قال أبو عبد الله عبيد الله بن محمد بن بطة العكبري الحنبلي (ت: 387هـ): (بابٌ [الإبانة الكبرى: 5/355]
بيان كفر طائفةٍ من الجهميّة زعموا أنّ القرآن ليس في صدور الرّجال
[الإبانة الكبرى: 5/355]
164 - حدّثنا أبو حفصٍ عمر بن محمّد بن رجاءٍ قال: حدّثنا أبو نصرٍ عصمة بن أبي عصمة، قال: حدّثنا الفضل بن زيادٍ، قال: حدّثنا أبو طالبٍ أحمد بن حميدٍ، عن أبي عبد اللّه، قلت: " قد جاءت جهميّةٌ رابعةٌ، قال: ما هي؟، قلت: زعموا أنّ إنسانًا أنت تعرفه قال: من زعم أنّ القرآن في صدره، فقد زعم أنّ في صدره من الإلهيّة شيئًا، قال: ومن قال هذا، فقد قال مثل ما قالت النّصارى في عيسى، أنّ كلمة اللّه فيه. فقال: ما سمعت بمثل هذا قطّ، قلت: هذه الجهميّة، قال: أكثر من الجهميّة، من قال هذا؟ قلت: إنسانٌ، قال: لا تكتم عليّ مثل هذا، قلت: موسى بن عقبة، وأقرأته الكتاب فقال: إنّا للّه وإنّا إليه راجعون، فقال: ليس هذا صاحب حديثٍ، وإنّما هو صاحب كلامٍ، لا يفلح صاحب كلامٍ، واستعظم ذلك، وقال: هذا أكثر من الجهميّة، قال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: «ينزع القرآن من صدوركم»، وقال: في
[الإبانة الكبرى: 5/355]
صدورنا وأبنائنا، هذا أكثر من الجهميّة " ثمّ قلت: إنّه قد أقرّ بما كتب به، وقال: أستغفر اللّه، فقال: لا يقبل منه ولا كرامة، يجحد ويحلف ثمّ يقرّ، ليته بعد كذا وكذا سنةً إذا عرف منه التّوبة يقبل منه، لا يكلّم ويجفى، ومن كلّمه وقد علم، فلا يكلّم
[الإبانة الكبرى: 5/357]
165 - حدّثنا أبو حفصٍ، قال: حدّثنا أبو نصرٍ، قال: حدّثنا الفضل بن زيادٍ، قال: قلت لأبي عبد اللّه: إنّ ابن عمٍّ لي قدم من طرسوس، فأخبرني عنهم أنّهم يحبّون أن يعلموا رأيك في الّذي تكلّم به موسى بن عقبة، فقال: قد كنت تكلّمت بكلامٍ فيه، قلت: إنّهم يريدون منك حركةً في أمره، فقال: قد أخرجت فيه أحاديث، وادفع إليّ كاغدًا حتّى أخرجها إليك، فقام، فأخرجت كتابًا فدفعه إليّ، فقال: اقرأ عليّ، فقرأت الأحاديث، ودفع إليّ طبق كاغدٍ من عنده فقال: انسخه، فنسخته، وعارضت به، وصحّحته " قال الشّيخ: قد أتيت أنا بالأحاديث الّتي أخرجها أبو عبد اللّه من غير رواية الفضل، لطول الأسانيد في طريقه، وبعضها عن الفضل حسب ما وفّق اللّه عزّ وجلّ
[الإبانة الكبرى: 5/357]
166 - حدّثنا الحسين بن إسماعيل المحامليّ، قال: حدّثنا يوسف بن
[الإبانة الكبرى: 5/357]
موسى، قال: حدّثنا جريرٌ، عن قابوس، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «إنّ الرّجل الّذي ليس في جوفه من القرآن شيءٌ كالبيت الخارب»
[الإبانة الكبرى: 5/358]
167 - حدّثنا إسحاق الكاذيّ، قال: حدّثنا عبد اللّه بن أحمد، قال:
[الإبانة الكبرى: 5/358]
حدّثني أبي قال: حدّثنا محمّد بن جعفرٍ، وحجّاجٌ، قالا: حدّثنا شعبة، عن منصورٍ، عن أبي وائلٍ، عن عبد اللّه، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم أنّه قال: " بئس ما لأحدكم، أو بئس لأحدكم، أن يقول: نسيت آية كيت وكيت، بل هو نسّي، واستذكروا القرآن، فإنّه أسرع تفصّيًا في صدور الرّجال من النّعم من عقله،
[الإبانة الكبرى: 5/359]
أو بعقله "
[الإبانة الكبرى: 5/360]
168 - حدّثنا إسماعيل بن محمّدٍ الصّفّار، قال: حدّثنا أحمد بن منصورٍ الرّماديّ، قال: حدّثنا عبد الرّزّاق قال: حدّثنا سفيان، عن منصورٍ، عن أبي وائلٍ، عن ابن مسعودٍ، يرفعه إلى النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال: " تعاهدوا القرآن، فإنّه أشدّ تفصّيًا من صدور الرّجال من النّعم من عقلها، بئسما لأحدكم أن يقول: نسيت آية كيت وكيت، بل هو نسّي "
[الإبانة الكبرى: 5/360]
169 - حدّثنا أبو عبد اللّه أحمد بن عليّ بن العلاء قال: حدّثنا يوسف بن موسى، قال: حدّثنا أبو أسامة، عن أبي بردة
170 - وحدّثنا إسحاق الكاذيّ، قال: حدّثنا عبد اللّه بن أحمد، قال: حدّثني أبي قال: حدّثنا إسماعيل بن زكريّا، عن بريدٍ، عن أبي بردة، عن أبي موسى، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «تعاهدوا هذا القرآن، فلهو أشدّ تفلّتًا من قلوب الرّجال من الإبل من عقله»
[الإبانة الكبرى: 5/361]
171 - حدّثنا إسحاق الكاذيّ، قال: حدّثنا عبد اللّه بن أحمد، قال: حدّثني أبي قال: حدّثنا عبد اللّه بن يزيد المقرئ، قال: حدّثنا قباث بن رزينٍ اللّخميّ، قال: سمعت عقبة بن عامرٍ الجهنيّ، يقول: كنّا جلوسًا في المسجد نقرأ القرآن، فدخل رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم علينا، فرددنا عليه السّلام، ثمّ قال: «تعلّموا كتاب اللّه واقتنوه» قال قباثٌ: وحسبته قال: «وتغنّوا به، فوالّذي نفس محمّدٍ بيده، لهو أشدّ تفلّتًا من المخاض من العقل»
[الإبانة الكبرى: 5/362]
172 - حدّثنا النّيسابوريّ، قال: حدّثنا يوسف بن سعيد بن مسلمٍ، قال: حدّثنا حجّاج بن محمّدٍ، قال: حدّثنا حريز بن عثمان، عن سليمان بن شرحبيل، عن أبي أمامة، قال: «اقرءوا القرآن، ولا تغرّنّكم هذه المصاحف المعلّقة، فإنّ اللّه عزّ وجلّ لا يعذّب قلبًا وعى القرآن»
[الإبانة الكبرى: 5/363]
173 - حدّثنا إسحاق بن أحمد الكاذيّ، قال: حدّثنا عبد اللّه بن أحمد،
[الإبانة الكبرى: 5/363]
قال: حدّثني أبي قال: حدّثنا حسين بن محمّدٍ، قال: حدّثنا أبو معشرٍ، عن سعيدٍ المقبريّ، عن أبي هريرة، قال: «من أخذ القرآن وهو شابٌّ اختلط بلحمه ودمه، وكان رفيق السّفرة الكرام البررة، ومن أخذه كبيرًا وهو حريصٌ عليه ويتفلّت منه، فذاك الّذي له أجره مرّتين»
[الإبانة الكبرى: 5/364]
174 - حدّثنا أبو ذرٍّ أحمد بن محمّد بن الباغنديّ قال: حدّثنا سعدان بن نصرٍ، قال: حدّثنا سفيان بن عيينة، عن عبد العزيز بن رفيعٍ، عن شدّاد بن معقلٍ، عن عبد اللّه، قال: " أوّل ما تفقدون من دينكم الأمانة، وآخر ما يبقى الصّلاة، وإنّ هذا القرآن يوشك أن يرفع، قيل: وكيف يرفع وقد أثبتناه في مصاحفنا وفي قلوبنا؟ قال: يسرى عليه ليلًا، فيذهب ما في مصاحفكم، ويذهب ما في صدوركم "
[الإبانة الكبرى: 5/365]
175 - حدّثنا أبو شيبة عبد العزيز بن جعفرٍ، قال: حدّثنا أبو عبد اللّه محمّد بن إسماعيل قال: حدّثنا وكيعٌ، قال: حدّثنا سفيان، عن عبد العزيز بن
[الإبانة الكبرى: 5/365]
رفيعٍ، عن شدّاد بن معقلٍ، عن عبد اللّه بن مسعودٍ، قال: «يسرى على القرآن، فلا يبقى في صدر رجلٍ، ولا في مصحفٍ شيءٌ» قلنا: وكيف يسرى عليه ليلًا وقد أثبتناه في صدورنا ومصاحفنا؟ قال: يسرى عليه ليلًا، فلا يبقى في صدر رجلٍ ولا مصحفٍ شيءٌ، ثمّ قرأ عبد اللّه: {ولئن شئنا لنذهبنّ بالّذي أوحينا إليك ثمّ لا تجد لك به علينا وكيلًا} [الإسراء: 86]
176 - قال وكيعٌ: قال سفيان: حدّثني أبي، عن المسيّب بن رافعٍ، عن شدّاد بن معقلٍ، عن عبد اللّه، مثله، وزاد فيه: «يصبح النّاس كأمثال البهائم»
[الإبانة الكبرى: 5/366]
177 - حدّثنا أبو حفصٍ، قال: حدّثنا أبو نصرٍ، قال: حدّثنا الفضل بن زيادٍ، قال: قرأت على أحمد: هاشم بن القاسم قال: حدّثنا أبو جعفرٍ
[الإبانة الكبرى: 5/366]
الرّازيّ، عن الرّبيع بن أنسٍ، عن أبي العالية، أو غيره، عن أبي هريرة، في قوله: {سبحان الّذي أسرى بعبده ليلًا من المسجد الحرام} [الإسراء: 1] فذكر الحديث، أعني حديث الإسراء حتّى بلغ إلى قوله: " وجعلت من أمّتك قومًا قلوبهم أناجيلهم، قال أحمد: هذا أردت: وجعلتك أوّل النّبيّين خلقًا، وآخرهم بعثًا، وأوّلهم مقضيًّا له "، فذكر الحديث قال، يعني الفضل،: قال
[الإبانة الكبرى: 5/367]
لي أحمد: أوليس أوّل النّبيّين خلقًا، يعني {وإذ أخذنا من النّبيّين ميثاقهم ومنك ومن نوحٍ} [الأحزاب: 7]، فبدأ به
[الإبانة الكبرى: 5/368]
178 - حدّثنا إسحاق بن أحمد الكاذيّ، قال: حدّثنا عبد اللّه بن أحمد، قال: حدّثني أبي قال: حدّثنا حسين بن محمّدٍ
179 - وحدّثنا أبو عليّ بن الصّوّاف، قال: حدّثنا إسحاق بن الحسن الحربيّ، قال: حدّثنا حسين بن محمّدٍ، قال: حدّثنا شيبان، عن قتادة،
[الإبانة الكبرى: 5/368]
قال: حدّثنا رجلٌ، من أهل العلم، أنّ نبيّ اللّه موسى عليه السّلام قال لمّا أخذ الألواح، قال: ربّ أجد في الألواح أمّةً أناجيلهم في قلوبهم يقرءونها ". قال قتادة: " وكان من قبلكم إنّما يقرءون كتابهم نظرًا، فإذا رفعه من بين يديه، لم يحفظه ولم يعه، وإنّ اللّه أعطاكم أيّتها الأمّة من الحفظ شيئًا لم يعطه أحدًا قبلكم. قال: " ربّ فاجعلها أمّتي، قال: تلك أمّة أحمد "
[الإبانة الكبرى: 5/369]
180 - حدّثنا أبو بكرٍ يوسف بن يعقوب بن البهلول قال: حدّثنا الحسن بن عمر، قال: حدّثنا هشيمٌ، عن أبي بشرٍ، عن نافع بن جبير بن مطعمٍ، في
[الإبانة الكبرى: 5/369]
قراءة القرآن وهو على غير طهارةٍ، قال: لا بأس، أليس القرآن في جوفه؟
[الإبانة الكبرى: 5/370]
181 - حدّثنا أبو الحسن أحمد بن محمّد بن يزيد الزّعفرانيّ قال: حدّثنا عليّ بن حربٍ، قال: حدّثنا أبو معاوية، قال: حدّثنا شعبة، عن حمّادٍ،
[الإبانة الكبرى: 5/370]
قال: سألت سعيد بن المسيّب عن قراءة القرآن وأنا جنبٌ، قال: «أوليس في جوفك؟» قال الشّيخ: ففي هذه الأحاديث بيان كذب من زعم أنّ القرآن لا يكون في صدور المسلمين وقلوبهم، فالمنكر لذلك ضالٌّ مبتدعٌ، وفي هذا الباب أحاديث كثيرةٌ تدلّ على صحّة ما قلناه وروّيناه، تركتها خوفًا من الإكثار، واللّه أسأل صوابًا بتوفيقه، وتسديدًا لمرضاته
[الإبانة الكبرى: 5/371]