دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > الأقسام العامة > المنتديات > المنتدى العام

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 6 رجب 1431هـ/17-06-2010م, 10:46 AM
الصورة الرمزية ساجدة فاروق
ساجدة فاروق ساجدة فاروق غير متواجد حالياً
هيئة الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 6,511
افتراضي حول شهر رجب

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله الواحد القهار والصلاة والسلام على النبي المختار وعلى آله وصحبه الطيبين الأطهار، وبعد .. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

فالحمد لله القائل: {وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاء وَيَخْتَارُ} [القصص:68]، والاختيار هو الاجتباء والاصطفاء الدال على ربوبيته ووحدانيته وكمال حكمته وعلمه وقدرته.
ومن اختياره وتفضيله اختياره بعض الأيام والشهور وتفضيلها على بعض، وقد اختار الله من بين الشهور أربعة حُرما قال تعالى: {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَات وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلاَ تَظْلِمُواْ فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ} [التوبة:36] وهي مقدرة بسير القمر وطلوعه لا بسير الشمس وانتقالها كما يفعله الكفار.

والأشهر الحرم وردت في الآية مبهمة ولم تحدد أسماؤها وجاءت السُنة بذكرها: فعن أبي بكرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - خطب في حجة الوداع وقال في خطبته: «إن الزمان قد استدار كهيئة يوم خلق السماوات والأرض، السنة اثنا عشر شهرا، منها أربعة حرم، ثلاث متواليات ذو القَعدة وذو الحجة والمحرم، ورجب مضر الذي بين جمادى وشعبان» [صحيح البخاري:1741 في الحج باب الخطبة أيام منى، صحيح مسلم:1679 في القسامة باب تحريم الدماء] .

وسمي رجب مضر لأن مضر (من قبائل العرب) كانت لا تغيره بل توقعه في وقته بخلاف باقي العرب الذين كانوا يغيّرون ويبدلون في الشهور بحسب حالة الحرب عندهم وهو النسيء المذكور في قوله تعالى: {إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُواْ يُحِلِّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا لِّيُوَاطِؤُواْ عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللّهُ فَيُحِلُّواْ مَا حَرَّمَ اللّهُ} [التوبة:37].
وقيل أن سبب نسبته إلى مضر أنها كانت تزيد في تعظيمه واحترامه فنسب إليهم لذلك.


سبب تسميته:
قال ابن فارس في معجم مقاييس اللغة [ص445]: رجب: الراء والجيم والباء أصلٌ يدل على دعم شيء بشيء وتقويته، ومن هذا الباب: رجبت الشيء أي عظّمته، فسمي رجبا لأنهم كانوا يعظّمونه وقد عظمته الشريعة أيضا ا.هـ.

وقد كان أهل الجاهلية يسمون شهر رجب مُنصّل الأسنّة كما جاء عن أبي رجاء العطاردي قال: كنا نعبد الحجر فإذا وجدنا حجرا هو أخيرُ منه ألقيناه وأخذنا الآخر، فإذا لم نجد حجرا جمعنا جثوة (كوم من تراب) ثم جئنا بالشاة فحلبناه عليه ثم طفنا به فإذا دخل شهر رجب قلنا مُنصّل الأسنة فلا ندع رمحا فيه حديدة ولا سهما فيه حديدة إلا نزعناه وألقيناه في شهر رجب [رواه البخاري:4376].

قال البيهقي: كان أهل الجاهلية يعظّمون هذه الأشهر الحرم وخاصة شهرَ رجب فكانوا لا يقاتلون فيه ا.هـ.

رجب شهر حرام:
إن للأشهر الحرم مكانةً عظيمة ومنها شهر رجب لأنه أحد هذه الأشهر الحرم قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُحِلُّواْ شَعَآئِرَ اللّهِ وَلاَ الشَّهْرَ الْحَرَامَ} [المائدة:2]، أي لا تحلوا محرماته التي أمركم الله بتعظيمها ونهاكم عن ارتكابها فالنهي يشمل فعل القبيح ويشمل اعتقاده.
وقال تعالى: {فلا تظلموا فيهن أنفسكم} [التوبة:36]، أي في هذه الأشهر المحرمة. والضمير في الآية عائد إلى هذه الأشهر الأربعة على ما قرره إمام المفسرين ابن جرير الطبري - رحمه الله - فينبغي مراعاة حرمة هذه الأشهر لما خصها الله به من المنزلة، والحذر من الوقوع في المعاصي والآثام تقديرا لما لها من حرمة، ولأن المعاصي تعظم بسبب شرف الزمان الذي حرّمه الله، ولذلك حذرنا الله في الآية السابقة من ظلم النفس فيها مع أنه - أي ظلم النفس ويشمل المعاصي - يحرم في جميع الشهور.


القتال في الشهر الحرام:
قال تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ} [البقرة:217].
جمهور العلماء على أن القتال في الأشهر الحرم منسوخ بقوله تعالى: {فَإِذَا انسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُواْ الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ} [التوبة:5]، وغير ذلك من العمومات التي فيها الأمر بقتالهم مطلقا.
واستدلوا بأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قاتل أهل الطائف في ذي القعدة وهو من الأشهر الحرم.
وقال آخرون: لا يجوز ابتداء القتال في الأشهر الحرم، وأما استدامته وتكميله إذا كان أوله في غيرها فإنه يجوز. وحملوا قتال النبي - صلى الله عليه وسلم - لأهل الطائف على ذلك لأن أول قتالهم في حنين في شوال.
وكل هذا في القتال الذي ليس المقصود فيه الدفع، فإذا دهم العدو بلدا للمسلمين وجب على أهلها القتال دفاعا سواء كان في الشهر الحرام أو في غيره.


العَتِيرَة:
كانت العرب في الجاهلية تذبح ذبيحة في رجب يتقربون بها لأوثانهم، فلما جاء الإسلام بالذبح لله تعالى بطل فعل أهل الجاهلية. واختلف الفقهاء في حكم ذبيحة رجب فذهب الجمهور من الحنفية والمالكية والحنابلة إلى أن فعل العتيرة منسوخ واستدلوا بقول النبي صلى الله عليه وسلم: «لا فرع ولا عتيرة» [رواه البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة].
وذهب الشافعية إلى عدم نسخ طلب العتيرة وقالوا تستحب العتيرة وهو قول ابن سيرين.
قال ابن حجر: ويؤيده ما أخرجه ابوداود والنسائي وابن ماجة وصححه الحاكم وابن المنذر عن نُبيشة قال: نادى رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنا كنا نعتر عتيرة في الجاهلية في رجب فما تأمرنا؟ قال: «اذبحوا في أي شهر كان ……الحديث».
قال ابن حجر: فلم يبطل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - العتيرة من أصلها وإنما أبطل خصوص الذبح في شهر رجب .


الصوم في رجب:
لم يصح في فضل الصوم في رجب بخصوصه شيء عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا عن أصحابه .
وإنما يشرع فيه من الصيام ما يشرع في غيره من الشهور، من صيام الاثنين والخميس والأيام الثلاثة البيض وصيام يوم وإفطار يوم، والصيام من سرر الشهر، وسرر الشهر قال بعض العلماء أنه أول الشهر وقال البعض أنه أوسط الشهر وقيل أيضا أنه آخر الشهر. وقد كان عمر - رضي الله عنه - ينهى عن صيام رجب لما فيه من التشبه بالجاهلية كما ورد عن خرشة بن الحر قال: رأيت عمر يضرب أكف المترجبين حتى يضعوها في الطعام ويقول: كلوا فإنما هو شهر كانت تعظمه الجاهلية [الإرواء:957 وقال الألباني : صحيح].

قال الإمام ابن القيم: ولم يصم - صلى الله عليه وسلم - الثلاثة أشهر سردا (أي رجب وشعبان ورمضان) كما يفعله بعض الناس ولا صام رجبا قط ولا استحب صيامه .
وقال الحافظ ابن حجر في تبين العجب بما ورد في فضل رجب: لم يرد في فضل شهر رجب ولا في صيامه ولا في صيام شيء منه معيّن ولا في قيام ليلة مخصوصة فيه حديث صحيح يصلح للحجة وقد سبقني إلى الجزم بذلك الإمام أبو إسماعيل الهروي الحافظ وكذلك رويناه عن غيره.
وفي فتاوى اللجنة الدائمة: أما تخصيص أيام من رجب بالصوم فلا نعلم له أصلا في الشرع.



العُمرة في رجب :
دلت الأحاديث على أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يعتمر في رجب كما ورد عن مجاهد قال: دخلت أنا وعروة بن الزبير المسجد فإذا عبدالله بن عمر جالس إلى حجرة عائشة - رضي الله عنها - فسئل: كم اعتمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «أربعا إحداهن في رجب»، فكرهنا أن نرد عليه قال: وسمعنا استنان عائشة أم المؤمنين (أي صوت السواك) في الحجرة فقال عروة: يا أماه يا أم المؤمنين ألا تسمعين ما يقول أبو عبدالرحمن؟ قالت: ما يقول؟ قال يقول: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - اعتمر أربع عمرات إحداهنّ في رجب. قالت: «رحم الله أبا عبد الرحمن ما اعتمر عمرة إلا وهو شاهد (أي حاضر معه) وما اعتمر في رجب قط» [متفق عليه وجاء عند مسلم: وابن عمر يسمع فما قال لا ولا نعم].


قال النووي: سكوت ابن عمر على إنكار عائشة يدل على أنه كان اشتبه عليه أو نسي أو شك.
ولهذا كان من البدع المحدثة في مثل هذا الشهر تخصيص رجب بالعمرة واعتقاد أن العمرة في رجب فيها فضل معيّن ولم يرد في ذلك نص إلى جانب أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يثبت عنه أنه اعتمر في رجب قال الشيخ علي بن إبراهيم العطار المتوفى سنة 724هـ: ومما بلغني عن أهل مكة زادها الله شرفا اعتياد كثرة الاعتمار في رجب وهذا مما لا أعلم له أصلا بل ثبت في حديث أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قال: عمرة في رمضان تعدل حجة.

وقال الشيخ محمد بن إبراهيم - رحمه الله - في فتاويه: أما تخصيص بعض أيام رجب بأي شيء من الأعمال كالزيارة وغيرها فلا أصل له لما قرره الإمام أبو شامة في كتاب البدع والحوادث وهو أن تخصيص العبادات بأوقات لم يخصّصها بها الشرع لا ينبغي إذ لا فضل لأي وقت على وقت آخر إلا ما فضله الشرع بنوع من العبادة أو فضل جميع أعمال البر فيه دون غيره ولهذا أنكر العلماء تخصيص شهر رجب بكثرة الاعتمار فيه ا.هـ.
ولكن لو ذهب الإنسان للعمرة في رجب من غير اعتقاد فضل معيّن بل كان مصادفة أو لأنّه تيسّر له في هذا الوقت فلا بأس بذلك .


البدع المحدثة في شهر رجب :
إن الابتداع في الدين من الأمور الخطيرة التي تناقض نصوص الكتاب والسنة فالنبي - صلى الله عليه وسلم - لم يمت إلا وقد اكتمل الدين قال تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا} [المائدة:3] وجاء عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: قال رسول الله عليه وسلم: «من أحدث في أمرنا ما ليس منه فهو رد» [متفق عليه وفي رواية لمسلم: من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد].



وقد ابتدع بعض الناس في رجب أمورا متعددة فمن ذلك :
-صلاة الرغائب: وهذه الصلاة شاعت بعد القرون المفضلة وبخاصة في المائة الرابعة وقد اختلقها بعض الكذابين وهي تقام في أول ليلة من رجب قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: صلاة الرغائب بدعة باتفاق أئمة الدين كمالك والشافعي وأبي حنيفة والثوري والأوزاعي والليث وغيرهم والحديث المروي فيها كذب بإجماع لأهل المعرفة بالحديث ا.هـ.

- قد روي أنه كان في شهر رجب حوادث عظيمة، ولم يصح شيء من ذلك، فروي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - وُلد في أول ليلة منه، وأنه بعث في ليلة السابع والعشرين منه، وقيل: في الخامس والعشرين، ولا يصح شيء من ذلك، وروي بإسناد لا يصح عن القاسم بن محمد أن الإسراء بالنبي كان في السابع والعشرين من رجب، وأنكر ذلك إبراهيم الحربي وغيره.

فأصبح من بدع هذا الشهر قراءة قصة المعراج والاحتفال بها في ليلة السابع والعشرين من رجب، وتخصيص تلك الليلة بزيادة عبادة كقيام ليل أو صيام نهار، أو ما يظهر فيها من الفرح والغبطة، وما يقام من احتفالات تصاحبها المحرمات الصريحة كالاختلاط والأغاني والموسيقى وهذا كله لا يجوز في العيدين الشرعيين فضلا عن الأعياد المبتدعة، أضف إلى ذلك أن هذا التاريخ لم يثبت جزما وقوع الإسراء والمعراج فيه، ولو ثبت فلا يعد ذلك شرعا مبررا للاحتفال فيه لعدم ورود ذلك عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا عن الصحابة - رضوان الله عليهم - ولا عن أحد من سلف هذه الأمة الأخيار ولو كان خيراً لسبقونا إليه، والله المستعان.

-صلاة أم داود في نصف رجب.
-التصدق عن روح الموتى في رجب.
-الأدعية التي تقال في رجب بخصوصه كلها مخترعة ومبتدعة.
-تخصيص زيارة المقابر في رجب وهذه بدعة محدثة أيضا فالزيارة تكون في أي وقت من العام.

نسأل الله أن يجعلنا ممن يعظّمون حرماته ويلتزمون بسنة النبي - صلى الله عليه وسلم - ظاهرا وباطنا إنه ولي ذلك والقادر عليه وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.


نقل بتصرف عن : موقع الإسلام سؤال وجواب

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 8 رجب 1431هـ/19-06-2010م, 07:25 PM
موسى موسى غير متواجد حالياً
برنامج الإعداد العلمي - المتابعة الذاتية
 
تاريخ التسجيل: Dec 2009
المشاركات: 483
افتراضي

جزاكم الله كل الخير مشرفتنا الفاضلة

اسمحلي ببعض الإضافة

رد مع اقتباس
  #3  
قديم 8 رجب 1431هـ/19-06-2010م, 07:27 PM
موسى موسى غير متواجد حالياً
برنامج الإعداد العلمي - المتابعة الذاتية
 
تاريخ التسجيل: Dec 2009
المشاركات: 483
افتراضي

الحمد لله وحده، والصَّلاة والسَّلام على من لا نبي بعده، سيِّدنا محمد وعلى آله وصحبه؛ وبعد:

فمن المعلوم عند جميع المسلمين أنَّ شهر رجب من الأشهر الحُرُمِ التي قال الله فيها : { إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَات وَالأَرْضَ مِنْهَآ أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلاَ تَظْلِمُواْ فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ }. [التوبة:36].

وثبت في الصحيحين «أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم خطب في حجَّة الوداع فقال في خطبته: (إنَّ الزَّمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السموات والأرض، السنة اثنا عشر شهراً، منها أربعة حُرُمٌ، ثلاثة متواليات: ذو القعدة، وذو الحجَّة، والمحرَّم، ورجب مضر الذي بين جمادى وشعبان) ».


لِمَ سُمِّيت هذه الأشهر الأربعة حُرُماً؟

وقد اختلفوا لِمَ سمِّيت هذه الأشهر حُرُماً، فقيل: لعظم حرمتها وحرمة الذَّنب فيها. قال ابن أبي طلحة عن ابن عباس: "اختصَّ الله أربعة أشهر جعلهنّ حُرُماً وعظَّم حُرُماتهنّ، وجعل الذَّنب فيهنّ أعظم، وجعل العمل الصالح والأجر أعظم".
وقيل: بتحريم القتال فيها.


لِمَ سُمِّي رَجَبٌ رَجَباً؟

قال ابن رجب الحنبلي - رحمه الله تعالى -: سمّي رجبٌ رجباً؛ لأنه كان يرجب، أي يُعظَّم، يُقال: رَجَبَ فلانٌ مولاه، أي عظَّمه. وذكر بعضهم أنَّ لشهر رجب أربعة عشر اسماً، هي: (رجب - رجب مضر - منصل الأسنَّة - الأصمّ - الأصبّ - منفس - مطهر - معلى - مقيم - هرم - مقشقش - مبرىء - فرد - كما أطلق عليه البعض شهر الله).


تعظيم أهل الجاهلية لشهر رجب

-
لقد كان الجاهليون يُعظِّمون هذا الشهر، خصوصاً قبيلة مُضَر، ولذا جاء في الحديث كما سبق: (رجب مُضَر)، قال ابن الأثير في "النهاية": (أضاف رجباً إلى مضر؛ لأنهم كانوا يُعظِّمونه خلاف غيرهم، فكأنهم اختصُّوا به).

فلقد كانوا يُحرِّمون فيه القتال، حتى أنهم كانوا يُسمُّون الحرب التي تقع في هذه الأشهر (حرب الفجار!!). وكانوا يتحرَّون الدعاء في اليوم العاشر منه على الظالم، وكان يُستجاب لهم!
وقد ذُكر ذلك لعمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال: "إنَّ الله كان يصنع بهم ذلك ليحجز بعضهم عن بعض، وإنَّ الله جعل الساعة موعدهم، والساعةُ أدهى وأمرّ".

-
وكانوا يذبحون ذبيحةً تُسمَّى (العَتِيرة)، وهي شاة يذبحونها لأصنامهم، فكان يُصبُّ الدم على رأسها!
و العلماء على أنَّ الإسلام أبطلها، لحديث "الصحيحين": (لا فرْع ولا عَتيرة).

ورُوي عن النبي صلى الله عليه وسلم كما في حديث « أنس بن مالك رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل رجب قال: (اللَّهمَّ بارك لنا في رجب وشعبان وبلِّغنا رمضان) » وإسناده ضعيف.
قال بعض السلف: شهر رجب شهر الزرع، وشعبان شهر السَّقي للزرع، وشهر رمضان حصاد الزرع.


جميع ما أحدث النَّاس في رجب من البدع المنكرة

ومن العجيب أنَّ الناس قد أحدثوا في شهر رجب بدعاً كثيرةً لم ينزل الله بها من سلطان، وهذه البدع التي سأذكرها نبَّه عليها أئمة الإسلام وعلماؤه، كشيخ الإسلام ابن تيمية، وابن القيِّم، والشاطبي، وابن رجب الحنبلي، والطرطوشي، وابن حجر. ومن المعاصرين: الشيخ علي محفوظ، والشُّقيري، والشيخ ابن باز، والألباني والعثيمين - رحمهم الله- والفوزان - حفظه الله -.

وجميع ما سأذكره في مقالتي - أيها القاريء النبيل - من باب قول الشاعر:

عَـَرفْتُ الشَّرَّ لا للشَّر لكنْ لِتَـوَقِّيــــهِ
وَمَنْ لا يَعْرِفِ الشَّرَّ جَدِيرٌ أنْ يقعْ فيه

أولاً: ومن أوائل ما ابتدع النَّاس في رجب الصَّلاة، وهي عندهم على أنواع:
*
منها ما يُسمَّى بـ (الصَّلاة الألفية)، وهي تُصلَّى في أول يوم من رجب، وفي نصف شعبان، وهي غير صلاة الرغائب كما سيأتي.

*
صلاة أُمِّ داود، وهي تُصلَّى في نصف رجب؛ ذكرها شيخ الإسلام في "اقتضاء الصراط المستقيم" (ص293).

*
صلاة الرَّغائب، ويُسمِّيها البعض (الصَّلاة الإثنى عشرية)، وهي تُصلَّى في أول ليلة جمعة بعد العشاء، وقيل: بين العشائين. وهي اثنتي عشرة ركعة، يُقرأ في كلِّ ركعة فاتحة الكتاب مرة و (إِنَّا أَنزلناه في ليلة القدر) ثلاثاً، و(قل هو الله أحد)؛ اثنى عشر مرة، يفصل بين كلِّ ركعتين بتسليمة. وهي صلاة محدثة أُحدثت بعد المائة الرابعة.
قال ابن رجب في "لطائف المعارف" (ص140):
( …
فأما الصلاة فلم يصحّ في شهر رجب صلاة مخصوصة تختصّ به، والأحاديث المروية في فضل صلاة الرَّغائب في أول ليلة جمعة من شهر رجب كذب وباطل لا تصحّ ).

ثانياً: ومما أحدث النَّاس في رجب الصِّيام، وهم فيه على أصناف:
*
فمنهم من يحرص على صيام اليوم الأول والثاني والثالث منه، ويروون في ذلك الأحاديث الموضوعة، كحديث: (من صام ثلاثة أيام من شهرٍ حرامٍ الخميس والجمعة والسبت كتب الله له عبادة تسعمائة سنة). وفي لفظ: (ستين سنة). وحديث: (صوم أول يوم من رجب كفارة ثلاث سنين، والثاني كفارة سنتين، ثم كلّ يوم شهراً) وحديث: (رجب شهر الله، وشعبان شهري، ورمضان شهر أُمَّتي). وكلُّ ذلك كذب مصنوع.

*
ومنهم من يصوم اليوم السابع منه فقط، ويُصلِّي صلاة الرَّغائب في تلك الليلة.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: ( والصواب الذي عليه المحقِّقون من أهل العلم النهي عن إفراد هذا اليوم بالصوم، وعن الصلاة المحدثة، وعن كلَّ ما فيه تعظيم لهذا اليوم من صنعة الأطعمة، وإظهار الزينة ونحو ذلك ).

*
ومنهم من يصوم الشهر كلَّه. قال ابن رجب: ( وأما الصِّيام فلم يصحّ في فضل صوم رجب بخصوصه شيء عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أصحابه ) اهـ.
وجاء عن السَّلف أنهم كانوا ينهون عن صيام رجب كاملاً.
فقد رُوي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه كان يضرب أكفَّ الرِّجال في صوم رجب حتى يضعونها في الطعام ويقول : (ما رجب؟! إنَّ رجباً كان يُعظِّمه أهل الجاهلية، فلما كان الإسلام تُرِكَ).
وفي رواية: كره أن يكون صيامه سُنَّة.

وجاء عن ابن عباس رضي الله عنهما، أنه كان ينهى عن صيام رجب كلِّه.
وعن أبي بكرة رضي الله عنه أنه رأى أهله يتهيأون لصيام رجب، فقال لهم: (أجعلتم رجب كرمضان! وألقى السِّلال، وكسر الكِيزان). وعن ابن عمر رضي الله عنهما أنه كان يرى أن يفطر منه أياماً، وكرهه أنس بن مالك وسعيد بن جبير، وغيرهم.

قال الحافظ ابن حجر في "تبيين العجب بما ورد في فضل رجب" :
(
لم يرد في فضل شهر رجب ولا في صيامه، ولا صيام شيء منه معيَّن، ولا في قيام ليلة مخصوصة فيه حديث صحيح يصلح للحُجَّة).

ثالثاً: زيارة قبر النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم في هذا الشهر.
وزيارة مسجد النبي صلى الله عليه وسلم وقبره مشروع في كلِّ السنة، وهي من جملة القُرُبات والطاعات؛ ولكن تخصيصها بهذا الشهر من البدع التي لم يرد عليها دليل، فتخصيص عبادة بوقت لم يُوقِّته الله ولا رسوله من البدع المحرَّمة؛ فتنبَّه! وقد ذكره الشيخ الألباني في "أحكام الجنائز وبدعها".

رابعاً: الاحتفال بليلة الإسراء والمعراج في ليلة السابع والعشرين منه، وقراءة قصة المعراج، وإطعام الأطعمة والولائم.
وهذا مما أحدثه الناس في هذا الشهر وهو من البدع المنكرة، فيقرأون في ليلة السابع والعشرين منه قصة المعراج المنسوبة إلى ابن عباس، وكلُّها أكاذيب وأضاليل.

وهذا الاحتفال بدعة ولا يجوز، وذلك من وجوه:
الأول: أنَّ أهل العلم مختلفون في تحديد تاريخ وقوع هذه الحادثة العظيمة اختلافاً كبيراً، ولم يقم دليل على تعيين ليلته التي وقع فيها، ولا على الشهر الذي وقع فيه.
الثاني: لو ثبت تعيين تلك الليلة لم يجزْ لنا أن نحتفل فيها، ولا أنْ نُخصِّصها بشيء لم يشرعه الله ولا رسوله.
الثالث: أنه يحصل في تلك الليلة وذلك الاحتفال أمورٌ منكرة. قال بعض أهل العلم : (وقد تفنَّن الناس بما يأتونه في هذه الليلة من المنكرات، وأحدثوا فيها من أنواع البدع ضروباً كثيرةً، كالاجتماع في المساجد وإيقاد الشُّموع والمصابيح فيها).

وأودَّ في هذه العجالة أن أسوق للقاريء الكريم كلاما نفيساً لسماحة المفتي العام للمملكة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز - رحمه الله تعالى - حول هذه المسألة.

قال رحمه الله: (وهذه الليلة التي حصل فيها الإسراء والمعراج لم يأتِ في الأحاديث الصحيحة تعيينها، لا في رجب ولا في غيره، وكلُّ ما ورد في تعيينها فهو غير ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم عند أهل العلم بالحديث).

وحول الحكمة الإلهية من عدم تعيين ومعرفة تلك الليلة بعينها، يقول الشيخ: "ولله الحكمة البالغة في إنساء الناس لها، ولو ثبت تعيينها لم يجزْ للمسلمين أن يخصُّوها بشيء من العبادات، ولم يجزْ لهم أن يحتفلوا بها؛ لأنَّ النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم لم يحتفلوا بها ولم يخصُّوها بشيء، ولو كان الاحتفال بها أمراً مشروعاً لبيَّنه الرَّسول صلى الله عليه وسلم للأُمّة، إما بالقول، وإما بالفعل، ولو وقع شيء من ذلك لعُرفَ واشتهر، ولَنَقَلهُ الصحابة رضي الله عنهم إلينا، فقد نقلوا عن نبيِّهم صلى الله عليه وسلم كلَّ شيء تحتاجه الأُمّة، ولم يُفرِّطوا في شيء من الدين، بل هم السابقون إلى كلِّ خير، ولو كان الاحتفال بهذه الليلة مشروعاً لكانوا أسبق إليه …" إلخ كلامه رحمه الله.

وخلاصة القول: أنَّ البدع مع أنها حَدَثٌ في الدِّين وتغييرٌ للملة؛ فهي آصارٌ وأغلالٌ تُضاع فيها الأوقات، وتُنفق فيها الأموال، وتُتْعب فيها الأجساد!! ولاحول ولا قوة إلا بالله.

وصدق من قال: "والخـَيْرُ في اتِّبـاع مَنْ سَلَفْ والشَّرُّ في ابتداعِ مَنْ خلَفْ". رزق الله الجميع الإخلاص في عبادته، واتِّباع سنَّة نبيِّه صلى الله عليه وسلم ، والموت على ذلك. وصلى الله على سيِّدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

رد مع اقتباس
  #4  
قديم 8 رجب 1431هـ/19-06-2010م, 07:29 PM
موسى موسى غير متواجد حالياً
برنامج الإعداد العلمي - المتابعة الذاتية
 
تاريخ التسجيل: Dec 2009
المشاركات: 483
افتراضي

فضّل الله تعالى بعض الأيام والليالي والشهور على بعض، حسبما اقتضته حكمته البالغة؛ ليجدّ العباد في وجوه البر،ويكثروا فيها من الأعمال الصالحة، ولكن شياطين الإنس والجن عملوا على صدّ الناس عن سواء السبيل، وقعدوا لهم كل مرصد؛ ليحولوا بينهم وبين الخير، فزينوا لطائفة من الناس أن مواسم الفضل والرحمة مجال للهو والراحة، وميدان لتعاطي اللذات والشهوات.

وحرّضوا طوائف أخرى سواء أكانوا ممن قد يملكون نوايا طيبة ولكن غلب عليهم الجهل بأحكام الدين أو من ذوي المصالح والرياسات الدينية أو الدنيوية الخائفين على مصالحهم وزوال مواقعهم من مزاحمة مواسم الخير والسّنّة مواسم مبتدعة ما أنزل الله بها من سلطان.

قال حسان بن عطية: "ما ابتدع قوم بدعة في دينهم إلا نزع الله من سنتهم مثلها، ولا يعيدها إليهم إلى يوم القيامة" (1)، بل قال أيوب السختياني: "ما ازداد صاحب بدعة اجتهاداً إلا زاد من الله بعداً"(2).

ولعل من أبرز تلك المواسم البدعية: ما يقوم به بعض العباد في كثير من البلدان في شهر رجب، ولذا: فسأحرص في هذه المقالة على تناول بعض أعمال الناس فيه ، وعرضها على نصوص الشريعة وكلام أهل العلم ، نصحاً للأمة وتذكيراً لهم؛ لعل في ذلك هداية لقلوب ، وتفتيحاً لعيونٍ وآذانٍ عاشت في ظلمات البدع وتخبطات الجهل.

هل لـ (رجب) فضل على غيره من الشهور؟
قال ابن حجر: "لم يرد في فضل شهر رجب، ولا في صيامه، ولا في صيام شيء منه معين، ولا في قيام ليلة مخصوصة فيه.. حديث صحيح يصلح للحجة، وقد سبقني إلى الجزم بذلك الإمام أبو إسماعيل الهروي الحافظ، رويناه عنه بإسناد صحيح، وكذلك رويناه عن غيره"(3).
وقال أيضاً: "وأما الأحاديث الواردة في فضل رجب، أو في فضل صيامه، أو صيام شيء منه صريحة: فهي على قسمين: ضعيفة ، وموضوعة، ونحن نسوق الضعيفة، ونشير إلى الموضوعة إشارة مفهمة" (4)، ثم شرع في سوقها.

صلاة الرغائب:
أولاً، صفتها: وردت صفتها في حديث موضوع « عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (ما من أحد يصوم يوم الخميس (أول خميس من رجب) ثم يصلي فيما بين العشاء والعتمة يعني ليلة الجمعة اثنتي عشرة ركعة، يقرأ في كل ركعة بفاتحة الكتاب مرة و {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ } ثلاث مرات، و {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ } اثنتي عشرة مرة، يفصل بين كل ركعتين بتسليمة، فإذا فرغ من صلاته صلى عليّ سبعين، فيقول في سجوده سبعين مرة: (سبوح قدوس رب الملائكة والروح)، ثم يرفع رأسه ويقول سبعين مرة: رب اغفر وارحم وتجاوز عما تعلم، إنك أنت العزيز الأعظم، ثم يسجد الثانية فيقول مثل ما قال في السجدة الأولى، ثم يسأل الله تعالى حاجته، فإنها تقضى).. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «والذي نفسي بيده، ما من عبد ولا أَمَة صلى هذه الصلاة إلا غفر الله له جميع ذنوبه، ولو كانت مثل زبد البحر، وعدد الرمل، ووزن الجبال، وورق الأشجار، ويشفع يوم القيامة في سبعمئة من أهل بيته ممن قد استوجب النار» (5).

ثانياً: كلام أهل العلم حولها:
قال النووي: "هي بدعة قبيحة منكرة أشد إنكار، مشتملة على منكرات، فيتعيّن تركها والإعراض عنها، وإنكارها على فاعلها"(6).
وقال ابن النحاس: "وهي بدعة، الحديث الوارد فيها موضوع باتفاق المحدّثين"(7).
وقال ابن تيمية: "وأما صلاة الرغائب: فلا أصل لها، بل هي محدثة فلا تستحب، لا جماعة ولا فرادى؛ فقد ثبت في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن تخص ليلة الجمعة بقيام أو يوم الجمعة بصيام، والأثر الذي ذكر فيها كذب موضوع باتفاق العلماء، ولم يذكره أحد من السلف والأئمة أصلاً"(8).

وقد أبان الطرطوشي بداية وضعها، فقال: "وأخبرني أبو محمد المقدسي، قال: لم يكن عندنا ببيت المقدس قط صلاة الرغائب هذه التي تصلى في رجب وشعبان، وأول ما حدثت عندنا في سنة ثمان وأربعين وأربعمئة، قدم علينا في بيت المقدس رجل من نابلس، يعرف بابن أبي الحمراء، وكان حسن التلاوة، فقام فصلى في المسجد الأقصى ليلة النصف من شعبان... إلى أن قال: وأما صلاة رجب فلم تحدث عندنا في بيت المقدس إلا بعد سنة ثمانين وأربعمئة، وما كنا رأيناها ولا سمعنا بها قبل ذلك" (9).

وقد جزم بوضع حديثها: ابن الجوزي في الموضوعات، والحافظ أبو الخطاب، وأبو شامة (10)، كما جزم ببدعيتها: ابن الحاج (11)، وابن رجب، وذكر ذلك عن أبي إسماعيل الأنصاري، وأبو بكر السمعاني، وأبو الفضل بن ناصر(12).. وآخرون(13).

ثالثاً: حكم صلاتها جلباً لقلوب العوام:
قال أبو شامة: "وكم من إمام قال لي: إنه لا يصليها إلا حفظاً لقلوب العوام عليه، وتمسكاً بمسجده خوفاً من انتزاعه منه(!)، وفي هذا دخول منهم في الصلاة بغير نية صحيحة، وامتهان الوقوف بين يدي الله تعالى، ولو لم يكن في هذه البدعة سوى هذا لكفى، وكل من آمن بهذه الصلاة أو حسنها فهو متسبب في ذلك، مغرٍ للعوام بما اعتقدوه منها، كاذبين على الشرع بسببها، ولو بُصِّروا وعُرِّفوا هذا سَنَةً بعد سَنَةٍ لأقعلوا عن ذلك وألغوه ، لكن تزول رئاسة محبي البدع ومحييها، والله الموفق.

وقد كان الرؤساء من أهل الكتاب يمنعهم الإسلام خوف زوال رئاستهم، وفيهم نزل: { فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَـذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُواْ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَوَيْلٌ لَّهُمْ مِّمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَّهُمْ مِّمَّا يَكْسِبُونَ } [البقرة: 79]"(14).

الإسراء والمعراج:
من أعظم معجزات النبي صلى الله عليه وسلم: الإسراء به ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، ثم العروج به السماوات السبع فما فوقها، وقد انتشر في بعض البلدان الاحتفال بذكراها في ليلة السابع والعشرين من رجب، ولا يصح كون ليلة الإسراء في تلك الليلة، قال ابن حجر عن ابن دحية: "وذكر بعض القصاص أن الإسراء كان في رجب، قال: وذلك كذب"(15)، وقال ابن رجب: "وروي بإسناد لا يصح، عن القاسم بن محمد، أن الإسراء بالنبي صلى الله عليه وسلم كان في سابع وعشرين من رجب، وأنكر ذلك إبراهيم الحربي وغيره"(16).
وقال ابن تيمية: "لم يقم دليل معلوم لا على شهرها، ولا على عشرها، ولا على عينها، بل النقول في ذلك منقطعة مختلفة، ليس فيها ما يقطع به"(17).

على أنه لو ثبت تعيين ليلة الإسراء والمعراج لما شرع لأحد تخصيصها بشيء؛ لأنه لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد من صحابته أو التابعين لهم بإحسان أنهم جعلوا لليلة الإسراء مزية عن غيرها، فضلاً عن أن يقيموا احتفالاً بذكراها، بالإضافة إلى ما يتضمنه الاحتفال بها من البدع والمنكرات (18).

الذبح في رجب وما يشبهه:
مطلق الذبح لله في رجب ليس بممنوع كالذبح في غيره من الشهور، لكن كان أهل الجاهلية يذبحون فيه ذبيحة يسمونها: العتيرة، وقد اختلف أهل العلم في حكمها: فذهب الأكثرون إلى أن الإسلام أبطلها، مستدلين بقوله كما عند الشيخين عن أبي هريرة رضي الله عنه: « لا فرع ولا عتيرة »(19).

وذهب بعضهم كابن سيرين إلى استحبابها، مستدلين بأحاديث عدة تدل على الجواز، وأجيب عنها بأن حديث أبي هريرة رضي الله عنه أصح منها وأثبت، فيكون العمل عليه دونها، بل قال بعضهم كابن المنذر بالنسخ؛ لتأخر إسلام أبي هريرة، وأن الجواز كان في صدر الإسلام ثم نسخ، وهذا هو الراجح(20).

قال الحسن: "ليس في الإسلام عتيرة، إنما كانت العتيرة في الجاهلية، كان أحدهم يصوم ويعتر"(21).
قال ابن رجب: "ويشبه الذبح في رجب: اتخاذه موسماً وعيداً، كأكل الحلوى ونحوها، وقد روي عن ابن عباس (رضي الله عنهما) أنه كان يكره أن يتخذ رجب عيداً" (22).

تخصيص رجب بصيام أو اعتكاف:
قال ابن رجب: "وأما الصيام: فلم يصح في فضل صوم رجب بخصوصه شيء عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أصحابه"(23).
وقال ابن تيمية: "وأما صوم رجب بخصوصه: فأحاديثه كلها ضعيفة، بل موضوعة، لا يعتمد أهل العلم على شيء منها، وليست من الضعيف الذي يروى في الفضائل، بل عامتها من الموضوعات المكذوبات... وقد روى ابن ماجة في سننه، عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه نهى عن صوم رجب، وفي إسناده نظر، لكن صحّ أن عمر بن الخطاب كان يضرب أيدي الناس؛ ليضعوا أيديهم في الطعام في رجب، ويقول: لا تشبهوه برمضان... وأما تخصيصها بالاعتكاف الثلاثة الأشهر: رجب، وشعبان، ورمضان فلا أعلم فيه أمراً، بل كل من صام صوماً مشروعاً وأراد أن يعتكف من صيامه، كان ذلك جائزاً بلا ريب، وإن اعتكف بدون الصيام ففيه قولان مشهوران لأهل العلم" (24).

وكونه لم يرد في فضل صيام رجب بخصوصه شيء لا يعني أنه لا صيام تطوع فيه مما وردت النصوص عامة فيه وفي غيره، كالإثنين، والخميس، وثلاثة أيام من كل شهر، وصيام يوم وإفطار آخر، وإنما الذي يكره كما ذكر الطرطوشي (25) صومه على أحد ثلاثة أوجه:
1-
إذا خصه المسلمون في كل عام حسب العوام ومن لا معرفة له بالشريعة، مع ظهور صيامه أنه فرض كرمضان.
2-
اعتقاد أن صومه سنّة ثابتة خصه الرسول بالصوم كالسنن الراتبة.
3-
اعتقاد أن الصوم فيه مخصوص بفضل ثواب على صيام سائر الشهور، وأنه جارٍ مجرى عاشوراء، وفضل آخر الليل على أوله في الصلاة، فيكون من باب الفضائل لا من باب السنن والفرائض، ولو كان كذلك لبينه النبي صلى الله عليه وسلم أو فعله ولو مرة في العمر، ولما لم يفعل: بطل كونه مخصوصاً بالفضيلة.

العمرة في رجب:
يحرص بعض الناس على الاعتمار في رجب، اعتقاداً منهم أن للعمرة فيه مزيد مزية، وهذا لا أصل له، فقد روى البخاري عن ابن عمر رضي الله عنهما، قال: « إن رسول الله اعتمر أربع عمرات إحداهن في رجب، قالت (أي عائشة): يرحم الله أبا عبد الرحمن، ما اعتمر عمرة إلا وهو شاهِدُه، وما اعتمر في رجب قط» (26).
قال ابن العطار: "ومما بلغني عن أهل مكة (زادها الله تشريفاً) اعتيادهم كثرة الاعتمار في رجب، وهذا مما لا أعلم له أصلاً" (27).

وقد نص العلامة "ابن باز"(28) على أن أفضل زمان تؤدى فيه العمرة: شهر رمضان؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «عمرة في رمضان تعدل حجة »، ثم بعد ذلك: العمرة في ذي القعدة؛ لأن عُمَرَه كلها وقعت في ذي القعدة، وقد قال الله سبحانه وتعالى: {لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ } [الأحزاب: 21].

الزكاة في رجب:
اعتاد بعض أهل البلدان تخصيص رجب بإخراج الزكاة، قال ابن رجب عن ذلك: "ولا أصل لذلك في السُنّة، ولا عُرِف عن أحد من السلف... وبكل حال: فإنما تجب الزكاة إذا تم الحول على النصاب، فكل أحدٍ له حول يخصه بحسب وقت ملكه للنصاب، فإذا تم حوله وجب عليه إخراج زكاته في أي شهر كان"، ثم ذكر جواز تعجيل إخراج الزكاة لاغتنام زمان فاضل كرمضان، أو لاغتنام الصدقة على من لا يوجد مثله في الحاجة عند تمام الحول.. ونحو ذلك(29).

وقال ابن العطار: "وما يفعله الناس في هذه الأزمان من إخراج زكاة أموالهم في رجب دون غيره من الأزمان لا أصل له، بل حكم الشرع أنه يجب إخراج زكاة الأموال عند حولان حولها بشرطه سواء كان رجباً أو غيره" (30).

لا حوادث عظيمة في رجب:
قال ابن رجب: "وقد روي أنه كان في شهر رجب حوادث عظيمة، ولم يصح شيء من ذلك، فروي أن النبي ولد في أول ليلة منه، وأنه بعث في السابع والعشرين منه، وقيل في الخامس والعشرين، ولا يصح شيء من ذلك..."(31).

وقفة مع بعض الدعاة:
يمارس بعض الدعاة اليوم أنواعاً من البدع الموسمية كبدع رجب مع اقتناعهم بعدم مشروعيتها؛ بحجة الخوف من عدم اشتغال الناس بغير عبادةٍ، إن هم تركوا ما هم عليه من بدعة.
ومع أن البدعة أخطر الذنوب بعد الشرك، إلا أن هذا توجهٌ في الدعوة وطريقة التغيير خطير مخالف لهدي النبي عليه الصلاة والسلام، والواجب: أن يدعى الناس إلى السنة المحضة التي لا تكون استقامة بدونها، قال الثوري: "كان الفقهاء يقولون: لا يستقيم قول إلا بعمل، ولا يستقيم قول وعمل إلا بنية، ولا يستقيم قول وعمل ونية إلا بموافقة السنة"(32).

وكان الواجب على هؤلاء أن يتعلموا السنة، ويعلموها، ويدعون أنفسهم ومن حولهم إلى تطبيقها؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد »، ولله در أبي العالية حين قال لبعض أصحابه: "تعلموا الإسلام، فإذا تعلمتموه فلا ترغبوا عنه، وعليكم بالصراط المستقيم، فإن الصراط المستقيم: الإسلام، ولا تنحرفوا عن الصراط المستقيم يميناً وشمالاً، وعليكم بسنة نبيكم، وإياكم وهذه الأهواء التي تلقي بين أهلها العداوة والبغضاء" (33).

ومن قبله قال حذيفة رضي الله عنه: "يا معشر القرّاء: استقيموا، فقد سبقتم سبقاً بعيداً، ولئن أخذتم يميناً وشمالاً لقد ضللتم ضلالاً بعيداً" (34).

وأخيراً:
فإن الدعاة اليوم والأمة معهم مطالَبون بتجريد المتابعة للنبي صلى الله عليه وسلم في كل شأن، تماماً مثل ما هم مطالبون بتجريد الإخلاص لله عز وجل، إن هم أرادوا لأنفسهم نجاةً، ولدينهم نصراً وإعزازاً، قال الله عز وجل: {فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَآءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلاَ يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدَا} [الكهف:110] وقال سبحانه: { وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ } [الحج:40].

وفق الله الجميع للخير ، وهو الهادي إلى سبيل الرشاد.



--------------------------------------------------
الهوامش :
1)
الحلية ، 6/73.
2)
الحلية ، 3/9.
3)
تبيين العجب فيما ورد في فضل رجب ، لابن حجر ، ص6 ، وانظر: السنن والمبتدعات للشقيري ، ص125.
4)
المصدر السابق ، ص 8.
5)
انظر: إحياء علوم الدين ، للغزالي ، 1/202 ، وتبيين العجب فيما ورد في فضل رجب ، ص 22 24.
6)
فتاوى الإمام النووي ، ص 57.
7)
تنبيه الغافلين ، ص 496.
8)
الفتاوى لابن تيمية ، 23/132 ، وانظر: الفتاوى ، 23/134 135.
9)
الحوادث والبدع ، ص103.
10)
انظر: الباعث على إنكار البدع والحوادث ، ص 61 67.
11)
المدخل ، 1/211.
12)
انظر: لطائف المعارف ، تحقيق الأستاذ / ياسين السواس ، ص 228.
13)
مقدمة مساجلة العز بن عبد السلام وابن الصلاح ، ص 7 8.
14)
الباعث على إنكار البدع والحوادث ، ص 105.
15)
تبيين العجب ، ص 6.
16)
زاد المعاد لابن القيم ، 1/275 ، وقد ذكر ابن حجر في فتح الباري (7/242 243) الخلاف في وقت المعراج ، وأبان أنه قد قيل: إنه كان في رجب ، وقيل: في ربيع الآخر ، وقيل: في رمضان أو شوال ، والأمر كما قال ابن تيمية.
17)
لطائف المعارف ، لابن رجب ، ص 233.
18)
ذكر بعض تلك المنكرات: ابن النحاس في تنبيه الغافلين ، ص 497 ، وابن الحاج في المدخل ، 1/211 212 ، وعلي محفوظ في الإبداع ، ص 272.
19)
البخاري ، ح/ 5473 ، ومسلم ، ح/ 1976.
20)
انظر: لطائف المعارف ، ص 227 ، والاعتبار في الناسخ والمنسوخ من الآثار للحازمي ، ص 388 390.
21
، 22) لطائف المعارف ، ص 227.
23)
لطائف المعارف ، ص 228.
24)
الفتاوى: 25/290 292.
25)
البدع والحوادث ، ص110 111 ، وانظر (تبيين العجب..) لابن حجر ، ص 37 38.
26)
صحيح البخاري ، ح/1776.
27)
المساجلة بين العز بن عبد السلام وابن الصلاح ، ص 56 ، وانظر: فتاوى الشيخ محمد بن إبراهيم ، 6/131.
28)
انظر: فتاوى إسلامية ، جمع الأستاذ/ محمد المسند ، 2/303 304.
29)
لطائف المعارف ، 231 232.
30)
المساجلة بين العز وابن الصلاح ، ص 55.
31)
لطائف المعارف ، ص233.
32)
الإبانة الكبرى ، لابن بطة ، 1/333.
33)
الإبانة الكبرى ، لابن بطة ، 1/338.
34)
البدع والنهي عنها ، لابن وضاح ، ص 10 11.

رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
يوم, شهر


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 09:49 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir