دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > برنامج إعداد المفسر > خطة التأهيل العالي للمفسر > منتدى الامتياز

 
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #2  
قديم 30 ربيع الأول 1441هـ/27-11-2019م, 06:26 AM
نورة الأمير نورة الأمير غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - الامتياز - مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2014
المشاركات: 749
افتراضي

خرّج جميع الأقوال التالية ثمّ حرر المسائل التفسيرية المتعلقة بها:

1: قول عائشة رضي الله عنها في لغو اليمين: (هو لا والله، وبلى والله، ما يتراجع به الناس).
تخريج القول:
رواه عبدالرزاق والنسائي والطبري في خمسة مواضع وابن أبي حاتم في ثلاثة مواضع من طريق عروة عن عائشة.
والطبري عن ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن الزّهريّ، عن القاسم، عن عائشة, مثله.
والطبري في أحد عشر موضعا وابن أبي حاتم وأبو داود في خمسة مواضع وابن حبان وابن مردويه والبيهقي وابن جريج وابن أبي ليلى من طريق عطاءٍ، عن عائشة, نحوه.
والرواية مذكورة في البخاري والموطأ, كما ذكر ذلك ابن الأثير في جامع الأصول والسيوطي في الدر المنثور, وأضاف: وأخرج وكيع والشافعي في الأم ومسلم، وعبد بن حميد، وابن المنذر من طرق عن عائشة مثله.
تحرير المسألة المتعلقة بهذا القول:
المسألة تدور حول المراد بـ"اللغو في أيمانكم" والذي قال الله عنه "لا يؤاخذكم الله" والأقوال فيها كالتالي:
1-القول الأول: قال به عائشة (كما خرجنا ذلك القول), ومالك في موطئه, والحسن, وقتادة, ومجاهد (في تفسيره كذلك كما ذكره الهمذاني), كما رواه عبدالرزاق والطبري وابن أبي حاتم. وأبو هريرة, وابن عباس, وعطاء, وسليمان بن يسار, ومجاهد, وابن أبي نجيح, والنخعي, وأبو مالك, وزياد, وزرارة بن أوفى, والسدي, والربيع, ويحيى بن سعيد, وابن أبي طلحة, ومكحول, كما رواه الطبري وابن أبي حاتم. وروي عن سعيد بن جبيرٍ وبكر بن عبد اللّه، وأحد قولي عكرمة وحبيب بن أبي ثابتٍ ومكحولٍ ومقاتلٍ وطاوس, وربيعة، نحو ذلك. كما رواه ابن أبي حاتم. ومكي بن أبي طالب في تفسير المشكل من غريب القرآن.
أنه قول الرجل: لا والله, وبلى والله, وهو يرى أنه صادق وهو ليس كذلك.
2-القول الثاني: قال به سعيد بن جبير, كما رواه عبدالرزاق وابن أبي حاتم.
وهو ترك الرجل لحرام حلف على فعله.
دليله: قال أبو داود "باب اليمين في الغضب": حدّثنا محمّد بن المنهال، أنبأنا يزيد بن زريعٍ، حدّثنا حبيبٌ المعلّم، عن عمرو بن شعيبٍ، عن سعيد بن المسيّب: «أنّ أخوين من الأنصار كان بينهما ميراثٌ، فسأل أحدهما صاحبه القسمة فقال: إن عدت تسألني عن القسمة، فكلّ مالي في رتاج الكعبة. فقال له عمر: إنّ الكعبة غنيّةٌ عن مالك، كفّر عن يمينك وكلّم أخاك، سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقول: «لا يمين عليك، ولا نذر في معصية الرّبّ عزّ وجلّ، ولا في قطيعة الرّحم، ولا فيما لا تملك».
3- القول الثالث: قال به النخعي, كما رواه عبدالرزاق والطبري وابن أبي حاتم.
وهو حلف الرجل على أمر ثم نسيانه.
ودليله: قول النبي: "إن الله تجاوز لي عن أمتي: الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه".
4- القول الرابع: قال به عائشة (كما خرجنا), وابن عباس, والشعبي, وأبو قلابة, وعكرمة, والنخعي, ومجاهد, وعطاء, وعروة بن الزبير, كما رواه الطبري وابن أبي حاتم. وروي عن ابن عمر والقاسم بن محمّدٍ والضّحّاك في أحد قوليه وأبي صالحٍ والزّهريّ، نحو ذلك. كما ذكره ابن أبي حاتم. وأبو هريرة. كما ثبت في الصحيحين. ومكي بن أبي طالب في العمدة في غريب القرآن. وابن كثير في تفسيره.
والمعنى: لا يؤاخذكم اللّه بما سبقتكم به ألسنتكم من الأيمان على عجلةٍ وسرعةٍ إذا لم تقصدوا الحلف واليمين.
دليله: ما رواه الطبري عن محمّد بن موسى الحرسيّ قال: حدّثنا عبيد اللّه بن ميمونٍ المراديّ، قال: حدّثنا عوفٌ الأعرابيّ، عن الحسن بن أبي الحسن، قال: مرّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بقومٍ ينتضلون يعني يرمون ومع النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم رجلٌ من أصحابه، فرمى رجلٌ من القوم، فقال: أصبت واللّه وأخطأت فقال الّذي مع النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: حنث الرّجل يا رسول اللّه، قال: كلاّ أيمان الرّماة لغوٌ لا كفّارة فيها، ولا عقوبة.
5- قال به ابن عباس. كما رواه الطبري وابن أبي حاتم. وطاوس, كما رواه الطبري.
وهو حلف الرجل وهوغضبان -وقد يضم لما قبله لأنه كذلك من اللغو الغير مقصود لثوران المرء وعدم تعقله لحظة غضبه-. واللغو في اللغة كما ذكره النحاس: ما يلغى فيقول الرجل عند الغضب والعجلة لا والله وبلى والله مما يعقده عليه قلبه.
دليله: ما رواه أبو داود "باب اليمين في الغضب": حدّثنا محمّد بن المنهال، أنبأنا يزيد بن زريعٍ، حدّثنا حبيبٌ المعلّم، عن عمرو بن شعيبٍ، عن سعيد بن المسيّب: «أنّ أخوين من الأنصار كان بينهما ميراثٌ، فسأل أحدهما صاحبه القسمة فقال: إن عدت تسألني عن القسمة، فكلّ مالي في رتاج الكعبة. فقال له عمر: إنّ الكعبة غنيّةٌ عن مالك، كفّر عن يمينك وكلّم أخاك، سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقول: «لا يمين عليك، ولا نذر في معصية الرّبّ عزّ وجلّ، ولا في قطيعة الرّحم، ولا فيما لا تملك».
6- القول السادس: قال به زيد بن أسلم. كما رواه الطبري وابن أبي حاتم. وابن زيد, كما رواه الطبري.
وهو ما كان من يمينٍ بمعنى الدّعاء من الحالف على نفسه إن لم يفعل كذا وكذا، أو بمعنى الشّرك، والكفر.
قال النحاس: وقول زيد بن أسلم: محال لأن قول الرجل أعمى الله بصري دعاء وليس بيمين.
7- القول السابع: قال به بن ابن عباس والضحاك, كما ذكره الطبري.
وهو الحلف على يمين, ثم يرى غيرها خيرا منها, فيحنث ويكفر ويأتي بالتي هي خير.
ودليله: "وإذا حلفت على يمين فرأيت غيرها خيرا منها, فأت الذي هو خير, وكفر عن يمينك" متفق عليه.
8- القول الثامن: قال به ابن عباس, وسعيد بن جبير. كما رواه ابن أبي حاتم.
وهو تحريم الرجل الحلال على نفسه.
ولعل دليله وتوجيهه: قوله تعالى: "يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك".
9- القول التاسع: وهو قول مرجوح ذكره الفراء, فقال: اللتان فيهما الاستغفار ولا كفّارة فيهما, كقولك: والله ما فعلت وقد فعلت، وقولك: والله لقد فعلت ولم تفعل. فيقال هاتان لغو؛ إذ لم تكن فيهما كفّارة.
10- القول العاشر: ذكره الزجاج: إن معنى اللغو الإثم - فالمعنى لا يؤاخذكم اللّه بالإثم في الحلف إذا كفرتم.
وإنّما قيل له لغو لأن الإثم يسقط فيه إذا وقعت الكفارة.
11- القول الحادي عشر: الحلف باللات والعزى ونحوها من الأيمان الشركية, وذلك لاعتياد بعض حديثي العهد بالإسلام الحلف بذلك.
ثبت في الصّحيحين من حديث الزّهريّ، عن حميد بن عبد الرّحمن، عن أبي هريرة: أنّ رسول اللّه صلّى الله عليه وسلم قال: «من حلف فقال في حلفه: واللّات والعزّى، فليقل: لا إله إلّا اللّه» فهذا قاله لقومٍ حديثي عهدٍ بجاهليّةٍ، قد أسلموا وألسنتهم قد ألفت ما كانت عليه من الحلف باللّات من غير قصدٍ، فأمروا أنّ يتلفّظوا بكلمة الإخلاص، كما تلفّظوا بتلك الكلمة من غير قصدٍ.
12- القول الثاني عشر: اللغو أيمان المكره. حكاه ابن عبدالبر, وذكره ابن عطية.
ولعل توجيه القول ودليله: ما عرف من الأدلة في عدم وقوع يمين المكره, كقوله عليه الصلاة والسلام: "اليمين على نية المستحلف" رواه مسلم وأبو داود والترمذي. وقوله: "إن الله تجاوز لي عن أمتي: الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه".
سبر الأقوال وتقسيمها مع ذكر الراجح:
فالأقوال كما تلاحظ يمكن تقسيمها كالتالي:
1-أن يكون اللغو في الأيمان بمعنى "اليمين مع عدم قصد الكذب أو الحنث":
وهي القول الأول, والرابع, والخامس, والسادس -على قول من يرى أن الدعاء على النفس أو وصفها بالكفر يعد من الأيمان, وإلا فإنها باب مختلف لا يدخل تحت باب اليمين-, والحادي عشر.
أما القول الثالث, والثاني عشر, فمع تحقق شرط عدم نية الكذب أو الحنث فيهما, فإنهما يندرجان تحت باب آخر, وهو باب النسيان والاستكراه, فهو وإن لم يحاسب المرء عليه, فإن دليله الشرعي يندرج تحت باب آخر لا هذا الدليل, ودليلهما كما ذكرنا هو قول النبي: "إن الله تجاوز لي عن أمتي: الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه".
2-أن يكون المراد باللغو في اليمين ما يقع تحت باب الحنث في اليمين لأنه الأفضل, إما لكون اليمين على حرام, أو على حلال ولكن غيرها خير منها, أو على حلال لا يصح للمرء أن يحرمه على نفسه, وهذا يقع على:
القول الثاني, والسابع, والثامن.
3-أن يكون المراد باللغو الأيمان التي شرع فيها الاستغفار دون الكفارة, وهو التاسع.
4-وقيل المراد باللغو الإثم, فيكون المراد الأيمان التي فيها كفارة إذا كفرتموها سقط الإثم عنكم, فبذا اعتبر لغوا, وبذا ذكر الله عدم مؤاخذتكم به لتكفيركم عنه, وهو القول العاشر.
فمن هنا نلحظ أن الأقوال انقسمت لأربعة, قبل محاولة تحريرها والترجيح بينها سنتعرض لمرجحات لغوية واجتهادية معتبرة تؤثر في ترجيحنا:
ذكر ابن عطية -رحمه الله- مقدمة رائعة في مبتدأ عرضه للمسألة, على أساسها سننطلق بإذن الله, قال:
"وطريقة النظر أن يتأمل لفظة اللغو ولفظة الكسب، ويحكم موقعهما في اللغة".
اللغو في التفاسير اللغوية:
قال ابن عطية: كسب المرء ما قصده ونواه، واللغو ما لم يتعمده أو ما حقه لهجنته أن يسقط.
وقال: اللغو في اليمين: سقط الكلام الذي لا حكم له، ويستعمل في الهجر والرفث وما لا حكم له من الأيمان، تشبيها بالسقط من القول.
وقَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ: ما لم يكن باعتقاد منه.
وقَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ: اللغو في اليمين: أن يحلف على الشيء بتحققه، ثم يظهر له أنه بخلاف ذلك.
وقَالَ أيضا: ({اللَّغْـــوِ}: ما لم تعقــده.
وقال الطبري: واللّغو من الكلام في كلام العرب كلّ كلامٍ كان مذمومًا، وفعلاً لا معنى له مهجورًا، يقال منه: لغا فلانٌ في كلامه يلغو لغوًا: إذا قال قبيحًا من الكلام، ومنه قول اللّه تعالى ذكره: {وإذا سمعوا اللّغو أعرضوا عنه}، وقوله: {وإذا مرّوا باللّغو مرّوا كرامًا} ومسموعٌ من العرب لغيت باسم فلانٍ، بمعنى أولعت بذكره بالقبيح.
فمن قال لغيت، قال ألغى لغًا، وهي لغةٌ لبعض العرب، ومنه قول الرّاجز:
وربّ أسراب حجيجٍ كظّم = عن اللّغا، ورفث التّكلّم
فبهذا التحرير اللغوي "يقوى بعض الأقوال المتقدمة ويضعف بعضها، وقد رفع الله عز وجل المؤاخذة بالإطلاق في اللغو، فحقيقته ما لا إثم فيه ولا كفارة، والمؤاخذة في الأيمان هي بعقوبة الآخرة في الغموس المصبورة، وفيما ترك تكفيره مما فيه كفارة، وبعقوبة الدنيا في إلزام الكفارة، فيضعف القول بأنها اليمين المكفرة، لأن المؤاخذة قد وقعت فيها، وتخصيص المؤاخذة بأنها في الآخرة فقط تحكم" ذكره ابن عطية.
وللطبري ترجيح طويل تطرب له العقول أنصحك بالعودة إليه, وبنحوه نرجح الصحيح في المسألة:
وهو أن اللغو إذا كان على ما وصفنا يقع على الكلام الذي لا انعقاد عليه ولا قصد, فبذا يسقط من الأقوال كل قول اتسم بانعقاد النية والقصد, وبذا لا يتبقى لنا سوى القول الأول (من الأقوال الأربعة الأخيرة بعد سبرها وتقسيمها), كما يضاف لهذا القول تميزه بكثرة وثقل القائلين به, وبقية الأقوال وإن اتسم بعضها بعدم مؤاخذة الله صاحبها على حنث يمينه, أو غفرانه له باستغفاره, أو بالكفارة, فإن أدلتها تحت أبواب أخر لا تحت هذه الآية: "لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم", فشروط انطباق الآية على اليمين: أن تكون لغوا بغير قصد وانعقاد, وأن لا يؤاخذ المرء عليها فلا يحتاج للكفارة والاستغفار للعفو عنه.
فتأويل الكلام إذًا على ما ذكر الطبري: لا تجعلوا اللّهً أيّها المؤمنون قوةً لأيمانكم، وحجّةً لأنفسكم في أقسامكم في أن لا تبرّوا، ولا تتّقوا، ولا تصلحوا بين النّاس، فإنّ اللّه لا يؤاخذكم بما لغته ألسنتكم من أيمانكم، فنطقت به من قبيح الأيمان وذميمها، على غير تعمّدكم الإثم وقصدكم بعزائم صدوركم إلى إيجاب عقد الأيمان الّتي حلفتم بها، ولكنّه إنّما يؤاخذكم بما تعمّدتم فيه عقد اليمين وإيجابها على أنفسكم، وعزمتم على الإتمام على ما حلفتم عليه بقصدٍ منكم وإرادةٍ، فيلزمكم حينئذٍ إمّا كفّارةٌ في العاجل، وإمّا عقوبةٌ في الآجل.

2: قول ابن عباس رضي الله عنهما في تفسير قول الله تعالى: {ومهيمنا عليه} قال: (مؤتمناً عليه).
تخريج القول:
رواه ابن وهب في الجامع وسعيد بن منصور في سننه وعبد بن حميد والطبري في عدة مواضع وابن أبي حاتم والبيهقي في الأسماء والصفات من طريق أربد التميمي عن ابن عبّاسٍ به.
والطبري وابن أبي حاتم من طريق عبد اللّه بن صالحٍ، قال: حدّثني معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ, وذكر قوله.
تحرير المسائل المتعلقة بقوله تعالى: "ومهيمنا عليه" ومعنى الهيمنة في الآية:
ذكر الأقوال في المسألة:
القول الأول: أمينا عليه. وهو قول ابن عباس (كما خرجنا), والبخاري في صحيحه, وقتادة, ومجاهد, والحسن, وعكرمة وسعيد بن جبيرٍ وعطاءٍ الخراسانيّ. كما رواه الطبري وذكره ابن كثير. وعطية. كما ذكره السيوطي وابن كثير. وابن جريج, ومحمد بن كعب, وابن زيد, كما ذكره ابن كثير.ومن اللغويين: أبو عبيدة معمر بن مثنى, وعبدالله بن يحيى, وابن قتيبة, ومكي بن أبي طالب.
القول الثاني: شهيدا عليه. وهو قول قتادة, كما رواه عبالرزاق والطبري وذكره ابن كثير. وابن عباس, والسدي, ومجاهد, كما رواه الطبري وذكره ابن كثير. والحسن, كما رواه الطبري. وأبو روق, كما ذكره السيوطي. ومن اللغويين: معمر بن مثنى, والأخفش, وغلام ثعلب.
القول الثالث: سيدا. وهو قو ابن عباس, كما ذكره ابن أبي حاتم.
والحق أن الأقوال لا تتعارض بتاتا, بل بعضها من لازم بعض, كما أن منهجنا دائما هو محاولة الجمع ما أمكن لا سيما حينما تكون الأقوال أقوال صحابة وكبار تابعيين, والجمع ممكن غير متكلف وتحتمله اللغة. وإن انطبق المعنى على القول الأول ابتداء, وتميز بكثرة القائلين به من مفسرين ولغويين, فإن هذا لا ينفي كذلك تلازمه مع بقية الأقوال وتكامل معناه بها, كما أن عددا من القائلين بالمعنى الأول ورد لهم أقوال بالثاني أو الثالث, مما يعني قبولهم تفسير معنى " مهيمنا عليه" بكل تلك التفسيرات, واتساع اللفظ لكل تلك المعاني. يقول ابن عطية: يقال: هيمن الرجل على الشيء إذا حفظه وحاطه وصار قائما عليه أمينا. فنجد في هذا التفسير اللغوي جمعا للصفات المذكورة جميعها في الأقوال السابقة, كما يؤكد ذلك ابن كثير, فيقول: "وهذه الأقوال كلّها متقاربة المعنى، فإنّ اسم "المهيمن" يتضمّن هذا كلّه، فهو أمينٌ وشاهدٌ وحاكمٌ على كلّ كتابٍ قبله، جعل اللّه هذا الكتاب العظيم، الّذي أنزله آخر الكتب وخاتمها، أشملها وأعظمها وأحكمها حيث جمع فيه محاسن ما قبله، وزاده من الكمالات ما ليس في غيره؛ فلهذا جعله شاهدًا وأمينًا وحاكمًا عليها كلّها."
وهذا هو القول الراجح في المسألة لدينا بإذن الله.

3: قول عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما في تفسير قول الله {وفي أنفسكم أفلا تبصرون} قال: «سبيل الخلاء والبول»
تخريج القول:
رواه عبدالرزاق والطبري في موضعين من طريق ابن جريج عن محمد بن المرتفع عن ابن الزبير.
تحرير المراد بـ"في أنفسكم أفلا تبصرون" في الآية:
الأقوال:
1- في سبيل الخلاء والبول في أنفسكم عبرةٌ لكم، ودليلٌ لكم على ربّكم، أفلا تبصرون إلى ذلك منكم. قال به ابن الزبير (كما خرجنا), والبخاري في صحيحه, والعيني في عمدة القاري, والفراء في معاني القرآن.
2- في تسوية اللّه تبارك وتعالى مفاصل أبدانكم وجوارحكم دلالةٌ لكم على أن خلقتم لعبادته. قال به ابن زيد, كما رواه الطبري وذكره ابن عطية. وقتادة, كما ذكر السيوطي وابن كثير.
والصّواب من القول في ذلك أن يقال ما قاله الطبري: "معنى ذلك: وفي أنفسكم أيضًا أيّها النّاس آياتٌ وعبرٌ تدلّكم على وحدانيّة صانعكم، وأنّه لا إله لكم سواه، إذ كان لا شيء يقدر على أن يخلق مثل خلقه إيّاكم {أفلا تبصرون} يقول: أفلا تنظرون في ذلك فتتفكّروا فيه، فتعلموا حقيقة وحدانيّة خالقكم".
فيدخل كلا القولين تحت معنى الآية لسعتها, ولأن الأصل عمومية المعنى ما لم يظهر لنا قيد واضح, ولعل الأقوال المذكورة كانت من باب التفسير بمثال, والصواب الأخذ بالمعنى العام للآية بالدعوة للتفكر في النفس وخباياها وكل ما يدعو منها للوصول للخالق ومعرفته حق المعرفة ومعرفة حقه على مخلوقه, وهو عموم معنى التفاسير كتفسير الطبري, وابن عطية, وابن كثير, وغيرهم.

4: قول جابر بن عبد الله رضي الله عنهما في المراد بالصراط المستقيم قال: (الإسلام).

تخريج القول:
رواه الطبري والحاكم (وقال هذا حديث صحيح ولم يخرجاه) من طريق بن صالحٍ، جميعًا عن عبد اللّه بن محمّد بن عقيلٍ، عن جابر بن عبد اللّه.
تحريرالمسألة:
معنى الصراط المستقيم لغة:هو الطّريق الواضح الّذي لا اعوجاج فيه. ذكره ابن كثير عن ابن جرير، وذكره الأشقر.
استعمال مفردة الصراط في لغة العرب:
تستعير العرب الصّراط فتستعمله في كلّ قولٍ وعملٍ، وصف باستقامةٍ أو اعوجاجٍ، فتصف المستقيم باستقامته، والمعوجّ باعوجاجه. ذكره ابن كثير.
قال ابن جرير: ( أجمعت الحجة من أهل التّأويل جميعًا على أنّ الصّراط المستقيم هو الطّريق الواضح الّذي لا اعوجاج فيه. وكذلك ذلك في لغة جميع العرب؛ فمن ذلك قول جرير بن عطيّة بن الخطفى: أمير المؤمنين على صراطٍ.......إذا اعوجّ الموارد مستقيم).
وقال ابن القيّم رحمه الله: (الصراط ما جمع خمسة أوصاف: أن يكون طريقاً مستقيماً سهلاً مسلوكاً واسعاً موصلاً إلى المقصود؛ فلا تسمّي العربُ الطريقَ المعوجَّ صراطاً ولا الصعب المُشِقّ ولا المسدودَ غير الموصول).
ما المراد بالصراط المستقيم؟
لا ريب أنَّ المراد بالصراط المستقيم ما فسّره الله به في الآية التي تليها بقوله: {صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين}
وهو وصف جامع مانع لما يوصل إلى رضوان الله وجنّته، وينجّي من سخط الله وعقوبته.
تنوّع عبارات السلف في المراد بالصراط المستقيم:
أجمعت الأمة على أنه الطريق الواضح الذي لا اعوجاج فيه . ذكره ابن جرير وابن كثير والأشقر.
وإن اختلفت عبارات المفسرين فإنه يرجع حاصلها لمعنى واحد هو المتابعة لله ورسوله . ذكره ابن كثير.
ومن أقوالهم:
أنه كتاب الله. كما رواه ابن أبي حاتم عن علي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :(الصراط المستقيم كتاب الله) . رواه الطبري وابن أبي حاتم, وذكره ابن كثير.
وعن عليٍّ مرفوعًا: «وهو حبل اللّه المتين، وهو الذّكر الحكيم، وهو الصّراط المستقيم». رواه أحمد والترمذيٍ، وذكره ابن كثير. قال ابن كثير: (وقد روي هذا موقوفًا على عليٍّ، وهو أشبه، واللّه أعلم).
وما صح عن أبي وائلٍ، عن عبد اللّه بن مسعود، قال: «الصّراط المستقيم: كتاب اللّه»، رواه سفيان الثوريٍ، والحاكم في المستدرك، والبيهقي في شعب الإيمان، وإسناده صحيح على شرط الشيخين,.وذكره ابن كثير.
وهذا القول صحيح في نفسه باعتبار أنَّ من اتّبع القرآن فقد اهتدى إلى الصراط المستقيم.
وقيل: الحق. كما روي عن مجاهد وهو أشمل. ذكره ابن كثير.
وهذا القول حقيقته بيان وصف هذا الصراط المستقيم بأنَّه الحقّ، لأنّ كلَّ ما اتّبع سواه فهو باطل.
وقيل: الإسلام. كما روي عن ابن عباس وجابر وابن الحنفية وعبدالرحمن بن زيد بن أسلم وناس من أصحاب رسول الله وعن رسول الله في الحديث الذي رواه الإمام أحمد عن النواس بن سمعان عن رسول الله أنه قال : «ضرب اللّه مثلًا صراطًا مستقيمًا، وعلى جنبتي الصّراط سوران فيهما أبوابٌ مفتّحةٌ، وعلى الأبواب ستورٌ مرخاةٌ، وعلى باب الصّراط داعٍ يقول: يا أيّها النّاس، ادخلوا الصّراط جميعًا ولا تعوّجوا، وداعٍ يدعو من فوق الصّراط، فإذا أراد الإنسان أن يفتح شيئًا من تلك الأبواب، قال: ويحك، لا تفتحه؛ فإنّك إن تفتحه تلجه. فالصّراط الإسلام، والسّوران حدود اللّه، والأبواب المفتّحة محارم اللّه، وذلك الدّاعي على رأس الصّراط كتاب اللّه، والدّاعي من فوق الصّراط واعظ اللّه في قلب كلّ مسلمٍ». رواه أحمد وابن أبي حاتمٍ، وابن جريرٍ والتّرمذيّ والنّسائي، وذكره ابن كثير والأشقر.
وهذا القول هو أشهر الأقوال وأصلها، والإسلام إذا أطلق شمل مراتب الدين كلها؛ فكلّ ما أمر الله به ونهى عنه فهو من شريعة الإسلام، وكل عبادة صحيحة يتقرّب بها العبد إلى الله تعالى فهي من اتّباع دين الإسلام، ومن سلوك الصراط المستقيم.
وقيل: هو الرسول صلى الله عليه وسلم وصاحباه, كما روي عن أبي العالية ووافقه الحسن . رواه ابن أبي حاتم وابن جرير، وذكره ابن كثير.
وهذا القول له سبب، وإنما قاله ابن عباس وأبو العالية الرياحي بعد مقتل عثمان وظهور الفرق؛ فأرادا أن يبيّنا للناس أن الصراط المستقيم ما كانت الأمة مجتمعة عليه في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر ليحذرا بذلك مما أُحدثَ بعده؛ فإنَّ كلّ تلك الفرق كانت تنتسب إلى الإسلام.
وكلّ هذه الأقوال صحيحةٌ، وهي متلازمةٌ، فإنّ من اتّبع النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، واقتدى باللّذين من بعده أبي بكرٍ وعمر، فقد اتّبع الحقّ، ومن اتّبع الحقّ فقد اتّبع الإسلام، ومن اتّبع الإسلام فقد اتّبع القرآن، وهو كتاب اللّه وحبله المتين، وصراطه المستقيم، فكلّها صحيحةٌ يصدّق بعضها بعضًا. ذكره ابن كثير
ولهذا قال ابن جريرٍ: ((والّذي هو أولى بتأويل هذه الآية عندي -أعني {اهدنا الصّراط المستقيم}- أن يكون معنيًّا به: وفّقنا للثّبات على ما ارتضيته ووفّقت له من أنعمت عليه من عبادك، من قولٍ وعملٍ، وذلك هو الصّراط المستقيم؛ لأنّ من وفّق لما وفق له من أنعم اللّه عليهم من النّبيّين والصّدّيقين والشّهداء والصّالحين، فقد وفق للإسلام، وتصديق الرّسل، والتّمسّك بالكتاب، والعمل بما أمره اللّه به، والانزجار عمّا زجره عنه، واتّباع منهاج النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، ومنهاج الخلفاء الأربعة، وكلّ عبدٍ صالحٍ، وكلّ ذلك من الصّراط المستقيم)).

5: قول أنس بن مالك رضي الله عنه في تفسير قول الله تعالى: {كشجرة خبيثة} قال: (الحنظل).
تخريج القول:
رواه الترمذي والهيثمي في الزوائد من طريق شعيب بن الحبحاب، عن أنس بن مالكٍ مرفوعا. وأخرجه النسائي والبراز وأبو يعلى، وابن أبي حاتم، وابن حبان والحاكم وصححه، وابن مردويه, كما ذكره السيوطي وابن كثير.
ورواه الترمذي في موضعين والطبري في أربعة مواضع وابن أبي حاتم من طريق شعيب بن الحبحاب، عن أنس بن مالكٍ، نحوه بمعناه ولم يرفعاه، وهذا أصحّ من حديث حمّاد بن سلمة. ذكره ابن كثير.
وروى غير واحدٍ مثل هذا موقوفًا، ولا نعلم أحدًا رفعه غير حمّاد بن سلمة ورواه معمرٌ، وحمّاد بن زيدٍ، وغير واحدٍ ولم يرفعوه.
ورواه الترمذي من طريق حبّان بن شعبة، عن أنس بن مالكٍ به. وأخرجه ابن مردويه كما ذكر السيوطي.
ورواه الطبري في ثلاثة مواضع والبزار من طريق شعبة، عن معاوية بن قرّة، قال: سمعت أنس بن مالكٍ, وذكر الحديث. ذكره ابن كثير.
ورواه الطبري عن المثنّى قال: حدّثنا آدم العسقلانيّ قال: حدّثنا شعبة قال: حدّثنا أبو إياس، عن أنس بن مالكٍ, وذكر قوله.
تحرير المسألة:
المراد بالشجرة الخبيثة:
1-أنها الحنظل. قال به أنس وروي مرفوعا في بعض الروايات عن النبي (كما خرجنا), ومجاهد, كما رواه الطبري.
2-أن هذه الشجرة لم تخلق على الأرض. قال بها ابن عباس, ورواه الطبري.
3-وقالت فرقة: هي الثوم، ذكره ابن عطية.
4- وقيل: الكشوثا. ذكره الزجاج.
والراجح فيما يبدو أنه إن لم تصح الرواية الأولى عن النبي فإننا نتعامل مع الآيات بالأصل المعهود من عمومية المعنى خصوصا مع نكارة اللفظ "شجرة خبيثة", ونوجه قول أنس بالمقام الأول لمقامه ثم من بعده إلى أنه من باب التفسير بالمثال, وكذا فعل ابن عطية في التعامل معه, وذهب إلى أن المراد شجرة غير معينة اتسمت بهذه الأوصاف, وهو ما نرجحه, ويدخل تحته بقية الأقوال.

رد مع اقتباس
 

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
مجلس, أداء

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 07:05 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir