُستنبط من قوله تعالى{ وإن تعفوا وتصفحوا وتغفروا } فالعفو: التجاوز عما حصل من الذنب والخطأ ، والصفح : تناسي ذلك الذنب وترك اللوم عليه وهو أعلى من العفو ، والمغفرة ستر الذنب عن الخلق والتجاوز عن العقوبة ، والمعنى: وإن تتجاوزوا أيها المؤمنون عما حصل من أزواجكم وأولادكم مما فيه ضرر عليكم في دينكم من ترك الصدقة والجهاد ونحو ذلك فهو الخير لكم ولهم ، ويكافئكم الله عليه...
5- {فإن الله غفور رحيم} أي: فإن الله عز وجل ذو الستر للذنوب المتجاوز عن عقوبتها و ذو الرحمة الواسعة بهم وبغيرهم ، واسع المغفرة والرحمة لمن يعفون ويصفحون ويغفرون.
-------------
المراجع:
- جامع البيان في تأويل القرآن للطبري ت(310)
-
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية ت (542هـ)
-
معالم التنزيل للبغوي ت ( 510هـ)
-
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي ت ( 671هـ)
- بدائع التفسير ابن القيم ت (751)
-
تفسير القرآن العظيم لابن كثير ت (774هـ)
-
التفسير الوسيط لطنطاوي ت (1431)

رد مع اقتباس
  #7  
قديم 25 شعبان 1438هـ/21-05-2017م, 07:39 AM
الصورة الرمزية إشراقة جيلي محمد
إشراقة جيلي محمد إشراقة جيلي محمد غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المتابعة الذاتية
 
تاريخ التسجيل: Jan 2016
الدولة: الرياض
المشاركات: 303
افتراضي

{إن لك في النهار سبحًا طويلاً}{واذكر اسم ربك وتبتل إاليه تبتيلا}
{إن لك في النهار سبحًا طويلاً}
(إِنَّ) حرف مشبه بالفعل (لَكَ) متعلقان بخبر محذوف (فِي النَّهارِ) حال (سَبْحاً) اسم إن المؤخر و(طَوِيلًا) صفة والجملة مستأنفة لا محل لها.

السبح : أصله العوم ، أي السلوك بالجسم في ماء كثير ، وهو مستعار هنا للتصرف السهل المتسع الذي يشبه حركة السابح في الماء فإنه لا يعترضه ما يعوق جولانه على وجه الماء ولا إعياءُ السير في الأرض .
وقريب من هذه الاستعارة استعارة السبح لجري الفرس دون كلفة في وصف امرىء القيس الخيل بالسابحات في قوله في مَدح فرسه :

مُسحَ إذا ما السابحات على الوَنى ... أثْرْنَ الغُبار في الكَديد المركَّل
فعبر عن الجاريات بالسابحات .
وذكر بن كثير في المراد من سبحًأ أقوالا:

القول الأول: الفراغ والنوم، قاله بن عباس وعكرمة وعطاء بن أبي مسلم. وقال آخرون فراغًا طويلا.
القول الثاني:فراغا وبغية ومنقلبا، قاله قتادة.
القول الثالث: تطوعًأ كثيرًا: قاله السدي.
وفي الآية إرشاد إلى أن الحركة لتحصيل مطالب الحياة، وكسب الأرزاق، وابتغاء المعايش برفق وسماحة وتلطف، قال تعالى:{هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ ۖ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ} (15) ...
والسبح الطويل بالنّهار يكفي لتحصيل معايش الحياة، وتحقيق مطالبها، مع القيام بواجبات ووظائف الرسالة، فليكن الليل للعبادة والرّاحة.
ومن وصف أعمال الكسب الأفضل بالسبح، ومن تخصيص أنّ هذا السبح في النّهار، نلاحظ التوجيه الرباني لعنصرين:

العنصر الأول: هو العنصر الحركي للكسب وهو السبح.
العنصر الثاني: وهو الزمن الذي ينبغي أن يخصص للكسب وهو النهار، فالنهار هو الأفضل والأصلح لكسب المعايش، والقيام بأعمال العلاقات مع النّاس.
أما الليل فهو الأصلح والأفضل للراحة والنوم، ولعبادة القيام، وللصفاء مع الله جلّ جلاله، والسكينة بين يديه للعبادة والمناجاة، والتفكر والتأمل، قال تعالى
{وجعلنا الليل لباسا وجعلنا النهار معاشا}.النبأ10ـ11
ولا يخفى على من يلاحظ حركات الحياة، أن السابح يبحث عن مطالبه برفق وسهولة فحيث وجدها ضمن ما سخّر الله له وأذِن له به التقطها برفق دون عنف ولا مغالبة ولا مناهبة ولا مقاتلة ولا عدوان ولا ظلم.
إنَّ الأرزاق مقسومة، مقدّرة بالقضاء والقدر،وعلى الإنسان أن يبسح في حياته لتحصيل ما قسم الله له، وأن يجمل الطلب وأن يكون رفيقًا، وأن يلتزم المنهاج الذي أمره الله بالتزامه، فزيادة الكد لا تزيد في الرزق ، والكسب بمعصية الله عزّ وجل يوجب العقوبة من جهة ولا يزيد في الرزق من جهة أخرى.
وإذا اتجه الإنسان لتحصيل مطالب حياته ومعايشه بحركة السبح أفيترك وهو يسبَحُ ذكر ربه؟

وجاء الجواب في الآية التالية
{وأذكر اسم ربك وتبتل إليه تبتيلا}
{وأذكر اسم ربك}
(وَاذْكُرِ) أمر فاعله مستتر و(اسْمَ) مفعول به مضاف إلى (رَبِّكَ) والجملة معطوفة على ما قبلها
أي واذكر مع سبحك في النهار ما يلائم حركة حياتك الواعية من أسماء ربك .
لفظ "اسم" هو نكرة تصدق بأي اسم من أسماء الله الحسنى، ولما كان استغراقها شاقا، كان المطلوب ذكر الاسم الملائم لحركة حياة السبح من أسماء الله الحسنى، فمثلا إن كان يعمل في طلب الرزق فليذكر اسم الله الرزاق أو الغني أوالكريم، وإذا خطر له أن يرتكب معصية فليذكر اسم الله المنتقم، الجبار العدل، وإذا وقع في معصية فليذكر اسم الله التواب والرحيم الغفور.
{ربك}أي: المهيمن عليك بربوبيته التي تجمع كل أسماء الله وصفاته ذات العلاقة بك عطاء أو منعا أو محاسبة أو جزاء أو غير ذلك،وثمرة ذكر أسماء الرب جل جلاله توجيه النفس للعمل بمراضيه، والإخلاص له والابتعاد عن معصيته.
ولا تتحقق طاعة الله إلا بقطع النفس عن شهواتها وأهوائها، والإخلاص لله لا يتحقق إلا بقطع علائق النفس عن مظاهر الحياة والدنيا وزخرفها والتكاثر فيها، وهذا كله يتحقق في قوله تعالى:{وتبتل إليه تبتيلا}
(وَتَبَتَّلْ) أمر فاعله مستتر و(إِلَيْهِ) متعلقان بالفعل و(تَبْتِيلًا) مفعول مطلق والجملة معطوفة على ما قبلها.
أي: وانقطع إليه انقطاعا لحوائجك وعبادتك دون سائر الأشياء غيره، وهو من قولهم: تبتَّلتُ هذا الأمر؛ ومنه قيل لأمّ عيسى ابن مريم البتول، لانقطاعها إلى الله، ويقال للعابد المنقطع عن الدنيا وأسبابها إلى عبادة الله: قد تبتل؛ ومنه الخبر الذي رُوي عن النبي صلى الله عليه وسلم " أنه نهى عن التبتُّل ".وقال ابن عباس ومجاهد وأبو صالح وعطية والضحاك والسدي : ( وتبتل إليه تبتيلا ) أي : أخلص له العبادة .
وقال الحسن: اجتهد وبتل إليه نفسك.
وقال ابن جرير: يقال للعابد: متبتل، يعني: الانقطاع إلى العبادة وترك التزوج وهذا منهي عنه.
والتبتل المأمور به هو الانقطاع عن الأعمال التي تمنعه من قيام الليل ومهام النهار في نشر الدعوة ومحاجّة المشركين ولذلك قيل { وتبتل إليه } أي إلى الله فكل عمل يقوم به النبي صلى الله عليه وسلم من أعمال الحياة فهو لدين الله فإن طعامه وشرابه ونومه وشؤونه للاستعانة على نشر دين الله . وكذلك منعشات الروح البريئة من الإِثم مثل الطِّيب، وتزوج النساء ، والأنس إلى أهله وأبنائه وذويه ، وقد قال : «حُبّب إليّ من دنياكم النساء والطيب» .
وليس هو التبتل المفضي إلى الرهبانية وهو الإِعراض عن النساء وعن تدبير أمور الحياة لأن ذلك لا يلاقي صفة الرسالة.
الفوائد السلوكية من الآيتين:

1/ خلق الله عز وجل الليل والنهار لمن أراد أن يذكر أو أراد شكورا، فخلق الليل للراحة والسكون وحلق النهار لطلب لرزق والمعاش فيجب أن يعطى كل وقت حقه، ونرى اليوم من انتكاس الفطر ما يندى له الجبين حيث جعل الليل نهارا والنهار ليلا ، واختلطت الأوقات وكثرت الأمراض وانتشر الفساد نسأل الله السلامة والعافية.
2/ الانشغال بالدنيا وملذاتها يحرم الإنسان من الأنس بالله ومناجاته وعبدته حق العبادة فلنبتعد عن هذه الأهواء والشهوات ونفرغ القلب لذكر الله وعبادته .


المصادر:
جامع البيان للطبري.
الجامع لأحكام القران القرطبي.
تفسير القران العظيم ابن كثير .
التحرير والتنوير الطاهر بن عاشور.
معارج التفكر ودقائق التدبر عبد الرحمن حسن حبنكة الميداني.
‘عراب القران لقاسم الدعاس.

رد مع اقتباس
  #8  
قديم 25 شعبان 1438هـ/21-05-2017م, 09:50 PM
فاطمة احمد صابر فاطمة احمد صابر غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المستوى السابع
 
تاريخ التسجيل: Jan 2016
المشاركات: 370
افتراضي

قال تعالى " يوفون بالنذر ويخافون يوما كان شره مستطيرا . ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا . إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء ولا شكورا . إنا نخاف من ربنا يوما عبوسا قمطريرا "

في هذه الآية الكريمة يبين الله صفات عباده الأبرار الصادقون الصالحون فما أجمل أن نعرف صفاتهم كما وصفهم ربهم حتى نجتهد في استيفائها لنكون منهم ونحشر معهم

فبدأ بالصفة الأولى لهم وهي الوفاء بالنذر وبما أوجبه الله عليهم
"يوفون بالنذر "
أي يوفون بما ألزموا به أنفسهم من العبادات وهو إشارة إلى أنهم موفون ومأدون للطاعات الواجبة عليهم فإذا كانوا يوفون بما ألزموا به أنفسهم فأداؤهم لما أوجبه الله عليهم آكد وهذا من بيان القرآن وسعة معاني ألفاظه

أما الصفة الثانية لهم الخوف من يوم القيامة فتركوا كل موجب لشر هذا اليوم من شرك ومعاصي وذنوب
"ويخافون يوما كان شره مستطيرا "
فشر ذلك اليوم منتشرا فاشيا ففيه تنشق السماء وتتناثر الكواكب وتكور الشمس والقمر وتدك الأرض وتنسف الجبال ويحشر الناس يوم من استحضره في مخيلته دوما كان مانعا له عن أن يتجاوز حدود ربه ويعصيه وهو يعلم عظيم قوته وشديد غضبه على من عصاه وكامل قدرته عليه يوم استطار شره في السماوات والأرض اللهم سلمنا فيه واجعلنا من عبادك الصالحين

الصفة الثالثة لهم إيثار محاب الله على محابهم فهم يطعمون الطعام على محبتهم وشهوتهم إليه ذي الحاجة المحتاج وذلك من عظيم محبة ربهم في نفوسهم
" ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا "
يطعمون الطعام ويؤثرون به المسكين على حاجته وفقره واليتيم مواساة له عن فقد أباه وحاجته مع ذلك وكذلك الأسير المحبوس سواء كان مسلما أم كافرا
قال تعالى في وصف البر " وآتى المال على حبه ..." وقال " لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون " فدلت الآيات بآحادها ومجموعها على أن من آكد صفات الأبرار إيتار محاب الله على محاب النفس
وكان ذلك هدي النبي (صلى الله عليه وسلم ) وصحبه فقد ثبت في الصحيح عن النبي (صلى الله عليه وسلم )": "أفضل الصّدقة أن تصدّق وأنت صحيحٌ، شحيحٌ، تأمل الغنى، وتخشى الفقر"
وروى البيهقيّ، من طريق الأعمش، عن نافعٍ قال: مرض ابن عمر فاشتهى عنبًا -أوّل ما جاء العنب-فأرسلت صفيّة -يعني امرأته-فاشترت عنقودًا بدرهمٍ، فاتّبع الرسول السّائل، فلمّا دخل به قال السّائل: السّائل. فقال ابن عمر: أعطوه إيّاه. فأعطوه إيّاه. ثمّ أرسلت بدرهمٍ آخر فاشترت عنقودًا فاتّبع الرسول السائل، فلمّا دخل قال السّائل: السّائل. فقال ابن عمر: أعطوه إيّاه. فأعطوه إيّاه. فأرسلت صفيّة إلى السّائل فقالت: واللّه إن عدت لا تصيب منه خيرًا أبدًا. ثمّ أرسلت بدرهمٍ آخر فاشترت به

الصفة الرابعة للأبرار هي الإخلاص وقصد وجه الله وحده رغبة فيما عنده
قال تعالى " إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء ولا شكورا "
قال الله تعالى على لسانهم "إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء ولا شكورا " فعلهم هذا ليس لانتظار جزاء من أحد حتى ولا شكر قولا ولا فعلا بل هو خالص جميعه لله عز وجل طلبا لثوابه ومرضاته
قال مجاهدٌ وسعيد بن جبيرٍ: أما واللّه ما قالوه بألسنتهم، ولكن علم اللّه به من قلوبهم، فأثنى عليهم به ليرغب في ذلك راغب , وتلك إشارة إلى أن طهارة القلب وتقواه هي السبيل الأول لرضا الله وأن أعمال الجوارح تترجم عما في القلب فيحرص المسلم على أن يتعاهد قلبه بالإخلاص وتعتاد جوارحه على الطاعة حتى تكون له ديدنا يثبت قلبه


الصفة الخامسة للأبرار هي الخوف من الله عز وجل في يوم صعب شديد طويل يضيق فيه الناس ويشتد الكرب
قال تعالى " إنا نخاف من ربنا يوما عبوسا قمطريرا "
بذلوا في هذه الدنيا خوفا من يوم عصيب شديد ضنك شديد الجهمة والكرب
فجمعوا في صفاتهم بين عمل القلب والجوارح
كانت الطاعة لله والوفاء بواجباتهم أولا ثم أداء لحق العباد بالصدقة والصلة لهم مع إخلاص قلوبهم لله وحبهم له ورغبتهم فيما عنده وخوفهم من يوم الحساب
وهكذا ينبغي أن يكون المسلم في عبادته وحضور قلبه فاللهم اجعلنا من عبادك الأبرار وهبنا جزاءهم في جنة وظلال

المراجع
تفسير الطبري
تفسير ابن كثير
تفسير الواحدي
تفسير الزمخشري
تفسير السيوطي
تفسير السعدي
تفسير الأشقر

رد مع اقتباس
  #9  
قديم 26 شعبان 1438هـ/22-05-2017م, 01:20 AM
مروة كامل مروة كامل غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المتابعة الذاتية
 
تاريخ التسجيل: Jan 2016
المشاركات: 191
افتراضي

رسالة فى تفسير قول الله تعالى " فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره" سورة الزلزلة
الحمد لله تعالى الذى أنزل القرآن نورا وهدى للناس يبشرهم ويهديهم وينير لهم دروب الحياة مدلهمة الظلمة ، والصلاة والسلام على خاتم المرسلين سيدنا محمد النبى الأمى الأمين الذى بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة وكشف الله به الغمة ، أما بعد
فبين أيدينا آخر آيتين من سورة الزلزلة ،قال عنها النبى عليه الصلاة والسلام هى الجامعة الفاذة ،
وقال عنها ابن مسعود رضى الله عنه : هى أحكم آية فى القرآن ،
وقال كعب الأحبار : لقد أنزل على محمد آيتين أحصتا ما فى التوراة والإنجيل والزبور والصحف.
وقَدِم صعصعة عَمّ الفرزدق على النبيّ صلى الله عليه وسلم، فلما سمع { فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ } الآيات؛ قال: لا أبالي ألا أسمع من القرآن غيرها، حَسْبي، فقد انتهت الموعظة.
ونزلت الآيتين على النبى عليه الصلاة والسلام ومعه أبو بكر الصديق يأكل ، فرفع يده عن الطعام وانزعج وقال : يا رسول الله إني أُجزَى بما عملت من مثقال ذرّة من شرّ؟ فقال: " يا أبا بَكْرٍ، ما رأيْتَ فِي الدنْيا مِمَّا تَكْرَهُ فَمَثاقِيلُ ذَرّ الشَّرّ، وَيَدَّخِرُ لَكَ اللَّهُ مَثاقِيلَ الخَيْرِ حتى تَوَفَّاهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ " .
هذه الآية العظيمة تبعث فى قلب المؤمن الطمأنينة والراحة بأن ما يفعله من أى خير ولو قليل متناهى فلن يضيع عند الله ، كما يقلق وينزعج تماما لما يصدر منه من مثاقيل ذر الشر فهل سيجازى عليها ، وهذا هو سبب استفسار أبو بكر رضى الله عنه من النبى عليه الصلاة والسلام . لكن سنشرع فى الحديث عن الآية كما أورد العلماء حتى تطمئن وتهتدى لمراد الله منك وينشرح صدرك لكل ما يكون لك فى الدنيا فلعله يكون خيرا لك كما سيأتى .
- أولا أيها المبارك اعلم أن ابن آدم خطّاء وحتما يصدر منه الخير والشر ، لكن الناس لا يستوون . فالمؤمن غير الكافر لذلك حسابهما يختلف ومع ذلك لن يظلم الله أحدا.
- قال ابن عباس فى تفسير الآية : ليس مؤمن ولا كافر عمِل خيراً ولا شرّاً في الدنيا، إلا أتاه الله إياه. فأما المؤمن فيريه حسناته وسيئاته، فيغفر الله له سيئاته. وأما الكافر فيردّ حسناته، ويعذّبه بسيئاته.
- نبدأ بالكافر فنقول أن ما يفعله من خير يعجل له ثواب حسناته فى الدنيا ويؤخر حساب سيئاته فى الآخرة مع عقاب الشرك وقد قال بذلك محمد بن كعب القرظى فى تفسيره للآية فقال: من يعمل مثقال ذرّة من خير مِنْ كافر يَرَ ثوابه في الدنيا في نفسه وأهله وماله وولده، حتى يخرج من الدنيا، وليس له عنده خير { وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ } مِنْ مؤمن ير عقوبته في الدنيا في نفسه وأهله وماله وولده، حتى يخرج من الدنيا وليس عنده شيء. ودليل ذلك سؤال عائشة رضى الله عنها للنبى عليه الصلاة والسلام حيث قالت: يا رسول الله، إن عبد الله بن جُدْعان كان يصل الرحم، ويَقْرِي الضيف، ويفُكّ العاني،ويفعل ويفعل، هل ذاك نافعه؟ قال: " لا، إنه لم يقل يوماً: رَبّ اغْفِرْ لي خَطِيئَتي يَوْمَ الدِّينِ " .
- فنعلم أولا أن الكافر لا ينفعه في الآخرة ما سلف له من إحسان في الدنيا مع كُفره.

- نأتى للحديث عن المؤمن وأفعاله وثواب الله تعالى له :

وقبل أى كلام لتعلم أولا ما هو الذر ؟
إذا ضربت بيدك على الأرض فكل واحدة مما يعلق بها من تراب فهو الذر ، فالذر لا وزن له فهو يسير جدا ، وقيل أنه مايرى فى شعاع الشمس من الهباء.
فلك أن تتصور ما هى حجم الأعمال من الخير أو الشر التى ستحاسب عليها ، الأمر مرعب ومقلق.
نبدأ بالحديث عن الخير وثوابه حتى تستبشر وتهدأ ، اعلم أيها المبارك أن الله تعالى لا يضيع أجر من أحسن عملا ، فكل ما تفعله من خير لله تعالى فتأكد أن ثوابه لك بل وأبشر بالمضاعفة من الشكور الكريم . وأعمال الخير كثيرة ومتنوعة دلنا عليها النبى عليه الصلاة والسلام، وكثير منها لا يحتاج لعظيم مشقة وكثرة صيام وقيام ؛ بل فقط إخلاص النية لله تعالى .
ففى صحيح البخارى عن النبى عليه الصلاة والسلام قال :" اتقوا النار ولو بشق تمرة، ولو بكلمة طيبة".
وفى الصحيح أيضا قال عليه الصلاة والسلام : " يامعشر نساء المؤمنات، لا تحقرن جارة لجارتها، ولو فرسن شاة "، يعنى ظلفها.
قال عليه الصلاة والسلام : "يا عائشة استتري من النار ولو بشق تمرة فإنها تسد من الجائع مسدها من الشبعان " تفرد به أحمد
وروي عن عائشة أنها تصدقت بعنبة، وقالت كم فيها من مثقال ذرة .
وكلنا نعلم قصة الرجل الذى سقى كلبا فى الصحراء فشكر الله له فغفر له . وقد قال عليه الصلاة والسلام :" فى كل كبد رطب أجر". فما بالك لو سقيت إنسانا على ظمأ. وما بالك لو أطعمت فقيرا على جوع ، وما بالك لو ساعدت محتاجا وسعيت معه فى قضاء حاجته ، وما بالك لو أغثت مضطرا فى طريقه ،وغيره وغيره من أعمال الخير ، فالأعمال الصالحة كثيرة ويسيرة على من يسرها الله عليه . فقط احرص على ألا يمر يومك بدون سعى منك لبذل معروف واكتساب أجر من الله.
وانتبه لموعود الله تعالى فى قوله " يره" فحتما سترى ثواب فعلك الصالح وأجره من الله ، وعند الله الكريم الشكور لا يعامل عباده بالمثل بل يضاعف لهم الأجر أضعافا مضاعفة كما يشاء لأنه مالك الملك يتصرف كيف يشاء ويعطى ويدهش ويفيض على من يشاء كيف شاء . فاستبشر واسع إلى الله تعالى بجد ورغبة ورجاء فيما عنده تعالى .
- لكن يعترى المؤمن القلق من قوله تعالى " ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره " ، فيخاف المؤمن أن يضيع ما فعله من خير مقابل ذرات الشر فيهلك .
فأولا نقول أن قلقك دليل إيمانك وخوفك من سوء عملك أن يرديك وخاصة إن غفلت عنه وهذا كان حال سيدنا أبى بكر رضى الله عنه لما سمع الآية من النبى عليه الصلاة والسلام ، وهو من هو؟! هو الصديق المبشر بالجنة ؛ لذلك حُق لنا القلق والخوف وخاصة مع ما جمعناه من تقصير وتفريط .
لكن تأتى بشارة النبى عليه الصلاة والسلام فقد قال : " يا أبا بكر: ما رأيت في الدنيا مما تكره، فمثاقيل ذر الشر ويدخر الله لك مثاقيل ذر الخير إلى الآخرة،."
وهذا مما يحمل المؤمن على الرضا بكل ما قضاه الله له وما قدره له فى الدنيا ، فلعله يكون تكفير له عن مثاقيل ذر الشر ، وعساه يكون رفعة له فى الآخرة وتصفية له من الذنوب والآثام ، فكل ما يقدره الله لعبده المؤمن خير حتما حتى وإن لم ينتبه المؤمن لمراد الله لكن عليه أن يوقن أن ما اختاره الله له فيه مصلحته ونفعه وأنه صادر من حكيم رحيم .قال عليه الصلاة والسلام :" عجبت لأمر المؤمن أمره كله خير ، إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له ، وليس ذلك إلا للمؤمن ".
فهنيئا لكم أخى وأختى المباركين أنتم دائما فى خير ، إن أحسنتم وابتغيتم وجه الله أثابكم وأجزل لكم الثواب بل وضاعفه كما يشاء وفوق ما تتخيله عقولكم ، وإن أسأتم والعياذ بالله خلصكم من ذنوبكم ويعفو سبحانه عن كثير كما يشاء.
لكن الحرص الحرص على دوام الاستغفار ، فقد قال عليه الصلاة والسلام :" لولا أنكم تخطئون وتذنبون، فيغفر الله لكم، لخلق الله أمة يخطئون ويذنبون، فيغفر لهم" .
والعبرة بتعظيم الله تعالى ومخافته وعدم التهاون بالذنب فإن التهاون بالذنب أعظم من الذنب نفسه مهما كان .
عن عبد الله بن مسعود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " إياكم ومحقرات الذنوب فإنهنّ يجتمعن على الرجل حتى يهلكنه " .
فالخوف من الله تعالى لا يأتى إلا بالخير كما قال تعالى " ولمن خاف مقام ربه جنتان " ، وقال تعالى أيضا " وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى فإن الجنة هى المأوى".
نسأل الله العلى القدير أن يمن علينا ويعيننا على تقواه فى السر والعلن وأن يفقهنا فى ديننا وينفعنا بما تعلمنا ويزدنا من لدنه علما وأن يعاملنا بفضله وعفوه ولا يعاملنا بما نحن أهله إنه ولى ذلك والقادر عليه.
المراجع:
- تفسير القرآن الكريم/ ابن كثير (ت 774 )
- تفسير الكشاف/ الزمخشري (ت 538 هـ)
- تفسير المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز/ ابن عطية (ت 546 هـ)
- سير انوار التنزيل واسرار التأويل/ البيضاوي (ت 685 هـ)
- تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ)
- تفسير جامع البيان في تفسير القرآن/ الطبري

رد مع اقتباس
  #10  
قديم 27 شعبان 1438هـ/23-05-2017م, 12:59 PM
بيان الضعيان بيان الضعيان غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المتابعة الذاتية
 
تاريخ التسجيل: Jan 2016
المشاركات: 245
افتراضي

بسم الله الرحمن الرحيم
تفسير قوله تعالى( وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى*فإن الجنة هي المأوى)النازعات 40ـ 41
تعرض لنا هذه الآية الكريمة العلاج الناجح لكل من قادته نفسه إلى المعصية ويتمثل هذا العلاج في أمرين مهمين وهما:
1/ الخوف من الله عزوجل.
2/ مخالفة الهوى.
فمن تذكر وقوفه بين يدي ربه عز وجل يوم القيامة ـ كما ذكر ذلك المفسرون ـ في تفسير الآية، وتذكر أنه سيحاسب على كل عمل عَمِله صغيراً كان أو كبيراُ ، لا يخفى على الله منها شيء كما قال تعالى( ووضع الكتاب فترى المجرمين مشفقين مما فيه ويقولون يا ويلتنا مال هذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها).
فتذكر هذه الأمور يورث في النفس خشية الله عز وجل ،وتوقيرا له في قلبه ،مما يمنعه عن ارتكاب المعصية أو الوقوع فيما حرم الله، وإن ضعف يوما وارتكب ما يغضب ربه فإنه سرعان ما يندم ويستغفر ويتوب إليه.
أما العلاج الثاني فهو نهي النفس عن الهوى، والهوى كما عرفه ابن القيم هو:ميل الطبع إلى ما يلائمه ،وهذا الميل خلق في الإنسان لضرورة بقائه ،فإنه لولا ميله إلى المطعم والمشرب والمنكح ما أكل ولا شرب ولا نكح ‘فالهوى ساحب له لما يريده كما أن الغضب دافع عنه مايؤذيه فلا ينبغي ذم الهوى مطلقا ولا مدحه مطلقا،وإنما يذم المفرط من النوعين وهو ما زاد على جلب المنافع ودفع المضار.
والهوى المذموم في الآية هو ميل النفس إلى المعاصي والمحارم وفعله لها، فهنا يجب على مريد النجاة أن يخالف هذا الهوى ويزجر نفسه عنها فإن الهوى هو الدافع لكل طغيان وكل معصية وقل أن يؤتى الإنسان إلا من قبل الهوى.
وقد حذر الله من اتباع الهوى في كثير من الآيات فقال( ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله).
وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (نما أخشى عليكم شهواتِ الغَيِّ في بطونِكم و فروجِكم ، و مُضِلَّاتِ الهوَى ).صححه الألباني
وقال بشر الحافي رحمه الله :البلاء كله في هواك والشفاء كله في مخالفتك إياه.
فمن ابتلي بهذا الداء فإنه لا يرى الحق إلا فيما يرضي هواه، ويقوده ذلك إلا التكبر والإعراض عن الحق.
فينبغي للمؤمن أن يحذر من ذلك حتى يفوز برضوان الله عزوجل وينال الجزاء الذي ذكره الله بقوله(فإن الجنة هي المأوى)،نسأل الله أن نكون من أهلها.

رد مع اقتباس
  #11  
قديم 28 شعبان 1438هـ/24-05-2017م, 02:19 AM
إيمان شريف إيمان شريف غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المتابعة الذاتية
 
تاريخ التسجيل: Aug 2015
المشاركات: 173
افتراضي رسالة تفسيرية تطبيقية على الأسلوب الوعظي

مشهد رجوع النفس المطمئنة إلى ربها من الآيات في سورة الفجر { يٰأَيَّتُهَا ٱلنَّفْسُ ٱلْمُطْمَئِنَّةُ } * { ٱرْجِعِي إِلَىٰ رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً } * {فَٱدْخُلِي فِي عبادي} * { وَٱدْخُلِي جَنَّتِي}
بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف النبيين والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين......أما بعد..

فياله من نداء عظيم تتلهف إليه الأسماع وترنو إليه الآذان وتشتاق إلى حلاوته النفوس ويتمناه كل مؤمن ومؤمنة وهو هذا النداء المهيب { يا أيتها النفس المطمئنة } وهي بشرى عظيمة ونداء جليل نسأل الله تعالى أن يجعلنا من أهله..
قال مجاهد وغيره: " المُطْمئنَّة ": الساكنة الموقنة، أيقنت أن الله تعالى ربها، فأجيبت لذلك.
وقال ابنُ عبَّاسٍ: المطمئنة بثواب الله، وعن الحسن - رضي الله عنه -: المؤمنة الموقنة.
وعن مجاهدٍ أيضاً: الراضية بقضاءِ الله.
وقال مقاتلٌ: الآمنة من عذاب الله تعالى.
وفي حرف أبي كعب: " يا أيتها النفس الآمنة المطمئنة ".
وقيل: التي عملت على يقين بما وعد الله تعالى، في كتابه.
وقال ابن كيسان: المطمئنة - هنا -: المخلصة وقيل: المطمئنة بذكر الله تعالى؛ لقوله تعالى:{ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ ٱللَّهِ }[الرعد: 28]
وقيل: المطمئنة بالإيمان، المصدقة بالبعث والثواب.
وقال ابن زيدٍ: المطمئنة، التي بشرت بالجنة، عند الموت، أو عند البعث، ويوم الجمع.
وقد روى الطبري عن سعيد ابن جبير قال: قرأ رجل عند رسول الله صلى الله عليه وسلم { يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية } فقال أبو بكر: ما أحسنَ هذا؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم" أمَا إنَّ الملَك سيقولها لك عند الموت " وعن زيد بن حارثة أن هذا يقال لنفس المؤمن عند الموت تبشر بالجنة.


فما أجملها من بشرى أن يسمع المؤمن _ المطمئنه نفسه بالإيمان المصدقة بوعود الله الموقنه بالبعث والجزاء الراضية بقضاء الله _ نداء الملائكة له وقيل هو من كلام الله إكراما لعبده المؤمن كما كلم موسى عليه السلام ؛ فيأمرها ربها بالرجوع إليه وإلى ثوابه وجنته وهي مستقر رحمته تعالى وقيل المراد الرجوع إلى صاحبك وجسدك ولا منافاة بين القولين فهي ترجع في جسد صاحبها ويُكرمها ربها بالرجوع إليه في دار كرامته عنده فتكون بمنزلة دار المضيف كما قال تعالى : { في مقعد صدق عند مليك مقتدر} ،


ومن لطائف الآية الكريمة: ما في وصف { رب } من الولاء والاختصاص. وما في إضافته إلى ضمير النفس المخاطَبة من التشريف لها وأيضا التعبير بلفظ الربوبية للدلالة على أن ربك الذي رباك بنعمته، وأسدى عليك من إحسانه ما صرت به من أوليائه وأحبابه وهذا فضل عظيم وإحسان كبير من الرب جل وعلا على عباده المؤمنين.

ومما يزيد النفس شوقا لتنال هذا الفضل العظيم والمنزلة الرفيعة ما وصف الله به النفس المطمئنة حال رجوعها إلى ربها بأنها { رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً } أي: جامعة بين الوصفين؛ لأنه لا يلزم من أحدهما الآخر، والمعنى: " راضية " بالثواب وهو كناية عن إعطائها كل ما تطمح إليه.
" مرضية " عنك في الأعمال، التي عملتها في الدنيا ، والمقصود من هذا الوصف زيادة الثناء مع الكناية عن الزيادة في إفاضة الإِنعام لأن المرضي عنه يزيده الراضي عنه من
الهبات والعطايا فوق ما رضي به هو.


وليس ذلك فحسب بل فرع على هذه البشرى الإِجمالية تفصيل ذلك بقوله: { فادخلي في عبادي} فتؤمر بالدخول في زمرة العباد الصالحين كقوله تعالى:{فأولئك مع الذين أنعم اللَّه عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً} ؛ فهو تفصيل بعد الإِجمال لتكرير إدخال السرور على أهلها.


ومن بديع التعبير القرآني هنا أن قرأ ابنُ عبًّاسٍ وعكرمةُ وجماعةٌ: " في عَبْدِي " ، والمراد: الجِنْس؛ فيكون المراد بالنفس الروح وأنها مأمورة بدخولها في الأجساد وبهذا يتضح المعنى الثاني ل " ربك " بأن المراد به صاحبك وجسدك فناسبت القراءتين المعنيين المرادين.


ثم ختم تعالى هذه البشرى العظيمة بما يجعل النفس تتطلع إليها وتشرئب الأعناق لتنال هذا الفضل العظيم فقال تعالى : {وَٱدْخُلِي جَنَّتِي} التى وعدتهم بها، والتى أعددتها لنعيمهم الدائم المقيم وتكرير فعل { وادخلي } ، فلم يقل: فادخلي جنتي في عبادي للاهتمام بالدخول بخصوصه تحقيقاً للمسرة لهم.


وقال بعض أهل التأويل: نزلت في مُعيَّن. فعن الضحاك: أنها نزلت في عثمان بن عفان لما تصدق ببئرِ رومة. وعن بريدة: أنها نزلت في حمزة حين قُتل. وقيل: نزلت في خُبَيب بن عديّ لما صلبه أهل مكة ،
وقال القرطبى: والصحيح أنها عامة فى نفس كل مؤمن مخلص طائع..




- ومن الفوائد السلوكية التي يحرص المؤمن على تحقيقها لينال هذه البشرى العظيمة التي وعد الله بها عباده :


- تحقيق طمأنينة النفس وذلك
· بتوحيد الله
· وإخلاص العمل له
· واليقين بوعده
· والإيمان بقضائه وثوابه وبعثه وجزائه
· والإطمئنان بذكره.....{ يا أيتها النفس المطمئنة}.
- مصاحبة الأخيار والصالحين ومحبتهم في الله الأن المرء على دين خليله كما أخبرنا بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ويُحشر المرء مع من يُحب....{ فادخلي في عبادي}.
- الرضا عن الله وعن أقداره وعن أرزاقه وما قسمه الله لعباده فمن رضِي فله الرِضا ومن سخِط فله السخط...{ارجعي إلى ربك راضية مرضية}.
- ومن أجمل ما نختم به هذا المشهد العظيم والبشارة المباركة التي نرجو أن نكون جميعا من أهلها ما قاله عبد الله بن عمرو:
" إذا توفي العبد المؤمن أرسل الله عزّ وجلّ ملكين إليه وأرسل إليه بتحفة من الجنة، فيقال لها: اخرجي يا أيتها النفس المطمئنة، اخرجي إلى رَوْح وريحان وربك عنك راضٍ، فتخرج كأطيب ريح مسك وجده أحد في أنفه، والملائكة على أرجاء السماء يقولون: قد جاء من الأرض روح طيبة ونسمة طيبة. فلا تمر بباب إلاّ فتح لها ولا بمَلَكٍ إلا صلّى عليها، حتى يُؤتى بها الرحمن فتسجد، ثم يقال لميكائيل: اذهب بهذه فاجعلها مع أنفس المؤمنين، ثم يؤمر فيوسع عليه قبره سبعون ذراعاً عرضه، وسبعون ذراعاً طوله، وينبذ له فيه الريحان، فإن كان معه شيء من القرآن كفاه نوره.
وإن لم يكن جعل له نوره مثل الشمس في قبره، ويكون مثله مثل العروس، ينام فلا يوقظه إلا أحب أهله إليه."



نسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يجعلنا وأهلنا وأزواجنا وذرياتنا ومن نحب والمسلمين والمسلمات من أهل هذه البشارة العظيم ؛ فهو على كل شئ قدير وبالإجابة جدير وهو حسبُنا ونعم الوكيل....


المراجع:
معالم التنزيل للبغوي.
تفسير اللباب في علوم الكتاب لابن عادل.
التحرير والتنويرلابن عاشور .
تفسير الوسيط للطنطاوي.
تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان للسعدي.









رد مع اقتباس
  #12  
قديم 5 رمضان 1438هـ/30-05-2017م, 05:44 PM
رقية إبراهيم عبد البديع رقية إبراهيم عبد البديع غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المستوى السابع
 
تاريخ التسجيل: Sep 2013
المشاركات: 312
افتراضي

رسالة تفسيرية في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْنَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَاتَعْمَلُونَ (18)}
الحمد لله رب لعالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد؛
فهذه بعض المواعظ المستفادة من قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْنَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَاتَعْمَلُونَ (18)
هذه الآية تحث للمؤمنين على تقوى الله تعالى، والأخذ بمحاسبة النفس، والنظر في عملها، ومدى استعدادها لليوم الآخر؛ وذلك من خلال ما يلي:
أولا: توجيه الرب تعالى نداءه للمؤمنين، ونداؤهم ب: (يا) لفتا لانتباههم، وإيقاظا لهم؛ ليلقوا السمع؛ فيعوا ما يلقى عليهم من أمر الله، ليطرحوا عنهم الغفلة وينبذوا التثاقل والكسل وينهضوا لأمر الله، وأخذ الأهبة والاستعداد- بصالح الأعمال- لليوم الآخر.
كما قال أحد السلف: "إذا سمعت الله يقول {يا أيها الذين آمنوا} فأرعها سمعك، فإنها إما خير تؤمر به، او شر تنهى عنه".
ثانيا: عموم النداء لكل من اتصف بالإيمان {الذين آمنوا}، فالنداء موجه لكل مؤمن ومؤمنة، أيًّا كانت مهنته أو طبقته..، إشارة لوحدة الأمة وتساوي الأفراد في العمل والجزاء، كما قال تعالى: {إن أكرمكم عند الله أتقاكم}، ولشمول الدعوة وتوجيهها لكل مسلم في مشارق الأرض ومغاربها.
ثالثا: أمر تعالى عباده المؤمنين بتقواه؛ فتقوى الله واجبة على كل مكلف، وحقيقة التقوى: هي أن تجعل بينك وبين عذاب الله جنة ووقاية؛ باجتناب النواهي وفعل الأوامر واتباع ما يرضي الله تعالى، وهي أيضا: الخوف من الجليل، والعمل بالتنزيل، والاستعداد ليوم الرحيل.
ومجيء الأمر بعد نداء؛ ليصادف أنفسا يقظة، وأذهانا متنبهة، وأسماعا واعية، وقلوبا حية؛ فيقع منها موقع الإصابة، وتتلقاه بوعي وامتثال، وهذا من دلائل عناية الآمر- سبحانه وبحمده- بأمره، وإعداده النفوس لتلقيه.
رابعا: لعظم أهمية المحاسبة في استقامة المرء على تقوى الرب الجليل سبحانه؛ خُصت بالذكر- مع دخولها في عموم التقوي، عطفا للخاص على العام لأهميته- وجاء الأمر بالمحاسبة والنظر فيما أعده المرء لأخراه بصيغة المضارع المقرون بلام الأمر؛ إشارة لعظم هذا الأمر، ودوره الكبير في استقامة المؤمن على تقوى الله تعالى.
خامسا: أهمية التقوى والمحاسبة في العمل للحياة الباقية، وأن يوم الحساب قريب؛ لأن الساعة آتية لا ريب فيها، وكل ما هو آت قريب، ومن مات فقد قامت قيامته.
لهذا قرب تعالى الساعة من عباده حتى شبهت بما يأتي غدا- في سرعة مجيئها والتيقن من وقوعها وضرورة التأهب لها-، وأمر كل نفس أن تستعد لهذا اليوم، وتنظر لنفسها ماذا عملت من خير تدخره ليوم الحساب؟.
سادسا: عظم التقوى وأهميتها ووجوبها على كل من اتصف بالإيمان، لهذا تكرر ذكرها في هذه الآية توكيدا لها، وتقوى الله تعالى هي وصية الله للأولين والآخرين، كما قال تعالى: {ولقد وصينا الذين أوتوا الكتاب من قبلكم وإياكم أن اتقوا الله}.
ولهذا أيضا؛ جاء الأمر بعبادة الله تعالى تحقيقا للتقوى، وذلك في أول أمر ورد بعد نداء في القرآن الكريم، قال تعالى: {يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون}، وكذلك أُمرنا بالصيام تحقيقا للتقوى: {يا أيها الذين ءآمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون}.
واستفتح بالأمر بها سورتين من سور القرآن الكريم: {يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة}، {يا أيها الناس اتقوا ربكم إن زلزلة الساعة شيء عظيم}.
وعن المنذر ابن جريرٍ، عن أبيه قال: كنّا عندرسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم في صدر النّهار، قال: فجاءه قومٌ حفاة عراةمجتابي النّمار -أو: العباء- متقلّدي السّيوف عامّتهم من مضر، بل كلّهم من مضر،فتغيّر وجه رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم لما رأى بهم من الفاقة، قال: فدخل ثمّخرج، فأمر بلالًا فأذّن وأقام الصّلاة، فصلّى ثمّ خطب، فقال: {يا أيّها النّاساتّقوا ربّكم الّذي خلقكم من نفسٍ واحدةٍ} إلى آخر الآية: {إنّ اللّه كان عليكمرقيبًا} [النّساء: 1]. وقرأ الآية الّتي في الحشر: {ولتنظر نفسٌ ما قدّمت لغدٍ} تصدّق رجلٌ من ديناره، من درهمه، من ثوبه، من صاع برّه، من صاع تمره -حتّى قال-: ولو بشقّ تمرةٍ". قال: فجاء رجلٌ من الأنصار بصرة كادت كفّه تعجز عنها، بل قد عجزت،ثمّ تتابع النّاس حتّى رأيت كومين من طعامٍ وثيابٍ، حتّى رأيت رسول اللّه صلّىاللّه عليه وسلّم يتهلّل وجهه كأنّه مذهبة، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "من سنّ في الإسلام سنّةً حسنةً، فله أجرها وأجر من عمل بها بعده، من غير أن ينقصمن أجورهم شيءٌ، ومن سنّ في الإسلام سنّةً سيّئةً، كان عليه وزرها ووزر من عمل بها،من غير أن ينقص من أوزارهم شيءٌ". (تفسير ابن كثير)


سابعا: اختتمت الآية بما ناسب أولها؛ زجر وتخويف وتهديد لمن لم يمتثل الأمر ويلتزم التقوى {إن الله خبير بما تعملون} فهو سبحانه جل جلاله مطلع على خفاياكم، ويعلم ما تكن صدوركم وما تعلنون؛ فمجازيكم بعملكم، فاتقوه وراقبوه في سركم وعلنكم، ففيها زجر لمن أظهر الخير وأضمر السوء.
قال السعدي: "وهذه الآية الكريمة أصل في محاسبة العبد نفسه، وأنه ينبغي له أن يتفقدها، فإن رأى زللا تداركه بالإقلاع عنه، والتوبة النصوح، والإعراض عن الأسباب الموصلة إليه، وإن رأى نفسه مقصرا في أمر من أوامر الله، بذل جهده واستعان بربه في تكميله وتتميمه، وإتقانه، ويقايس بين منن الله عليه وإحسانه وبين تقصيره، فإن ذلك يوجب له الحياء بلا محالة".
من الفوائد لسلوكية والجوانب الوعظية في الآية الكريمة:
فضائل التقوى وضرورة التزامها واتباعها من المؤمنين في كل أمر.
فعلى المؤمن أن يستصحب التقوى في كل ما يأتي وما يذر؛ فيعرض كل أمر على تقوى الله فإن تحققت أقدم وإلا فيحجم.
وعلى المرء - كلما هم بمعصيه أو دعته نفسه لسوء- أن يردعها ويخوفها، ويزجرها عن غيها ويذكرها بعاقبة المعاصي {إن الله خبير بما تعملون}
وكلما تكاسل عن الطاعات وركن إلى الدعة والسكون؛ أن يستحث نفسه ويعلي همته بوعد الله للمتقين وما أعد لهم من النعيم المقيم {للذين اتقوا عند ربهم جنات تجري من تحتها الأنهار...}
وأن يحاسب نفسه، وينظر ماذا قدم لآخرته من خير فيزكيه وينميه ويزداد، وماذا عمل من سوء فيتوب ويئوب، قبل أن يأتي {يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا وما عملت من سوء تود لو أن بينها وبينه أمدا بعيدا}
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المراجع:

تفسير عبد الرزاق لابْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ)
جامع البيان لمُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍالطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ)
معاني القرآن إِبْرَاهِيمُ بْنُالسَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ)
المحرر الوجيز لعَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَالأَنْدَلُسِيُّ (ت:546ه)
لسان العرب لجمال الدين بن منظور (ت: 711هـ)
تفسير القرآن العظيم لابْنِ كَثِيرٍالقُرَشِيُّ (ت: 774 ه)
الدر المنثور لجَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍالسُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ)
تيسير الكريم الرحمن للسعدي
يبدو أن الجانب الاستنتاجي غلب على الرسالة- مع اشتمالها على الجانب الوعظي أيضا-، وأعتذر عن التأخر.

رد مع اقتباس
  #13  
قديم 8 رمضان 1438هـ/2-06-2017م, 02:01 AM
أمل عبد الرحمن أمل عبد الرحمن غير متواجد حالياً
هيئة الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
المشاركات: 8,163
افتراضي

تقويم تطبيقات الأسلوب الوعظي


أحسنتم أحسن الله إليكم وجعلكم مباركين أينما كنتم.
ونوصي في الخطاب الوعظي بأمور:
- تحديد المسائل التي ستتكلّم عنها الرسالة ووضع تصوّر أولي لما سيكون عليه عرض كل مسألة، فإننا في الرسائل الوعظية أيضا نستخلص مسائل الآية ونختار منها ما نجعله أصلا للرسالة ثم ننظر كيف نعرض هذا الهدف وكيف نخاطب القلب من خلاله تحبيبا وترغيبا وترهيبا.
- البعد عن التفصيلات العلمية التي لا يُحتاج إليها في الخطاب الوعظي وليس لها تأثير على القلب، ويمكن التعرّض لبعض المسائل البيانية التي تبيّن لطائف وهدايات الآيات بما يناسب مستوى المخاطبين.
وللطالب أن يحكم على رسالته من خلال تحقيقها لهذا الهدف، فلو خوطب هو بهذه الرسالة تساءل: هل تأثّرت مشاعره؟ هل دمعت عينه وخشع قلبه؟ هل عزم على شيء بعدها أخذا أو تركا؟ ، فهذا هو الحاكم على الخطاب الوعظي.

- يلاحظ على كثير من الرسائل عدم تخريج الأحاديث والآثار وهذا خطأ، لأن الخطاب الوعظي يجب أن يكون قائما على أصول صحيحة ثابتة في الشرع، وهذا المعيار سبق وأن نبّهنا عليه في إرشادات الخطاب الوعظي، وبسببه تأثّر تقويم بعض الرسائل الممتازة.


1: لولوة الحمدان أ
أحسنت بارك الله فيك ونفع بك.
مظاهر القوة في الرسالة:
- ظهور أسلوب الكاتبة وجودة الخطاب.
- جودة المصادر المختارة.
الملاحظات على الرسالة:
- عدم تخريج الآثار المروية عن السلف.
- يوجد اختصار في تفسير قوله تعالى: {إنه كان لا يؤمن بالله العظيم}، وهذه الآية تجب أن تكون أصل الرسالة، فلا ينبغي أن يقتصر غرض الخطاب على وصف العذاب بل يتعدّى إلى بيان المخرج والمنجى منه، فنحتاج إلى مزيد من الوقوف مع مظاهر عظمة الله تعالى واستحقاقه للعبودية والاستشهاد لذلك بما دلّ عليه النقل والعقل.
- تصحيح الآية: {ولقد جئتمونا فرادى}
التوصيات:
أسلوبك الوعظي ممتاز -زادك الله من فضله-، وأوصيك بمواصة التدرّب على كتابة الرسالة الوعظية ومحاكاة الرسائل المكتوبة بهذا الأسلوب، مع توسيع دائرة اطّلاعك ومصادرك.

2: عباز محمد أ+

أحسنت بارك الله فيك ونفع بك.
مظاهر القوة في الرسالة:
- ظهور أسلوب الكاتب وشخصيته في الرسالة.
- إثراء الرسالة بالشواهد القرآنية والأحاديث، مع العناية بتخريج الأحاديث والآثار.
- جودة المصادر المختارة ووفرتها.
التوصيات:
واصل التدرّب على كتابة الرسائل الوعظية ومحاكاة الرسائل المكتوبة بهذا الأسلوب.

3: مها الحربي ب

أحسنت بارك الله فيك ونفع بك.
مظاهر القوة في الرسالة:
- ظهور شخصية الكاتبة وأسلوبها في الرسالة.
- تفسير الآيات بأسلوب سهل يناسب المقام الوعظي.
الملاحظات على الرسالة:
- قلّة التفاسير، كما أننا في الرسائل الوعظية يجب أن نختار تفاسير تعنى بالفوائد السلوكية والوقوف مع هدايات الآيات.
- ركّزت على مسألة التقوى وآثارها دون الكلام عن محاسبة النفس وهي مسألة مهمّة بل هي عماد الآية، فيجب الكلام عنها بتفصيل أوسع مما ذكرتِ، ويكون ذلك ببيان أهميتها وكيفيتها مستشهدة بذلك بشواهد القرآن والسنة وأقوال أهل العلم وهي كثيرة في هذا الباب.
التوصيات:
- اعتني بالمسائل المهمّة وخطّطي لكيفية عرضها.
- اعتني بالشواهد القرآنية والنبوية، وأثري الرسالة ببعض النقولات النافعة والمؤثّرة والتي تزيد من تأثير الرسالة في القلوب.
- اعتني بالمصادر التي تعنى بالجانب السلوكي ومن أفضلها كتابات ابن القيّم رحمه الله.

4: حليمة محمد أ
أحسنت بارك الله فيك ونفع بك.
مظاهر القوة في الرسالة:
- ظهور أسلوب الكاتبة.
- جودة عرض المسائل وإثراء الرسالة بالشواهد القرآنية والنبوية وأخبار السلف.
- جودة المصادر المختارة ووفرتها.
الملاحظات على الرسالة:
- غلبة الأسلوب العلمي في بعض المسائل مثل تفسير الخشوع، فهذا التفصيل لا يحتاج إليه إذا كان المخاطبون هم عموم المسلمين، بل يعبّر عن المعنى بعبارات مختصرة توضّح المراد وتقرّبه للقلب دون الدخول في تفصيلات لغوية، وقد يتّسع المقام إذا كان المخاطبون من أهل العلم وطلابه وكذلك مستوى الخطاب ككل.
- لابد من تخريج الآثار والأخبار كالأخبار الواردة عن أبي بكر وعمر رضي الله عنهما.
التوصيات:
واصلي التدرّب على كتابة الرسائل الوعظية وإفادة الغير بها.

5: مها محمد أ+
أحسنت بارك الله فيك ونفع بك.
مظاهر القوة في الرسالة:
- ظهور أسلوب الكاتبة.
- جودة المصادر وتنوّعها.
التوصيات:
- واصلي التدرّب على كتابة الرسائل الوعظية، واعتني بالتفاسير التي تعنى بهذا الجانب.
ومن الأمور المفيدة في بيان مقصد الرسالة هو التمثيل، فلو مثل له بقصّة واقعية لكان لها أثر جيد في تقرير هذا المقصد، ولعل من أيسر ما يذكر في هذا المقام هو سبب نزول الآية، فاعتني بذلك عموما.

6: إشراقة جيلي محمد
أحسنت بارك الله فيك ونفع بك.
مظاهر القوة في الرسالة:
- شمول الرسالة أهمّ مسائل الآيتين.
- جودة المصادر المختارة.
الملاحظات على الرسالة:
- اعتماد الرسالة على النقل المباشر من التفاسير في غالب فقراتها، مما أضعف ظهور شخصية الكاتبة وأسلوبها في الرسالة.
- غلبة الأسلوب العلمي على الرسالة كإعراب الآيات والتفصيل اللغوي لمعاني الألفاظ، وهذا لا يناسب المقام الوعظي إطلاقا.
التوصيات:
نظرا لأهمية الأسلوب الوعظي بالنسبة للمفسّر وحرصا منا على إتقانك لهذا الأسلوب يرجى إعادة كتابة الرسالة مع مراعاة ما ذكرناه من الملاحظات والاستفادة من النماذج الجيدة للزملاء.
تفهّمي أقوال المفسّرين ثم عبّري عنها بأسلوبك الخاصّ، وتجنّبي التفصيلات العلمية التي لا تناسب الأسلوب الوعظي، ولك الخيار في انتقاء موضوع آخر، وأرجو أن يكون في ذلك مزيد فائدة، بارك الله فيك ووفقك لكل خير.

7: فاطمة أحمد صابر
أ+
أحسنت بارك الله فيك ونفع بك.
مظاهر القوة في الرسالة:
- ظهور أسلوب الكاتبة.
- تفسير الآيات بأسلوب سهل مناسب لفئة المتلقّين.
- إثراء الرسالة بالشواهد القرآنية والنبوية وأقوال السلف.
- جودة التفاسير المختارة.
التوصيات:

واصلي التدرّب على كتابة الرسائل الوعظية، واعتني بالتفاسير التي تعنى بهذا الجانب.

8: مروة كامل أ

أحسنت بارك الله فيك ونفع بك.
مظاهر القوة في الرسالة:
- جودة الطرح وقوّة التأثير مع حضور شخصية الكاتبة وتميّزها.
- إثراء الرسالة بالشواهد النبوية وأقوال السلف.
- جودة التفاسير.
الملاحظات على الرسالة:
- عدم تخريج الأحاديث والآثار، وهو مأخذ لا يستهان به رغم جودة رسالتك.
التوصيات:
واصلي التدرّب على كتابة الرسائل الوعظية وإفادة الغير بها، وأثني على عملك، نفع الله بك وزادك من فضله.

9: بيان الضعيان أ

أحسنت بارك الله فيك ونفع بك.
مظاهر القوة في الرسالة:
- ظهور شخصية الكاتبة.
- شمول الرسالة مسائل الآية الرئيسة.
- إثرائها بالشواهد القرآنية والنبوية وأقوال السلف وأهل العلم.
الملاحظات على الرسالة:
- الاختصار الزائد في عرض المسائل خاصّة مسألة الوقوف بين يدي الله عزّ وجلّ، وهذا الاختصار من شأنه أن يضعف الخطاب الوعظي لمرور المسألة على القلب بسرعة لا يتاح له بسببها أن يتأثّر ويخشع.
لكن على كلٍ أثني على منهجك في عمل الرسالة، فهي على اختصارها روعيت فيها معايير الرسالة الوعظية، وبقي التدرّب على تجويدها.
التوصيات:
- واصلي التدرّب على كتابة الرسائل الوعظية واحرصي على الاطّلاع ومحاكاة النماذج الجيّدة منها، واجتهدي أن يكون الخطاب أكثر بسطا من ذلك مع انتقاء العبارات التي لها تأثير في القلب تحبيبا وترغيبا وترهيبا.
- يلاحظ عدم ذكرك لمصادر الرسائل وهو مطلوب.

10: إيمان شريف أ
أحسنت بارك الله فيك ونفع بك.
مظاهر القوة في الرسالة:
- ظهور شخصية الكاتبة وروح الخطاب الوعظي.
- شمولها أهمّ مسائل الآيات.
الملاحظات على الرسالة:
- رسالتك قيّمة بارك الله فيك، وهي مناسبة لفئة المتعلّمين وطلاب العلم وليس العامّة لظهور الصبغة العلمية عليها وعرض الخلاف وتناول القراءات، مع ثنائي على اجتهادك في عرض الخلاف بأسلوب سهل مفهوم.
ويجب تنظيم الرسالة بناء على مسألة مهمّة تكون الأصل لما يطرح بعدها من أقوال وهي: (المراد بالنفس، ومتى يقال لها ذلك)، لأنك تداخلين بين القولين وما يتعلّق بهما أثناء الرسالة على غير ترتيب، واحرصي أن يكون الكلام على قراءة واحدة ثم تثنّي بالأخرى.
- لابد لمثل هذا المستوى من الخطاب أن يرجع إلى أمهات التفاسير ولا يكتفى بالمصادر المذكورة لأجل التثبّت من صحة نسبة الأقوال وتخريج الأحاديث والآثار.
التوصيات:
واصلي التدرّب على كتابة الرسائل الوعظية وإفادة الغير بها، مع الانتباه لمناسبة المسائل لفئة المخاطبين، والعناية بمصادر الرسالة.

11: رقية عبد البديع
أحسنت وتميّزتِ بارك الله فيك ونفع بك.
وأحييك على حسن تقييمك للرسالة، فهي رسالة قيّمة ولكنها كما ذكرتِ مكتوبة بالأسلوب الاستنتاجي، فأرجو منك كرما إعادة كتابتها بالأسلوب الوعظي وأسأل الله أن يكتب لك الأجرين ويجمع لك الحسنيين.
ولن تحتاجي إلى كثير تغيير بإذن الله، فقط في تغيير صيغة الخطاب، فالأسلوب الاستنتاجي يكون فيه سرد متتابع للفوائد، أما الأسلوب الوعظي فهو حوار وخطاب يتوجّه إلى القلب، فبدلا من طريقة السرد بـ أولا وثانيا وثالثا، اربطي بين المسائل بعبارات مناسبة، ولعلك تستفيدين من رسائل الزملاء، مع التوصية بإثراء الرسالة بشيء من الآثار والأخبار في باب المحاسبة، بارك الله فيك ونفع بك.


رزقكم الله العلم النافع والعمل الصالح
ونسأل الله أن يبارك لنا ولكم في شهر رمضان
وأن يجعلنا فيه من الفائزين المفلحين


رد مع اقتباس
  #14  
قديم 17 رمضان 1438هـ/11-06-2017م, 01:40 AM
منال انور محمود منال انور محمود غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المتابعة الذاتية
 
تاريخ التسجيل: Jan 2016
المشاركات: 168
افتراضي

رسالة في التفسير بالأسلوب الوعظي

رسالة في قوله تعالى ( و من يتق الله يجعل له مخرجا و يرزقه من حيث لا يحتسب )
الحمدلله رب العالمين و الصلاة و السلام على أشرف المرسلين و على آله و صحبه و سلم .
كثير منا يعاني من مشكلات الحياة و ازدياد الهموم فتملأ قلبه بمشاعر الضيق و الحزن و يبحث عن مخرج لما يشعر به فيبحث في ملاهي الدنيا فيجد نفسه ازداد ضيقا و هما حتى إن كان ذو مال و أولاد .
هل تعلم لماذا؟ لأنه أخطأ الطريق الذي يكون به إنشراح الصدر و زوال الهم .
فيا صاحب الهم و الضيق أيا كان هذا الضيق و الهم أمامك باب واسع فيه العلاج النافع قاله رب الأرض و السموات الذي خلقك و يعلم ما يصلحك و ما يذهب بك من هموم ( ألا يعلم من خلق و هو اللطيف الخبير ) .
و هذا الباب الواسع ذكره سبحانه في سور القرآن و منها تلك الآية الكريمة محل الرسالة .
و لنفهم كيف ندخل من هذا الباب الواسع لابد أن نعلم أن في الآية شرط و جواب .
فالشرط هو تحقيق التقوى فلا بد أن نفهم ما معنى التقوى ؟ كيف أكون متقي لأستحق جواب الشرط و هو أن يجعل الله لي مخرجا و ليس هذا فحسب و إنما يرزقني من حيث لا أحتسب .
تعريف التقوى :
- من أجود ما قيل في تعريف التقوى تعريف التابعي طلق بن حبيب ( التقوى أن تعمل بطاعة الله على نور من الله ترجو ثواب الله و أن تجتنب معصية الله على نور من الله تخاف عقاب الله ) .
- و من التعريفات الجميلة للتقوى و هي أثر عن علي رضي الله عنه ( الخوف من الجليل و العمل بالتنزيل و القناعة بالقليل و الاستعداد ليوم الرحيل ) .
- قال ابن باز رحمه الله ( تقوى الله سبحانه هي عبادته بفعل الأوامر و ترك النواهي عن خوف من الله و عن رغبة في ما عنده و عن خشية له و عن تعظيم لحرماته و محبة صادقة له سبحانه و لرسوله ) و هذا تعريف جامع لأنه لم يقصر التقوى على الخوف و الرهبة إنما جمع لها بعباجات قلبية أخرى مثل الخشية و التعظيم .
و مهما اختلفت الكروب فإن التقوى تعم كل كرب:
* فمن كان صاحب كرب فالتقوى سبب في تفريج الكروبات في الدنيا و الأخرة . قول ابن عباس ذكره القرطبي .
* من كان رزقه قليل فالتقوى أن يقنعه الله بما رزقه قاله علي بن صالح و ذكره القرطبي .
* من أصابته مصيبة فبتقوى الله يرزقه الصبر عند المصيبة . قول الكلبي ذكره القرطبي .
و من يتقي الله في أداء الفرائض يجعل له مخرجا من العقوبة و يرزقه الثواب من حيث لا يحتسب أي يبارك له فيما أتاه . ذكره القرطبي .
* و من يتق الله في اتباع السنة يجعل له مخرجا من عقوبة أهل البدع . ذكره القرطبي .
* قال أبو ذر قال النبي صلى الله عليه و سلم ( إني أعلم آية لو أخذ بها الناس لكفتهم و تلى و من يتق الله يجعل له مخرجا و يرزقه من حيث لا يحتسب ) . ذكره القرطبي .
* قال ابن عباس رضي الله عنهما مخرجا من شبهات الدنيا و من غمرات الموت و من شدائد يوم القيامة . ذكره القرطبي .
و سبب نزول هذه الآية من المواقف التي إذا تفكر فيها الإنسان أخذ منها العبرة و العظة نزلت في عوف بن مالك الأشجعي أسر فأتى أبوه إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم فشكى إليه ذلك مع ضر أصابه فأمره أن يكثر من قول لا حول و لا قوة إلا بالله فأفلت ابنه من الأسر و ركب ناقة القوم و مر في طريقه بسرح لهم فاستاقه ثم قدم و وقف على أبيه يناديه و معه الإبل فلما رأه أتى رسول الله صلى الله عليه و سلم فأخبره و سأله عن الإبل فقال اصنع بها ما أحببت و ما كنت صانعا بمالك فنزلت هذه الأية الكريمة .
و قد روي عن الحسن عن عمران بن حصين قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم ( من انقطع إلى الله كفاه الله كل مؤونة فرزقه من حيث لا يحتسب و من انقطع إلى الدنيا وكله الله إليها ) .
فإذا سأل سائل أين التقوى فنجيب عليه التقوى محلها القلب و قد قال صلى الله عليه و سلم الحديث الشاهد منه قال (التقوى ها هنا و أشار إلى صدره ثلاث) .
فالتقوى هي المقصود الأعظم للعبادات و تحقيقها في القلوب و ما يحصل في القلوب من معاني العبودية و الخضوع و الانقياد لله و الأمثلة في ذلك كثيرة في كتاب الله .
قال تعالى ( يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون ) .
قال تعالى ( ذلك و من يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب ) .
فجدير بنا أن نغرس التقوى في قلوبنا و ذلك :
- في قرائتنا للقرآن الكريم فقد تحدث طويلا عن المتقين فأخبر عن صفاتهم و أعمالهم و ما أعد الله لهم من النعيم فجدير بنا أن نعرض أنفسنا على تلك الوصوفات فما وجدنا من خير نحمد الله و ما لم نجد نجتهد في الاتصاف به .
مثال : آية البر من سورة البقرة (لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَٰكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَىٰ حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا ۖ وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ ۗ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا ۖ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ ) .
- أن نتعلم العلم كيف نتقي الله حق تقاته و هي أعظم التقوى .
فقد قال الله تعالى ( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ) .
قال ابن عباس رضي الله عنهما في تفسير الأية أطيعوا الله حق طاعته و فسره ابن مسعود كيف ذلك فقال أن يطاع فلا يعصى و أن يذكر فلا ينسى و أن يُشكر فلا يُكفر .
فحري بنا إن أردنا أن نحيا حياة طيبة و نلقى الله و هو راض عنا أن نحقق التقوى في تفاصيل حياتنا و نستعين بالله لتحقيق ذلك و الله الموفق .
المصادر :-
- تفسير الإمام الطبري .
- تفسير القرطبي .
- فتح القدير للشوكاني .
- النكت و العيون للماوردي .
- بحث التقوى من المكتبة الشاملة .

رد مع اقتباس
  #15  
قديم 17 رمضان 1438هـ/11-06-2017م, 01:01 PM
فداء حسين فداء حسين غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - مستوى الإمتياز
 
تاريخ التسجيل: Jan 2016
المشاركات: 955
افتراضي

هدايات قوله تعالى:"مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ}[التغابن: 11].

الحمد لله, نحمده ونستعينه, ونؤمن به, ونتوكل عليه, من يهد الله فهو المهتد, ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا, ونصلي ونسلم على المبعوث رحمة للعالمين, ونشهد أنه قد بلغ الرسالة, وأدى الأمانة, ونصح الأمة, وكشف الله به الغمة.
أما بعد:
فهذه تأملات في آية عظيمة من آيات القرآن الكريم, آية تذكر وتُعين في هذه الحياة التي جبلت على كدر, وخلق الإنسان فيها في كبد لا مهرب منه, بل يضل يكابد فيها مشاق الحياة, فينتقل من مشقة إلى أخرى, حتى يقبضه الله إليه:
طُبعت على كدرٍ وأنت تريدها صفواً من الأقذاء والأكدارِ

وهذه رحلة للاستفادة من هدايات هذه الآية العظيمة, لعلها تكون بلسما للقلوب المكلومة, وسكينة وطمأنينة للنفوس الجزعة.

فأما ما تذكر به هذه الاية, فهو: إن جميع ما يصيب العبد في هذه الحياة كائن بأمر الله سبحانه وتعالى وقضائه, علمه بعلمه الأزلي, ثم كتبه في اللوح المحفوظ, شم شاءه, ثم خلقه.
أما ما تعين عليه, فهو: الثبات فيما يمر بالعبد من تقلبات في هذه الدنيا, وتعين على الصبر على أقدار الله سبحانه وتعالى, التي علم العبد أنها مقدرة منه سبحانه, وأن فيها حكم قد يجهل الكثير منها.
وقد قال تعالى:" ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون"البقرة: 155 - 157 .
وفي الدعاء الذي ورد في هذه الآية منتهى الاستسلام لأقدار الله سبحانه وتعالى, واعتراف بكامل العبودية له, والخضوع له, فالعبد لا يملك حتى روحه التي بين جنبيه, فهي ملكا لخالقها سبحانه, فإن فقه العبد هذا, وعمل به, نال ما وعد الله به من ثواب..

ولو تأملنا القسم الأول من الآية, قال تعالى:"مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ" فنجد فيها تقرير بأن كل ما يصيب الإنسان في هذه الحياة إنما هو بقدر الله, ولكن قد يسأل سائل: لماذا خُصت المصائب بالذكر, مع أن جميع الأمور تحدث بأمر الله وقدره؟
أجاب على هذا السؤال صاحب اضواء البيان رحمه الله تعالى, فقال:"جاء التنصيص على المصيبة هنا ; ليدل أن كل شيء ينال العبد إنما هو بإذن الله ; لأن الجبلة تأبى المصائب وتتوقاها ، ومع ذلك تصيبه ، وليس في مقدوره دفعها بخلاف الخير ، قد يدعي أنه حصله باجتهاد منه كما قال قارون : إنما أوتيته على علم عندي" القصص:78 .

فإذا علم العبد إن ما أصابه مقدر عليه, وأن ما أصابه لم يكن ليخطأه, لم ينشغل ويضيع وقته في التحسر والتسخط على أقدار الله, بل وطن نفسه على الصبر, ولربما ارتقى إلى مرتبة الرضا, ولربما وصل إلى مرتبة شكر الله في السراء والضراء, نسال الله من فضله.

ويجدر بنا هنا ان نتذكر قوله عليه الصلاة والسلام, في الحديث الذي رواه مسلم, قال عليه الصلاة والسلام : " عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله خير وليس ذاك لأحد إلا للمؤمن إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له " .
فكم في هذا الحديث من سلوى للقلوب يهون معها ما بها من ألم لطمعها وتشوفها لما ينتظرها من خير وعد الله به الصابرين على أقداره؟!
وكم فيه من حث على تذكر وإحصاء لنعم الله علينا لنقوم بواجب الشكر عليها؟!

لكن هذا لا يكون إلا للمؤمن, وهذا ينقلنا إلى القسم الثاني من الآية, وهو قوله تعالى:"وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ", قال حبر الأمة وترجمان القرآن في قوله تعالى: "وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ": يهد قلبه لليقين، فيعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه. وقال علقمة بن قيس رحمه الله, في الآية: هو الرجل تصيبه المصيبة، فيعلم أنها من عند الله فيسلم لها ويرضَى. رواهما الطبري في تفسيره.
وقد ذكر القرطبي رحمه الله, إن عكرمة قرأ : "ومن يؤمن بالله يهدأ قلبه" أي: يسكن ويطمئن, ولو أنها ليست من القراءات المتواترة أو المشهورة.

فالمؤمن الذي يصبح فيقول:"رضيت بالله ربا وبالإسلام دينا", ويمسي فيقول:"رضيت بالله ربا وبالإسلام دينا", يقولها عن يقين ملأ قلبه, يقين بأن الله مدبره, فيفوض القلب أموره لخالقه, فترى جوارحه في حركة وشغل واضطراب آخذا بالأسباب المشروعة التي أمر الله بها, أما قلبه: فساكن مستسلم لأمر ربه وقضائه, مستشعرا لذة الصبر والتسليم لله, كما أخبر عليه الصلاة والسلام في الحديث الذي رواه مسلم, قال عليه الصلاة والسلام:" ذاق طعم الإيمان: من رضي بالله ربا، وبالإسلام ديناً، وبمحمد نبياً ورسولاً", فجعل له طعما محسوسا يشعر المؤمن بلذته التي تنسيه ما حل به من شدائد, وليس هذا إلا للمؤمن.

فمثل هذا يهدي الله قلبه حين تحل المصائب,
يهدي الله قلبه حين تنزل الفتن ويخوض الناس فيما لا علم لهم به,
يهدي الله قلبه فيتيقن بأن ما حصل كان بأمر الله, فيهدي الله قلبه فتكون تصرفاته عند نزول المصائب على مراد الله, متبعا ما جاءت به نصوص الوحي من إرشادات وهدايات,
يهدي الله قلبه: فيسكن ويصبر ويرضى.

لذلك كان أعظم الناس ثباتا في المصائب أكملهم إيمان, وأفضل هذه الأمة وأكملها إيمانا بعد النبي عليه الصلاة والسلام: أبو بكر الصديق رضي الله عنه, فنراه رضي الله عنه, في أعظم مصيبة حلت بالمسلمين: ألا وهي موت الرسول عليه الصلاة والسلام, فكان رضي الله عنه, أكثرهم هداية وتبصرا بما حل وبما يجب عمله, وكان أعقلهم وأفهمهم للنصوص, وأكثرهم ثباتا ورباطة جأش, فقد جاء في المستدرك على الصحيحين فيما رواه الزهري, قال: قال أبو سلمة بن عبد الرحمن : كان ابن عباس رضي الله عنهما يحدث أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه دخل المسجد وعمر بن الخطاب يحدث الناس ، فأتى البيت الذي توفي فيه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فكشف عن وجهه برد حبرة ، وكان مسجى به ، فنظر إليه فأكب عليه ليقبل وجهه ، وقال : والله لا يجمع الله عليك موتتين بعد موتتك التي لا تموت بعدها . ثم خرج إلى المسجد وعمر يكلم الناس فقال أبو بكر : اجلس يا عمر ، فأبى فكلمه مرتين أو ثلاثا ، فأبى ، فقام فتشهد فلما قضى تشهده قال : أما بعد ، فمن كان يعبد محمدا فإن محمدا صلى الله عليه وآله وسلم قد مات ، ومن كان يعبد الله ، فإن الله حي لا يموت ، ثم تلا : وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل ، وتلا إلى : الشاكرين . فما هو إلا أن تلاها فأيقن الناس بموت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتى قال قائل : لم يعلم الناس أن هذه الآية أنزلت حتى تلاها أبو بكر . قال الزهري : فأخبرني سعيد بن المسيب أن عمر بن الخطاب قال : لما تلاها أبو بكر : عقرت حتى خررت إلى الأرض وأيقنت أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد مات" .

ولكن وجب علينا أن نتذكر أن هذه الهداية, وهذا الثبات الذي وعد فيه المؤمن, ليس محصورا في المصائب فقط, بل هو الثبات في المراحل الثلاث من حياة العبد: الحياة الدنيا, والبرزخ, ويوم القيامة.
فحذف متعلق الهداية في الآية فيه فائدة عظيمة: ألا وهو إفادة العموم, فمتى ما وجد الشرط وهو"الإيمان" وجد جوابه وجائزته: وهي الهداية.
قال تعالى:"يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ ۖ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ ۚ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ"إبراهيم:27, قال ابن عباس رضي الله عنهما:""هو لا إله إلا الله". ذكره القرطبي في تفسيره.
وقال طاوس فيها : لا إله إلا الله ، ( وفي الآخرة ) المسألة في القبر . وقال قتادة : أما الحياة الدنيا فيثبتهم بالخير والعمل الصالح ، ( وفي الآخرة ) في القبر . رواها ابن جرير في تفسيره, وذكرها ابن كثير .

وجاء في الصحيحين من حديث البراء بن عازب رضي الله عنه اقل: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " المسلم إذا سئل في القبر ، شهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ، فذلك قوله : "يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة" .
وقال تعالى:"إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُم بِإِيمَانِهِمْ ۖ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ"يونس:9
قال شيخ المفسرين في الاية: "يرشدهم ربهم بإيمانهم به إلى الجنة".
وقال السعدي رحمه الله تعالى:"يثيبهم الله أعظم الثواب، وهو الهداية، فيعلمهم ما ينفعهم، ويمن عليهم بالأعمال الناشئة عن الهداية، ويهديهم للنظر في آياته، ويهديهم في هذه الدار إلى الصراط المستقيم وفي الصراط المستقيم، وفي دار الجزاء إلى الصراط الموصل إلى جنات النعيم".

ومن ظن أن هذه الهداية تأتي وليدة اللحظة فقد أخطأ, فتصرفات الإنسان فرع عن تصوراته, فمن عاش حياته متخبطا لا تحركه النصوص ولا تهديه, يعمل بقول فلان, ويقلد آخر, فهذا يكون هذا حاله في المصائب من باب أولى, يسير فيها متخبطا, فاقدا لنور الوحي, فلا دليل معه ولا مرشد, فلا يكون منه إلا الهلع والجزع, كما قال تعالى:"إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا إِلَّا الْمُصَلِّينَ" المعارج:19-22, فهذا حال الإنسان من حيث أصل خلقته وجبلته في المصائب: الجزع والهلع, واستثنى تعالى ذكره"المصلين" الذين حرصوا على تقوية أواصر العلاقة مع خالقهم, وقاموا بحق الصلاة كاملا, فكانت لهم نورا يمشون به في الظلمات حين تخبط غيرهم في الظلمات لا يجد منها مخرجا.

وهذا يقودنا إلى الحديث عن أهمية دخول الإيمان إلى قلب العبد المؤمن, وعظم أثره على العبد, لذلك قال عليه الصلاة والسلام, في الحديث السابق ذكره, والذي رواه مسلم:" وليس ذاك لأحد إلا للمؤمن ", فشتان ما بين المؤمن الحق وبين من هو لاه قلبه, متذبذب, حيران, ولنرى عظيم أثر الإيمان في القلب إذا دخله, وسكنه, واستقر فيه, وأصبحت حركات القلب ونبضاته تبعا له, نذكر ما ورد في الصحيحين من قصة أم سليم مع أبي طلحة:حيث اقل أنس رضي الله عنهم قال: مات ابن لأبي طلحة من أم سليم، فقالت لأهلها: لا تحدثوا أبا طلحة بابنه حتى أكون أنا أحدثه، قال: فجاء فقربت إليه عشاء، فأكل وشرب، فقال: ثم تصنعت له أحسن ما كان تصنع قبل ذلك، فوقع بها، فلما رأت أنه قد شبع وأصاب منها، قالت: يا أبا طلحة، أرأيت لو أن قوما أعاروا عاريتَهم أهل بيت فطلبوا عاريتهم، أَلهم أنْ يمنعوهم؟ قال: لا، قالت: فاحتسِب ابنك، قال: فغضب! وقال: تركتني حتى تلطخت، ثم أخبرتِني بابني، فانطلق حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره بما كان، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((بارك الله لكما في غابر ليلتكما))...الحديث".

وهذا عمران بن حصين رضي الله عنه, ابتلاه الله بالمرض, فصبر عليه, فلم يشكو ربه للعبيد, بل صبر واحتسب, فثبته الله جل وعلا بأن جعل الملائكة تزوره وتسلم عليه, فسكّن الله قلبه باليقين التام, وصرف عنه الجزع, جاء في سير أعلام النبلاء للذهببي:قال مطرف بن عبد الله : قال لي عمران بن حصين : أحدثك حديثا عسى الله أن ينفعك به : إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- جمع بين الحج والعمرة ، ولم ينه عنه حتى مات ، ولم ينزل فيه قرآن يحرمه ، وأنه كان يُسلم علي - يعني الملائكة- قال : فلما اكتويت ، أمسك ذلك ; فلما تركته ، عاد إلي .
وقال مطرف : قال لي عمران : أشعرت أن التسليم عاد إلي ؟ قال : ثم لم يلبث إلا يسيرا حتى مات .
وعن مطرف ، قلت لعمران : ما يمنعني من عيادتك إلا ما أرى من حالك . قال : فلا تفعل ، فإن أحبه إلي أحبه إلى الله .

وقال ابن القيم في الوابل الصيب عن شيخه: شيخ الإسلام ابن تيمية لما سُجن : " وقال لي مرة – يعني شيخ الإسلام - ما يصنع أعدائي بي !! أنا جنتي وبستاني في صدري ، أنى رحت فهي معي لا تفارقني ، إنّ حبسي خلوة ، وقتلي شهادة ، وإخراجي من بلدي سياحة .
وكان يقول في محبسه في القلعة : لو بذلت ملء هذه القلعة ذهبا ما عدل عندي شكر هذه النعمة أو قال : ما جزيتهم على ما تسببوا لي فيه من الخير ونحو هذا .
وكان يقول في سجوده وهو محبوس : اللهم اعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك ما شاء الله..".

فإذا علم العبد ذلك, وأدرك خطورة الأمر وأهميته, حرص على معرفة ما يزيد إيمانه ليفوز بما وعد الله به المؤمنين.
ولزبادة الإيمان أسباب, منها وأهمها:
1- معرفة الله تعالى بأسمائه وصفاته , فإن الإنسان كلما ازداد معرفة بالله وبأسمائه وصفاته ازداد إيمانا, لذلك قال تعالى:" إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ "فاطر:28)
2- طلب العلم, فهو من عوامل زيادة الإيمان, فكلما زاد العبد معرفة بتفاصيل ما يجب الإيمان به, زاد إيمانه بحسب ما زاد من علمه, لذلك قال تعالى:"أَمََّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ " ثم قال بعدها:"قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ "سورة الزمر:9. فهذه صفة من علم حقيقة الدنيا وحقيقة الآخرة, وعلم عظم الجائزة وشدة العقاب, فخاف ورجا, ورغب ورهب.
3- النظر في آيات الله الكونية , والشرعية , فكلما نظر العبد في الآيات الكونية التي هي المخلوقات مثل: السموات والأرض, ازداد إيمانا, ولعظمة تأثير هذا الأمر في القلب, دعا الله عباده إليه في أكثر من موضع في القرآن الكريم, مثل قوله تعالى: "وفي الأرض آيات للموقنين وفي أنفسكم أفلا تبصرون" الذاريات: 20-21. ودعاهم للتفكر والتدبر في آياته الشرعية خاصة القرآن الكريم وما يحتويه من تور لا يستطيع عاقل إنكاره, مثل قوله تعالى:"أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ ۚ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا
"النساء:82.
4- كثرة الطاعات فإن الإنسان كلما كثرت طاعاته ازداد بذلك إيمانا, وهذا يشمل جميع أنواع الطاعات, القولية, والفعلية, والقلبية, فذكر الله يزيد الإيمان, والصلاة, والصوم, والحج, والتوكل, والإخلاص, وكلما زاد الإيمان زاد العبد في فعل الطاعات, وكلما زادت الطاعات زاد الإيمان, وهكذا فمقل ومستكثر.

والأسباب جميعها مرتبط بعضها ببعض, ويقود بعضها إلى الآخر, وبترك هذه الأسباب, وعمل ضدها, أو عمل ما يخل بها, ينقص إيمان العبد, فالإيمان يزيد وينقص, والعاقل من حفظ إيمانه ورعاه, ولاحظه كأنه أغلى ما يملك, وهو أغلى ما يملك, علم العبد ذلك أو جهله.

أسأل الله تعالى أن يحفظ علينا إيماننا, وأن يرزقنا الهدى والثبات على الأمر, والعزيمة على الرشد, وأن يرزقنا الجنة ويهدينا لكل ما قرب إليها من قول او عمل, وأن يبعدنا عن النارو ويبعدنا عن كل ما قرب إليها من قول أو عمل, إنه ولي ذلك والقادر عليه.
وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
------------------------------------------------------------------------------------
المصادر:
- جامع البيان عن تأويل آي القرآن\ للإمام محمد بن جرير بن يزيد بن كثير بن غالب الشهير بالإمام أبو جعفر الطبري.
- تفسير القرآن العظيم \ للإمام عماد الدين أبي الفداء إسماعيل بن كثير القرشي الدمشقي المعروف بابن كثير.
- سير أعلام النبلاء\ الحافظ أبو عبد الله شمس الدين الذهبي.
- أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن \ لمحمد الأمين الشنقيطي.
- تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان\ لعبدالرحمن السعدي.
- قواعد قرآنية\ عمر المقبل.
-

رد مع اقتباس
  #16  
قديم 3 شوال 1438هـ/27-06-2017م, 05:47 PM
الصورة الرمزية محمد عبد الرازق جمعة
محمد عبد الرازق جمعة محمد عبد الرازق جمعة غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المتابعة الذاتية
 
تاريخ التسجيل: Jan 2016
المشاركات: 510
افتراضي

تطبيق على الأسلوب الوعظي


تفسير قوله تعالى (يدخل من يشاء في رحمته والظالمين أعد لهم عذابا أليما) المرسلات


يقول المولى سبحانه وتعالى (يدخل من يشاء في رحمته والظالمين أعد لهم عذابا أليما)
في هذه الآية الكريمة يخبرنا الله تعالى أنه من يدخل في رحمة الله فقد دخل بمشيئة الله تعالى لذلك ومن لم يشأ الله له ذلك وكان من الظالمين فسوف يكون جزاؤه العذاب الأليم.
وفي هذه الآية إشكالية عقدية وهي طالما أن المشيئة هي مشيئة الله فلماذا يدخل بعض الناس الجنة وبعض الناس النار؟
وللرد على هذه الإشكالية نرجع إلى كلام أهل العلم في تفسير هذه المشيئة.
يقول الإمام الطبري في تفسير هذه الآية: يدخل ربكم من يشاء منكم في رحمته فيتوب عليه حتى يموت تائبا من ضلالته فيغفر له ذنوبه ويدخله جنته واللذين ظلموا أنفسهم فماتوا على شركهم أعد لهم في الآخرة عذابا مؤلما موجعا وهو عذاب جهنم. أنتهى كلامه
ويقول السعدي في تفسير هذه الآية: (يدخل من يشاء في رحمته) فيختصه بعنايته ويوفقه لأسباب السعادة ويهديه لطريقها (والظالمين) اللذين اختاروا الشقاء على الهدى (أعد لهم عذابا أليما) بظلمهم وعداوتهم. أنتهى كلامه
ومن خلال هذه التفاسير نجد أن الآية تأصل لفعل الله واختيار العبد وكسبه فكما يقول أهل العقيدة (الفعل فعل الله والكسب كسب العبد) فكل ما يحدث في الكون فعل الله ولا يحاسب العبد إلا على ما كسب فقد قال تعالى (لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت).
ولتوضيح ذلك الأمر بصورة أكثر فلننظر إلى قوله تعالى (يضل الله من يشاء ويهدي من يشاء) فالله هو المضل والله هو الهادي فلماذا إذا الحساب؟
لو نظرنا في القرآن الكريم وبحثنا عن اللذين يضلهم الله نجد أنهم قد ضلوا ابتداء ولم يقبلوا هداية الله لهم فالله يقول (والله لا يهدي القوم الظالمين) وقوله (والله لا يهدي القوم الكافرين) وقوله (والله لا يهدي القوم الفاسقين) وغيرها من الآيات التي تدل على أن الإنسان الذي يعرض الله عليه الهداية ثم لا يقبلها ولا يعمل بها فهو المستحق لإضلال الله له فالجزاء من جنس العمل فهو الذي اختار الضلال لنفسه والله يقول (في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضا) ويقول عن المؤمنين (واللذين اهتدوا زادهم هدا وآتاهم تقواهم) فهم مهتدون ابتداء وقبلوا هداية الله لهم والجزاء من جنس العمل فاستحقوا زيادة الهدى.
فمشيئة الله ليست إجبارا للعبد على الطاعة ولا على المعصية ولكنها تابعة لاختيار العبد فالعبد يستطيع أن يختار الإيمان ويستطيع أن يختار الكفر وعلى حسب اختياره وكسبه يكون حسابه عند ربه.
فالله إذ يدخل من يشاء في رحمته أي هذا العبد الذي قبل هداية الله ابتداء وقام بمقتضاها يعطيه الله هداية أخرى وهي هداية المعونة فيوفقه للعمل الصالح ويكره إليه الكفر والفسوق والعصيان ويحبب إليه الإيمان ويوفقه إلى التوبة ويرزقه الصبر عند الشدائد وبذلك ينال رحمة الله وهي الجنة. على عكس هذا العبد الذى أرسل الله ليه الهداية فرفضها ولم يعمل بها ولم يقبلها ابتداء فهذا اختيار العبد وعليه استحق أن يضله الله حتى يكون جزاؤه جهنم له فيها العذاب الأليم.

المراجع :
- جامع البيان في تأويل القرآن للطبري ت (310هـ)
- الجامع لأحكام القرآن للقرطبي ت ( 671هـ)
- تفسير الشعراوي ت (1998هـ)
- تفسير القرآن العظيم لابن كثير ت (774هـ)
- تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان للسعدي ( 1376 هـ)

رد مع اقتباس
  #17  
قديم 12 شوال 1438هـ/6-07-2017م, 01:53 PM
أمل عبد الرحمن أمل عبد الرحمن غير متواجد حالياً
هيئة الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
المشاركات: 8,163
افتراضي

تابع تقويم تطبيقات الأسلوب الوعظي


12: منال أنور ب+
أحسنت بارك الله فيك ونفع بك.
وأسلوبك حسن في أول الرسالة لكنك أكثرتِ من النقل بعد ذلك، وكان الأولى أن تلخّصي ما نقلتيه من أقوال بأسلوبك، ولا حاجة للعزو حينئذ لأن ذلك لا يناسب المقام الوعظي، وأن تكتفي بما يكون لنقله نصّا أثر واضح على المتلقّين.
قصّة عوف بن مالك الأشجعي مما اختلف في صحّتها عند أهل العلم، فاحرصي دائما على الاستشهاد بالصحيح في الرسائل الوعظية ففيه الغنية والكفاية.
وأوصيك بمواصلة العناية بكتابة الرسائل الوعظية والاستفادة من الرسائل المكتوبة بهذا الأسلوب والتفاسير التي تعنى بهذا الأسلوب، وفقك الله وسدّدك.

13: فداء حسين أ+

أحسنت وأجدت، بارك الله فيك وزادك نورا وتوفيقا.

14: محمد عبد الرازق جمعة ج

أحسنت بارك الله فيك ونفع بك.
الآية هي خاتمة سورة الإنسان وليس المرسلات، ومن الجيد ذكر الآيات التي وردت قبلها والتعريف بالسياق الذي وردت فيه الآية.
ومصادرك في الرسالة جيّدة وأسلوبك حسن، لكن هذه الرسالة غلب عليها أسلوب التقرير العلمي، فهي تناقش مسألة علمية وهي معنى هداية الله وإضلاله للعباد وإن ناقشتها باختصار، أما الخطاب الوعظي -وهو المقصود من هذا التطبيق- فهو ضعيف، وإنما يستفاد ضمنيا من الكلام.
ولو أنك عرضت المسألة باختصار ثم فصّلت في بيان السبب الموصل إلى رحمة الله وهدايته من سؤال الله الهداية والاعتماد عليه وامتثال أمره والبعد عما يسخطه مدلّلا على كلامك بأنواع الأدلّة لأخذت الرسالة سمت الرسائل الوعظية، فأوصيك بإكمالها وصبغها بالصبغة الوعظية، كما أوصيك بمراجعة تطبيقات الزملاء الجيّدة والاستفادة منها.
وينتبه إلى أن قولك أن مشيئة الله تابعة لفعل العبد واختياره لا يصحّ، وقد قال تعالى: {وما تشاؤون إلا أن يشاء الله}، فالله هو الذي أقدر الإنسان على فعله وخلّى بينه وبين أسبابه، ولا يمكن لعبد أن يفعل شيئا إلا إذا شاء الله له ذلك، وليس معنى هذه المشيئة أن الله يحب منه هذا الفعل ويرضاه فالمشيئة يدخل تحتها الخير والشر.

رد مع اقتباس
  #18  
قديم 16 شوال 1438هـ/10-07-2017م, 06:03 PM
هدى محمد صبري عبد العزيز هدى محمد صبري عبد العزيز غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المتابعة الذاتية
 
تاريخ التسجيل: Jan 2016
المشاركات: 164
افتراضي تطبيق الاسلوب الوعظى

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فهو المهتدى ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا واشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له وأن محمداعبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرًا.



ثم أما بعد :
يا عباد الله يا من رضى بالله ربا وبالاسلام دينا وبسيدنا محمدا صلى الله عليه وسلم نبيا ورسولا علينا بالايمان بقدر الله عزوجل فهو ركن من أركان الإيمان لا يقوم الإيمان إلإ به وقد قال تعالى فى محكم التنزيل (وكل شىء خلقناه بقدر ) فالله تعالى قدر المقادير على وفق علمه وحكمته ووضع كل شىء فى الموضع المناسب له وتحن قد لا نعلم بعلمنا القاصر ما يفيدنا وما يضرنا ولكن الله بلا شك قدر لنا الخير وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فى الحديث المتفق عليه :(عجبا للمؤمن لا يقضى الله له قضاء إلا كان خيرا له إن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له وإن أصابته سراء شكر فكان خيرا له وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن )


ونحن الان بصدد تفسير ءاية رقم 11 من سورة التغابن وهى قوله تعالى :
(مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ ۗ وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ ۚ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ )


وسبب نزول الآية : أن الكفار قالوا لو كان ما عليه المسلمون حقا لصانهم الله تعالى عن المصائب فأنزل الله هذه الآية للرد على المشركين ولبيان أن كل شىء بإرادته سبحانه .
والآية تأتى فى السياق بعد توعد الله تعالى للمشركين بما يجعل لهم من التغابن يوم يجمع الله الناس للحساب وفيها تسلية للمسلمين بأن الله تعالى يعلم ما أصابهم من مصائب من معاملة المشركين لهم .


(ما أصاب من مصيبة إلا بإذن الله )
- والمراد بالمصيبة هى الرزية والنكبة وكل ما يسوء الإنسان وهى نكرة للعموم تشمل جميع المصائب فى النفس والمال والولد والاحباب وغيرها
- ومن للتأكيد فكل ما اصاب العباد بقضاء الله وقدره سبق به علمه وجرى به قلمه ونفذت به مشيئته واقتضته حكمته
- والسؤال : ما واجب العبد فى هذا المقام وما الذى ينبغى عليه فعله ؟
1- عليه بالصبر
2- الايمان أنها من عند الله
3- الرضا بقضاء الله
ومن صبر ولم يجزع وءامن أنها من عند الله ورضى بقضاء الله ثبته الله وطمأن قلبه ويحصل له الثواب والأجر فى الدنيا بأن يعوضه عما فاته وقد يخلف عليه خيرا منه وفى الأخرة بالثواب الجزيل فقد قال تعالى (إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب )


(ومن يؤمن بالله يهد قلبه ):
ومن يؤمن بالله إيمانا صادقا يهد قلبه إلى الصبر الجميل والاستسلام لقضائه
و من أقوال العلماء والمفسرين :
- قال بن عباس : (ومن يؤمن بالله يهد قلبه ) يعنى يهدى قلبه لليقين فيعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطأه وأن ما أخطأه لم يكن ليصيبه .
- وقال الأعمش عن أبى ظبيان قال كنا عند علقمة فقرىء عنده هذه الآية فسأل عن ذلك فقال هو الرجل تصيبه المصيبة فيعلم أنها من عند الله فيرضى ويسلم رواه ابن جرير وبن أبى حاتم .
- وقال سعيد بن جبير ومقاتل بن حيان :يعنى يسترجع ويقول إنا لله وإنا إليه راجعون
- وقيل : من صح إيمانه يهدى الله قلبه لاتباع السنة
- وقيل : هو إذا ابتلى صبر وإذا أنعم عليه شكر وإذا ظلم غفر
- وقيل : يهد قلبه إلى نيل الثواب فى الجنة

ونحن مأمورون بالايمان بالقدر ففى حديث جبريل عندما سئل النبى صلى الله عليه وسلم عن الإيمان قال :(الإيمان أن تؤمن بالله وملائكته ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره ) ومن لم يؤمن بقدر الله تعالى أوكله الله إلى نفسه والنفس ليس عندها إلا الجزع والهلع الذى هو عقوبة عاجلة فى الدنيا قبل عقوبة الاخرة .
ومن صدق إيمانه كان أكبر سبب لهداية الله له فى جميع أقواله وافعاله فقد قال تعالى :(يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت فى الحياة الدنيا وفى الآخرة )
اللهم ارزقنا الايمان الصادق وارزقنا الاخلاص وثبتنا يا رب العالمين – اللهم يا مقلب القلوب والأبصار ثبت قلوبنا على دينك – اللهم يا مصرف القلوب صرف قلوبنا على طاعتك .


- وقد وردت فى الآية عدة قراءات :
-قراءة العامة وهى (يَهدِ ) بفتح الياء وكسر الدال
-وقرأت (يُهدَ )بضم الياء بضم الياء وفتح الدال مع رفع باء قلبُه
-وقرأت (نَهد ) بنون التعظيم وقلبَه بالنصب
ويظهر فى القراءات إعجاز القرءان الكريم فكل معنى يضيف جمالا للآية ويدل على عظمة القرءان ويكمل المعنى الآخر فياله من رب عظيم يحفظ كتابه على مر العصوروالأزمان وياله من قرءان معجز تعجز عن ألفاظه وبيانه العقول والافهام وواجبنا نحوه تدبره والعمل به .

- وتختم الآية بقوله تعالى :
(والله بكل شىء عليم )
أى أن الله تعالى ذو علم بما كان وما يكون وما لم يكن لو كان كيف يكون بل وبما هو كائن قبل أن يكون وأنه تعالى لا يخفى عليه تسليم من انقاد وسلم واستسلم لأمره وصبر ورضى ولايخفى عليه كراهة من كره.
وخاتمة الآية فيها كناية عن مجازاة الصابرين بالثواب الجزيل ورفع الدرجات والله تعالى أعلى و أعلم .


ونختم تفسيرنا للآية بدعاء النبى صلى الله عليه وسلم :
اللهم إنى أسألك نفسأ بك مطمئنة تؤمن بلقائك وترضى بقضائك وتقنع بعطائك
سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أم لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك .



المراجع :
- تفسير الطبرى
- تفسير ابن كثير
- تفسير القرطبى
- تفسير البغوى
- تفسير بن عاشور
- تفسير السعدى
- تفسير الوسيط


تم بفضل الله

رد مع اقتباس
  #19  
قديم 18 شوال 1438هـ/12-07-2017م, 07:06 PM
أمل عبد الرحمن أمل عبد الرحمن غير متواجد حالياً
هيئة الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
المشاركات: 8,163
افتراضي

تابع تقويم تطبيقات الأسلوب الوعظي


هدى محمد صبري أ
أحسنت بارك الله فيك ونفع بك.
وأثني على أسلوبك في الرسالة وجودة مصادرك.
وأوصيك بالعناية بتوثيق الأحاديث والآثار وأسباب النزول وبيان درجة الحديث ما أمكن.
وفقك الله.

رد مع اقتباس
  #20  
قديم 25 شوال 1438هـ/19-07-2017م, 12:06 PM
رقية إبراهيم عبد البديع رقية إبراهيم عبد البديع غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المستوى السابع
 
تاريخ التسجيل: Sep 2013
المشاركات: 312
افتراضي إعادة الرسالة

جزاكم الله خيرا على الملاحظات الهامة، ضاعف الله أجركم.

رسالة تفسيرية في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْنَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَاتَعْمَلُونَ (18)}

بسم الله الرحمن الرحيم


الحمد لله رب العالمين، وصلاة وسلاما دائمين على سيد المرسلين، وإمام المتقين، وقائد الغر الميامين، وعلى آله وصحبه أجمعين.


وبعد..


فإن تقوى الله منزلة لا تعدلها منزلة، فهي التي تقود المرء إلى الهداية للصراط المستقيم؛ صراط الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، كما قال تعالى عن القرآن العظيم: {هدى للمتقين}.


وهي التي من نالها فقد نال ولاية رب العالمين، كما قال تعالى: {ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون الذين آمنوا وكانوا يتقون}


وطريق تحقيق التقوى هو الإيمان بالغيب وخشية الله بالغيب؛ بفعل الطاعات، وترك المنهيات، واجتناب الحرمات ومراقبة الله في الخلوات،، قال تعالى عن القرآن العظيم: {هدى للمتقين الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون والذين يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك وبالآخرة هم يوقنون أولئك على هدى من ربهم وأولئك هم المفلحون}.


فتقوى الله تعالى هي الزاد الذي يتزود به المرء في سيره على طريق ربه، نرى ذلك جليا من خلال قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْنَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَاتَعْمَلُونَ (18)}

هذه الآية تحث المؤمنين على تقوى الله تعالى، والأخذ بمحاسبة النفس، والنظر في عملها، ومدى استعدادها لليوم الآخر؛ وذلك من خلال توجيه الرب تعالى نداءه للمؤمنين، ونداؤهم ب: (يا) لفتا لانتباههم، وإيقاظا لهم؛ ليلقوا السمع؛ فيعوا ما يلقى عليهم من أمر الله، ليطرحوا عنهم الغفلة وينبذوا التثاقل والكسل وينهضوا لأمر الله، وأخذ الأهبة والاستعداد- بصالح الأعمال- لليوم الآخر.
كما قال أحد السلف: "إذا سمعت الله يقول {يا أيها الذين آمنوا} فأرعها سمعك، فإنها إما خير تؤمر به، أو شر تنهى عنه".
ولأهمية المأمور به كان النداء عاما وشاملا لكل من اتصف بالإيمان {الذين آمنوا}، فالنداء موجه لكل مؤمن ومؤمنة، أيًّا كانت مهنته أو طبقته..، إشارة لوحدة الأمة وتساوي الأفراد في العمل والجزاء، كما قال تعالى: {إن أكرمكم عند الله أتقاكم}، ولشمول الدعوة وتوجيهها لكل مسلم في مشارق الأرض ومغاربها.
وأمر الله تعالى عباده المؤمنين بتقواه على أصله (الحقيقة)؛ فتقوى الله واجبة على كل مكلف، وهي وصية الله للأولين والآخرين.
والتقوى في اللغة : الصيانة والحذر والحماية والحفظ ." لسان العرب " .
وفي الشرع : كمال توقي الإنسان عمّا يضره يوم القيامة ، وذلك بفعل المأمورات وتجنب المحرمات والمنهيات . " غرائب القرآن " للنيسابوري" .
أقوال السلف في التقوى:
قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه : (( التقوى هي الخوف من الجليل ، والعمل بالتنزيل ، والقناعة بالقليل ، والإستعداد ليوم الرحيل )).
وقال ابن مسعود رضي الله عنه في قوله تعالى : (( اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ )) (آل عمران :102)
قال : أن يطاع فلا يعصي ويذكر فلا ينسى وأن يشكر فلا يكفر.
وشكره يدخل فيه جميع فعل الطاعات ومعنى ذكره فلا ينسي ذكر العبد بقلبه لأوامر الله في حركاته وسكناته وكلماته فيمتثلها ولنواهيه في ذلك كله فيجتنبها .
وقال طلق بن حبيب رحمه الله : التقوى أن تعمل بطاعة الله على نور من الله ترجو ثواب الله وأن تترك معصية الله على نور من الله تخاف عقاب الله.
وعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال : تمام التقوى أن يتقي الله العبد حتى يتقيه من مثقال ذرة وحتى يترك بعض ما يرى أنه حلال خشية أن يكون حراما يكون حجابا بينه وبين الحرام فإن الله قد بين للعباد الذي يصيرهم إليه فقال : (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ(7)وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ) فلا! تحقرن شيئا من الخير أن تفعله ولا شيئا من الشر أن تتقيه .
وقال الثوري رحمه الله: إنما سموا متقين لأنهم اتقوا ما لا يتقي .
وقال ابن عباس رضي الله عنه : المتقون الذين يحذرون من الله عقوبته في ترك ما يعرفون من الهدي ويرجون رحمته في التصديق بما جاء به .
وقال الحسن رحمه الله: المتقون اتقوا ما حرم الله عليهم وأدوا ما اقترض الله عليهم .
وقال عمر بن عبدالعزيز رحمه الله : ليس تقوى الله بصيام النهار ولا بقيام الليل والتخليط فيما بين ذلك ولكن تقوى الله ترك ما حرم الله وأداء ما افترض الله فمن رزق بعد ذلك خيرا فهو خير إلى خير.
وقال موسى بن أعين رحمه الله : المتقون تنزهوا عن أشياء من الحلال مخافة أن يقعوا في الحرام فسماهم الله متقين .
وقال ميمون بن مهران رحمه الله : المتقي أشد محاسبة لنفسه من الشريك الشحيح لشريكه .
وقد يغلب استعمال التقوى على اجتناب المحرمات كما قال أبو هريرة رضي الله عنه وسئل عن التقوى فقال : هل أخذت طريقا ذا شوك ؟قال : نعم ، قال : فكيف صنعت؟ قال : إذا رأيت الشوك عزلت عنه أو جاوزته أو قصرت عنه ، قال : ذاك التقوى .
وأخذ أحدهم هذا المعنى فقال :
خل الذنوب صغيرها وكبيرها فهو التقي
واصنع كماش فوق أر ض الشوك يحذر ما يرى
لا تحقرن صغيرة إن الجبال من الحصى
وأصل التقوى أن يعلم العبد ما يتق ثم يتقي . قال عون بن عبدالله رحمه الله : تمام التقوى أن تبتغي علم ما لم تعلم منها إلى ما علمت منها .
وذكر معروف الكرخي عن بكر بن خنيس رحمهما الله قال : كيف يكون متقيا من لا يدري ما يتقي .ثم قال معروف الكرخي: إذا كنت لا تحسن تتقي أكلت الربا وإذا كنت لا تحسن تتقي لقيتك امرأة ولم تغض بصرك وإذا كنت لا تحسن تتقي وضعت سيفك على عاتقك.
قال بن رجب رحمه الله : وأصل التقوى أن يجعل العبد بينه وبين ما يخافه ويحذره وقاية تقيه منه فتقوى العبد لربه أن يجعل بينه وبين ما يخشاه من ربه من غضبه وسخطه وعقابه وقاية تقيه من ذلك وهو فعل طاعته واجتناب معاصيه .
ومن ثمرات التقوى:
أنها سبب لنيل محبة الله تعالى : قال تعالى: (بَلَى مَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ وَاتَّقَى فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ)
وهي سبب لنيل رحمة الله تعالى في الدنيا والآخرة : قال تعالى: ( وَاكْتُبْ لَنَا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ قَالَ عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاءُ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآياتِنَا يُؤْمِنُونَ)
والتقوى سبب لعون الله ونصره وتأييده : قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ)
والتقوى حصن الخائف وأمانه من كل ما يخاف ويحذر ، من سوء ومكروه في الدنيا والآخرة : قال تعالى: (وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا بِمَفَازَتِهِمْ لا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ)
وهي تبعث في القلب النور وتقوي بصيرته فيميز بين ما ينفعه وما يضره : قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَاناً وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ)
والتقوى تعطي العبد قوة لغلبة الشيطان :
قال تعالى: ( إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ)
وهي وسيلة لنيل الأجر العظيم : قال تعالى: ( وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ)
وتوسيع الرزق وفتح مزيد من الخيرات : قال تعالى: (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ)
وتفريج الكرب وتيسير الأمور : قال تعالى: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً)، (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً)، (فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى(5)وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى(6)فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى)
والنصر على الأعداء ورد كيدهم والنجاة منن شرهم : قال تعالى: (بَلَى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةُ مُسَوِّمِينَ)
والعاقبة للمتقين في الدنيا والآخرة : قال تعالى: (قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ)
والمتقون هم المنتفعون بالمواعظ والهدايات : قال تعالى: ( وَمُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَهُدىً وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ)، (وَإِنَّهُ لَتَذْكِرَةٌ لِلْمُتَّقِينَ)
والتقوى صفة لأولياء الله وطريق لولاية الله : قال تعالى: (وَمَا لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَمَا كَانُوا أَوْلِيَاءَهُ إِنْ أَوْلِيَاؤُهُ إِلَّا الْمُتَّقُونَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ)، (وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ)، (أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (62)الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ(63) لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ لا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ)
وهي الميزان الذي يقرب العبد من ربه ويدنيه : قال تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ)
وهي أفضل ما يتزود به العبد في طريقه إلى الله : قال تعالى: (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ)
عَنْ أَنَسٍ قَالَ جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النبي صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي أُرِيدُ سَفَرًا فَزَوِّدْنِي ، قَالَ : (( زَوَّدَكَ اللَّهُ التَّقْوَى ،قَالَ :زِدْنِي ، قَالَ : وَغَفَرَ ذَنْبَكَ ، قَالَ : زدْنِي بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي ، قَالَ : وَيَسَّرَ لَكَ الْخَيْرَ حَيْثُمَا كُنْتَ)) رواه الترمذي . وحسنه الألباني . إلى غير ذلك من ثمرات وبركاته؛ فحري بنا أن نلزمها فهي خير زاد.
وفي الآية الكريمة جاء الأمر بعد النداء؛ ليصادف أنفسا يقظة، وأذهانا متنبهة، وأسماعا واعية، وقلوبا حية؛ فيقع منها موقع الإصابة، وتتلقاه بوعي وامتثال، وهذا من دلائل عناية الآمر- سبحانه وبحمده- بأمره، وإعداده النفوس لتلقيه.
ولعظم أهمية المحاسبة في استقامة المرء على تقوى الرب الجليل سبحانه؛ خُصت بالذكر- مع دخولها في عموم التقوي، عطفا للخاص على العام لأهميته- وجاء الأمر بالمحاسبة والنظر فيما أعده المرء لأخراه بصيغة المضارع المقرون بلام الأمر؛ إشارة لعظم هذا الأمر، ودوره الكبير في استقامة المؤمن على تقوى الله تعالى.
ومما يدعونا ويحثنا على لزوم التقوى ومحاسبة النفس: أن الدنيا فانية، وأن يوم الحساب قريب؛ لأن الساعة آتية لا ريب فيها، وكل ما هو آت قريب، ومن مات فقد قامت قيامته.
لهذا قرب تعالى الساعة من عباده حتى شبهت بما يأتي غدا- في سرعة مجيئها والتيقن من وقوعها وضرورة التأهب لها-، وأمر كل نفس أن تستعد لهذا اليوم، وتنظر لنفسها ماذا عملت من خير تدخره ليوم الحساب؟، فلينظر كل أحد إلى عمله وليستشعر قرب الساعة وأهمية الاستعداد لها قبل فوات الأوان.
ولعظم التقوى وأهميتها ووجوبها على كل من اتصف بالإيمان، تكرر ذكرها في هذه الآية توكيدا لها، فإن تقوى الله تعالى هي وصية الله للأولين والآخرين، كما قال تعالى: {ولقد وصينا الذين أوتوا الكتاب من قبلكم وإياكم أن اتقوا الله}.
ولهذا أيضا؛ جاء الأمر بعبادة الله تعالى تحقيقا للتقوى، وذلك في أول أمر ورد بعد نداء في القرآن الكريم، قال تعالى: {يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون}، وكذلك أُمرنا بالصيام تحقيقا للتقوى: {يا أيها الذين ءآمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون}.
واستفتح بالأمر بها سورتين من سور القرآن الكريم: {يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة}، {يا أيها الناس اتقوا ربكم إن زلزلة الساعة شيء عظيم}.
وعن المنذر ابن جريرٍ، عن أبيه قال: كنّا عندرسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم في صدر النّهار، قال: فجاءه قومٌ حفاة عراةمجتابي النّمار -أو: العباء- متقلّدي السّيوف عامّتهم من مضر، بل كلّهم من مضر،فتغيّر وجه رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم لما رأى بهم من الفاقة، قال: فدخل ثمّخرج، فأمر بلالًا فأذّن وأقام الصّلاة، فصلّى ثمّ خطب، فقال: {يا أيّها النّاساتّقوا ربّكم الّذي خلقكم من نفسٍ واحدةٍ} إلى آخر الآية: {إنّ اللّه كان عليكمرقيبًا} [النّساء: 1]. وقرأ الآية الّتي في الحشر: {ولتنظر نفسٌ ما قدّمت لغدٍ} تصدّق رجلٌ من ديناره، من درهمه، من ثوبه، من صاع برّه، من صاع تمره -حتّى قال-: ولو بشقّ تمرةٍ". قال: فجاء رجلٌ من الأنصار بصرة كادت كفّه تعجز عنها، بل قد عجزت،ثمّ تتابع النّاس حتّى رأيت كومين من طعامٍ وثيابٍ، حتّى رأيت رسول اللّه صلّىاللّه عليه وسلّم يتهلّل وجهه كأنّه مذهبة، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "من سنّ في الإسلام سنّةً حسنةً، فله أجرها وأجر من عمل بها بعده، من غير أن ينقصمن أجورهم شيءٌ، ومن سنّ في الإسلام سنّةً سيّئةً، كان عليه وزرها ووزر من عمل بها،من غير أن ينقص من أوزارهم شيءٌ". (تفسير ابن كثير)
ولأهمية المأمور به في الآية الكريمة اختتمت الآية بما ناسب أولها؛ زجر وتخويف وتهديد لمن لم يمتثل الأمر ويلتزم التقوى {إن الله خبير بما تعملون} فهو سبحانه جل جلاله مطلع على خفاياكم، ويعلم ما تكن صدوركم وما تعلنون؛ فمجازيكم بعملكم، فاتقوه وراقبوه في سركم وعلنكم، ففيها زجر لمن أظهر الخير وأضمر السوء.
قال السعدي: " وهذه الآية الكريمة أصل في محاسبة العبد نفسه، وأنه ينبغي له أن يتفقدها، فإن رأى زللا تداركه بالإقلاع عنه، والتوبة النصوح، والإعراض عن الأسباب الموصلة إليه، وإن رأى نفسه مقصرا في أمر من أوامر الله، بذل جهده واستعان بربه في تكميله وتتميمه، وإتقانه، ويقايس بين منن الله عليه وإحسانه وبين تقصيره، فإن ذلك يوجب له الحياء بلا محالة".
فالآية الكريمة تحثنا على لزوم التقوى بذكر فضائلها وضرورة التزامها واتباعها في كل أمر.
فعلى المؤمن أن يستصحب التقوى في كل ما يأتي وما يذر؛ فيعرض كل أمر على تقوى الله فإن تحققت أقدم وإلا فيحجم.
وعلى المرء - كلما هم بمعصيه أو دعته نفسه لسوء- أن يردعها ويخوفها، ويزجرها عن غيها ويذكرها بعاقبة المعاصي {إن الله خبير بما تعملون}
وكلما تكاسل عن الطاعات وركن إلى الدعة والسكون؛ أن يستحث نفسه ويعلي همته بوعد الله للمتقين وما أعد لهم من النعيم المقيم {للذين اتقوا عند ربهم جنات تجري من تحتها الأنهار...}
وأن يحاسب نفسه، وينظر ماذا قدم لآخرته من خير فيزكيه وينميه ويزداد، وماذا عمل من سوء فيتوب ويئوب، قبل أن يأتي {يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا وما عملت من سوء تود لو أن بينها وبينه أمدا بعيدا}
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المراجع:

تفسير عبد الرزاق لابْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ)


جامع البيان لمُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍالطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ)


معاني القرآن إِبْرَاهِيمُ بْنُالسَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ)


المحرر الوجيز لعَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَالأَنْدَلُسِيُّ (ت:546ه)


لسان العرب لجمال الدين بن منظور (ت: 711هـ)


تفسير القرآن العظيم لابْنِ كَثِيرٍالقُرَشِيُّ (ت: 774 ه)


الدر المنثور لجَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍالسُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ)


تيسير الكريم الرحمن للسعدي


لسان العرب لابن منظور.


غرائب القرآن للنيسابوري


كتيب "التقوى" ضمن سلسلة أعمال القلوب، للشيخ/ محمد صالح المنجد


رسالة: "تقوى الله فضلها وثمراتها" جمع وترتيب: النذير أبو سالم

رد مع اقتباس
  #21  
قديم 14 ذو القعدة 1438هـ/6-08-2017م, 03:55 AM
أمل عبد الرحمن أمل عبد الرحمن غير متواجد حالياً
هيئة الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
المشاركات: 8,163
افتراضي

تابع تقويم تطبيقات الأسلوب الوعظي

رقية عبد البديع أ
أحسنت بارك الله فيك ونفع بك.
لوحظ أنك أكثرتِ من النقولات المأثورة عن السلف في فضل التقوى ومعناها مع اتّفاق كثير منها في المعنى، وهذا التطويل قد يُملّ من السامع أو القاريء، والأولى أن ينتقي الكاتب من العبارات ما يفي بالغرض دون إطالة، وأذكّرك بضرورة توثيق الأحاديث والآثار من مصدر أصلي، مع مواصلة التدرّب على كتابة الرسائل الوعظية، والاستفادة من الرسائل الجيدة، وفقك الله.

رد مع اقتباس
  #22  
قديم 25 ذو القعدة 1438هـ/17-08-2017م, 08:33 AM
زينب الجريدي زينب الجريدي غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المستوى الرابع
 
تاريخ التسجيل: Sep 2015
المشاركات: 188
افتراضي

تفسير آيات سورة الإنسان"{ وَٱذْكُرِ ٱسْمَ رَبِّكَ بُكْرَةً وَأَصِيلاً } * { وَمِنَ ٱللَّيْلِ فَٱسْجُدْ لَهُ وَسَبِّحْهُ لَيْلاً طَوِيلاً } *"
بسم الله و الحمد لله و الصلاة و السلام على أشرف خلق الله سيدنا محمد صلى الله عليه و سلم و على أهله و أصحابه الطيبين الطاهرين و من جاء بعدهم إلى يوم الدين.
و بعد فهذا مجلس مبارك فيه نتدارس فيه آيات من سورة الإنسان{ وَٱذْكُرِ ٱسْمَ رَبِّكَ بُكْرَةً وَأَصِيلاً } { وَمِنَ ٱللَّيْلِ فَٱسْجُدْ لَهُ وَسَبِّحْهُ لَيْلاً طَوِيلاً }
لنتفهم معانيها و نتدبرها و نفهم المراد منها.
و بعد النطر في بعض التفاسير التي تعد من أمهات الكتب في التفسير، وجدت فيها قولين:

القول الأول هو أن المقصود بالذكر هو الصلاة و المقصود بالبكرة هي صلاة الصبح و المقصود بالأصيل صلاتي الظهر و العصر و المقصود بالليل هي صلاة العشاء، فيكون معنى الآية الحث على إقامة الصلوات الخمس، و سبحه ليلا طويلا أي قيام الليل، و هذا الرأي قاله جمع من علماء التفسير كالطبري و القرطبي البيضاوي الزمخشري و السيوطي.

و القول الثاني هو أن المقصود بالذكر التسبيح المطلق طوال النهار و الليل و أن المقصود بالآية الثانية هو قيام الليل و هذا قول بن كثير و الماوردي و الشوكاني.

و يمكن أن نجمع بين القولين في أن الله تعالى حث نبيه صلى الله عليه و سلم و المسلمين من بعده على آداء الصلوات في أوقاتها و ذكر الله و تسبيحه مطلقا آناء الليل و أطراف النهار و على صلاة قيام الليل.

و معلوم أن هذه الآيات جاءت بعد أمر النبي بالصبر على تأخر النصر و أذى المشركين فقال تعالى"{ فَٱصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلاَ تُطِعْ مِنْهُمْ ءَاثِماً أَوْ كَفُوراً }

و نفهم من خلال التفاسير أن إقامة الصلوات في وقتها و تسبيح الله تعالى و ذكره آناء الليل و النهار و قيام الليل هي من وسائل التثبيت على أحكام الله و على قدره و قضائه و على أذى البشر من المنافقين و الكفار و الأشرار،
فيا أيها المؤمن،أيها المهموم، أيها المحزون، أيها المبتلى، أيها الحائر التائه الخائف... عليك بذكرالله بقلب حاضر صادق موقن، عليك بقيام الليل بخشوع و خضوع ،بذل و انكسار، بتوبة و إنابة، و أكثر فيه من السجود و الركوع و أطل فيه القيام،و قد قال الله تعالى"و لقد نعلم أنك يضيق صدرك بما يقولون فسبح بحمد ربك و كن من الساجدين و اعبد ربك حتى يأتيك اليقين"
فالتسبيح و الصلاة هو الحل لكل هم و غم و حزن، وهو عزك أيها المؤمن و هو شرفك و هو راحة النفس و سكون القلب و طمأنينة الروح، فلا تحرم نفسك أيها الحبيب و لا تدع الشيطان يكسل نفسك عن اغتنام هذه الأوقات المباركات التي فيها تستجاب الدعوات و تنزل الرحمات و تحل المشكلات و تغفر الزلات و تكتب الحسنات و بها و باغتنامها يرضى عنك رب السماوات.
و قد قال النبي صلى الله عليه و سلم لرجل لما كثرت عليه شعائر الاسلام:"لا يزال لسانك رطبا بذكر الله"
فأخي هذه الدنيا دار عبور و هي غراس للآخرة، فتزود قبل الرحيل و أكثر من ذكر الله في الصلوات و الخلوات، آناء الليل و أطراف النهار، و أحرص على الذكر والقيام فهنا النجاة بإذن الملك الديان.

المراجع:
جامع القرآن في تفسير البيان للطبري
الكشاف للزمخشري
مفاتيح الغيب للرازي
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي
تفسير القرآن الكريم لابن كثير
أنوار التنزيل و أسرار التأويل للبيضاوي
تفسير الجلالين للمحلي و السيوطي
فتح القدير للشوكاني

رد مع اقتباس
  #23  
قديم 15 ذو الحجة 1438هـ/6-09-2017م, 10:42 PM
أمل عبد الرحمن أمل عبد الرحمن غير متواجد حالياً
هيئة الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
المشاركات: 8,163
افتراضي

تابع تقويم تطبيقات الأسلوب الوعظي

زينب الجريدي أ+
أحسنت بارك الله فيك ونفع بك.

رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
تطبيقات, على

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
إبحث في الموضوع:

البحث المتقدم
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 01:29 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir