دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > برنامج إعداد المفسر > خطة البناء في التفسير > منتدى المسار الثالث

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 3 محرم 1444هـ/31-07-2022م, 07:50 AM
هنادي الفحماوي هنادي الفحماوي غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المستوى الخامس
 
تاريخ التسجيل: Sep 2019
المشاركات: 283
افتراضي

بسم الله الرحمن الرحيم
رسالة في قاعدة المحبة لابن تيمية
أولا:مقاصد الرسالة :
١-'المقصد الأول:
محبة الله أصل القيام بالأعمال

مسائله:
المحبة والبغض أصل الفعل والترك.
معنى محبة الله ومراتبها.
حركات الموجودات أنواعها والفرق بينها.
أنواع العلل في الحركات وموقف الفرق منها
لوازم وجود المحبوب: الارادة والقدرة
اصناف الناس تبعا لاختلاف القدروالارادة.
اثبات كمال الله من باب الارادة والقدرة والعلة ..
المقصد الثاني:
علاقة المحبة بالإيمان:

مسائله:
المحبة الحمودة والمذمومة
محبة الله أصل العبادة.
العمل المحبوب وطرق الاستدلال عليه.
المعاصي خلل في محبة الله
حكم اجتماع السيئات والحسنات والثواب والعقاب في العبد الواحد
معاملة الله لأوليائه وأعدائه.

المقصد الثالث: المحبة أصل الأديان:
مسائله:
معنى الدين لغة واصطلاحا
الدين ضرورة للفرد والمجتمع
أصول الدين الأربعة وأثر التفريق بينها
أنواع التحالفات بين الناس
المحبة لله توجب جهاد أعداء الدين.
المقصد الرابع: حقيقة الاكرام والاهانة في الدنيا
مسائله:
فتنة ابتلاء المؤمن وتنعيم الكافر في الدنيا
أقوال الفرق ابتلاء المؤمن وتنعيم الكافر
سبيل النجاة من الفتنة

ثانيا: المقاصد الفرعية للرسالة:
١- محبة الله أصل القيام بالأفعال
٢- علاقة المحبة بالإيمان.
٣- المحبة أصل الأديان.
٤- حقيقة الإكرام والإهانة في الدنيا.

ثالثا: المقصد الكلي للرسالة:
أهمية المحبة في توحيد الله والعمل لأجله.

تلخيص الرسالة :
المقصد الأول: محبة الله أصل القيام بالأعمال
:
مسائله:
١- المحبة والبغض أصل القيام بالأعمال:
الحب والإرادة أصل كل فعل ومبدؤه والبغض والكراهة أصل كل ترك .
فوجود الفعل لا يكون إلا عن حب لهذا المحبوب أو محبة للازمه مثل أن يفعل ما يكره من الأشياء كشرب الدواء لمحبة ملزومها وهو العافية والصحة .
وكذلك يخالف هواه ويترك ما يحب لمحبته رحمة الله والنجاة من عذابه ..
والبغض للشيء صاد عن فعل الشيء فقد يكون عدم الفعل لعدم مقتضيه من المحبة ولوازمها أو لوجود مانعه من البغض والكراهة.
٢- معنى محبة الله ومراتبها:
أثبت الله في كتابه وعلى لسان رسوله أنه تعالى محب لعباده المؤمنين فقال تعالى في كتابه العزيز(فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه) فوصف نفسه بالمحبة للمؤمنين وجاء بيان تلك المحبة وآثارها على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم حيث قال ( يقول الله تعالى من عادى لي وليا فقد بارزني بالمحاربة وما تقرب إلي عبدي بمثل ما افترضت عليه ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بهل فبي يسمع ويبصر بي وبي يمشي ولئن سألني لأعطينه ولئن أعاذني لأعيذنه ).

وأما عن محبة العبد لربه فهي رأس الإيمان وشرطه ومن المعلوم أن قوة المحبة يتفاوت فيها الناس تفاوتا عظيما فمحبة المؤمنين لربهم أعظم المحبات (والذين آمنوا أشد حبا لله) ..
ومن علامات حب المؤمن أن يحب العبد الله أكثر من أهله وماله بل ومن نفسه فلا يغليها على الله فيجاهد في سبيل إعلاء كلمته والذود عن دينه.
محبة كلام الله وأسمائه وصفاته فمحبة سورة الإخلاص وتكرارها كانت سببا في إدخال صاحبها الجنة.
ومحبة ملائكة الله وأنبيائه وعباده الصالحين
اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم فيما أمر به واجتناب ما نهى عنه فيؤدي الفرائض ويكثر من النوافل كما جاء في الحديث الصحيح (وما تقرب إلي عبدي بمثل أداء ما افترضته عليه ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل…) الحديث.
ولا ريب أن مرتبة الخلة التي اختص بها الله إبراهيم عليه السلام إمام الحنفاء ومحمد صلى الله عليه وسلم خاتم الأنبياء والمرسلين لهي أعظم المراتب في المحبة وأقصاها كما ثبت ذلك في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم( إن الله قد اتخذني خليلا كما اتخذ إبراهيم خليلا).
ثم تأتي مرتبة السابقين وهي مرتبة تقتضي محبة جميع ما أوجبه الله وبغض ما حرمه الله ووجود إرادة للواجبات إرادة تامة ومحبة ما أحبه الله من النوافل محبة تامة
تليها مرتبة المقتصدين: وهي مرتبة المحبين لله ورسوله صلى الله عليه وسلم والقيام بجميع الواجبات والابتعاد عن المحرمات ولكنهم لا يعملون الكثير من المستحبات كالسابقين المقربين.

وقد يستعمل البعض لفظة العشق في حق الله وهي ما أنكرها معظم أهل العلم لوجهين :
الوجه الأول من جهة اللفظ فقالوا: لم يؤثر هذا اللفظ عن السلف في باب الأسماء والصفات فلا يطلق إلا ما يرد به الأثر. وقال بعضهم أن هذا من الإسرائيليات التي أمرنا بالوقوف فيها فيما لم يرد في شرعنا ما يصدقها أو يكذبها.
الوجه الثاني من جهة اللفظ أن هذا اللفظ يستعمل في محبة جنس النكاح ومقدماته. ولكن استعماله في محبة الله قد يوهم معنى فاسدا قد يصل إلى حد الكفر تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا.
أما الوجه الآخر لرد هذا المسمى في حق الله هو الوجه المعنوي: أن العشق هو فساد إما في الإرادة فيزيد على القصد الواجب فيكون كالمرض بل أن حب الله ليس له حد حتى يكون فيها زيادة أو إفراط بل الواجب أن يكون الله ورسوله أحب إلى العبد مما سواهما.
وقد يكون العشق فساد في العلم والإدراك فيخيل للعاشق المعشوق على خلاف ما هو به ولو أنه أدركه على حقيقته لم يبلغ ذلك المبلغ من الحب والله منزه عن هذا فمحبة المؤمنين له ليس عن اعتقاد فاسد بل هو المنزه عن النقص كامل الصفات ..

٣ -حركات الموجودات أنواعها والفرق بينها:

أما الحركات للموجودات فإنها لا تخرج عن ثلاثة أنواع:
- حركات طبعية أصلها السكون لا يشعر بها ولكنها وفق طبع المتحرك.
- حركة قسرية لا يشعر بها ولكنها على خلاف طبع المتحرك..
- حركة اختيارية عن إرادة وشعور .
وبذلك تكون الارادية هي الأصل والطبعية والقسرية فرع لها..
ومن هذا يعرف أن جميع الحركات ناشئة عن الإرادة والاختيار فلا يصح أن يضاف خلق شيء من المخلوقات إلى الطبع لأن الطبع لا يكون مبدئا للحركة فالطبع هو بمنزلة السكون
وما خرج من حركة في الكون خارجة عن قدرة المخلوقات فهي بملائكة الله الموكلة بالسماوات والأرض قال تعالى:(فالمدبرات أمرا) وقال أيضا:(فالمقسمات أمرا)

٤- أنواع العلل في المخلوقات وموقف الفرق منها:
أما العلل فهي إما علة فاعلية أو علة غائية ولا يصلح أن يستقل أي مخلوق بعلة تامة قط فلا يصدر عن مخلوق واحد شيء قط ولا يصدر شيء إلا عن اثنين من المخلوقات..
ولا يصلح أن يكون شيء من المخلوقات علة غائية تامة لأن ليس في المخلوقات كمال مقصود. فكل المخلوقات يجتمع فيها النقصان أولهما أن أحدها لا يكون علة تامة والنقص الآخر أن ما كان علة فله علة ..
فسبحان الله رب كل شيء مالك السماوات والأرض وخالقهما..
فهو الكامل المقصود بالتأليه والعبادة هي غاية مقصودة منها ولها.
وقد شهدت كثير من النصوص القرآنية بأن جميع المخلوقات متعبدة لله طوعا وكرها بحكم ألوهيته وربوبيته؛ (سبح لله ما في السماوات والأرض وهو العزيز الحكيم)
ولكن كثير من الناس الذين يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا يربطون بين ظاهر حركات الموجودات وبين أسبابها القريبة وبعض حكمها ويرون أنها العلة لها فاعلا وغاية وهذا غلط عظيم فهم يضيفونها الى مجرد قوة في الجسم ولا يفهمون الحكمة الغائية من هذه المخلوقات وهي عبادة ربها سبحانه وتعالى
فقد تتنازع طوائف مثل القدرية والمتفلسفة في تحديد فاعل هذه الامور وما يتعلق بتوحيد الربوبية دون شهادة الغاية لهذه الأمور وهو توحيد الألوهية.
لكن أهل العلم يضيفون جميع الحوادث إلى خلق الله ومشيئته وربوبيته ويقرون ان هذا لحكمة ولغاية عبادته سبحانه على الوجه الذي يناسب خلقة كل مخلوق..

٥-لوازم وجود المحبوب لله: الإرادة والقدرة وأصناف الناس تبعا لهما:
كل حي له إرادة وعمل وكل متحرك فإن أصل حركته المحبة والارادة والقدرة على هذه الحركة..
وقد اختلف الناس في هذين الأمرين على أربعة أصناف:
- قوم لهم قدرة ولهم إرادة ومحبة غير مأمور بها فهم يفرغون جهدهم في ما حرم الله كالفواحش.
- قوم لهم إرادة صالحة ومحبة كاملة لله وقدرة كاملة كالسابقين الأولين من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان إلى يوم الدين.
-قوم فيهم إرادة صالحة ومحبة لله قوية تامة لكن قدرتهم ناقصة فهم يأتون بمحبوبات الحق من مقدورهم ولا يتركون مما يقوون عليه شيئا لكن قدرتهم قاصرة ومحبتهم كاملة.
- قسم قدرته قاصرة وإرادته للحق قاصرة وفيه من إرادة الباطل فهم ضعفاء المجرمين..

٦- إثبات كمال الله من باب الإرادة والقدرة والعلة:
الله هو رب كل شيء ومليكه وهو رب العالمين لا رب لشيء إلا هو فهو العلة الأولى لكل المخلوقات وهو علة تامة فاعلية يفعل لا علة له وهو علة غائية كل ما خلقه من مخلوقات تألهه طوعا وكرها ..
وهو الذي يخلق الأشياء ويفنيها متى أراد وشاء .

ب- المقصد الثاني علاقة المحبة بالإيمان:
مسائله

١- المحبة المحمودة والمحبة المذمومة.
المحبة المحمودة هي المحبة النافعة التي تجلب لصاحبها ما ينفعه وهو السعادة والشارة المذمومة التي تجلب لصاحبها ما يضره وهو الشقاء.
أصل المحبة المحمودة التي أمر الله بها وخلق خلقه لأجله هي عبادته وحده لا شريك له .أما المحبة المذمومة هي التي تقع فيها الشركة ..
فحب الله وعبادته أصل السعادة ورأسها وهي سبب النجاة من العذاب
وأهل التوحيد أحبوا الله وحده وعبدوه لا شريك له وجماع القرآن هو الأمر بتلك المحبة ولوازمها والنهي عما يضادها..
وهي أصل دعوة الرسل صلوات الله عليهم (اعبدوا الله ما لكم من إله غيره) وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( لا يجد طعم الإيمان إلا من كان فيه ثلاث أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما…).
والحي العالم لا يختار أن يحب ما يضره ولكن قد يحصل ذلك عن جهل وظلم..
فتجهل النفس حال ما تحبه بدون أن تعلم ما في محبته من منفعة أو مضرة لها. وقد يكون عن اعتقاد فاسد بأن يتبع الظن والهوى..

٢- محبة الله أصل العبادة:
أصل الإيمان العملي هو حب الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم..وحب الله أصل التأليه الذي هو عبادة الله وحده لا شريك له.
فالإسلام هو اجتماع المحبة والخضوع لله.
لذلك كانت محبة المؤمنين أشد من محبة المشركين لربهم إذ أن من يتخذ من دون الله أندادا ويدعوه من دون الله فإنه يحبه لأن أصل العبادة المحبة.
وقد سمى الشرع حب المحبوبات المعظمة لغير الله بالتعبد لما جاء في الحديث الصحيح: تعس عبد الدرهم تعس عبد الدينار تعس عبد القطيفة تعس عبد الخميصة…..إن أعطي رضي وإن منع سخط
فالإنسان متى أحب شيء رضي بوجوده وسخط لفقده كان فيه من التعبد بقدر ذلك.
وسبب الميل لهذه الأشياء أن الله خلق عباده لعبادته التي تجمع محبته وتعظيمه فإذا كان في القلب ما يجد حلاوته من الإيمان والتوحيد له احتاج أن يستبدل بذلك ما يهواه فيتخذ تلك المحبوبات الها ويعظمها..

٣- العمل المحبوب لله وطرق الاستدلال عليه:
العمل المحبوب لله هو ما كان صالحا نافعا مشروعا عدلا..
كل عمل صالح هو نافع لصاحبه والعكس وكل نافع صالح فهو مشروع وكل ما كان صالحا مشروعا فهو حق عدل وبالعكس.
فكيف يستدل الناس على هذا العمل الموصوف بتلك الصفات؟
.١- الاستدلال بالنص: أن يعلم أن الله أمر بهذا الفعل وشرعه فيعلم من هذا وجوب كونه طاعة لله ورسوله ويجب أن يكون صالحا نافعا وأن يكون عدلا حقا .
٢- الاستدلال بالاستصلاح والاستحسان: أن يعلم بكون الشيء صالحا أو عدلا أو حسنا ثم يستدل بذلك على كونه مشروعا.
والطريقة الثانية فيها خطر كبير والغلط فيها كثير لخفاء صفات الأعمال ولا يعلم بها كما ينبغي إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ولا يكون العمل محمودا صحيحا إلا ما وافق النصوص؛ قال مجاهد " أفضل العبادة الرأي الحسن وهو اتباع السنة" قال تعالى ( ويرى الذين أوتوا العلم الذي أنزل إليك من ربك هو الحق). وكان السلف يسمون أهل الآراء المخالفون للسنة والشريعة في مسائل الاعتقاد الخبرية ومسائل الأحكام العملية أهل الأهواء لأن الرأي المخالف للسنة جهل لا علم.
ونهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن اتباع أهواء الخلق (ولا تتبع أهواءهم واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك) وذلك يتضمن النهي عن اتباع أهواء أحد في خلاف شريعته وسنته وكذا أهل الأهواء من هذه الأمة .
٣- المعاصي خلل في محبة الله:
الإنسان لا يفعل الحرام إلا لضعف إيمانه ومحبته..
فلا يفعل الفواحش إلا لضعف الإيمان في أصله أو كماله أو ضعف العلم والتصديق أو ضعف المحبة والبغض.
فإذا كان أصل الإيمان صحيحا وهو التصديق فإن هذه المحرمات يفعلها كع كراهته وبغضه لها لغلبة الشهوة عليه. فلا بد أن يكون مع فعلها بغض لها وخوف من عقاب الله له ورجاء لأن يخلص منها بتوبة أو حسنات أما إذا لم يوجد ذلك البغض والخوف والرجاءلا يكون مؤمنا بل كافر أو منافق
قال رسول صلى الله عليه وسلم (لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن )
وقد يكون شركا أكبر أو شركا أصغر بحسب ما يقترن به من الإيمان فمتى اقترن بما نهي الله عنه الإيمان لتحريمه وبغضه ورجاء الرحمة لم يكن شركا أكبر.
أما إن اتخذ الإنسان ما يهواه إلها من دون الله وأحبه كحب الله فهذا شرك أكبر..
وقد يفعل المؤمن المعصية جاهلا بحكمها او ضررها فعلى المؤمن أن يعرف الشرور الواقعة ومراتبها في الكتاب والسنة كما يعرف الخيرات الواقعة ومراتبها في الكتاب والسنة فيقدم ما هو أكثر خيرا وأقل شرا على ما هو دونه ويدفع أعظم الشرين باحتمال أدناهما ويجتلب أعظم الخيرين بفوات أدناهما.
وإذا علم ذلك فلا بد أن يقترن بعلمه العمل الذي أصله محبته لما يحبه الله ورسوله وبغضه لما يبغضه الله ورسوله وما اجتمع فيه الحبيب والبغيض المأمور أعطى كل ذي حق حقه.

٤- حكم اجتماع السيئات والحسنات والثواب والعقاب في العبد الواحد:
الإنسان فيه ظلم وجهل فإذا غلب عليه رأي أو خلق استعمله في الحق والباطل جميعا مثال ذلك أن من الناس من يكون في خلقه سماحة ولين ومحبة فيسمح بمحبته وتعظيمه ونفعه وماله للحسن الذي يحبه الله ويأمر به كمحبة الله ورسوله وأوليائه المؤمنين والإنفاق في سبيله ويسمح أيضا بمحبة الفواحش والإنفاق فيها فتجده يحب الحق والباطل جميعا ويصدق بهما ويعين عليهما .
ففي الإنسان قوتان قوة البغض وقوة الحب وإنما خلق ذلك فيه ليحب الحق ويبغض الباطل فهؤلاء الذين يحبهم الله ويحبونه ولكن قد يميل إلى شهوة ما من شهوات البطن والفرج وينفق المال فيهما وبسبب ما فيه من الحب والدين يحب الحق وأهله كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في خمار كان يشرب الخمر كثيرا "لا تلعنه إنه يحب الله ورسوله".

٥- معاملة الله لأوليائه وأعدائه:
أصل الموالاة هي المحبة وأصل المعاداة البغض فالتحاب يوجب التقارب والتباغض يوجب التباعد
فأولياء الله الذين يحبهم ويحبونه يقربهم منه ويدنيهم إليه ويتولاهم ويتولونه ويحبهم ويرحمهم ويكون عليهم منه صلاة.(أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون)
بينما أعداؤه يبعدهم ويلعنهم وهو إبعاد منه ومن رحمته ويبغضهم ويغضب عليهم (عليهم دائرة السوء وغضب الله عليهم ولعنهم وأعد لهم جهنم وساءت مصيرا)

ج- المقصد الثالث: المحبة أصل الأديان.
مسائله:

١- معنى الدين لغة واصطلاحا:
يفسر الدين بالعادة ومنه الديدن أي عادته اللازمة .
ودان يكون من الأعلى القاهر ويكون من المطيع ، يقال : دنته فدان أي قهرته فذل ويقال في الأعلى : كما تدين تدان.
وأما دين المطيع فيستعمل متعديا ودائما ولازما؛ يقال: دنت الله ودنت لله لأن فيه معنى الطاعة والعبادة ومعنى الذل.
دان الله فهو قولك: أطاع الله وأحبه
دان لله: ذل لله وخشع لله.
والدين الذي يدين به الناس في الباطن والظاهر لا بد فيه من الخضوع والحب بخلاف طاعتهم للملوك ونحوهم فإنه خضوع ظاهر.
وسمى الله يوم القيامة بيوم الدين (مالك يوم الدين): قال ابن عباس: يوم يدين الله العباد بأعمالهم إن خيرا فخيرا وإن شرا فشرا وذلك يتضمن جزاءهم وحسابهم.
فالدين هو من الأعمال الباطنة والظاهرة وهو الطاعة والعبادة والخلق فهو الطاعة الدائمة اللازمة التي قد صارت عادة وخلقا فيفسر الدين بالعادة والخلق ويفسر الخلق بالدين ، قال تعالى (وإنك لعلى خلق عظيم ) قال ابن عباس: على دين عظيم.
٢- الدين ضرورة للفرد والمجتمع:
كل طائفة من بني آدم لا بد لهم من دين يجمعهم إذ لا غنى لبعضهم عن بعض وأحدهم لا يستقل بجلب منفعته ودفع مضرته فلا بد من اجتماعهم .
واجتماعهم يشركهم في اجتلاب ما ينفعهم كطلب نزول المطر لمحبتهم له. ويشتركون أيضا في دفع ما يضرهم مثل عدوهم وذلك بغضهم له
فاشتراكهم في محبة شيء عام وفي بغض شيء عام هذا هو دينهم المشترك العام.
وإذا كان كذلك فالأمور التي يحتاجونها يحتاجون أن يوجبوها على أنفسهم والأمور التي تضرهم يحتاجون أن يحرموها على أنفسهم وذلك دينهم.
وهذا من الدين المشترك بين جميع بني آدم من التزام واجبات ومحرمات وهو الوفاء والعهد.
والدين الحق هو طاعة الله وعبادته ولا يستحق أحد أن يطاع ويعبد على الإطلاق إلا الله ورسله وأولوا الأمر يطاعوا إذا أمروا بطاعة الله ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من أطاعني فقد أطاع الله ومن أطاع أميري فقد أطاعني ومن عصاني فقد عصى الله ومن عصى أميري فقد عصاني.
فإذا كان لا بد لكل آدمي من اجتماع ولا بد في كل اجتماع من طاعة ودين وكل دين وطاعة لا يكون لله فهو باطل فكل دين سوى الإسلام فهو باطل.
الدين جماعه شيئان: تصديق الخبر وطاعة الأمر والتنعم بالخبر بحسب شرفه وصدقه والمؤمن معه من الخبر الصادق عن الله وعن مخلوقاته ما ليس مع غيره فهو من أعظم الناس نعيما بخلاف منةيكثر في أخبارهم الكذب.
وطاعة الأمر فإن كان ما يؤمر به صلاحا وعدلا يكون تنعمه به أعظم من تنعم من يؤمر بما ليس بصلاح ولا عدل ولا نافع.
٣- أصول الدين الأربعة وأثر التفريق بينها:
يقوم الدين على أصول لا يصلح إلا باجتماعها:
الأصل الأول : المحبوب المطاع
الأصل الثاني : صورة الطاعة .
الأصل الثالث: الثواب والعقاب
الأصل الرابع:التشريع
فلا بد في كل دين من معبود وعبادة ، والمعبود إله واحد والعبادة طاعته وطاعة رسوله وهذا هو الدين الذي ارتضاه الله (ورضيت لكم الاسلام دينا) وهو دين المؤمنين من الأولين والآخرين ولا يقبل الله من أحد غيره كمن عبد من لا يعبد أو عبد بماا لا يصلح أن يعبد به
وهذان الأصلان جاءت فيهما الشريعة فجاءت في أسماء الله وصفاته وجاءت في صفات العبادات
وجاءت في نعت اليوم الآخر وما فيه من الأسماء والصفات والوعد والوعيد والثواب والعقاب
وهذه الأصول الثلاثة هي الموجبة للسعادة في كل ملة ثم الشرع الأصل الرابع وهو ما جاءت به الرسل
فهذه الأصول الأربعة متلازمة والتفرق في ذلك بالأمر في بعضه والنهي عن بعض هو من التفرق والاختلاف الذي ذمته النصوص (وإن الذين اختلفوا في الكتاب لفي شقاق بعيد) وقد غضب النبي صلى الله عليه وسلم لما اختلف الصحابة في القراءة وقال (إن القرآن نزل على سبعة أحرف فاقرؤوا منه ما تيسر) وغضب لما تنازعوا في القدر..
لأن التفرق والاختلاف يوجب الشرك وينافي حقيقة التوحيد الذي هو إخلاص الدين كله لله.
فإذا كان الدين لله حصل الإيمان والطاعة وإذا لم يكن فلا بد أن يكون لكل قوم ما يمتازون به مثل معظم مطاع أو معبود لم يأمر الله بعبادته وطاعته ومثل قول ودين ابتدعوه لم يأذن الله به ولم يشرعه.
وكل طائفة من بني آدم محتاجون الى التزام واجبات وترك محرمات فإذا لم يكن مقصود الدين الموضوع إلا جلب المنفعة الدنيوية فليس لهؤلاء في الآخرة من خلاق وقد يكون ليستولي كبيرهم على غيره من بني آدم كفعل فرعون وجنكيز خان فهؤلاء من أشد الناس عذابا يوم القيامة .
٤- أنواع التحالفات بين الناس:
لا يستطيع بني آدم العيش بدون تحالف واتفاق على جلب النفع ودفع الضر، فكان الوفاء بالعهود من الأمور التي اتفق أهل الأرض على إيجابها.
واشتراكهم في الجلب والدفع إما أن يكون تبعا لتعاقدهم وهو التحالف أو يكون بأمر آمر مطاع فيهم.
فالمطاع قد يكون بحق وهو ما أمر الله بطاعته من أنبيائه وأولي الأمر من المؤمنين وطاعة الوالدين أو يكون بغير حق كطاعة الطواغيت وهو كل ما عظم بباطل.
وكل قوم لا تجمعهم طاعة مطاع في جميع أمورهم فلا بد لهم من التعاقد والتحالف فيما لم يأمرهم به المطاع.
فإما أن يكونوا على شريعة منزلة من عند الله أو على شرعة غير منزلة وضعها بعض المعظمين فيهم بنوع قدرة وعلم .
وتظهر تلك التحالفات التي لا ترد إلى الشريعة حين تدرس آثار النبوة فيتحالف قوم على طاعة ملك أو شيخ أو طاعة بعضهم لبعض. كما كان العرب في جاهليتهم يتحالفون.
وكذلك ما يوجد من التحالف بالتآخي وغير التآخي للملوك والمشايخ ..
وقد يكون تحالفا يحبه الله كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: لقد شهدت حلفا مع عمومتي في دار عبد الله بن جدعان ما يسرني بمثله حمر النعم ولو دعيت إلى مثله في الإسلام لأجبت. ويسمى حلف المطيبين.
٥- المحبة لله توجب جهاد أعداء الدين:
فإذا كان جميع ما عليه بنو آدم لا بد فيه من تعاون وتناصر وفيه ما هو شرك بالله وفيه ما هو قول على الله بغير علم وفيه ما هو إثم وبغي وفيه ما هو من الفواحش علم أنه لا بد في الإيمان من التعاون والتناصر على فعل ما يحبه الله ودفع ما يبغضه الله..
وهذا هو الجهاد في سبيل الله وأن أمر الإيمان لا يتم بدون ذلك..
وصلاح بني آدم بأن يكون الدين كله لله وتكون كلمة الله هي العليا

د- المقصد الرابع:
حقيقة الإكرام والإهانة في الدنيا:

مسائله:
١- فتنة ابتلاء المؤمن وتنعيم الكافر في الدنيا:
(فأما الإنسان إذا ما ابتلاه ربه فأكرمه ونعمه فيقول ربي أكرمن وأما إذا ما ابتلاه فقدر عليه رزقه فيقول ربي أهانن كلا)
يقرر الله في هذه الآيات أن إسباغ النعمة ومنعها كليهما ابتلاء واختبار للعبد فإن الواجب عليه الشكر في الرخاء والصبر في الشدة ، قال النبي صلى الله عليه وسلم : لا يقضي الله للمؤمن قضاء إلا كان خيرا له وليس ذلك لأحد إلا المؤمن إن أصابته سراء فشكر كان خيرا له وإن أصابته ضراء فصبر كان خيرا له.
ولكن يقع غلط أكثر الناس أنه قد أحس بظاهر من لذات أهل الفجور وذاقها ولم يذق لذات أهل البر وهذا لعدم شهود حقيقة الإيمان ووجود حلاوته مع ما في النفوس من الظلم مانعا لها من عظيم نعمة الله ..
٢- أقوال الفرق في ابتلاء المؤمن وتنعيم الكافر:
بداية تنازع الناس فيما ينال الكافر من التنعم هل هو نعمة في حقه؟
قالت القدرية : لم يرد الله لكل أحد إلا خيرا له بخلقه وأمره وإنما العبد هو الذي اراد لنفسه الشر بمعصيته وبترك طاعته التي يستعملها بدون مشيئة الله وقدرته . فيقولون إن نعمة الكافر نعمة تامة كما هي للمؤمن ولكن أحدهما اهتدى بنفسه من غير نعزة خاصة أخرى من الله والآخر ضل بنفسه من غير خذلان من الله .
رد عليهم فريق من أهل إثبات القدر فقالوا ليس لله على الكافر نعمة دنيوية كما ليس له عليه نعمة دينية تخصه إذ اللذة المستعقبة ألما أعظم منها ليست بنعمة فهذه النعم كانت سببا في عذابه وعقابه
وخالفهم آخرون من أهل الإثبات فقالوا: بل لله على الكفر نعم دنيوية وقد دل القرآن على امتنانه على الكفار بنعمه ومطالبته إياهم بشكرها. وخطاب الكفار بها من جهة ما هي تنعم ولذة وسرور ولم تسم في حقهم نعمة على الخصوص وإنما تسمى نعمة في حق عموم بني آدم لأن المؤمن سعد بها في الدنيا والآخرة والكافر ينعم بها في الدنيا.
٣- سبيل النجاة من الفتنة:
أن يعرف العبد أن الابتلاء بالسراء والضراء قد يكون في باطن الأمر مصلحة للعبد أو مفسدة له وأنه إن أطاع الله بذلك كان مصلحة له وإن عصاه كان مفسدة له ..
فالناس يختلف حال صلاحهم فمنهم من يكون صلاحه على السراء ومنهم من يكون صلاحه على الضراء ومنهم من يصلح على هذا وهذا ومنهم من لا يصلح على واحد منهما
والإنسان قد تجتمع له هذه الأحوال الأربعة في أوقات متعددة أو في وقت واحد وقد جاء في الحديث المرفوع "أن من عبادي من لا يصلحه إلا الفقر ولو أغنيته لأفسده ذلك وإن من عبادي من لا يصلحه إلا السقم ولو أصححته لأفسده ذلك وذلك أني أدبر عبادي إني بهم خبير بصير".
فالتنعم العاجل قد يكون بلاء وشرا والطاعة المتقدمة قد تكون حابطة وسببا للشر باعتبار ما يعقبها من ردة وفتنة والمعصية المتقدمة قد تكون سببا للخير باعتبار التوبة والصبر على ما تعقبه من مصيبة
هذا يقتضي أن العبد محتاج في كل وقت إلى الاستعانة بالله على طاعته وتثبيت قلبه.
فإن الإنسان كما قال الله فيه ( ولئن أذقنا الإنسان منا رحمة ثم نزعناها منه إنه ليؤوس كفور) فهو عند الضراء بعد السراء ييأس من زوالها ويكفر بما أنعم الله به عليه قبلها وعند النعماء بعد الضراء يأمن من عود الضراء في المستقبل وينسى ما كان فيه (إنه لفرح فخور).
ووصفه بالظلم والجهل (إنه كان ظلوما جهولا)
إلا (الذين صبروا وعملوا الصالحات) والصبر في السراء قد يكون أشد ولهذا قال أحد الصحابة : ابتلينا بالضراء فصبرنا وابتلينا بالسراء فلم نصبر.
ولذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم يستعيذ بالله من فتنة القبر وشر فتنة الغنى .
فالمؤمن يفعل ما أمر الله به من البر والتقوى دون ما نهي عنه من الإثم والعدوان كل بحسب قدرته..
لذلك وجب تقوية الإرادة الصالحة والقدرة عليها بحسب الإمكان وتضعيف الإرادة الفاسدة والقدرة معها بحسب الإمكان.
وهذا مما يظهر به حسن حال المؤمن وترجحه في اللذة على الكافر في الدنيا قبل الآخرة .
ومن المعين أيضا سلامة الاعتقاد بأن الله أرسل رسله وأنزل كتبه رحمة عامة للخلق وأمر عباده بما فيه صلاحهم ونهاهم عما فيه فسادهم فلا يأمر بشيء لحاجته له ولم يمنع شيئا بخلا منه.
وأخبر تعالى أنه لا يريد لنا الحرج بل إتمام النعمة والتيسير في أمورنا فلا ضرر ولا فساد في كل ما أمر الله به بل المصلحة كل المصلحة في أوامر الله ونهيه.
فمن اتقى وجاء بما أمر الله وانتهى عما نهى الله كان خيرا له في الدنيا والآخرة ومن عصى فإن باب التوبة والاستغفار ما زال مفتوحا حتي يأتيه اليقين.
فالصبر على الضراء مما أوجبه الله وأحبه كما أوجب الشكر على النعماء وأحبه فيكون ما قدر للمؤمن من سراء معها شكر وضراء معها صبر خيرا له كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (لا يقضي الله للمؤمن قضاء إلا كان خيرا له….) الحديث.

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 10 محرم 1444هـ/7-08-2022م, 01:38 PM
إدارة برنامج الإعداد العلمي إدارة برنامج الإعداد العلمي غير متواجد حالياً
هيئة الإشراف
 
تاريخ التسجيل: May 2019
المشاركات: 2,051
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة هنادي الفحماوي مشاهدة المشاركة
بسم الله الرحمن الرحيم
رسالة في قاعدة المحبة لابن تيمية
أولا:مقاصد الرسالة :
١-'المقصد الأول:
محبة الله أصل القيام بالأعمال

مسائله:
المحبة والبغض أصل الفعل والترك.
معنى محبة الله ومراتبها.
حركات الموجودات أنواعها والفرق بينها.
أنواع العلل في الحركات وموقف الفرق منها
لوازم وجود المحبوب: الارادة والقدرة
اصناف الناس تبعا لاختلاف القدروالارادة.
اثبات كمال الله من باب الارادة والقدرة والعلة ..
المقصد الثاني:
علاقة المحبة بالإيمان:

مسائله:
المحبة الحمودة والمذمومة
محبة الله أصل العبادة.
العمل المحبوب وطرق الاستدلال عليه.
المعاصي خلل في محبة الله
حكم اجتماع السيئات والحسنات والثواب والعقاب في العبد الواحد
معاملة الله لأوليائه وأعدائه.

المقصد الثالث: المحبة أصل الأديان:
مسائله:
معنى الدين لغة واصطلاحا
الدين ضرورة للفرد والمجتمع
أصول الدين الأربعة وأثر التفريق بينها
أنواع التحالفات بين الناس
المحبة لله توجب جهاد أعداء الدين.
المقصد الرابع: حقيقة الاكرام والاهانة في الدنيا
مسائله:
فتنة ابتلاء المؤمن وتنعيم الكافر في الدنيا
أقوال الفرق ابتلاء المؤمن وتنعيم الكافر
سبيل النجاة من الفتنة

ثانيا: المقاصد الفرعية للرسالة:
١- محبة الله أصل القيام بالأفعال
٢- علاقة المحبة بالإيمان.
٣- المحبة أصل الأديان.
٤- حقيقة الإكرام والإهانة في الدنيا.

ثالثا: المقصد الكلي للرسالة:
أهمية المحبة في توحيد الله والعمل لأجله.

تلخيص الرسالة :
المقصد الأول: محبة الله أصل القيام بالأعمال
:
مسائله:
١- المحبة والبغض أصل القيام بالأعمال:
الحب والإرادة أصل كل فعل ومبدؤه والبغض والكراهة أصل كل ترك .
فوجود الفعل لا يكون إلا عن حب لهذا المحبوب أو محبة للازمه مثل أن يفعل ما يكره من الأشياء كشرب الدواء لمحبة ملزومها وهو العافية والصحة .
وكذلك يخالف هواه ويترك ما يحب لمحبته رحمة الله والنجاة من عذابه ..
والبغض للشيء صاد عن فعل الشيء فقد يكون عدم الفعل لعدم مقتضيه من المحبة ولوازمها أو لوجود مانعه من البغض والكراهة.
٢- معنى محبة الله ومراتبها:
أثبت الله في كتابه وعلى لسان رسوله أنه تعالى محب لعباده المؤمنين فقال تعالى في كتابه العزيز(فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه) فوصف نفسه بالمحبة للمؤمنين وجاء بيان تلك المحبة وآثارها على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم حيث قال ( يقول الله تعالى من عادى لي وليا فقد بارزني بالمحاربة وما تقرب إلي عبدي بمثل ما افترضت عليه ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بهل فبي يسمع ويبصر بي وبي يمشي ولئن سألني لأعطينه ولئن أعاذني لأعيذنه ).

وأما عن محبة العبد لربه فهي رأس الإيمان وشرطه ومن المعلوم أن قوة المحبة يتفاوت فيها الناس تفاوتا عظيما فمحبة المؤمنين لربهم أعظم المحبات (والذين آمنوا أشد حبا لله) ..
ومن علامات حب المؤمن أن يحب العبد الله أكثر من أهله وماله بل ومن نفسه فلا يغليها على الله فيجاهد في سبيل إعلاء كلمته والذود عن دينه.
محبة كلام الله وأسمائه وصفاته فمحبة سورة الإخلاص وتكرارها كانت سببا في إدخال صاحبها الجنة.
ومحبة ملائكة الله وأنبيائه وعباده الصالحين
اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم فيما أمر به واجتناب ما نهى عنه فيؤدي الفرائض ويكثر من النوافل كما جاء في الحديث الصحيح (وما تقرب إلي عبدي بمثل أداء ما افترضته عليه ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل…) الحديث.
ولا ريب أن مرتبة الخلة التي اختص بها الله إبراهيم عليه السلام إمام الحنفاء ومحمد صلى الله عليه وسلم خاتم الأنبياء والمرسلين لهي أعظم المراتب في المحبة وأقصاها كما ثبت ذلك في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم( إن الله قد اتخذني خليلا كما اتخذ إبراهيم خليلا).
ثم تأتي مرتبة السابقين وهي مرتبة تقتضي محبة جميع ما أوجبه الله وبغض ما حرمه الله ووجود إرادة للواجبات إرادة تامة ومحبة ما أحبه الله من النوافل محبة تامة
تليها مرتبة المقتصدين: وهي مرتبة المحبين لله ورسوله صلى الله عليه وسلم والقيام بجميع الواجبات والابتعاد عن المحرمات ولكنهم لا يعملون الكثير من المستحبات كالسابقين المقربين.

وقد يستعمل البعض لفظة العشق في حق الله وهي ما أنكرها معظم أهل العلم لوجهين :
الوجه الأول من جهة اللفظ فقالوا: لم يؤثر هذا اللفظ عن السلف في باب الأسماء والصفات فلا يطلق إلا ما يرد به الأثر. وقال بعضهم أن هذا من الإسرائيليات التي أمرنا بالوقوف فيها فيما لم يرد في شرعنا ما يصدقها أو يكذبها.
الوجه الثاني من جهة اللفظ أن هذا اللفظ يستعمل في محبة جنس النكاح ومقدماته. ولكن استعماله في محبة الله قد يوهم معنى فاسدا قد يصل إلى حد الكفر تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا.
أما الوجه الآخر لرد هذا المسمى في حق الله هو الوجه المعنوي: أن العشق هو فساد إما في الإرادة فيزيد على القصد الواجب فيكون كالمرض بل أن حب الله ليس له حد حتى يكون فيها زيادة أو إفراط بل الواجب أن يكون الله ورسوله أحب إلى العبد مما سواهما.
وقد يكون العشق فساد في العلم والإدراك فيخيل للعاشق المعشوق على خلاف ما هو به ولو أنه أدركه على حقيقته لم يبلغ ذلك المبلغ من الحب والله منزه عن هذا فمحبة المؤمنين له ليس عن اعتقاد فاسد بل هو المنزه عن النقص كامل الصفات ..

٣ -حركات الموجودات أنواعها والفرق بينها:

أما الحركات للموجودات فإنها لا تخرج عن ثلاثة أنواع:
- حركات طبعية أصلها السكون لا يشعر بها ولكنها وفق طبع المتحرك.
- حركة قسرية لا يشعر بها ولكنها على خلاف طبع المتحرك..
- حركة اختيارية عن إرادة وشعور .
وبذلك تكون الارادية هي الأصل والطبعية والقسرية فرع لها..
ومن هذا يعرف أن جميع الحركات ناشئة عن الإرادة والاختيار فلا يصح أن يضاف خلق شيء من المخلوقات إلى الطبع لأن الطبع لا يكون مبدئا للحركة فالطبع هو بمنزلة السكون
وما خرج من حركة في الكون خارجة عن قدرة المخلوقات فهي بملائكة الله الموكلة بالسماوات والأرض قال تعالى:(فالمدبرات أمرا) وقال أيضا:(فالمقسمات أمرا)

٤- أنواع العلل في المخلوقات وموقف الفرق منها:
أما العلل فهي إما علة فاعلية أو علة غائية ولا يصلح أن يستقل أي مخلوق بعلة تامة قط فلا يصدر عن مخلوق واحد شيء قط ولا يصدر شيء إلا عن اثنين من المخلوقات..
ولا يصلح أن يكون شيء من المخلوقات علة غائية تامة لأن ليس في المخلوقات كمال مقصود. فكل المخلوقات يجتمع فيها النقصان أولهما أن أحدها لا يكون علة تامة والنقص الآخر أن ما كان علة فله علة ..
فسبحان الله رب كل شيء مالك السماوات والأرض وخالقهما..
فهو الكامل المقصود بالتأليه والعبادة هي غاية مقصودة منها ولها.
وقد شهدت كثير من النصوص القرآنية بأن جميع المخلوقات متعبدة لله طوعا وكرها بحكم ألوهيته وربوبيته؛ (سبح لله ما في السماوات والأرض وهو العزيز الحكيم)
ولكن كثير من الناس الذين يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا يربطون بين ظاهر حركات الموجودات وبين أسبابها القريبة وبعض حكمها ويرون أنها العلة لها فاعلا وغاية وهذا غلط عظيم فهم يضيفونها الى مجرد قوة في الجسم ولا يفهمون الحكمة الغائية من هذه المخلوقات وهي عبادة ربها سبحانه وتعالى
فقد تتنازع طوائف مثل القدرية والمتفلسفة في تحديد فاعل هذه الامور وما يتعلق بتوحيد الربوبية دون شهادة الغاية لهذه الأمور وهو توحيد الألوهية.
لكن أهل العلم يضيفون جميع الحوادث إلى خلق الله ومشيئته وربوبيته ويقرون ان هذا لحكمة ولغاية عبادته سبحانه على الوجه الذي يناسب خلقة كل مخلوق..

٥-لوازم وجود المحبوب لله: الإرادة والقدرة وأصناف الناس تبعا لهما:
كل حي له إرادة وعمل وكل متحرك فإن أصل حركته المحبة والارادة والقدرة على هذه الحركة..
وقد اختلف الناس في هذين الأمرين على أربعة أصناف:
- قوم لهم قدرة ولهم إرادة ومحبة غير مأمور بها فهم يفرغون جهدهم في ما حرم الله كالفواحش.
- قوم لهم إرادة صالحة ومحبة كاملة لله وقدرة كاملة كالسابقين الأولين من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان إلى يوم الدين.
-قوم فيهم إرادة صالحة ومحبة لله قوية تامة لكن قدرتهم ناقصة فهم يأتون بمحبوبات الحق من مقدورهم ولا يتركون مما يقوون عليه شيئا لكن قدرتهم قاصرة ومحبتهم كاملة.
- قسم قدرته قاصرة وإرادته للحق قاصرة وفيه من إرادة الباطل فهم ضعفاء المجرمين..

٦- إثبات كمال الله من باب الإرادة والقدرة والعلة:
الله هو رب كل شيء ومليكه وهو رب العالمين لا رب لشيء إلا هو فهو العلة الأولى لكل المخلوقات وهو علة تامة فاعلية يفعل لا علة له وهو علة غائية كل ما خلقه من مخلوقات تألهه طوعا وكرها ..
وهو الذي يخلق الأشياء ويفنيها متى أراد وشاء .

ب- المقصد الثاني علاقة المحبة بالإيمان:
مسائله

١- المحبة المحمودة والمحبة المذمومة.
المحبة المحمودة هي المحبة النافعة التي تجلب لصاحبها ما ينفعه وهو السعادة والشارة المذمومة التي تجلب لصاحبها ما يضره وهو الشقاء.
أصل المحبة المحمودة التي أمر الله بها وخلق خلقه لأجله هي عبادته وحده لا شريك له .أما المحبة المذمومة هي التي تقع فيها الشركة ..
فحب الله وعبادته أصل السعادة ورأسها وهي سبب النجاة من العذاب
وأهل التوحيد أحبوا الله وحده وعبدوه لا شريك له وجماع القرآن هو الأمر بتلك المحبة ولوازمها والنهي عما يضادها..
وهي أصل دعوة الرسل صلوات الله عليهم (اعبدوا الله ما لكم من إله غيره) وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( لا يجد طعم الإيمان إلا من كان فيه ثلاث أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما…).
والحي العالم لا يختار أن يحب ما يضره ولكن قد يحصل ذلك عن جهل وظلم..
فتجهل النفس حال ما تحبه بدون أن تعلم ما في محبته من منفعة أو مضرة لها. وقد يكون عن اعتقاد فاسد بأن يتبع الظن والهوى..

٢- محبة الله أصل العبادة:
أصل الإيمان العملي هو حب الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم..وحب الله أصل التأليه الذي هو عبادة الله وحده لا شريك له.
فالإسلام هو اجتماع المحبة والخضوع لله.
لذلك كانت محبة المؤمنين أشد من محبة المشركين لربهم إذ أن من يتخذ من دون الله أندادا ويدعوه من دون الله فإنه يحبه لأن أصل العبادة المحبة.
وقد سمى الشرع حب المحبوبات المعظمة لغير الله بالتعبد لما جاء في الحديث الصحيح: تعس عبد الدرهم تعس عبد الدينار تعس عبد القطيفة تعس عبد الخميصة…..إن أعطي رضي وإن منع سخط
فالإنسان متى أحب شيء رضي بوجوده وسخط لفقده كان فيه من التعبد بقدر ذلك.
وسبب الميل لهذه الأشياء أن الله خلق عباده لعبادته التي تجمع محبته وتعظيمه فإذا كان في القلب ما يجد حلاوته من الإيمان والتوحيد له احتاج أن يستبدل بذلك ما يهواه فيتخذ تلك المحبوبات الها ويعظمها..

٣- العمل المحبوب لله وطرق الاستدلال عليه:
العمل المحبوب لله هو ما كان صالحا نافعا مشروعا عدلا..
كل عمل صالح هو نافع لصاحبه والعكس وكل نافع صالح فهو مشروع وكل ما كان صالحا مشروعا فهو حق عدل وبالعكس.
فكيف يستدل الناس على هذا العمل الموصوف بتلك الصفات؟
.١- الاستدلال بالنص: أن يعلم أن الله أمر بهذا الفعل وشرعه فيعلم من هذا وجوب كونه طاعة لله ورسوله ويجب أن يكون صالحا نافعا وأن يكون عدلا حقا .
٢- الاستدلال بالاستصلاح والاستحسان: أن يعلم بكون الشيء صالحا أو عدلا أو حسنا ثم يستدل بذلك على كونه مشروعا.
والطريقة الثانية فيها خطر كبير والغلط فيها كثير لخفاء صفات الأعمال ولا يعلم بها كما ينبغي إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ولا يكون العمل محمودا صحيحا إلا ما وافق النصوص؛ قال مجاهد " أفضل العبادة الرأي الحسن وهو اتباع السنة" قال تعالى ( ويرى الذين أوتوا العلم الذي أنزل إليك من ربك هو الحق). وكان السلف يسمون أهل الآراء المخالفون للسنة والشريعة في مسائل الاعتقاد الخبرية ومسائل الأحكام العملية أهل الأهواء لأن الرأي المخالف للسنة جهل لا علم.
ونهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن اتباع أهواء الخلق (ولا تتبع أهواءهم واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك) وذلك يتضمن النهي عن اتباع أهواء أحد في خلاف شريعته وسنته وكذا أهل الأهواء من هذه الأمة .
٣- المعاصي خلل في محبة الله:
الإنسان لا يفعل الحرام إلا لضعف إيمانه ومحبته..
فلا يفعل الفواحش إلا لضعف الإيمان في أصله أو كماله أو ضعف العلم والتصديق أو ضعف المحبة والبغض.
فإذا كان أصل الإيمان صحيحا وهو التصديق فإن هذه المحرمات يفعلها كع كراهته وبغضه لها لغلبة الشهوة عليه. فلا بد أن يكون مع فعلها بغض لها وخوف من عقاب الله له ورجاء لأن يخلص منها بتوبة أو حسنات أما إذا لم يوجد ذلك البغض والخوف والرجاءلا يكون مؤمنا بل كافر أو منافق
قال رسول صلى الله عليه وسلم (لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن )
وقد يكون شركا أكبر أو شركا أصغر بحسب ما يقترن به من الإيمان فمتى اقترن بما نهي الله عنه الإيمان لتحريمه وبغضه ورجاء الرحمة لم يكن شركا أكبر.
أما إن اتخذ الإنسان ما يهواه إلها من دون الله وأحبه كحب الله فهذا شرك أكبر..
وقد يفعل المؤمن المعصية جاهلا بحكمها او ضررها فعلى المؤمن أن يعرف الشرور الواقعة ومراتبها في الكتاب والسنة كما يعرف الخيرات الواقعة ومراتبها في الكتاب والسنة فيقدم ما هو أكثر خيرا وأقل شرا على ما هو دونه ويدفع أعظم الشرين باحتمال أدناهما ويجتلب أعظم الخيرين بفوات أدناهما.
وإذا علم ذلك فلا بد أن يقترن بعلمه العمل الذي أصله محبته لما يحبه الله ورسوله وبغضه لما يبغضه الله ورسوله وما اجتمع فيه الحبيب والبغيض المأمور أعطى كل ذي حق حقه.

٤- حكم اجتماع السيئات والحسنات والثواب والعقاب في العبد الواحد:
الإنسان فيه ظلم وجهل فإذا غلب عليه رأي أو خلق استعمله في الحق والباطل جميعا مثال ذلك أن من الناس من يكون في خلقه سماحة ولين ومحبة فيسمح بمحبته وتعظيمه ونفعه وماله للحسن الذي يحبه الله ويأمر به كمحبة الله ورسوله وأوليائه المؤمنين والإنفاق في سبيله ويسمح أيضا بمحبة الفواحش والإنفاق فيها فتجده يحب الحق والباطل جميعا ويصدق بهما ويعين عليهما .
ففي الإنسان قوتان قوة البغض وقوة الحب وإنما خلق ذلك فيه ليحب الحق ويبغض الباطل فهؤلاء الذين يحبهم الله ويحبونه ولكن قد يميل إلى شهوة ما من شهوات البطن والفرج وينفق المال فيهما وبسبب ما فيه من الحب والدين يحب الحق وأهله كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في خمار كان يشرب الخمر كثيرا "لا تلعنه إنه يحب الله ورسوله".

٥- معاملة الله لأوليائه وأعدائه:
أصل الموالاة هي المحبة وأصل المعاداة البغض فالتحاب يوجب التقارب والتباغض يوجب التباعد
فأولياء الله الذين يحبهم ويحبونه يقربهم منه ويدنيهم إليه ويتولاهم ويتولونه ويحبهم ويرحمهم ويكون عليهم منه صلاة.(أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون)
بينما أعداؤه يبعدهم ويلعنهم وهو إبعاد منه ومن رحمته ويبغضهم ويغضب عليهم (عليهم دائرة السوء وغضب الله عليهم ولعنهم وأعد لهم جهنم وساءت مصيرا)

ج- المقصد الثالث: المحبة أصل الأديان.
مسائله:

١- معنى الدين لغة واصطلاحا:
يفسر الدين بالعادة ومنه الديدن أي عادته اللازمة .
ودان يكون من الأعلى القاهر ويكون من المطيع ، يقال : دنته فدان أي قهرته فذل ويقال في الأعلى : كما تدين تدان.
وأما دين المطيع فيستعمل متعديا ودائما ولازما؛ يقال: دنت الله ودنت لله لأن فيه معنى الطاعة والعبادة ومعنى الذل.
دان الله فهو قولك: أطاع الله وأحبه
دان لله: ذل لله وخشع لله.
والدين الذي يدين به الناس في الباطن والظاهر لا بد فيه من الخضوع والحب بخلاف طاعتهم للملوك ونحوهم فإنه خضوع ظاهر.
وسمى الله يوم القيامة بيوم الدين (مالك يوم الدين): قال ابن عباس: يوم يدين الله العباد بأعمالهم إن خيرا فخيرا وإن شرا فشرا وذلك يتضمن جزاءهم وحسابهم.
فالدين هو من الأعمال الباطنة والظاهرة وهو الطاعة والعبادة والخلق فهو الطاعة الدائمة اللازمة التي قد صارت عادة وخلقا فيفسر الدين بالعادة والخلق ويفسر الخلق بالدين ، قال تعالى (وإنك لعلى خلق عظيم ) قال ابن عباس: على دين عظيم.
٢- الدين ضرورة للفرد والمجتمع:
كل طائفة من بني آدم لا بد لهم من دين يجمعهم إذ لا غنى لبعضهم عن بعض وأحدهم لا يستقل بجلب منفعته ودفع مضرته فلا بد من اجتماعهم .
واجتماعهم يشركهم في اجتلاب ما ينفعهم كطلب نزول المطر لمحبتهم له. ويشتركون أيضا في دفع ما يضرهم مثل عدوهم وذلك بغضهم له
فاشتراكهم في محبة شيء عام وفي بغض شيء عام هذا هو دينهم المشترك العام.
وإذا كان كذلك فالأمور التي يحتاجونها يحتاجون أن يوجبوها على أنفسهم والأمور التي تضرهم يحتاجون أن يحرموها على أنفسهم وذلك دينهم.
وهذا من الدين المشترك بين جميع بني آدم من التزام واجبات ومحرمات وهو الوفاء والعهد.
والدين الحق هو طاعة الله وعبادته ولا يستحق أحد أن يطاع ويعبد على الإطلاق إلا الله ورسله وأولوا الأمر يطاعوا إذا أمروا بطاعة الله ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من أطاعني فقد أطاع الله ومن أطاع أميري فقد أطاعني ومن عصاني فقد عصى الله ومن عصى أميري فقد عصاني.
فإذا كان لا بد لكل آدمي من اجتماع ولا بد في كل اجتماع من طاعة ودين وكل دين وطاعة لا يكون لله فهو باطل فكل دين سوى الإسلام فهو باطل.
الدين جماعه شيئان: تصديق الخبر وطاعة الأمر والتنعم بالخبر بحسب شرفه وصدقه والمؤمن معه من الخبر الصادق عن الله وعن مخلوقاته ما ليس مع غيره فهو من أعظم الناس نعيما بخلاف منةيكثر في أخبارهم الكذب.
وطاعة الأمر فإن كان ما يؤمر به صلاحا وعدلا يكون تنعمه به أعظم من تنعم من يؤمر بما ليس بصلاح ولا عدل ولا نافع.
٣- أصول الدين الأربعة وأثر التفريق بينها:
يقوم الدين على أصول لا يصلح إلا باجتماعها:
الأصل الأول : المحبوب المطاع
الأصل الثاني : صورة الطاعة .
الأصل الثالث: الثواب والعقاب
الأصل الرابع:التشريع
فلا بد في كل دين من معبود وعبادة ، والمعبود إله واحد والعبادة طاعته وطاعة رسوله وهذا هو الدين الذي ارتضاه الله (ورضيت لكم الاسلام دينا) وهو دين المؤمنين من الأولين والآخرين ولا يقبل الله من أحد غيره كمن عبد من لا يعبد أو عبد بماا لا يصلح أن يعبد به
وهذان الأصلان جاءت فيهما الشريعة فجاءت في أسماء الله وصفاته وجاءت في صفات العبادات
وجاءت في نعت اليوم الآخر وما فيه من الأسماء والصفات والوعد والوعيد والثواب والعقاب
وهذه الأصول الثلاثة هي الموجبة للسعادة في كل ملة ثم الشرع الأصل الرابع وهو ما جاءت به الرسل
فهذه الأصول الأربعة متلازمة والتفرق في ذلك بالأمر في بعضه والنهي عن بعض هو من التفرق والاختلاف الذي ذمته النصوص (وإن الذين اختلفوا في الكتاب لفي شقاق بعيد) وقد غضب النبي صلى الله عليه وسلم لما اختلف الصحابة في القراءة وقال (إن القرآن نزل على سبعة أحرف فاقرؤوا منه ما تيسر) وغضب لما تنازعوا في القدر..
لأن التفرق والاختلاف يوجب الشرك وينافي حقيقة التوحيد الذي هو إخلاص الدين كله لله.
فإذا كان الدين لله حصل الإيمان والطاعة وإذا لم يكن فلا بد أن يكون لكل قوم ما يمتازون به مثل معظم مطاع أو معبود لم يأمر الله بعبادته وطاعته ومثل قول ودين ابتدعوه لم يأذن الله به ولم يشرعه.
وكل طائفة من بني آدم محتاجون الى التزام واجبات وترك محرمات فإذا لم يكن مقصود الدين الموضوع إلا جلب المنفعة الدنيوية فليس لهؤلاء في الآخرة من خلاق وقد يكون ليستولي كبيرهم على غيره من بني آدم كفعل فرعون وجنكيز خان فهؤلاء من أشد الناس عذابا يوم القيامة .
٤- أنواع التحالفات بين الناس:
لا يستطيع بني آدم العيش بدون تحالف واتفاق على جلب النفع ودفع الضر، فكان الوفاء بالعهود من الأمور التي اتفق أهل الأرض على إيجابها.
واشتراكهم في الجلب والدفع إما أن يكون تبعا لتعاقدهم وهو التحالف أو يكون بأمر آمر مطاع فيهم.
فالمطاع قد يكون بحق وهو ما أمر الله بطاعته من أنبيائه وأولي الأمر من المؤمنين وطاعة الوالدين أو يكون بغير حق كطاعة الطواغيت وهو كل ما عظم بباطل.
وكل قوم لا تجمعهم طاعة مطاع في جميع أمورهم فلا بد لهم من التعاقد والتحالف فيما لم يأمرهم به المطاع.
فإما أن يكونوا على شريعة منزلة من عند الله أو على شرعة غير منزلة وضعها بعض المعظمين فيهم بنوع قدرة وعلم .
وتظهر تلك التحالفات التي لا ترد إلى الشريعة حين تدرس آثار النبوة فيتحالف قوم على طاعة ملك أو شيخ أو طاعة بعضهم لبعض. كما كان العرب في جاهليتهم يتحالفون.
وكذلك ما يوجد من التحالف بالتآخي وغير التآخي للملوك والمشايخ ..
وقد يكون تحالفا يحبه الله كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: لقد شهدت حلفا مع عمومتي في دار عبد الله بن جدعان ما يسرني بمثله حمر النعم ولو دعيت إلى مثله في الإسلام لأجبت. ويسمى حلف المطيبين.
٥- المحبة لله توجب جهاد أعداء الدين:
فإذا كان جميع ما عليه بنو آدم لا بد فيه من تعاون وتناصر وفيه ما هو شرك بالله وفيه ما هو قول على الله بغير علم وفيه ما هو إثم وبغي وفيه ما هو من الفواحش علم أنه لا بد في الإيمان من التعاون والتناصر على فعل ما يحبه الله ودفع ما يبغضه الله..
وهذا هو الجهاد في سبيل الله وأن أمر الإيمان لا يتم بدون ذلك..
وصلاح بني آدم بأن يكون الدين كله لله وتكون كلمة الله هي العليا

د- المقصد الرابع:
حقيقة الإكرام والإهانة في الدنيا:

مسائله:
١- فتنة ابتلاء المؤمن وتنعيم الكافر في الدنيا:
(فأما الإنسان إذا ما ابتلاه ربه فأكرمه ونعمه فيقول ربي أكرمن وأما إذا ما ابتلاه فقدر عليه رزقه فيقول ربي أهانن كلا)
يقرر الله في هذه الآيات أن إسباغ النعمة ومنعها كليهما ابتلاء واختبار للعبد فإن الواجب عليه الشكر في الرخاء والصبر في الشدة ، قال النبي صلى الله عليه وسلم : لا يقضي الله للمؤمن قضاء إلا كان خيرا له وليس ذلك لأحد إلا المؤمن إن أصابته سراء فشكر كان خيرا له وإن أصابته ضراء فصبر كان خيرا له.
ولكن يقع غلط أكثر الناس أنه قد أحس بظاهر من لذات أهل الفجور وذاقها ولم يذق لذات أهل البر وهذا لعدم شهود حقيقة الإيمان ووجود حلاوته مع ما في النفوس من الظلم مانعا لها من عظيم نعمة الله ..
٢- أقوال الفرق في ابتلاء المؤمن وتنعيم الكافر:
بداية تنازع الناس فيما ينال الكافر من التنعم هل هو نعمة في حقه؟
قالت القدرية : لم يرد الله لكل أحد إلا خيرا له بخلقه وأمره وإنما العبد هو الذي اراد لنفسه الشر بمعصيته وبترك طاعته التي يستعملها بدون مشيئة الله وقدرته . فيقولون إن نعمة الكافر نعمة تامة كما هي للمؤمن ولكن أحدهما اهتدى بنفسه من غير نعزة خاصة أخرى من الله والآخر ضل بنفسه من غير خذلان من الله .
رد عليهم فريق من أهل إثبات القدر فقالوا ليس لله على الكافر نعمة دنيوية كما ليس له عليه نعمة دينية تخصه إذ اللذة المستعقبة ألما أعظم منها ليست بنعمة فهذه النعم كانت سببا في عذابه وعقابه
وخالفهم آخرون من أهل الإثبات فقالوا: بل لله على الكفر نعم دنيوية وقد دل القرآن على امتنانه على الكفار بنعمه ومطالبته إياهم بشكرها. وخطاب الكفار بها من جهة ما هي تنعم ولذة وسرور ولم تسم في حقهم نعمة على الخصوص وإنما تسمى نعمة في حق عموم بني آدم لأن المؤمن سعد بها في الدنيا والآخرة والكافر ينعم بها في الدنيا.
٣- سبيل النجاة من الفتنة:
أن يعرف العبد أن الابتلاء بالسراء والضراء قد يكون في باطن الأمر مصلحة للعبد أو مفسدة له وأنه إن أطاع الله بذلك كان مصلحة له وإن عصاه كان مفسدة له ..
فالناس يختلف حال صلاحهم فمنهم من يكون صلاحه على السراء ومنهم من يكون صلاحه على الضراء ومنهم من يصلح على هذا وهذا ومنهم من لا يصلح على واحد منهما
والإنسان قد تجتمع له هذه الأحوال الأربعة في أوقات متعددة أو في وقت واحد وقد جاء في الحديث المرفوع "أن من عبادي من لا يصلحه إلا الفقر ولو أغنيته لأفسده ذلك وإن من عبادي من لا يصلحه إلا السقم ولو أصححته لأفسده ذلك وذلك أني أدبر عبادي إني بهم خبير بصير".
فالتنعم العاجل قد يكون بلاء وشرا والطاعة المتقدمة قد تكون حابطة وسببا للشر باعتبار ما يعقبها من ردة وفتنة والمعصية المتقدمة قد تكون سببا للخير باعتبار التوبة والصبر على ما تعقبه من مصيبة
هذا يقتضي أن العبد محتاج في كل وقت إلى الاستعانة بالله على طاعته وتثبيت قلبه.
فإن الإنسان كما قال الله فيه ( ولئن أذقنا الإنسان منا رحمة ثم نزعناها منه إنه ليؤوس كفور) فهو عند الضراء بعد السراء ييأس من زوالها ويكفر بما أنعم الله به عليه قبلها وعند النعماء بعد الضراء يأمن من عود الضراء في المستقبل وينسى ما كان فيه (إنه لفرح فخور).
ووصفه بالظلم والجهل (إنه كان ظلوما جهولا)
إلا (الذين صبروا وعملوا الصالحات) والصبر في السراء قد يكون أشد ولهذا قال أحد الصحابة : ابتلينا بالضراء فصبرنا وابتلينا بالسراء فلم نصبر.
ولذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم يستعيذ بالله من فتنة القبر وشر فتنة الغنى .
فالمؤمن يفعل ما أمر الله به من البر والتقوى دون ما نهي عنه من الإثم والعدوان كل بحسب قدرته..
لذلك وجب تقوية الإرادة الصالحة والقدرة عليها بحسب الإمكان وتضعيف الإرادة الفاسدة والقدرة معها بحسب الإمكان.
وهذا مما يظهر به حسن حال المؤمن وترجحه في اللذة على الكافر في الدنيا قبل الآخرة .
ومن المعين أيضا سلامة الاعتقاد بأن الله أرسل رسله وأنزل كتبه رحمة عامة للخلق وأمر عباده بما فيه صلاحهم ونهاهم عما فيه فسادهم فلا يأمر بشيء لحاجته له ولم يمنع شيئا بخلا منه.
وأخبر تعالى أنه لا يريد لنا الحرج بل إتمام النعمة والتيسير في أمورنا فلا ضرر ولا فساد في كل ما أمر الله به بل المصلحة كل المصلحة في أوامر الله ونهيه.
فمن اتقى وجاء بما أمر الله وانتهى عما نهى الله كان خيرا له في الدنيا والآخرة ومن عصى فإن باب التوبة والاستغفار ما زال مفتوحا حتي يأتيه اليقين.
فالصبر على الضراء مما أوجبه الله وأحبه كما أوجب الشكر على النعماء وأحبه فيكون ما قدر للمؤمن من سراء معها شكر وضراء معها صبر خيرا له كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (لا يقضي الله للمؤمن قضاء إلا كان خيرا له….) الحديث.
أحسنت نفع الله بك
غلب على التلخيص السرد المجرد, والأصل أن يكون تلخيصا بأسلوبك مع وضع ما ذكر من أدلة.
ولو جعلتيه على هيئة نقاط مترابطة لكان أبين للقارئ.
ب

رد مع اقتباس
  #3  
قديم 6 ربيع الثاني 1444هـ/31-10-2022م, 08:39 AM
رولا بدوي رولا بدوي غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المستوى الخامس
 
تاريخ التسجيل: Sep 2019
المشاركات: 341
افتراضي

رسالة قاعدة في المحبة لابن تيمية رحمة الله عليه

مسائل الرسالة :
١_بيان أن أصل وجود الأفعال و الحركات الحب و الإرادة و أصل عدمها البغض و الكراهة و علة ذلك و الفرق بين الحب و البغض
1-المحبة حدها و أنواعها و اقسامها و أثارها وتوابعها
2- محبة الله للعبد و محبة العبد لله، بيان لوازمها و موجبها و مقتضاها وأوجه الانحراف فيها
3- اتباع الهوى سببه، خطره، حكمه و عاقبة أهل الأهواء.
4- طرق الاستدلال على صفات الأعمال و أحوالها و ماهيتها .
5- أنواع حركات المخلوقات الظاهرة و اعتقاد الناس فيها.
6- الإرادات أنواعها و واجب كل صاحب نوع و أحوال كل صاحب نوع و أوجه الغلط في هذا الباب و علاقة الإرادات بالحركات.
2- الدين؛ حده، أنواعه، الدين الحق، موقف بني آدم منه .
1- حاجة الناس للدين
2- الأصول الموجبة للسعادة في كل ملة
3- حقيقة توحيد العبادة و فضله و لوازمه و أهله و حقيقة نقيضه.
4- أنواع التحالفات بين بني آدم.
3-بيان حقيقة التنعم ،و اللذات في الدنيا و حقيقة الابتلاء و توجيه الشرع لهما و بيان موقف أهل الحق و أهل الباطل منهما.
4-أسباب السعادة و النجاة في الدنيا و الآخرة.
1- التوحيد
2- الصبر
3- العلم النافع
4- اتباع الصراط المستقيم

المقاصد الفرعية للرسالة:
1- بيان أن أصل وجود الأفعال و الحركات ؛ الحب و الإرادة و أصل عدمها ؛البغض و الكراهة، و علة ذلك و الفرق بين الحب و البغض.
2- بيان حد الدين و أنواعه، و ما هو الدين الحق، و موقف بني آدم منه .
3- بيان حقيقة التنعم ، و اللذات في الدنيا و حقيقة الابتلاء، و توجيه الشرع لهما و بيان موقف أهل الحق و أهل الباطل منهما.
4- بيان أسباب السعادة و النجاة في الدنيا و الآخرة.
المقصد العام للرسالة:
بيان أن المحبة أصل الدين الحقيقي؛ الصراط المستقيم، في استقامة المحبة استقامة للدين، و في الانحراف في المحبة انحراف عن الصراط امستقيم.
-------------------------------------------------------------------------
مقاصد الرسالة الفرعية و مسائلها:
١_بيان أن أصل وجود الأفعال و الحركات الحب و الإرادة و أصل عدمها البغض و الكراهة و علة ذلك و الفرق بين الحب و البغض.
1- المحبة حدها و أنواعها و اقسامها و أثارها وتوابعها.
- وجود الفعل لا يكون إلا عن محبة و إرادة؛ بهما يدفع المانع و توجد لذة العمل، و قد يكونان بواسطة او بغير واسطة لما يلازمها، كمن يشرب الدواء و هو كريه لنفسه محبة للشفاء،و كمن ترك ما تهواه نفسه محبة لله و رجاء ما عنده من الثواب ،كما قال تعالى: {وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى}.
- المحبة والإرادة أصلا للبغض والكراهة وعلة لها ولازما مستلزما لها من غير علة، فالعبد يترك ما يكره بسبب حبه لغيره، و رغبة فيه و فيما عنده.
- الفرق بين الحب و البغض؛ أن البغض سببه منافاة المحبوب، فلولا وجوده لم يكن البغض، أما الحب؛ فقد يكون لذات الشئ نفسه دون وجود ما ينافيه، أو لمنافاته البغض.
أنواع المحبة:
1- المحبة المحمودة: التي أمر الله بها وخلق خلقه لأجلها هي ما في عبادته وحده لا شريك له إذ العبادة متضمنة لغاية الحب بغاية الذل.
2- المحبة المذمومة: هي المحبة المطلقة التي تقع فيها الشركة كما قال تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبّاً لِلَّهِ}.
المحبة الفاسدة توجب ظلم المتحابين لأنفسهما ولغيرهما ، كمحبة أهل الشهوات لجنس الفواحش ومحبة أهل الظلم والقائلين على الله ما لا يعلمون.
-أمثلة لمن ضل في باب المحبة:
3- محبة الله للعبد و محبة العبد لله، بيان لوازمها و موجبها و مقتضاها وأوجه الانحراف فيها.
محبة الله لعباده و محبتهم له: محبة العبد لله تعني محبة ما يحبه الله من الأعمال الباطنة والظاهرة وهي الواجبات والمستحبات ، و العبادة اسم جامع لكل ذلك، و يدخل في ذلك :
- محبة كلام الله وأسمائه وصفاته كما في الحديث الصحيح في الذي كان يصلي بأصحابه فيقرأ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} إما أن يقرأها وحدها أو يقرأ بها مع سورة أخري فأخبروا بذلك النبي صلى الله عليه وسلم صلي الله عليه وسلم فقال: "سلوه لم يفعل ذلك فقال لأني أحبها فقال أن حبك إياها أدخلك الجنة".
- وكذلك محبة ملائكة الله وأنبيائه وعباده الصالحين كما كان عبد الله بن عمر يدعو بالمواقف في حجه فيقول: اللهم اجعلني أحبك وأحب ملائكتك وأنبياءك وعبادك الصالحين اللهم حببني إليك وإلي ملائكتك وأنبيائك وعبادك الصالحين.
- محبة الله توجب اتباع الرسول صلى الله عليه و سلم، كما قال تعالى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ}.
- محبة كل ما أمر الله أن يحب ويعظم، يحب و يعظم لله و ليس لذاته، فالله المحبوب الوحيد الذي يحب لذاته.
- من تمام الإيمان تمام المحبة و بيان ذلك في الحديث "من أحب لله وأبغض لله وأعطي لله ومنع لله فقد استكمل الإيمان".
- محبة الله توجب المجاهدة في سبيله: من الجهد وهي المغالبة في سبيل الله بكمال القدرة والطاقة فيتضمن شيئين أحدهما استفراغ الوسع والطاقة والثاني أن يكون ذلك في تحصيل محبوبات الله ودفع مكروهاته والقدرة والإرادة بهما يتم الأمر.
- محبة الله توجب الولاء للإيمان و أهله، و البراء من الشرك و أهله.
تبرأ إبراهيم من المشركين وممن أشركوا بالله قال {قَالَ أَفَرَأَيْتُمْ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ. أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَ. فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ} وقال تعالى: {قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ}.
و قال تعالى : قال تعالى: {لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْأِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ}، فمولاة غير المؤمنين مناف لمحبة الله تعالى.
- من لازم محبة الله للعبد :
النصرة و التأييد ، كما قال تعالى في الحديث القدسي : "من عادى لي وليا فقد بارزني بالمحاربة وما تقرب إلى عبدي بمثل أداء ما افترضته عليه ولا يزال عبدي يتقرب إلى بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها فبي يسمع وبي يبصر وبي يبطش وبي يمشي ولئن سألني لأعطينه ولئن استعاذني لأعيذنه وما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن قبض نفس عبدي المؤمن يكره الموت وأكره مساءته ولا بد له منه".
- أمثلة لمن انحرفوا في باب محبة الله:
1- ضل فريق من أهل النظر والكلام والمنتسبين إلى العلم جحدوها وكذبوا بحقيقتها، فشابهوا المستكبرين كاليهود المغضوب عليهم.
2- فريق من أهل التعبد والتصوف والزهد أدخلوا فيها من الاعتقادات والإرادات الفاسدة ما ضاهوا بها المشركين،فشابهوا المشركين كالنصارى الضالين.
قال تعالى {اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ. صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ} ).
3- اتباع الهوى سببه، خطره، حكمه و عاقبة أهل الأهواء.
- اتباع الهوى و الشهوات سببها قوة حبها في القلب و غلبتها، فتتحول لإرادة و فعل، و هو الغي الذي يضعف الإخلاص معه، فيتصيده الشيطان و يصده عن السبيل، و يزيده غيًا بتزيينه ما مال القلب إليه.
- خطر اتباع الشهوات: اتباع الأهواء بتسلطها على القلب يجعل العبد يتنازل و يسقط في فعل ما يبغضه الله و يكرهه؛ من فاحشة و معاصي، و قد يقتل و يسرق من أجل محبوبه الذي ملك عليه جوارحه و أذهب عقله تعلقه به، و قد يرتكب بغيه ناقض من نواقض الإيمان، فيتعرض لسخط الله و غضبه.
- وفي الأثر ما تحت أديم السماء إله يعبد أعظم عند الله من هوي متبع قال تعالى: {أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلاً. أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً}
عاقبتها: قال تعالى (فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُواْ الصَّلاَةَ وَاتَّبَعُواْ الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقُونَ غَيًّا)[مريم:59].
4- طرق الاستدلال على صفات الأعمال و أحوالها و ماهيتها .
- صلاح الحي إنما هو صلاح مقصوده ومراده، وصلاح الأعمال والحركات بصلاح إرادتها ونياتها
قال صلى الله عليه و سلم(إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى، فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى دُنْيَا يُصِيبُهَا، أَوْ إِلَى امْرَأَةٍ يَنْكِحُهَا، فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ)
- الاستدلال على صفات الأعمال وأحوالها: الاستدلال بالنص، و الاستدلال بالمصالح و الاستحسان
- و أعلم الناس من كان رأيه واستصلاحه واستحسانه وقياسه موافقا للنصوص، كما قال مجاهد: "أفضل العبادة الرأي الحسن وهو اتباع السنة"، ولهذا قال تعالى: {وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ هُوَ الْحَقَّ}.
- الأعمال التي يعملها جميع بني آدم إما أن يتخذونها دينا أو لا يتخذونها دينا، والذين يتخذونها دينا إما أن يكون الدين بها دين حق أو دين باطل
5- أنواع حركات المخلوقات الظاهرة و اعتقاد الناس فيها.
- حركة السموات و الارض و ما يبينهم: جميع تلك المحبات والإرادات والأفعال والحركات هي عبادة لله رب الأرض والسموات، (وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلَائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ) (وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَظِلَالُهُم بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ ۩ (15) ، تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ ۚ وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَٰكِن لَّا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ ۗ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا (44)و ليس حركات تخضع لقانون الطبيعة.
و هو الفرق بين أهل العلم و المتكلمين و أصحاب الفلسفة في النظر إلى الحوادث، فقد أضافوا الآثار العظيمة إلى مجرد قوة في جسم الأسباب التي ضلوا فيها ضلالا مبينا حيث جعلوها هي العلة التامة فاعلا ولم يعرفوا الغاية.

6- الإرادات أنواعها و واجب كل صاحب نوع و أحوال كل صاحب نوع و أوجه الغلط في هذا الباب و علاقة الإرادات بالحركات.
- أنواع الإرادات:
1- إرادة فاسدة : من إرادة الفواحش والظلم والشرك والقول بلا علم و أهلها ظالمين قلوبهم قلقة خائفة.
من علم من نفسه ذلك عليه أحد أمرين إما إصلاح إرادته وإما منع قدرته فإنه إذا اجتمعت القدرة مع إرادته الفاسدة حصل الشر.
2- الإرادة الصالحة: إرادة الأعمال الصالحة، هذا ممن تؤيد قدرته حتى يتمكن من فعل الصالحات، و أهلها صالحين قلوبهم مطمئنة.
الحق المراد و واجب كل صاحب نوع : تقوية الإرادة الصالحة والقدرة عليها بحسب الإمكان وتضعيف الإرادة الفاسدة والقدرة معها بحسب الإمكان ولا حول ولا قوة إلا بالله
- العلاقة بين المحبة و البغض و الإرادة:
الحب التام منا مستلزم للإرادة التامة الموجبة للفعل مع القدرة والبغض التام منا مستلزم للكراهة التامة المانعة للقدرة ، و ضعف المحبة أو وجود ما يعارض الحق مما يمنع الفعل حتى مع القدرة.
كما قال تعالى: {قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا}
- أقسام الناس في المحبة و الإرادة:
1- قوم لهم قدرة ولهم إرادة ومحبة غير مأمور بها فهم إما أن يصرفوا جهدهم ويستعملوه فيما لا يحب الله و سرضاه من الذنوب و المعاصي، أو يستعملون جهدهم فيما هو مباح لا ثواب يرجى من فعلهم .
2- قوم لهم إرادة صالحة ومحبة كاملة لله ولهم أيضا قدرة كاملة ؛ هم من حملوا راية الحق المجاهدين الأطهار.
3- قوم فيهم إرادة صالحة ومحبة لله قوية تامة لكن قدرتهم ناقصة فهم يأتون بمحبوبات الحق من مقدورهم ولا يتركون مما يقوون عليه شيئا لكن قدرتهم قاصرة ومحبتهم كاملة فهو مع القسم الذي قبله.
4- قوم قدرتهم قاصرة وإرادتهم للحق قاصرة وفيهم من إرادة الباطل ما الله به عليم فهؤلاء ضعفاء المجرمين و قد يكون تأثيرهم على قلوب محبيهم كبير بما شاركوهم به من الشر.
2-الدين؛ حده، أنواعه، الدين الحق، موقف بني آدم منه .
الدين هو: الطاعة والعبادة والخلق فهو الطاعة الدائمة اللازمة التي قد صارت عادة وخلقا بخلاف الطاعة مرة واحدة.
أنواع الدين:
1- الدين الحق: هو طاعة الله وعبادته؛ الطاعة المعتادة التي صارت خلقا، عبادة الله وحده لا شريك له وطاعته وطاعة رسوله، هو الإسلام الذي رضيه الله لعباده و لا يرضى لهم غيره.
قال تعالى: {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ} وقال تعالى: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الأِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ}.
قال تعالى: {وَرَضِيتُ لَكُمُ الأِسْلامَ دِيناً} وهو دين المؤمنين من الأولين والآخرين وهو الدين الذي لا يقبل الله من أحد غيره.
- الدين الحق الذي يدين به الناس في الباطن والظاهر لا بد فيه من الحب والخضوع.
2- الدين الفاسد الباطل: كمن عبد من لا تصلح عبادته أو عبد بما لا يصلح أن يعبد به، قد يكون العبد فيه خاضعًا خضوعا ظاهرا فقط.
3- حاجة الناس للدين
- يفقتر الناس جميعًا للتأله.
- و لا بد لكل آدمي من اجتماع، لا بد أن يشتركوا في محبة شيء عام وبغض شيء عام وهذا هو دينهم المشترك العام.
- ولا بد في كل اجتماع من طاعة ودين وكل دين وطاعة لا يكون لله فهو باطل فكل دين سوي الإسلام فهو باطل.
- مقصود الدين للناس المصالح الدنيوية و الأخروية ليس كما يدعي الفلاسفة و الضالين ، ممن لا يؤمنون بالآخرة.
4- حقيقة توحيد العبادة و فضله و لوازمه و أهله و حقيقة نقيضه.
قال تعالى( ﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ﴾
- توحيد الله بالعبادة هي غاية الخلق.
- توحيد العبادة تعني إفراد الله عز و جل بالطاعة و الذل و الخضوع، و العبادة أصلها المحبة و الخضوع لله، و هي المنهج و السبيل اسم جامع لما يحب الله و يرضى من الأعمال الظاهرة و الباطنة.
- لا إله إلا الله ؛ أي لا معبود بحق سواه، و هي شهادة التوحيد، يفصل بها بين الكفر و الإيمان، و الإتيان بحقها هو حق الله عز و جل.
- عبادة الله وحده لا شريك له هي أصل السعادة ورأسها التي لا ينجو أحد من العذاب إلا بها وعبادة إله آخر من دونه هو أصل الشقاء ورأسه الذي لا يبقي في العذاب إلا أهله
-وأنواع الإشراك بالمخلوقات عبادة لها واستعانة بها وغلوا فيها وقولا على الله في أسمائه وصفاته وأحكامه.
4- أنواع التحالفات بين بني آدم؛
- ما كان على الشريعة و ما كان على غير الشريعة، و الأول باطل و الثاني يحبه الله و يرضاه.
- الحكم العام في جميع هذه التحالفات أنه يجب الوفاء فيها بما كان طاعة لله ولا يجوز الوفاء فيها بما كان معصية لله، فعقود الشرع مرجعها إلى أمر الله ورسوله.
3-بيان حقيقة التنعم ،و اللذات في الدنيا و حقيقة الابتلاء و توجيه الشرع لهما و بيان موقف أهل الحق و أهل الباطل منهما.
معنى مهم التنعم هو المقصود الأول من كل قصد .
- التنعم إما بالأمور الدنيوية وإما بالأمور الدينية
1- التنعم بالأمور الدنيوية هو التنعم بالامورالحسية مثل: الأكل والشرب والنكاح واللباس وما يتبع ذلك و التنعم بالأمور النفسية و يقصد بها الرياسة والسلطان، المؤمن والكافر والمنافق مشتركون في جنس التنعم بهذه النعم الدنيوية، لكنهم مختلفون متفاوتون في قدرها و وصفها.
- وأصل ذلك أن التنعم في الدنيا بحسب الحاجة إليها والانتفاع بها، وكل ما يتنعمون به إذا استعملوه على الوجه الذي يحبه الله و يرضاه بالعدل الذي شرعه أوصلهم به إلى ما هو أعظم نعمة منه.
2- التنعم بالأمور الدينية:
- التنعم بالدين يقوم على أمرين تصديق الخبر وطاعة الأمر
- التنعيمات تكون نعمة بمقدار ما يقوم العبد بحقها، فإن قام بشكرها و وضعها فيما يحبه الله و يرضاه كان نعمة في حق العبد، و إن لم يشكر النعمة و استخدمها فيما لا يحب الله ويرضى كانت نقمة عليه و ابتلاء.
- اللذة هي الغاية من الحركات الإرادية.
أجناس اللذات :
1- جنس بالجسد تارة كالأكل والنكاح ونحوهما مما يكون بإحساس الجسد.
2- وجنس يكون مما يتخيله ويتوهمه بنفسه ونفس غيره كالمدح له والتعظيم له والطاعة له .
3- الجنس الثالث أن يكون ما يعلمه بقلبه وروحه وبعقله كذلك كالتذاذه بذكر الله ومعرفته ومعرفة الحق وتألمه بالجهل إما البسيط وهو عدم الكلام والذكر وإما المركب وهو اعتقاد الباطل كما يتألم الجسد بعدم غذائه تارة وبالتغذي بالمضار أخري.
- الانحراف في التعامل مع اللذات:
1- الزهاد البدعيين و المتصوفيين المغالين تركوا ما ينفعهم من لذات الدنيا لم يلتفتوا لنفعها لهم في الآخرة، فاتبعوا الظن ، قال تعالى {إن يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنْفُسُ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَى}، سبب ذلك الجهل بالمقاصد والوسائل، فضلوا و أضلوا.
2- النصارى شاركوهم بعض ذلك حين كذبوا بكثير مما وعدوا به في الآخرة من اللذات وضلوا بما ابتدعوه من العبادات فكانوا ضالين كما قال تعالى: {وَلا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيراً وَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ}.
3- اليهود أعلم بالمقصود وطريقه، لكنهم غواة قساة مغضوب عليهم؛ لانهم اعتقدوا أن اللذات الحسية والوهمية ليست لذات في الحقيقة وإنما هي دفع آلامم.
و السبب الثاني قولهم أن اللذات العقلية التي أقروا بها لم تحصل لهم ولم يعرفوا الطريق إليها بل ظنوا أن ذلك إنما هو إدراك الوجود المطلق بأنواعه وأحكامه وطلبوا اللذة العقلية في الدنيا بما هو من هذا النمط من الأمور العقلية وتكلموا في الإلهيات بكلام حقه قليل وباطله كثير.
- كل عمل أصله المحبة والإرادة والمقصود منه التنعم بالمراد المحبوب فكل حي إنما يعمل لما فيه تنعمه ولذته.
الابتلاءات
- الابتلاء سنة الله في عباده ليخلص قلبه له، والله تعالى قد جعل أكمل المؤمنين إيمانا أعظمهم بلاء، كما قيل للنبي أي الناس أشد بلاء قال " الأنبياء ثم الصالحون ثم الأمثل فالأمثل يبتلي الرجل على حسب دينه فإن كان في دينه صلابة زيد في بلائه وإن كان في دينه رقة خفف عنه ولا يزال البلاء بالمؤمن حتى يمشي على الأرض وليس عليه خطيئة
- يحتاج العبد إلى ارجاع الأمر إلى أن الله يفعل ما يشاء، و أن أمر المؤمن كله خير .
قَالَ رَسُولُ الله ﷺ: عَجَباً لأمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ لَهُ خَيْرٌ، وَلَيْسَ ذَلِكَ لأِحَدٍ إِلاَّ للْمُؤْمِن: إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْراً لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خيْراً لَهُ)
الخيرية هنا مطلقة في الدنيا و الآخرة.
- الرضا بما أمر الله و رسوله من تكاليف واجب، و الرضا بما يقدره الحق من الألم بالمرض والفقر بما خارج عن إرادة البشر مستحب،و الصبر على ما يقدره الحق من الألم بالمرض والفقر واجب، فالتسخط اعتراض على حكم الله و قضائه.
قال تعالى: {إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ}
-ظهور اهل الباطل في الدنيا فتنة لأهل الحق، هذه الفتنة تصيب الناس بسبب جهلهم بما جاء به الكتاب، و الجهل بحقيقة الدين وبحقيقة النعيم، فلا بد أن يكون المرء عارفا بالعمل الذي يعمله وبالنعيم الذي يطلبه، فلا ينظر للدنيا أنها مطلوبه، بل قلبه متعلق بما ينتظره في الآخرة، وعود الله لعباده المتقين بالنصرة في كتابه العزيز مؤكدة ، يتقبلها العبد باليقين و الصبر.
قال تعالى: في كتابه {وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ. إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ. وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ}
وقال تعالى: في كتابه {إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ كُبِتُوا كَمَا كُبِتَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ}
وقال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ فِي الْأَذَلِّينَ. كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ}
وقال تعالى: في كتابه {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ. وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ
- الابتلاء و تأخر النصر من أسبابهما الذنوب ، قال تعالى: في يوم أحد {أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ}، وقال تعالى: {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ}
- لذا بالاستغفار تتم الطاعة، و بالصبر يتم اليقين بالوعد.
- ينظر المؤمن لنلنعم بقلب حاضر واعي، فمن النعم الظاهرة ما يكون سببًا للعذاب مع لذته العاجلة، و قد يكون ما ظاهره العذاب سببًا للنعيم مع الألم الذي قد يصدر منه، مفهوم لا بد للمؤمن استحضاره و يرى تربية الله له فيه.
4-أسباب السعادة و النجاة في الدنيا و الآخرة.
يستبان ذلك من الآية {وَالْعَصْرِ. إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ. إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} والآية: {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآياتِنَا يُوقِنُونَ}،(إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ) (البقرة: 63).
1- الإيمان بالله و آداء حقه بالتوحيد و الإتيان بكل ما يلزم به : من عبادة الله وحده و طاعته و طاعة الرسول صلى الله عليه و سلم و الإيمان بالكتب و الرسل و اليوم الآخر، فالتوحيد الذي يبنى عليه الإيمان و عبادة الله وحده سبب للسعادة و السكينة و الطمأنينة و الأمن في الدنيا و الآخرة،.
قال تعالى(بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ)
2- الصبر: العلم بالمطلوب وبطريقه لا يحصلان المقصود إلا مع الإرادة الجازمة و الإرادة الجازمة لا تكون إلا مع الصبر.
3- العلم النافع الذي يورث اليقين الذي هو العلم الثابت المستقر: يحتاج المؤمن لمعرفة الشرور الواقعة ومراتبها في الكتاب والسنة و معرفة الخيرات الواقعة ومراتبها في الكتاب والسنة، هذه المعرفة يتبعها عمل أصله المحبة.
4- اتباع الصراط المستقيم
فأهل الدين الحق هم الذين لهم النعيم الكامل كما أخبر الله بذلك في كتابه في غير موضع كقوله {اهدنا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ.صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ} .
وقوله عن المتقين المهتدين {أُولَئِكَ عَلَى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}،( (فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ) (البقرة: 38)
5- تقوى الله :
وقال تعالى: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً. وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً}
الأصول ا الموجبة للسعادة في كل ملة: هي الإيمان بالله وباليوم الآخر والعمل الصالح هي الموجبة للسعادة في كل ملة كما قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ}، ما جاءت به الرسل من الشرع هو الأصل الرابع.

المقصد العام للرسالة:[/color]
بيان أن المحبة أصل الدين الحقيقي؛ الصراط المستقيم، في استقامة المحبة استقامة للدين، و في الانحراف في المحبة انحراف عن الصراط امستقيم.

رد مع اقتباس
  #4  
قديم 16 ربيع الثاني 1444هـ/10-11-2022م, 03:06 PM
إدارة برنامج الإعداد العلمي إدارة برنامج الإعداد العلمي غير متواجد حالياً
هيئة الإشراف
 
تاريخ التسجيل: May 2019
المشاركات: 2,051
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة رولا بدوي مشاهدة المشاركة
رسالة قاعدة في المحبة لابن تيمية رحمة الله عليه

مسائل الرسالة :
١_بيان أن أصل وجود الأفعال و الحركات الحب و الإرادة و أصل عدمها البغض و الكراهة و علة ذلك و الفرق بين الحب و البغض
1-المحبة حدها و أنواعها و اقسامها و أثارها وتوابعها
2- محبة الله للعبد و محبة العبد لله، بيان لوازمها و موجبها و مقتضاها وأوجه الانحراف فيها
3- اتباع الهوى سببه، خطره، حكمه و عاقبة أهل الأهواء.
4- طرق الاستدلال على صفات الأعمال و أحوالها و ماهيتها .
5- أنواع حركات المخلوقات الظاهرة و اعتقاد الناس فيها.
6- الإرادات أنواعها و واجب كل صاحب نوع و أحوال كل صاحب نوع و أوجه الغلط في هذا الباب و علاقة الإرادات بالحركات.
2- الدين؛ حده، أنواعه، الدين الحق، موقف بني آدم منه .
1- حاجة الناس للدين
2- الأصول الموجبة للسعادة في كل ملة
3- حقيقة توحيد العبادة و فضله و لوازمه و أهله و حقيقة نقيضه.
4- أنواع التحالفات بين بني آدم.
3-بيان حقيقة التنعم ،و اللذات في الدنيا و حقيقة الابتلاء و توجيه الشرع لهما و بيان موقف أهل الحق و أهل الباطل منهما.
4-أسباب السعادة و النجاة في الدنيا و الآخرة.
1- التوحيد
2- الصبر
3- العلم النافع
4- اتباع الصراط المستقيم

المقاصد الفرعية للرسالة:
1- بيان أن أصل وجود الأفعال و الحركات ؛ الحب و الإرادة و أصل عدمها ؛البغض و الكراهة، و علة ذلك و الفرق بين الحب و البغض.
2- بيان حد الدين و أنواعه، و ما هو الدين الحق، و موقف بني آدم منه .
3- بيان حقيقة التنعم ، و اللذات في الدنيا و حقيقة الابتلاء، و توجيه الشرع لهما و بيان موقف أهل الحق و أهل الباطل منهما.
4- بيان أسباب السعادة و النجاة في الدنيا و الآخرة.
المقصد العام للرسالة:
بيان أن المحبة أصل الدين الحقيقي؛ الصراط المستقيم، في استقامة المحبة استقامة للدين، و في الانحراف في المحبة انحراف عن الصراط امستقيم.
-------------------------------------------------------------------------
مقاصد الرسالة الفرعية و مسائلها:
١_بيان أن أصل وجود الأفعال و الحركات الحب و الإرادة و أصل عدمها البغض و الكراهة و علة ذلك و الفرق بين الحب و البغض.
1- المحبة حدها و أنواعها و اقسامها و أثارها وتوابعها.
- وجود الفعل لا يكون إلا عن محبة و إرادة؛ بهما يدفع المانع و توجد لذة العمل، و قد يكونان بواسطة او بغير واسطة لما يلازمها، كمن يشرب الدواء و هو كريه لنفسه محبة للشفاء،و كمن ترك ما تهواه نفسه محبة لله و رجاء ما عنده من الثواب ،كما قال تعالى: {وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى}.
- المحبة والإرادة أصلا للبغض والكراهة وعلة لها ولازما مستلزما لها من غير علة، فالعبد يترك ما يكره بسبب حبه لغيره، و رغبة فيه و فيما عنده.
- الفرق بين الحب و البغض؛ أن البغض سببه منافاة المحبوب، فلولا وجوده لم يكن البغض، أما الحب؛ فقد يكون لذات الشئ نفسه دون وجود ما ينافيه، أو لمنافاته البغض.
أنواع المحبة:
1- المحبة المحمودة: التي أمر الله بها وخلق خلقه لأجلها هي ما في عبادته وحده لا شريك له إذ العبادة متضمنة لغاية الحب بغاية الذل.
2- المحبة المذمومة: هي المحبة المطلقة التي تقع فيها الشركة كما قال تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبّاً لِلَّهِ}.
المحبة الفاسدة توجب ظلم المتحابين لأنفسهما ولغيرهما ، كمحبة أهل الشهوات لجنس الفواحش ومحبة أهل الظلم والقائلين على الله ما لا يعلمون.
-أمثلة لمن ضل في باب المحبة:
3- محبة الله للعبد و محبة العبد لله، بيان لوازمها و موجبها و مقتضاها وأوجه الانحراف فيها.
محبة الله لعباده و محبتهم له: محبة العبد لله تعني محبة ما يحبه الله من الأعمال الباطنة والظاهرة وهي الواجبات والمستحبات ، و العبادة اسم جامع لكل ذلك، و يدخل في ذلك :
- محبة كلام الله وأسمائه وصفاته كما في الحديث الصحيح في الذي كان يصلي بأصحابه فيقرأ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} إما أن يقرأها وحدها أو يقرأ بها مع سورة أخري فأخبروا بذلك النبي صلى الله عليه وسلم صلي الله عليه وسلم فقال: "سلوه لم يفعل ذلك فقال لأني أحبها فقال أن حبك إياها أدخلك الجنة".
- وكذلك محبة ملائكة الله وأنبيائه وعباده الصالحين كما كان عبد الله بن عمر يدعو بالمواقف في حجه فيقول: اللهم اجعلني أحبك وأحب ملائكتك وأنبياءك وعبادك الصالحين اللهم حببني إليك وإلي ملائكتك وأنبيائك وعبادك الصالحين.
- محبة الله توجب اتباع الرسول صلى الله عليه و سلم، كما قال تعالى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ}.
- محبة كل ما أمر الله أن يحب ويعظم، يحب و يعظم لله و ليس لذاته، فالله المحبوب الوحيد الذي يحب لذاته.
- من تمام الإيمان تمام المحبة و بيان ذلك في الحديث "من أحب لله وأبغض لله وأعطي لله ومنع لله فقد استكمل الإيمان".
- محبة الله توجب المجاهدة في سبيله: من الجهد وهي المغالبة في سبيل الله بكمال القدرة والطاقة فيتضمن شيئين أحدهما استفراغ الوسع والطاقة والثاني أن يكون ذلك في تحصيل محبوبات الله ودفع مكروهاته والقدرة والإرادة بهما يتم الأمر.
- محبة الله توجب الولاء للإيمان و أهله، و البراء من الشرك و أهله.
تبرأ إبراهيم من المشركين وممن أشركوا بالله قال {قَالَ أَفَرَأَيْتُمْ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ. أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَ. فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ} وقال تعالى: {قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ}.
و قال تعالى : قال تعالى: {لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْأِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ}، فمولاة غير المؤمنين مناف لمحبة الله تعالى.
- من لازم محبة الله للعبد :
النصرة و التأييد ، كما قال تعالى في الحديث القدسي : "من عادى لي وليا فقد بارزني بالمحاربة وما تقرب إلى عبدي بمثل أداء ما افترضته عليه ولا يزال عبدي يتقرب إلى بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها فبي يسمع وبي يبصر وبي يبطش وبي يمشي ولئن سألني لأعطينه ولئن استعاذني لأعيذنه وما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن قبض نفس عبدي المؤمن يكره الموت وأكره مساءته ولا بد له منه".
- أمثلة لمن انحرفوا في باب محبة الله:
1- ضل فريق من أهل النظر والكلام والمنتسبين إلى العلم جحدوها وكذبوا بحقيقتها، فشابهوا المستكبرين كاليهود المغضوب عليهم.
2- فريق من أهل التعبد والتصوف والزهد أدخلوا فيها من الاعتقادات والإرادات الفاسدة ما ضاهوا بها المشركين،فشابهوا المشركين كالنصارى الضالين.
قال تعالى {اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ. صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ} ).
3- اتباع الهوى سببه، خطره، حكمه و عاقبة أهل الأهواء.
- اتباع الهوى و الشهوات سببها قوة حبها في القلب و غلبتها، فتتحول لإرادة و فعل، و هو الغي الذي يضعف الإخلاص معه، فيتصيده الشيطان و يصده عن السبيل، و يزيده غيًا بتزيينه ما مال القلب إليه.
- خطر اتباع الشهوات: اتباع الأهواء بتسلطها على القلب يجعل العبد يتنازل و يسقط في فعل ما يبغضه الله و يكرهه؛ من فاحشة و معاصي، و قد يقتل و يسرق من أجل محبوبه الذي ملك عليه جوارحه و أذهب عقله تعلقه به، و قد يرتكب بغيه ناقض من نواقض الإيمان، فيتعرض لسخط الله و غضبه.
- وفي الأثر ما تحت أديم السماء إله يعبد أعظم عند الله من هوي متبع قال تعالى: {أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلاً. أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً}
عاقبتها: قال تعالى (فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُواْ الصَّلاَةَ وَاتَّبَعُواْ الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقُونَ غَيًّا)[مريم:59].
4- طرق الاستدلال على صفات الأعمال و أحوالها و ماهيتها .
- صلاح الحي إنما هو صلاح مقصوده ومراده، وصلاح الأعمال والحركات بصلاح إرادتها ونياتها
قال صلى الله عليه و سلم(إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى، فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى دُنْيَا يُصِيبُهَا، أَوْ إِلَى امْرَأَةٍ يَنْكِحُهَا، فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ)
- الاستدلال على صفات الأعمال وأحوالها: الاستدلال بالنص، و الاستدلال بالمصالح و الاستحسان
- و أعلم الناس من كان رأيه واستصلاحه واستحسانه وقياسه موافقا للنصوص، كما قال مجاهد: "أفضل العبادة الرأي الحسن وهو اتباع السنة"، ولهذا قال تعالى: {وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ هُوَ الْحَقَّ}.
- الأعمال التي يعملها جميع بني آدم إما أن يتخذونها دينا أو لا يتخذونها دينا، والذين يتخذونها دينا إما أن يكون الدين بها دين حق أو دين باطل
5- أنواع حركات المخلوقات الظاهرة و اعتقاد الناس فيها.
- حركة السموات و الارض و ما يبينهم: جميع تلك المحبات والإرادات والأفعال والحركات هي عبادة لله رب الأرض والسموات، (وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلَائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ) (وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَظِلَالُهُم بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ ۩ (15) ، تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ ۚ وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَٰكِن لَّا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ ۗ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا (44)و ليس حركات تخضع لقانون الطبيعة.
و هو الفرق بين أهل العلم و المتكلمين و أصحاب الفلسفة في النظر إلى الحوادث، فقد أضافوا الآثار العظيمة إلى مجرد قوة في جسم الأسباب التي ضلوا فيها ضلالا مبينا حيث جعلوها هي العلة التامة فاعلا ولم يعرفوا الغاية.


ومن أهم ما قاله شيخ الإسلام رحمه الله تعالى للربط بين المسائل؛ قال رحمه الله: (وإذا كانت كل حركة فأصلها الحب والإرادة من محبوب مراد لنفسه لا يحب لغيره، إذ لو كان كل شيء محبوبا لغيره لزم الدور أو التسلسل، والشيء قد يحب من وجه دون وجه، وليس شيء يحب لذاته من كل وجه إلا الله وحده ولا تصلح الإلهية إلا له ولو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا).


6- الإرادات أنواعها و واجب كل صاحب نوع و أحوال كل صاحب نوع و أوجه الغلط في هذا الباب و علاقة الإرادات بالحركات.
- أنواع الإرادات:
1- إرادة فاسدة : من إرادة الفواحش والظلم والشرك والقول بلا علم و أهلها ظالمين قلوبهم قلقة خائفة.
من علم من نفسه ذلك عليه أحد أمرين إما إصلاح إرادته وإما منع قدرته فإنه إذا اجتمعت القدرة مع إرادته الفاسدة حصل الشر.
2- الإرادة الصالحة: إرادة الأعمال الصالحة، هذا ممن تؤيد قدرته حتى يتمكن من فعل الصالحات، و أهلها صالحين قلوبهم مطمئنة.
الحق المراد و واجب كل صاحب نوع : تقوية الإرادة الصالحة والقدرة عليها بحسب الإمكان وتضعيف الإرادة الفاسدة والقدرة معها بحسب الإمكان ولا حول ولا قوة إلا بالله
- العلاقة بين المحبة و البغض و الإرادة:
الحب التام منا مستلزم للإرادة التامة الموجبة للفعل مع القدرة والبغض التام منا مستلزم للكراهة التامة المانعة للقدرة ، و ضعف المحبة أو وجود ما يعارض الحق مما يمنع الفعل حتى مع القدرة.
كما قال تعالى: {قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا}
- أقسام الناس في المحبة و الإرادة:
1- قوم لهم قدرة ولهم إرادة ومحبة غير مأمور بها فهم إما أن يصرفوا جهدهم ويستعملوه فيما لا يحب الله و سرضاه من الذنوب و المعاصي، أو يستعملون جهدهم فيما هو مباح لا ثواب يرجى من فعلهم .
2- قوم لهم إرادة صالحة ومحبة كاملة لله ولهم أيضا قدرة كاملة ؛ هم من حملوا راية الحق المجاهدين الأطهار.
3- قوم فيهم إرادة صالحة ومحبة لله قوية تامة لكن قدرتهم ناقصة فهم يأتون بمحبوبات الحق من مقدورهم ولا يتركون مما يقوون عليه شيئا لكن قدرتهم قاصرة ومحبتهم كاملة فهو مع القسم الذي قبله.
4- قوم قدرتهم قاصرة وإرادتهم للحق قاصرة وفيهم من إرادة الباطل ما الله به عليم فهؤلاء ضعفاء المجرمين و قد يكون تأثيرهم على قلوب محبيهم كبير بما شاركوهم به من الشر.
2-الدين؛ حده، أنواعه، الدين الحق، موقف بني آدم منه .
الدين هو: الطاعة والعبادة والخلق فهو الطاعة الدائمة اللازمة التي قد صارت عادة وخلقا بخلاف الطاعة مرة واحدة.
أنواع الدين:
1- الدين الحق: هو طاعة الله وعبادته؛ الطاعة المعتادة التي صارت خلقا، عبادة الله وحده لا شريك له وطاعته وطاعة رسوله، هو الإسلام الذي رضيه الله لعباده و لا يرضى لهم غيره.
قال تعالى: {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ} وقال تعالى: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الأِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ}.
قال تعالى: {وَرَضِيتُ لَكُمُ الأِسْلامَ دِيناً} وهو دين المؤمنين من الأولين والآخرين وهو الدين الذي لا يقبل الله من أحد غيره.
- الدين الحق الذي يدين به الناس في الباطن والظاهر لا بد فيه من الحب والخضوع.
2- الدين الفاسد الباطل: كمن عبد من لا تصلح عبادته أو عبد بما لا يصلح أن يعبد به، قد يكون العبد فيه خاضعًا خضوعا ظاهرا فقط.
3- حاجة الناس للدين
- يفقتر الناس جميعًا للتأله.
- و لا بد لكل آدمي من اجتماع، لا بد أن يشتركوا في محبة شيء عام وبغض شيء عام وهذا هو دينهم المشترك العام.
- ولا بد في كل اجتماع من طاعة ودين وكل دين وطاعة لا يكون لله فهو باطل فكل دين سوي الإسلام فهو باطل.
- مقصود الدين للناس المصالح الدنيوية و الأخروية ليس كما يدعي الفلاسفة و الضالين ، ممن لا يؤمنون بالآخرة.
4- حقيقة توحيد العبادة و فضله و لوازمه و أهله و حقيقة نقيضه.
قال تعالى( ﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ﴾
- توحيد الله بالعبادة هي غاية الخلق.
- توحيد العبادة تعني إفراد الله عز و جل بالطاعة و الذل و الخضوع، و العبادة أصلها المحبة و الخضوع لله، و هي المنهج و السبيل اسم جامع لما يحب الله و يرضى من الأعمال الظاهرة و الباطنة.
- لا إله إلا الله ؛ أي لا معبود بحق سواه، و هي شهادة التوحيد، يفصل بها بين الكفر و الإيمان، و الإتيان بحقها هو حق الله عز و جل.
- عبادة الله وحده لا شريك له هي أصل السعادة ورأسها التي لا ينجو أحد من العذاب إلا بها وعبادة إله آخر من دونه هو أصل الشقاء ورأسه الذي لا يبقي في العذاب إلا أهله
-وأنواع الإشراك بالمخلوقات عبادة لها واستعانة بها وغلوا فيها وقولا على الله في أسمائه وصفاته وأحكامه.
4- أنواع التحالفات بين بني آدم؛
- ما كان على الشريعة و ما كان على غير الشريعة، و الأول باطل و الثاني يحبه الله و يرضاه.
- الحكم العام في جميع هذه التحالفات أنه يجب الوفاء فيها بما كان طاعة لله ولا يجوز الوفاء فيها بما كان معصية لله، فعقود الشرع مرجعها إلى أمر الله ورسوله.
3-بيان حقيقة التنعم ،و اللذات في الدنيا و حقيقة الابتلاء و توجيه الشرع لهما و بيان موقف أهل الحق و أهل الباطل منهما.
معنى مهم التنعم هو المقصود الأول من كل قصد .
- التنعم إما بالأمور الدنيوية وإما بالأمور الدينية
1- التنعم بالأمور الدنيوية هو التنعم بالامورالحسية مثل: الأكل والشرب والنكاح واللباس وما يتبع ذلك و التنعم بالأمور النفسية و يقصد بها الرياسة والسلطان، المؤمن والكافر والمنافق مشتركون في جنس التنعم بهذه النعم الدنيوية، لكنهم مختلفون متفاوتون في قدرها و وصفها.
- وأصل ذلك أن التنعم في الدنيا بحسب الحاجة إليها والانتفاع بها، وكل ما يتنعمون به إذا استعملوه على الوجه الذي يحبه الله و يرضاه بالعدل الذي شرعه أوصلهم به إلى ما هو أعظم نعمة منه.
2- التنعم بالأمور الدينية:
- التنعم بالدين يقوم على أمرين تصديق الخبر وطاعة الأمر
- التنعيمات تكون نعمة بمقدار ما يقوم العبد بحقها، فإن قام بشكرها و وضعها فيما يحبه الله و يرضاه كان نعمة في حق العبد، و إن لم يشكر النعمة و استخدمها فيما لا يحب الله ويرضى كانت نقمة عليه و ابتلاء.
- اللذة هي الغاية من الحركات الإرادية.
أجناس اللذات :
1- جنس بالجسد تارة كالأكل والنكاح ونحوهما مما يكون بإحساس الجسد.
2- وجنس يكون مما يتخيله ويتوهمه بنفسه ونفس غيره كالمدح له والتعظيم له والطاعة له .
3- الجنس الثالث أن يكون ما يعلمه بقلبه وروحه وبعقله كذلك كالتذاذه بذكر الله ومعرفته ومعرفة الحق وتألمه بالجهل إما البسيط وهو عدم الكلام والذكر وإما المركب وهو اعتقاد الباطل كما يتألم الجسد بعدم غذائه تارة وبالتغذي بالمضار أخري.
- الانحراف في التعامل مع اللذات:
1- الزهاد البدعيين و المتصوفيين المغالين تركوا ما ينفعهم من لذات الدنيا لم يلتفتوا لنفعها لهم في الآخرة، فاتبعوا الظن ، قال تعالى {إن يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنْفُسُ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَى}، سبب ذلك الجهل بالمقاصد والوسائل، فضلوا و أضلوا.
2- النصارى شاركوهم بعض ذلك حين كذبوا بكثير مما وعدوا به في الآخرة من اللذات وضلوا بما ابتدعوه من العبادات فكانوا ضالين كما قال تعالى: {وَلا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيراً وَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ}.
3- اليهود أعلم بالمقصود وطريقه، لكنهم غواة قساة مغضوب عليهم؛ لانهم اعتقدوا أن اللذات الحسية والوهمية ليست لذات في الحقيقة وإنما هي دفع آلامم.
و السبب الثاني قولهم أن اللذات العقلية التي أقروا بها لم تحصل لهم ولم يعرفوا الطريق إليها بل ظنوا أن ذلك إنما هو إدراك الوجود المطلق بأنواعه وأحكامه وطلبوا اللذة العقلية في الدنيا بما هو من هذا النمط من الأمور العقلية وتكلموا في الإلهيات بكلام حقه قليل وباطله كثير.
- كل عمل أصله المحبة والإرادة والمقصود منه التنعم بالمراد المحبوب فكل حي إنما يعمل لما فيه تنعمه ولذته.
الابتلاءات
- الابتلاء سنة الله في عباده ليخلص قلبه له، والله تعالى قد جعل أكمل المؤمنين إيمانا أعظمهم بلاء، كما قيل للنبي أي الناس أشد بلاء قال " الأنبياء ثم الصالحون ثم الأمثل فالأمثل يبتلي الرجل على حسب دينه فإن كان في دينه صلابة زيد في بلائه وإن كان في دينه رقة خفف عنه ولا يزال البلاء بالمؤمن حتى يمشي على الأرض وليس عليه خطيئة
- يحتاج العبد إلى ارجاع الأمر إلى أن الله يفعل ما يشاء، و أن أمر المؤمن كله خير .
قَالَ رَسُولُ الله ﷺ: عَجَباً لأمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ لَهُ خَيْرٌ، وَلَيْسَ ذَلِكَ لأِحَدٍ إِلاَّ للْمُؤْمِن: إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْراً لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خيْراً لَهُ)
الخيرية هنا مطلقة في الدنيا و الآخرة.
- الرضا بما أمر الله و رسوله من تكاليف واجب، و الرضا بما يقدره الحق من الألم بالمرض والفقر بما خارج عن إرادة البشر مستحب،و الصبر على ما يقدره الحق من الألم بالمرض والفقر واجب، فالتسخط اعتراض على حكم الله و قضائه.
قال تعالى: {إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ}
-ظهور اهل الباطل في الدنيا فتنة لأهل الحق، هذه الفتنة تصيب الناس بسبب جهلهم بما جاء به الكتاب، و الجهل بحقيقة الدين وبحقيقة النعيم، فلا بد أن يكون المرء عارفا بالعمل الذي يعمله وبالنعيم الذي يطلبه، فلا ينظر للدنيا أنها مطلوبه، بل قلبه متعلق بما ينتظره في الآخرة، وعود الله لعباده المتقين بالنصرة في كتابه العزيز مؤكدة ، يتقبلها العبد باليقين و الصبر.
قال تعالى: في كتابه {وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ. إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ. وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ}
وقال تعالى: في كتابه {إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ كُبِتُوا كَمَا كُبِتَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ}
وقال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ فِي الْأَذَلِّينَ. كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ}
وقال تعالى: في كتابه {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ. وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ
- الابتلاء و تأخر النصر من أسبابهما الذنوب ، قال تعالى: في يوم أحد {أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ}، وقال تعالى: {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ}
- لذا بالاستغفار تتم الطاعة، و بالصبر يتم اليقين بالوعد.
- ينظر المؤمن لنلنعم بقلب حاضر واعي، فمن النعم الظاهرة ما يكون سببًا للعذاب مع لذته العاجلة، و قد يكون ما ظاهره العذاب سببًا للنعيم مع الألم الذي قد يصدر منه، مفهوم لا بد للمؤمن استحضاره و يرى تربية الله له فيه.
4-أسباب السعادة و النجاة في الدنيا و الآخرة.
يستبان ذلك من الآية {وَالْعَصْرِ. إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ. إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} والآية: {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآياتِنَا يُوقِنُونَ}،(إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ) (البقرة: 63).
1- الإيمان بالله و آداء حقه بالتوحيد و الإتيان بكل ما يلزم به : من عبادة الله وحده و طاعته و طاعة الرسول صلى الله عليه و سلم و الإيمان بالكتب و الرسل و اليوم الآخر، فالتوحيد الذي يبنى عليه الإيمان و عبادة الله وحده سبب للسعادة و السكينة و الطمأنينة و الأمن في الدنيا و الآخرة،.
قال تعالى(بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ)
2- الصبر: العلم بالمطلوب وبطريقه لا يحصلان المقصود إلا مع الإرادة الجازمة و الإرادة الجازمة لا تكون إلا مع الصبر.
3- العلم النافع الذي يورث اليقين الذي هو العلم الثابت المستقر: يحتاج المؤمن لمعرفة الشرور الواقعة ومراتبها في الكتاب والسنة و معرفة الخيرات الواقعة ومراتبها في الكتاب والسنة، هذه المعرفة يتبعها عمل أصله المحبة.
4- اتباع الصراط المستقيم
فأهل الدين الحق هم الذين لهم النعيم الكامل كما أخبر الله بذلك في كتابه في غير موضع كقوله {اهدنا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ.صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ} .
وقوله عن المتقين المهتدين {أُولَئِكَ عَلَى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}،( (فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ) (البقرة: 38)
5- تقوى الله :
وقال تعالى: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً. وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً}
الأصول ا الموجبة للسعادة في كل ملة: هي الإيمان بالله وباليوم الآخر والعمل الصالح هي الموجبة للسعادة في كل ملة كما قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ}، ما جاءت به الرسل من الشرع هو الأصل الرابع.

المقصد العام للرسالة:[/color]
بيان أن المحبة أصل الدين الحقيقي؛ الصراط المستقيم، في استقامة المحبة استقامة للدين، و في الانحراف في المحبة انحراف عن الصراط امستقيم.
أحسنت نفع الله بك
أ

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 4 جمادى الأولى 1444هـ/27-11-2022م, 12:13 AM
سعاد مختار سعاد مختار غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المستوى الخامس
 
تاريخ التسجيل: Sep 2019
المشاركات: 307
افتراضي

( التطبيق الثاني - المرحلة الثانية )
⚪ الرسالة التبوكية

🔸️ ️المقصد الأول :
* ️جماع مصالح العباد في الدنيا والآخرة في قوله تعالى:
*{ وتعاونوا على البرّ والتّقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان واتّقوا اللّه إنّ اللّه شديد العقاب }.
▪️مسائله:
* حقيقة البرّ* والتقوى ، وانفرادهما* واقترانهما وما يقتضيه من معاني .
- البرّ :* هو شعائر الدين الظاهرة كالصلاة والزكاة* وما أوجب الله من نفقات وغيرها* مع أعمال الإيمان القلبية كالصبر والوفاء بالعهد ، وما تضمنته هذه الآية من سرد خصال البرّ ، قال عزّ من قائل :
*{ ليس البرّ أن تولّوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكنّ البرّ من آمن باللّه واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنّبيّين وآتى المال على حبّه ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السّبيل والسّائلين وفي الرّقاب وأقام الصّلاة وآتى الزّكاة والموفون بعهدهم إذا عاهدوا والصّابرين في البأساء والضّرّاء وحين البأس أولئك الّذين صدقوا وأولئك هم المتقون }
- التقوى :* العمل بطاعة الله إيمانا واحتسابا في الأمر والنهي ، وهذا يعني أن يكون دافع* الأعمال في مبدئها إيمانا وتصديقا ، لنيل الثواب من الله تعالى احتسابا وهذا هو منتهى الطاعات وغايتها .
- إذا اقترن البر بالتقوى ، كان فارق المعنى بينهما هو الفارق بين المقصود لذاته فهو غاية ، الذي هو* البر *وبين السبب الموصل لها -* فهو السبيل إليها وهو* التقوى* .

* قاعدة في فهم معاني الألفاظ القرآنية والوقوف عند حدود ها ومايترتب من
مفاسد في الإخلال بهذه القاعدة .
- لما كان كلام الله أعظم كلام وأعلاه وأكمله ، كانت ألفاظه ودلالاتها ، لا يدركها* كل قارىء أو متعلم ، فإن لهذه الألفاظ* حدودا في المعنى لا تتعداه* إلى ماوراءه ، لإنها تنزلت* لمراد الله ومقصوده* ، فمتى تخطى* الفهم القاصر* هذا العلم الصحيح ، وقع في زلتين عظيمتين :
- إن هو* أدخل في اللفظ ما ليس منه ، أعطاه حكم المراد من اللفظ فضيّع بهذا الفارق* بينهما الذى هو مُراد في المعنى .
- أن ينقص من مسمى** اللفظ بعض أفراده الداخلة فيه ، فيفقده حكمه، وينفي ما جمع الله بينهما .
والأمثلة على هذا متوافرة ، فاسم الخمر مثلا* ، يُراد به كل مسكر ، فلا يجوز إخراج أنواع من المسكرات من هذا المسمى فلا نعطيها حكم الخمر* .

* حدود وحقيقة الإثم والعدوان والنهي عن تعاطيهما .
الإثم :* هو ما كان محرم* لجنسه ،كالخمر والسرقة والزنا .
العدوان :* هو الزياة المتعدية* لما أباح الله تعالى والدخول في الحرام* ، كنكاح الخامسة* ونحوه .
وكما أمر الشارع بالتعاون على البر والتقوى ، نهى عن الإثم والعدوان ، وجاءت الآيات* تحذر من تخطي حدود الله والاقتراب منها ، لأنها الحد الفاصل بين الحلال والحرام ، قال عزّ من قائل :
{ تلك حدود اللّه فلا تعتدوها ومن يتعدّ حدود اللّه فأولئك هم الظّالمون }*

*بيان الآية لما ينبغي عليه أن يكون حال العبد مع الخلق وحاله مع رب الخلق .

فأما حاله مع الخلق فهو أن يعايشهم بالبر والتقوى ، ناظرا لمقام ربه ، مخلصا له ،* ويكون حاله مع الله ، مسارعا إلى طاعته* ، متجافيا عن معصيته* ماوسعه
قال تعالى : { واتقو الله }

🔸️️المقصد الثاني.
️ أوجب الهجرات* وأفرضها الهجرة إلى الله ورسوله صلى الله عليه وسلم .
▪️مسائله :
**** بيان أن هذه الهجرة هي التوحيد الصحيح وهي معنى الفرار من الله إليه
وسوق الشواهد القرآنيه* على هذا .
- تلازم تحقيق التوحيد الحق ،* والفرار من الله إليه ، فيترك محبة غير الله إلى محبته سبحانه ، وخوفه* ورجاءه وتوكله على غيره وتعلق قلبه بدعاء هذا الغير ،* والخضوع والاستكانة له* ،* إلى مخافة الله ورجائه والتوكل عليه ودعائه وحده والانقياد والخضوع له متعبدا مخلصا ، وهذا عين الفرار إلى الله* وجوهره
قال تعالى : { ففروا إلى الله }* ، ويكون الفرار منه إليه ، تحقيق لتوحيد الربوبية والإيمان بالقدر ، فهو يفر من المحذوروالمكروه الذي هو* قدر* الله ومشيئته ، إلى رحمته و بره* ولطفه ، وهذا التصورالمتكامل ، إذا تمكّن من القلب ، أورثه تعلقه بالله وحده محبة وخوفا ورجاء ، وانقطاع الطمع في غيره :
كما قال* عليه الصلاة والسلام داعيا ، ضارعا : (لا ملجأ ولا منجى* منك إلا إليك )

* الهجرة إلى الله حقيقتها ومقتضاها .
هي مقتضي النطق بلا إله إلا الله
قوامها وأصلها* الحب والبغض ،* فيفارق المهاجر ما يبغضه الله ، ويأتي ما يحبه الله ، فلا تكون هجرة حتى تكون من حال إلى حال أحب منه وارغب فيه .

* الهجرة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، حقيقتها ومقتضاها وقوة البيان القرآني* ، للتأكيد على فرضيتها ووجوبها .
- هي مقتضى الشهادة بأن محمدا رسول الله ، فهي فرض عين على كل موحد
جاء في تنزيل الله تعالى :
{ فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا }
فتأكد ت هذه الهجرة المفروضة* بتأكيدات في هذه الآية ، أولها ، القسم بأجلّ مقسم به وهو* الله * ونفي الإيمان وثباته عند المؤمنين حتى يتحاكموا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما جرى بينهم من النزاع في* الدين كله جملة وتفصيلا ، بل لابد لهذ التحاكم من اتصافه بالقبول وانشراح الصدور به
حتى تُسلّم رضا* لاقهرا* وغصبا .
وجاء التأكيد أيضا على هذه الهجرة العينية* في قوله تعالى :
*{ النّبيّ أولى بالمؤمنين من أنفسهم }.

*أصل الشقاء والشر في الدنيا* مخالفة الرسول صلى الله عليه وسلم وكذا سر النجاة والسعادة* في طاعته.
- ضنك الدنيا وشرورها* وما يحدث في العالم من كدر وعدوان، هو* ثمرةوعاقبة مخالفة الرسول والبعد عن طاعته،* وكذا عذاب الآخرة ووخيم عواقبها ، وفي المقابل فإن السعادة* والنجاة في الدنيا والآخرة ، التزام طاعته والسير في ركاب هديه ، فلا شقاء ولا ضلال
قال تعالى :
*{ ذلك خيرٌ وأحسن تأويلًا } أي عاقبة ومآلا
ولتكمل للمؤمن هذه السعادة بالاتباع والطاعة ، عليه دعوة* الخلق إلى هذا الهدى علما وعملا به* ، ومن ثم الصبر والجهاد على هذه الدعوة وما يعترضه من صعاب وعوائق .

🔸️المقصد الثالث
* بيان أن الهدى مصدره الوحي والتنزيل وما خلافه هو الضلال والباطل .
▪️ مسائله :
** أقسام المبطلين الضالين من المتبوعين** و التعريف بهم وأصل ضلال كل فئة .
قال تعالى :
{ اتّبعوا ما أنزل إليكم من ربّكم ولا تتّبعوا من دونه أولياء قليلًا ما تذكّرون }
فلا حجة بعد هذا ولا جدال في أن الهدى أصله الوحي* المنزل على الرسول صلى الله عليه وسلم وأن ماعداه هو أراء العقول وأهوائها
أما* أهل الباطل فهم على ضربين :
*{ افترى على اللّه كذبًا أو كذّب بآياته }
1 - المُفتري من وضع الباطل وزينه* ودعا الناس إليه. فهذا* كَفر وهلك* لكونه واضع للباطل داع إليه.
2 -* رادّ الحق المُكذب به* ، وهذا كُفره وهلاكه لتكذيبه للحق* ورده .
وبقى* الكلام على صنف ثالث ، يَدّعون مقالا* أنهم تُبعٌ لأئمة هدى ، وهم يُخالفونهم حالا* ، فما نفعتهم هذه الموالاة وهذه الدعوى ، قال عزّ من قائل :
*{ إذ تبرّأ الّذين اتّبعوا من الّذين اتّبعوا ورأوا العذاب وتقطّعت بهم الأسباب * وقال الّذين اتّبعوا لو أنّ لنا كرّةً فنتبرّأ منهم كما تبرّءوا منّا كذلك يريهم اللّه أعمالهم حسراتٍ عليهم وما هم بخارجين من النّار }

*أقسام المهديين من المتبوعين ، ودلالة السنة على هذا التقسيم .
- القسم الأول : هم الصفوة ، الصحابة، ترضي الله عنهم* في كتابه،* قرآنا يتلى إلى يوم الدين ، منزلة لاتنال ولا تدرك .
- القسم الثاني :* من تبع هؤلاء الصحابة المرضي عنهم ، بإحسان إلى يوم الدين ، من التابعين الذين* أدركوا الصحابة ورأوهم*** ومن جاء بعدهم بالتتابع على مر الزمان ،* على شرط الاقتداء والاهتداء* بهم* ، وقسم ثالث موعود بالسعادة ، وهم ذريةٌ دون البلوغ والتكليف يُلحقُون بالآباء السعداء* لتقر عينهم بالاجتماع بهم في دار السرور . وتكمل* عاقبتهم سرورا .
* قال تعالى :
{ والّذين آمنوا واتّبعتهم ذرّيّتهم بإيمانٍ ألحقنا بهم ذرّيّتهم وما ألتناهم من عملهم من شيءٍ كلّ امرئٍ بما كسب رهينٌ }.
كما جاء في حديثه عليه الصلاة والسلام ، في وصف أقسام الناس تجاه من أُنزل عليه* من الهدى والوحي
* بين مهديين وضالّين* وما بين كل* قسم من تفاوت وتباين في الهدى والضلال
ومن ثَم التفاوت* في العواقب* ، فريق في النار شقي ، وفريق في الجنة* سعيد :
( مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم: كمثل غيثٍ أصاب أرضًا؛ فكانت منها طائفةٌ طبّبةٌ قبلت الماء؛ فأنبتت الكلأ والعشب الكثير، وكان منها أجادب أمسكت الماء؛ فسقى الناس وزرعوا، وأصاب طائفة أخرى إنما هي قيعانٌ لا تمسك ماءً ولا تنبت كلأً، فذلك مثل من فقه في دين الله، ونفعه ما بعثني الله به، ومثل من لم يرفع بذلك رأسًا, ولم يقبل هدى الله الذي أرسلت به".

🔸️المقصد الرابع
* ️الهجرة إلى الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ، زادُها،* والصبر على طول** السفر .
▪️مسائله :
** دوام الصلة* بكتاب الله تعالى على وجه التدبر والنظر ، وعرض مثال مطول على المراد بالتدبر .
- بعد ملازمة المهاجرللصبر واتخاذه مطية وبذل غاية الوسع في هذه الهجرة المفروضة العينية ، مُلتجِأ ، مُفتقِرا* مُتوكلا مُستعينا بربه ،* ولا يتحقق له هذا* ولا يتحصل عليه ، إلا بالقرب من* كتاب الله على وجه التدبر والتفكر ، حتى تملأ عليه معاني الكتاب الكريم أقطار قلبه وروحه ، فتصير* هاديه وحاذيه في سفره كله* فتُطوى له المراحل وتنزوي له الأرض .*
وللدلالة والاشادة بهذا المقام الكريم* وهذه الحدائق المونقة من النظر في معاني كلام الله تعالى* ، استخرج ابن القيم رحمه الله من قوله تعالى :
{ هل أتاك حديث ضيف إبراهيم المكرمين } لطائف عزيزة وأسرار دقيقة ، لا تكون إلا بإطالة النظر وملازمة الصحبة لكتاب الله على وجه الاستهداء والتصديق .

* مصاحبة أهل الحق الذين ماتوا عليه ولم يفتنوا .
والحي تُخشي عليه الفتنة ، فليجعل رفقائه وندمائه ممن غادروا هذه الدنيا على الإيمان والإحسان فهم أهل للتأسي بهم واتباع خطاهم ، تشتعل همته* بسِيرِهم ويزداد توقا بذكرهم وخبرهم .

* العيش كالغريب ، ومخالطة الناس بتوفية حقوقهم* ، ودليله وهاديه :
{ خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين }
- يعايشهم بالإحسان وبذل الواجب والمندوب ، يراعيهم رحمةً ويأمرهم بالمعروف* وينهاهم عن المنكر ، يعادي ويوالى في الله،* وهو في كل هذا غريب عنهم بحسن الصيانة ، قريب منهم بإحسانه .

🔸️المقصد* الخامس
*** أسباب الوصول* لكمال الخلق القرآني .
▪️مسائله :
* لين الجانب* وسهولة النفس* ، لتسمع وتنقاد .
- إن النفس متى كانت لينة هينة ، سَهُل عليها الانقياد للخير وبذله والتواضع للخلق والتغافل عن غلطاتهم ، بخلاق الطبع الجافي القاسي .

* قوة النفس القاهرة* في مقابل سطوة الشهوة و الهوى .
- ان تكون النفس* غلابة لهواها ، ترى معالى الأمور وتمضي لها ، تُجافي الكسل والخمول ، وتكره* البطالة والهمود ، فهي في كدّ وجهاد ، ورفعة وازدياد .

* علم أصيل يرى به حقائق الأشياء فلايخفى عليه الحق و الباطل .
- لاعمل إلا ويسبقه علم صحيح نافع ، صافي المورد لاتشوبه الشوائب ، يسير على هداه ويقتفي مناراته .

🔸️استخلاص المقاصد الفرعية :
1-* ️جماع مصالح العباد في الدنيا والآخرة في قوله تعالى:
*{ وتعاونوا على البرّ والتّقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان واتّقوا اللّه إنّ اللّه شديد العقاب }.

️** 2-* أوجب الهجرات* وأفرضها الهجرة إلى الله ورسوله صلى الله عليه وسلم .

* 3-* بيان أن الهدى مصدره الوحي والتنزيل وما خلافه هو الضلال والباطل .

4 - ️الهجرة إلى الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ، زادُها والصبر على طول** السفر .

5-* أسباب الوصول* لكمال الخلق القرآني .

🔸️استخلاص المقصد الكلي*
* لا سعادة في الدارين إلا بتقوى الله وتعاون العباد على البر والتقوى فيما بينهم*، وحقيقة هذه السعادة وسبيلها :
لزوم الهجرة إلى الله ورسوله حتى الممات *

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 12 جمادى الأولى 1444هـ/5-12-2022م, 04:19 PM
إدارة برنامج الإعداد العلمي إدارة برنامج الإعداد العلمي غير متواجد حالياً
هيئة الإشراف
 
تاريخ التسجيل: May 2019
المشاركات: 2,051
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة سعاد مختار مشاهدة المشاركة
( التطبيق الثاني - المرحلة الثانية )
⚪ الرسالة التبوكية

🔸️ ️المقصد الأول :
* ️جماع مصالح العباد في الدنيا والآخرة في قوله تعالى:
*{ وتعاونوا على البرّ والتّقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان واتّقوا اللّه إنّ اللّه شديد العقاب }.
▪️مسائله:
* حقيقة البرّ* والتقوى ، وانفرادهما* واقترانهما وما يقتضيه من معاني .
- البرّ :* هو شعائر الدين الظاهرة كالصلاة والزكاة* وما أوجب الله من نفقات وغيرها* مع أعمال الإيمان القلبية كالصبر والوفاء بالعهد ، وما تضمنته هذه الآية من سرد خصال البرّ ، قال عزّ من قائل :
*{ ليس البرّ أن تولّوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكنّ البرّ من آمن باللّه واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنّبيّين وآتى المال على حبّه ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السّبيل والسّائلين وفي الرّقاب وأقام الصّلاة وآتى الزّكاة والموفون بعهدهم إذا عاهدوا والصّابرين في البأساء والضّرّاء وحين البأس أولئك الّذين صدقوا وأولئك هم المتقون }
- التقوى :* العمل بطاعة الله إيمانا واحتسابا في الأمر والنهي ، وهذا يعني أن يكون دافع* الأعمال في مبدئها إيمانا وتصديقا ، لنيل الثواب من الله تعالى احتسابا وهذا هو منتهى الطاعات وغايتها .
- إذا اقترن البر بالتقوى ، كان فارق المعنى بينهما هو الفارق بين المقصود لذاته فهو غاية ، الذي هو* البر *وبين السبب الموصل لها -* فهو السبيل إليها وهو* التقوى* .

* قاعدة في فهم معاني الألفاظ القرآنية والوقوف عند حدود ها ومايترتب من
مفاسد في الإخلال بهذه القاعدة .
- لما كان كلام الله أعظم كلام وأعلاه وأكمله ، كانت ألفاظه ودلالاتها ، لا يدركها* كل قارىء أو متعلم ، فإن لهذه الألفاظ* حدودا في المعنى لا تتعداه* إلى ماوراءه ، لإنها تنزلت* لمراد الله ومقصوده* ، فمتى تخطى* الفهم القاصر* هذا العلم الصحيح ، وقع في زلتين عظيمتين :
- إن هو* أدخل في اللفظ ما ليس منه ، أعطاه حكم المراد من اللفظ فضيّع بهذا الفارق* بينهما الذى هو مُراد في المعنى .
- أن ينقص من مسمى** اللفظ بعض أفراده الداخلة فيه ، فيفقده حكمه، وينفي ما جمع الله بينهما .
والأمثلة على هذا متوافرة ، فاسم الخمر مثلا* ، يُراد به كل مسكر ، فلا يجوز إخراج أنواع من المسكرات من هذا المسمى فلا نعطيها حكم الخمر* .

* حدود وحقيقة الإثم والعدوان والنهي عن تعاطيهما .
الإثم :* هو ما كان محرم* لجنسه ،كالخمر والسرقة والزنا .
العدوان :* هو الزياة المتعدية* لما أباح الله تعالى والدخول في الحرام* ، كنكاح الخامسة* ونحوه .
وكما أمر الشارع بالتعاون على البر والتقوى ، نهى عن الإثم والعدوان ، وجاءت الآيات* تحذر من تخطي حدود الله والاقتراب منها ، لأنها الحد الفاصل بين الحلال والحرام ، قال عزّ من قائل :
{ تلك حدود اللّه فلا تعتدوها ومن يتعدّ حدود اللّه فأولئك هم الظّالمون }*

*بيان الآية لما ينبغي عليه أن يكون حال العبد مع الخلق وحاله مع رب الخلق .

فأما حاله مع الخلق فهو أن يعايشهم بالبر والتقوى ، ناظرا لمقام ربه ، مخلصا له ،* ويكون حاله مع الله ، مسارعا إلى طاعته* ، متجافيا عن معصيته* ماوسعه
قال تعالى : { واتقو الله }

🔸️️المقصد الثاني.
️ أوجب الهجرات* وأفرضها الهجرة إلى الله ورسوله صلى الله عليه وسلم .
▪️مسائله :
**** بيان أن هذه الهجرة هي التوحيد الصحيح وهي معنى الفرار من الله إليه
وسوق الشواهد القرآنيه* على هذا .
- تلازم تحقيق التوحيد الحق ،* والفرار من الله إليه ، فيترك محبة غير الله إلى محبته سبحانه ، وخوفه* ورجاءه وتوكله على غيره وتعلق قلبه بدعاء هذا الغير ،* والخضوع والاستكانة له* ،* إلى مخافة الله ورجائه والتوكل عليه ودعائه وحده والانقياد والخضوع له متعبدا مخلصا ، وهذا عين الفرار إلى الله* وجوهره
قال تعالى : { ففروا إلى الله }* ، ويكون الفرار منه إليه ، تحقيق لتوحيد الربوبية والإيمان بالقدر ، فهو يفر من المحذوروالمكروه الذي هو* قدر* الله ومشيئته ، إلى رحمته و بره* ولطفه ، وهذا التصورالمتكامل ، إذا تمكّن من القلب ، أورثه تعلقه بالله وحده محبة وخوفا ورجاء ، وانقطاع الطمع في غيره :
كما قال* عليه الصلاة والسلام داعيا ، ضارعا : (لا ملجأ ولا منجى* منك إلا إليك )

* الهجرة إلى الله حقيقتها ومقتضاها .
هي مقتضي النطق بلا إله إلا الله
قوامها وأصلها* الحب والبغض ،* فيفارق المهاجر ما يبغضه الله ، ويأتي ما يحبه الله ، فلا تكون هجرة حتى تكون من حال إلى حال أحب منه وارغب فيه .

* الهجرة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، حقيقتها ومقتضاها وقوة البيان القرآني* ، للتأكيد على فرضيتها ووجوبها .
- هي مقتضى الشهادة بأن محمدا رسول الله ، فهي فرض عين على كل موحد
جاء في تنزيل الله تعالى :
{ فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا }
فتأكد ت هذه الهجرة المفروضة* بتأكيدات في هذه الآية ، أولها ، القسم بأجلّ مقسم به وهو* الله * ونفي الإيمان وثباته عند المؤمنين حتى يتحاكموا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما جرى بينهم من النزاع في* الدين كله جملة وتفصيلا ، بل لابد لهذ التحاكم من اتصافه بالقبول وانشراح الصدور به
حتى تُسلّم رضا* لاقهرا* وغصبا .
وجاء التأكيد أيضا على هذه الهجرة العينية* في قوله تعالى :
*{ النّبيّ أولى بالمؤمنين من أنفسهم }.

*أصل الشقاء والشر في الدنيا* مخالفة الرسول صلى الله عليه وسلم وكذا سر النجاة والسعادة* في طاعته.
- ضنك الدنيا وشرورها* وما يحدث في العالم من كدر وعدوان، هو* ثمرةوعاقبة مخالفة الرسول والبعد عن طاعته،* وكذا عذاب الآخرة ووخيم عواقبها ، وفي المقابل فإن السعادة* والنجاة في الدنيا والآخرة ، التزام طاعته والسير في ركاب هديه ، فلا شقاء ولا ضلال
قال تعالى :
*{ ذلك خيرٌ وأحسن تأويلًا } أي عاقبة ومآلا
ولتكمل للمؤمن هذه السعادة بالاتباع والطاعة ، عليه دعوة* الخلق إلى هذا الهدى علما وعملا به* ، ومن ثم الصبر والجهاد على هذه الدعوة وما يعترضه من صعاب وعوائق .

🔸️المقصد الثالث
* بيان أن الهدى مصدره الوحي والتنزيل وما خلافه هو الضلال والباطل .
▪️ مسائله :
** أقسام المبطلين الضالين من المتبوعين** و التعريف بهم وأصل ضلال كل فئة .
قال تعالى :
{ اتّبعوا ما أنزل إليكم من ربّكم ولا تتّبعوا من دونه أولياء قليلًا ما تذكّرون }
فلا حجة بعد هذا ولا جدال في أن الهدى أصله الوحي* المنزل على الرسول صلى الله عليه وسلم وأن ماعداه هو أراء العقول وأهوائها
أما* أهل الباطل فهم على ضربين :
*{ افترى على اللّه كذبًا أو كذّب بآياته }
1 - المُفتري من وضع الباطل وزينه* ودعا الناس إليه. فهذا* كَفر وهلك* لكونه واضع للباطل داع إليه.
2 -* رادّ الحق المُكذب به* ، وهذا كُفره وهلاكه لتكذيبه للحق* ورده .
وبقى* الكلام على صنف ثالث ، يَدّعون مقالا* أنهم تُبعٌ لأئمة هدى ، وهم يُخالفونهم حالا* ، فما نفعتهم هذه الموالاة وهذه الدعوى ، قال عزّ من قائل :
*{ إذ تبرّأ الّذين اتّبعوا من الّذين اتّبعوا ورأوا العذاب وتقطّعت بهم الأسباب * وقال الّذين اتّبعوا لو أنّ لنا كرّةً فنتبرّأ منهم كما تبرّءوا منّا كذلك يريهم اللّه أعمالهم حسراتٍ عليهم وما هم بخارجين من النّار }

*أقسام المهديين من المتبوعين ، ودلالة السنة على هذا التقسيم .
- القسم الأول : هم الصفوة ، الصحابة، ترضي الله عنهم* في كتابه،* قرآنا يتلى إلى يوم الدين ، منزلة لاتنال ولا تدرك .
- القسم الثاني :* من تبع هؤلاء الصحابة المرضي عنهم ، بإحسان إلى يوم الدين ، من التابعين الذين* أدركوا الصحابة ورأوهم*** ومن جاء بعدهم بالتتابع على مر الزمان ،* على شرط الاقتداء والاهتداء* بهم* ، وقسم ثالث موعود بالسعادة ، وهم ذريةٌ دون البلوغ والتكليف يُلحقُون بالآباء السعداء* لتقر عينهم بالاجتماع بهم في دار السرور . وتكمل* عاقبتهم سرورا .
* قال تعالى :
{ والّذين آمنوا واتّبعتهم ذرّيّتهم بإيمانٍ ألحقنا بهم ذرّيّتهم وما ألتناهم من عملهم من شيءٍ كلّ امرئٍ بما كسب رهينٌ }.
كما جاء في حديثه عليه الصلاة والسلام ، في وصف أقسام الناس تجاه من أُنزل عليه* من الهدى والوحي
* بين مهديين وضالّين* وما بين كل* قسم من تفاوت وتباين في الهدى والضلال
ومن ثَم التفاوت* في العواقب* ، فريق في النار شقي ، وفريق في الجنة* سعيد :
( مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم: كمثل غيثٍ أصاب أرضًا؛ فكانت منها طائفةٌ طبّبةٌ قبلت الماء؛ فأنبتت الكلأ والعشب الكثير، وكان منها أجادب أمسكت الماء؛ فسقى الناس وزرعوا، وأصاب طائفة أخرى إنما هي قيعانٌ لا تمسك ماءً ولا تنبت كلأً، فذلك مثل من فقه في دين الله، ونفعه ما بعثني الله به، ومثل من لم يرفع بذلك رأسًا, ولم يقبل هدى الله الذي أرسلت به".

🔸️المقصد الرابع
* ️الهجرة إلى الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ، زادُها،* والصبر على طول** السفر .
▪️مسائله :
** دوام الصلة* بكتاب الله تعالى على وجه التدبر والنظر ، وعرض مثال مطول على المراد بالتدبر .
- بعد ملازمة المهاجرللصبر واتخاذه مطية وبذل غاية الوسع في هذه الهجرة المفروضة العينية ، مُلتجِأ ، مُفتقِرا* مُتوكلا مُستعينا بربه ،* ولا يتحقق له هذا* ولا يتحصل عليه ، إلا بالقرب من* كتاب الله على وجه التدبر والتفكر ، حتى تملأ عليه معاني الكتاب الكريم أقطار قلبه وروحه ، فتصير* هاديه وحاذيه في سفره كله* فتُطوى له المراحل وتنزوي له الأرض .*
وللدلالة والاشادة بهذا المقام الكريم* وهذه الحدائق المونقة من النظر في معاني كلام الله تعالى* ، استخرج ابن القيم رحمه الله من قوله تعالى :
{ هل أتاك حديث ضيف إبراهيم المكرمين } لطائف عزيزة وأسرار دقيقة ، لا تكون إلا بإطالة النظر وملازمة الصحبة لكتاب الله على وجه الاستهداء والتصديق .

* مصاحبة أهل الحق الذين ماتوا عليه ولم يفتنوا .
والحي تُخشي عليه الفتنة ، فليجعل رفقائه وندمائه ممن غادروا هذه الدنيا على الإيمان والإحسان فهم أهل للتأسي بهم واتباع خطاهم ، تشتعل همته* بسِيرِهم ويزداد توقا بذكرهم وخبرهم .

* العيش كالغريب ، ومخالطة الناس بتوفية حقوقهم* ، ودليله وهاديه :
{ خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين }
- يعايشهم بالإحسان وبذل الواجب والمندوب ، يراعيهم رحمةً ويأمرهم بالمعروف* وينهاهم عن المنكر ، يعادي ويوالى في الله،* وهو في كل هذا غريب عنهم بحسن الصيانة ، قريب منهم بإحسانه .

🔸️المقصد* الخامس
*** أسباب الوصول* لكمال الخلق القرآني .
▪️مسائله :
* لين الجانب* وسهولة النفس* ، لتسمع وتنقاد .
- إن النفس متى كانت لينة هينة ، سَهُل عليها الانقياد للخير وبذله والتواضع للخلق والتغافل عن غلطاتهم ، بخلاق الطبع الجافي القاسي .

* قوة النفس القاهرة* في مقابل سطوة الشهوة و الهوى .
- ان تكون النفس* غلابة لهواها ، ترى معالى الأمور وتمضي لها ، تُجافي الكسل والخمول ، وتكره* البطالة والهمود ، فهي في كدّ وجهاد ، ورفعة وازدياد .

* علم أصيل يرى به حقائق الأشياء فلايخفى عليه الحق و الباطل .
- لاعمل إلا ويسبقه علم صحيح نافع ، صافي المورد لاتشوبه الشوائب ، يسير على هداه ويقتفي مناراته .

🔸️استخلاص المقاصد الفرعية :
1-* ️جماع مصالح العباد في الدنيا والآخرة في قوله تعالى:
*{ وتعاونوا على البرّ والتّقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان واتّقوا اللّه إنّ اللّه شديد العقاب }.

️** 2-* أوجب الهجرات* وأفرضها الهجرة إلى الله ورسوله صلى الله عليه وسلم .

* 3-* بيان أن الهدى مصدره الوحي والتنزيل وما خلافه هو الضلال والباطل .

4 - ️الهجرة إلى الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ، زادُها والصبر على طول** السفر .

5-* أسباب الوصول* لكمال الخلق القرآني .

🔸️استخلاص المقصد الكلي*
* لا سعادة في الدارين إلا بتقوى الله وتعاون العباد على البر والتقوى فيما بينهم*، وحقيقة هذه السعادة وسبيلها :
لزوم الهجرة إلى الله ورسوله حتى الممات *
أحسنت نفع الله بك
أ
لو تقللي من استخدام النجمة (*)

رد مع اقتباس
  #7  
قديم 19 جمادى الأولى 1444هـ/12-12-2022م, 01:21 PM
سعاد مختار سعاد مختار غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المستوى الخامس
 
تاريخ التسجيل: Sep 2019
المشاركات: 307
افتراضي

جزاكم الله عنا دوما خيرا
لم أضع كل هذا الكم من * ، وجدته بعد تنزيل النص ، وتفجاءت انا أيضا ؛
شكرا للتنبيه

رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
الثاني, التطبيق

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 06:05 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir