أولا: عنوان الدرس: محبة الله والطريق الموصل إليها.
ثانياً: فئة المتلقّين: عامة المسلمين.
ثالثاً: مقاصد الدرس :
1- بيان الطريق الصحيح الموصل لمحبة الله.
2-معرفة أسباب محبة الله للعبد وتطبيقها.
3-معرفة ثمرات محبة الله.
رابعاً: العناصر الرئيسة للدرس:
1- بيان مناسبة الآية لما قبلها.
2- سبب نزول الآية.
3-مقصد الآية.
4- لماذا قدم الله سبحانه هذه الآية بفعل الأمر (قل)؟
5-من المخاطب في الآية؟
6-ما معنى محبة العبد لله تعالى؟
7-كيف يكون اتباع النبي صلى الله عليه وسلم ؟
8- ما هي الأسباب الجالبة لمحبة الله للعبد؟
9-ماهي ثمرات محبة العبد لربه؟
10-ما المراد بالمغفرة ولماذا ختم الله تعالى الآية بقوله (والله غفور رحيم) ؟
خامساً: بداية الدرس :
ستكون بعرض قصة اشتقت إليه ( http://hindamer.com/?p=661)
ثم التعليق عليها :
كيف يصل الإنسان إلى هذه المنزلة من محبة الله والشوق إليه؟
أليس كل واحدة منّا تتمنى أن تتذوق طعم الإيمان ومحبة الله والشوق إليه ؟
أليس الجميع هنا يقول أنه يحب الله؟
كيف تكون محبة العبد لله وما هي الأسباب الجالبة لمحبة الله للعبد؟
هذا ما سنعرفه في درس اليوم في تفسير قوله تعالى ( قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم).
فإن المؤمنُ إذا عرفَ ربَّه أحبَّه، وإذا أحبَّه أقبلَ إليه، وإذا وجدَ حلاوةَ الإقبال إليه لم ينظُر إلى الدنيا بعينِ الشهوة،ولم ينظُر إلى الآخرة بعين الفترة.
سادساً: خاتمة الدرس
إذن حقيقةُ المحبَّة هي: أن تهبَ كلَّك لمن أحبَبتَه حتى لا يبقَى لك منه شيءٌ، وتسبِقَ محبَّةُ الله جميعَ المحابِّ وتغلِبَها، وتكون سائرُ محابِّ العبد تبَعًا لهذه المحبَّة التي بها سعادةُ العبد وفلاحُه.
وبمِقدار ما يستكثِرُ المرءُ من حبِّ الله بمِقدار ما يشعُر بلذَّة الإيمان وحلاوتِه، ومن غمرَ قلبَه بمحبَّة الله أغناه ذلك عن محبَّة غيره وخشيتِه والتوكُّل عليه؛ فلا يُغنِي القلب ولا يسُدُّ خلَّتَه، ولا يُشبِعُ جوعتَه إلا محبَّتُه - سبحانه -.
ولو حصلَ له كلُّ ما يلتذُّ به لم يأنَس ولم يطمئِنّ إلا بمحبَّة الله - عز وجل -، وإذا فقدَها القلبُ كان ألمُه أعظمَ من ألَم العين إذا فقدَت نورَها، والأُذن إذا فقدَت سمعَها، والأنف إذا فقدَ شمَّه، واللسان إذا فقدَ نُطقَه؛ بل فسادُ القلب إذا خلا من محبَّة فاطِره وبارِئِه وإلهِه الحق أعظمُ من فساد البدَن إذا فقدَ الروح.
أسأل الله سبحانه وتعالى أن يرزقني وإياكم حبه وحب من يحبه وحب كل عمل يقربنا إلى حبه ، وأن يوفقني وإياكم إلى مرضاته إنه ولي ذلك والقادر عليه و صلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرًا إلى يوم الدين.
سابعاً: طريقة إلقاء الدرس
إلقاء الدرس في اجتماع عائلي.
ثامناً: الوسائل المساعدة
1-استخدام مكبرات الصوت.
2-سماع الآية من قارئ جيد.
3-استخدام أسلوب الأسئلة والاستفهام للتفاعل مع الحاضرين.
الدرس
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين هذا الموضوع ، موضوع مهم جدا ، وهو أسباب محبة الله للعبد ولكن قبل ذلك لابد أن نبين محبة العبد لله عز وجل لأن هذا هو أصل العبادة ، أصل العبادة محبة الله سبحانه وتعالى ، محبة العبد لله عزوجل ، فالعبادة أصلها الحب ثم بالخوف والرجاء والرغبة والرهبة والتوكل الخ أنواع العبادة ولكن أساسها ومدارها على المحبة ، محبة الله سبحانه وتعالى .
فالعبادة هي غاية الحب مع غاية الذل لله سبحانه وتعالى كما قال الإمام ابن القيم :
وعبادة الرحمن غاية حبــه ـ ـ ـ ـ مع ذل عابــده هما قطبــــان
وعليهما فلك العبادة دائـــر ـ ـ ـ ـ ما دار حتى قامت القطبـــان
ومداره بالأمر أمر رسوله ـ ـ ـ ـ لا بالهوى والرأي والشيطـان
فمحبة الله تقتضي الذل له سبحانه وتعالى والخضوع بين يديه والتقرب إليه بما شرع من أنواع العبادات الكثيرة ، فالمؤمن يحب الله محبة خالصة وكذلك يحب من يحبه الله من ملائكته وأنبيائه ورسله وعباده الصالحين وهذا يسمى الحب في الله .
وسأذكر لكم قصة قصيرة مشوقة في هذا الباب تقول فيها الأستاذة هند عامر :
يا أحباب
سأحدثكم عن حكاية صديقة تملك هدوء عجيب, وابتسامه دائمة*
لها هيبة في قلبي لحلمها, وثباتها على الحق
أسأل الله أن يديم ثباتها عليه وأن يختم بالصالحات أعمالها
دعوني أسمي صديقتي تلك باسم فاتن .. ليسهل سرد الحكاية* -
ففي أحد الأيام كنت أقف مع زميلة أخرى في أحد ممرات الجامعة, فأقبلت (فاتن)
مددت يدي لأصافحها كالعادة *فصافحتني بثقل شديد, كانت مرهقة ومتعبة ومتوترة ,
بدا وكأنها تحمل حملا ثقييييلا على كاهلها
أعرف فاتن, أعرفها جيدا..
طاقتها في الاحتمال عالية جدا, كيف وصلت لهذه الحالة من التعب,
وما هو الأمر الذي لم تستطع تحمله؟
شددت على يديها ورفعت رأسها, كان أول ما رأيته دموعا حائرة في عينيها .
همست لها: ما رأيك لو نذهب إلى مكان أكثر هدوءً ؟
وافقتني بإيمائه بسيطة
أمسكت بيدها وذهبت بها إلى مصلى الجامعة, جعلتها تجلس مستندة إلى الحائط – لشدة تعبها-
وجلست أنا بالاتجاه المقابل
كانت دموعها كسيل ممتد !!
*
سألتها: ما بك؟ مالذي حدث؟ هل توفي أحد؟ هل ……هل……..
في كل مرة كانت ترد: لا
لما استفرغت كل الأسئلة.. سألتها:
حسنا يا فاتن .. لم أرك بهذه الحالة قط, ما هو الأمر الذي زلزلك؟
جاء ردها صادما .. قالت:
(اشتقت إليه .. اشتقت إليه يا هند)
ظننتها تتحدث عن خطيبها .. إذ كان أهلها يصرون على تأجيل عقد القران
بدأت أحاول أن أريها الجانب المشرق في تأجيل الزواج.
قالت: هند .. أنا لا أتحدث عن فلان
قلت: اذن عن من تتحدثين؟
فعادت إلى نشيجها الصامت.
شددت على يديها وقلت: من هذا الذي يقتلك شوقك إليه؟
قالت:
الله .. حبيبنا جل في علاه
-
يا هند منذ مدة وأنا لم أنم,
أفكر هل سأرى الله يوم القيامة أم سأحرم من رؤيته بذنوبي؟!
كلما قرأت عن أسماء الله وصفاته وكلما رأيت شواهد رحمته زاد شوقي له,
وزاد خوفي من ذنوبي
والله أني لأتساءل كم سأعيش؟!,
ما عدت أتحمل طول الحياة لشدة شوقي إلى الله
ألا تشتاقين إلى الله يا هند؟!!
ألا تخافين من أن تحرمي رؤيته بذنوبك؟!
كل تلك الأفكار تفتك بي وتريدينني أن لا أبكي؟!
لأول مرة أشعر بعجز تام ، شعرت أن كلماتها تقرع قلبي قرعًا !
لم أدر بما ذا أجيبها !
من السهل أن تحتوي من يبكي خوفا من الله, وتردد عليه أجمل آية رجاء:
(قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ)
لكن كيف تحتوي من يبكي شوقا ؟!
بدأت أنظر إليها وأنا أحاول أن أعثر على كلاما أجيبها به
لكني تلعثمت وشعرت أن الأحرف تفر مني فرارا
بقيت فترة ثم شعرت أنه لا رغبة لي بالكلام
قمت, واستندت إلى الحائط بجوارها
وأطلقت لدموعي *العنان وأنا أستحضر أسئلتها:
ألا تشتاقين إلى الله يا هند؟!
ألا تخافين من أن تحرمي رؤيته بذنوبك؟!
كل تلك الأفكار تفتك بي وتريدينني أن لا أبكي؟!
ياترى كيف يصل الإنسان إلى هذه المنزلة من محبة الله والشوق إليه؟
أليس كل واحدة منّا تتمنى أن تتذوق طعم الإيمان ومحبة الله والشوق إليه ؟
أليس الجميع هنا يقول أنه يحب الله؟
كيف تكون محبة العبد لله وما هي الأسباب الجالبة لمحبة الله للعبد؟
هذا ما سنعرفه في درس اليوم في تفسير قوله تعالى ( قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم).
وبعد ما ذكر الله سبحانه الترهيب في الآية السابقة وختمه بالترغيب في قوله :(والله رؤف بالعباد) والرأفة تستلزم محبة المرؤف به للرؤف ، فجعلت محبة الله الحقيقية يسبقها شرط الاتباع للنبي صلى الله عليه وسلم حتى يحصل المحب على فوق ما يرجوه وهو محبة الخالق الرؤف الرحيم له فقال تعالى:(قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني...) الآية
-سبب النزول
وقد ذكر في سبب نزولها أقوال أقربها والله أعلم ما رجحه ابن جرير رحمه الله وبه قال ابن عثيمين رحمه الله : وهو أن نصارى نجران، قالوا: إنما نقول هذا في عيسى حبا لله وتعظيما له، فنزلت هذه الآية، فيكون قوله (قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني) جوابًا على قولهم ، واحتجاج من الله لنبيه صلى الله عليه وسلم ، ودليل على بطلان قولهم في المسيح .
وبعض السلف يسمي هذه الآية آية المحنة ، أي آية الابتلاء والاختبار ، فهي حاكمة على كل من ادعى محبة الله ولم يتبع الصراط المستقيم الذي دعا إليه النبي صلى الله عليه وسلم فهو كاذ في دعواه ، فالكل يدعي محبة الله وهذه الدعوى سهلة لكن الكلام على البينة ، والبينة على المدعي.
وقد خاطب الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم بقوله (قل إن كنتم) وفي هذا التعبير توكيد ومزيد عناية بهذا القول الذي أُمر أن يقوله ، لأنه أمر بالتبليغ خاص بهذا القول.
أي قل يا رسول الله لهؤلاء النصارى إن كنتم تحبون الله، والمحبة انفعال نفساني ينشأ عند الشعور بحسن شيء : من صفات ذاتية . أو إحسان ، أو اعتقاد أنّه يُحِب المستحسِنَ ويَجُر إليه الخير .
ومحبة العبد لله محبة لله نفسه لذاته ولما أنعم عليه من النعم ، وليست محبة الله كمحبة الزوجة أو الطعام أو اللباس وغير ذلك ، فإن محبة الله لا يشبهها شيء.
والله هو المألوه ، أي المعبود حبًا وتعظيمًا.
فاتبعوني : أي حققوا قولكم الذي تقولونه إن كنتم صادقين باتباعكم إياي ، فإنكم تعلمون إني رسول الله إليكم كما كان عيسى رسولا إلى من أرسل إلي ، واقتدوا بي واعملوا بما في الشريعة الإسلامية في جميع الأحوال عقيدة وقولا وفعلا وتركًا في أصول الدين وفروعه ، في الظاهر والباطن ، فمن اتبع الرسول صلى الله عليه وسلم بهذه الأربع صدق في اتباعه ، ومن خالف فهو غير صادق.
وأنواع الاتباع على التفصيل:
1-اتباعه عقيدة: بحيث تكون عقيدته على ما كان عليه الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم لا تحريف ولا تعطيل ، ولا تكييف ولا تمثيل ، ولا شك ولا تردد ، بل إيمان كامل خال من جميع الشوائب.
2-3-اتباعه في القول وكذلك في العمل : بأن لا يزيد ولا ينقص عما جاءت به الشريعة من الأقوال والأعمال.
4-وتركًا بأن يترك كل ما نهت عنه الشريعة من الأقوال والأعمال والنيات ، وترك كل ما لم يتعبد به الرسول صلى الله عليه وسلم.
وقد ثبت في الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال :" من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد" فمن تعبد بشيء لم يتعبد به النبي صلى الله عليه وسلم فهو مخالف له ومردود منه.
(يحببكم الله) كيف يحبنا الله ؟ ما هي السبل الموصلة لمحبة الله؟ ذكرها ابن القيم وقال:
أحدُها: قراءةُ القرآن بالتدبر والتفهّم لمعانيه وما أُريدَ به، كتدبّر الكتابِ الذي يحفظه العبدُ ويشرحه؛ ليتفهَّم مُرادَ صاحبه منه.
الثاني: التقرب إلى الله بالنوافل بعد الفرائض فإنها توصله إلى درجة المحبوبيَّة بعد المحبة.
الثالث: دوام ذكره على كل حال باللسان والقلب والعمل والحال فنصيبه من المحبة على قدر نصيبه من هذا الذكر.
الرابع: إيثارُ محابّه على محابّك عند غلَبَات الهوى، والتسَنُّمُ إلى محابّه وإن صَعُبَ المرتقى.
الخامس: مطالعة القلب لأسمائه وصفاته، ومشاهدتها ومعرفتها، وتقلّبه في رياض هذه المعرفة ومباديها؛ فمن عرف الله بأسمائه وصفاته وأفعاله أحبَّه لا محالة، ولهذا كانت المعطّلة والفرعونية والجهمية قطّاع الطريق على القلوب بينها وبين الوصول إلى المحبوب.
السادس: مشاهدة برِّه وإحسانه وآلائه ونعمه الباطنة والظاهرة فإنها داعية إلى محبته.
السابع: وهو من أعجبها، انكسار القلب بكليته بين يدي الله تعالى، وليس في التعبير عن هذا المعنى غير الأسماء والعبارات.
الثامن: الخلوة به وقت النزول الإلهي لمناجاته وتلاوة كلامه، والوقوف بالقلب والتأدب بأدب العبودية بين يديه، ثم ختم ذلك بالاستغفار والتوبة.
التاسع: مجالسة المحبين الصادقين، والتقاط أطايب ثمرات كلامهم كما ينتقى أطايب الثمر، ولا تتكلَّم إلا إذا ترجَّحتْ مصلحة الكلام، وعلمتَ أنَّ فيه مزيدًا لحالك ومنفعةً لغيرك.
العاشر: مباعدةُ كلِّ سببٍ يحولُ بينَ القلب وبينَ اللهِ عزَّ وجلَّ.
فمِنْ هذه الأسباب العشرة وصلَ المحبُّونَ إلى منازل المحبَّة ودخلوا على الحبيبِ، وَمَلاكُ ذلك كلِّه أمران:
- استعدادُ الرُّوحِ لهذا الشأن.
- وانفتاحُ عينِ البصيرةِ.
فحبُّ الله يحمِلُ المرءَ على فعل الواجِبات وتركِ المُحرَّمات، ويحمِلُ العبدَ على فعل المُستحبَّات، وينهَاهُ عن المكرُوهات.
حبُّ الله يملاُ القلبَ بلذَّة الإيمان وحلاوتِه، «ذاقَ طعمَ الإيمان من رضِيَ بالله ربًّا، وبالسلام دينًا، وبمُحمَّدٍ رسولاً».
وبعد أن عرفنا أسباب محبة الله للعبد ذكر الله ثمرات هذه المحبة (يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم )
ومغفرة الذنوب هي ستر الذنب والصفح عن العقوبة عليها و العفو عما مضى منها
، وعبر الله سبحانه بالفعل المضارع في قوله (يغفر)*
لأنه سبحانه لم يزل ولا يزال غفورًا ، فهو كثير المغفرة
والذنب هو المعصية ، وقد عبر عنه بجمع مضاف إلى معرفة (ذنوبكم) ليفيد العموم ، أي أنه يعفو ويصفح عن كل ذنب ومعصية وهذا من شمول رحمته.
ومن ثمرات محبة العبد لربه واتباعه لنبيه صلى الله عليه وسلم بالتفصيل:
1-محبة الله للعبد ، وهذا ما يسعى إليه كل إنسان ، فليس هناك أعظم من هذا الأمر وهو محبة الله للعبد نسأل الله من فضله.
فمن أحبه الله غفر له ذنبه ورحمه وسدده في جميع حركاته وسكناته .
2-مغفرة الذنوب ، بتيسير أسباب المغفرة للعبد ولكمال فضل الله عليه.
مجموع ما ذكره السعدي وابن عثيمين.
3- حبُّ الناسِ له والقبول في الأرض ، كما في حديث البخاري (3209) : " إذا أحبَّ الله العبد نادى جبريل إن الله يحب فلاناً فأحببه فيحبه جبريل فينادي جبريل في أهل السماء إن الله يحب فلانا فأحبوه فيحبه أهل السماء ثم يوضع له القبول في الأرض " .
3- : ما ذكره الله سبحانه في الحديث القدسي من فضائل عظيمة تلحق أحبابه فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إِنَّ اللَّهَ قَالَ : مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالْحَرْبِ وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا وَإِنْ سَأَلَنِي لأُعْطِيَنَّهُ وَلَئِنْ اسْتَعَاذَنِي لأُعِيذَنَّهُ وَمَا تَرَدَّدْتُ عَنْ شَيْءٍ أَنَا فَاعِلُهُ تَرَدُّدِي عَنْ نَفْسِ الْمُؤْمِنِ يَكْرَهُ الْمَوْتَ وَأَنَا أَكْرَهُ مَسَاءَتَهُ " رواه البخاري 6502
فقد اشتمل هذا الحديث القدسي على عدة فوائد لمحبة الله لعبده :
1- " كنت سمعه الذي يسمع به " أي أنه لا يسمع إلا ما يُحبه الله ..
2- " وبصره الذي يبصر به " فلا يرى إلا ما يُحبه الله ..
3- " ويده التي يبطش بها " فلا يعمل بيده إلا ما يرضاه الله ..
4- " ورجله التي يمشي بها " فلا يذهب إلا إلى ما يحبه الله ..
5- " وإن سألني لأعطينه " فدعاءه مسموع وسؤاله مجاب ..
6- " وإن استعاذني لأعيذنه " فهو محفوظٌ بحفظ الله له من كل سوء ..
نسأل الله من فضله.
وقد ختم الله هذه الآية بالجمع بين صفتي المغفرة والرحمة في قوله (والله غفور رحيم): للجمع بين الوقاية والعناية ، فالوقاية من شر الذنوب بالمغفرة ، والعناية بالتيسيير لليسرى وتجنيب العسرى تكون بالرحمة. ابن عثيمين
كما أنه يستفاد من الآية إثبات صفة المحبة بين العبد والرب من الجانبين
، لأن الله قال:(تحبون الله) فأثبت أن الإنسان يحب الله ، وقال (فاتبعوني يحببكم الله) فأثبت أن الله يحب الإنسان وهي محبة حقيقية خلافًا لمن أولها.
وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : إن الله إذا أحب عبدا دعا جبريل فقال :إني أحب فلانا فأحبه ،قال فيحبه جبريل ثم ينادي في السماء فيقول: إن الله يحب فلانا فأحبوه ،فيحبه أهل السماء - قال - ثم يوضع له القبول في الأرض ، وإذا أبغض عبدا دعا جبريل فيقول: إني أبغض فلانا فأبغضه، قال :فيبغضه جبريل ،ثم ينادي في أهل السماء إن الله يبغض فلانا فأبغضوه، - قال - فيبغضونه ثم توضع له البغضاء في الأرض.
-وكذلك إثبات نبوة نبينا محمد ﷺ*، لأن الله جعل اتباعه سببا لمحبة الله لعبده.
-كما يستفاد أيضا أنه كلما قوي اتباع العبد للرسول صلى الله عليه وسلم كان أكثر محبة لله وارتقى واعتلى في درجات الإيمان ونال محبة الله.
-وأنه ينبغي للإنسان حينما يعمل الصالحات أو يترك المحرمات أن يستشعر اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم.
-أن الجزاء من جنس العمل فقد قال تعالى (فاتبعوني) فجعل لاتباع برهانًا على صدق دعوى المحبة وجعل الجزاء من جنس الحال أن الله يحب العبد بسبب إيمانه ومحبته لله واتباعه أوامره.
-الحرص على التوبة والاستغفار لينال العبد بذلك رحمة الله ومغفرته لذنوبه.
-من شروط قبول العمل الصالح الاخلاص والاتباع للنبي صلى الله عليه وسلم ، فمن فقد في عمله أحد هذين الشرطين أو كلاهما فعمله مردود.
إذن حقيقةُ المحبَّة هي: أن تهبَ كلَّك لمن أحبَبتَه حتى لا يبقَى لك منه شيءٌ، وتسبِقَ محبَّةُ الله جميعَ المحابِّ وتغلِبَها، وتكون سائرُ محابِّ العبد تبَعًا لهذه المحبَّة التي بها سعادةُ العبد وفلاحُه.
وبمِقدار ما يستكثِرُ المرءُ من حبِّ الله بمِقدار ما يشعُر بلذَّة الإيمان وحلاوتِه، ومن غمرَ قلبَه بمحبَّة الله أغناه ذلك عن محبَّة غيره وخشيتِه والتوكُّل عليه؛ فلا يُغنِي القلب ولا يسُدُّ خلَّتَه، ولا يُشبِعُ جوعتَه إلا محبَّتُه - سبحانه -.
ولو حصلَ له كلُّ ما يلتذُّ به لم يأنَس ولم يطمئِنّ إلا بمحبَّة الله - عز وجل -، وإذا فقدَها القلبُ كان ألمُه أعظمَ من ألَم العين إذا فقدَت نورَها، والأُذن إذا فقدَت سمعَها، والأنف إذا فقدَ شمَّه، واللسان إذا فقدَ نُطقَه؛ بل فسادُ القلب إذا خلا من محبَّة فاطِره وبارِئِه وإلهِه الحق أعظمُ من فساد البدَن إذا فقدَ الروح.
أسأل الله سبحانه وتعالى أن يرزقني وإياكم حبه وحب من يحبه وحب كل عمل يقربنا إلى حبه ، وأن يوفقني وإياكم إلى مرضاته إنه ولي ذلك والقادر عليه و صلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرًا إلى يوم الدين.
#ملاحظة استفدت في صياغة الدرس النهائية من محاضرة الشيخ صالح الفوزان والشيخ محمد المنجد حفظهم الله.