بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله على نعمه العميمة وآلائه الجسيمة ، والصلاة والسلام على صاحب السيرة الكريمة ، والإنجازات العظيمة ، و على آله وصحبه وسلم .
أما بعد
فهذه فوائد تدبرية من قوله تعالى : ( إيّاك نعبد وإيّاك نستعين )
منها : أنّ الفاتحة هي سر القرآن ، و سرها في ( إيّاك نعبد وإيّاك نستعين ) فالأول تبرّؤ من الشرك ، والثاني تبرّؤ من الحول والقوّة ، والدين كله يرجع إلى هذين المعنيين .
ومنها : أن تقديم المفعول ( إيّاك ) يفيد الحصر ، أي لا نعبد إلا إياك ، ولا نستعين إلا بك .
ومنها : أنّ تحوّل الكلام من الغيبة إلى الخطاب يشعر العبد بالقرب من ربّه ، لأنّه لمّا أثنى على الله كأنّه اقترب وحضر بين يديه .
ومنها : أنّه جيء بالنون في الفعلين ( نعبد - نستعين ) لقصد الإخبار من الداعي عن نفسه وعن جنسه من العباد ؛ لأن المقام لمّا كان عظيما لم يستقل به الواحد استصغارا لنفسه .
ومنها : أنّ العبادة تعني التذلل والخضوع ( نعبد ) أي نتذلل لك أكمل ذل ؛ ولهذا تجد المؤمنين يضعون أشرف مالي أجسامهم في موطئ الأقدام ذلاً لله عز و جل .
ومنها : أنّ العبد هو الذي يوافق المعبود في مراده الشرعي ، فالعبادة تستلزم أن يقوم الإنسان بكل ما أمر به ، وأن يترك كل ما نُهي عنه .
ومنها : أنّه قدّم العبادة على الاستعانة من باب تقديم العام على الخاص ، ومن باب تقديم حقّه سبحانه على حقّ عبده ، ولأنّ العبادة وسيلة إلى الاستعانة ، و تقديم الوسائل سبب لتحصيل المطالب .
ومنها : أنّه ذكر الاستعانة بعدالعبادة مع دخولها فيها لاحتياج العبد في جميع عباداته إلى الاستعانة بالله .
ومنها : أنّ الاستعانة جاءت مطلقة لقصد التعميم فالعبد يحتاج إلى الاستعانة بربه في جميع أموره .
ومنها : أنّ الاستعانة نوعان :
استعانة تفويض بمعنى أن يعتمد العبد على الله ويبرأمن حوله وقوته ، وهذا خاص بالله عز وجل
استعانة بمعنى المشاركة ، وهذه جائزة إذا كان المستعان به حيًّا قادرًا على الإعانة لأنه ليس عبادة ، كما قال تعالى : ( وتعاونوا على البر والتقوى ) .
فالاستعانة بالمخلوق تجوز إذا كان المستعان به قادرا عليها ، فإنّه إن لم يكن قادرًا عليها فإنّه لا تجوز الاستعانة به .
كانت هذه الفوائد التي أعان الله على استنباطها وتدبّرها ، ونسأله سبحانه أن ينفع بها ويتقبّلها .
وصلى الله على خير البريّة ، وأزكى البشرية محمد وعلى آله وصحبه وسلم .
المراجع :
المصباح المنير في تهذيب تفسير ابن كثير .
فتح القدير للشوكاني
تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان للسعدي
تفسير القرآن الكريم لابن عثيمين