دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > العقيدة > متون العقيدة > العقيدة الواسطية

 
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #9  
قديم 22 ذو الحجة 1429هـ/20-12-2008م, 04:58 PM
فاطمة فاطمة غير متواجد حالياً
طالبة علم
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 758
افتراضي التنبيهات السنية للشيخ: عبد العزيز بن ناصر الرشيد

بلْ هُمُ الوَسَطُ في فِرَقِ الأمَّةِ؛(129)
كَما أنَّ الأمَّةَ هِيَ الوَسَطُ في الأمَمِ. (130)
( فهُمْ وَسَطٌ فِي بَابِ صِفَاتِ اللهِ سُبْحَانَهُ وتَعَالى بَيْنَ أَهْلِ التَّعْطيلِ الجَهْمِيَّةِ.(131)
وأَهْلِ التَّمْثيلِ المُشَبِّهَةِ، وهُمْ وَسَطٌ في بَابِ أَفْعَالِ اللهِ بينَ الجَبْرِيَّةِ والقَدَرِيَّةِ، [ وغيْرِهِم ] ).(132)
( وفي بَابِ وَعِيدِ اللهِ بينَ المُرْجِئةِ و [ بين ] الوَعيدِيَّةِ مِنَ القَدَرِيَّةِ وغَيْرِهِم ).(133)
( وَفي بَابِ [ أَسْماءِ ] الإِيْمانِ والدِّينِ بينَ الحَرُورِيَّةِ والمُعْتَزِلَةِ، وبَيْنَ المُرْجِئةِ والجَهْمِيَّةِ، وَفي أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ [ الرَّافِضَةِ و [ بين ] الخَوَارِجِ ).(134)



(129) قَولُهُ: وسَطٌ: يأتي بمعنى التَّوَسطِ بينَ الشيئيْنِ، ويأتي بمعنى العدلِ الخيارِ، فأهلُ السُّنَّةِ وسطٌ، أي عدولٌ خيارٌ معتدلونَ بين الطرفيْنِ المنحَرِفَيْنِ في جميعِ أمورهِم، وفي الحديثِ: ((خَيْرُ الأمورِ أَوْسَاطُهَا)).
قال عليٌّ رضي اللهُ عنه: خيرُ الناسِ النمطُ الأوسطُ الَّذي يرجعُ إليهم الغالي ويلحقُ بهم التالي، ذكرهُ ابنُ المباركِ عن محمدِ بنِ طلحةَ عن عليٍّ، وقد مدحَ اللهُ أهلَ التوسطِ بينَ الطرفينِ المنحرفيْن، ونهى اللهُ عن الإفراطِ والتفريطِ والغلوِ والتقصيرِ في غيرِ موضعٍ مِن كتابِه، قال تعالى: (وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلاَ تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ )، وقال تعالى: (وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُواْ لَمْ يُسْرِفُواْ وَلَمْ يَقْتُرُواْ وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا). وقال بعضُ السلَفِ: دينُ اللهِ بينَ المُغالي فيه والمُجافي عنْه. وفي حديثِ ابنِ عباسٍ رضي اللهُ عنه أنَّ النَّبيَّ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- قال: ((إِيَّاكُمْ وَالْغُلُوَّ فِي الدِّينِ فَإِنَّمَا أَهْلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ الْغُلُوُّ فِي الدِّينِ)) أخرجهُ النسائيُّ وابنُ ماجةَ وصححهُ ابنُ خزيمةَ، وابنُ حبانَ، وصححهُ الحاكِمُ.
والغلوُّ: هوَ المبالغةُ في الشَّيءِ والتشديدُ فيه بتجاوزِ الحدِّ، قالَ الشاعِرُ:
ولا تغلُ في شيءٍ مِن الأمرِ واقتصد كلا طرفي قصدِ الأمورِ ذميم
وفي حديثِ ابنِ مسعودٍ أنَّ رسولَ اللهِ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- قال: ((هَلَكَ الْمُتَنَطِّعُونَ)) قالها ثلاثاً،
قال ابنُ القيِّمِ رحمهُ اللهُ: ومِن كيدِ عدوِّ اللهِ إبليسَ أن يشمَّ قلبَ العبدِ، فإنْ رأى عندهُ قوةَ إقدامٍ وعلوَّ همةٍ قلَّلَ عندهُ المأمورَ وأوهمهُ أنَّه لا يكفي، وأنهُ يحتاجُ معهُ إلى مبالغَةٍ، وإنْ رأى الغالبَ عندهُ الانكفافَ والإحجامَ ثبَّطهُ عنِ المأمورِ وثقَّلهُ عليه، حتى يتركَهُ أو بعضَه، كما قال بعضُهم: ما أمرَ اللهُ بأمرٍ إلاَّ وللشيطانِ فيهِ نزغتانِ، إمَّا إلى إفراطٍ وتقصيٍر، وإمَّا إلى مجاوزةٍ وغلوٍّ، ولا يبالي بأيِّهما ظفَرَ، وقد اقتطعَ أكثرُ الناسِ إلاَّ القليلَ في هذين الوادِيينِ، انتهى.

(130)قَولُهُ: كما أنَّ هذه الأمَّةَ هي الوسطُ في الأممِ قال تعالى: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا)، أي: عَدلاً خيارًا، لتوسُّطِها بين الطَّرفين المذمُومينِ، فلم يَغلوا غلوَّ النَّصارى، ولم يُقَصِّروا كتقصيرِ اليهودِ، ولكنَّهم أهلُ وسطٍ واعتدالٍ، فهم مُعتدلون في بابِ توحيدِ اللهِ إذ كان اليهودُ يصفونَ اللهَ بالنقائِصِ ويشبِّهونه بالمخلوقِ، كما أخبرَ اللهُ عنهمْ أنهم: (قَالُواْ إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ) ونَفى عنْ نفسهِ اللغوبَ الَّذي وصفوهُ بِه، والنصارى يصفونَ المخلوقَ بصفاتِ الخالقِ التي اختصَّ بها، فلا يشركهُ فيها غيرُهُ كالإلهيةِ وغيرِهَا، وقالوا بأنَّ المسيحَ هوَ اللهُ، وقالوا: ابنُ اللهِ وثالثُ ثلاثَةٍ، وأمَّةُ محمدٍ وسطٌ يعبدونَ اللهَ -سُبْحَانَهُ وتعالَى- ويصفونَه بما وصفَ بهِ نفسَه ووصفهُ بهِ رسولُهُ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- فوصفوهُ بصفاتِ الكمالِ ونزَّهوهُ عنْ صفاتِ النَّقصِ والعيبِ، وكذلكَ في النبوَّاتِ، فاليهودُ تقتلُ الأنبياءَ، وتستكبرُ على أتباعهِم، والنَّصارى يجعلونَ مَن ليس بنبيٍّ ولا رسولٍ نبيًّا ورسولاً، وهذه الأمَّةُ تؤمنُ بجميعِ أنبياءِ اللهِ ورسلِه، وأمَّا الشرائعُ فاليهودُ منعوا الخالقَ أنْ يبعثَ رسولاً بغيرِ شريعةِ الرَّسولِ الأوَّلِ، والنصارى جوَّزوا لأحبارهمْ أنْ يُغيروا مِن الشرائعِ ما بعثَ اللهُ بهِ رُسُلَهُ، وكذلكَ في العباداتِ النصارى يعبدونهُ ببدعٍ ما أنزلَ اللهُ بها مِن سلطانٍ، واليهودُ معرضونَ عن العباداتِ، والمسلمونَ عبدوهُ بما شرعَ ولم يعبدوهُ بالبدَعِ.
وكذلكَ في حقِّ الأنبياءِ عليهم السَّلامُ، فلم يَغلوا فيهم كما غلتِ النَّصارى في المسيحِ، ولا جَفوهم كما جفتْ فيهم اليهودُ، فالنَّصارى عبدوهم واليهودُ قتلوهمْ وكذَّبوهم، والأمَّةُ الوسطى هي هذه الأمَّةُ، آمنوا بهمْ وعزَّروهم ونَصروهم، فهذهِ الأمَّةُ أفضلُ الأممِ على الإطلاقِ، قالَ اللهُ -سُبْحَانَهُ وتعالى-: (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ) وقال تعالى: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا) الآيةَ – وفي حديثِ أبي هريرةَ: ((أَنْتُمْ تُوفُونَ سَبْعِينَ أُمَّةً أَنْتُمْ خَيْرُهَا وَأَكْرَمُهَا عَلَى اللهِ)، وأمَّا قَولُهُ -سُبْحَانَهُ وتعالَى- في بني إسرائيلَ: (وَفَضَّلْنَاكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ) فالمرادُ أنه -سُبْحَانَهُ- فضَّلهمْ على عالمي زَمانِهمْ، كشعبِ بُخْتَنَصَّرَ وغيرهِمْ.

(131) قَولُهُ: فهمْ وسطٌ في بابِ صفاتِ اللهِ: أي أهلُ السُّنَّةِ وسطٌ، أيْ عدلٌ خيارٌ معتدلونَ بينَ الطرفينِ المنحرفيْنِ، فهم معتدلونَ في بابِ توحيدِ اللهِ، يصفونهُ -سُبْحَانَهُ- بما وصفَ بهِ نفسهُ وبما وصفهُ بهِ رسولهُ أعرفُ الناسِ بربهِ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- مِنْ غيرِ تعطيلٍ فلا ينْفي عنهُ ما وصفَ بهِ نفسهُ أوْ وصفهُ بهِ رسولُهُ، ولا تشبيهَ فلا يقالُ لهُ سمعٌ كأسماعِنا، ولا بصرٌ كأبصارِنا ونحوُ ذلكَ، كما قال سُبْحَانَهُ: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) فقَولُهُ: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) ردٌّ على المشبِّهَةِ، وقَولُهُ: (وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) ردٌّ على المعطلَةِ.
قَولُهُ: أهلُ التعطيلِ: أي الذين نَفوا حقائقَ أسماءِ اللهِ وصفاتهِ وعطلوهُ منها، مِن الجهميةِ والمعتزلةِ والأشاعرةِ وأشباههِم، فالجهميةُ نفَوا صفاتِ اللهِ لَفظَها ومعناها، وزعموا أنَّ إثباتَها يفضيِ إلى التشبيهِ فعطَّلوهَا، فرُّوا مِن شيءٍ ووقعوا في أشدَّ منْهُ، فإنهم لم يعطِّلوها حتى شَبَّهوا اللهَ -سُبْحَانَهُ- بخلقهِ، واعتقدوا أنَّ صفاتِ اللهِ كصفاتِ المخلوقِ، فعطلوها فرارًا منَ التشبيهِ بزعمِهِم، فوقَعوا في أشدَّ مِن ذلكَ، وهو تشبيهُه -سُبْحَانَهُ وتعالَى- بالمعدوماتِ والناقصاتِ، فشبَّهوا أوَّلاً وعطلوا ثانيًا، ثم شَبَّهوا ثالثًا، فإنَّ مَن لا صفاتَ لهُ بالكليَّةِ لا وجودَ لَهُ، فإنَّ مَن ليسَ لهُ سمعٌ ولا بصرٌ ولا قدرةٌ، ولا إرادةٌ ولا هو فوقَ ولا أسفلَ ولا يمينَ ولا شمالَ إلى آخرِ ما هوَ موجودٌ في كُتبهم ليسَ لهُ وجودٌ بالكليةِ، بلْ هوَ مقدَّرٌ في الأذهانِ لا وجودَ له في الأعيانِ، تعالى اللهُ عنْ قَولِهِمْ علوًّا كبيرًا، وكلامُ العلماءِ في ذمِّهمْ وأنهم يدورونَ على أنْ يقولوا ليسَ ثمَّ إلاَّ العدمُ المحضُ كثيرٌ، وأمَّا المعتزلةُ فأثبتوا الأسماءَ ونَفَوا المعانيَ، فيقولون إنُّهُ -سُبْحَانَهُ- سميعٌ بلا سمعٍ، بصيرٌ بلا بصرٍ، عليمٌ بلا علمٍ إلى غيرِ ذلك مما يقولونه، وتصوُرَ هذا المذهبِ كافٍ في ردِّه وإبطالِه، وأمَّا الأشاعرةُ فأثبتوا للهِ بعضَ الصفاتِ ونفَوا البعضَ، فاضطربوا وتناقَضُوا.
قَولُهُ: الجهميةُ: نسبةً إلى الجهمِ بنِ صفوانَ التِّرمذيِّ الضَّالِّ، والنسبةُ إليهِ جَهميٌّ بفتحِ الجيمِ، والجهمُ أخذَ بدعتهُ هذه، أي بدعةُ تعطيلِ الصفاتِ مِن الجعدِ بنِ درهَمٍ، فهو أولُ مَنْ تكلمَ في التعطيلِ في الإسلامِ، فقتلهُ خالدُ بنُ عبدِ الله القسريُّ بعدَ أنْ استشارَ علماءَ التابِعين فأفتَوْا بقتلِه، فخطبَ في يومِ عيدِ الأضحى فقالَ: يا أيها الناسُ ضحُّوا تقبَّلَ اللهُ ضحاياكمْ فإني مُضَحٍّ بالجعدِ بنِ درهَمٍ، فإنه زعمَ أنَّ اللهَ لم يتخذْ إبراهيمَ خليلاً ولمْ يكلمْ موسى تكليمًا، فنَزلَ فذبحهُ في أصلِ المنبرِ، قال ابن القيِّمِ رحمهُ اللهُ.


ولذا ضَحَّى بجعدٍ خالدٌ الـ=قسريُّ يومَ ذبائحِ القربانِ
إذْ قالَ إبراهيمُ ليسَ خليلَه=كلاَّ ولا موسى الكليمُ الدَّاني
شكرَ الضَّحيةَ كلُّ صاحبِ سُنَّةٍ=لله درُّكَ من أخي قربانِ

والجعدُ بنُ درهمٍ أوَّلُ مَن قال بخلقِ القرآنِ، أخذَ بدعتَه عن أبانَ بنِ سمعانَ، وأخذها أبانُ عن طالوتَ بنِ أختِ لبيدِ بنِ الأعصمِ زوجِ بنْتِه، وأخذَها لبيدُ عن يهوديٍّ باليمنِ، وأخذَ هذه البدعةَ عنِ الجعدِ الجهمُ بنُ صفوانَ التِّرمذيُّ، وأخذَ عن الجهمِ بِشرٌ المَرِّيسيُّ، وأخذها عن بشرٍ أحمدُ بنُ أبي داودَ، وأما الجهمُ بنُ صفوانَ فقتلهُ سلمُ بنُ أحوزَ أميرُ خراسانَ سنةَ مائةٍ وثمانيةٍ وستينَ، ونُسبت الطائفةُ إلى الجهْمِ؛ لأنَّه الَّذي ناضلَ عن هذا المذهبِ الخبيثِ وأظهرهُ ودعا إليهِ، وتقلدَ هذا المذهبَ الخبيثَ بعدهُ المعتزلَةُ، ولكنْ كانَ الجهمُ أدخلَ في التعطيلِ مِنهم؛ لأنَّهُ ينكرُ الأسماءَ حقيقةً وهمْ لا ينكرونَ الأسماءَ بل الصفاتِ، قال جمعٌ مِن العلماءِ في الجهميةِ: إنهم ليسوا مِن فرقِ هذهِ الأمَّةِ الثنتينِ والسبعينَ فرقَةً، منهم عبدُ اللهِ بنُ المباركِ ويوسفُ بنُ أسباطٍ وغيرُهم.
قال ابنُ القيِّمِ رحمهُ اللهُ في (النُّونيَّةِ):

ولقدْ تقلدَ كُفرَهمْ خمسونَ في=عشرٍ منَ العلماءِ في البلدانِ
واللالكائيِّ الإمامُ حكاهُ عنهم=بلْ قدْ حكاهُ قبلهُ الطبرانيِ

قالَ الشَّيخُ تقيُّ الدِّينِ بنُ تيميةَ رحمَه اللهُ: المشهورُ مِن مذهبِ الإمامِ أحمدَ وعامَّةِ أئمَّةِ السنةِ تكفيرُ الجهميةِ، وهم المعطلةُ لصفاتِ الرحمنِ، فإنَّ قَولَهُمْ صريحٌ في مناقضةِ ما جاءتْ بهِ الرسلُ من الكتابِ والسنَّةِ، وحقيقةُ قَولِهِمْ جحودُ الصانعِ وجحودُ ما أخبرَ بهِ على لسانِ رسولهِ بلْ وجميعِ الرسُلِ، ولهذا قال عبدُ اللهِ بنُ المبارَكِ: إنا لنحكي كلامَ اليهودِ والنَّصارى ولا نستطيعُ أنْ نحكيَ كلامَ الجهميَّةِ، وقال غيرُ واحدٍ من الأئمَّةِ: إنهم أكفرُ مِن اليهودِ والنصارَى.

(132) قَولُهُ: وأهلُ التمثيلِ المشبهةُ: أهلُ التمثيلِ المشبهةُ الذينَ شبَّهوا اللهَ بخلقهِ ومثَّلوه بهم – تعالى اللهُ عنْ قَولِهِمْ علوًّا كبيرًا – والتشبيهُ ينقسمُ إلى قسمينِ كما تقدَّمَ:
الأوَّلِ: تشبيهُ الخالقِ بالمخلوقِ، كما تقولُ: للهِ يدٌ كأيدينا، وعينٌ كأعيننا، وقدمٌ كأقدامنَا.
الثاني: تشبيهُ المخلوقِ بالخالقِ كتشبيهِ الأصنامِ والأوثانِ باللهِ -سُبْحَانَهُ وتعالَى عنْ ذلكَ- فإنهُ -سُبْحَانَهُ- لا شبيهَ لهُ ولا مثيلَ لهُ ولا نظيرَ، قال تعالى: (هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا)(وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ)(فَلاَ تَضْرِبُواْ لِلَّهِ الأَمْثَالَ)(لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) فالمعطِّلةُ غَلوا في النَّفيِ حتى شبَّهوه بالمعدوماتِ والناقصاتِ، والمشبهةُ غَلوا في الإثباتِ حتى شَبهوهُ بالمخلوقاتِ، وأهلُ السُّنَّةِ والجماعةِ أثبتوا للهِ الأسماءَ والصفاتِ ونفَوا عنه مشابهةَ المخلوقاتِ.
قَولُهُ: وهم وسطٌ في أفعالِ اللهِ بينَ الجبريةِ والقدريَّةِ: فالجبريةُ نفوا أفعالَ العبادِ، وزعموا أنهمْ لا يفعلونَ شيئًا ألبتَّةَ، وإنَّما اللهُ هو فاعلُ تلكَ الأفْعَالَ حقيقةً، فهي نفسُ فعلِه لا أفعَالِهم، والعبيدُ ليس لهم القدرةُ ولا إرادةٌ ولا فعلٌ ألبتَّةَ، وإنَّما أفعالُ العبادِ كحفيفِ الأشجارِ أو كحركةِ المرتعشِ والكلُّ فعلُ اللهِ، وعليهِ فسائرُ الأفعالِ طاعةٌ؛ لأنَّها موافِقةٌ لإرادَةِ اللهِ الكونيَّةِ القَدَرِيَّةِ، فالزِّنا واللِّواطُ والقتلُ وشربُ الخمرِ على هذا القولِ طاعاتٌ، وقدْ قالَ بعضُ غلاتِهمْ:

أصبحتُ منفعلاً لما يختارُهُ=ربِّي ففعلِي كلُّه طاعاتُ


ولا شكَّ في فسادِ هذا المذهبِ، وأدلَّةُ الكتابِ والسنَّةِ بل والعقلُ متواطِئةٌ على ردِّه وإبطالِه، بلْ لا يمكنُ أن تعيشَ أمَّةٌ على هذا المذهبِ الخبيثِ، أو تَنْتَظمَ أمورُها، ولاَ شكَّ أنَّ هذا المذهبَ مخالفٌ لجميعِ أديانِ الأنبياءِ، والجبريَّةُ سمُّوا بذلكَ لأنَّهم يقولونَ: إنَّا مجبورونَ على أفعالِنَا، فَغلوا في إثباتِ القَدَرِ، وزعموا أنَّ العبدَ لا فِعلَ له ألبتَّة، قال في التعريفاتِ: الجبريَّةُ مِن الجبرِ، وهوَ إسنادُ فعلِ العبدِ إلى اللهِ، والجبريَّةُ اثنانِ متوسطةٌ تثبتُ للعبدِ كسبًا في الفعلِ كالأشعريَّةِ، وخالصةٌ لا تثبتُ كالجهميَّةِ، انتهى.
ولفظُ جبرٍ لفظٌ مبتدعٌ أنكرهُ السَّلفُ، كالثوريِّ، والأوزاعيِّ، وأحمدَ، وغيرهِم، وقالوا: الجبرُ لا يكونُ إلاَّ مِن عاجِزٍ، فيقالُ جَبر كما جاءتْ بهِ السُّنَّةُ، أشارَ إلى ذلكَ الشيخُ تقيُّ الدينِ وابنُ القيِّمِ رحمهما اللهُ، وأصلُ قولِ الجبريةِ مأخوذٌ عن الجهمِ بنِ صفوانَ، فهو إمامُ المجبِّرَةِ، والجبريَّةُ عكسُ القَدَرِيَّةِ نفاةِ القَدَرِ، فإنَّ القَدَرِيَّةَ نُسبوا إلى القدرِ لنفيهمْ إياهُ، وقدْ تُسمَّى الجبريَّةُ قَدَريَّةً؛ لأنهم غَلوا في إثباتِ القَدَرِ، والتَّسميةُ على النَّافين أغلبُ: قال الشيخُ تقيُّ الدينِ في (تائيَّتهِ):

ويُدْعَى خصومُ اللهِ يومَ معادِهِمْ=إلى النَّارِ طُرًّا فرقةَ القَدَريَّةِ
سواءٌ نَفَوْا أو قد سَعَوْا ليُخَاصِمُوا=بهِ اللهَ أو مَاروا بِه للشَّريعَةِ

فالقَدَرِيَّةُ النُّفاةُ همُ الَّذين وَرَدَ فيهم الحديثُ الَّذي في السُّنَنِ أنَّهم مجوسُ هذهِ الأمَّةِ، وأكثرُ المعتزلَةِ على هذا المذهبِ الباطِلِ، فإنهم يقولونَ: إنَّ أفعالَ العبادِ وطاعتِهِمْ ومعاصيهِمْ لم تدخلْ تحتَ قضاءِ اللهِ وقدَرِه، فاللهُ -سُبْحَانَهُ وتعالَى- على زعمِهمْ لا يَقْدِرُ على أفعالِ العبادِ ولا شاءَها منهمْ، ولكنَّهم يعملونَها دونَ مشيئةِ اللَّهِ وقدرتِه، وأنَّ اللَّهَ لا يَقدِرُ أنْ يَهدِيَ ضالاً ولا يُضِلَّ مهتديًا، فأثبتوا خالِقًا مع اللَّهِ سُبْحَانَهُ، وهذا إشراكٌ مع اللَّهِ في توحيدِ الرُّبُوبيَّةِ.
قالَ الشَّيخُ تقيُّ الدِّينِ بنُ تيميةَ -رحمَه اللهُ-: "وقَولُ القدريَّةِ يتضمَّنُ الإشراكَ والتَّعطِيلَ، فإنَّه يتضمَّنُ إِخْراجَ بَعضِ الحوادثِ عن أنْ يكونَ لها فاعِلٌ، ويتضمَّنُ إثباتَ فاعِلٍ مستقِلٍّ غيرِ اللَّهِ، وهاتان شُعبتانِ مِن شُعَبِ الكُفرِ، فإنَّ أَصْلَ كُلِّ كُفرٍ هو التَّعطيلُ والشِّركُ". انتهى. (منهاج).وقد وَرَدَتْ أحاديثُ في ذمِّ القدريَّةِ وأنَّهم مجوسُ هذه الأمَّةِ، وذلك لمضُاهاةِ قولِهم لقولِ المجوسِ، فإنَّ المجوسَيُثبِتونَخالِقَيْنِ، خالِقِ الخيرِ وخالِقِ الشَّرِّ، وهما النُّورُ والظُّلمةُ، فالنُّورُ خالِقُ الخيرِ، والظُّلمةُ خالِقَةُ الشَّرِّ، وكذلك القدريَّةُ أَثْبَتوا خالِقَيْنِ: أَثْبَتوا أنَّ اللَّهَ خالِقُ الحيوانِ وأنَّ الحيوانَ يَخْلُقُ فِعلَ نَفْسِه، فمِمَّا ورَدَ في ذَمِّهِم ما رواه أبو داودَ في "سننِه" مِن حديثِ ابنِ عمرَ أنَّ النَّبيَّ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- قال: ((الْقَدَرِيَّةُ مَجُوسُ هَذِهِ الأمَّةِ، إِنْ مَرِضُوا فَلاَ تَعُودُوهُمْ، وَإِنْ مَاتُوا فَلاَ تَشْهَدُوهُمْ)). ورُوِيَ في ذمِّ القَدَرِيَّةِ أحاديثُ أُخَرُ، تكلَّمَ أهلُ الحديثِ في صِحَّةِ رَفْعِها، والصَّحيحُ أنَّها موقوفةٌ، وأوَّلُ مِن تكلَّمَ في القَدرِ معبدٌ الجهنيُّ، ثمَّ غيلانُ الدِّمشقيُّ، وكانَ ذلكَ في آخرِ عصرِ الصَّحابَةِ، وأنكرَ عليهمُ الصَّحابةُ وتبرَّءوا منهم وبَدَّعُوهم، فالجبريَّةُ غَلَوْا في إثباتِ القدَرِ، والمعتزِلَةُ غَلَوْا في نَفْيِه، وهَدى اللَّهُ أهلَ السُّنَّةِ والجَماعَةِ للقولِ الوسَطِ الَّذي تؤيِّدُه أدلَّةُ الكِتابِ والسُّنَّةِ، فأَثْبَتوا أنَّ العِبادَ فاعِلون حقيقةً، وأنَّ أفعالَهم تُنْسَبُ إليهم على جِهةِ الحقيقةِ لا على جِهةِ المجازِ، وأنَّ اللَّهَ خالِقُهم وخالِقُ أفعالِهم، كما قال: (وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ) وأثبتوا للعبدِ مَشيئةً واختيارًا تابِعَيْنِ لمشيئةِ اللَّهِ، كما قال –سبحانه-: (وَمَا تَشَاءُونَ إِلاَّ أَن يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ). وسيأتي الكلامُ على هَذِهِ المباحِثِ إنْ شاءَ اللَّهُ.
133) قولُه: وفي بابِ وعيدِ اللَّهِ: الوعيدُ: التَّخوِيفُ و التَّهديدُ، فالوعيدُ والإيعادُ في الشَّرِّ، وأمَّا الوَعْدُ والعِدَةُ ففي الخيرِ، كما قال الشَّاعرُ:
وإنِّي وإنْ أوْعدتُه أوْ وعَدْتُه لمُخْلِفُ إِيعَادِي ومُنْجِزُ مَوْعِدي
قولُه: المُرْجِئةُ: المُرْجِئةُ نسبةٌ إلى الإرجاءِ، أيْ: التَّأخيرِ؛ لأنَّهم أخَّروا الأعمالَ عن الإيمانِ، حَيْثُ زَعَموا أنَّ مرتكبَ الكبيرةِ غيرُ فاسقٍ، وأنَّ النَّاسَ في الإيمانِ سواءٌ، فإيمانُ أفْسَقِ النَّاسِ كإيمانِ الأنبياءِ، وأنَّ الأعمالَ الصَّالِحةَ ليست مِن الإيمانِ، ويكذِّبون بالوعيدِ والعِقابِ بالكُلِّيَّةِ، ومذهبُهم باطلٌ تردُّه أدلَّةُ الكِتابِ والسُّنَّةِ، ولا شكَّ أنَّ هذا المذهبَ مِن أخبثِ المذاهبِ وأفسدِها؛ إذ يدعو إلى الانسلاخِ مِن الدِّينِ وإهمالِ جميعِ الأعمالِ، واستباحةِ جميعِ المنكَراتِ، وهؤلاء أَحدُ فِرَقِ المبتَدِعةِ، قال الشَّيخ تقيُّ الدِّينِ: "لا تختلفُ نصوصُ أحمدَ أنَّه لا يكفِّرُ المُرْجِئةَ، فإنَّ بِدعَتَهم مِن جِنسِ اختلافِ الفقهاءِ في الفروعِ" والمُرْجِئةُ فِرقتانِ:
الأُولى: الذين قالوا: إنَّ الأعمالَ ليست مِن الإيمانِ، وهُم مع كونِهم مبتدعةً في هَذَا القولِ فقد وافَقوا أهلَ السُّنَّةِ على أنَّ اللَّهَ يعذِّبُ مَن يعذِّبُه مِن أهلِ الكبائرِ بالنَّارِ، ثم يخرِجُهم بالشَّفاعةِ، كما جاءتْ به الأحاديثُ الصَّحيحةُ، وعلى أنَّه لا بُدَّ في الإيمانِ أنْ يتكلَّمَ به بلسانِه، وعلى أنَّ الأعمالَ المفروضةَ واجبةٌ وتارِكُها مستحِقُّ للذَّمِّ والعِقابِ، وقد أُضِيفَ هَذَا القولُ إلى بعضِ الأئِمَّةِ مِن أهلِ الكوفةِ.
أما الفِرقةُ الثَّانيةُ: فهم الذين قالوا: إنَّ الإيمانَ هُوَ مجرَّدُ التَّصدِيقِ بالقلبِ، وإنْ لم يَتكلَّمْ به، ولا شكَّ في فسادِ هَذَا القولِ، ومصادمَتِه لأدلَّةِ الكِتابِ والسُّنَّةِ، فإنَّ الإيمانَ قولٌ باللِّسانِ، وعملٌ بالأركانِ، واعتقادٌ بالجَنَانِ، فإذا اخْتَلَّ واحدٌ مِن هَذِهِ الأركانِ لم يكُن الرَّجُلُ مؤمِنا، وعلى هَذَا أدلَّةُ الكِتابِ والسُّنَّةِ، ودَرَج على هَذَا السَّلَفُ الصَّالِحُ مِن الصَّحابةِ والتَّابِعينَ ومَن بعدَهم مِن أئِمَّةِ المسلِمِينَ. انتهى. مِن كلامِ شيخِ الإسلامِ ابنِ تيميَةَ -رَحِمَهُ اللَّهُ- بتصرُّفٍ.
قولُه: الوعيديَّةُ: وهُم القائِلون بالوعيدِ، وهُوَ أصْلٌ مِن أصولِ المعتزِلة، وهُوَ أنَّ اللَّهَ لا يَغفِرُ لمرتكبِ الكبيرةِ إلاَّ بالتَّوبةِ، وأنَّ أهلَ الكبائرِ مخلَّدون في النَّارِ، ويخرِجُونهم مِن الإيمانِ بالكُلِّيَّةِ، ويكذِّبون بشفاعةِ النَّبيِّ -صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ- وغيرِه زعْمًا منهم أنَّه إذا أوْعَدَ عبيدَه فلا يجوزُ أنْ يعذِّبَهم ويُخلِفَ وعيدَه، وهَذَا المذهبُ يقولُ به المعتزِلةُ والخوارجُ، وهُوَ باطلٌ تردُّه أدلَّةُ الكِتابِ والسُّنَّةِ المتواترةُ والإجماعُ، قال اللَّهُ تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ) قال في (فَتحِ المَجِيدِ): وفي الآيةِ ردٌّ على الخوارجِ المكفرِّين بالذُّنوبِ، وعلى المعتزِلةِ القائِلينَ بأنَّ أصحابَ الكبائرِ يخلَّدون في النَّار، وليسوا عندهم بمؤمِنين ولا كفارٍ، ولا يجوزُ أنْ يُحمَلَ قولُه سبحانه: (وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ) على التَّائبِ، فإنَّ التَّائبَ مِن الشِّركِ مغفورٌ له، كما قال تعالى: (قُلْ يعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُواْ عَلَى أَنفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُواْ مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذَّنُوبَ جَمِيعًا) فهُنا عَمَّمَ وأَطْلَقَ؛ لأنَّ المرادَ هنا التَّائبُ، وهناك خصَّ وعلَّقَ؛ لأنَّ المرادَ به مَن لم يَتُبْ، هَذَا ملخَّصُ كلامِ شيخِ الإسلامِ تقيِّ الدِّينِ -رَحِمَهُ اللَّهُ-.
أمَّا القولُ الوسَطُ الذي عليه أهلُ السُّنَّةِ والجَماعَةِ فهُوَ أنَّ الفاسِقَ معه بعضُ الإيمانِ، وأصلُه معه جميعُ الإيمانِ الواجبِ الذي يستوجِبُ به الجَنَّةَ، فهُوَ تحت مشيئةِ اللَّهِ إنْ عفى عنه أدخَلَه الجَنَّةَ مِن أوَّلِ وهلةٍ، وإلاَّ عذَّبه بقدْرِ ذُنوبِه، ثم أدخَلَه الجَنَّةَ، فلا بدَّ له مِن دخولِ الجَنَّةِ، فلا يُعطَى الإيمانَ المطلَقَ، ولا يُسلَبُ عنه مُطلَقُ الإيمانِ، بل يُقالُ مؤمِنٌ بإيمانِه، فاسِقٌ بكبيرتِه، أو يقالُ مؤمِنٌ ناقصُ الإيمانِ، وهَذَا هُوَ الحقُّ الذي دلَّتْ عليه أدلَّةُ الكِتابِ والسُّنَّةِ، ودَرَج عليه السَّلَفُ الصَّالِحُ، عَكْسَ ما عليه الخوارجُ والمعتزِلةُ والمُرْجِئةُ، فالمُرْجِئةُ في طرَفٍ، والخوارجُ والمعتزِلةُ في طرَفٍ آخَرَ، فالخوارجُ والمعتزِلةُ غَلَوْا، والمُرْجِئةُ جَفَوْا، فالمُرْجِئةُ يقولونَ: لا يَضُرُّ مع الإيمانِ ذنبٌ، والخوارجُ يقولون: يكفَّرُ المسلمُ بكُلِّ ذنبٍ. وَكَذَلِكَ المعتزِلةُ يقولون: يَحبَطُ إيمانُه كُلُّه بالكبيرةِ فلا يبقى معه شيءٌ مِن الإيمانِ، لكنَّ الخوارجَ يقولون: يَخرجُ مِن الإيمانِ، ويدخُلُ في الكُفْرِ، والمعتزِلةُ يقولون: يخرجُ مِن الإيمانِ، ولا يدخُلُ في الكُفرِ، بل يكونُ في منزِلةٍ بَيْنَ مَنـزِلتَيْنِ، وبقولِهم بخروجِه مِن الإيمانِ أوْجَبوا له الخلودَ في النَّارِ، وكِلاهما مخالِفٌ للسُّنَّةِ المتواترةِ ولإجماعِ سلَفِ الأمَّةِ وَأئِمَّتِها.
وأمَّا استدلالُهم بقولِه سبحانه: (لاَ يَصْلاَهَا إِلاَّ الأَشْقَى) فقدْ بَيَّنَ النَّبيُّ -صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ- أنَّ هَذَا الصِّلِيَّ لأهلِ النَّارِ الذين هم أهلُها، كما في حديثِ أبي سعيدٍ، وأنَّ الذين ليسوا هُم مِن أهلِها، فإنِّها تُصيبُهم بذُنوبِهم، وأنَّ اللَّهَ يُميتُهم فيها حتَّى يصيروا فَحْما، ثم يُشَفَّعُ فيهم فيخرجون، ويؤتَى بهم إلى نَهرِ الحياةِ فيَنبُتون كما تَنْبُتُ الحبَّةُ في حميلِ السَّيلِ، وهَذَا المعنى مستفِيضٌ عن النَّبيِّ -صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ- بل متواتِرٌ في أحاديثَ كثيرةٍ في الصَّحيحَيْنِ وغيرِهما مِن حديثِ أبي سعيدٍ وأبي هريرةَ وغيرِهما، قال والصِّلِيُّ المذكورُ في الآيةِ هُوَ الصِّلِيُّ المطلَقُ، وهُوَ المُكْثُ فيها والخلودُ على وجهٍ يَصِلُ العذابُ إليهم دائما، فأمَّا مَن دخَلَ وخَرَجَ فإنَّه نوعٌ مِن الصِّلِيِّ المطلَقِ. انتهى. مِن كلامِ شيخِ الإسلامِ ابنِ تيميَةَ -رَحِمَهُ اللَّهُ- بتصرُّفٍ.

(134) قولُه: وفي بابِ أسماءِ الإيمانِ والدِّينِ: أيْ أنَّ هؤلاء تَنازعوا في الأسماءِ والأحكامِ أيْ: أسماءِ الدِّينِ: مِثلَ مسلمٍ وكافرٍ وفاسقٍ، وَكَذَلِكَ في أحكامِ هؤلاء في الدُّنْيَا والآخرةِ، فالخوارجُ والمعتزِلةُ متَّفِقونَ في اسمِ الدِّينِ مِثلَ مؤمنٍ ومسلمٍ وفاسقٍ وكافرٍ، إلاَّ أنَّ المعتزِلةَ أحْدَثوا المنـزِلةَ بَيْنَ المنـزِلتَيْنِ، وَهَذِهِ خاصَّةُ المعتزِلةِ التي اختُصُّوا بها دونَ غيرِهم دونَ سائرِ أقوالِهم، فقد شارَكهم فيها غيرُهم، فالخوارجُ والمعتزِلةُ يقولون: إنَّ الدِّينَ والإيمانَ قولٌ وعملٌ واعتقادٌ، ولكنْ لا يَزيدُ ولا يَنقُصُ، ومَن أتى كبيرةً كفَرَ عندَ الحَروريَّةِ، وصار فاسقًا عندَ المعتزِلةِ في منـزلةٍ بَيْنَ المنـزِلتَيْنِ، لا مؤمِنٌ ولا كافرٌ. وأمَّا الحُكمُ، فالمعتزِلةُ وافَقوا الخوارجَ على حُكمِهم في الآخرةِ، فعندَهم أنَّ مَن أتى كبيرةً فهُوَ خالدٌ مخلَّدٌ في النَّارِ لا يَخرجُ منها لا بشفاعةٍ ولا بغيرِ شفاعةٍ، أمَّا في الدُّنْيَا فالخوارجُ حَكَموا بكفرِ العاصي واستحَلُّوا دَمَه ومالَه، وأمَّا المعتزِلةُ فحَكَموا بخروجِه مِن الإيمانِ ولم يُدخِلُوه في الكفرِ، ولم يستحِلُّوا منه ما استحلَّتْهُ الخوارجُ، وقابَلتُهم المُرْجِئةُ والجهميَّةُ ومَن اتَّبعَهُم، فقالوا: ليس مِن الإيمانِ فِعلُ الأعمالِ الواجبةِ، ولا تَرْكُ المحظوراتِ البَدَنيَّةِ، فإنَّ الإيمانَ لا يَقبلُ الزِّيادةَ ولا النُّقصانَ، بل هُوَ شيءٌ واحدٌ يَستوي فيه جميعُ المؤمنينَ مِن الملائكةِ والمقتَصِدينَ والمُقرَّبِينَ والظَّالِمينَ، فالمُرْجِئةُ يقولون: الإيمانُ مجرَّدُ التَّصديقِ، والجهميَّةُ يقولون: مجرَّدُ المعرفةِ، والأعمالُ ليست مِن الإيمانِ، فإيمانُ أفسقِ النَّاسِ كإيمانِ الأنبياءِ والمرسَلينَ، وقالوا: لا يَضُرُّ مع الإيمانِ ذنْبٌ، فالخوارِجُ والمعتزِلةُ غَلَوْا، والمُرْجِئةُ والجهميَّةُ جَفَوا، وهَدى اللَّهُ أهلَ السُّنَّةِ والجَماعَةِ للقولِ الوَسَطِ، وهُوَ كما تَقدَّمَ أنَّ الإيمانَ والدِّينَ قولٌ وعملٌ واعتقادٌ، وأنَّه يَزيدُ ويَنقُصُ، وأنَّ صاحبَ الكبيرةِ مؤمنٌ بإيمانِه، فاسقٌ بكبيرتِه، أو مؤمنٌ ناقصُ الإيمانِ، وأمَّا حُكمُه في الآخرةِ، فهُوَ تحتَ مشيئةِ اللَّهِ، إنْ شاءَ عفا عنه، وأدخَلَه الجَنَّةَ مِن أوَّلِ وهلةٍ، وإلاَّ عذِّبَ بقَدْرِ ذُنوبهِ ثم دخَلَ الجَنَّةَ، فلا بدَّ له مِن دخولِ الجَنَّةِ، هَذَا هُوَ القولُ الحقُّ الذي تدلُّ عليه أدلَّةُ الكِتابِ والسُّنَّةِ، وعليه السَّلَفُ الصَّالِحُ والأئِمَّةُ.
قولُه: الحروريَّةُ: هم الخوارجُ، سُمُّوا حروريَّةً نسبةً إلى قريةِ حَروراءَ بالفتحِ والمَدِّ، قريةٌ بالعراقِ قريبةٌ مِن الكوفةِ اجتمعوا فيها حين خرجُوا على عليٍّ -رضي اللَّهُ عنه- فسُمِّيَ الخوارجُ حَروريَّةً.
وأمَّا المعتزِلةُ فهم أصحابُ واصلِ بنِ عطاءٍ الغزَّالِ، اعتزلَ عن مجلِسِ الحسَنِ البصريِّ، وأخَذَ يقرِّرُ أنَّ مرتكبَ الكبيرةِ لا مؤمنٌ ولا كافرٌ، ويُثبِتُ له المنـزِلةَ بَيْنَ المنـزِلتَيْن. فقال الحسَنُ: قد اعتزلَ عنَّا واصِلٌ، ويُلقَّبُون بالقَدَريَّةِ لإسنادِهم أفعالَ العِبادِ إلى قُدْرتِهم، وقالوا: إنَّ مَن يقولُ بالقدَرِ خيرِه وشرِّه مِن اللَّهِ أولى باسمِ القَدَريَّةِ، ويردُّه قولُه -صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ-: ((القَدَريَّةُ مَجوسُ هَذِهِ الأمَّةِ)). ولَقَّبوا أنْفُسَهم بأصحابِ العدلِ والتَّوحيدِ، لقولِهم بوُجوبِ الأصلحِ على اللَّهِ، وقولِهم بنَفْي الصِّفاتِ، وبأنَّ كلامَه مخلوقٌ مُحدَثٌ، وبأنَّه غيرُ مَرئيٍّ في الآخرةِ، ويجِبُ عليه رعايةُ الحكمةِ في أفعالِه، وثوابُ المطيعِ والتَّائبِ، وعِقابُ صاحبِ الكبيرةِ، ثم افترَقوا عشرين فِرقةً يكفِّر بعضُهم بعضا.
قولُه: الرَّافضةُ: من الرَّفْضِ وهُوَ التَّرْكُ، سُمُّوا بِذَلِكَ؛ لأنَّهم قالوا لِزَيدِ بنِ عليِّ بنِ الحُسينِ بنِ أبي طالِبٍ: "تبرَّأْ مِن الشَّيخَيْنِ أبي بكرٍ وعُمرَ –رضي اللَّهُ عنهما-" فقال: "معاذَ اللَّهِ، وَزِيرا جَدِّي" فتركوه ورَفضوه، فسُمُّوا رافِضةً، والنِّسبةُ رافضيٌّ، والرَّافِضةُ فِرقٌ شتَّى، قد تكفَّلَ الشَّيخُ تقيُّ الدِّينِ بنُ تيميَةَ ببَيانِ مذهبِهم والردِّ عليهم في كتابِه (منهاجِ السُّنَّةِ) ويُلقَّبون بالشِّيعةِ، وكان هَذَا اللَّقَبُ في الأصلِ للذين ألَّفُوه في حياتِه كسلْمانَ وأبي ذَرٍّ والمقدادِ وعمارٍ وغيرِهم، ثم صار بعد ذلك لقبًا على مَن يَرى تفضيلَه على كُلِّ الصَّحابةِ، ويرى أمورًا أُخْرى لا يَرضاها عليٌّ ولا أَحدٌ مِن ذُرِّيَّتِه ولا غيِرهم ممَّن يُقتدَى به، قال في (المنهاجِ): سُمُّوا بالشِّيعةِ لمَّا افْترَقَ النَّاسُ فِرقتَيْنِ: فرقةٌ شايَعتْ أولياءَ عثمانَ، وفرقةٌ شايَعتْ عليًّا –رضي اللَّهُ عنه-. ولم يكونوا يُسَمَّوْن رافضةً في ذلك الوقتِ، وإنَّما سُمُّوا رافضةً لمَّا خرجَ زيدُ بنُ عليِّ بنِ الحسينِ في الكوفةِ في خلافةِ هشامِ بنِ عبدِ المَلِكِ، فسألَتْهُ الشِّيعةُ عن أبي بكرٍ وعُمرَ فتَرَحَّم عليهما فرَفَضَه قومٌ. فقال: رفضتموني فسُمُّوا رافضةً، وتولاَّه قومٌ فسُمُّوا زَيْديَّةً لانتسابِهم إليه. انتهى.
قال الشَّيخُ تقيُّ الدِّينِ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: "أوَّلُ مَن ابتدعَ الرَّفضَ عبدُ اللَّهِ بنُ سبأٍ، وكان منافقًا زِنديقًا أرادَ إفسادَ دينِ الإسلامِ، كما فَعلَ بولس صاحبُ الرسائلِ التي بأيدي النَّصارى، حَيْثُ ابتدعَ لهم بِدعًا أفسَدَ بها دِينَهم –وكان يهوديًّا – فأظْهَرَ النَّصرانيَّةَ نفاقًا لقَصدِ إفسادِ مِلَّتهِم، وَكَذَلِكَ كانَ ابنُ سبأٍ يهوديًّا فأظْهرَ الإسلامَ والتَّنسُّكَ والأمرَ بالمعروفِ والنَّهْيَ عن المنكَرِ، ليتمكَّنَ بِذَلِكَ مِن أغراضِه الفاسدةِ، فسعى في فتنةِ عثمانَ بنِ عفَّانَ وقتْلِه، ثم لما قَدِمَ الكوفةَ أظْهَرَ الغُلُوَّ في عليِّ بنِ أبي طالبٍ، فبَلَغ ذلك علِياًّ فطلَبه ليَقتُلَه فهرب إلى قرقيسا". انتهى.
والرَّافضةُ مِن أخبثِ الطَّوائِفِ حتى أخْرجَهُم بعضُ العلماءِ مِن فِرقِ الأُمَّةِ، ورُوِيَ عن الشَّعْبيِّ أنَّه قال: أحذِّرُكم هَذِهِ الأهواءَ المُضِلَّةَ وشَرُّها الرَّافِضةُ، لم يدخلوا في الإسلامِ رغبةً ولا رهبةً، ولكنْ مَقْتاً لأهلِ الإسلامِ، وبَغْياً عليهم، قد حرَّقَهُم عليُّ بنُ أبي طالبٍ ونفاهُم إلى البُلدانِ، منهم عبدُ اللَّهِ بنُ سبأٍ – يهوديٌّ مِن أهلِ صنعاءَ نفاه إلى ساباط – وعبدُ اللَّهِ بنُ يسارٍ – نَفاهُ إلى خازر – وكلامُ أهلِ العِلمِ في ذمِّهِم كثيرٌ جداًّ.
وأمَّا الخوارجُ فسُمُّوا بِذَلِكَ لخُروجِهم على عليِّ بنِ أبي طالبٍ -رضي اللَّهُ عنه- ومفارقَتِهم له، وقد ثَبَتَ أنَّ النَّبيَّ -صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ- قال: ((تمرُقُ مارِقةٌ على حينِ فُرْقةٍ مِن النَّاسِ، تقتُلُهم أوْلى الطَّائفتَيْنِ بالحَقِّ)) فخَرجوا في زَمَنِ عليِّ بنِ أبي طالبٍ -رضي اللَّهُ عنه- فقتَلَهُم عليٌّ وطائفتُه. وقال -صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ- في حقِّهم: ((يَحْقِرُ أَحَدُكُمْ صَلاَتَهُ مَعَ صَلاَتِهِمْ، وَصِيَامَهُ مَعَ صِيَامِهِمْ، وَقِرَاءَتَهُ مَعَ قِرَاءَتِهِمْ، يَقْرَؤونَ الْقُرآنَ لاَ يُجاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ، يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ، أَيْنَمَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاقْتُلُوهُمْ، فَإِنَّ فِي قَتْلِهِمْ أَجْراً عِنْدَ اللَّهِ لِمَنْ قَتَلَهُمْ يَوْمَ القِيَامَةِ)). وقد روى مسلمٌ أحادِيثَهم في "صحيحِه" مِن عشَرةِ أوجُهٍ، واتَّفقَ الصَّحابةُ على قِتالِهم، وفي التِّرْمِذِيِّ عن أبي أمامةَ الباهِليِّ عن النَّبيِّ -صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ- في الخوارجِ: ((إِنَّهُمْ كِلاَبُ أَهْلِ النَّارِ)). وقرأ هَذِهِ الآيةَ (يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ). وقال الإمامُ أحمدُ: "صحَّ الحديثُ في الخوارجِ مِن عشَرةِ أوجُهٍ". وقد خرجَّها مسلمٌ في "صحيحِه"، وخرَّجَ البخاريُّ طائفةً منها، وقال الشَّيخُ تقيُّ الدِّينِ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: الخوارجُ هم أوَّلُ مَن كفَّرَ المسلِمِينَ بالذُّنوبِ، ويكفِّرونَ مَن خالَفهم في بِدْعَتِهم، ويَستحِلُّون دمَه ومالَه، وأوَّلُ بدعةٍ حَدَثتْ في الإسلامِ بدعةُ الخوارجِ والشِّيعةِ حديثًا في أثناءِ خلافةِ أميرِ المؤمنينَ عليِّ بنِ أبي طالبٍ، فعاقَبَ الطَّائفتَيْنِ، أمَّا الخوارجُ فقاتَلُوه فقتَلَهم، وأمَّا الشِّيعةُ فحرَّقَ غالبيتَهُم بالنَّارِ، وطلبَ قتْلَ عبدِ اللَّهِ بنِ سبأٍ فهرَبَ منه، وأمَرَ بجَلْدِ مَن يُفضِّلُه على أبي بكرٍ وعمَرَ، وروي عنه من وُجوهٍ كثيرةٍ، أنَّه قال: خيرُ هَذِهِ الأمَّةِ بعد نبِّيها أبو بكرٍ وعمرُ. ورواهُ عنه البخاريُّ في "صحيحِه". انتهى.
فالخوارجُ والرَّافضةُ في أصحابِ رسولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- في طرَفَيْ نَقيضٍ، فالرَّافضةُ غَلَوْا في عليِّ بنِ أبي طالبٍ وأهلِ البيتِ، وكفَّروا جميعَ الصَّحابةِ كالثَّلاثةِ، ومَن وَالاهُم وفسَّقُوهم، ويكفِّرون مَن قاتلَ علِياًّ، ويقولون إنَّ علياًّ إمامٌ معصومٌ، وقالوا: لا ولاءَ إلا ببراءٍ، أيْ لا يتولَّى أحدٌ علياًّ حتى يتبرَّأَ مِن أبي بكرٍ وعمرَ، وقد تَقدَّمَ الكلامُ عليهم.
وأمَّا الخوارجُ فإنهم يكفِّرون علياًّ وعثمانَ ومَن وَالاهُما، وأمَّا أهلُ السُّنَّةِ والجَماعَةِ فقولُهم في الصَّحابةِ وسَطٌ لم يَغْلُوا غُلُوَّ الرَّافضةِ، ولم يَجْفُوا كالخوارجِ، بل وَالَوْا جميعَ الصَّحابةِ وأَحَبُّوهم وعرَفُوا فضْلَهُم وأنْزَلُوهم مَنازِلَهُم التي يستحِقُّونها، فلم يَغمِطوهم حقَّهُم، ولم يَغْلُوا فيهم واعتقدوا أنَّهم أفْضلُ هَذِهِ الأمَّةِ عِلماً وعَملاً، فرِضوانُ اللَّهِ عليهم أجمعين.


 

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
أهل, وسطية

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 02:39 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir