دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > برنامج إعداد المفسر > مجموعة المتابعة الذاتية > منتدى المستوى السابع ( المجموعة الأولى)

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 19 محرم 1441هـ/18-09-2019م, 02:53 AM
هيئة الإشراف هيئة الإشراف غير متواجد حالياً
معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
المشاركات: 8,790
افتراضي مجلس أداء التطبيق الخامس من تطبيقات دورة مهارات التفسير



مجلس أداء التطبيق الخامس من تطبيقات دورة مهارات التفسير



تنبيهات:
(1)

يُنصح بتنزيل برنامج الشاملة على حاسوبكم، والاستفادة منه في البحث عن النقول.
ومن كانت لديه صعوبة في معرفة طريقة البحث عليه، فلا يتردد بالسؤال.
وفي هذا الفيديو شرح طريقة عمل مجال بحث لكتب أهل اللغة عن طريق برنامج مكتبة الشاملة:

[/COLOR][/SIZE][/FONT][/COLOR][/SIZE][/FONT][/COLOR][/SIZE][/FONT]

(2)
أرجو عمل تعليق في نهاية التطبيق - حسب كل مرتبة- فيه بيان الآتي:
المرتبة الأولى:
- الكتب التي وجدت فيها:
- الكتب التي بحثت ولم تجد فيها:
- الكتب التي تعذر عليك الوصول إليها:
المرتبة الثانية:
- الكتب التي وجدت فيها:
- الكتب التي بحثت ولم تجد فيها:
- الكتب التي تعذر عليك الوصول إليها:
وهكذا في كل مرتبة....
[/RIGHT]

  #2  
قديم 22 محرم 1441هـ/21-09-2019م, 11:00 PM
عبدالكريم الشملان عبدالكريم الشملان غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المستوى الثامن
 
تاريخ التسجيل: Jan 2017
المشاركات: 680
افتراضي

التطبيق السابع
معنى "الحفدة "في قوله " وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدة " ،النحل 72:

أولا: التعرف على أقوال السلف في المسألة :
1- قال مجاهد بن جبر المكي القرشي (ت/104ه)
انا عبدالرحمن ثنا إبراهيم نا آدم ونا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد " بنين وحفدة " النحل 72
يعني " أنصاراً وأعوانا وخدماً ".
[تفسير مجاهد (1/423)]
2- قال مقاتل بن سليمان بن بشير الأزدي (ت/150ه)
" جعل لكم من أزواجكم بنين وحفدة " يعني بالبنين :الصغار ، والحفدة :الكفار يحفدون آباءهم بالخدمة ،وذلك أنهم كانوا في الجاهلية يخدمهم أولادهم "،
[تفسير مقاتل بن سليمان (2/477)]

3-يحيى بن سلام بن أبي ثعلبة القيرواني (ت/200ه)
قال " وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدة "
والحفدة : الخدم يعني : ولداً يخدمونه ، وولد ولده في تفسير الحسن .
-عمار عن أبي هلال الراسبي عن الحسن قال : بنوك وبنو بنيك ، البنون والحفدة : كل شي يحفدونك ويخدمونك .
-سعيد عن قتادة قال : مهنة يمتهنونك ويخدمونك من ولدك
-المعلى عن عاصم بن بهدلة عن زر بن حبيش عن عبدالله بن مسعود قال : حفدة : الأختان (تفسير يحيى بن سلام (1 /75-76).

يحيى بن زياد الفراء (ت/207)ه
وقوله " وحفدة " والحفدة :الأختان ، وقالوا : الأعوان ، ولو قيل : الحفد : كان صوابا)
لأن واحدهم حافد فيكون بمنزلة الغائب
والغيب والقاعد والقعد "
[معاني القرآن (110/2).

سعيد بن مسعدة البلخي " الأخفس (ت/210)ه
" وقال بنين وحفدة " وواحدهم : الحافد "
[معاني القرآن (2/607)]

-سهل بن عبدالله التستري (ت/283)ه
قال روى عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال : الحفدة : الأختان ، عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال : البنون الصغار ، والحفدة الذين يعينون الوالد على عمله ، وعن الضحاك قال : الحفدة : الخدمة لله إيجابا بغير سؤال منهم غيره [تفسير التستري (92/1)


-معمر بن المثنى التيمي (أبو عبيدة)(ت/210)ه
"بنين وحفدة " أعوانا وخداما ، قال جميل :
حفد الولائد بينهن وأسلمت
بأفكهن أزمة الأجمال .
واحدهم : حافد ، خرج مخرج كمل ، والجميع كمله " [مجاز القران (364/1).

قال محمد بن جرير الطبري (ت/310)ه
واختلف أهل التأويل في معناها ، فقال بعضهم : هم الأختان ، أختان الرجل على بناته ".
حدثنا أبو كريب وابن وكيع قالا ثنا أبو معاوية بسنده عن عبدالله ؛ قال : الأختان .
وحدثني المثنى قال : أبو صالح بسنده عن ابن عباس : قال " الأصهار ،
وقال آخرون : هم أعوان الرجل وخدمة .
حدثني محمد بن خالد بسنده عن ابن عباس قال : من أعانك فقد حفدك .
وعن عكرمة : الخدام
وعن أبي مالك : الأعوان
وقال آخرون : هم ولد الرجل وولد ولده
وقال آخرون : هم بنو امرأة الرجل من غيره
قال ابن جرير :
والحفدة في كلام العرب : جمع حافد كما الكذبة جمع كاذب ، والحافد في كلامهم هو المتخفف في الخدمة والعمل ،والحفد : خفة العمل ، يقال مر البعير يحفد حفدا إذا مر يسرع في سيره
واللفظ عام وفي كل ماورد وجه في الصحة ومخرج في التأويل .
[جامع البيان ( 1 /257-259).

-إبراهيم بن السري الزجاج (ت/311)ه
اختلف الناس في تفسير الحفدة ، فقيل : الأولاد وقيل البنات ، وقيل : الأختان ، وقيل : الأصهار وقيل الأعوان .
وحقيقة هذا أن الله جعل من الأزواج بنين ومن معاون على مايحتاج إليه بسرعه وطاعة ،يقال : حفد يحفد حفدا وحفادا إذا أسرع ،
[ معاني القرآن (1 /212-213).


-محمد بن عزيز السجستاني (ت/330)ه
حفدة : أي : خدما ، وقيل : أختانا ، وقيل أصهارا ، وقيل : أعوانا ، وقيل بنو الرجل من نفقة منهم ،وقيل : بنو المرأة من زوجها الأول [نزهة القلوب ص /205].


-أحمد بن فارس بن زكريا (ت/395)ه
" الحاء والفاء والدال ، أصل يدل على الخفة في العمل والتجمع ، فالحفدة : الأعوان ، لأنه يجمع فيهم الجمع والتخفف ، واحدهم : حافد ، والسرعه إلى الطاعه حفد ..، والحفدان : تدارك السر " [ معجم المقاييس في اللغه (274).

-محمد بن عبدالله بن أبي زمنين (ت/399)ه
تفسير الحسن ، الحفدة : الخدم ، يعني بذلك ولده وولد ولده ، يقال : أنهم بنون وخدم ، قال محمد : وأصل الحفد : الخدمة والعمل ،.."
[تفسير ابن أبي زمنين (2/410)].
-أحمد بن محمد الثعلبي(ت/427).
- قال ابن زيد : هم بنو المرأة من الزوج الأول ، وهي رواية العوفي عن ابن عباس هم بنو امرأة الرجل الأول ، وقال العتبي : أصل الحفد : مداركة الخطو والإسراع في المشي ،فقيل لكل من أسرع في الخدمة والعمل : حفدة ، واحدهم : حافد ،ومنه يقال في الدعاء في الوتر : إليك نسعى ونحفد : أي : نسرع إلى العمل بطاعتك
وأنشد ابن جرير :-
كلفت مجهولها نوقا يمانية
إذا الحداة على أكسائها حفدا .
[ الكشف والبيان ( 6 /30-31).

-مكي بن أبي طالب القيرواني (ت / 437)ه
قال ابن مسعود : الحفدة : الأختان ، وعن ابن عباس أنهم الأصهار ، وقال محمد بن الحسن : الختن :الزوج ومن كان من ذوي رحمه .
وقيل : الحفدة : أعوان الرجل وخدمه.
[الهداية إلى بلوغ النهاية (6/ 4043 / 4044).


-مكي بن أبي طالب القيسي (ت / 437) ه
الحفدة : الخدام والأعوان ، وقيل : الأصهار ، وأصل الحفد : مداركة الخطو والإسراع في المشي ، وهذا فعل : الخدم "
[ تفسير المشكل من غريب القرآن (132)].

-الحسن بن محمد (الراغب الأصفهاني) (ت/502)ه
حافد :هوالمتحرك المتبرع بالخدمة ، قال المفسرون : هم الأسباط ونحوهم وذلك أن خدمتهم أصدق ، وفلان محفود ،أي : مخدوم ، وهم الأختان والأصهار .."
[ المفردات (123-124)].


-الحسن بن مسعود البغوي (510)ه.
قال ابن مسعود والنخعي : الحفدة : أختان الرجل على بناته ، وعن ابن مسعود أيضا أنهم : الأصهار ،وروى العوفي عن ابن عباس : أنهم بنو امرأة الرجل ليسوا منه ".
[ معالم التنزيل (3/ 88 )

-محمود بن عمر الزمخشري (ت/ 538)ه
" حفد البعير حفدا وحفودا ، وحفدانا : أسرع في سيره ، ودارك الخطو ، قال حميد بن ثور :
فدته المطايا الحافدات وقطعت
نعالاً له دون الأكام جلودها
وأحفد بعيره ،
[ أساس البلاغة (132)]

-عبد الحق بن غالب الأندلسي (ت / 542)ه
قال " ولا خلاف أن معنى الحفد : الخدمة والبر والمشي مسرعا في الطاعه .. والحفدان : جنب فوق المشي ، ومنه قول الشاعر :-
حفد الولائد بينهن وأسلمت
بأكفهن أرمة الإجمال
فمن لم تكن له قط زوجة فقد جعل الله له حفدة ، وحصل تحت النعمة وأولئك الحفدة هم من الأزواج ،وهكذا تترتب النعمه التي تشتمل جميع العالم وتستقيم نقطة الحفدة على مجراها في اللغة إذا البشر بجملتهم لا يستغني أحد عن حفدة وقالت فرقة :-
الحفدة هم البنون .
-المحرر الوحيز (3 / 408) .

-محمد بن أحمد بن فرح القرطبي (676)ه
قال : وأصله من حفد يحفد ، إذا أسرع في سيره .. ويقال : حفدت وأحفدت ، الفتاة إذا خدمت .
[ الجامع الأحكام القران (10 / 144 )].

-محمد بن يوسف بن علي بن حيان الأندلسي (745)ه
قال : والحفدة: منصوب بجعل مضمرة ، وليسوا داخلين في كونهم من الأزواج ، قال ابن مسعود وعلقمة وأبو الضحى : الأصهار ، وهم قرابة الزوجة كأبيها وأخيها
وقالت فرقة : الحفدة هم البنون ،أي جامعون بين البنوة والخدمة فهو عطف الصفات لموصف واحد .
[ البحر المحيط (6 /564).

-أحمد بن يوسف السمين الحلبي (756)ه
في حفدة : أوجه : أظهرها ، أنه معطوف على بنين ،بقيد كونه من الأزواج ، وفسرها بأنه أولاد الأولاد ،والحفدة جمع حافد كخادم وخدم
واشتقاق اللفظ : من قولهم : حفد يحفد حفدا ،أي أسرع في الطاعة .."
ويقال : سيف محتفد أي سريع القطع ،وقال الأصمعي : أصل الحفد : مقاربة الخطو "
[ الدر المصون (7 /265-266).

-إسماعيل بن عمر بن كثير الدمشقي (ت/774)ه
عن ابن عباس قال : بنوك حيث يحفدونك ويرقدونك ويعينونك ويخدمونك ،ويقال : الحفدة : الرجل يعمل بين يدي الرجل ، يقال : فلان يحفد لنا : يعمل لنا .(تفسير القران العظيم (4/504).

-محمد بن يعقوب الفيروز آبادي (ت/817)ه
حفد يحفد حفداً ، جد في العمل وأسرع ،
والحفد : الخدم ،والأعوان ، ومشى دون الجنب ،
وحفدة الرجل : بناته أو أولاد أولادة أو الأصهار ، وصناع الوشي "
[ القاموس المحيط (354)]

-إبراهيم بن عمر البقاعي (885)ه
قال : حفد : خف في العمل وأسرع ، والحفد محركة الخدم ، نحفدهم ، ومشي دون الجنب ، والحفدة البنات وأولاد الأولاد أو الأصهار ، لذلك وصناع الوشي ،لإ سراعهم فيه وسيف محتفد : سريع القطع ، وأحفده : حمله على الإسراع .
[نظم الدرر (4/ 219).

-محمد بن مصلح ،محي الدين زاده (ت/ 951)
ذكر بعدما ساق جملة من الأقوال السابقة:
والأولى دخول الكل فيه لما بينا من آله اللفظ يحتمل الكل من حيث كونه موضوعا للقدر المشترك بين الكل [حاشية محي الدين زاده (302/50).

محمد الطاهر بن محمد بن عاشور (1393)ه
والحفدة جمع حافد ، مثل كمله، جمع كامل ،والحافد أصله المسرع في الخدمة وأطلق على ابن الإبن لأنه يكثر أن يخدم جده يصف الجد بالكبر ،فانعم الله على الإنسان بحفظ سلسلة نسبة بسبب ضبط الحلقة الأولى منها ،
والحفدة للإنسان زيادة في مسرة العائلة .
[ التحرير والتنوير ( 1 /218-219)

-محمد الأمين بن محمد مختار الشنقيطي (1393)ه
قال : الحفدة جمع حافد اسم فاعل من حفد وهو الإسراع في الخدمة والعمل وفي الآية قرينة داله على ان الحفدة أولاد الأولاد ،لأن قوله " وجعل لكم .."
دليل ظاهر على اشتراك البنين والحفدة في كونهم من أزواجهم .
[أضواء البيان (2/412).

رد مع اقتباس
  #3  
قديم 29 محرم 1441هـ/28-09-2019م, 10:03 PM
هيئة التصحيح 11 هيئة التصحيح 11 غير متواجد حالياً
هيئة التصحيح
 
تاريخ التسجيل: Jan 2016
المشاركات: 2,525
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة عبدالكريم الشملان مشاهدة المشاركة
التطبيق السابع
معنى "الحفدة "في قوله " وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدة " ،النحل 72:

أولا: التعرف على أقوال السلف في المسألة :
1- قال مجاهد بن جبر المكي القرشي (ت/104ه)
انا عبدالرحمن ثنا إبراهيم نا آدم ونا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد " بنين وحفدة " النحل 72
يعني " أنصاراً وأعوانا وخدماً ".
[تفسير مجاهد (1/423)]
2- قال مقاتل بن سليمان بن بشير الأزدي (ت/150ه)
" جعل لكم من أزواجكم بنين وحفدة " يعني بالبنين :الصغار ، والحفدة :الكفار يحفدون آباءهم بالخدمة ،وذلك أنهم كانوا في الجاهلية يخدمهم أولادهم "،
[تفسير مقاتل بن سليمان (2/477)]

3-يحيى بن سلام بن أبي ثعلبة القيرواني (ت/200ه)
قال " وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدة "
والحفدة : الخدم يعني : ولداً يخدمونه ، وولد ولده في تفسير الحسن .
-عمار عن أبي هلال الراسبي عن الحسن قال : بنوك وبنو بنيك ، البنون والحفدة : كل شي يحفدونك ويخدمونك .
-سعيد عن قتادة قال : مهنة يمتهنونك ويخدمونك من ولدك
-المعلى عن عاصم بن بهدلة عن زر بن حبيش عن عبدالله بن مسعود قال : حفدة : الأختان (تفسير يحيى بن سلام (1 /75-76).

يحيى بن زياد الفراء (ت/207)ه
وقوله " وحفدة " والحفدة :الأختان ، وقالوا : الأعوان ، ولو قيل : الحفد : كان صوابا)
لأن واحدهم حافد فيكون بمنزلة الغائب
والغيب والقاعد والقعد "
[معاني القرآن (110/2).

سعيد بن مسعدة البلخي " الأخفس (ت/210)ه
" وقال بنين وحفدة " وواحدهم : الحافد "
[معاني القرآن (2/607)]

-سهل بن عبدالله التستري (ت/283)ه
قال روى عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال : الحفدة : الأختان ، عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال : البنون الصغار ، والحفدة الذين يعينون الوالد على عمله ، وعن الضحاك قال : الحفدة : الخدمة لله إيجابا بغير سؤال منهم غيره [تفسير التستري (92/1)


-معمر بن المثنى التيمي (أبو عبيدة)(ت/210)ه
"بنين وحفدة " أعوانا وخداما ، قال جميل :
حفد الولائد بينهن وأسلمت
بأفكهن أزمة الأجمال .
واحدهم : حافد ، خرج مخرج كمل ، والجميع كمله " [مجاز القران (364/1).

قال محمد بن جرير الطبري (ت/310)ه
واختلف أهل التأويل في معناها ، فقال بعضهم : هم الأختان ، أختان الرجل على بناته ".
حدثنا أبو كريب وابن وكيع قالا ثنا أبو معاوية بسنده عن عبدالله ؛ قال : الأختان .
وحدثني المثنى قال : أبو صالح بسنده عن ابن عباس : قال " الأصهار ،
وقال آخرون : هم أعوان الرجل وخدمة .
حدثني محمد بن خالد بسنده عن ابن عباس قال : من أعانك فقد حفدك .
وعن عكرمة : الخدام
وعن أبي مالك : الأعوان
وقال آخرون : هم ولد الرجل وولد ولده
وقال آخرون : هم بنو امرأة الرجل من غيره
قال ابن جرير :
والحفدة في كلام العرب : جمع حافد كما الكذبة جمع كاذب ، والحافد في كلامهم هو المتخفف في الخدمة والعمل ،والحفد : خفة العمل ، يقال مر البعير يحفد حفدا إذا مر يسرع في سيره
واللفظ عام وفي كل ماورد وجه في الصحة ومخرج في التأويل .
[جامع البيان ( 1 /257-259).

-إبراهيم بن السري الزجاج (ت/311)ه
اختلف الناس في تفسير الحفدة ، فقيل : الأولاد وقيل البنات ، وقيل : الأختان ، وقيل : الأصهار وقيل الأعوان .
وحقيقة هذا أن الله جعل من الأزواج بنين ومن معاون على مايحتاج إليه بسرعه وطاعة ،يقال : حفد يحفد حفدا وحفادا إذا أسرع ،
[ معاني القرآن (1 /212-213).


-محمد بن عزيز السجستاني (ت/330)ه
حفدة : أي : خدما ، وقيل : أختانا ، وقيل أصهارا ، وقيل : أعوانا ، وقيل بنو الرجل من نفقة منهم ،وقيل : بنو المرأة من زوجها الأول [نزهة القلوب ص /205].


-أحمد بن فارس بن زكريا (ت/395)ه
" الحاء والفاء والدال ، أصل يدل على الخفة في العمل والتجمع ، فالحفدة : الأعوان ، لأنه يجمع فيهم الجمع والتخفف ، واحدهم : حافد ، والسرعه إلى الطاعه حفد ..، والحفدان : تدارك السر " [ معجم المقاييس في اللغه (274).

-محمد بن عبدالله بن أبي زمنين (ت/399)ه
تفسير الحسن ، الحفدة : الخدم ، يعني بذلك ولده وولد ولده ، يقال : أنهم بنون وخدم ، قال محمد : وأصل الحفد : الخدمة والعمل ،.."
[تفسير ابن أبي زمنين (2/410)].
-أحمد بن محمد الثعلبي(ت/427).
- قال ابن زيد : هم بنو المرأة من الزوج الأول ، وهي رواية العوفي عن ابن عباس هم بنو امرأة الرجل الأول ، وقال العتبي : أصل الحفد : مداركة الخطو والإسراع في المشي ،فقيل لكل من أسرع في الخدمة والعمل : حفدة ، واحدهم : حافد ،ومنه يقال في الدعاء في الوتر : إليك نسعى ونحفد : أي : نسرع إلى العمل بطاعتك
وأنشد ابن جرير :-
كلفت مجهولها نوقا يمانية
إذا الحداة على أكسائها حفدا .
[ الكشف والبيان ( 6 /30-31).

-مكي بن أبي طالب القيرواني (ت / 437)ه
قال ابن مسعود : الحفدة : الأختان ، وعن ابن عباس أنهم الأصهار ، وقال محمد بن الحسن : الختن :الزوج ومن كان من ذوي رحمه .
وقيل : الحفدة : أعوان الرجل وخدمه.
[الهداية إلى بلوغ النهاية (6/ 4043 / 4044).


-مكي بن أبي طالب القيسي (ت / 437) ه
الحفدة : الخدام والأعوان ، وقيل : الأصهار ، وأصل الحفد : مداركة الخطو والإسراع في المشي ، وهذا فعل : الخدم "
[ تفسير المشكل من غريب القرآن (132)].

-الحسن بن محمد (الراغب الأصفهاني) (ت/502)ه
حافد :هوالمتحرك المتبرع بالخدمة ، قال المفسرون : هم الأسباط ونحوهم وذلك أن خدمتهم أصدق ، وفلان محفود ،أي : مخدوم ، وهم الأختان والأصهار .."
[ المفردات (123-124)].


-الحسن بن مسعود البغوي (510)ه.
قال ابن مسعود والنخعي : الحفدة : أختان الرجل على بناته ، وعن ابن مسعود أيضا أنهم : الأصهار ،وروى العوفي عن ابن عباس : أنهم بنو امرأة الرجل ليسوا منه ".
[ معالم التنزيل (3/ 88 )

-محمود بن عمر الزمخشري (ت/ 538)ه
" حفد البعير حفدا وحفودا ، وحفدانا : أسرع في سيره ، ودارك الخطو ، قال حميد بن ثور :
فدته المطايا الحافدات وقطعت
نعالاً له دون الأكام جلودها
وأحفد بعيره ،
[ أساس البلاغة (132)]

-عبد الحق بن غالب الأندلسي (ت / 542)ه
قال " ولا خلاف أن معنى الحفد : الخدمة والبر والمشي مسرعا في الطاعه .. والحفدان : جنب فوق المشي ، ومنه قول الشاعر :-
حفد الولائد بينهن وأسلمت
بأكفهن أرمة الإجمال
فمن لم تكن له قط زوجة فقد جعل الله له حفدة ، وحصل تحت النعمة وأولئك الحفدة هم من الأزواج ،وهكذا تترتب النعمه التي تشتمل جميع العالم وتستقيم نقطة الحفدة على مجراها في اللغة إذا البشر بجملتهم لا يستغني أحد عن حفدة وقالت فرقة :-
الحفدة هم البنون .
-المحرر الوحيز (3 / 408) .

-محمد بن أحمد بن فرح القرطبي (676)ه
قال : وأصله من حفد يحفد ، إذا أسرع في سيره .. ويقال : حفدت وأحفدت ، الفتاة إذا خدمت .
[ الجامع الأحكام القران (10 / 144 )].

-محمد بن يوسف بن علي بن حيان الأندلسي (745)ه
قال : والحفدة: منصوب بجعل مضمرة ، وليسوا داخلين في كونهم من الأزواج ، قال ابن مسعود وعلقمة وأبو الضحى : الأصهار ، وهم قرابة الزوجة كأبيها وأخيها
وقالت فرقة : الحفدة هم البنون ،أي جامعون بين البنوة والخدمة فهو عطف الصفات لموصف واحد .
[ البحر المحيط (6 /564).

-أحمد بن يوسف السمين الحلبي (756)ه
في حفدة : أوجه : أظهرها ، أنه معطوف على بنين ،بقيد كونه من الأزواج ، وفسرها بأنه أولاد الأولاد ،والحفدة جمع حافد كخادم وخدم
واشتقاق اللفظ : من قولهم : حفد يحفد حفدا ،أي أسرع في الطاعة .."
ويقال : سيف محتفد أي سريع القطع ،وقال الأصمعي : أصل الحفد : مقاربة الخطو "
[ الدر المصون (7 /265-266).

-إسماعيل بن عمر بن كثير الدمشقي (ت/774)ه
عن ابن عباس قال : بنوك حيث يحفدونك ويرقدونك ويعينونك ويخدمونك ،ويقال : الحفدة : الرجل يعمل بين يدي الرجل ، يقال : فلان يحفد لنا : يعمل لنا .(تفسير القران العظيم (4/504).

-محمد بن يعقوب الفيروز آبادي (ت/817)ه
حفد يحفد حفداً ، جد في العمل وأسرع ،
والحفد : الخدم ،والأعوان ، ومشى دون الجنب ،
وحفدة الرجل : بناته أو أولاد أولادة أو الأصهار ، وصناع الوشي "
[ القاموس المحيط (354)]

-إبراهيم بن عمر البقاعي (885)ه
قال : حفد : خف في العمل وأسرع ، والحفد محركة الخدم ، نحفدهم ، ومشي دون الجنب ، والحفدة البنات وأولاد الأولاد أو الأصهار ، لذلك وصناع الوشي ،لإ سراعهم فيه وسيف محتفد : سريع القطع ، وأحفده : حمله على الإسراع .
[نظم الدرر (4/ 219).

-محمد بن مصلح ،محي الدين زاده (ت/ 951)
ذكر بعدما ساق جملة من الأقوال السابقة:
والأولى دخول الكل فيه لما بينا من آله اللفظ يحتمل الكل من حيث كونه موضوعا للقدر المشترك بين الكل [حاشية محي الدين زاده (302/50).

محمد الطاهر بن محمد بن عاشور (1393)ه
والحفدة جمع حافد ، مثل كمله، جمع كامل ،والحافد أصله المسرع في الخدمة وأطلق على ابن الإبن لأنه يكثر أن يخدم جده يصف الجد بالكبر ،فانعم الله على الإنسان بحفظ سلسلة نسبة بسبب ضبط الحلقة الأولى منها ،
والحفدة للإنسان زيادة في مسرة العائلة .
[ التحرير والتنوير ( 1 /218-219)

-محمد الأمين بن محمد مختار الشنقيطي (1393)ه
قال : الحفدة جمع حافد اسم فاعل من حفد وهو الإسراع في الخدمة والعمل وفي الآية قرينة داله على ان الحفدة أولاد الأولاد ،لأن قوله " وجعل لكم .."
دليل ظاهر على اشتراك البنين والحفدة في كونهم من أزواجهم .
[أضواء البيان (2/412).

أحسنت، بارك الله فيك ونفع بك.
أرجو الانتفاع بالملحوظات التالية:
1. الأولى الفصل بين نقول السلف ونقول أهل اللغة، كما في تطبيق الشيخ في الدرس السابع.
2. رواي تفسير مجاهد هو عبد الرحمن الهمذاني؛ فيكون النقل هكذا:
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم نا آدم نا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد بنين وحفدة يعني أنصارا وأعوانا وخدما). [تفسير مجاهد: 349]
وتفصيل هذه الملحوظة في تصحيح التطبيق السابق.
3. أؤكد على نفس الملحوظة السابقة في تصحيح التطبيق السابق وهي عمل قائمة لكل مرتبة فيها بيان الكتب التي بحثت ولم تجد فيها نقولا تخدم بحثك، والكتب التي تعذر عليك الوصول إليها، كما هو موضح في المشاركة الأولى هنا.
مثلا فاتك عدد من كتب غريب القرآن مثل غريب القرآن منها غريب القرآن لليزيدي، وغريب القرآن لابن قتيبة، ومن كتب معاني القرآن كتاب أبي جعفر النحاس.
ومن كتب السلف فاتك نقل لابن عباس عند البخاري في صحيحه، وبالتالي شروح البخاري.
التقويم: أ
أحسنت، بارك الله فيك ونفع بك.

رد مع اقتباس
  #4  
قديم 30 محرم 1441هـ/29-09-2019م, 11:46 PM
حليمة السلمي حليمة السلمي غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المستوى السادس
 
تاريخ التسجيل: Feb 2017
المشاركات: 321
افتراضي

3. إعراب {إن هذان لساحران}

النقول التي تحصّلت لي في هذه المسألة:
أ:من التفاسير التي تنقل أقوال السلف: جامع البيان لابن جرير، والكشف والبيان للثعلبي، وبحر العلوم للسمرقندي وتفسير القرآن لابن أبي زمنين وتفسير السمعاني والهداية لمكي بن أبي طالب، وزاد المسير لابن الجوزي، وأحكام القرآن للقرطبي وغيرها.
ب:ومن كتب المرتبة الأولى: معاني القرآن للفراء، ومجاز القرآن لأبي عبيدة و معاني القرآن للأخفش الأصغر ومعاني القرآن للزجاج، وإعراب القرآن للنحاس، ولم أجد لهذه المسألة ذكرا في تأويل مشكل القرآن لابن قتيبة.
ج:ومن كتب المرتبة الثانية: لم أجد ذكرا لهذه المسألة في غريب القرآن لابن قتيبة، ولا فيي ياقوتة الصراط لغلام ثعلب، أوتفسير المشكل من غريب القرآن لمكي بن أبي طالب وغيرها من كتب هذه المرتبة ؛ نظرًا لأن هذه الكتب في بيان الألفاظ والله أعلم.
د:ومن كتب المرتبة الثالثة: كتاب الجمل في النحو للخليل بن أحمد والكتاب لسيبويه والأصول في النحو لابن السراج والمقتضب للمبرّد وغيرهم.
هـ:ومن كتب المرتبة الرابعة: المحرر الوجيز لابن عطية و الكشاف للزمخشري، وحاشية الطيبي على الكشاف، والبحر المحيط لأبي حيان، والدر المصون للسمين الحلبي، والتحرير والتنوير لابن عاشور وغيرهم.
أولاً: التعرّف على أقوال السلف في المسألة:
قال ابن جرير الطبري (٣١٠ هـ):
وقد اختلفت القرّاء في قراءة قوله ﴿إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ﴾ فقرأته عامة قرّاء الأمصار ﴿إنَّ هَذَانِ﴾ بتشديد إن وبالألف في هذان، وقالوا: قرأنا ذلك كذلك، وكان بعض أهل العربية من أهل البصرة يقول: "إن" خفيفة في معنى ثقيلة، وهي لغة لقوم يرفعون بها، ويدخلون اللام ليفرقوا بينها وبين التي تكون في معنى ما، وقال بعض نحويي الكوفة: ذلك على وجهين: أحدهما على لغة بني الحارث بن كعب ومن جاورهم، يجعلون الاثنين في رفعهما ونصبهما وخفضهما بالألف، وقد أنشدني رجل من الأسد عن بعض بني الحارث بن كعب:
فأطْرَقَ إطْرَاقَ الشُّجاعِ وَلَوْ رَأى ... مَساغا لِناباه الشُّجاعُ لصَمما
قال: وحكى عنه أيضا: هذا خط يدا أخي أعرفه، قال: وذلك وإن كان قليلا أقيس، لأن العرب قالوا: مسلمون، فجعلوا الواو تابعة للضمة، لأنها لا تعرب، ثم قالوا: رأيت المسلمين، فجعلوا الياء تابعة لكسرة الميم، قالوا: فلما رأوا الياء من الاثنين لا يمكنهم كسر ما قبلها، وثبت مفتوحا، تركوا الألف تتبعه، فقالوا: رجلان في كلّ حال. قال: وقد اجتمعت العرب على إثبات الألف في كلا الرجلين، في الرفع والنصب والخفض، وهما اثنان، إلا بني كنانة، فإنهم يقولون: رأيت كلي الرجلين، ومررت بكلي الرجلين، وهي قبيحة قليلة مضوا على القياس، قال: والوجه الآخر أن تقول: وجدت الألف من هذا دعامة، وليست بلام فعل، فلما بنيت زدت عليها نونا، ثم تركت الألف ثابتة على حالها لا تزول بكلّ حال، كما قالت العرب الذي، ثم زادوا نونا تدلّ على الجمع، فقالوا: الذين في رفعهم ونصبهم وخفضهم، كما تركوا هذان في رفعه ونصبه وخفضه، قال: وكان القياس أن يقولوا: اللذون، وقال آخر منهم: ذلك من الجزم المرسل، ولو نصب لخرج إلى الانبساط.
وحُدثتعنأبيعُبيدةمعمربنالمثنى،قال: قالأبوعمرووعيسىبنعمرويونس: إنهذينلساحرانفياللفظ،وكتبهذانكمايريدونالكتاب،واللفظصواب،قال: وزعمأبوالخطابأنهسمعقومامنبنيكنانةوغيرهم،يرفعونالاثنينفيموضعالجر والنصب، قال: وقال بشر بن هلال: إن بمعنى الابتداء والإيجاب، ألا ترى أنها تعمل فيما يليها، ولا تعمل فيما بعد الذي بعدها، فترفع الخبر ولا تنصبه، كما نصبت الاسم، فكان مجاز "إن هذان لساحران"، مجاز كلامين، مَخْرجه: إنه إي نعم، ثم قلت: هذان ساحران. ألا ترى أنهم يرفعون المشترك كقول ضابئ:
فَمَنْ يَكُ أمْسَى بالمَدِينَةِ رَحْلُهُ ... فإنّي وَقيار بِهَا لَغَرِيبُ
وقوله:
إنَّ السُّيوفَ غُدُوَّها ورَوَاحَها ... تَرَكَتْ هَوَازِنَ مِثْلَ قَرْنِ الأعْضَبِ
قال: ويقول بعضهم: إن الله وملائكته يصلون على النبيّ، فيرفعون على شركة الابتداء، ولا يعملون فيه إنَّ. قال: وقد سمعت الفصحاء من المحرمين يقولون: إن الحمد والنعمةَ لك والملك، لا شريك لك، قال: وقرأها قوم على تخفيف نون إن وإسكانها، قال: ويجوز لأنهم قد أدخلوا اللام في الابتداء وهي فصل، قال:
أُمُّ الحُلَيْس لَعَجُوزٌ شَهْرَبَهْ
قال: وزعم قوم أنه لا يجوز، لأنه إذا خفف نون "إن" فلا بدّ له من أن يدخل "إلا" فيقول: إن هذا إلا ساحران.
قال أبو جعفر: والصواب من القراءة في ذلك عندنا ﴿إنّ﴾ بتشديد نونها، وهذان بالألف لإجماع الحجة من القرّاء عليه، وأنه كذلك هو في خطّ المصحف، ووجهه إذا قرئ كذلك مشابهته الذين إذ زادوا على الذي النون، وأقرّ في جميع الأحوال الإعراب على حالة واحدة، فكذلك ﴿إنَّ هَذَانِ﴾ زيدت على هذا نون وأقرّ في جميع أحوال الإعراب على حال واحدة، وهي لغة الحارث بن كعب، وخثعم، وزبيد، ومن وليهم من قبائل اليمن. (جامع البيان)
قال السمرقندي (٣٧٣ هـ):
قرأ ابن كثير وعاصم في رواية حفص إِنْ هذانِ بجزم إن وتشديد نون هذانّ عند ابن كثير خاصة، وقرأ الباقون أن بالنصب والتشديد هذانِ لَساحِرانِ بالتخفيف. وقال أبو عبيد: نقرأ بهذا، ورأيت في مصحف عثمان رضي الله عنه بهذا اللفظ إن هذين لساحران إنّ هذين ليس فيه ألف، وهكذا رأيت رفع الاثنين في جميع المصاحف بإسقاط الألف، وإذا كتبوا بالنصب والخفض كتبوها بالياء. وحكى الكسائي، عن أبي الحارث بن كعب وخثعم وزيد وأهل تلك الناحية: الرفع مكان النصب وقال القائل:
أَي قلوص راكب تراها ... طاروا علاهن فطر علاها
وقال آخر:
إنَّ أبَاهَا وَأَبَا أَبَاهَا ... قَدْ بلغا في المجد غَايَتَاهَا
وقال آخر:
فَمَنْ يك أمسى بالمدينة رَحْلُه ... فَإِنِّي وَقَيَّارٍ بِهَا لَغَرِيبُ
وروى وكيع، عن الأعمش، عن إبراهيم قالوا: كانوا يرون أن الألف والياء في القراءة سواء إنّ هاذان لساحران وإنّ هاذين لساحرين سواء. وفي مصحف عبد الله إنّ هاذان ساحران وفي مصحف أبي إِنْ هذان إلّا ساحران. ( بحر العلوم)
قال ابن أبي زمنين (٣٩٩ هـ):
قَالَ مُحَمَّدٌ: قَوْله: ﴿هَذَانِ﴾ بِالرَّفْعِ؛ ذَكَرَ أَبُو عُبَيْدَةَ أَنَّهَا لُغَةٌ لِكِنَانَةَ؛ يَجْعَلُونَ أَلْفَ الِاثْنَيْنِ فِي الرَّفْعِ وَالْخَفْضِ وَالنَّصْبِ عَلَى لَفْظٍ وَاحِدٍ، وَلِأَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ فِيهِ كَلَامٌ كَثِيرٌ، وَاخْتِلَافٌ يَطُولُ ذِكْرُهُ، غَيْرُ الَّذِي ذَكَرَ أَبُو عُبَيْدَةَ. ( تفسير القرآن العزيز)
قال الثعلبي (٤٢٧ هـ):
قالُوا إِنْ هذانِ لَساحِرانِ قرأ عبد الله: واسرّوا النجوى إن هذان ساحران بفتح الألف وجزم نونه ساحران بغير لام، وقرأ ابن كثير وحفص إِنْ بكسر الالف وجزم النون هذانِ بالألف على معنى ما هذان إلّا ساحران، نظيره: قوله وَإِنْ نَظُنُّكَ لَمِنَ الْكاذِبِينَ
قال الشاعر:
ثكلتك أمّك إن قتلت لمسلما ... حلّت عليك عقوبة الرّحمن
يعني ما قتلت إلّا مسلما، يدل على صحة هذه القراءة قراءة أبي بن كعب: إن ذان إلّا ساحران ، وقرأ عيسى بن عمر الثقفي وأبو عمر بن علاء: إن هذين لساحران بالياء على الأصل، قال أبو عمرو: واني لأستحي من الله أن أقرأ إنّ هذان، وقرأ الباقون: إنّ بالتشديد هذان بالألف واختلفوا فيه، فقال قوم بما أخبرنا أبو بكر بن عبدوس وعبد الله بن حامد قالا:
حدّثنا أبو العباس الأصم قال: حدّثنا محمد بن الجهم السمري قال: حدّثنا الفرّاء قال: حدّثني أبو معاوية عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أنها سئلت عن قوله سبحانه في النساء لكِنِ الرَّاسِخُونَ وَالْمُقِيمِينَ وعن قوله في المائدة إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا وَالصَّابِئُونَ وعن قوله إِنْ هذانِ لَساحِرانِ فقالت: يا بن أخي هذا خطأ من الكاتب.
وقال عثمان بن عفان: إنّ في المصحف لحنا وستقيمه العرب بألسنتهم.
وقال أبان: قرئت هذه الآية عند عثمان فقال: لحن وخطأ، فقيل له: ألم تغيّره فقال:
دعوه فإنّه لا يحلّ حراما ولا يحرّم حلالا، وقال آخرون: هذه لغة الحارث بن كعب وخثعم وزبيد وكنانة يجعلون الأسين في رفعهما ونصبهما وخفضهما بالألف.
قال الفرّاء: أنشدني رجل من بني الأسد وما رأيت افصح منه.
وأطرق إطراق الشجاع ولو ترى ... مساغا لناباه الشجاع لصمما
ويقولون: كسرت يداه، وركبت علاه، بمعنى يديه وعليه. وقال الشاعر:
تزوّد منّا بين أذناه ضربة ... دعته إلى هابي التراب عقيم
أراد بين أذنيه. وقال آخر:
أي قلوص راكب نراها ... طاروا علاهنّ فطر علاها
أي عليهن وعليها. وقال آخر:
إنّ أباها وأبا أباها ... قد بلغا في المجد غايتاها
وروي أنّ أعرابيا سأل ابن الزبير شيئا فحرّمه فقال: لعن الله ناقة حملتني إليك، فقال ابن الزبير: إن وصاحبها، يعني نعم. وقال الشاعر:
بكرت عليّ عواذلي يلحينني وألومهنّه ... ويقلن شيب قد علاك وقد كبرت فقلت إنّه
أي نعم، وقال الفرّاء: وفيه وجه آخر: وهو أن يقول: وجدت الألف دعامة من هذا على حالها لا تزول في كل حال، كما قالت العرب: الذي ثمّ زادوا نونا يدلّ على الجمع فقالوا:
الذين في رفعهم ونصبهم وخفضهم وكناية تقول: اللّذون. ( الكشف والبيان)
قال مكي بن أبي طالب (٤٣٧ هـ):
ومن شدد "إن" ورفع "هذان"، فقد خرج العلماء فيها سبعة أقوال: فالأول: أن يكون بمعنى نعم. حكى سيبويه أن "إن" تأتي بمعنى أجل. واختار هذا القول المبرد وإسماعيل القاضي والزجاج وعلي بن سليمان.
واستبعد الزجاج قراءة أبي عمرو "إن هذين" لمخالفتها للمصحف.
وقال علي بن أبي طالب: لا أحصي كم سمعت رسول الله ﷺ على منبره يقول: إن الحمدُ لله نحمده ونستعينه، يعني يرفع الحمد يجعل "إن" بمعنى "أجل". ومعنى: أجل: نعم. ثم يقول: أنا أفصح قريش كلها، وأفصحها بعدي سعيد بن إبان بن العاصي. وكذلك كانت خطباء الجاهلية تفتتح خطبها بـ "نعم"، وكذلك وقعت في أشعارها. قال الشاعر:
قالت غدرت، فقلت: إن وربما ∗∗∗نالالعُليوشقىالخليلالغادر
وقال ابن قيس الرقيات:
بكرت على عواذ لي ∗∗∗يلحيننيوألومهنه
ويقلن شيب قد علاك ∗∗∗وقدكبرت فقلت إنه
وأنشد ثعلب:
ليت شعري هل للمحب شفاء ∗∗∗منجوىحبهنإناللقاء.
أي: نعم.
فهذا قول حسن لولا دخول اللام في الخبر.
وقد قيل: إن اللام يراد بها التقديم، وهو أيضاً بعيد، إنما يجوز التقديم في اللام وهي مؤخرة في الشعر.
لكن الزجاج قال: التقدير: نعم هذان لهما ساحران. فتكون اللام داخلة على الابتداء في المعنى، كما قال: أم الحليس لعجوز شهربة.
وقيل: إن اللام يراد بها التقديم.
وقيل: هي في موضعها، و "لعجوز" مبتدأ، وشهربة الخبر، والجملة خبر عن اللام.
والقول الثاني: ما حكاه أبو زيد والكسائي والأخفش والفراء أنها لغة لبني الحارث بن كعب، يقولون: رأيت الزيدان ومررت بالزيدان، وأنشدوا.
- فأطرق إطراق الشجاع ولو يرى ∗∗∗مساغاًلناباهالشجاعلصمماً
وأنشدوا أيضاً:
- تزود منا بين أذناه طعنة على ∗∗∗رأسهتلقىالعظاممنالفم.
وحكى أبو الخطاب أنها لغة لبني كنانة.
وحكى غيره أنها لغة خثعم. وهذا القول قول، حسن، لا نطعن فيه لثقة الناقلين لهذه اللغة، وتواتر نقلهم واتفاقهم على ذلك، وقد نقلها أبو زيد، وكان سيبويه إذا قال حدثني من أثق به، فإياه يعني.
ورواه الأخفش، وهو ممن روى عنه سيبويه، وقول سيبويه في ألف التثنية أنها حرف الأعراب، يدل على أن حكمها لا تتغير عن لفظها، كما لا تتغير الدال من زيد، فجاءت في هذه الآية على الأصل، كما جاء "استحوذ" على الأصل.
والقول الثالث: قاله الفراء. قال: الألف في "هذان" دعامة، ليست بلام الفعل، فزدت عليها نوناً ولم أغيرها، كما قلت "الذي" ثم زدت عليه نوناً، ولم أغيرها، فقلت "الذين" في الرفع والنصب والجر.
والقول الرابع: يحكى عن بعض الكوفيين أن الألف في هذان مشبهة بألف يفعلان، فلم تغير كما لا يغير ألف يفعلان.
والقول الخامس: حكاه الزجاج. قال: القدماء يقولون: الهاء مضمرة ها هنا، والمعنى: أنه هذان لساحران، ويعترض هذا القول دخول اللام في الخبر.
والقول السادس: قاله ابن كيسان، قال: سألني إسماعيل ابن إسحاق عنها، فقلت: القول عندي، أنه لما كان يقال هذا في موضع الرفع والنصب والجر، وكانت التثنية يجب ألا تغير، أجريت التثنية مجرى الواحد. فقال إسماعيل: ما أحسن هذا، لو تقدمك أحد بالقول به، حتى تؤنس به. فقلت: فيقول القاضي به حتى يؤنس به، فتبسم.
والقول السابع: حكاه أبو عمرو وغيره، أنه من غلط الكاتب.
روي أن عثمان وعائشة رضي الله عنهما قالا: إن في الكتاب غلطاً ستقيمه العرب بألسنتها.
وعنهما: إن في الكتاب لحناً ستقيمه العرب بألسنتها. وهذا القول قد طعن فيه، لأن أصحاب النبي ﷺ قد أجمعوا على صحة ما بين اللوحين، فلا يمكن أن يجتمعوا على غلط.
فأما من خفف "إن" فإنه رفع ما بعدها، لنقصها عن وزن الفعل ويجوز أن يكون أعملها مخففة على الثقيلة، كما يعمل الفعل محذوفاً عمله وهو غير محذوف، إلا أنه أتى بـ "هذان"، على الوجوه التي ذكرنا، فأتى بالألف في النصب.
فأما من شدد نون "هذان"، فإنه جعل التشديد عوضاً مما حذف من هذا في التثنية.
وعن الكسائي والفراء في: "إن هذان" قولان تركنا ذكرهما لبعد تأويلهما في ذلك. ( الهداية إلى بلوغ النهاية)
قال السمعاني (٤٨٩ هـ):
اعْلَم أَن هَذِه الْآيَة مشكلة فِي الْعَرَبيَّة، وفيهَا ثَلَاث قراءات:
قَرَأَ أَبُو عَمْرو: " إِن هذَيْن لساحران "، وَقَرَأَ حَفْص: " إِن هَذَانِ لساحران "، وَقَرَأَ الْبَاقُونَ: " إِن هَذَانِ لساحران ".
أما قِرَاءَة أبي عَمْرو: فَهِيَ المستقيمة على ظَاهر الْعَرَبيَّة، وَزعم أَبُو عَمْرو أَن " هَذَانِ " غلط من الْكَاتِب فِي الْمُصحف.
وَعَن عُثْمَان - رَضِي الله عَنهُ - أَنه قَالَ: أرى فِي الْمُصحف لحنا، (تستقيمه) الْعَرَب بألسنتها. وَمثله عَن عَائِشَة - رَضِي الله عَنْهَا -.
وَأما قِرَاءَة حَفْص: فَهِيَ مُسْتَقِيمَة أَيْضا على الْعَرَبيَّة؛ لِأَن إِن مُخَفّفَة يكون مَا بعْدهَا مَرْفُوعا، وَمَعْنَاهُ: مَا هَذَانِ إِلَّا ساحران.
وَأما قِرَاءَة الْأَكْثَرين - وَهُوَ الْأَصَح - قَالَ الزّجاج: لَا نرضى قِرَاءَة أبي عَمْرو فِي هَذِه الْآيَة؛ لِأَنَّهَا خلاف الْمُصحف، وَأما وَجه قَوْله: ﴿إِن هَذَانِ﴾ فَلهُ وُجُوه فِي الْعَرَبيَّة: أما القدماء من النَّحْوِيين فَإِنَّهُم قَالُوا: " هُوَ على تَقْدِير: إِنَّه هَذَانِ، فَحذف الْهَاء، وَمثله كثير فِي الْعَرَبيَّة، وَالْوَجْه الثَّانِي: أَن هَذَا لُغَة كنَانَة وخثعم (وزبيد) ، وَقَالَ الْكسَائي: لُغَة بلحارث بن كَعْب من كنَانَة، وَأنْشد الْكسَائي شعرًا:
(تزَود مني بَين أذنَاهُ ضَرْبَة ... دَعَتْهُ إِلَى هَذِه التُّرَاب عقيم)
وَأنْشد غَيره:
(إِن أَبَاهَا وَأَبا أَبَاهَا قد ... بلغا فِي الْمجد غايتاها)
وأنشدوا أَيْضا:
(أَي قلُوص رَاكب ترَاهَا ... طاروا علاهن فطر علاها)
أَي: عَلَيْهِنَّ.
قَالَ الْكسَائي: على هَذِه اللُّغَة يَقُولُونَ: أَتَانِي الزيدان، وَرَأَيْت الزيدان، ومررت بالزيدان، وَلَا يتركون ألف التَّثْنِيَة فِي شَيْء مِنْهَا.
وَأما الْوَجْه الثَّالِث، هُوَ أصح الْوُجُوه، فَإِن الْقُرْآن لَا يحمل على اللُّغَة الْبَعِيدَة؛ وَهُوَ أَن معنى قَوْله: ﴿إِن هَذَانِ﴾ أَي: نعم هَذَانِ، قَالَ الشَّاعِر:
(بكر العواذل فِي الصَّباح ... يلمنني وألومهن)
(وَيَقُلْنَ شيب قد علاك ... وَقد كَبرت فَقلت إِنَّه) أَي: نعم
وَرُوِيَ أَن أَعْرَابِيًا أَتَى عبد الله بن الزبير يطْمع شَيْئا، فَلم (يحصل) لَهُ طمعه، فَقَالَ الْأَعرَابِي: لعن الله نَاقَة حَملتنِي إِلَيْك، فَقَالَ ابْن الزبير: إِن، وصاحبها، أَي: نعم. وَفِي قِرَاءَة أبي بن كَعْب: " إِن ذَاك إِلَّا ساحران "، وَهِي شَاذَّة. ( تفسير القرآن)
قال ابن الجوزي (٥٩٧ هـ):
واخْتَلَفَ القُرّاءُ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿إنْ هَذانِ لَساحِرانِ﴾،
فقَرَأ عاصِمٌ في رِوايَةِ حَفْصٍ: ( إنْ ) خَفِيفَةً ( هَذانِ ) خَفِيفَةً أيْضًا. وقَرَأ نافِعٌ، وابْنُ عامِرٍ، وحَمْزَةُ، والكِسائِيُّ: ( إنَّ ) بِالتَّشْدِيدِ ( هاذانِ ) بِألِفٍ ونُونٍ خَفِيفَةٍ.
وأمّا قِراءَةُ عاصِمٍ فَمَعْناها: ما هَذانِ إلّا ساحِرانِ، كَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿وَإنْ نَظُنُّكَ لَمِنَ الكاذِبِينَ﴾ [ الشُّعَراء: ١٨٦ ]؛ أيْ: ما نَظُنُّكَ إلّا مِنَ الكاذِبِينَ، وأنْشَدُوا في ذَلِكَ:
ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ إنْ قَتَلْتَ لَمُسْلِمًا ∗∗∗حَلَّتْ عَلَيْهِ عُقُوبَةُ المُتَعَمِّدِ
أيْ: ما قَتَلْتَ إلّا مُسْلِمًا. قالَ الزَّجّاجُ: ويَشْهَدُ لِهَذِهِ القِراءَةِ ما رُوِيَ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، أنَّهُ قَرَأ: ( ما هَذانِ إلّا ساحِرانِ )، ورُوِيَ عَنْهُ: ( إنْ هَذانِ إلّا ساحِرانِ )، ورُوِيَتْ عَنِ الخَلِيلِ: ( إنْ هَذانِ ) بِالتَّخْفِيفِ، والإجْماعُ عَلى أنَّهُ لَمْ يَكُنْ أحَدٌ أعْلَمَ بِالنَّحْوِ مِنَ الخَلِيلِ. فَأمّا قِراءَةُ الأكْثَرِينَ بِتَشْدِيدِ ( إنْ ) وإثْباتِ الألِفِ في قَوْلِهِ: ( هَذانِ )، فَرَوى عَطاءٌ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ أنَّهُ قالَ: هي لُغَةُ بَلْحارِثِ بْنِ كَعْبٍ. وقالَ ابْنُ الأنْبارِيِّ: هي لُغَةٌ لِبَنِي الحارِثِ بْنِ كَعْبٍ وافَقَتْها لُغَةُ قُرَيْشٍ. قالَ الزَّجّاجُ: وحَكى أبُو عُبَيْدَةَ عَنْ أبِي الخَطّابِ، وهو رَأْسٌ مِن رُؤُوسِ الرُّواةِ: أنَّها لُغَةٌ لِكِنانَةَ، يَجْعَلُونَ ألِفَ الِاثْنَيْنِ في الرَّفْعِ والنَّصْبِ والخَفْضِ عَلى لَفْظٍ واحِدٍ، يَقُولُونَ: أتانِي الزَّيْدانِ، ورَأيْتُ الزَّيْدانِ، ومَرَرْتُ بِالزَّيْدانِ، وأنْشَدُوا:
فَأطْرَقَ إطْراقَ الشُّجاعِ ولَوْ رَأى ∗∗∗مَساغًالَناباهُالشُّجاعُلَصَمَّما
وَيَقُولُ هَؤُلاءِ: ضَرَبْتُهُ بَيْنَ أُذُناهُ. وقالَ النَّحْوِيُّونَ القُدَماءُ: هاهُنا هاءٌ مُضْمَرَةٌ، المَعْنى: إنَّهُ هَذانِ لَساحِرانِ. وقالُوا أيْضًا: إنَّ مَعْنى ( إنْ ): نَعَمْ هَذانِ لَساحِرانِ، ويُنْشِدُونَ:
ويَقُلْنَ شَيْبٌ قَدْ عَلا ∗∗∗كَوقَدْكَبِرْتَ فَقُلْتُ إنَّهْ
قالَ الزَّجّاجُ: والَّذِي عِنْدِي وكُنْتُ عَرَضْتُهُ عَلى عالِمِنا مُحَمَّدِ بْنِ يَزِيدَ، وعَلى إسْماعِيلَ بْنِ إسْحاقَ بْنِ حَمّادِ بْنِ زَيْدٍ، فَقَبِلاهُ وذَكَرا أنَّهُ أجْوَدُ ما سَمِعْناهُ في هَذا، وهو أنَّ ( إنْ ) قَدْ وقَعَتْ مَوْقِعَ ( نَعَمْ )، والمَعْنى: نَعَمْ هَذانِ لَهُما السّاحِرانِ، ويَلِي هَذا في الجَوْدَةِ مَذْهَبُ بَنِي كِنانَةَ، وأسْتَحْسِنُ هَذِهِ القِراءَةَ؛ لِأنَّها مَذْهَبُ أكْثَرِ القُرّاءِ وبِها يُقْرَأُ، وأسْتَحْسِنُ قِراءَةَ عاصِمٍ والخَلِيلِ؛ لِأنَّهُما إمامانِ ولِأنَّهُما وافَقا أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ في المَعْنى، ولا أُجِيزُ قِراءَةَ أبِي عَمْرٍو لِخِلافِ المُصْحَفِ. وحَكى ابْنُ الأنْبارِيِّ عَنِ الفَرّاءِ، قالَ: ألِفُ ( هَذانِ ) هي ألِفُ ( هَذا )، والنُّونُ فَرَّقَتْ بَيْنَ الواحِدِ والتَّثْنِيَةِ، كَما فَرَّقَتْ نُونُ ( الَّذِينَ ) بَيْنَ الواحِدِ والجَمْعِ.( زاد المسير).
قال القرطبي (٦٧١ هـ):
وَقَرَأَ الزُّهْرِيُّ وَالْخَلِيلُ بْنُ أَحْمَدَ وَالْمُفَضَّلُ وَأَبَانٌ وَابْنُ مُحَيْصِنٍ وَابْنُ كَثِيرٍ وَعَاصِمٌ: فِي رِوَايَةِ حَفْصٍ عَنْهُ" إِنْ هذانِ "بِتَخْفِيفِ" إِنْ" "لَساحِرانِ" وَابْنُ كَثِيرٍ يُشَدِّدُ نُونَ "هَذَانَ". وَهَذِهِ الْقِرَاءَةُ سَلِمَتْ مِنْ مُخَالَفَةِ الْمُصْحَفِ وَمِنْ فَسَادِ الْإِعْرَابِ، وَيَكُونُ مَعْنَاهَا مَا هَذَانَ إِلَّا سَاحِرَانِ. وَقَرَأَ الْمَدَنِيُّونَ وَالْكُوفِيُّونَ: "إِنَّ هَذَانِ" بِتَشْدِيدِ "إِنَّ"" لَساحِرانِ "فَوَافَقُوا الْمُصْحَفَ وَخَالَفُوا الْإِعْرَابَ.
ثم قال القرطبي : قُلْتُ: وَلِلْعُلَمَاءِ فِي قِرَاءَةِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَالْكُوفَةِ سِتَّةُ أَقْوَالٍ ذَكَرَهَا ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ فِي آخِرِ كِتَابِ الرَّدِّ لَهُ، وَالنَّحَّاسُ فِي إِعْرَابِهِ، وَالْمَهْدَوِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ، وَغَيْرُهُمْ أَدْخَلَ كَلَامَ بَعْضِهِمْ فِي بَعْضٍ. وَقَدْ خَطَّأَهَا قَوْمٌ حَتَّى قَالَ أَبُو عَمْرٍو: إِنِّي لَأَسْتَحِي مِنَ الله [تعالى أَنْ أَقْرَأَ" إِنْ هذانِ ". وَرَوَى عُرْوَةُ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّهَا سُئِلَتْ عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى "لكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ" ثُمَّ قَالَ: "وَالْمُقِيمِينَ" وَفِي "الْمَائِدَةِ" ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا وَالصَّابِئُونَ﴾ [المائدة: ٦٩] وَ" إِنْ هذانِ لَساحِرانِ [٢٠: ٦٣] "فَقَالَتْ: يَا ابْنَ أُخْتِي! هَذَا خَطَأٌ مِنَ الْكَاتِبِ. وَقَالَ عُثْمَانُ ابن عَفَّانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: فِي الْمُصْحَفِ لَحْنٌ وَسَتُقِيمُهُ الْعَرَبُ بِأَلْسِنَتِهِمْ. وَقَالَ أَبَانُ بْنُ عُثْمَانَ: قَرَأْتُ هَذِهِ الْآيَةَ عِنْدَ أَبِي عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ، فَقَالَ: لَحْنٌ وَخَطَأٌ، فَقَالَ لَهُ قَائِلٌ: أَلَا تُغَيِّرُوهُ؟ فَقَالَ: دَعُوهُ فَإِنَّهُ لَا يُحَرِّمُ حلالا ولا يحلل حرما. الْقَوْلُ الْأَوَّلُ مِنَ الْأَقْوَالِ السِّتَّةِ: أَنَّهَا لُغَةُ بنى الحرث بْنِ كَعْبٍ وَزُبَيْدٍ وَخَثْعَمَ. وَكِنَانَةَ بْنِ زَيْدٍ يجعلون رفع الاثنين ونصبه وخفضه بالألف، يَقُولُونَ: جَاءَ الزَّيْدَانِ وَرَأَيْتُ الزَّيْدَانِ وَمَرَرْتُ بِالزَّيْدَانِ، ومنه قوله تعالى:" وَلا أَدْراكُمْ بِهِ " [يونس: ١٦] عَلَى مَا تَقَدَّمَ. وَأَنْشَدَ الْفَرَّاءُ لِرَجُلٍ مِنْ بَنِي أَسَدٍ - قَالَ: وَمَا رَأَيْتُ أَفْصَحَ مِنْهُ:
فَأَطْرَقَ إِطْرَاقَ الشُّجَاعِ وَلَوْ يَرَى ... مَسَاغًا لِنَابَاهُ الشُّجَاعُ لَصَمَّمَا
وَيَقُولُونَ: كَسَرْتُ يَدَاهُ وَرَكِبْتُ عَلَاهُ، بمعنى يديه وعليه، قال شاعرهم: تَزَوَّدَ مِنَّا بَيْنَ أُذْنَاهُ ضَرْبَةً ... دَعَتْهُ إِلَى هابي التراب عقيم
وَقَالَ آخَرُ:
طَارُوا عَلَاهُنَّ فَطِرْ عَلَاهَا
أَيْ عَلَيْهِنَّ وَعَلَيْهَا. وَقَالَ آخَرُ: إِنَّ أَبَاهَا وَأَبَا أَبَاهَا ... قَدْ بَلَغَا فِي الْمَجْدِ غَايَتَاهَا
أَيْ إن أبا أبيها وغايتها. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ النَّحَّاسُ: وَهَذَا الْقَوْلُ مِنْ أَحْسَنِ مَا حُمِلَتْ عَلَيْهِ الْآيَةُ، إِذْ كَانَتْ هَذِهِ اللُّغَةُ مَعْرُوفَةً، وَقَدْ حَكَاهَا مَنْ يُرْتَضَى بِعِلْمِهِ وَأَمَانَتِهِ، مِنْهُمْ أَبُو زَيْدٍ الْأَنْصَارِيُّ، وَهُوَ الَّذِي يَقُولُ: إِذَا قَالَ سِيبَوَيْهِ حَدَّثَنِي مَنْ أَثِقُ بِهِ فَإِنَّمَا يَعْنِينِي، وَأَبُو الْخَطَّابِ الْأَخْفَشُ وَهُوَ رَئِيسٌ مِنْ رُؤَسَاءِ اللُّغَةِ، وَالْكِسَائِيُّ وَالْفَرَّاءُ كلهم قالوا هذا على لغة بني الحرث بْنِ كَعْبٍ. وَحَكَى أَبُو عُبَيْدَةَ عَنْ أَبِي الْخَطَّابِ أَنَّ هَذِهِ لُغَةُ بَنِي كِنَانَةَ. الْمَهْدَوِيُّ: وَحَكَى غَيْرُهُ أَنَّهَا لُغَةٌ لِخَثْعَمَ. قَالَ النَّحَّاسُ وَمِنْ أَبْيَنِ مَا فِي هَذَا قَوْلُ سِيبَوَيْهِ: وَاعْلَمْ أَنَّكَ إِذَا ثَنَّيْتَ الْوَاحِدَ زِدْتَ عَلَيْهِ زَائِدَتَيْنِ، الْأُولَى مِنْهُمَا حَرْفُ مَدٍّ وَلِينٍ وَهُوَ حَرْفُ الْإِعْرَابِ، قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ فَقَوْلُ سِيبَوَيْهِ: وَهُوَ حَرْفُ الْإِعْرَابِ، يُوجِبُ أَنَّ الْأَصْلَ أَلَّا يتغير، فيكون "إن هذان" جاء عَلَى أَصْلِهِ لِيُعْلَمَ ذَلِكَ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى ﴿اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطانُ﴾ [المجادلة: ١٩] وَلَمْ يَقُلِ اسْتَحَاذَ، فَجَاءَ هَذَا لِيَدُلَّ عَلَى الْأَصْلِ، وَكَذَلِكَ "إِنْ هَذَانِ" وَلَا يُفَكَّرُ فِي إنكار من أنكر هذه اللغة إذ كَانَ الْأَئِمَّةُ قَدْ رَوَوْهَا. الْقَوْلُ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ "إِنْ" بِمَعْنَى نَعَمْ، كَمَا حَكَى الْكِسَائِيُّ عَنْ عَاصِمٍ قَالَ: الْعَرَبُ تَأْتِي بِ"- إِنْ "بِمَعْنَى نَعَمْ، وَحَكَى سِيبَوَيْهِ أَنَّ" إِنْ" تَأْتِي بِمَعْنَى أَجَلْ، وَإِلَى هَذَا الْقَوْلِ كَانَ مُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ الْقَاضِي يَذْهَبَانِ، قَالَ النَّحَّاسُ: وَرَأَيْتُ أَبَا إِسْحَاقَ الزَّجَّاجَ وَعَلِيَّ بْنَ سُلَيْمَانَ يَذْهَبَانِ إِلَيْهِ. الزَّمَخْشَرِيُّ: وَقَدْ أُعْجِبَ بِهِ أَبُو إِسْحَاقَ. النَّحَّاسُ: وَحَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ السَّلَامِ النَّيْسَابُورِيُّ، ثُمَّ لَقِيتُ عَبْدَ الله بن أحمد [هذا فَحَدَّثَنِي، قَالَ حَدَّثَنِي عُمَيْرُ بْنُ الْمُتَوَكِّلِ، قَالَ حدثنا محمد ابن موسى النوفلي من ولد حرث بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، قَالَ حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ جميع الكوفي عن جعفر ابن مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَلِيٍّ- وَهُوَ ابْنُ الْحُسَيْنِ- عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ، قَالَ: لَا أُحْصِي كَمْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ عَلَى مِنْبَرِهِ: "إِنَّ الْحَمْدُ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ" ثُمَّ يَقُولُ: "أَنَا أَفْصَحُ قريش كلها وأفصحها بعدي أبان ابن سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ" قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ الْخَفَّافُ قَالَ عُمَيْرٌ: إِعْرَابُهُ عِنْدَ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ وَالنَّحْوِ "إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ" بِالنَّصْبِ إِلَّا أَنَّ الْعَرَبَ تَجْعَلُ "إِنَّ" فِي مَعْنَى نَعَمْ كَأَنَّهُ أَرَادَ ﷺ نَعَمِ الْحَمْدُ لِلَّهِ، وذلك أن خطباء الجاهلية كانت تفتتح [في خُطَبَهَا بِنَعَمْ. وَقَالَ الشَّاعِرُ فِي مَعْنَى نَعَمْ:
قَالُوا غَدَرْتَ فَقُلْتُ إِنَّ وَرُبَّمَا ... نَالَ الْعُلَا وَشَفَى الْغَلِيلَ الْغَادِرُ
وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ قَيْسُ الرُّقَيَّاتِ:
بَكَرَ الْعَوَاذِلُ فِي الصَّبَا ... حَ يَلُمْنَنِي وَأَلُومُهُنَّهْ
وَيَقُلْنَ شَيْبٌ قَدْ عَلَا ... كَ وَقَدْ كَبِرْتَ فَقُلْتُ إِنَّهْ
فَعَلَى هَذَا جَائِزٌ أَنْ يَكُونَ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: "إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ" بِمَعْنَى نَعَمْ وَلَا تُنْصَبُ. قَالَ النَّحَّاسُ: أَنْشَدَنِي دَاوُدُ بْنُ الْهَيْثَمِ، قَالَ أَنْشَدَنِي ثَعْلَبٌ:
لَيْتَ شِعْرِي هَلْ لِلْمُحِبِّ شِفَاءٌ ... مِنْ جوى حبهن إن اللقاء
قَالَ النَّحَّاسُ: وَهَذَا قَوْلٌ حَسَنٌ إِلَّا أَنَّ فِيهِ شَيْئًا لِأَنَّهُ إِنَّمَا يُقَالُ: نَعَمْ زَيْدٌ خارج، ولا تكاد تقع اللام ها هنا، وَإِنْ كَانَ النَّحْوِيُّونَ قَدْ تَكَلَّمُوا فِي ذَلِكَ فَقَالُوا: اللَّامُ يُنْوَى بِهَا التَّقْدِيمُ، كَمَا قَالَ:
خَالِي لَأَنْتَ وَمَنْ جَرِيرٌ خَالُهُ ... يَنَلِ الْعَلَاءَ وَيُكْرِمِ الْأَخْوَالَا
آخَرُ:
أُمُّ الْحُلَيْسِ لَعَجُوزٌ شَهْرَبَهْ ... تَرْضَى مِنَ الشَّاةِ بِعَظْمِ الرَّقَبَهْ
أَيْ لَخَالِي وَلَأُمِّ الْحُلَيْسِ، وَقَالَ الزَّجَّاجُ: وَالْمَعْنَى فِي الْآيَةِ إِنَّ هَذَانِ لَهُمَا سَاحِرَانِ ثُمَّ حَذَفَ الْمُبْتَدَأَ. الْمَهْدَوِيُّ: وَأَنْكَرَهُ أَبُو عَلِيٍّ وَأَبُو الْفَتْحِ بْنُ جِنِّيٍّ. قَالَ أَبُو الْفَتْحِ: "هُمَا" الْمَحْذُوفُ لَمْ يُحْذَفْ إِلَّا بَعْدَ أَنْ عُرِفَ، وَإِذَا كَانَ مَعْرُوفًا فَقَدِ اسْتُغْنِيَ بِمَعْرِفَتِهِ عَنْ تَأْكِيدِهِ بِاللَّامِ، وَيَقْبُحُ أَنْ تَحْذِفَ الْمُؤَكَّدَ وَتَتْرُكَ الْمُؤَكِّدَ. الْقَوْلُ الثالث: قاله الفراء أيضا [قال: وَجَدْتُ الْأَلِفَ دِعَامَةً لَيْسَتْ بِلَامِ الْفِعْلِ فَزِدْتُ عَلَيْهَا نُونًا وَلَمْ أُغَيِّرْهَا كَمَا قُلْتُ: "الَّذِي" ثُمَّ زِدْتُ عَلَيْهِ نُونًا فَقُلْتُ: جَاءَنِي الَّذِينَ عِنْدَكَ، وَرَأَيْتُ الَّذِينَ عِنْدَكَ، وَمَرَرْتُ بِالَّذِينَ عِنْدَكَ. الْقَوْلُ الرَّابِعُ: قَالَهُ بَعْضُ الْكُوفِيِّينَ قَالَ الْأَلِفُ فِي "هَذَانَ" مُشَبَّهَةٌ بِالْأَلِفِ فِي يَفْعَلَانِ فَلَمْ تُغَيَّرْ. الْقَوْلُ الْخَامِسُ: قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ: النَّحْوِيُّونَ القدماء يقولون الهاء ها هنا مُضْمَرَةٌ، وَالْمَعْنَى إِنَّهُ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ، قَالَ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ: فَأُضْمِرَتِ الْهَاءُ الَّتِي هِيَ مَنْصُوبُ "إِنْ" وَ" هذانِ "خَبَرُ" إِنْ "وَ" سَاحِرَانِ "يَرْفَعُهَا" هُمَا" الْمُضْمَرُ [وَالتَّقْدِيرُ إِنَّهُ هَذَانَ لَهُمَا سَاحِرَانِ. وَالْأَشْبَهُ عِنْدَ أَصْحَابِ أَهْلِ هَذَا الْجَوَابِ أَنَّ الْهَاءَ اسْمُ "إِنْ" وَ "هذانِ" رُفِعَ بِالِابْتِدَاءِ وَمَا بَعْدَهُ خَبَرُ الِابْتِدَاءِ. الْقَوْلُ السَّادِسُ: قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ النَّحَّاسُ وَسَأَلْتُ أَبَا الْحَسَنِ بْنَ كَيْسَانَ عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ، فَقَالَ: إِنْ شِئْتَ أَجَبْتُكَ بِجَوَابِ النَّحْوِيِّينَ، وَإِنْ شِئْتَ أَجَبْتُكَ بِقَوْلِي، فَقُلْتُ: بِقَوْلِكَ، فَقَالَ: سَأَلَنِي إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ عَنْهَا فَقُلْتُ: الْقَوْلُ عِنْدِي أَنَّهُ لَمَّا كَانَ يُقَالُ: "هَذَا" فِي مَوْضِعِ الرَّفْعِ وَالنَّصْبِ وَالْخَفْضِ عَلَى حَالٍ وَاحِدَةٍ، وَكَانَتِ التَّثْنِيَةُ يَجِبُ أَلَّا يغير لها الواحد أجريت التثنية مجرى الواحد فَقَالَ: مَا أَحْسَنَ هَذَا لَوْ تَقَدَّمَكَ أَحَدٌ بِالْقَوْلِ بِهِ حَتَّى يُؤْنَسَ بِهِ، قَالَ ابْنُ كَيْسَانَ: فَقُلْتُ لَهُ: فَيَقُولُ الْقَاضِي بِهِ حَتَّى يؤنس به، فتبسم. (الجامع لأحكام القرآن)
ثانياً: جمع أقوال اللغويين في هذه المسألة:
قال الخليل بن أحمد الفراهيدي(ت:170هـ):
وأما قول الله تبارك و تعالى "إن هذان لساحران" فقد ذكر ابن عباس أنه قال :إن الله -تبارك اسمه- اأزل القران بلغة كل حي من أحياء العرب .فنزلت هذه الآية بلغة بني الحارث بن كعب لأنهم يجعلون المثني بالألف في كل وجه مرفوعا فيقلون :رأيت الرجلان و مررت بالرجلان و أتاني الرجلان
إنما صار كذلك لأن الألف أخف بنات المد و اللين .
قال الشاعر :
نصرانية قد ولدت نصرانيا **اعرف منها الجيد و العينانا
رفع المثنى في كل وجه وقال :العينانا
وقال بعضهم في هذا النحو :
تزود منا بين أذناه ضربه **دعته إلى هابي التراب عقيم
قال "أذناه" وهو في موضع الخفض. ( الجمل في النحو )
قال أبو زكريا الفراء (٢٠٧ هـ):
وقوله: ﴿إِنْ هَـٰذَانِ لَسَاحِرَانِ﴾ قد اختلف فيه القراء فقال بعضهم: هو لحن ولكنا نمضى عليه لئلاّ نخالف الكتاب. حدَّثنا أبو العباس قال حدثنا محمد قال حدثنا الفراء قال حدثنى أبو معاوية الضرير عَنْ هاشم بن عُروة بن الزُبَير عن أَبيه عن عَائِشة أَنها سُئِلت عن قوله فى النساء ﴿لَكِنِ الراسِخُونَ فىِ العِلْمِ مِنْهمْ .... والمُقِيمِينَ الصلاةَ﴾ وعن قوله فى المائدة ﴿إِنَ الذِينَ آمَنوا والّذِين هَادُوا والصَّابِئُونَ﴾ وعن قوله ﴿إِنَّ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ﴾ فقالت: يا بن أَخى هذا كان خطأ من الكاتب. وقرأَ أَبو عمرو ﴿إنَّ هَذَيْنِ لَساحِرَان﴾ واحتجّ أَنه بلغه عن بعض أَصحاب محمد صَلى الله عَليه وسَلم أنه قال: إن فى المصحف لَحْناً وستقيمه العرب.
قال الفراء: ولست أشتهى على (أن أخالف الكتاب وقرأ بعضهم (إنْ هَذَان لساحران) خفيفة وفى قراءة عبدالله: (وأسروا النجوى أَن هذان ساحران) وفى قراءة أُبَىّ (إنْ ذان إلاّ ساحران) فقراءتنا بتشديد (إنّ) وبالألف على جهتين.
إحداهمَا على لغة بنى الحارث بن كعب: يجعلون الاثنين فى رفعهما ونصبهما وَخفضهما بالألِف وأنشدنى رجل من الأَسْد عنهم. يريد بنى الحارث: فأَطرق إطراق الشجاع ولو يرى * مَسَاغاً لِناباه الشجاعُ لصَمّما قال: وما رأيت أفصح من هذا الأسْدىّ وحكى هذا الرجل عنهم: هذا خطُّ يَدَا أخى بعينه. وذلك - وإن كان قليلاً - أقيسُ؛ لأنَّ العرب قالوا: مسلمون فجعَلوا الواو تابعة للضمَّة (لأن الواو لا تعرب) ثم قالوا: رأيت المسلمين فجعلوا اليَاء تابعة لكسرة الميم. فلمَّا رأوا أن الياء من الاثينين لا يمكنهم كسرُ ما قبلها، وثبت مفتوحاً: تركوا الألِف تتبعه، فقالوا: رجلان فى كل حَال. وقد اجتمعت العرب على إثبات الألف فى كِلاَ الرجلين فى الرفع والنصب والخفض وهما اثنان، إلاّ بنى كنانة فإنهم يقولون: رَأيت كِلَىِ الرجلين ومررت بكلَى لرجلين. وهى قبيحة قليلة، مَضَوا عَلَى القياس.
والوجه الآخر أن تقول: وجدت الألف (من هذا دِعامة وليست بلام فعل، فلمَّا ثنَيت زدتُ عليهَا نوناً ثم تركت الألف) ثابتة على حالها لا تزول على كلّ حال؛ كما قالت العرب (الذى) ثم زادوا نوناً تدلّ عَلَى الجِمَاع، فقالوا: الذين في رفعهم ونصبهم وخفضهم كما تركوا (هذان) فى رفعه ونصبه وخفضه. وكنانة يقولون (اللَّذُونَ). (معاني القرآن)
قال أبو عبيدة معمر بن المثنى (٢٠٩ هـ):
﴿إِنْ هذانِ لَساحِرانِ﴾ قال أبو عمرو وعيسى ويونس «إنّ هذين لساحران» فى اللفظ وكتب «هذان» كما يزيدون وينقصون في الكتاب واللفظ صواب. وزعم أبو الخطّاب أنه سمع قوما من بنى كنانة وغيرهم يرفعون الاثنين فى موضع الجر والنصب، قال بشر بن هلال «إِنْ» بمعنى الابتداء والإيجاب، ألا ترى أنها تعمل فيما يليها ولا تعمل فيما بعد الذي بعدها فترفع الخبر ولا تنصبه كما تنصب الاسم فكان مجاز
«إِنْ هذانِ لَساحِرانِ» مجاز كلامين، مخرجه: إنه أي نعم، ثم قلت: هذان ساحران، ألا ترى أنهم يرفعون المشرك كقوله:
فمن يك أمسى بالمدينة رحله ... فإنّى وقيّار بها لغريب
وقوله:
إنَّ شَرخ الشَّباب والشّعر الأسود ... ما لم يعاص كان جنونا
وقوله:
إنّ السيوف غدوّها ورواحها ... تركت هوازن مثل قرن الأعضب
ويقول بعضهم ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ﴾ فيرفعون ملائكته على شركة الابتداء ولا يعملون فيها «إن» ، وقال سمعت الفصحاء من المحرمين يقولون: إنّ الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك.
وقرأها قوم على تخفيف نون «إن» وإسكانها وهو يجوز لأنهم قد أدخلوا اللام فى الابتداء وهى فضل، قال:
﴿أم الحليس لعجوز شهربه﴾ وزعم قوم أنه لا يجوز لأنه إذا خفّف نون «إن» فلا بد له من أن يدخل إلّا فيقول: إن هذان إلّا ساحران. ( مجاز القرآن)
قال لأخفش الأوسط (٢١٥ هـ):
وقال ﴿إِنْ هَـٰذَانِ لَسَاحِرَانِ﴾ خفيفة في معنى ثقيلة. وهي لغة لقوم يرفعون ويدخلون اللام ليفرقوا بينها وبين التي تكون في معنى "ما" ونقرؤها ثقيلة وهي لغة لبني الحارث بن كعب. (معاني القرآن)
قال محمد بن يزيد المبرد ( 285هـ):
فَإِن قَالَ قَائِل فَمَا بالها لما خففت من الثَّقِيلَة الْمَكْسُورَة اختير بعْدهَا الرّفْع وَلم يصلح ذَلِك فِي المخففة من الْمَفْتُوحَة إِلَّا أَن ترفع على أَن يضمر فِيهَا قيل لِأَن الْمَفْتُوحَة وَمَا بعْدهَا مصدر فَلَا معنى لَهَا فِي الإبتداء والمكسورة إِنَّمَا دخلت على الإبتداء وَخَبره فَلَمَّا نقصت عَن وزن الْفِعْل رَجَعَ الْكَلَام إِلَى أَصله وَمن رأى النصب بهَا أَو بالمفتوحة مَعَ التَّخْفِيف قَالَ هما بِمَنْزِلَة الْفِعْل فَإِذا خففتا كَانَتَا بِمَنْزِلَة فعل مَحْذُوف مِنْهُ فالفعل يعْمل محذوفا عمله تَاما فَذَلِك قَوْلك لم يَك زيد مُنْطَلقًا فَعمل عمله وَالنُّون فِيهِ والأقيس الرّفْع فِيمَا بعْدهَا لِأَن إِن إِنَّمَا أشبهت الْفِعْل بِاللَّفْظِ لَا بِالْمَعْنَى فَإِذا نقص اللَّفْظ ذهب الشّبَه وَلذَلِك الْوَجْه الآخر وَجه من الْقيَاس كَمَا ذكرت لَك وَكَانَ الْخَلِيل يقْرَأ {إِن هَذَانِ لساحران} فَيُؤَدِّي خطّ الْمُصحف وَمعنى إنَّ الثَّقِيلَة فِي قِرَاءَة ابْن مَسْعُود {إنَّ ذانِ لَسَاحِرانِ} (ص364 - كتاب المقتضب)
قال الزجاج (٣١١ هـ):
وهَذا الحَرْفُ مِن كِتابِ اللَّهِ - عَزَّ وجَلَّ - مُشْكِلٌ عَلى أهْلِ اللُّغَةِ، وقَدْ كَثُرَ اخْتِلافُهم في تَفْسِيرِهِ، ونَحْنُ نَذْكُرُ جَمِيعَ ما قالَهُ النَّحْوِيُّونَ، ونُخْبِرُ بِما نَظُنُّ أنَّهُ الصَّوابُ، واللَّهُ أعْلَمُ.
وَقَبْلَ شَرْحِ إعْرابِهِ نُخْبِرُ بِقِراءَةِ القُرّاءِ، أمّا قِراءَةُ أهْلِ المَدِينَةِ، والأكْمَهِ، في القِراءَةِ، فَبِتَشْدِيدِ ”إنَّ“، والرَّفْعِ في ”هَذانِ“، وكَذَلِكَ قَرَأ أهْلُ العِراقِ، حَمْزَةُ، وعاصِمٌ - في رِوايَةِ أبِي بَكْرِ بْنِ عَيّاشٍ -، والمَدَنِيُّونَ.
وَرُوِيَ عَنْ عاصِمٍ: ”إنْ هَذانِ“، بِتَخْفِيفِ ”إنْ“، ويُصَدِّقُ ما قَرَأهُ عاصِمٌ في هَذِهِ القِراءَةِ ما يُرْوى عَنْ أُبَيٍّ، فَإنَّهُ قَرَأ: ”ما هَذانِ إلّا ساحِرانِ“، ورُوِيَ أيْضًا عَنْهُ أنَّهُ قَرَأ: ”إنْ هَذانِ إلّا ساحِرانِ“، ورُوِيَتْ عَنِ الخَلِيلِ أيْضًا: ”إنْ هَذانِ لَساحِرانِ“، بِالتَّخْفِيفِ، والإجْماعُ أنَّهُ لَمْ يَكُنْ أحَدٌ بِالنَّحْوِ أعْلَمَ مِنَ الخَلِيلِ، وقَرَأ أبُو عَمْرٍو، وعِيسى بْنُ عُمَرَ: ”إنَّ هَذَيْنِ لَساحِرانِ“، بِتَشْدِيدِ ”إنَّ“، ونَصْبِ ”هَذَيْنِ“.
فَهَذِهِ الرِّوايَةُ فِيهِ، فَأمّا احْتِجاجُ النَّحْوِيِّينَ، فاحْتِجاجُ أبِي عَمْرٍو في مُخالَفَتِهِ المُصْحَفَ في هَذا أنَّهُ رُوِيَ أنَّهُ مِن غَلَطِ الكاتِبِ، وأنَّ في الكِتابِ غَلَطًا سَتُقِيمُهُ العَرَبُ بِألْسِنَتِها، يُرْوى ذَلِكَ عَنْ عُثْمانَ بْنِ عَفّانَ، وعَنْ عائِشَةَ - رَحِمَهُما اللَّهُ -، وأمّا الِاحْتِجاجُ في ”إنَّ هَذانِ“، بِتَشْدِيدِ ”إنَّ“، ورَفْعِ ”هَذانِ“، فَحَكى أبُو عُبَيْدَةَ عَنْ أبِي الخَطّابِ - وهو رَأْسٌ مِن رُؤَساءِ الرُّواةِ -، أنَّها لُغَةٌ لِكِنانَةَ، يَجْعَلُونَ ألِفَ الِاثْنَيْنِ في الرَّفْعِ، والنَّصْبِ، والخَفْضِ، عَلى لَفْظٍ واحِدٍ، يَقُولُونَ: ”أتانِي الزَّيْدانِ“، و”رَأيْتُ الزَّيْدانِ“، ومَرَرْتُ بِالزَّيْدانِ"، وهَؤُلاءِ يُنْشِدُونَ:
فَأطْرَقَ إطْراقَ الشُّجاعِ ولَوْ رَأى مَساغًا لِناباهُ الشُّجاعُ لَصَمَّما
وَهَؤُلاءِ أيْضًا يَقُولُونَ: ”ضَرَبْتُهُ بَيْنَ أُذُناهُ“، و”مَن يَشْتَرِي مِنِّي الخُفّانِ؟“، وكَذَلِكَ رَوى أهْلُ الكُوفَةِ أنَّها لُغَةٌ لِبَنِي الحَرْثِ بْنِ كَعْبٍ، قالَ النَّحْوِيُّونَ القُدَماءُ: هَهُنا هاءٌ مُضْمَرَةٌ، المَعْنى: ”إنَّهُ هَذانِ لَساحِرانِ“، وَقالُوا أيْضًا: إنَّ مَعْنى ”إنْ“، مَعْنى ”نَعَمْ“، اَلْمَعْنى: ”نَعَمُ هَذانِ لَساحِرانِ“، ويُنْشِدُونَ:
وَيَقُلْنَ شَيْبٌ قَدْ عَلا ∗∗∗كَ وقَدْ كَبِرْتَ فَقُلْتُ إنَّهْ
وَيَحْتَجُّونَ بِأنَّ هَذِهِ اللّامَ أصْلُها أنْ تَقَعَ في الِابْتِداءِ، وأنَّ وُقُوعَها في الخَبَرِ جائِزٌ، ويُنْشِدُونَ في ذَلِكَ:
خالِي لَأنْتَ ومَن جَرِيرٌ خالُهُ ∗∗∗يَنَلِالعَلاءَويُكْرِمِالإخْوانا
وَأنْشَدُوا أيْضًا:
أُمُّ الحُلَيْسِ لَعَجُوزٌ شَهْرَبَةْ ∗∗∗تَرْضىمِنَالشّاةِبِعَظْمِالرَّقَبَةْ
قالُوا: اَلْمَعْنى: ”لَأنْتَ خالِي“، والمَعْنى: ”لَأُمُّ الحُلَيْسِ عَجُوزٌ“، وقالَ الفَرّاءُ في هَذا: إنَّهم زادُوا فِيها النُّونَ في التَّثْنِيَةِ، وتَرَكُوا الألِفَ عَلى حالِها في الرَّفْعِ، والنَّصْبِ، والجَرِّ، كَما فَعَلُوا في ”اَلَّذِي“، فَقالُوا: ”اَلَّذِينَ“، في الرَّفْعِ، والنَّصْبِ، والجَرِّ، فَهَذا جَمِيعُ ما احْتَجَّ بِهِ النَّحْوِيُّونَ، والَّذِي عِنْدِي - واللَّهُ أعْلَمُ -، وكُنْتُ عَرَضْتُهُ عَلى عالِمَيْنا، مُحَمَّدِ بْنِ يَزِيدَ، وعَلى إسْماعِيلَ بْنِ إسْحاقَ بْنِ حَمّادِ بْنِ زَيْدٍ القاضِي، فَقَبِلاهُ، وذَكَرا أنَّهُ أجْوَدُ ما سَمِعاهُ في هَذا، وهُوَ: ”إنْ“، قَدْ وقَعَتْ مَوْقِعَ ”نَعَمْ“، وأنَّ اللّامَ وقَعَتْ مَوْقِعَها، وأنَّ المَعْنى: ”هَذانِ لَهُما ساحِرانِ“ . والَّذِي يَلِي هَذِهِ في الجَوْدَةِ مَذْهَبُ بَنِي كِنانَةَ في تَرْكِ ألِفِ التَّثْنِيَةِ عَلى هَيْئَةٍ واحِدَةٍ، لِأنَّ حَقَّ الألِفِ أنْ تَدُلَّ عَلى الِاثْنَيْنِ، وكانَ حَقُّها ألّا تَتَغَيَّرَ، كَما لَمْ تَتَغَيَّرْ ألِفُ ”رَحًى“، و”عَصًا“، ولَكِنْ كانَ نَقْلُها إلى الياءِ في النَّصْبِ، والخَفْضِ، أبْيَنَ وأفْضَلَ لِلتَّمْيِيزِ بَيْنَ المَرْفُوعِ، والمَنصُوبِ، والمَجْرُورِ. فَأمّا قِراءَةُ عِيسى بْنِ عُمَرَ، وأبِي عَمْرِو بْنِ العَلاءِ، فَلا أُجِيزُها، لِأنَّها خِلافُ المُصْحَفِ، وكُلُّ ما وجَدْتُهُ إلى مُوافَقَةِ المُصْحَفِ أقْرَبَ لَمْ أُجِزْ مُخالَفَتَهُ، لِأنَّ اتِّباعَهُ سُنَّةٌ، وما عَلَيْهِ أكْثَرُ القُرّاءِ، ولَكِنِّي أسْتَحْسِنُ ”إنْ هَذانِ لَساحِرانِ“، بِتَخْفِيفِ ”إنْ“، وفِيهِ إمامانِ، عاصِمٌ، والخَلِيلُ، ومُوافَقَةُ أُبَيٍّ في المَعْنى، وإنْ خالَفَهُ اللَّفْظُ. وَيُسْتَحْسَنُ أيْضًا ”إنَّ هَذانِ“، بِالتَّشْدِيدِ، لِأنَّهُ مَذْهَبُ أكْثَرِ القُرّاءِ، وبِهِ يُقْرَأُ، وهو قَوِيٌّ في العَرَبِيَّةِ.( معاني القرآن وإعرابه)
قال ابن السراج (المتوفى: 316هـ):
واعلم: أنَّ "إن وأن" تخففان, فإذا خففتا فلك أن تعملهما, ولك أن لا تعملهما أما من لم يعملهما, فالحجة له: أنه إنما أعمل لما أشبهت الفعل بأنها على ثلاثة أحرف وأنها مفتوحة. فلما خففت زال الوزن والشبه. والحجة لمن أعمل أن يقول: هما بمنزلة الفعل. فإذا خففتا كانتا بمنزلة فعل محذوف. فالفعل يعمل محذوفًا عمله تامًا وذلك قولك: لم يك زيد منطلقًا فعمل عمله والنون فيه والأقيس في "أن": أن يرفع ما بعدها إذا خففت وكان الخليل يقرأ: "إِنْ هَذَا لَسَاحِرَانِ"1 فيؤدي خط المصحف2, ولا بدّ من إدخال اللام على الخبر إذا خففت إن المكسورة تقول: إنِ الزيدان لمنطلقان, وإنْ هذا لمنطلقان/ 264 كيلا يلتبس "بإن" التي تكون نفيًا في قولك: إن زيد قائم, تريد: ما زيد بقائم وإذا نصب الاسم بعدها لم يحتج إلى اللام, لأن النصب دليل, فكان سيبويه لا يرى في "إن" إذا كانت بمعنى "ما" إلا رفع الخبر3 لأنها حرف نفي دخل على ابتداء وخبر, كما تدخل ألف الاستفهام, ولا تغير الكلام وذلك مذهب بني تميم.
(كتاب الأصول في النحو ص235)
قال أبو جعفر النحاس (٣٣٨ هـ):
قالُوا إِنْ هذانِ لَساحِرانِ فيه ست قراءات، قرأ المدنيون والكوفيون إنّ هذان لساحران وقرأ أبو عمرو إنّ هذين لساحران وهذه القراءة مروية عن الحسن وسعيد بن جبير وإبراهيم النخعي وعيسى بن عمر وعاصم الجحدري، وقرأ الزهري وإسماعيل بن قسطنطين والخليل بن أحمد وعاصم في إحدى الروايتين إِنْ هذانِ لَساحِرانِ بتخفيف إن.
فهذه ثلاث قراءات، قد رواها الجماعة عن الأئمة. وروي عن عبد الله بن مسعود إن هذان إلّا ساحران وقال الكسائي: في قراءة عبد الله إن هذان ساحران بغير لام، وقال الفراء : في حرف أبيّ إن ذان إلّا ساحران فهذه ثلاث قراءات أخرى، تحمل على التفسير، إلا أنها جائز أن يقرأ بها لمخالفتها المصحف. قال أبو جعفر: القراءة الأولى للعلماء فيها ستة أقوال: منها أن يكون إنّ بمعنى نعم، كما حكى الكسائي عن عاصم قال العرب:
تأتي بإنّ بمعنى نعم، وحكى سيبويه: أنّ «إنّ» تأتي بمعنى أجل. وإلى هذا القول كان محمد بن يزيد وإسماعيل بن إسحاق يذهبان. قال أبو جعفر: ورأيت أبا إسحاق وأبا الحسن علي بن سليمان يذهبان إليه. وحدّثنا علي بن سليمان قال: حدّثنا عبد الله بن أحمد بن عبد السّلام النيسابوري، ثمّ لقيت عبد الله بن أحمد هذا فحدّثني قال: حدّثنا عمير بن المتوكل قال: حدّثنا محمد بن موسى النوفلي من ولد حارث بن عبد المطلب قال: حدّثنا عمرو بن جميع الكوفي عن جعفر بن محمد عن أبيه عن علي وهو علي بن الحسين عن أبيه عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه. قال: لا أحصي كم سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على منبره يقول: «إنّ الحمد لله نحمده ونستعينه ثم يقول: أنا أفصح قريش كلّها وأفصحها بعدي أبان بن سعيد بن العاص" قال أبو محمد: قال عمير: إعرابه عند أهل العربية في النحو إنّ الحمد لله بالنصب إلّا أن العرب تجعل «إنّ» في معنى نعم كأنه أراد: نعم الحمد لله، وذلك أن خطباء الجاهلية كانت تفتتح في خطبتها بنعم، وقال الشاعر في معنى نعم:
قالوا: غدرت فقلت إنّ وربّما ... نال العلى وشفى الغليل الغادر
وقال ابن قيس الرقيات:
بكر العواذل في الصّبوح ... يلمنني وألومهنّه
ويقلن شيب قد علاك ... وقد كبرت، فقلت: إنّه
فعلى هذا جائز أن يكون قول الله عزّ وجلّ: إِنْ هذانِ لَساحِرانِ بمعنى نعم.
قال أبو جعفر: أنشدني داود بن الهيثم قال: أنشدني ثعلب:
ليت شعري هل للمحبّ شفاء ... من جوى حبّهنّ إنّ اللّقاء
أي: نعم، فهذا قول. وقال أبو زيد والكسائي والأخفش والفراء: هذا على لغة بني الحارث بن كعب. قال الفراء: يقولون: رأيت الزّيدان، ومررت بالزّيدان وأنشد: [الطويل]
فأطرق إطراق الشّجاع ولو يرى ... مساغا لناباه الشّجاع لصمّما
وحكى أبو الخطاب أنّ هذه لغة بني كنانة، وللفراء قول آخر قال: وجدت الألف دعامة ليست بلام الفعل فزدت عليها نونا ولم أغيرها، كما قلت: الذي، ثم زدت عليها نونا فقلت: جاءني الذين عندك، ورأيت الذين عندك. قال أبو جعفر: وقيل: شبّهت الألف في قولك: هذان بالألف في يفعلان، فلم تغير. قال أبو إسحاق: النحويون القدماء يقولون: الهاء هاهنا مضمرة، والمعنى: إنّه هذان لساحران. فهذه خمسة أقوال، قال أبو جعفر: وسألت أبا الحسن بن كيسان عن هذه الآية فقال: إن شئت أجبتك بجواب النحويين، وإن شئت أجبتك بقولي فقلت: بقولك، فقال: سألني إسماعيل بن إسحاق عنها فقلت: القول عندي أنه لما كان يقال: هذا في موضع الرفع والنصب والخفض على حال واحدة، وكانت التثنية يجب أن لا يغيّر لها الواحد أجريت التثنية مجرى الواحد، فقال: ما أحسن هذا لو تقدّمك بالقول به حتى يؤنس به، فقلت: فيقول القاضي «به» حتى يؤنس به فتبسّم. قال أبو جعفر: القول الأول أحسن إلّا أنّ فيه شيئا لأنه إنما قال: إنما يقال: نعم زيد خارج، ولا يكاد يقع اللام هاهنا، وإن كان النحويون قد تكلّموا في ذلك فقالوا: اللّام ينوى بها التقديم. وقال أبو إسحاق: المعنى إنّ هذان لهما ساحران، ثمّ حذف المبتدأ كما قال: [الرجز]
أمّ الحليس لعجوز شهربه
والقول الثاني من أحسن ما حملت عليه الآية إذ كانت هذه اللّغة معروفة، وقد حكاها من يرتضى علمه وصدقه وأمانته، منهم أبو زيد الأنصاري، وهو الذي يقول إذا قال سيبويه: حدّثني من أثق به فإنما يعنيني. وأبو الخطاب الأخفش، وهو رئيس من رؤساء أهل اللغة، روى عنه سيبويه وغيره. ومن بين ما في هذا قول سيبويه: واعلم أنّك إذا ثنّيت الواحد زدت عليه زائدتين، الأولى منهما حرف مدّ ولين، وهو حرف الإعراب. قال أبو جعفر: فقول سيبويه: وهو حرف الإعراب، يوجب أنّ الأصل أن لا يتغير إنّ هذان، جاء على أصله ليعلم ذلك وقد قال الله جلّ وعزّ: اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطانُ [المجادلة: 19] ولم يقل: استحاذ، فجاء على هذا ليدل على الأصل إذ كان الأئمة قد رووها وتبيّن أنها الأصل، وهذا بيّن جدا. وَيَذْهَبا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلى تأنيث أمثل، كما يقال: الأفضل والفضلى، وأنّثت الطريقة على اللفظ، وإن كان يراد بها الرجال، ويجوز أن يكون التأنيث على معنى الجماعة. ( إعراب القرآن)

قال الزمخشري (٥٣٨ هـ):
وقيل في القراءة المشهورة إِنْ هذانِ لَساحِرانِ هي لغة بلحرث بن كعب، جعلوا الاسم المثنى نحو الأسماء التي آخرها ألف، كعصا وسعدى، فلم يقلبوها ياء في الجر والنصب. وقال بعضهم: إِنْ بمعنى نعم. ولَساحِرانِ خبر مبتدأ محذوف، واللام داخلة على الجملة تقديره: لهما ساحران. وقد أعجب به أبو إسحاق. (الكشاف)
قال ابن عطية (٥٤٦ هـ):
وأمّا مِن قَرَأ: "إنْ" خَفِيفَةً، فَهي عن سِيبَوَيْهٍ المُخَفَّفَةُ مِنَ الثَقِيلَةِ ويَرْتَفِعُ بَعْدَها الِاسْمُ، ويَقُولُ الفِراءُ: هي بِمَعْنى "ما" واللامُ بِمَعْنى "إلّا" ووَجْهُ سائِرِ القِراءاتِ بَيِّنٌ. ( المحرر الوجيز)
قال شرف الدين الحسين بن عبد الله الطيبي (المتوفى: 743 هـ):
قوله: جعلوا الاسم المُثنى نحو الأسماء التي آخرها ألفٌ كعصا، قال الزجاج: حكى أبو عبيدة عن أبي الخطاب، وهو رأسٌ من رؤساء الرواة، أنها لغةٌ لكنانة يجعلون ألف الاثنين في الرفع والنصب والخفض على لفظ واحد، وينشدون:
فأطرق إطراق الشجاع ولو يرى ... مساغاً لناباه الشجاع لصمما
ويقولون: ضربته بين أذناه، وكذلك روى الكوفيون أنها لغة لبني الحاث بن عب، وقالت النحاة القدماء: إن الضمير فيه مضمر، أي: إن هذان لساحران، وقالوا أيضاً: إن معنى "إنْ": نعم، وينشدون.ويقلن شيبٌ قد علا ... ك وقد كبرت فقلتُ إنه
وحكى صاحب "المطلع": أن أعرابياً أتى ابن الزبير يستجديه فلم يعطه شيئاً. فقال: لعن الله ناقةً حملتني إليك، قال ابن الزبير: إن وراكبها، أي: نعم.
وقال ابن الحاجب في "الأمالي": وهذه القراءة مشكلة، وأهرها أن (هذان) مبني لأنه من أسماء الإشارة، فجاء في الرفع والنصب والجر على حالٍ واحدة، وهي لغةٌ واضحةٌ، ومما يُقويها أن اختلاف الصيغ في اللغة الأخرى ليس إعراباً في التحقيق، لوجود علة البناء من غير معارض؛ لأن العلة في هذا وهؤلاء كونها اسم إشارة.
وقال: "إنْ" بمعنى "نعم": شاذ. قوله: (وقال بعضهم: "إنْ" بمعنى: نعم)، وقد أُعجب به أبو إسحاق، أي: الزجاج، قال بعدما نقل كلام النحويين: هذا جميعُ ما اتجوا به، والذي عندي - والله أعلمُ - وكنتُ عرضته على عالمينا: محمد بن يزيد، يعني: المبرد، وعلى إسماعيل بن إسحاق فقبلاه وذرا أنه أجود ما سمعاه في هذا المعنى: أن تقديره: نعم هذان لهما ساحران، وأن اللام قد وقعت موقعها، أي: دخلت على المبتدأ لا الخبر. وقال النحاة أصل هذا اللام أن تقع في الابتداء ووقوعها في الخبر جائزٌ، وأنشدوا:
أم الحليس لعجوزٌ شهربه ... ترضى من اللحم بعظم الرقبة
أي: لأم الحُليس عجوزٌ.
وقال أبو عليٍّ في "الإغفال": هذا غيرُ مرضي؛ لأن اللام للتأكيد، ويقبح أن يُذكر للتأكيد ويُحذف نفسُ المؤكد؛ لأن التأكيد إنما يُحتاج إليه فيما خيف لبسه على السامع، فإذا بلغ به الحال التي يستجاز معها حذفه لعلم المخاطب به استغنى لذلك عن التأكيد، ولهذا حمل النحويون قوله: "أمُّ الحُليس لعجوزٌ" على الضرورة، حيث أدخل اللام على الخبر وحقها أن تدخل على المبتدأ، ولو كان للي ذكره وجهٌ ما حملوا هذا على الضرورة بل قدروا فيه ما قدروه في قوله: ويحذفُ نفسُ المؤكد نظراً لأن المؤكد مضمونُ الجملةِ، كما نص عليه المصنف في قوله: (وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى) [الضحى: 5].ثم قال أبو علي: فإن قلت: أليسوا قد أجازوا حذف الخبر في نحو:إن مُحلاً وإن مُرتحلاً وإذا لم يُمنع الحذفُ في الخبر مع "إنْ" لم يمتنع في المبتدأ مع اللام؟ قلتُ: لا يلزمُ من جواز هذا جوازُ ذاك وإن اجتمعا في التأكيد وتلقي القسم؛ لأن "إنْ" مشبهةٌ بـ"لا" من حيث كانت تعملُ عملها وكانت نقيضتها، وحملُ النقيض على النقيض شائعٌ، وإنما حسُن الحذفُ مع "لا"؛ لأن المنفي في تقدير التكرير لأنه لا يقعُ إلا بعد إثبات مُثبت وبعد إثباته يحسنُ الحذفُ، وكفى بدخول اللام شاهد صدقٍ، ما روي عن أفصح من نطق بالضاد من قوله: "أغبطُ أوليائي عندي، لمؤمنٌ خفيفُ الحاذ". أخرجه أحمد والترمذي وابن ماجه، عن أبي أمامة. (حاشية الطيبي على الكشاف)
قال أبو حيان (٧٤٥ هـ):
وقَرَأ أبُو جَعْفَرٍ والحَسَنُ وشَيْبَةُ والأعْمَشُ وطَلْحَةُ وحُمَيْدٌ وأيُّوبُ وخَلَفٌ في اخْتِيارِهِ وأبُو عُبَيْدٍ وأبُو حاتِمٍ وابْنُ عِيسى الأصْبَهانِيُّ وابْنُ جَرِيرٍ وابْنُ جُبَيْرٍ الأنْطاكِيُّ والأخَوانِ والصّاحِبانِ مِنَ السَّبْعَةِ (إنَّ) بِتَشْدِيدِ النُّونِ (هَذانِ) بِألِفٍ ونُونٍ خَفِيفَةٍ ﴿لَساحِرانِ﴾ واخْتُلِفَ في تَخْرِيجِ هَذِهِ القِراءَةِ. فَقالَ القُدَماءُ مِنَ النُّحاةِ إنَّهُ عَلى حَذْفِ ضَمِيرِ الشَّأْنِ، والتَّقْدِيرُ إنَّهُ هَذانِ لَساحِرانِ، وخَبَرُ (إنَّ) الجُمْلَةُ مِن قَوْلِهِ (هَذانِ لَساحِرانِ) واللّامُ في ﴿لَساحِرانِ﴾ داخِلَةٌ عَلى خَبَرِ المُبْتَدَأِ، وضُعِّفَ هَذا القَوْلُ بِأنَّ حَذْفَ هَذا الضَّمِيرِ لا يَجِيءُ إلّا في الشِّعْرِ، وبِأنَّ دُخُولَ اللّامِ في الخَبَرِ شاذٌّ.
وقالَ الزَّجّاجُ: اللّامُ لَمْ تَدْخُلْ عَلى الخَبَرِ بَلِ التَّقْدِيرُ لَهُما ساحِرانِ فَدَخَلَتْ عَلى المُبْتَدَأِ المَحْذُوفِ، واسْتَحْسَنَ هَذا القَوْلَ شَيْخُهُ أبُو العَبّاسِ المُبَرِّدُ والقاضِي إسْماعِيلُ بْنُ إسْحاقَ بْنِ حَمّادِ بْنِ زَيْدٍ. وقِيلَ: (ها) ضَمِيرُ القِصَّةِ ولَيْسَ مَحْذُوفًا، وكانَ يُناسِبُ عَلى هَذا أنْ تَكُونَ مُتَّصِلَةً في الخَطِّ فَكانَتْ كِتابَتُها ﴿إنْ هَذانِ لَساحِرانِ﴾ وضُعِّفَ ذَلِكَ مِن جِهَةِ مُخالَفَتِهِ خَطَّ المُصْحَفِ. وقِيلَ (إنْ) بِمَعْنى نَعَمْ، وثَبَتَ ذَلِكَ في اللُّغَةِ فَتُحْمَلُ الآيَةُ عَلَيْهِ و﴿هَذانِ لَساحِرانِ﴾ مُبْتَدَأٌ وخَبَرٌ، واللّامُ في ﴿لَساحِرانِ﴾ عَلى ذَيْنَكِ التَّقْدِيرَيْنِ في هَذا التَّخْرِيجِ، والتَّخْرِيجُ الَّذِي قَبْلَهُ، وإلى هَذا ذَهَبَ المُبَرِّدُ وإسْماعِيلُ بْنُ إسْحاقَ وأبُو الحَسَنِ الأخْفَشُ الصَّغِيرُ، والَّذِي نَخْتارُهُ في تَخْرِيجِ هَذِهِ القِراءَةِ أنَّها جاءَتْ عَلى لُغَةِ بَعْضِ العَرَبِ مِن إجْراءِ المُثَنّى بِالألِفِ دائِمًا وهي لُغَةٌ لِكِنانَةَ، حَكى ذَلِكَ أبُو الخَطّابِ، ولِبَنِي الحارِثِ بْنِ كَعْبٍ، وخَثْعَمٍ وزُبَيْدٍ وأهْلِ تِلْكَ النّاحِيَةِ، حُكِيَ ذَلِكَ عَنِ الكِسائِيِّ، ولِبَنِي العَنْبَرِ وبَنِي الهُجَيْمِ ومُرادٍ وعُذْرَةَ. وقالَ أبُو زَيْدٍ: سَمِعْتُ مِنَ العَرَبِ مَن يَقْلِبُ كُلَّ ياءٍ يَنْفَتِحُ ما قَبْلَها ألِفًا. ( البحر المحيط)
قال السمين الحلبي (٧٥٦ هـ):
قوله: {إِنْ هذان} : اختلف القُرَّاءُ في هذه الآيةِ الكريمة: فقرأ ابن كثيرٍ وحدَه «إنْ هذانِّ» بتخفيف إنْ، والألفِ، وتشديدِ النون. وحفصٌ كذلك إلاَّ أنه خَفَّف نونَ «هذانٍ» . وقرأ أبو عمرو «إنَّ» بالتشديد «هذين» بالياء وتخفيفِ النون. والباقون كذلك إلاَّ أنهم قَرَؤوا/ «هذان» بالألف.
فأَمَّا القراءةُ الأولى وهي قراءةُ ابنِ كثير وحفص فأوضحُ القراءاتِ معنىً ولفظاً وخَطَّاً؛ وذلك أنهما جعلا «إنْ» المخففةَ من الثقيلة فَأُهْمِلَتْ، ولَمَّا أُهْمِلَتْ كما هو الأفصحُ مِنْ وجهيها خِيْفَ التباسُها بالنافية فجيء باللامِ فارقةً في الخبر. ف «هذان» مبتدأٌ، و «لَساحران» خبرُه، ووافَقَتْ خَطَّ المصحفِ؛ فإن الرسم «هذن» بدونِ ألفٍ ولا ياءٍ وسيأتي بيانُ ذلك.
وأمَّا تشديدُ نونِ «هذان» فعلى ما تقدَّم في سورةِ النساءِ، وقد أَتْقَنتُ ذلك هناك.
وأمَّا الكوفيون فيزعمون أنَّ «إنْ» نافيةٌ بمعنى ما، واللامُ بمعنى إلاَّ، وهو خلافٌ مشهورٌ وقد وافقَ تخريجُهم هنا قراءةَ بعضِهم «ما هذانِ إلاَّ ساحران» . (الدر المصون)
قال ابن عاشور (١٣٩٣ هـ):
فَأمّا قِراءَةُ الجُمْهُورِ (﴿إنَّ هَذانِ لَساحِرانِ﴾) بِتَشْدِيدِ نُونِ (إنَّ) وبِالألِفِ في هَذانِ وكَذَلِكَ في (﴿لَساحِرانِ﴾)، فَلِلْمُفَسِّرِينَ في تَوْجِيهِها آراءٌ بَلَغَتِ السِّتَّةَ. وأظْهَرُها أنْ تَكُونَ (إنَّ) حَرْفُ جَوابٍ مِثْلَ: نَعَمْ وأجَلْ، وهو اسْتِعْمالٌ مِنِ اسْتِعْمالاتِ (إنَّ)، أيِ اتَّبَعُوا لَمّا اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ أمْرُهم بَعْدَ النَّجْوى كَقَوْلِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قَيْسِ الرُّقَيّاتِ:
ويَقُلْنَ شَيْبٌ قَدْ عَلا كَ وقَدْ كَبِرْتَ فَقُلْتُ إنَّهُ
أيْ أجَلْ أوْ نَعَمْ، والهاءُ في البَيْتِ هاءُ السَّكْتِ، وقَوْلِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ لِأعْرابِيٍّ اسْتَجْداهُ فَلَمْ يُعْطِهِ، فَقالَ الأعْرابِيُّ: لَعَنَ اللَّهُ ناقَةً حَمَلَتْنِي إلَيْكَ. قالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ: إنَّ وراكِبَها. وهَذا التَّوْجِيهُ مِن مُبْتَكَراتِ أبِي إسْحاقَ الزَّجّاجِ ذَكَرَهُ في تَفْسِيرِهِ. وقالَ: عَرَضْتُهُ عَلى عالِمَيْنا وشَيْخَيْنا وأُسْتاذَيْنا مُحَمَّدِ بْنِ يَزِيدٍ يَعْنِي المُبَرِّدَ، وإسْماعِيلَ بْنِ إسْحاقَ بْنِ حَمّادٍ يَعْنِي القاضِيَ الشَّهِيرَ فَقَبِلاهُ وذَكَرا أنَّهُ أجْوَدُ ما سَمِعاهُ في هَذا.
وقُلْتُ: لَقَدْ صَدَقا وحَقَّقا. وما أوْرَدَهُ ابْنُ جِنِّيٍّ عَلَيْهِ مِنَ الرَّدِّ فِيهِ نَظَرٌ.
وفِي التَّفْسِيرِ الوَجِيزِ لِلْواحِدِيِّ سَألَ إسْماعِيلُ القاضِي (هو ابْنُ إسْحاقَ بْنِ حَمّادٍ) ابْنَ كَيْسانَ عَنْ هَذِهِ المَسْألَةِ، فَقالَ ابْنُ كَيْسانَ: لَمّا لَمْ يَظْهَرْ في المُبْهَمِ إعْرابٌ في الواحِدِ ولا في الجَمْعِ (أيْ في قَوْلِهِمْ هَذا وهَؤُلاءِ إذْ هُما مَبْنِيّانِ) جَرَتِ التَّثْنِيَةُ مَجْرى الواحِدِ إذِ التَّثْنِيَةُ يَجِبُ أنْ لا تُغَيَّرَ. فَقالَ لَهُ إسْماعِيلُ: ما أحْسَنَ هَذا لَوْ تَقَدَّمَكَ أحَدٌ بِالقَوْلِ فِيهِ حَتّى يُؤْنَسَ بِهِ ؟ فَقالَ لَهُ ابْنُ كَيْسانَ: فَلْيَقُلْ بِهِ القاضِي حَتّى يُؤْنَسَ بِهِ، فَتَبَسَّمَ.
وعَلى هَذا التَّوْجِيهِ يَكُونُ قَوْلُهُ تَعالى (﴿إنَّ هَذانِ لَساحِرانِ﴾) حِكايَةً لِمَقالِ فَرِيقٍ مِنَ المُتَنازِعِينَ، وهو الفَرِيقُ الَّذِي قَبِلَ هَذا الرَّأْيَ لِأنَّ حَرْفَ الجَوابِ يَقْتَضِي كَلامًا سَبَقَهُ.
ودَخَلَتِ اللّامُ عَلى الخَبَرِ: إمّا عَلى تَقْدِيرِ كَوْنِ الخَبَرِ جُمْلَةً حُذِفَ مُبْتَدَأُها وهو مَدْخُولُ اللّامِ في التَّقْدِيرِ، ووُجُودُ اللّامِ يُنْبِئُ بِأنَّ الجُمْلَةَ الَّتِي وقَعَتْ خَبَرًا عَنِ اسْمِ الإشارَةِ جُمْلَةٌ قَسَمِيَّةٌ؛ وإمّا عَلى رَأْيِ مَن يُجِيزُ دُخُولَ اللّامِ عَلى خَبَرِ المُبْتَدَأِ في غَيْرِ الضَّرُورَةِ.
ووُجِّهَتْ هَذِهِ القِراءَةُ أيْضًا بِجَعْلِ (إنَّ) حَرْفَ تَوْكِيدٍ، وإعْرابُ اسْمِها المُثَنّى جَرى عَلى لُغَةِ كِنانَةَ وبِلْحارِثِ بْنِ كَعْبٍ الَّذِينَ يَجْعَلُونَ عَلامَةَ إعْرابِ المُثَنّى الألِفَ في أحْوالِ الإعْرابِ كُلِّها، وهي لُغَةٌ مَشْهُورَةٌ في الأدَبِ العَرَبِيِّ ولَها شَواهِدُ كَثِيرَةٌ مِنها قَوْلُ المُتَلَمِّسِ:
فَأطْرَقَ إطْراقَ الشُّجاعِ ولَوْ دَرى ∗∗∗مَساغًالِناباهُالشُّجاعُلَصَمَّما
وقَرَأهُ حَفْصٌ بِكَسْرِ الهَمْزَةِ وتَخْفِيفِ نُونِ (إنْ) مُسَكَّنَةً عَلى أنَّها مُخَفَّفَةُ (إنَّ) المُشَدَّدَةِ. ووَجْهُ ذَلِكَ أنْ يَكُونَ اسْمُ (إنِ) المُخَفَّفَةِ ضَمِيرَ شَأْنٍ مَحْذُوفًا عَلى المَشْهُورِ. وتَكُونُ اللّامُ في (﴿لَساحِرانِ﴾) اللّامَ الفارِقَةَ بَيْنَ (إنِ) المُخَفَّفَةِ وبَيْنَ (إنِ) النّافِيَةِ. (التحرير والتنوير)

والله أعلم.

تم الجواب وبالله التوفيق

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 5 صفر 1441هـ/4-10-2019م, 09:20 PM
إنشاد راجح إنشاد راجح غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Sep 2016
المشاركات: 732
افتراضي

بسم الله الرحمن الرحيم
مجلس أداء التطبيق الخامس من تطبيقات دورة مهارات التفسير:

إعراب {إن هذان لساحران}

نوع المسألة ومنهجية البحث:
1. هذه المسألة تفسيرية لغوية تتعلق بالإعراب واللغة، والقراءات وربما ( رسم المصحف)، ولذلك فإنّ البحث في كتب المرتبة الخامسة سيكون في كتب القراءات وحروف المعاني والكتب التي اعتنت بذكر لغات العرب.

2. بدأت بالنقل عن الكتب التي تعنى بجمع أقوال السلف في التفسير، ثم بحثت في كل مرتبة من المراتب التي هى مظنة المسألة.
3. بدأت بجمع النقول أولا من جمهرة التفاسير
( وهي النقول التي لوّنت أسماء قائليها باللون الأزرق)، ثمّ أضفت إليها النقول التي تحصلت عليها من المكتبة الشاملة والباحث القرآني ولوّنت أسماء قائليها باللون الأحمر.

4. النقول التي تحصّلت لي في هذه المسألة:
أ: من التفاسير التي تنقل أقوال السلف: جامع البيان لابن جرير، والكشف والبيان للثعلبي، والهدايةلمكي بن أبي طالب، والنكت والعيون للماوردي، والمحرر الوجيز لابن عطية، وزاد المسير لابن الجوزي،وأحكام القرآن للقرطبي، وتفسير ابن كثير.
وقد وجدت فيها جميعا ذكرا للمسألة وكلاما مستفيضا فنقلته.

ب: ومن كتب المرتبة الأولى: معاني القرآن للفراء، ومجاز القرآن لأبي عبيدة، ومعاني القرآن للأخفش الأوسط، وتأويل مشكل القرآن لابن قتيبة، ومعاني القرآن للزجاج، ومعاني القرآن للنحاس، ولم أجد لهذه المسألة ذكرا في تفسير يحيى بن سلام.، فعرجت على تفسير ابن أبي زمنين وهو مختصر لتفسير يحيى بن سلام، فنقلت ما فيه.

ج: ومن كتب المرتبة الثانية: وقفت على المراجع المذكورة في هذه المرتبة فلم أجد فيها بغيتي ماعدا تفسير المشكل من غريب القرآن لمكي بن أبي طالب فنقلت ما فيه.

د: ومن كتب المرتبة الثالثة: لم يكن البحث سهلا لعدم معرفة بأسماء الكتب التي هى مظنة البحث، واكتفيت بما تحصل لي من نقول في المراتب الأخرى.

هـ: ومن كتب المرتبة الرابعة: الكشاف للزمخشري، وحاشية الطيبي على الكشاف، والبحر المحيط لأبي حيان، والدر المصون للسمين الحلبي، والتحرير والتنوير لابن عاشور، وقد وجدت فيها كلها ذكرا للمسألة، فنقلت ما وجدت.

و: ومن كتب المرتبة الخامسة: استعنت بما وجدت في جمهرة العلوم وقد كان كافيا ، فنقلت ما وجدته في مغني اللبيب، ووجوه القرآن والجني الداني، وما ذكره الأستاذ محمد عبد الخالق عضيمة.

ولم يتسنى لي الوقوف على الكتب التي اعتنت بلغات العرب.

أولاً: التعرّف على أقوال السلف في المسألة:
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : {إن هذان لساحران يريدان أن يخرجاكم من أرضكم بسحرهما ويذهبا بطريقتكم المثلى} قالوا: إن هذان لساحران يعنون بقولهم: إن هذان موسى وهارون، لساحران يريدان أن يخرجاكم من أرضكم بسحرهما.
-
كما حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {إن هذان لساحران يريدان أن يخرجاكم من أرضكم بسحرهما} يعنون موسى وهارون صلّى اللّه عليهما.
وقد اختلفت القرّاء في قراءة قوله: {إن هذان لساحران} فقرأته عامّة قرّاء الأمصار: ( إنّ هذان ) بتشديد إنّ وبالألف في هذان، وقالوا: قرأنا ذلك كذلك اتباعا لخط المصحف.
واختلف أهل العربية في وجه ذلك إذا قرئ كذلك فكان بعض أهل العربيّة من أهل البصرة يقول: " إن " خفيفةٌ في معنى ثقيلةٍ، وهي لغة لقومٍ يرفعون بها، ويدخلون اللاّم ليفرّقوا بينها وبين الّتي تكون في معنى ما.
وقال بعض نحويّي الكوفة: ذلك على وجهين: أحدهما على لغة بني الحارث بن كعبٍ ومن جاورهم، يجعلون الاثنين في رفعهما ونصبهما وخفضهما بالألف. وقال: أنشدني رجلٌ من الأسد عن بعض بني الحارث بن كعبٍ:
فأطرق إطراق الشّجاع ولو يرى = مساغًا لناباه الشّجاع لصّمما
قال: وحكي عنه أيضًا: هذا خطّ يدا أخي أعرفه، قال: وذلك وإن كان قليلاً أقيس، لأنّ العرب قالوا: مسلمون، فجعلوا الواو تابعةً للضّمّة، لأنّها لا تعرب، ثمّ قالوا رأيت المسلمين، فجعلوا الياء تابعةً لكسرة الميم، قالوا: فلمّا رأوا الياء من الاثنين لا يمكنهم كسر ما قبلها، وثبت مفتوحًا، تركوا الألف تتبعه، فقالوا: رجلان في كلّ حالٍ. قال: وقد اجتمعت العرب على إثبات الألف في كلا الرّجلين، في الرّفع والنّصب والخفض، وهما اثنان، إلاّ بني كنانة، فإنّهم يقولون: رأيت كلي الرّجلين، ومررت بكلي الرّجلين، وهي قبيحة قليلة مضوا على القياس.
قال: والوجه الآخر أن تقول: وجدت الألف من هذا دعامةً، وليست بلام " فعلى " فلمّا بنيت زدت عليها نونًا، ثمّ تركت الألف ثابتةً على حالها لا تزول فى كلّ حالٍ، كما قالت العرب الّذي، ثمّ زادوا نونًا تدلّ على الجمع، فقالوا: الّذين في رفعهم ونصبهم وخفضهم، كما تركوا هذان في رفعه ونصبه وخفضه. قال: وكنانه يقولوا: الذّون.
وقال آخر منهم: ذلك من الجزم المرسل، ولو نصب لخرج إلى الانبساط.
-
وحدّثت عن أبي عبيدة معمر بن المثنّى، قال: قال أبو عمرٍو وعيسى بن عمر ويونس، إن هذين لساحران في اللّفظ، وكتب " هذان " كما يزيدون وينقصون فى الكتاب، واللّفظ صوابٌ
قال: وزعم أبو الخطّاب أنّه سمع قومًا من بني كنانة وغيرهم، يرفعون الاثنين في موضع الجرّ والنّصب قال: وقال بشر بن هلالٍ: إن بمعنى الابتداء والإيجاب. ألا ترى أنّها تعمل فيما يليها، ولا تعمل فيما بعد الّذي بعدها، فترفع الخبر ولا تنصبه، كما تنصب الاسم، فكان مجاز " إن هذان لساحران " مجاز كلامين، مخرجه: إنّه: إي نعم، ثمّ قلت: هذان ساحران، ألا ترى أنّهم يرفعون المشترك كقول ضابئٍ:
فمن يك أمسى بالمدينة رحله = فإنّي وقيّارٌ بها لغريب
وقوله:
إنّ السّيوف غدوّها ورواحها = تركت هوازن مثل قرن الأعضب
قال: ويقول بعضهم: إنّ اللّه وملائكته يصلّون على النّبيّ، فيرفعون على شركة الابتداء، ولا يعملون فيه إنّ. قال: وقد سمعت الفصحاء من المحرمين يقولون: إنّ الحمد والنّعمة لك والملك، لا شريك لك. قال: وقرأها قومٌ على تخفيف نون إنّ وإسكانها. قال: ويجوز، لأنّهم قد أدخلوا اللاّم في الابتداء وهي فصلٌ، قال:
أمّ الحليس لعجوزٌ شهربه
قال: وزعم قومٌ أنّه لا يجوز، لأنّه إذا خفّف نون " إنّ " فلا بدّ له من أن يدخل " إلاّ " فيقول: إن هذا إلاّ ساحران.
قال أبو جعفرٍ: والصّواب من القراءة في ذلك عندنا: " إنّ " بتشديد نونها، وهذان بالألف لإجماع الحجّة من القرّاء عليه، وأنّه كذلك هو في خطّ المصحف. ووجهه إذا قرئ كذلك مشابهته الّذين إذ زادوا على الّذي النّون، وأقرّ في جميع أحوال الإعراب على حالةٍ واحدةٍ، فكذلك {إن هذان} زيدت على هذا نونٌ وأقرّ في جميع أحوال الإعراب على حالٍ واحدةٍ، وهي لغة الحارث بن كعبٍ، وخثعمٍ، وزبيدٍ، ومن وليهم من قبائل اليمن.[جامع البيان: 16/97-104]

قال أحمد بن محمد بن إبراهيم الثعلبي، أبو إسحاق (المتوفى: 427هـ):
وقوله تعالى: إِنْ هذانِ لَساحِرانِ «4» وقال بعض النحويين: هو نصب على المدح والعرب تفعل ذلك في صفة الشيء الواحد إذا تطاولت بمدح أو ذم خالفوا من اعراب أوله وأوسطه، نظيره قوله وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذا عاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْساءِ «5» وقيل: نصب على فعل، تقديره: اعني المقيمين، على معنى: أذكر النازلين وهم الطيبون.
وقال قوم: موضعه خفض، واختلفوا في وصفه، قال بعضهم: معناه: لكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ ومن الْمُقِيمِينَ الصَّلاةَ، وقيل معناه: يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وإلى الْمُقِيمِينَ الصَّلاةَ، وقال بعضهم: يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ من الكتاب وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاةَ.
ثم اختلفوا فيهم من هم؟ فقيل: هم الملائكة، وقيل: هم الأنبياء، وقيل: هم المؤمنون، وقيل: مؤمنوا أهل الكتاب وهم الراسخون.
قوله تعالى إِنَّا أَوْحَيْنا إِلَيْكَ الآية، نزلت في اليهود وذلك لما أنزل الله تعالى قوله: يَسْئَلُكَ أَهْلُ الْكِتابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتاباً مِنَ السَّماءِ «1» إلى قوله تعالى: وَكانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً «2» .

قالُوا إِنْ هذانِ لَساحِرانِ قرأ عبد الله: واسرّوا النجوى إن هذان ساحران(٦)بفتح الألف وجزم نونه ساحران بغير لام، وقرأ ابن كثير وحفص إِنْ بكسر الالف وجزم النون هذانِ بالألف على معنى ما هذان إلّا ساحران، نظيره: قوله وَإِنْ نَظُنُّكَ لَمِنَ الْكاذِبِينَ(٧)(٨)قال الشاعر:
ثكلتك أمّك إن قتلت لمسلما ... حلّت عليك عقوبة الرّحمن(٩)
يعني ما قتلت إلّا مسلما، يدل على صحة هذه القراءة قراءة أبي بن كعب: إن ذان إلّا ساحران(١٠)، وقرأ عيسى بن عمر الثقفي وأبو عمر بن علاء(١١) : إن هذين لساحران بالياء على الأصل، قال أبو عمرو: واني لأستحي من الله أن أقرأ إنّ هذان، وقرأ الباقون: إنّ بالتشديد هذان بالألف واختلفوا فيه، فقال قوم بما أخبرنا أبو بكر بن عبدوس وعبد الله بن حامد قالا:
حدّثنا أبو العباس الأصم قال: حدّثنا محمد بن الجهم السمري قال: حدّثنا الفرّاء قال: حدّثني أبو معاوية عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أنها سئلت عن قوله سبحانه في النساء لكِنِ الرَّاسِخُونَ(١٢)وَالْمُقِيمِينَ(١٣)وعن قوله في المائدة إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا وَالصَّابِئُونَ(١٤)وعن قوله إِنْ هذانِ لَساحِرانِ(١٥)فقالت: يا بن أخي هذا خطأ من الكاتب.
وقال عثمان بن عفان: إنّ في المصحف لحنا وستقيمه العرب بألسنتهم.
وقال أبان: قرئت هذه الآية عند عثمان فقال: لحن وخطأ، فقيل له: ألم تغيّره فقال:
دعوه فإنّه لا يحلّ حراما ولا يحرّم حلالا، وقال آخرون: هذه لغة الحارث بن كعب وخثعم وزبيد وكنانة يجعلون الأسين في رفعهما ونصبهما وخفضهما بالألف.
قال الفرّاء: أنشدني رجل من بني الأسد وما رأيت افصح منه.
وأطرق إطراق الشجاع ولو ترى ... مساغا لناباه الشجاع لصمما(١٦)
ويقولون: كسرت يداه، وركبت علاه، بمعنى يديه وعليه. وقال الشاعر:
تزوّد منّا بين أذناه ضربة ... دعته إلى هابي التراب عقيم(١٧)
أراد بين أذنيه. وقال آخر:
أي قلوص راكب نراها ... طاروا علاهنّ فطر علاها(١٨)
أي عليهن وعليها. وقال آخر:
إنّ أباها وأبا أباها ... قد بلغا في المجد غايتاها(١٩)
وروي أنّ أعرابيا سأل ابن الزبير شيئا فحرّمه فقال: لعن الله ناقة حملتني إليك، فقال ابن الزبير: إن وصاحبها، يعني نعم. وقال الشاعر:
بكرت عليّ عواذلي يلحينني وألومهنّه ... ويقلن شيب قد علاك وقد كبرت فقلت إنّه(٢٠)
أي نعم، وقال الفرّاء: وفيه وجه آخر: وهو أن يقول: وجدت الألف دعامة من هذا على حالها لا تزول في كل حال، كما قالت العرب: الذي ثمّ زادوا نونا يدلّ على الجمع فقالوا:
الذين في رفعهم ونصبهم وخفضهم وكناية تقول: اللّذون. [كشف والبيان عن تفسير القرآن: 16/97-104]

قال مكي بن أبي طالب القيسي (ت: 437هـ)
ثم قال تعالى ذكره: ﴿قَالُوۤاْ إِنْ هَـٰذَانِ لَسَاحِرَانِ يُرِيدَانِ أَن يُخْرِجَاكُمْ مِّنْ أَرْضِكُمْ﴾.أي: قالت السحرة في سرهم وتناجيهم: إن موسى وهارون ساحران يريدان أن يخرجاكم من أرضكم بسحرهما.
وفي حرف ابن مسعود "إن هذان إلا ساحران": أي: ما هذان يخفف "إن" يجعلها بمعنى ما.
ومن شدد "إن" ورفع "هذان"، فقد خرج العلماء فيها سبعة أقوال: فالأول: أن يكون بمعنى نعم. حكى سيبويه أن "إن" تأتي بمعنى أجل. واختار هذا القول المبرد وإسماعيل القاضي والزجاج وعلي بن سليمان.
واستبعد الزجاج قراءة أبي عمرو "إن هذين" لمخالفتها للمصحف.
وقال علي بن أبي طالب: لا أحصي كم سمعت رسول الله ﷺ على منبره يقول: إن الحمدُ لله نحمده ونستعينه، يعني يرفع الحمد يجعل "إن" بمعنى "أجل". ومعنى: أجل: نعم. ثم يقول: أنا أفصح قريش كلها، وأفصحها بعدي سعيد بن إبان بن العاصي. وكذلك كانت خطباء الجاهلية تفتتح خطبها بـ "نعم"، وكذلك وقعت في أشعارها. قال الشاعر:
قالت غدرت، فقلت: إن وربما ∗∗∗ نال العُلي وشقى الخليل الغادر
وقال ابن قيس الرقيات:
بكرت على عواذ لي ∗∗∗ يلحينني وألومهنه
ويقلن شيب قد علاك ∗∗∗ وقد كبرت فقلت إنه
وأنشد ثعلب:
ليت شعري هل للمحب شفاء ∗∗∗ من جوى حبهن إن اللقاء.
أي: نعم.
فهذا قول حسن لولا دخول اللام في الخبر.
وقد قيل: إن اللام يراد بها التقديم، وهو أيضاً بعيد، إنما يجوز التقديم في اللام وهي مؤخرة في الشعر.
لكن الزجاج قال: التقدير: نعم هذان لهما ساحران. فتكون اللام داخلة على الابتداء في المعنى، كما قال: أم الحليس لعجوز شهربة.
وقيل: إن اللام يراد بها التقديم.
وقيل: هي في موضعها، و "لعجوز" مبتدأ، وشهربة الخبر، والجملة خبر عن اللام.
والقول الثاني: ما حكاه أبو زيد والكسائي والأخفش والفراء أنها لغة لبني الحارث بن كعب، يقولون: رأيت الزيدان ومررت بالزيدان، وأنشدوا.
- فأطرق إطراق الشجاع ولو يرى ∗∗∗ مساغاً لنا باه الشجاع لصمماً
وأنشدوا أيضاً:
- تزود منا بين أذناه طعنة على ∗∗∗ رأسه تلقى العظام من الفم.
وحكى أبو الخطاب أنها لغة لبني كنانة.
وحكى غيره أنها لغة خثعم. وهذا القول قول، حسن، لا نطعن فيه لثقة الناقلين لهذه اللغة، وتواتر نقلهم واتفاقهم على ذلك، وقد نقلها أبو زيد، وكان سيبويه إذا قال حدثني من أثق به، فإياه يعني.
ورواه الأخفش، وهو ممن روى عنه سيبويه، وقول سيبويه في ألف التثنية أنها حرف الأعراب، يدل على أن حكمها لا تتغير عن لفظها، كما لا تتغير الدال من زيد، فجاءت في هذه الآية على الأصل، كما جاء "استحوذ" على الأصل.
والقول الثالث: قاله الفراء. قال: الألف في "هذان" دعامة، ليست بلام الفعل، فزدت عليها نوناً ولم أغيرها، كما قلت "الذي" ثم زدت عليه نوناً، ولم أغيرها، فقلت "الذين" في الرفع والنصب والجر.
والقول الرابع: يحكى عن بعض الكوفيين أن الألف في هذان مشبهة بألف يفعلان، فلم تغير كما لا يغير ألف يفعلان.
والقول الخامس: حكاه الزجاج. قال: القدماء يقولون: الهاء مضمرة ها هنا، والمعنى: أنه هذان لساحران، ويعترض هذا القول دخول اللام في الخبر.
والقول السادس: قاله ابن كيسان، قال: سألني إسماعيل ابن إسحاق عنها، فقلت: القول عندي، أنه لما كان يقال هذا في موضع الرفع والنصب والجر، وكانت التثنية يجب ألا تغير، أجريت التثنية مجرى الواحد. فقال إسماعيل: ما أحسن هذا، لو تقدمك أحد بالقول به، حتى تؤنس به. فقلت: فيقول القاضي به حتى يؤنس به، فتبسم.
والقول السابع: حكاه أبو عمرو وغيره، أنه من غلط الكاتب.
روي أن عثمان وعائشة رضي الله عنهما قالا: إن في الكتاب غلطاً ستقيمه العرب بألسنتها.
وعنهما: إن في الكتاب لحناً ستقيمه العرب بألسنتها. وهذا القول قد طعن فيه، لأن أصحاب النبي ﷺ قد أجمعوا على صحة ما بين اللوحين، فلا يمكن أن يجتمعوا على غلط.
فأما من خفف "إن" فإنه رفع ما بعدها، لنقصها عن وزن الفعل ويجوز أن يكون أعملها مخففة على الثقيلة، كما يعمل الفعل محذوفاً عمله وهو غير محذوف، إلا أنه أتى بـ "هذان"، على الوجوه التي ذكرنا، فأتى بالألف في النصب.
فأما من شدد نون "هذان"، فإنه جعل التشديد عوضاً مما حذف من هذا في التثنية.
وعن الكسائي والفراء في: "إن هذان" قولان تركنا ذكرهما لبعد تأويلهما في ذلك. [الهداية إلى بلوغ النهاية : 7/4657- 4663]
قال أبو الحسن علي بن محمد البغدادي،الماوردي (ت: 450هـ)
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿قالُوا إنْ هَذانِ لَساحِرانِ﴾ هَذِهِ قِراءَةُ أبِي عَمْرٍو وهي مُوافِقَةٌ لِلْإعْرابِ مُخالِفَةٌ لِلْمُصْحَفِ.
وَقَرَأ الأكْثَرُونَ: إنْ هَذانَ السّاحِرانِ، فَوافَقُوا المُصْحَفَ فِيها، ثُمَّ اخْتَلَفُوا في تَشْدِيدِ إنَّ فَخَفَّفَها ابْنُ كَثِيرٍ وحَفْصٌ فَسَلِما بِتَخْفِيفِ إنَّ مِن مُخالَفَةِ المُصْحَفِ ومِن فَسادِ الإعْرابِ، ويَكُونُ مَعْناها: ما هَذانِ إلّا ساحِرانِ.
وَقَرَأ أُبَيٌّ: إنَّ ذانِ إلّا ساحِرانِ، وقَرَأ باقِي القُرّاءِ بِالتَّشْدِيدِ: إنَّ هَذانَ لَساحِرانِ.
فَوافَقُوا المُصْحَفَ وخالَفُوا ظاهِرَ الإعْرابِ.
واخْتَلَفَ مَن قَرَأ بِذَلِكَ في إعْرابِهِ عَلى أرْبَعَةِ أقاوِيلَ: أحَدُها: أنَّ هَذا عَلى لُغَةِ بِلْحارِثِ بْنِ كَعْبٍ وكِنانَةَ بْنِ زَيْدٍ يَجْعَلُونَ رَفْعَ الإثْنَيْنِ ونَصْبَهُ وخَفْضَهُ بِالألِفِ، ويُنْشِدُونَ:
فَأطْرَقَ إطْراقَ الشُّجاعِ ولَوْ رَأى ∗∗∗ مَساغًا لِناباهُ الشُّجاعِ لَصَمَّما
والوَجْهُ الثّانِي: لا يَجُوزُ أنْ يُحْمَلَ القُرْآنُ عَلى ما اعْتَلَّ مِنَ اللُّغاتِ ويُعْدَلُ بِهِ عَنْ أفْصَحِها وأصَحِّها، ولَكِنْ في (إنَّ) هاءٌ مُضْمَرَةٌ تَقْدِيرُها إنَّهُ هَذانِ لَساحِرانِ، وهو قَوْلُ مُتَقَدِّمِي النَّحْوِيِّينَ.
الثّالِثُ: أنَّهُ بَنى (هَذانِ) عَلى بِناءٍ لا يَتَغَيَّرُ في الإعْرابِ كَما بَنى الَّذِينَ عَلى هَذِهِ الصِّيغَةِ في النَّصْبِ والرَّفْعِ.
الرّابِعُ: أنَّ (إنَّ) المُشَدَّدَةَ في هَذا المَوْضِعِ بِمَعْنى نَعَمْ، كَما قالَ رَجُلٌ لِابْنِ الزُّبَيْرِ: لَعَنَ اللَّهُ ناقَةً حَمَلَتْنِي إلَيْكَ، فَقالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ: إنَّ وصاحِبَها.
وَقالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ قَيْسِ الرُّقُيّاتِ
بَكى العَواذِلُ في الصَّبا ∗∗∗ حِ يَلُمْنُنِي وألُومُهُنَّهْ ∗∗∗ ويَقُلْنَ شَيْبٌ قَدْ عَلا ∗∗∗ كَ وقَدْ كَبِرْتَ فَقُلْتُ إنَّهْ أيْ نَعَمْ. [النكت والعيون:3/411]

قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله تعالى: {إن هذان لساحران} الآية. قرأ نافع، وابن عامر، وحمزة، والكسائي: "إن" مشددة النون "هذان" بألف ونون مخففة للتثنية، وقرأ أبو عمرو وحده: "إن هذين لساحران"، وقرأ ابن كثير: "إن هذان لساحران" بتخفيف نون "إن" وتشديد نون "هذان لسحران"، وقرأ حفص عن عاصم: "إن" خفيفة "هذان" خفيفة أيضا "لساحران". وقرأت فرقة: "إن هذان إلا ساحران"، وقرأت فرقة: "إن ذان لساحران"، وقرأت فرقة: "ما هذان إلا ساحران"، وقرأت فرقة: "إن هذان" بتشديد النون من "هذان".
فأما القراءة الأولى، فقالت فرقة: "إن" بمعنى: نعم، كما روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في خطبته: إن الحمد لله برفع "الحمد"، وقال عبد الله بن الزبير رضي الله عنه: "إن وراكبها" حين قال له الرجل: لعن الله ناقة حملتني إليك، ويدخل في هذا التأويل أن اللام لا تدخل في خبر الابتداء، وهو مما يجوز في الشعر، ومنه قول الشاعر:
أم الحليس لعجوز شهربه ... ترضى من اللحم بعظم الرقبه

وذهبت فرقة إلى أن هذه الآية بلغة بني الحارث بن كعب، وهو إبقاء ألف التثنية في حال النصب والخفض، فمن ذلك قول الشاعر:
زود منها بين أذناه طعنة ... دعته إلى هابي التراب عقيم
وقول الآخر:
أطرق إطراق الشجاع ولو يرى ... مساغا لناباه الشجاع لصمها

وتعزى هذه اللغة لكنانة، وتعزى لخثعم، وقال الفراء: الألف في "هذان" دعامة وليست بمجلوبة للتثنية، وإنما هي ألف "هذا" تركت في حال التثنية، كما نقول: "الذي" ثم في الجمع نزيد نونا وتترك الياء في حال النصب والرفع والخفض، وقال الزجاج: في الكلام ضمير تقديره: إنه هذان لساحران.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
وفي هذا التأويل دخول اللام في الخبر، وقال بعض النحاة: ألف "هذان" مشبهة هنا بألف تفعلان، وقال ابن كيسان: لما كان "هذا" بحال واحدة في رفعه ونصبه وخفضه تركت تثنيته هنا كذلك. وقالت جماعة - منهم عائشة رضي الله عنها - وأبو عمرو -: هذا مما لحن الكاتب فيه وأقيم بالصواب وهو تخفيف النون من "إن".
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
وهذه الأقوال معترضة، إلا ما قيل من أنها لغة، و"إن" بمعنى: أجل ونعم، أو "إن" في الكلام ضمير.
وأما من قرأ: "إن" خفيفة، فهي عن سيبويه المخففة من الثقيلة ويرتفع بعدها الاسم، ويقول الفراء: هي بمعنى "ما" واللام بمعنى "إلا" ووجه سائر القراءات بين.
وعبر كثير من المفسرين عن "الطريقة" بـ "السادة"، وأنما يراد أهل العقل والسن والحجى، وحكي أن العرب تقول: "فلان طريقة قومه"، أي: سيدهم، والأظهر في الطريقة هنا أنها السيرة والمملكة والحال التي هي عليها، و"المثلى" تأنيث أمثل، أي: الفاضلة الحسنة). [المحرر الوجيز: 6/108]


قال ابن الجوزي ( ت: 597هــ ) :واخْتَلَفَ القُرّاءُ في قَوْلِهِ تَعالى
: ﴿إنْ هَذانِ لَساحِرانِ﴾، فَقَرَأ أبُو عَمْرٍو بْنُ العَلاءِ: ( إنَّ هَذَيْنَ ) عَلى إعْمالِ ( إنَّ )، وقالَ: إنِّي لَأسْتَحْيِي مِنَ اللَّهِ أنْ أقْرَأ ( إنَّ هَذانِ ) . وقَرَأ ابْنُ كَثِيرٍ: ( إنْ ) خَفِيفَةً ( هَذانِّ ) بِتَشْدِيدِ النُّونِ. وقَرَأ عاصِمٌ في رِوايَةِ حَفْصٍ: ( إنْ ) خَفِيفَةً ( هَذانِ ) خَفِيفَةً أيْضًا. وقَرَأ نافِعٌ، وابْنُ عامِرٍ، وحَمْزَةُ، والكِسائِيُّ: ( إنَّ ) بِالتَّشْدِيدِ ( هاذانِ ) بِألِفٍ ونُونٍ خَفِيفَةٍ. فَأمّا قِراءَةُ أبِي عَمْرٍو فاحْتِجاجُهُ في مُخالَفَةِ المُصْحَفِ بِما رُوِيَ عَنْ عُثْمانَ وعائِشَةَ، أنَّ هَذا مِن غَلَطِ الكاتِبِ عَلى ما حَكَيْناهُ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿والمُقِيمِينَ الصَّلاةَ﴾ في سُورَةِ [ النِّساءِ: ١٦٢ ] . وأمّا قِراءَةُ عاصِمٍ فَمَعْناها: ما هَذانِ إلّا ساحِرانِ، كَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿وَإنْ نَظُنُّكَ لَمِنَ الكاذِبِينَ﴾ [ الشُّعَراء: ١٨٦ ]؛ أيْ: ما نَظُنُّكَ إلّا مِنَ الكاذِبِينَ، وأنْشَدُوا في ذَلِكَ:
ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ إنْ قَتَلْتَ لَمُسْلِمًا ∗∗∗ حَلَّتْ عَلَيْهِ عُقُوبَةُ المُتَعَمِّدِ
أيْ: ما قَتَلْتَ إلّا مُسْلِمًا. قالَ الزَّجّاجُ: ويَشْهَدُ لِهَذِهِ القِراءَةِ ما رُوِيَ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، أنَّهُ قَرَأ: ( ما هَذانِ إلّا ساحِرانِ )، ورُوِيَ عَنْهُ: ( إنْ هَذانِ إلّا ساحِرانِ )، ورُوِيَتْ عَنِ الخَلِيلِ: ( إنْ هَذانِ ) بِالتَّخْفِيفِ، والإجْماعُ عَلى أنَّهُ لَمْ يَكُنْ أحَدٌ أعْلَمَ بِالنَّحْوِ مِنَ الخَلِيلِ. فَأمّا قِراءَةُ الأكْثَرِينَ بِتَشْدِيدِ ( إنْ ) وإثْباتِ الألِفِ في قَوْلِهِ: ( هَذانِ )، فَرَوى عَطاءٌ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ أنَّهُ قالَ: هي لُغَةُ بَلْحارِثِ بْنِ كَعْبٍ. وقالَ ابْنُ الأنْبارِيِّ: هي لُغَةٌ لِبَنِي الحارِثِ بْنِ كَعْبٍ وافَقَتْها لُغَةُ قُرَيْشٍ. قالَ الزَّجّاجُ: وحَكى أبُو عُبَيْدَةَ عَنْ أبِي الخَطّابِ، وهو رَأْسٌ مِن رُؤُوسِ الرُّواةِ: أنَّها لُغَةٌ لِكِنانَةَ، يَجْعَلُونَ ألِفَ الِاثْنَيْنِ في الرَّفْعِ والنَّصْبِ والخَفْضِ عَلى لَفْظٍ واحِدٍ، يَقُولُونَ: أتانِي الزَّيْدانِ، ورَأيْتُ الزَّيْدانِ، ومَرَرْتُ بِالزَّيْدانِ، وأنْشَدُوا:
فَأطْرَقَ إطْراقَ الشُّجاعِ ولَوْ رَأى ∗∗∗ مَساغًا لَناباهُ الشُّجاعُ لَصَمَّما
وَيَقُولُ هَؤُلاءِ: ضَرَبْتُهُ بَيْنَ أُذُناهُ. وقالَ النَّحْوِيُّونَ القُدَماءُ: هاهُنا هاءٌ مُضْمَرَةٌ، المَعْنى: إنَّهُ هَذانِ لَساحِرانِ. وقالُوا أيْضًا: إنَّ مَعْنى ( إنْ ): نَعَمْ هَذانِ لَساحِرانِ، ويُنْشِدُونَ:
ويَقُلْنَ شَيْبٌ قَدْ عَلا ∗∗∗ كَ وقَدْ كَبِرْتَ فَقُلْتُ إنَّهْ
قالَ الزَّجّاجُ: والَّذِي عِنْدِي وكُنْتُ عَرَضْتُهُ عَلى عالِمِنا مُحَمَّدِ بْنِ يَزِيدَ، وعَلى إسْماعِيلَ بْنِ إسْحاقَ بْنِ حَمّادِ بْنِ زَيْدٍ، فَقَبِلاهُ وذَكَرا أنَّهُ أجْوَدُ ما سَمِعْناهُ في هَذا، وهو أنَّ ( إنْ ) قَدْ وقَعَتْ مَوْقِعَ ( نَعَمْ )، والمَعْنى: نَعَمْ هَذانِ لَهُما السّاحِرانِ، ويَلِي هَذا في الجَوْدَةِ مَذْهَبُ بَنِي كِنانَةَ، وأسْتَحْسِنُ هَذِهِ القِراءَةَ؛ لِأنَّها مَذْهَبُ أكْثَرِ القُرّاءِ وبِها يُقْرَأُ، وأسْتَحْسِنُ قِراءَةَ عاصِمٍ والخَلِيلِ؛ لِأنَّهُما إمامانِ ولِأنَّهُما وافَقا أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ في المَعْنى، ولا أُجِيزُ قِراءَةَ أبِي عَمْرٍو لِخِلافِ المُصْحَفِ. وحَكى ابْنُ الأنْبارِيِّ عَنِ الفَرّاءِ، قالَ: ألِفُ ( هَذانِ ) هي ألِفُ ( هَذا )، والنُّونُ فَرَّقَتْ بَيْنَ الواحِدِ والتَّثْنِيَةِ، كَما فَرَّقَتْ نُونُ ( الَّذِينَ ) بَيْنَ الواحِدِ والجَمْعِ. [زاد المسير: 3/164]

قال شمس الدين القرطبي (ت: 671هـ)
قوله تعالى: (إِنْ هذانِ لَساحِرانِ) [٢٠: ٦٣] قرأ أبو عمرو "إِنَّ هَذَيْنَ لَسَاحِرَانِ". وَرُوِيَتْ عَنْ عُثْمَانَ وَعَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَغَيْرِهِمَا مِنَ الصَّحَابَةِ، وَكَذَلِكَ قَرَأَ الْحَسَنُ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَإِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ وَغَيْرُهُمْ مِنَ التَّابِعِينَ، وَمِنَ الْقُرَّاءِ عِيسَى بْنُ عُمَرَ وَعَاصِمُ الْجَحْدَرِيُّ، فِيمَا ذَكَرَ النَّحَّاسُ. وَهَذِهِ الْقِرَاءَةُ مُوَافِقَةٌ لِلْإِعْرَابِ مُخَالِفَةٌ لِلْمُصْحَفِ. وَقَرَأَ الزُّهْرِيُّ وَالْخَلِيلُ بْنُ أَحْمَدَ وَالْمُفَضَّلُ وَأَبَانٌ وَابْنُ مُحَيْصِنٍ وَابْنُ كَثِيرٍ وَعَاصِمٌ: فِي رِوَايَةِ حَفْصٍ عَنْهُ" إِنْ هذانِ [٢٠: ٦٣] "بِتَخْفِيفِ" إِنْ" "لَساحِرانِ" وَابْنُ كَثِيرٍ يُشَدِّدُ نُونَ "هَذَانَ". وَهَذِهِ الْقِرَاءَةُ سَلِمَتْ مِنْ مُخَالَفَةِ الْمُصْحَفِ وَمِنْ فَسَادِ الْإِعْرَابِ، وَيَكُونُ مَعْنَاهَا مَا هَذَانَ إِلَّا سَاحِرَانِ. وَقَرَأَ الْمَدَنِيُّونَ وَالْكُوفِيُّونَ: "إِنَّ هَذَانِ" بِتَشْدِيدِ "إِنَّ"" لَساحِرانِ [٢٠: ٦٣] "فَوَافَقُوا الْمُصْحَفَ وَخَالَفُوا الْإِعْرَابَ. قَالَ النَّحَّاسُ: فَهَذِهِ ثَلَاثُ قِرَاءَاتٍ قَدْ رَوَاهَا الْجَمَاعَةُ عَنِ الْأَئِمَّةِ، وَرُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ قَرَأَ" إِنْ هَذَانِ إِلَّا سَاحِرَانِ "وَقَالَ الْكِسَائِيُّ فِي قِرَاءَةِ عَبْدِ اللَّهِ:" إِنْ هَذَانِ سَاحِرَانِ "بِغَيْرِ لَامٍ، وَقَالَ الْفَرَّاءُ فِي حَرْفِ أُبَيٍّ" إِنْ ذَانِ إِلَّا سَاحِرَانِ" فَهَذِهِ ثَلَاثُ قِرَاءَاتٍ أُخْرَى تُحْمَلُ عَلَى التَّفْسِيرِ لَا أَنَّهَا جَائِزٌ أَنْ يُقْرَأَ بِهَا لِمُخَالَفَتِهَا الْمُصْحَفَ. قُلْتُ: وَلِلْعُلَمَاءِ فِي قِرَاءَةِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَالْكُوفَةِ سِتَّةُ أَقْوَالٍ ذَكَرَهَا ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ فِي آخِرِ كِتَابِ الرَّدِّ لَهُ، وَالنَّحَّاسُ فِي إِعْرَابِهِ، وَالْمَهْدَوِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ، وَغَيْرُهُمْ أَدْخَلَ كَلَامَ بَعْضِهِمْ فِي بَعْضٍ. وَقَدْ خَطَّأَهَا قَوْمٌ حَتَّى قَالَ أَبُو عَمْرٍو: إِنِّي لَأَسْتَحِي مِنَ الله [تعالى(٢)أَنْ أَقْرَأَ" إِنْ هذانِ [٢٠: ٦٣]". وَرَوَى عُرْوَةُ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّهَا سُئِلَتْ عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى "لكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ"(٣)ثُمَّ قَالَ: "وَالْمُقِيمِينَ"(٤)وَفِي "الْمَائِدَةِ" ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا وَالصَّابِئُونَ﴾(٥) [المائدة: ٦٩]وَ" إِنْ هذانِ لَساحِرانِ [٢٠: ٦٣] "فَقَالَتْ: يَا ابْنَ أُخْتِي! هَذَا خَطَأٌ مِنَ الْكَاتِبِ. وَقَالَ عُثْمَانُ ابن عَفَّانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: فِي الْمُصْحَفِ لَحْنٌ وَسَتُقِيمُهُ الْعَرَبُ بِأَلْسِنَتِهِمْ. وَقَالَ أَبَانُ بْنُ عُثْمَانَ: قَرَأْتُ هَذِهِ الْآيَةَ عِنْدَ أَبِي عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ، فَقَالَ: لَحْنٌ وَخَطَأٌ، فَقَالَ لَهُ قَائِلٌ: أَلَا تُغَيِّرُوهُ؟ فَقَالَ: دَعُوهُ فَإِنَّهُ لَا يُحَرِّمُ حلالا ولا يحلل حرما. الْقَوْلُ الْأَوَّلُ مِنَ الْأَقْوَالِ السِّتَّةِ: أَنَّهَا لُغَةُ بنى الحرث بْنِ كَعْبٍ وَزُبَيْدٍ وَخَثْعَمَ. وَكِنَانَةَ بْنِ زَيْدٍ يجعلون رفع الاثنين ونصبه وخفضه بالألف، يَقُولُونَ: جَاءَ الزَّيْدَانِ وَرَأَيْتُ الزَّيْدَانِ وَمَرَرْتُ بِالزَّيْدَانِ، ومنه قوله تعالى:" وَلا أَدْراكُمْ بِهِ [١٠: ١٦]" [يونس: ١٦]عَلَى مَا تَقَدَّمَ(٦). وَأَنْشَدَ الْفَرَّاءُ لِرَجُلٍ مِنْ بَنِي أَسَدٍ(٧) - قَالَ: وَمَا رَأَيْتُ أَفْصَحَ مِنْهُ:
فَأَطْرَقَ إِطْرَاقَ الشُّجَاعِ وَلَوْ يَرَى ... مَسَاغًا لِنَابَاهُ الشُّجَاعُ لَصَمَّمَا(٨)
وَيَقُولُونَ: كَسَرْتُ يَدَاهُ وَرَكِبْتُ عَلَاهُ، بمعنى يديه وعليه، قال شاعرهم:(٩)
تَزَوَّدَ مِنَّا بَيْنَ أُذْنَاهُ ضَرْبَةً ... دَعَتْهُ إِلَى هابي التراب عقيم
وَقَالَ آخَرُ:(١٠)
طَارُوا عَلَاهُنَّ فَطِرْ عَلَاهَا
أَيْ عَلَيْهِنَّ وَعَلَيْهَا. وَقَالَ آخَرُ:(١١)
إِنَّ أَبَاهَا وَأَبَا أَبَاهَا ... قَدْ بَلَغَا فِي الْمَجْدِ غَايَتَاهَا
أَيْ إن أبا أبيها وغايتها. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ النَّحَّاسُ: وَهَذَا الْقَوْلُ مِنْ أَحْسَنِ مَا حُمِلَتْ عَلَيْهِ الْآيَةُ، إِذْ كَانَتْ هَذِهِ اللُّغَةُ مَعْرُوفَةً، وَقَدْ حَكَاهَا مَنْ يُرْتَضَى بِعِلْمِهِ وَأَمَانَتِهِ، مِنْهُمْ أَبُو زَيْدٍ الْأَنْصَارِيُّ، وَهُوَ الَّذِي يَقُولُ: إِذَا قَالَ سِيبَوَيْهِ حَدَّثَنِي مَنْ أَثِقُ بِهِ فَإِنَّمَا يَعْنِينِي، وَأَبُو الْخَطَّابِ الْأَخْفَشُ وَهُوَ رَئِيسٌ مِنْ رُؤَسَاءِ اللُّغَةِ، وَالْكِسَائِيُّ وَالْفَرَّاءُ كلهم قالوا هذا على لغة بني الحرث بْنِ كَعْبٍ. وَحَكَى أَبُو عُبَيْدَةَ عَنْ أَبِي الْخَطَّابِ أَنَّ هَذِهِ لُغَةُ بَنِي كِنَانَةَ. الْمَهْدَوِيُّ: وَحَكَى غَيْرُهُ أَنَّهَا لُغَةٌ لِخَثْعَمَ. قَالَ النَّحَّاسُ وَمِنْ أَبْيَنِ مَا فِي هَذَا قَوْلُ سِيبَوَيْهِ: وَاعْلَمْ أَنَّكَ إِذَا ثَنَّيْتَ الْوَاحِدَ زِدْتَ عَلَيْهِ زَائِدَتَيْنِ، الْأُولَى مِنْهُمَا حَرْفُ مَدٍّ وَلِينٍ وَهُوَ حَرْفُ الْإِعْرَابِ، قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ فَقَوْلُ سِيبَوَيْهِ: وَهُوَ حَرْفُ الْإِعْرَابِ، يُوجِبُ أَنَّ الْأَصْلَ أَلَّا يتغير، فيكون "إن هذان" جاء عَلَى أَصْلِهِ لِيُعْلَمَ ذَلِكَ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى ﴿اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطانُ﴾(١٢) [المجادلة: ١٩]وَلَمْ يَقُلِ اسْتَحَاذَ، فَجَاءَ هَذَا لِيَدُلَّ عَلَى الْأَصْلِ، وَكَذَلِكَ "إِنْ هَذَانِ" وَلَا يُفَكَّرُ فِي إنكار من أنكر هذه اللغة إذ كَانَ الْأَئِمَّةُ قَدْ رَوَوْهَا. الْقَوْلُ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ "إِنْ" بِمَعْنَى نَعَمْ، كَمَا حَكَى الْكِسَائِيُّ عَنْ عَاصِمٍ قَالَ: الْعَرَبُ تَأْتِي بِ"- إِنْ "بِمَعْنَى نَعَمْ، وَحَكَى سِيبَوَيْهِ أَنَّ" إِنْ" تَأْتِي بِمَعْنَى أَجَلْ، وَإِلَى هَذَا الْقَوْلِ كَانَ مُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ الْقَاضِي يَذْهَبَانِ، قَالَ النَّحَّاسُ: وَرَأَيْتُ أَبَا إِسْحَاقَ الزَّجَّاجَ وَعَلِيَّ بْنَ سُلَيْمَانَ يَذْهَبَانِ إِلَيْهِ. الزَّمَخْشَرِيُّ: وَقَدْ أُعْجِبَ بِهِ أَبُو إِسْحَاقَ. النَّحَّاسُ: وَحَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ السَّلَامِ النَّيْسَابُورِيُّ، ثُمَّ لَقِيتُ عَبْدَ الله بن أحمد [هذا(١٣)فَحَدَّثَنِي، قَالَ حَدَّثَنِي عُمَيْرُ بْنُ الْمُتَوَكِّلِ، قَالَ حدثنا محمد ابن موسى النوفلي من ولد حرث بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، قَالَ حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ جميع الكوفي عن جعفر ابن مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَلِيٍّ- وَهُوَ ابْنُ الْحُسَيْنِ- عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ، قَالَ: لَا أُحْصِي كَمْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ عَلَى مِنْبَرِهِ: "إِنَّ الْحَمْدُ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ" ثُمَّ يَقُولُ: "أَنَا أَفْصَحُ قريش كلها وأفصحها بعدي أبان ابن سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ" قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ الْخَفَّافُ قَالَ عُمَيْرٌ: إِعْرَابُهُ عِنْدَ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ وَالنَّحْوِ "إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ" بِالنَّصْبِ إِلَّا أَنَّ الْعَرَبَ تَجْعَلُ "إِنَّ" فِي مَعْنَى نَعَمْ كَأَنَّهُ أَرَادَ ﷺ نَعَمِ الْحَمْدُ لِلَّهِ، وذلك أن خطباء الجاهلية كانت تفتتح [في(١٤)خُطَبَهَا بِنَعَمْ. وَقَالَ الشَّاعِرُ فِي مَعْنَى نَعَمْ:
قَالُوا غَدَرْتَ فَقُلْتُ إِنَّ وَرُبَّمَا ... نَالَ الْعُلَا وَشَفَى الْغَلِيلَ الْغَادِرُ
وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ قَيْسُ الرُّقَيَّاتِ:
بَكَرَ الْعَوَاذِلُ فِي الصَّبَا ... حَ يَلُمْنَنِي وَأَلُومُهُنَّهْ
وَيَقُلْنَ شَيْبٌ قَدْ عَلَا ... كَ وَقَدْ كَبِرْتَ فَقُلْتُ إِنَّهْ
فَعَلَى هَذَا جَائِزٌ أَنْ يَكُونَ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: "إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ" بِمَعْنَى نَعَمْ وَلَا تُنْصَبُ. قَالَ النَّحَّاسُ: أَنْشَدَنِي دَاوُدُ بْنُ الْهَيْثَمِ، قَالَ أَنْشَدَنِي ثَعْلَبٌ:
لَيْتَ شِعْرِي هَلْ لِلْمُحِبِّ شِفَاءٌ ... مِنْ جوى حبهن إن اللقاء
قَالَ النَّحَّاسُ: وَهَذَا قَوْلٌ حَسَنٌ إِلَّا أَنَّ فِيهِ شَيْئًا لِأَنَّهُ إِنَّمَا يُقَالُ: نَعَمْ زَيْدٌ خارج، ولا تكاد تقع اللام ها هنا، وَإِنْ كَانَ النَّحْوِيُّونَ قَدْ تَكَلَّمُوا فِي ذَلِكَ فَقَالُوا: اللَّامُ يُنْوَى بِهَا التَّقْدِيمُ، كَمَا قَالَ:
خَالِي لَأَنْتَ وَمَنْ جَرِيرٌ خَالُهُ ... يَنَلِ الْعَلَاءَ وَيُكْرِمِ الْأَخْوَالَا
آخَرُ:
أُمُّ الْحُلَيْسِ لَعَجُوزٌ شَهْرَبَهْ ... تَرْضَى مِنَ الشَّاةِ بِعَظْمِ الرَّقَبَهْ
أَيْ لَخَالِي وَلَأُمِّ الْحُلَيْسِ، وَقَالَ الزَّجَّاجُ: وَالْمَعْنَى فِي الْآيَةِ إِنَّ هَذَانِ لَهُمَا سَاحِرَانِ ثُمَّ حَذَفَ الْمُبْتَدَأَ. الْمَهْدَوِيُّ: وَأَنْكَرَهُ أَبُو عَلِيٍّ وَأَبُو الْفَتْحِ بْنُ جِنِّيٍّ. قَالَ أَبُو الْفَتْحِ: "هُمَا" الْمَحْذُوفُ لَمْ يُحْذَفْ إِلَّا بَعْدَ أَنْ عُرِفَ، وَإِذَا كَانَ مَعْرُوفًا فَقَدِ اسْتُغْنِيَ بِمَعْرِفَتِهِ عَنْ تَأْكِيدِهِ بِاللَّامِ، وَيَقْبُحُ أَنْ تَحْذِفَ الْمُؤَكَّدَ وَتَتْرُكَ الْمُؤَكِّدَ. الْقَوْلُ الثالث: قاله الفراء أيضا [قال(١٥): وَجَدْتُ الْأَلِفَ دِعَامَةً لَيْسَتْ بِلَامِ الْفِعْلِ فَزِدْتُ عَلَيْهَا نُونًا وَلَمْ أُغَيِّرْهَا كَمَا قُلْتُ: "الَّذِي" ثُمَّ زِدْتُ عَلَيْهِ نُونًا فَقُلْتُ: جَاءَنِي الَّذِينَ عِنْدَكَ، وَرَأَيْتُ الَّذِينَ عِنْدَكَ، وَمَرَرْتُ بِالَّذِينَ عِنْدَكَ. الْقَوْلُ الرَّابِعُ: قَالَهُ بَعْضُ الْكُوفِيِّينَ قَالَ الْأَلِفُ فِي "هَذَانَ" مُشَبَّهَةٌ بِالْأَلِفِ فِي يَفْعَلَانِ فَلَمْ تُغَيَّرْ. الْقَوْلُ الْخَامِسُ: قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ: النَّحْوِيُّونَ القدماء يقولون الهاء ها هنا مُضْمَرَةٌ، وَالْمَعْنَى إِنَّهُ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ، قَالَ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ: فَأُضْمِرَتِ الْهَاءُ الَّتِي هِيَ مَنْصُوبُ "إِنْ" وَ" هذانِ [٢٠: ٦٣] "خَبَرُ" إِنْ "وَ" سَاحِرَانِ "يَرْفَعُهَا" هُمَا" الْمُضْمَرُ [وَالتَّقْدِيرُ(١٦)إِنَّهُ هَذَانَ لَهُمَا سَاحِرَانِ. وَالْأَشْبَهُ(١٧)عِنْدَ أَصْحَابِ أَهْلِ هَذَا الْجَوَابِ أَنَّ الْهَاءَ اسْمُ "إِنْ" وَ "هذانِ" رُفِعَ بِالِابْتِدَاءِ وَمَا بَعْدَهُ خَبَرُ الِابْتِدَاءِ. الْقَوْلُ السَّادِسُ: قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ النَّحَّاسُ وَسَأَلْتُ أَبَا الْحَسَنِ بْنَ كَيْسَانَ عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ، فَقَالَ: إِنْ شِئْتَ أَجَبْتُكَ بِجَوَابِ النَّحْوِيِّينَ، وَإِنْ شِئْتَ أَجَبْتُكَ بِقَوْلِي، فَقُلْتُ: بِقَوْلِكَ، فَقَالَ: سَأَلَنِي إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ عَنْهَا فَقُلْتُ: الْقَوْلُ عِنْدِي أَنَّهُ لَمَّا كَانَ يُقَالُ: "هَذَا" فِي مَوْضِعِ الرَّفْعِ وَالنَّصْبِ وَالْخَفْضِ عَلَى حَالٍ وَاحِدَةٍ، وَكَانَتِ التَّثْنِيَةُ يَجِبُ أَلَّا يغير لها الواحد أجريت التثنية مجرى الواحد فَقَالَ: مَا أَحْسَنَ هَذَا لَوْ تَقَدَّمَكَ أَحَدٌ بِالْقَوْلِ بِهِ حَتَّى يُؤْنَسَ بِهِ، قَالَ ابْنُ كَيْسَانَ: فَقُلْتُ لَهُ: فَيَقُولُ الْقَاضِي بِهِ حَتَّى يؤنس به، فتبسم. [الجامع لأحكام القرآن الكريم: 11/ 216-219]


قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({قالوا إن هذان لساحران} هذه لغةٌ لبعض العرب، جاءت هذه القراءة على إعرابها، ومنهم من قرأ: "إن هذين لساحران" وهذه اللّغة المشهورة، وقد توسّع النّحاة في الجواب عن القراءة الأولى بما ليس هذا موضعه.
والغرض أنّ السّحرة قالوا فيما بينهم: تعلمون أنّ هذا الرّجل وأخاه -يعنون: موسى وهارون- ساحران عالمان خبيران بصناعة السّحر، يريدان في هذا اليوم أن يغلباكم وقومكم ويستوليا على النّاس، وتتبعهما العامّة ويقاتلا فرعون وجنوده، فينتصرا عليه ويخرجاكم من أرضكم.
وقوله: {ويذهبا بطريقتكم المثلى} أي: ويستبدّا بهذه الطّريقة، وهي السّحر، فإنّهم كانوا معظّمين بسببها، لهم أموالٌ وأرزاقٌ عليها، يقولون: إذا غلب هذان أهلكاكم وأخرجاكم من الأرض، وتفرّدا بذلك، وتمحّضت لهما الرّياسة بها دونكم.
وقد تقدّم في حديث الفتون عن ابن عبّاسٍ [قال] في قوله: {ويذهبا بطريقتكم المثلى} يعني: ملكهم الّذي هم فيه والعيش.
وقال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا أبي، حدّثنا نعيم بن حمّادٍ، حدّثنا هشيم، عن عبد الرّحمن بن إسحاق، سمع الشّعبيّ يحدّث عن عليٍّ في قوله: {ويذهبا بطريقتكم المثلى} قال: يصرفا وجوه النّاس إليهما.
وقال مجاهدٌ: {ويذهبا بطريقتكم المثلى} قال: أولي الشّرف والعقل والأسنان.
وقال أبو صالحٍ: {بطريقتكم المثلى} أشرافكم وسرواتكم. وقال عكرمة: بخيركم. وقال قتادة: وطريقتهم المثلى يومئذٍ بنو إسرائيل، كانوا أكثر القوم عددًا وأموالًا فقال عدوّ الله: يريدان أن يذهبا بها لأنفسهما.
وقال عبد الرّحمن بن زيدٍ: {بطريقتكم المثلى} بالّذي أنتم عليه).[تفسير القرآن العظيم: 5/ 301-302]

كتب المرتبة الأول: كتب معاني القرآن:
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {إن هذان لساحران...}قد اختلف فيه القراء فقال بعضهم: هو لحن ولكنا نمضي عليه لئلاّ نخالف الكتاب. ... حدثني أبو معاوية الضرير، عن هاشم بن عروة بن الزبير، عن أبيه، عن عائشة أنها سئلت عن قوله في النساء {لكن الراسخون في العلم منهم .... والمقيمين الصلاة}وعن قوله في المائدة {إن الذين آمنوا والّذين هادوا والصّابئون}وعن قوله: {إنّ هذان لساحران}فقالت: يا بن أخي هذا كان خطأ من الكاتب. وقرأ أبو عمرو {إنّ هذين لساحران} واحتجّ أنه بلغه عن بعض أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم أنه قال: إن في المصحف لحناً وستقيمه العرب.
...
ولست أشتهي على (أن أخالف الكتاب وقرأ بعضهم {إن هذان لساحران}خفيفة وفي قراءة عبد الله: (وأسروا النجوى أن هذان ساحران) وفي قراءة أبيّ (إن ذان إلاّ ساحران) فقراءتنا بتشديد (إنّ) وبالألف على جهتين.
إحداهما على لغة بني الحارث بن كعب: يجعلون الاثنين في رفعهما ونصبهما وخفضهما بالألف وأنشدني رجل من الأسد عنهم. يريد بني الحارث:

فأطرق إطراق الشجاع ولو يرىمـسـاغـاً لـنـابـاه الـشـجـاع لصـمّـمـا

قال: وما رأيت أفصح من هذا الأسديّ وحكى هذا الرجل عنهم: هذا خطّ يدا أخي بعينه. وذلك - وإن كان قليلاً - أقيس؛ لأنّ العرب قالوا: مسلمون فجعلوا الواو تابعة للضمّة (لأن الواو لا تعرب) ثم قالوا: رأيت المسلمين فجعلوا الياء تابعة لكسرة الميم. فلمّا رأوا أن الياء من الاثنين لا يمكنهم كسر ما قبلها، وثبت مفتوحاً: تركوا الألف تتبعه،
فقالوا: رجلان في كل حال. وقد اجتمعت العرب على إثبات الألف في كلا الرجلين في الرفع والنصب والخفض وهما اثنان، إلاّ بني كنانة فإنهم يقولون: رأيت كلى الرجلين ومررت بكلى الرجلين. وهي قبيحة قليلة، مضوا على القياس.
والوجه الآخر أن تقول: وجدت الألف (من هذا دعامة وليست بلام فعل، فلمّا ثنيت زدت عليها نوناً ثم تركت الألف) ثابتة على حالها لا تزول على كلّ حال؛ كما قالت العرب (الذي) ثم زادوا نوناً تدلّ على الجماع، فقالوا: الذين في رفعهم ونصبهم وخفضهم كما تركوا (هذان) في رفعه ونصبه وخفضه. وكنانة يقولون (اللّذون) ). [معاني القرآن: 2/184،183]

قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {إنّ هذان لساحران}قال أبو عمرو وعيسى ويونس " إنّ هذين لساحران " في اللفظ وكتب " هذان " كما يزيدون وينقصون في الكتاب واللفظ صواب، وزعم أبو الخطاب أنه سمع قوماً من بني كنانة وغيرهم يرفعون الاثنين في موضع الجر والنصب، قال بشر بن هلال " إنّ " بمعنى الابتداء والإيجاب، ألا ترى أنها تعمل فيما يليها ولا تعمل فيما بعد الذي بعدها فترفع الخبر ولا تنصبه كما تنصب الاسم فكان مجازه " إنّ [مجاز القرآن: 2/21]
{هذان لساحران}مجاز كلامين، مخرجه: إنه أي نعم، ثم قلت: هذان ساحران، ألا ترى أنهم يرفعون المشرك كقوله:

فمن يك أمسى بالمدينة رحلهفــــإنـــــيّ وقــــيّـــــارٌ بــــهـــــا لـــغـــريـــب

وقوله:
إنّ شرخ الشّباب والشّعر الأسودمـــــــــا لـــــــــم يــــعـــــاص كـــــــــان جـــنـــونـــا

وقوله:
إنّ الـســيــوف غــدوّهـــا ورواحـــهـــاتركت هوزان مثل قرن الأعضب

ويقول بعضهم " إنّ الله وملائكته يصلون على النّبي " فيرفعون ملائكته على شركة الابتداء ولا يعملون فيها " إن "، وقال سمعت الفصحاء من المحرمين يقولون: إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك له.
وقرأها قومٌ على تخفيف نون " إن " وإسكانها وهو يجوز لأنهم قد أدخلوا اللام في الابتداء وهي فضل، قال:
أم الحليس لعجوزٌ شهربه وزعم قومٌ أنه لا يجوز لأنه إذا خفف نون " إن " فلا بد له من أن يدخل إلا فيقول: إن هذان إلا ساحران). [مجاز القرآن: 2/23،22]

قال أبو الحسن البلخي، الأخفش الأوسط (المتوفى: 215هـ): قال {إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ} خفيفة في معنى ثقيلة. وهي لغة لقوم يرفعون ويدخلون اللام ليفرقوا بينها وبين التي تكون في معنى "ما" ونقرؤها ثقيلة وهي لغة لبني الحارث بن كعب. [ معني القرآن: 2-433/444]

قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (باب ما ادّعي على القرآن من اللحن، وأما ما تعلَّقوا به من حديث عائشة رضي الله عنها في غَلَطِ الكاتب، وحديث عثمان رضي الله عنه: أرى فيه لَحْناً- فقد تكلم النحويون في هذه الحروف، واعتلُّوا لكلِّ حرف منها، واستشهدوا الشعرَ: فقالوا: في قوله سبحانه: {إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ}وهي لغة بلحرث بن كعب يقولون: مررت برجلان، وقبضت منه درهمان، وجلست بين يداه، وركبت علاه. وأنشدوا:

تــزوّد مـنَّـا بـيــن أذنـــاه ضـربــةدعته إلى هابي التراب عقيم

أي موضع كثير التراب لا ينبت.
وأنشدوا:

أيَّ قـلــوصِ راكـــبِ تـراهــاطارُوا علاهنَّ فَطِرْ عَلاها

على أنَّ القراءَ قد اختلفوا في قراءة هذا الحرف: فقرأه أبو عمرو بن العلاء، وعيسى بن عمر: «إنّ هذين لساحران» وذهبا إلى أنه غلط من الكاتب كما قالت عائشة.
وكان عاصم الجحدريّ يكتب هذه الأحرف الثلاثة في مصحفه على مثالها في الإمام، فإذا قرأها، قرأ: «إنَّ هذين لساحران»، وقرأ {المقيمون الصلاة}،
وقرأ {إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ}.
وكان يقرأ أيضا في سورة البقرة: {والصابرون فى البأساء والضراء} ويكتبها: الصابرين.
وإنما فرق بين القراءة والكتاب لقول عثمان رحمة الله: أرى فيه لحنا وستقيمه العرب بألسنتها فأقامه بلسانه، وترك الرسم على حاله.
وكان الحجَّاجُ وكَّلَ عاصماً وناجِيَةَ بنَ رُمْحٍ وعليَّ بنَ أصمعَ بتَتَبُّعِ المصاحفِ، وأمرهم أن يقطعوا كل مصحف وجدوه مخالفاً لمصحف عثمان، ويعطوا صاحبه ستين درهماً.
خبّرني بذلك أبو حاتم عن الأصمعيِّ قال: وفي ذلك يقول الشاعر:

وإلا رســـومُ الـــدّار قــفــراً كـأنّـهــاكتابٌ مَحَاهُ البَاهليُّ بنُ أَصْمَعَا

وقرأ بعضهم: {إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ}اعتباراً بقراءة أُبيّ لأنها في مصحفه: «إن ذان إلا ساحران» وفي مصحف عبد الله: (وأسرّوا النّجوى أن هذان ساحران) منصوبة بالألف يجعل (أن هذان) تبيينا للنجوى). [تأويل مشكل القرآن: 50-52]

قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله عزّ وجلّ: {قالوا إن هذان لساحران يريدان أن يخرجاكم من أرضكم بسحرهما ويذهبا بطريقتكم المثلى}
{إن هذان لساحران}.
يعنون موسى وهارون. وهذا الحرف من كتاب اللّه عزّ وجلّ مشكل على أهل اللغة، وقد كثر اختلافهم في تفسيره، ونحن نذكر جميع ما قاله النحويون ونخبر بما نظن أنه الصواب واللّه أعلم، وقبل شرح إعرابه نخبر بقراءة القراء أما قراءة أهل المدينة والأكمه في القراءة فبتشديد (إنّ) والرفع في (هذان) وكذلك قرأ أهل العراق حمزة وعاصم - في رواية أبي بكر بن عياش والمدنيون.
وروي عن عاصم: إن هذان بتخفيف (إن)، ويصدّق ما قرأه عاصم في هذه القراءة ما يروى عن أبيّ فإنه قرأ: ما هذان إلّا ساحران، وروي أيضا عنه أنه قرأ: إن هذان إلا ساحران، ورويت عن الخليل أيضا: إن هذان لساحران - بالتخفيف -.
والإجماع أنه لم يكن أحد بالنحو أعلم من الخليل.
وقرأ أبو عمرو وعيسى بن عمر: إنّ هذين لساحران، بتشديد " إنّ " ونصب هذين.
فهذه الرواية فيه.
فأما احتجاج النحويين فاحتجاج أبي عمرو في مخالفته المصحف في هذا أنه روي أنه من غلط الكاتب، وأن في الكتاب غلطا ستقيمه العرب بألسنتها، يروى ذلك عن عثمان بن عفان وعن عائشة - رحمهما اللّه -.
وأما الاحتجاج في أنّ هذان بتشديد أن ورفع هذان فحكى أبو عبيدة عن أبي الخطاب وهو رأس من رؤساء الرواة، أنها لغة لكنانة، يجعلون ألف الاثنين في الرفع والنصب والخفض على لفظ واحد، يقولون أتاني الزيدان.
ورأيت الزيدان، ومررت بالزيدان، وهؤلاء ينشدون:

فأطرق إطراق الشّجاع ولو رأىمسـاغـا لـنـابـاه الـشّـجـاع لصـمّـمـا

وهؤلاء أيضا يقولون: ضربته بين أذناه، ومن يشتري مني الخفّان وكذلك روى أهل الكوفة أنها لغة لبني الحرث بن كعب.
قال النحويون القدماء: ههنا هاء مضمرة، المعنى إنه هذان لساحران،
وقالوا أيضا أن معنى (إن) معنى (نعم)، المعنى نعم هذان لساحران.
وينشدون:

ويـقـلــن شــيــب قــــد عــــلّاك وقد كبرت فقلت إنّه

ويحتجون بأن هذه اللام - أصلها - أن تقع في الابتداء، وأن وقوعها في الخبر جائز، وينشدون في ذلك:

خالي لأنت ومن جرير خالهينـل العـلاء ويكـرم الأخــوالا

وأنشدوا أيضا:

أمّ الـحـلـيــس لــعــجــوز شــهــربــهترضى من الشاة بعظم الرّقبه

قالوا: المعنى لأنت خالي، والمعنى لأم الحليس عجوز.
وقال الفراء في هذا: إنهم زادوا فيها النون في التثنية وتركوا الألف على حالها في الرفع والنصب والجر كما فعلوا في الذي، فقالوا الّذين في الرفع والنصب والجر.
فهذا جميع ما احتج به النحويون.
والذي عندي - واللّه أعلم - وكنت عرضته على عالمينا - محمد بن يزيد وعلى إسماعيل بن إسحاق بن حماد بن زيد القاضي فقبلاه وذكرا أنّه أجود ما سمعاه في هذا، وهو " أنّ) قد وقعت موقع " نعم "، وأن اللام وقعت موقعها، وأن المعنى هذان لهما ساحران.
والذي يلي هذه في الجودة مذهب بني كنانة في ترك ألف التثنية على هيئة واحدة، لأن حق الألف أن تدل على الاثنين، وكان حقها ألا تتغيّر كما لم تتغير ألف رحى وعضى، ولكن كان نقلها إلى الياء في النصب والخفض أبين وأفضل للتمييز بين المرفوع والمنصوب والمجرور.
فأمّا قراءة عيسى بن عمر وأبي عمرو بن العلاء فلا أجيزها لأنها خلاف المصحف، وكل ما وجدته إلى موافقة المصحف أقرب لم أجز مخالفته، لأن اتباعه سنة.
وما عليه أكثر القراء، ولكني أستحسن {إن هذان لساحران}بتخفيف (إن) وفيه إمامان: عاصم والخليل، وموافقة أبيّ في المعنى وأن خالفه اللفظ، ويستحسن أيضا (إنّ هذان) بالتشديد، لأنه مذهب أكثر القراء، وبه يقرأ وهو قوي في العربية.). [معاني القرآن: 3/365-361]

قال أبو جعفر النَّحَّاس (ت: 338هـ):قالُوا إِنْ هذانِ لَساحِرانِ فيه ست قراءات(١) قرأ المدنيون والكوفيون إنّ هذان لساحران وقرأ أبو عمرو إنّ هذين لساحران وهذه القراءة مروية عن الحسن وسعيد بن جبير وإبراهيم النخعي وعيسى بن عمر وعاصم الجحدري، وقرأ الزهري وإسماعيل بن قسطنطين والخليل بن أحمد وعاصم في إحدى الروايتين إِنْ هذانِ لَساحِرانِ بتخفيف إن.
فهذه ثلاث قراءات، قد رواها الجماعة عن الأئمة. وروي عن عبد الله بن مسعود إن هذان إلّا ساحران وقال الكسائي: في قراءة عبد الله إن هذان ساحران بغير لام، وقال الفراء(٢) : في حرف أبيّ إن ذان إلّا ساحران فهذه ثلاث قراءات أخرى، تحمل على التفسير، إلا أنها جائز أن يقرأ بها لمخالفتها المصحف. قال أبو جعفر: القراءة الأولى للعلماء فيها ستة أقوال: منها أن يكون إنّ بمعنى نعم، كما حكى الكسائي عن عاصم قال العرب:
تأتي بإنّ بمعنى نعم، وحكى سيبويه: أنّ «إنّ» تأتي بمعنى أجل. وإلى هذا القول كان محمد بن يزيد وإسماعيل بن إسحاق يذهبان. قال أبو جعفر: ورأيت أبا إسحاق وأبا الحسن علي بن سليمان يذهبان إليه. وحدّثنا علي بن سليمان قال: حدّثنا عبد الله بن أحمد بن عبد السّلام النيسابوري، ثمّ لقيت عبد الله بن أحمد هذا فحدّثني قال: حدّثنا عمير بن المتوكل قال: حدّثنا محمد بن موسى النوفلي من ولد حارث بن عبد المطلب قال: حدّثنا عمرو بن جميع الكوفي عن جعفر بن محمد عن أبيه عن علي وهو علي بن الحسين عن أبيه عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه. قال: لا أحصي كم سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على منبره يقول: «إنّ الحمد لله نحمده ونستعينه ثم يقول: أنا أفصح قريش كلّها وأفصحها بعدي أبان بن سعيد بن العاص»(٣) قال أبو محمد: قال عمير: إعرابه عند أهل العربية في النحو إنّ الحمد لله بالنصب إلّا أن العرب تجعل «إنّ» في معنى نعم كأنه أراد: نعم الحمد لله، وذلك أن خطباء الجاهلية كانت تفتتح في خطبتها بنعم، وقال الشاعر في معنى نعم: [الكامل] 292-
قالوا: غدرت فقلت إنّ وربّما ... نال العلى وشفى الغليل الغادر(٤)
وقال ابن قيس الرقيات(٥) : [مجزوء الكامل] 293-
بكر العواذل في الصّبوح ... يلمنني وألومهنّه
ويقلن شيب قد علاك ... وقد كبرت، فقلت: إنّه
فعلى هذا جائز أن يكون قول الله عزّ وجلّ: إِنْ هذانِ لَساحِرانِ بمعنى نعم.
قال أبو جعفر: أنشدني داود بن الهيثم قال: أنشدني ثعلب: [الخفيف] 294-
ليت شعري هل للمحبّ شفاء ... من جوى حبّهنّ إنّ اللّقاء(٦)
أي: نعم، فهذا قول. وقال أبو زيد والكسائي والأخفش والفراء: هذا على لغة بني الحارث بن كعب. قال الفراء: يقولون: رأيت الزّيدان، ومررت بالزّيدان وأنشد: [الطويل] 295-
فأطرق إطراق الشّجاع ولو يرى ... مساغا لناباه الشّجاع لصمّما(٧)
وحكى أبو الخطاب أنّ هذه لغة بني كنانة، وللفراء قول آخر قال: وجدت الألف دعامة ليست بلام الفعل فزدت عليها نونا ولم أغيرها، كما قلت: الذي، ثم زدت عليها نونا فقلت: جاءني الذين عندك، ورأيت الذين عندك. قال أبو جعفر: وقيل: شبّهت الألف في قولك: هذان بالألف في يفعلان، فلم تغير. قال أبو إسحاق: النحويون القدماء يقولون: الهاء هاهنا مضمرة، والمعنى: إنّه هذان لساحران. فهذه خمسة أقوال، قال أبو جعفر: وسألت أبا الحسن بن كيسان عن هذه الآية فقال: إن شئت أجبتك بجواب النحويين، وإن شئت أجبتك بقولي فقلت: بقولك، فقال: سألني إسماعيل بن إسحاق عنها فقلت: القول عندي أنه لما كان يقال: هذا في موضع الرفع والنصب والخفض على حال واحدة، وكانت التثنية يجب أن لا يغيّر لها الواحد أجريت التثنية مجرى الواحد، فقال: ما أحسن هذا لو تقدّمك بالقول به حتى يؤنس به، فقلت: فيقول القاضي «به» حتى يؤنس به فتبسّم. قال أبو جعفر: القول الأول أحسن إلّا أنّ فيه شيئا لأنه إنما قال: إنما يقال: نعم زيد خارج، ولا يكاد يقع اللام هاهنا، وإن كان النحويون قد تكلّموا في ذلك فقالوا: اللّام ينوى بها التقديم. وقال أبو إسحاق: المعنى إنّ هذان لهما ساحران، ثمّ حذف المبتدأ كما قال: [الرجز] 296-
أمّ الحليس لعجوز شهربه(٨)
والقول الثاني من أحسن ما حملت عليه الآية إذ كانت هذه اللّغة معروفة، وقد حكاها من يرتضى علمه وصدقه وأمانته، منهم أبو زيد الأنصاري، وهو الذي يقول إذا قال سيبويه: حدّثني من أثق به فإنما يعنيني. وأبو الخطاب الأخفش، وهو رئيس من رؤساء أهل اللغة، روى عنه سيبويه وغيره. ومن بين ما في هذا قول سيبويه: واعلم أنّك إذا ثنّيت الواحد زدت عليه زائدتين، الأولى منهما حرف مدّ ولين، وهو حرف الإعراب. قال أبو جعفر: فقول سيبويه: وهو حرف الإعراب، يوجب أنّ الأصل أن لا يتغير إنّ هذان، جاء على أصله ليعلم ذلك وقد قال الله جلّ وعزّ: اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطانُ [المجادلة: 19] ولم يقل: استحاذ، فجاء على هذا ليدل على الأصل إذ كان الأئمة قد رووها وتبيّن أنها الأصل، وهذا بيّن جدا. وَيَذْهَبا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلى تأنيث أمثل، كما يقال: الأفضل والفضلى، وأنّثت الطريقة على اللفظ، وإن كان يراد بها الرجال، ويجوز أن يكون التأنيث على معنى الجماعة.
[ إعراب القرآن: 3/30-34]

قال أبو عبد الله محمد بن عبد الله ابن أبي زمنين(ت:399هـ):{إِن هَذَانِ لساحران}يَعْنِي: مُوسَى وَهَارُونَ.
قَالَ مُحَمَّدٌ: قَوْله: {هَذَانِ} بِالرَّفْعِ؛ ذَكَرَ أَبُو عُبَيْدَةَ أَنَّهَا لُغَةٌ لِكِنَانَةَ؛ يَجْعَلُونَ أَلْفَ الِاثْنَيْنِ فِي الرَّفْعِ وَالْخَفْضِ وَالنَّصْبِ عَلَى لَفْظٍ وَاحِدٍ، وَلِأَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ فِيهِ كَلَامٌ كَثِيرٌ، وَاخْتِلَافٌ يَطُولُ ذِكْرُهُ، غَيْرُ الَّذِي ذَكَرَ أَبُو عُبَيْدَةَ.[ تفسير القرآن العزيز 3/119]


كتب المرتبة الثانية: كتب غريب القرآن:

قال مكي بن أبي طالب القيسي (ت: 437هـ): قَوْله {إِن هَذَانِ لساحران} من رفع هَذَانِ حمله على لُغَة لبني الْحَارِث بن كَعْب يأْتونَ بالمثنى بِالْألف على كل حَال قَالَ بَعضهم
... تزَود منا بَين أذنَاهُ طعنة ... دَعَتْهُ هابي التُّرَاب عقيم ...
وَقيل إِن بِمَعْنى نعم وَفِيه بعد لدُخُول اللَّام فِي الْخَبَر وَذَلِكَ لَا يكون الا فِي شعر كَقَوْلِه ... أم الْحُلَيْس لعجوز شهر بِهِ ... ترْضى من اللَّحْم بِعظم الرقبه ...
وَكَانَ وَجه الْكَلَام لأم الْحُلَيْس عَجُوز وَكَذَلِكَ كَانَ وَجه الْكَلَام فِي الْآيَة ان حملت ان على معنى نعم إِن لهذان ساحران كَمَا تَقول نعم لهذان ساحران وَنعم لمُحَمد رَسُول الله وَفِي تَأَخّر اللَّام مَعَ لفظ ان بعض الْقُوَّة على نعم وَقيل إِن الْمُبْهم لما لم يظْهر فِيهِ اعراب فِي الْوَاحِد وَلَا فِي الْجمع جرت التَّثْنِيَة على ذَلِك فَأتي بِالْألف على كل حَال وَقيل الْهَاء مضمرة مَعَ ان وَتَقْدِيره انه هَذَانِ لساحران كَمَا تَقول إِنَّه زيد منطلق وَهُوَ قَول حسن لَوْلَا أَن دُخُول اللَّام فِي الْخَبَر يبعده فَأَما من خفف إِن فَهِيَ قِرَاءَة حَسَنَة لِأَنَّهُ أصلح الاعراب وَلم يُخَالف الْخط لَكِن دُخُول اللَّام فِي الْخَبَر يَعْتَرِضهُ على مَذْهَب سِيبَوَيْهٍ لِأَنَّهُ يقدر أَنَّهَا المخففة من الثَّقِيلَة ارْتَفع مَا بعْدهَا بِالِابْتِدَاءِ وَالْخَبَر لنَقص بنائها فَرجع مَا بعْدهَا الى أَصله وَاللَّام لَا تدخل فِي خبر ابْتِدَاء أَتَى على أصلة إِلَّا فِي شعر على مَا ذكرنَا وَأما على مَذْهَب الْكُوفِيّين فَهُوَ من أحسن شَيْء لأَنهم يقدرُونَ إِن الْخَفِيفَة بِمَعْنى مَا وَاللَّام بِمَعْنى إِلَّا فتقدير الْكَلَام مَا هَذَانِ إِلَّا ساحران فَلَا خلل فِي هَذَا التَّقْدِير إِلَّا. [مشكل إعراب القرآن : 2/466-467]


كتب المرتبة الرابعة: التفاسير التي تعنى بالمسائل اللغوية:

قال أبو القاسم محمود بن عمر الزمخشري(ت:538هـ): قرأ أبو عمرو إِنْ هذانِ لَساحِرانِ على الجهة الظاهرة المكشوفة. وابن كثير وحفص: إن هذان لساحران، على قولك: إن زيد لمنطلق. واللام هي الفارقة بين إن النافية والمخففة من الثقيلة. [ الكشاف 3/72]

قال أبو العباس شهاب الدين أحمد بن يوسف (السمين الحلبي) (ت: 756هـ): {إِنْ هذان لَسَاحِرَانِ} [طه: 63] في قراءةِ مَنْ قرأه بالألف، وفي الآية كلامٌ طويل يأتي إنْ شاء الله تعالى في موضعِه، وجعل منه أيضاً قولَ عبد الله بن الزبير: «إنَّ وصاحبُها» جواباً لمن قال له: «لَعَن الله ناقة حملتني إليك» أي: نعم وصاحبُها، وجَعَلَ منه قولَ الآخر:
177 - 2- بَرَزَ الغواني في الشبا ... بِ يَلُمْنَني وألومُهُنَّهْ
ويَقُلْنَ شَيْبٌ قد عَلا ... كَ وقد كَبِرْتَ فقلتُ إنَّهْ [ الدر المصون 4/355]

قال شرف الدين الحسين بن عبد الله الطيبي (ت: 743 هـ): قرأ أبو عمرو (إِنْ هذانِ لَساحِرانِ) على الجهة الظاهرة المكشوفة. وابن كثير وحفص: (إن هذان لساحران)، على قولك: إن زيد لمنطلق. واللام هي الفارقة بين (إن) النافية والمخففة من الثقيلة.
وقرأ أبىّ: (إن ذان إلا ساحران). وقرأ ابن مسعود: (أن هذان ساحران): بفتح (أن) وبغير لام، بدل من (النجوى). وقيل في القراءة المشهورة (إِنْ هذانِ لَساحِرانِ) هي لغة بلحارث بن كعب، جعلوا الاسم المثنى نحو الأسماء التي آخرها ألف، كعصا وسعدى، فلم يقلبوها ياء في الجر والنصب. [ حاشية الطيبي على الكشاف: 10/196-198]

قال محمد الطاهر بن عاشور (ت: 1393هـ): قَوْلِهِ: إِنْ هذانِ لَساحِرانِ [طه: 63] . وَقَوله: الصَّابِئُونَ فِي سُورَةِ الْمَائِدَةِ [69] . وَقَرَأَتْهَا عَائِشَةُ، وَعَبْدُ اللَّهُ بْنُ مَسْعُودٍ، وَأُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ، وَالْحَسَنُ، وَمَالِكُ بْنُ دِينَارٍ، وَالْجَحْدَرِيُّ، وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، وَعِيسَى بْنُ عُمَرَ، وَعَمْرُو بْنُ عُبَيْدٍ:
وَالْمُقِيمُونَ- بِالرَّفْعِ-. وَلَا تُرَدُّ قِرَاءَةُ الْجُمْهُورِ الْمُجْمَعِ عَلَيْهَا بِقِرَاءَةٍ شَاذَّةٍ.
وَمِنَ النَّاسِ مَنْ زَعَمَ أَنَّ نَصْبَ الْمُقِيمِينَ وَنَحْوَهُ هُوَ مَظْهَرُ تَأْوِيلِ قَوْلِ عُثْمَانَ لِكُتَّابِ الْمَصَاحِفِ حِينَ أَتَمُّوهَا وَقَرَأَهَا أَنَّهُ قَالَ لَهُمْ: «أَحْسَنْتُمْ وَأَجْمَلْتُمْ وَأَرَى لَحْنًا قَلِيلًا سَتُقِيمُهُ الْعَرَبُ بِأَلْسِنَتِهَا» . وَهَذِهِ أَوْهَامٌ وَأَخْبَارٌ لَمْ تَصِحَّ عَنِ الَّذِينَ نُسِبَتْ إِلَيْهِمْ. وَمِنَ الْبَعِيدِ جدّا أَن يخطىء كَاتِبُ الْمُصْحَفِ فِي كَلِمَةٍ بَيْنَ أَخَوَاتِهَا فَيُفْرِدَهَا بِالْخَطَأِ دُونَ سَابِقَتِهَا أَوْ تَابِعَتِهَا، وَأَبْعَدَ مِنْهُ أَنْ يَجِيءَ الْخَطَأُ فِي طَائِفَةٍ مُتَمَاثِلَةٍ مِنَ الْكَلِمَاتِ وَهِيَ الَّتِي إِعْرَابُهَا بِالْحُرُوفِ النَّائِبَةِ عَنْ حَرَكَاتِ الْإِعْرَابِ مِنَ الْمُثَنَّى وَالْجَمْعِ عَلَى حَدِّهِ. وَلَا أَحْسَبُ مَا رَوَاهُ عَنْ عَائِشَةَ وَأَبَانِ بْنِ عُثْمَانَ فِي ذَلِكَ صَحِيحًا. وَقَدْ عَلِمْتُ وَجْهَ عَرَبِيَّتِهِ فِي الْمُتَعَاطِفَاتِ، وَأَمَّا وَجْهُ عَرَبِيَّةِ إِنْ هذانِ لَساحِرانِ فَيَأْتِي عِنْدَ الْكَلَام فِي سُورَةِ طه [63] .
وَالظَّاهِرُ أَنَّ تَأْوِيلَ قَوْلِ عُثْمَانَ هُوَ مَا وَقَعَ فِي رَسْمِ الْمُصْحَفِ مِنْ نَحْوِ الْأَلِفَاتِ الْمَحْذُوفَةِ. قَالَ صَاحِبُ «الْكَشَّافِ» : «وَهُمْ كَانُوا أَبْعَدَ هِمَّةً فِي الْغَيْرَةِ عَلَى الْإِسْلَامِ وَذَبِّ الْمَطَاعِنِ عَنْهُ مِنْ أَنْ يَتْرُكُوا فِي كِتَابِ اللَّهِ ثُلْمَةً لِيَسُدَّهَا مَنْ بَعْدَهُمْ وَخَرْقًا يَرْفُوهُ مَنْ يَلْحَقُ بِهِمْ» . وَقَدْ تَقَدَّمَ نَظِيرُ هَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْساءِ وَالضَّرَّاءِ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ [177] . [ التحرير والتنوير: 6/29-30]
-وَاعْلَمْ أَنَّ جَمِيعَ الْقُرَّاء المعتبرين قرأوا بِإِثْبَاتِ الْأَلِفِ فِي اسْمِ الْإِشَارَةِ من قَوْله «هاذان» مَا عَدَا أَبَا عَمْرٍو مِنَ الْعَشَرَةِ وَمَا عَدَا الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ مِنَ الْأَرْبَعَةَ عَشَرَ. وَذَلِكَ يُوجِبُ الْيَقِينَ بِأَنَّ إِثْبَاتَ الْأَلِفِ فِي لَفْظِ (هَذَانِ) أَكْثَرُ تَوَاتُرًا بِقَطْعِ النَّظَرِ عَنْ كَيْفِيَّةِ النُّطْقِ بِكَلِمَةِ (إِنَّ) مُشَدَّدَةً أَوْ مُخَفَّفَةً، وَأَنَّ أَكْثَرَ مَشْهُورِ الْقِرَاءَاتِ الْمُتَوَاتِرَةِ قَرَأُوا- بِتَشْدِيدِ نُونِ- (أَنَّ) مَا عَدَا ابْنَ كَثِيرٍ وَحَفْصًا عَنْ عَاصِمٍ فَهُمَا قَرَءَا (أَنْ) - بِسُكُونِ النُّونِ- عَلَى أَنَّهَا مُخَفَّفَةٌ مِنَ الثَّقِيلَةِ.
وَإِنَّ الْمُصْحَفَ الْإِمَامَ مَا رَسَمُوهُ إِلَّا اتِّبَاعًا لِأَشْهَرِ الْقِرَاءَاتِ الْمَسْمُوعَةِ الْمَرْوِيَّةِ مِنْ زَمَنِ النَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقُرَّاءِ أَصْحَابِهِ، فَإِنَّ حِفْظَ الْقُرْآنِ فِي صُدُورِ الْقُرَّاءِ أَقْدَمُ مِنْ كِتَابَتِهِ فِي الْمَصَاحِفِ، وَمَا كُتِبَ فِي أُصُولِ الْمَصَاحِفِ إِلَّا مِنْ حِفْظِ الْكَاتِبِينَ، وَمَا كُتِبَ الْمُصْحَفُ الْإِمَامُ إِلَّا مِنْ مَجْمُوعِ مَحْفُوظِ الْحُفَّاظِ وَمَا كَتَبَهُ كُتَّابُ الْوَحْيِ فِي مُدَّةِ نُزُولِ الْوَحْيِ.
فَأَمَّا قِرَاءَةُ الْجُمْهُورِ إِنْ هذانِ لَساحِرانِ- بِتَشْدِيدِ نُونِ- (إِنَّ) وَبِالْأَلِفِ فِي هذانِ وَكَذَلِكَ فِي لَساحِرانِ، فَلِلْمُفَسِّرِينَ فِي تَوْجِيهِهَا آرَاءٌ بَلَغَتِ السِّتَّةَ. وَأَظْهَرُهَا أَنْ تَكُونَ (إِنَّ) حَرْفُ جَوَابٍ مِثْلَ: نَعَمْ وَأَجَلْ، وَهُوَ اسْتِعْمَالٌ مِنِ اسْتِعْمَالَاتِ (إِنَّ) ، أَيِ اتَّبَعُوا لَمَّا اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ أَمْرُهُمْ بَعْدَ النَّجْوَى كَقَوْلِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قَيْسِ الرُّقَيَّاتِ:
وَيَقُلْنَ شَيْبٌ قَدْ عَلَا ... كَ وَقَدْ كَبِرْتَ فَقُلْتُ إِنَّهُ
أَيْ أَجَلْ أَوْ نَعَمْ، وَالْهَاءُ فِي الْبَيْتِ هَاءُ السَّكْتِ، وَقَوْلِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ لِأَعْرَابِيٍّ اسْتَجْدَاهُ فَلَمْ يُعْطِهِ، فَقَالَ الْأَعْرَابِيُّ: لَعَنَ اللَّهُ نَاقَةً حَمَلَتْنِي إِلَيْكَ. قَالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ: إِنَّ وَرَاكِبَهَا. وَهَذَا التَّوْجِيهُ مِنْ مُبْتَكَرَاتِ أَبِي إِسْحَاقَ الزَّجَّاجِ ذَكَرَهُ فِي «تَفْسِيرِهِ» . وَقَالَ: عَرَضْتُهُ عَلَى عَالِمَيْنَا وَشَيْخَيْنَا وَأُسْتَاذَيْنَا مُحَمَّدِ بْنِ يَزِيدٍ (يَعْنِي الْمُبَرِّدَ) ، وَإِسْمَاعِيلَ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ حَمَّادٍ (يَعْنِي الْقَاضِيَ الشَّهِيرَ) فَقَبِلَاهُ وَذَكَرَا أَنَّهُ أَجْوَدُ مَا سَمِعَاهُ فِي هَذَا.
وَقُلْتُ: لَقَدْ صَدَقَا وَحَقَّقَا، وَمَا أَوْرَدَهُ ابْنُ جِنِّيٍّ عَلَيْهِ مِنَ الرَّدِّ فِيهِ نَظَرٌ.
وَفِي «التَّفْسِيرِ الْوَجِيزِ» لِلْوَاحِدِيِّ سَأَلَ إِسْمَاعِيلُ الْقَاضِي (هُوَ ابْنُ إِسْحَاقَ بْنِ حَمَّادٍ) ابْنَ كَيْسَانَ عَنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، فَقَالَ ابْنُ كَيْسَانَ: لَمَّا لَمْ يَظْهَرْ فِي الْمُبْهَمِ إِعْرَابٌ فِي الْوَاحِدِ وَلَا فِي الْجَمْعِ (أَيْ فِي قَوْلِهِمْ هَذَا وَهَؤُلَاءِ إِذْ هُمَا مَبْنِيَّانِ) جَرَتِ التَّثْنِيَةُ مَجْرَى الْوَاحِدِ إِذِ التَّثْنِيَةُ يَجِبُ أَنْ لَا تُغَيَّرَ. فَقَالَ لَهُ إِسْمَاعِيل: مَا حسن هَذَا لَوْ تَقَدَّمَكَ أَحَدٌ بِالْقَوْلِ فِيهِ حَتَّى يُؤْنَسَ بِهِ! فَقَالَ لَهُ ابْنُ كَيْسَانَ: فَلْيَقُلْ بِهِ الْقَاضِي حَتَّى يُؤْنَسَ بِهِ، فَتَبَسَّمَ.
وَعَلَى هَذَا التَّوْجِيهِ يَكُونُ قَوْلُهُ تَعَالَى: إِنْ هذانِ لَساحِرانِ حِكَايَةً لِمَقَالِ فَرِيقٍ مِنَ الْمُتَنَازِعِينَ، وَهُوَ الْفَرِيقُ الَّذِي قَبِلَ هَذَا الرَّأْيَ لِأَنَّ حَرْفَ الْجَوَابِ يَقْتَضِي كَلَامًا سَبَقَهُ.
وَدَخَلَتِ اللَّامُ عَلَى الْخَبَرِ: إِمَّا عَلَى تَقْدِيرِ كَوْنِ الْخَبَرِ جُمْلَةً حُذِفَ مُبْتَدَأُهَا وَهُوَ مَدْخُولُ اللَّامِ فِي التَّقْدِيرِ، وَوُجُود اللّام ينبىء بِأَنَّ الْجُمْلَةَ الَّتِي وَقَعَتْ خَبَرًا عَنِ اسْمِ الْإِشَارَةِ جُمْلَةٌ قَسَمِيَّةٌ وَإِمَّا عَلَى رَأْيِ مَنْ يُجِيزُ دُخُولَ اللَّامِ عَلَى خَبَرِ الْمُبْتَدَأِ فِي غَيْرِ الضَّرُورَةِ.
وَوُجِّهَتْ هَذِهِ الْقِرَاءَةُ أَيْضًا بِجَعْلِ (إِنَّ) حَرْفَ تَوْكِيدٍ وَإِعْرَابُ اسْمِهَا الْمُثَنَّى جَرَى عَلَى لُغَةِ كِنَانَةَ وَبِلْحَارِثِ بْنِ كَعْبٍ الَّذِينَ يَجْعَلُونَ عَلَامَةَ إِعْرَابِ الْمُثَنَّى الْأَلِفَ فِي أَحْوَالِ الْإِعْرَابِ كُلِّهَا، وَهِيَ لُغَةٌ مَشْهُورَةٌ فِي الْأَدَبِ الْعَرَبِيِّ وَلَهَا شَوَاهِدُ كَثِيرَةٌ مِنْهَا قَوْلُ الْمُتَلَمِّسِ:
فَأَطْرَقَ إِطْرَاقَ الشُّجَاعِ وَلَوْ دَرَى ... مَسَاغًا لِنَابَاهُ الشُّجَاعُ لَصَمَّمَا
وَقَرَأَهُ حَفْصٌ- بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَتَخْفِيفِ نُونِ (إِنْ) مُسَكَّنَةً- عَلَى أَنَّهَا مُخَفَّفَةُ (إِنَّ) الْمُشَدَّدَةِ. وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ اسْمُ (إِنِ) الْمُخَفَّفَةِ ضَمِيرَ شَأْنٍ مَحْذُوفًا عَلَى الْمَشْهُورِ.
وَتَكُونُ اللَّامُ فِي لَساحِرانِ اللَّامَ الْفَارِقَةَ بَيْنَ (إِنِ) الْمُخَفَّفَةِ وَبَيْنَ (إِنِ) النَّافِيَةِ.
وَقَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ- بِسُكُونِ نُونِ (إِنْ) - عَلَى أَنَّهَا مُخَفَّفَةٌ مِنَ الثَّقِيلَةِ وَبِإِثْبَاتِ الْأَلِفِ فِي «هَذَانِ» وَبِتَشْدِيدِ نُونِ (هَاذَانِّ) .
وَأَمَّا قِرَاءَةُ أَبِي عَمْرٍو وَحْدَهُ إِنَّ هَذَيْنِ- بِتَشْدِيدِ نُونِ (إِنَّ) وَبِالْيَاءِ بَعْدَ ذَالِ «هَذَيْنِ» .
فَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ: هِيَ مُخَالفَة للمصحف. وَأَقل: ذَلِكَ لَا يَطْعَنُ فِيهَا لِأَنَّهَا رِوَايَةٌ صَحِيحَةٌ وَوَافَقَتْ وَجْهًا مَقْبُولًا فِي الْعَرَبِيَّةِ.
وَنُزُولُ الْقُرْآنِ بِهَذِهِ الْوُجُوهِ الْفَصِيحَةِ فِي الِاسْتِعْمَالِ ضَرْبٌ مِنْ ضُرُوبِ إِعْجَازِهِ لِتَجْرِيَ تَرَاكِيبُهُ عَلَى أَفَانِينَ مُخْتَلِفَةِ الْمَعَانِي مُتَّحِدَةِ الْمَقْصُودِ. فَلَا الْتِفَاتَ إِلَى مَا رُوِيَ مِنِ ادِّعَاءِ أَنَّ كِتَابَةَ «إِنَّ هَاذَانِ» خَطَأٌ مِنْ كَاتِبِ الْمُصْحَفِ، وَرِوَايَتِهِمْ ذَلِكَ عَنْ أَبَانَ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ
عَنْ أَبِيهِ، وَعَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ، وَلَيْسَ فِي ذَلِكَ سَنَدٌ صَحِيحٌ. حَسِبُوا أَنَّ الْمُسْلِمِينَ أَخَذُوا قِرَاءَةَ الْقُرْآنِ مِنَ الْمَصَاحِفِ وَهَذَا تَغَفُّلٌ، فَإِنَّ الْمُصْحَفَ مَا كُتِبَ إِلَّا بَعْدَ أَنْ قَرَأَ الْمُسْلِمُونَ الْقُرْآنَ نَيِّفًا وَعِشْرِينَ سَنَةً فِي أَقْطَارِ الْإِسْلَامِ، وَمَا كُتِبَتِ الْمَصَاحِفُ إِلَّا مِنْ حِفْظِ الْحُفَّاظِ، وَمَا أَخَذَ الْمُسْلِمُونَ الْقُرْآنَ إِلَّا مِنْ أَفْوَاهِ حُفَّاظِهِ قَبْلَ أَنْ تُكْتَبَ الْمَصَاحِفُ، وَبَعْدَ ذَلِكَ إِلَى الْيَوْمِ فَلَوْ كَانَ فِي بَعْضِهَا خَطَأٌ فِي الْخَطِّ لَمَا تَبِعَهُ الْقُرَّاءُ، وَلَكَانَ بِمَنْزِلَةِ مَا تُرِكَ مِنَ الْأَلِفَاتِ فِي كَلِمَاتٍ كَثِيرَةٍ وَبِمَنْزِلَةِ كِتَابَةِ أَلِفِ الصَّلَاةِ، وَالزَّكَاةِ، وَالْحَيَاةِ، وَالرِّبَا- بِالْوَاوِ- فِي مَوْضِعِ الْألف وَمَا قرأوها إِلَّا بِأَلِفَاتِهَا.
وَتَأْكِيدُ السَّحَرَةِ كَوْنَ مُوسَى وَهَارُونَ سَاحِرَيْنِ بِحَرْفِ (إِنَّ) لِتَحْقِيقِ ذَلِكَ عِنْدَ مَنْ يُخَامِرُهُ الشَّكُّ فِي صِحَّةِ دَعْوَتِهِمَا.[ التحرير والتنوير: 16/250-254]

المرتبة الخامسة: المراجع المتخصصة:

قال أحمد بن موسى بن العباس التميمي، أبو بكر بن مجاهد البغدادي (ت: 324هـ): وَاخْتلفُوا فى قَوْله {إِن هَذَانِ لساحران} 63 فى تَشْدِيد النونين وتخفيفهما وفى الْألف وَالْيَاء
فَقَرَأَ نَافِع وَابْن عَامر وَحَمْزَة والكسائى {إِن} مُشَدّدَة النُّون / هذن / بِأَلف خَفِيفَة النُّون
وَقَرَأَ ابْن كثير / إِن هذن / بتَشْديد نون / هذن / وَتَخْفِيف نون {إِن}
وَاخْتلف عَن عَاصِم فروى أَبُو بكر / إِن هذن / نون {إِن} مُشَدّدَة / هذن / مثل حَمْزَة وروى حَفْص عَن عَاصِم {إِن} سَاكِنة النُّون وهى قِرَاءَة ابْن كثير و / هذن / خَفِيفَة
وَقَرَأَ أَبُو عَمْرو وَحده {إِن} مُشَدّدَة النُّون / هذَيْن / بِالْيَاءِ[ السبعة في القراءات: 1/419]


شرح إسماعيل بن أحمد الحيري الضرير (ت: 431هـ)
إن مكسورة الألف الثقيلة النون

قال إسماعيل بن أحمد الحيري الضرير (ت: 431هـ): (باب إن مكسورة الألف الثقيلة النون
وهي على أربعة أوجه
أحدها: به كقوله {إن الذين كفروا}، {إن الذين آمنوا}.
والثاني: التأكيد، {ثم إن ربك} {وإن اللّه على نصرهم}.
والثالث: بمعنى نعم، {إن هذان لساحران} (طه 63).
والرابع: بمعنى إلا، {إن الذين سبقت لهم منا الحسنى} (الأنبياء 101)[وجوه القرآن: 67]

قال الحسن بن قاسم بن عبد الله بن عليّ المرادي المصري المالكي (ت: 749هـ): (إن حرف، له قسمان: الأول: أن يكون حرف توكيد، ينصب الاسم ويرفع الخبر. نحو: إن زيداً ذاهب. خلافاً للكوفيين، في قولهم: إنها لم تعمل في الخبر شيئاً، بل هو باق على رفعه قبل دخولها.
وأجاز بعض الكوفيين نصب الاسم والخبر معاً، بإن
وأخواتها. وأجازه الفراء في ليت خاصة. ونقل ابن أصبغ عنه أنه أجاز في لعل أيضاً. قال ابن عصفور: وممن ذهب إلى جواز ذلك، في إن وأخواتها، ابن سلام في طبقات الشعراء. وزعم أنها لغة رؤية وقومه. وقال ابن السيد: نصب خبر إن وأخواتها لغة قوم من العرب. وإلى ذلك ذهب ابن الطراوة. والجمهور على أن ذلك لا يجوز. ومن شواهد نصب خبر إن قول عمر بن أبي ربيعة:
إذا اسود جنح الليل فلتأت، ولتكن ... خطاك خفافاً، إن حراسنا أسدا
وأوله المانعون على أنه حال، والخبر محذوف، أي: تلقاهم أسداً. أو خبر كان محذوفة، أي: كانوا أسداً.
ومن أحكام إن أنها قد تخفف، كما تقدم في باب الثنائي، خلافاً للكوفيين. فإن المخففة عندهم نافية، وهي حرف ثنائي
الوضع، واللام بعدها بمعنى إلا. وإن المشددة لا تخفف عندهم. ويبطل قولهم أن من العرب من يعملها، بعد التخفيف، عملها وهي مشددة. فيقول: إن عمراً لمنطلق. حكاه سيبويه.
ومن أحكامها أنها قد تتصل بها ما الزائدة، فيبطل عملها، ويليها الجملتان: الأسمية والفعلية، فتكون ما كافة لها عن العمل، ومهيئة لدخولها على الأفعال. والجمهور على أن إعمالها، عند اتصال ما، غير مسموع. ثم اختلفوا في جوازه قياساً. وذهب قوم إلى منعه، وهو مذهب سيبويه، فإنه لا يجيز أن يعمل عنده، من هذه الأحرف، أعني إن وأخواتها، إذا لحقتها ما، إلا ليت وحدها وذكر ابن مالك أن الإعمال قد سمع في إنما وهو قليل. وذكر أن الكسائي، والأحفش، روياه عن العرب.
مسألة
اشتهر في كلام المتأخرين، من أهل النحو، أن إنما للحصر. قال الشيخ أبو حيان: والذي تقرر، في علم النحو، أن ما الداخلة
على إن وأخواتها كافة لها عن العمل، فإن فهم حصر فمن سياق الكلام، لا منها. ولو أفادت الحصر لأفادته أخواتها المكفوفة بما.
وقال ابن عطية: إنتما لفظ لا تفارقه المبالغة والتأكيد، حيث وقع. ويصلح، مع ذلك، للحصر. فإذا دخل في قصة، وساعد معناها على الأنحصار، صح ذلك وترتب. كقوله تعالى: {أنتما آلهكم إله واحد}، وغير ذلك من الأمثلة. وإذا كانت القصة لا تتأنى للإنحصار بقيت إنما للمبالغة فقط، كقوله عليه السلام إنما الربا في النسيئة.
واحتج من ذهب إلى أنها تفيد الحصر بوجهين: أحدهما لفظي، وهو أن العرب أجرت عليها حكم النفي وإلا ففصلت الضمير بعدها، كقول الفرزدق:
أنا الذائد، الحامي الذمار، وإنما ... يدافع عن أحسابهم أنا، أو مثلي
لما كان غرضه أن يحصر المدافع لا المدافع عنه فصل الضمير. ولو قال وإنما أدافع عن أحسابهم لأفهم غير المراد. فدل ذلك على أن العرب ضمنت إنما معنى ما وإلا.
والثاني معنوي، وهو وجه يسند إلى علي بن عيسى الربعي، وهو من أكابر نحاة بغداد، أنه لما كانت كلمة إن لتأكيد إثبات المسند للمسند إليه، ثم اتصلت بها ما الزائدة المؤكدة، ناسب أن تضمن معنى الحصر لأن الحصر ليس إلا تأكيد على تأكيد. فإن قولك: زيد جاء لا عمرو، لمن يردد المجيء الواقع بينهما، يفيد إثباته لزيد في الابتداء صريحاً، وفي الآخر ضمناً.
واستدل الإمام فخر الدين، على أنها للحصر، بأن إن للإثبات، وما للنفي، فإن لإثبات المذكور، وما لنفي ما عداه. ورد بأنه قول من لا وقوف له على علم النحو، وهو ظاهر الفساد، لوجوه
منها: أن فيه إخراج ما النافية عما تستحقه، من وقوعها صدراً. ومنها أن فيه الجمع بين حرف نفي وحرف إثبات، بلا فاصل. ومنها أنه لو كانت نافية لجاز أن تعمل، فيقال: إنما زيد قائماً. ذكر بعضهم هذه الأوجه. ولا يحتاج، في بيان فساد هذا القول، إلى ذلك. فإنه لا يخفى فساده.
قلت: ذكر القرافي في شرح المحصول أن أبا علي الفارسي نقل في مسائله الشيرازيات أن ما في إنما للنفي والله أعلم.
القسم الثاني: أن تكون حرف جواب، بمعنى نعم. ذكر ذلك سيبويه، والأخفش. وحمل المبرد، على ذلك، قراءة من قرأ {إن هذان لساحران}. وأنكر أبو عبيدة أن تكون إن بمعنى نعم. ومن شواهدها قول الراد، حين قال القائل: لعن الله
ناقة حملتني إليك، فقال: إن وراكبها، أي: نعم ولعن راكبها.
ويبطل كون إن في هذا الكلام هي المؤكدة، من وجهين: أحدهما عطف جملة الدعاء على جملة الخبر. والثاني أنه لم يوجد حذف اسم إن وخبرها في غير هذا الكلام.
قلت: وقد صحح بعض النحويين جواز عطف الطلب على الخبر، وقال: هو مذهب سيبويه.
وأما قول الشاعر:
ويقلن: شيب قد علا ... ك، وقد كبرت، فقلت: إنه
فيحتمل أن تكون إن فيه بمعنى نعم، كما قال الأخفش. ويحتمل أن تكون المؤكدة والهاء اسمها، والخبر محذوف، كما قال أبو عبيدة. وإذا جعلت بمعنى نعم فالهاء للسكت.
فائدة
ذكر بعض النحويين لإن في الكلام عشرة أنحاء: الأول: أن تكون حرف توكيد.
والثاني: أن تكون حرف جواب، بمعنى نعم. وقد تقدم الكلام على هذين.
والثالث: أن تكون أمراً للواحد المذكر، من الأنين. نحو: إن، بازيد.
والرابع: أن تكون فعلاً ماضياً، مبنياً لما لم يسم فاعله، من الأنين، على لغة رد، بالكسر. نحو: إن في الدار.
والخامس: أن تكون أمراً لجماعة الإناث، من الأين، وهو التعب. نحو: إن، يا نساء، أي: تعبن.
والسادس: أن تكون فعلاً ماضياً، خبراً عن جماعة الإناث، من ألأين أيضاً. نحو: النساء إن، أي: تعبن.
والسابع: أن تكون أمراً، من وأي بمعنى: وعد، للمؤنثة. كقول بعض المتأخرين:
إن هند، الجميلة، الحسناء ... وأي من أضمرت لخل، وفاء
فإن فعل أمر مؤكد بنون التوكيد الشديدة. وكان أصله قبل لحاق النون إي بياء المخاطبة، لأنه أمر للمؤنث. فلما لحقته النون حذفت الياء، لالتقاء الساكنين. وهند في البيت منادى، تقديره: يا هند. والجميلة الحسناء: نعت لهند على المحل، كقوله: يا عمر، الجوادا وأجاز بعضهم أن تكون الجميلة مفعولاً لفعل الأمر الذي هو إن. وقوله وأي مصدر منصوب بإن.
والثامن: أن تكون أمراً لجماعة الإناث، من: آن يئين، أي: قرب. فتقول: إن يا نساء، أي اقربن.
والتاسع: أن تكون ماضياً، خبراً عن الإناث، من آن أيضاً. نحو: النساء إن، أي: قربن.
والعاشر: أن تكون مركبة من إن النافية وأنا كقول العرب: إن قائم. يريدون: إن أنا قائم. فنقلوا حركة الهمزة إلى نون إن، وحذفوا الهمزة، وأدغموا. ونظيره قوله {لكنا هو الله ربي}. وسمع من بعضهم: إن قائماً، بالنصب، على إعمال إن عمل ما الحجازية. والله أعلم). [الجنى الداني: 393 – 402]
إن المكسورة المشدّدة على وجهين
أحدهما أن تكون حرف توكيد تنصب الاسم وترفع الخبر قيل وقد تنصبهما في لغة
كقوله
(إذا اسود جنح اللّيل فلتأت ولتكن ... خطاك خفافا إن حرا سنا أسدا)
وفي الحديث إن قعر جهنّم سبعين خريفًا
وقد خرج البيت على الحالية وأن الخبر محذوف أي تلقاهم أسدا والحديث على أن القعر مصدر قعرت البئر إذا بلغت قعرها وسبعين ظرف أي إن بلوغ قعرها يكون في سبعين عاما
وقد يرتفع بعدها المبتدأ فيكون اسمها ضمير شأن محذوفا كقوله عليه الصّلاة
والسّلام إن من أشد النّاس عذابا يوم القيامة المصورون الأصل إنّه
أي الشّأن كما قال
(إن من يدخل الكنيسة يومًا ... يلق فيها جآذرا وظباء)
وإنّما لم تجعل من اسمها لأنّها شرطيّة بدليل جزمها الفعلين والشّرط له الصّدر فلا يعمل فيه ما قبله
وتخريج الكسائي الحديث على زيادة من في اسم إن يأباه غير الأخفش من البصريين لأن الكلام إيجاب والمجرور معرفة على الأصح والمعنى أيضا يأباه لأنهم ليسوا أشد عذابا من سائر النّاس
وتخفف فتعمل قليلا وتهمل كثيرا وعن الكوفيّين أنّها لا تخفف وأنه
إذا قيل إن زيد لمنطلق فـ إن نافية واللّام بمعنى إلّا ويرده أن منهم من يعملها مع التّخفيف حكى سيبويه إن عمرا لمنطلق وقرأ الحرميان وأبو بكر {وإن كلا لما ليوفينهم}
الثّاني أن تكون حرف جواب بمعنى نعم خلافًا لأبي عبيدة
استدلّ المثبتون بقوله
(ويقلن شيب قد علاك ... وقد كبرت فقلت إنّه)
ورد بأنا لا نسلم أن الهاء للسكت بل هي ضمير منصوب بها والخبر محذوف أي إنّه كذلك
والجيد الاستدلال بقول ابن الزبير رضي الله عنه لمن قال له لعن الله ناقة حملتني اليك إن وراكبها أي نعم ولعن راكبها إذ لا يجوز حذف الاسم والخبر جميعًا
وعن المبرد أنه حمل على ذلك قراءة من قرأ {إن هذان لساحران}
واعترض بأمرين
أحدهما أن مجيء إن بمعنى نعم شاذ حتّى قيل إنّه لم يثبت
والثّاني أن اللّام لا تدخل في خبر المبتدأ
وأجيب عن هذا بأنّها لام زائدة وليست للابتداء أو بأنّها داخلة على مبتدأ محذوف أي لهما ساحران أو بأنّها دخلت بعد إن هذه لشبهها بإن المؤكّدة لفظا كما قال
(ورج الفتى للخير ما إن رأيته ... على السن خيرا لا يزال يزيد)
فزاد إن بعد ما المصدرية لشبهها في اللّفظ بما النافية
ويضعف الأول أن زيادة اللّام في الخبر خاصّة بالشعر
والثّاني أن الجمع بين لام التوكيد وحذف المبتدأ كالجمع بين متنافيين وقيل اسم إن ضمير الشّأن وهذا أيضا ضعيف لأن الموضوع لتقوية الكلام لا يناسبه الحذف والمسموع من حذفه شاذ إلّا في باب أن المفتوحة إذا خففت فاستسهلوه لوروده في كلام بني على التّخفيف فحذف تبعا
لحذف النّون ولأنّه لو ذكر لوجب التّشديد إذ الضمائر ترد الأشياء إلى أصولها ألا ترى أن من يقول لد ولم يك وواللّه يقول لدنك ولم يكنه وبك لأفعلنّ
ثمّ يرد إشكال دخول اللّام وقيل هذان اسمها ثمّ اختلف فقيل جاءت على لغة بلحارث بن كعب في أجراء المثنى بالألف دائما كقوله
( ... قد بلغا في المجد غايتاها)
واختار هذا الوجه ابن مالك
وقيل هذان مبنيّ لدلالته على معنى الإشارة وإن قول الأكثرين هذين
جرا ونصبا ليس إعرابا أيضا واختاره ابن الحاجب
قلت وعلى هذا فقراءة هذان أقيس إذ الأصل في المبنيّ ألا تختلف صيغة مع أن فيها مناسبة لألف ساحران وعكسه الياء في {إحدى ابنتي هاتين} فهي هنا أرجح لمناسبة ياء ابنتي
وقيل لما اجتمعت ألف هذا وألف التّثنية في التّقدير قدر بعضهم سقوط ألف التّثنية فلم تقبل ألف هذا التّغيير
تنبيه
تأتي إن فعلا ماضيا مسندًا لجماعة المؤنّث من الأين وهو التّعب تقول النّساء إن أي تعبن أو من آن بمعنى قرب أو مسندًا لغيرهن على أنه من الأنين وعلى أنه مبنيّ للمفعول على لغة من قال في رد
وحب رد وحب بالكسر تشبيها له بقيل وبيع والأصل مثلا أن زيد يوم الخميس ثمّ قيل إن يوم الخميس
أو فعل أمر للواحد من الأنين
أو لجماعة الإناث من الأين أو من آن بمعنى قرب أو للواحدة مؤكدا بالنّون من وأى بمعنى وعد كقوله
(إن هند المليحة الحسناء ... )
وقد مر
ومركبة من إن النافية وأنا كقول بعضهم إن قائم والأصل إن أنا قائم ففعل فيه ما مضى شرحه
فالأقسام إذن عشرة هذه الثّمانية والمؤكدة والجوابية
تنبيه
في الصّحاح الأين الإعياء وقال أبو زيد لا يبنى منه فعل وقد خولف فيه انتهى
فعلى قول أبي زيد يسقط بعض الأقسام). [مغني اللبيب: 1 / 227 – 252]


الأستاذ محمد عبد الخالق عضيمة:
تخفيف [إن]
أكثر العرب على إهمال [إن] المخففة. قال [سيبويه:1/238]:
«
وحدثنا من نثق به أنه سمع من العرب من يقول: إن عمرا لمنطلق، وأهل المدينة يقرءون: {وإن كلا لما ليوفينهم ربك أعمالهم}يخففون وينصبون وأما أكثرهم فأدخلوها في حروف الابتداء بالحذف؛ كما أدخلوها في حروف الابتداء حين ضموا إليها [ما]».
ومثله في [المقتضب:1/50، 2/363.]
وعلى إهمالها لا يقدر فيها ضمير الشأن، ولكن الزمخشري قدر ضمير الشأن في بعض الآيات ورد عليه أبو حيان.
ويرى الكوفيون أن [إن] لا تخفف، وخرجوا جميع ذلك على أن [إن] نافية ؛ واللام الفارقة بمعنى [إلا].
جاء إعمال [إن] المخففة في السبعيات في قوله تعالى: {وإن كلا لما ليوفينهم ربك أعمالهم} [11: 111].
في هذه الآية أربع قراءات سبعية: تخفيف [إن[وتشديدها وتخفيف الميم من [لما] وتشديدها.
فقراءة تخفيف [إن] والميم من [لما] [إن] فيها مخففة عاملة، واللام هي الفارقة، و[ما] موصولة، أو زائدة.
وقراءة تشديد [إن] والميم من [لما] تكون [لما] هي الجازمة حذف مجزومها، أي لما يوافوا.
وقراءة تخفيف [إن] وتشديد [لما] لما بمعنى [إلا].

وقرئ في السبع بإهمال [إن] وبتخفيف الميم من [لما] وتشديدها في قوله تعالى:
1- {
وإن كل لما جميع لدينا محضرون} [36: 32].
2- {
وإن كل ذلك لما متاع الحياة الدنيا} [43: 35].
3- {
إن كل نفس لما عليها حافظ} [86: 4].

كما قرئ في السبع بتخفيف [إن] وتشديدها في قوله تعالى: {إن هذان لساحران} [20: 63].
[دليل دراسات أساليب القرآن الكريم]


الحمد لله رب العالمين

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 13 صفر 1441هـ/12-10-2019م, 11:45 AM
صالحة الفلاسي صالحة الفلاسي غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المستوى السادس
 
تاريخ التسجيل: Feb 2017
المشاركات: 242
افتراضي

اختر مسألة منالمسائل التالية، واجمع أقوال علماء اللغة فيها على نحو ما في المثال:
1. معنى "ضريع" في قول الله تعالى: {ليس لهم طعام إلامن ضريع}
قالَ يَحْيَى بْنُزِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله عز وجل: {لّيسلهم طعامٌ إلاّ من ضريعٍ...}؛وهو نبت يقال له: الشّبرق، وأهل الحجاز يسمونه الضريع إذا يبس، وهو سم). [معاني القرآن: 3/ 257]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَمَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت: 210هـ): ({إلاّ من ضريعٍ}الضريع عند العرب الشبرق شجر). [مجاز القرآن: 2/ 296]
قالَ عَبْدُالرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر، عن قتادة،في قوله: {إلا من ضريع}؛ قال: هو الشبرق). [تفسير عبد الرزاق: 2/ 368]
قال أبو عمرو إسحاق بن مرار الشيباني (ت: 213هـ): (وقال الأسلمي: الضَّرِيع، ضَرِيع العرفج: إذا لم يكن فيه نبات ولم يمت). [كتاب الجيم: 2/ 201]
قال أبوبكرٍ عبدُ الله بنُ محمدٍ ابنُ أبي شيبةَ العبسيُّ (ت: 235هـ): (حدّثنا عفّان، قال: حدّثنا سعيدبن زيدٍ، قال: حدّثنا عمرو بن مالكٍ، قال: سمعت أبا الجوزاء يقول: {ليس لهم طعامٌ إلا من ضريعٍ}: السَّلَم، كيف يسمن من يأكلالشّوك). [مصنف ابن أبي شيبة: 19/ 488]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِاليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ): ({ضريع}: ذكروا أنه يبيس الشجر، وقالوا (الضريع): نبت يقال له الشرق. وذكروا أن بعض البحار يقذف في كل سنة ورقا ليست لهقوة). [غريب القرآن وتفسيره: 426]
قال محمدُ بنُ إسماعيلَبن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : (ويقال: الضّريع: نبتٌ يقال له الشّبرق،يسمّيه أهل الحجاز: الضّريع إذا يبس، وهو سمٌّ). [صحيح البخاري: 6 / 168]

قالَ أبو سعيدٍالحَسَنُ بنُ الحُسَينِ السُّكَّريُّ (ت: 275هـ) : (

وحبسن في هزم الضريع فكلها....... حدباء بادية الضلوع جدود
(الضريع) يابس العشرق، وقالوا: الشبرق). [شرح أشعار الهذليين: 2/ 598]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَالدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ((الضريع): نبت [يكون] بالحجاز، يقال لرطبة: الشّبرق). [تفسير غريب القرآن: 525]
قالَ مُحَمَّدُ بنُ أَحمدَ بنِ نَصْرٍ الرَّمْلِيُّ (ت:295هـ): (وعن سعيدٍ: {ليس لهم طعامٌ إلا منضريع}؛ قال: من حجارةٍ). [جزء تفسيريحيى بن اليمان: 37] [سعيد: هو ابن جبير]
قالَمُحَمَّدُ بنُ أَحمدَ بنِ نَصْرٍ الرَّمْلِيُّ (ت:295هـ): (ثنا يوسف بن عديٍّ، قال: ثنا رشدين بن سعدٍ، عن يونس بن يزيد، عنعطاءٍ الخراساني في قول اللّه عزّ وجلّ: {طعامٌ إلا منضريع}؛قال: شجرةٌ يقال لها: الشّبرق).[جزء تفسير عطاء الخراساني: 94]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍالطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (وقولُهُ: {لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ}؛ يقولُ: ليسَلهؤلاءِ الذينَ هم أصحابُ الوجُوه الخاشعةِ العاملةِ الناصبةِ يومَ القيامةِ، طعامٌإلاَّ ما يَطْعَمُونَه من ضريعٍ. والضريعُ عندَ العربِ: نبْتٌ يُقالُ لهالشِّبْرِقُ، وتسمِّيهِ أهلُ الحجازِ: الضَّرِيعَ؛ إذا يَبِسَ، ويسمِّيهِ غيرُهم: الشِّبْرِقُ، وهو سُمٌّ.
وبنحوِ الذيقلْنَا في ذلك قالَ أهلُ التأويلِ.
ذِكْرُ مَن قالَ ذلك:
-
حدَّثني محمَّدُ بنُ سعدٍ، قالَ: ثني أبي، قالَ: ثنيعمِّي، قالَ: ثني أبي، عن أبيهِ، عن ابنِ عبَّاسٍ: {لَيْسَلَهُمْ طَعَامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ}؛ قالَ: الضريعُ: الشبرقُ.
-
حدَّثني محمَّدُ بنُ عبيدٍالمحاربيُّ، قالَ: ثنا عبَّادُ بنُ يعقوبَ الأسديُّ، قالَ محمَّدٌ: ثنا، وقالَعبَّادٌ: أخبرنا محمَّدُ بنُ سليمانَ، عن عبدِ الرَّحْمنِ الأصبهانيِّ، عن عكرمةَفي قولِهِ: {لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلَّا مِنْضَرِيعٍ}؛ قالَ: الشِّبْرِقُ.
-
حدَّثني يعقوبُ، قالَ: ثنا إسماعيلُ ابنُ عُليَّةَ، عن أبي رجاءٍ، قالَ: ثني نجدةُ،رجلٌ من عبدِ القيسِ، عن عكرمةَ، في قولِهِ: {لَيْسَ لَهُمْطَعَامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ}؛ قالَ: هي شجرةٌ ذاتُ شوكٍ، لاطئةٌ بالأرضِ،فإذا كانَ الربيعُ سمَّتْها قريشٌ الشبرقَ، فإذا هاجَ العودُ سمَّتْها الضريعَ.
-
حدَّثنا ابنُ بشَّارٍ، قالَ: ثناعبدُ الرَّحْمنِ، قالَ: ثنا سفيانُ، عن ليثٍ، عن مجاهدٍ: {لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ}قالَ: الشبرقُ.
-
حدَّثنا ابنُ حُمَيْدٍ، قالَ: ثنامِهْرانُ، عن سفيانَ، عن ليثٍ، عن مجاهدٍ، مثلَهُ.
-
حدَّثني محمَّدُ بنُ عمرٍو، قالَ: ثنا أبو عاصمٍ،قالَ: ثنا عيسَى؛ وحدَّثني الحارثُ، قالَ: ثنا الحسنُ، قالَ: ثنا ورقاءُ، جميعاً عنابنِ أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، قولَهُ: {ضَرِيعٍ}؛ قالَ: الشبرقُ اليابسُ.
-
حدَّثنا ابنُ عبدِالأعلَى، قالَ: ثنا ابنُ ثورٍ، عن مَعْمَرٍ، عن قتادةَ:{إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ}؛ قالَ: هو الشبرقُ إذا يَبِسَيُسمَّى الضريعَ.
-
حدَّثنا بِشْرٌ،قالَ: ثنا يزيدُ، قالَ: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ، قولَهُ: {لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ}؛ يقولُ: منشرِّ الطعامِ، وأبشعِهِ وأخبثِهِ.
-
حدَّثني محمَّدُ بنُ عبيدٍ، قالَ: ثنا شريكُ بنُ عبدِ اللَّهِ، في قولِهِ: {لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ}؛ قالَ: الشِّبْرِقُ.
وقالَ آخرُونَ: الضريعُ: الحجارةُ.
ذِكْرُ مَن قالَ ذلك:
-
حدَّثنا أبو كريبٍ، قالَ: ثنا ابنُيمانٍ، عن جعفرٍ، عن سعيدٍ، في قولِهِ: {لَيْسَ لَهُمْطَعَامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ}؛ قالَ: الحجارةُ.
وقالَ آخرُونَ: الضريعُ: شجرٌ من نارٍ.
ذِكْرُ مَنقالَ ذلك:
-
حدَّثني عليٌّ، قالَ: ثناأبو صالحٍ، قالَ: ثني معاويَةُ، عن عليٍّ، عن ابنِ عبَّاسٍ، قولَهُ: {لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلَّا من ضَرِيعٍ}يقولُ: شجرٌ مننارٍ.
-
حدَّثني يونسُ، قالَ: أخبرناابنُ وهبٍ، قالَ: قالَ ابنُ زيدٍ، في قولِهِ: {لَيْسَ لَهُمْطَعَامٌ إِلَّا من ضَرِيعٍ}قالَ: الضريعُ: الشوكُ من النارِ. قالَ: وأمَّافي الدنيا فإنَّ الضريعَ: الشوكُ اليابسُ الذي ليسَ له ورقٌ، تدعوهُ العربُالضريعَ، وهو في الآخرةِ شوكٌ من نارٍ). [جامع البيان: 24 / 331-333]

قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): ({ليس لهم طعام إلّا من ضريع (6)}يعني لأهل النار، والضريع الشبرق؛وهو جنس من الشوك،إذا كان رطبا فهو شبرق، فإذا يبس فهو الضّريع، قال كفار قريش: إنّ الضريع لتسمنعليه إبلنا، فقال اللّه - عزّ وجلّ - {لا يسمن ولا يغني من جوع (7)}). [معاني القرآن: 5/ 318]
قالَ محمَّدُ بنُ القاسمِ بنِ بَشَّارٍ الأَنْبَارِيُّ: (ت: 328هـ): ( ومن الأضداد أيضا قول العرب: زيد أعقل الرجلين، إذا كاناعاقلين؛ إلا أن أحدهما أكثر عقلا من الآخر، وزيد أعقل الرجلين إذا كان أحدهما عاقلاوالآخر أحمق، فأما المعنى الأول فلا يحتاج فيه إلى شاهد لشهرته عند عوام الناسوخواصهم، وأما المعنى الآخر فشاهده قول الله عز وجل: {أصحابالجنة يومئذ خير مستقرا وأحسن مقيلا}.
قال الفراء: قال بعض المشيخة: يروى أنهيفرغ من حساب الناس في النصف من ذلك اليوم، ثم يقيل أهل الجنة في الجنة وأهل النارفي النار.
قالالفراء: وأصحاب الكلام إذا اجتمع لهم عاقل وأحمق لم يقولوا: هذا أعقل الرجلين؛ إلاأن يكون الرجلان عاقلين؛ أحدهما أزيد عقلا من الآخر، قال: فقول الله عز وجل: {أصحاب الجنة يومئذ خير مستقرا}،يدلك
على خطئهم؛لأن أهل النار ليس في مستقرهم من الخير شيء.
وقال غير الفراء: معنى الآية التشبيهوالتمثيل، وذلك أن الكفار كانوا يناظرون المسلمين، فيقول بعضهم: حظنا من الآخرة مثلحظكم؛ ونحن نصير منها إلى مثل ما يصير إلى صلحاؤكم من الكرامة والزلفى والغبطة،الدليل على هذا قوله عز ذكره: {أفرأيتالذي كفر بآياتنا}إلى قوله: {ويأتينافردا}،فنزول هذه الآيات في خبابوالعاص بن وائل، قال خباب: كنت قينا في الجاهلية، فاجتمعت لي على العاص بن وائلدراهم، فأتيته أتقاضاه، فقال: لا أقضيك حتى تكفر بمحمد عليه السلام، فقلت: لا أكفربه، حتى تموت ثم تبعث، قال: وإني لمبعوث؟ قلت: نعم، قال: فسيكون لي ثم منزل ومال،فأقضيك دراهمك، فأنزل الله عز وجل هذا فيه، وقال: {أصحابالجنة يومئذ خير مستقرا}أي قد ادعوا –أعني الكفار- أن لهم في الجنة مقيلاومستقرا، فمستقر المؤمنين خير من مستقرهم في حقيقة الأمر على دعواهم وظنهم، لا أنالله عز وجل ثبت أن للكفار في الجنة مستقرا.
وفي المسألة جواب ثالث؛ وهو أصحاب الجنة: لو كان لأصحاب النار وأصحابها مستقر فيه خير، لكان مستقر أصحاب الجنة خيرا منهلاتصال نعيمهم؛ ولانقطاع الراحة التي يجدها أهل النار في النار إن كانت؛ وهي مما لايكون، فجرى مجرى قول العرب: ما لفلان عيب إلا السخاء، أي من السخاء عيبه فلا عيبله.
وقد خرج بعضهمقول الله عز وجل: {ليس لهم طعام إلا من ضريع}، من هذاالمعنى فقال: التأويل: من الضريع طعامه فلا طعام له. ومنه قول العرب: ما لفلان راحةإلا السير والعمل؛ أي من هذان راحته فهو غير مستريح). [كتاب الأضداد: 316-318] (م)

قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍمُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت: 345هـ): (والضريع العوسجالرطب، وهو نبات في النار، شبيه العوسج). [ياقوتة الصراط: 573]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم قال: ثنا آدم قال: ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قال: الضريع: الشبرق اليابس). [تفسير مجاهد: 2/ 753]

الكشف والبيان — الثعلبي (٤٢٧ هـ)
لَيْسَ لَهُمْ طَعامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ قال محمد وعكرمة وقتادة: وهو نبت ذو شوك لاطئ بالأرض تسمّيه فرش الشرق، فإذا هاج سمّوه الضريع، وهو أخبث طعام وأبشعه، وهي رواية العوفي عن ابن عبّاس، الوالي عنه: هو شجر من نار، وقال ابن زيد: أمّا في الدنيا فإنّ الضريع الشوك اليابس الذي ليس له ورق، تدعوه العرب الضريع، وهو في الآخرة شوك من نار.
وقال الكلبي: لا تقربه دابّة إذا يبس، ولا يرعاه شيء، وقال سعيد بن جبير هو الحجارة، عطاء عن ابن عبّاس: هو شيء يطرحه البحر المالح، يسمّيه أهل اليمن الضريع،
وقد روي عن ابن عبّاس عن رسول الله ﷺ
أنّه قال: «الضريع شيء يكون في النار شبه الشوك، أمرّ من الصبر وأنتن من الجيفة وأشدّ حرّا من النار»
[138](٢) سمّاه النبيّ ضريعا، وقال عمرو بن عبيد: لم يقل الحسن في الضريع شيئا، إلّا أنّه قال: هو بعض ما أخفى الله من العذاب، وقال ابن كيسان: هو طعام يضرعون منه ويذلّون ويتضرّعون إلى الله سبحانه، وعلى هذا التأويل يكون المعنى المضرّع.
وقال أبو الدرداء والحسن: يقبّح الله سبحانه وجوه أهل النار يوم القيامة يشبهها بعملهم(٣) القبيح في الدنيا، ويحسن وجوه أهل الجنّة يشبّهها بأعمالهم الحسنة في الدنيا، وأنّ الله سبحانه يرسل على أهل النار الجوع حتّى يعدل عندهم ما هم فيه من العذاب، فيستغيثون فيغاثون بالضريع ويستغيثون فيغاثون بطعام ذي غصّة، فيذكرون أنّهم كانوا يخبزون الغصص في الدنيا بالماء فيستسقون بعطشهم ألف سنة، ثمّ يسقون من عين آنية لا هنيّة ولا مريّة، فكلّما أدنوه من وجوههم سلخ جلود وجوههم وشواها، فإذا وصل إلى بطونهم قطّعها، فذلك قوله سبحانه:
وَسُقُوا ماءً حَمِيماً فَقَطَّعَ أَمْعاءَهُمْ.
قال المفسّرون: فلمّا نزلت هذه الآية قال المشركون: إنّ إبلنا لتسمن على الضريع، فأنزل الله سبحانه: لا يُسْمِنُ وَلا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ ويقول: فإنّ الإبل ترعاه ما دام رطبا، فإذا يبس فلا يأكله شيء ورطبه يسمّى شبرقا لا ضريعا.

قَالَ مَكِّيُّ بْنُأَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( (الضَّرِيع):نبت بالحجاز، يقال لرطبه الشِّبْرِق). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 300]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( (الضَرِيعٍ): نبت). [العمدة في غريب القرآن: 344]
النكت والعيون — الماوردي (٤٥٠ هـ)
﴿لَيْسَ لَهم طَعامٌ إلا مِن ضَرِيعٍ﴾ فِيهِ سِتَّةُ أقاوِيلَ: أحَدُها: أنَّها شَجَرَةٌ تُسَمِّيها قُرَيْشٌ الشِّبْرِقَ، كَثِيرَةُ الشَّوْكِ، قالَهُ ابْنُ عَبّاسٍ، قالَ قَتادَةُ وإذا يَبِسَ في الصَّيْفِ فَهو ضَرِيعٌ، قالَ الشّاعِرُ
رَعى الشِّبْرِقَ الرَّيّانَ حَتّى إذا ذَوى ∗∗∗ وعادَ ضَرِيعًا نازِعَتْهُ النَّحائِصُ
الثّانِي: السَّلْمُ، قالَ أبُو الجَوْزاءِ: كَيْفَ يَسْمَنُ مَن يَأْكُلُ الشَّوْكَ.
الثّالِثُ: أنَّها الحِجارَةُ، قالَهُ ابْنُ جُبَيْرٍ.
الرّابِعُ: أنَّهُ النَّوى المُحَرَّقُ، حَكاهُ يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ عَنْ بَعْضِ الأعْرابِ.
الخامِسُ: أنَّهُ شَجَرٌ مِن نارٍ، قالَهُ ابْنُ زَيْدٍ.
السّادِسُ: أنَّ الضَّرِيعَ بِمَعْنى المَضْرُوعِ، أيِ الَّذِي يَضْرَعُونَ عِنْدَهُ طَلَبًا لِلْخَلاصِ مِنهُ، قالَهُ ابْنُ بَحْرٍ.

الكشاف — الزمخشري (٥٣٨ هـ)
الضريع.يبيس الشبرق، وهو جنس من الشوك ترعاه الإبل ما دام رطبا(٣) ، فإذا يبس تحامته الإبل وهو سم قاتل. قال أبو ذؤيب:
رعى الشيرق الرّيّان حتّى إذا ذوى ... وعاد ضريعا بان عنه النّحائص(٤)
وقال:
وحبسن في هزم الضّريع فكلّها ... حدباء دامية اليدين حرود(٥) فإن قلت: كيف قيل لَيْسَ لَهُمْ طَعامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ وفي الحاقة وَلا طَعامٌ إِلَّا مِنْ غِسْلِينٍ؟
قلت: العذاب ألوان، والمعذبون طبقات، فمنهم. أكلة الزقوم. ومنهم أكلة الغسلين، ومنهم أكلة الضريع: لِكُلِّ بابٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ مَقْسُومٌ. لا يُسْمِنُ مرفوع المحل أو مجروره على وصف طعام. أو ضريع، يعنى: أنّ طعامهم من شيء ليس من مطاعم الإنس، وإنما هو شوك والشوك مما ترعاه الإبل وتتولع به. وهذا نوع منه تنفر عنه ولا تقربه. ومنفعتا الغذاء منتفيتان عنه: وهما إماطة الجوع، وإفادة القوّة والسمن في البدن. أو أريد: أن لا طعام لهم أصلا، لأن الضريع ليس بطعام للبهائم فضلا عن الإنس، لأن الطعام ما أشبع أو أسمن، وهو منهما بمعزل. كما تقول ليس لفلان ظل إلا الشمس، تريد: نفى الظل على التوكيد. وقيل: قالت كفار قريش: إن الضريع لتسمن عليه إبلنا فنزلت لا يُسْمِنُ فلا يخلو إما أن يتكذبوا ويتعنتوا بذلك وهو الظاهر، فيردّ قولهم بنفي السمن والشبع، وإما أن يصدقوا فيكون المعنى: أن طعامهم من ضريع ليس من جنس ضريعكم، إنما هو من ضريع غير مسمن ولا مغن من جوع.

قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (واختلف الناس في (الضّريع)؛ فقال الحسن وجماعةٌ من المفسّرين: هو الزّقّوم؛ لأنّ اللّه تعالى قد أخبر في هذه الآية أنّ الكفّار لا طعام لهم إلاّمن ضريعٍ، وقد أخبر أنّ الزّقّوم طعام الأثيم، فذلك يقتضي أنّ الضّريع هو الزّقّوم.
وقال سعيد بن جبيرٍ: الضّريع حجارةٌ في النار.
وقال ابن عبّاسٍ، ومجاهدٌ،وقتادة، وعكرمة: الضّريع: شبرق النار.
وقال أبو حنيفة: الضّريع: الشّبرق؛ وهو مرعى سوءٍ،لا تعقد السّائمة عليه شحماً ولا لحماً. ومنه قول ابن عيزارة الهذليّ:
وحبسن في هزم الضّريع فكلّها.......حدباء دامية اليدينحرود
وقال أبو ذؤيبٍ:
رعى الشّبرق الرّيّان حتّى إذاذوى .......وعاد ضريعاً بان منهالنّحائص
وقيل: الضّريع: العشرق.
وقالالنبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: «الضّريع: شوكٌ فيالنّار».
وقال بعض اللّغويّين: الضّريع: يبس العرفج إذا تحطّم.
وقال آخرون: هو رطب العرفج.
وقال الزّجّاج: هو نبتٌ كالعوسج.
وقال بعضالمفسّرين: الضّريع نبتٌ في البحر أخضر منتنٌ مجوّفٌ مستطيلٌ، له نورٌ فيهكبيرٌ.
وقال ابن عبّاسٍ أيضاً: الضّريع: شجرٌ من نارٍ.
وكلّ من ذكر شيئاً مماقدّمناه فإنما يعني أن ذلك من نارٍ ولا بدّ، وكلّ ما في النار فهو نارٌ.
وقالقومٌ: ضريعٌ، وادٍ في جهنّم.
وقال جماعةٌ من المتأولّين: الضّريع: طعام أهلالنار، ولم يرد أن يخصّص شيئاً ممّا ذكر.
قال بعض اللّغويّين: وهذا ممّا لاتعرفه العرب.
وقيل: الضّريع: الجلدة التي على العظم تحت اللّحم. ولا أعرف من تأوّل الآية بهذا.
وأهل هذه الأقاويل يقولون: الزّقّوم لطائفةٍ،والضّريع لطائفةٍ، والغسلين لطائفةٍ.
واختلف في المعنى الذي سمّي به ضريعاً؛فقيل: هو ضريعٌ بمعنى مضرعٍ، أي: مضعفٍ للبدن مهزلٍ، ومنه قول النبيّ -صلّى اللّهعليه وسلّم- في ولدي جعفر بن أبي طالبٍ -رضي اللّه عنهم-:«ما ليأراهما ضارعين». يريد هزيلين. ومن فعيلٍ بمعنىمفعلٍ قول عمرو بن معديكرب:
أمن ريحانة الدّاعي السّميع.......يؤرّقني وأصحابي هجوع
يريد: المسمع.
وقيل: ضريعٌ: فعيلٌ من المضارعة، أي: لأنه يشبه المرعىالجيّد، ويضارعه في الظاهر، وليس به). [المحررالوجيز: 8/ 597-599]
زاد المسير — ابن الجوزي (٥٩٧ هـ)
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿لَيْسَ لَهم طَعامٌ إلا مِن ضَرِيعٍ﴾ فِيهِ سِتَّةُ أقْوالٍ.
أحَدُها: أنَّهُ نَبْتٌ ذُو شَوْكٍ لاطِئٍ بِالأرْضِ، وتُسَمِّيهِ قُرَيْشٌ " الشِّبْرِقَ " فَإذا هاجَ سَمَّوْهُ: ضَرِيعًا، رَواهُ العَوْفِيُّ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ، وبِهِ قالَ مُجاهِدٌ، وعِكْرِمَةُ، وقَتادَةُ.
والثّانِي: أنَّهُ شَجَرٌ مِن نارٍ، رَواهُ الوالِبِيُّ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ.
والثّالِثُ: أنَّها الحِجارَةُ، قالَهُ ابْنُ جُبَيْرٍ.
والرّابِعُ: أنَّهُ السَّلَمُ، قالَهُ أبُو الجَوْزاءِ.
والخامِسُ: أنَّهُ في الدُّنْيا: الشَّوْكُ اليابِسُ الَّذِي لَيْسَ لَهُ ورَقٌ، وهو في الآخِرَةِ شَوْكٌ مِن نارٍ، قالَهُ ابْنُ زَيْدٍ.
والسّادِسُ: أنَّهُ طَعامٌ يَضْرَعُونَ إلى اللَّهِ تَعالى مِنهُ، قالَهُ ابْنُ كَيْسانَ.
قالَ المُفَسِّرُونَ: لَمّا نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ قالَ المُشْرِكُونَ: إنَّ إبِلَنا لَتَسْمَنُ عَلى الضَّرِيعِ، فَأنْزَلَ اللَّهُ تَعالى: ﴿لا يُسْمِنُ ولا يُغْنِي مِن جُوعٍ﴾ وكَذَبُوا، فَإنَّ الإبِلَ إنَّما تَرْعاهُ ما دامَ رَطِبًا، وحِينَئِذٍ يُسَمّى شِبْرِقًا، لا ضَرِيعًا، فَإذا يَبِسَ يُسَمّى: ضَرِيعًا لَمْ يَأْكُلْهُ شَيْءٌ.

لسان العرب لابن منظور (630 ه)
والضَّرِيعُ: نبات أَخضَر مُنْتِنٌ خفيف يَرْمي به البحرُ وله جوْفٌ، وقيل: هو يَبِيسُ العَرْفَجِ والخُلَّةِ، وقيل: ما دام رطباً فهو ضرِيعٌ، فإِذا يَبِسَ فهو ضرِيعٌ، فإِذا يَبِسَ فهو الشَّبْرِقُ، وهو مَرْعَى سَوءٍ لا تَعْقِدُ عليه السائمةُ شَحْماً ولا لحماً، وإِن لم تفارقه إِلى غيره ساءَت حالها. وفي التنزيل: ليس لهم طعام إِلاَّ من ضريع لا يُسْمِنُ ولا يُغني من جوع؛ قال الفراء: الضرِيعُ نبت يقال له الشَّبْرِقُ، وأَهل الحجاز يسمونه الضريع إِذا يبس، وقال ابن الأَعرابي: الضريع العوْسَجُ الرطْب، فإِذا جَفَّ فهو عَوْسَجٌ، فإِذا زاد جُفوفاً فهو الخَزِيزُ، وجاءَ في التفسير: أَن الكفار قالوا إِنَّ الضريعَ لتَسْمَنُ عليه إِبلنا، فقال الله عز وجل: لا يُسْمِنُ ولا يُغْني من جوع. وجاء في حديث أَهل النار: فيُغاثون بطعام من ضريع؛ قال ابن الأَثير: هو نبت بالحجاز له شوْكٌ كبار يقال له الشبرق؛ وقال قَيْسُ بن عَيْزارةَ الهذليّ يذكر إِبلاً وسُوءَ مَرْعاها:
وحُبِسْنَ في هَزْمِ الضَّرِيعِ ، فكُلُّها حَدْباءُ دامِيةُ اليَدَيْنِ، حَرُودُ.

الجامع لأحكام القرآن — القرطبي (٦٧١ هـ)
قَوْلُهُ تَعَالَى: لَيْسَ لَهُمْ أَيْ لِأَهْلِ النَّارِ. طَعامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ لَمَّا ذَكَرَ شَرَابَهُمْ ذَكَرَ طَعَامَهُمْ. قَالَ عِكْرِمَةُ وَمُجَاهِدٌ: الضَّرِيعُ: نَبْتٌ ذُو شَوْكٍ لَاصِقٌ بِالْأَرْضِ، تُسَمِّيهِ قُرَيْشٌ الشِّبْرِقَ إِذَا كَانَ رَطْبًا، فَإِذَا يَبِسَ فَهُوَ الضَّرِيعُ، لَا تَقْرَبُهُ دَابَّةٌ وَلَا بَهِيمَةٌ وَلَا تَرْعَاهُ، وَهُوَ سَمٌّ قَاتِلٌ، وَهُوَ أَخْبَثُ الطَّعَامِ وَأَشْنَعُهُ، عَلَى هَذَا عَامَّةُ الْمُفَسِّرِينَ. إِلَّا أَنَّ الضَّحَّاكَ رَوَى عن ابن عباس قال: هو شي يَرْمِي بِهِ الْبَحْرُ، يُسَمَّى الضَّرِيعَ، مِنْ أَقْوَاتِ الانعام لَا النَّاسِ، فَإِذَا وَقَعَتْ فِيهِ الْإِبِلُ لَمْ تَشْبَعْ، وَهَلَكَتْ هَزْلًا. وَالصَّحِيحُ مَا قَالَهُ الْجُمْهُورُ: أَنَّهُ نَبْتٌ. قَالَ أَبُو ذُؤَيْبٍ:(١)
رَعَى الشِّبْرِقَ الرَّيَّانَ حَتَّى إِذَا ذَوَى ... وَعَادَ ضَرِيعًا بَانَ مِنْهُ(٢) النَّحَائِصُ
وَقَالَ الْهُذَلِيُّ(٣) وَذَكَرَ إِبِلًا وَسُوءَ مَرْعَاهَا:
وَحُبِسْنَ فِي هَزْمِ الضَّرِيعِ فَكُلُّهَا ... حَدْبَاءُ دَامِيَةُ الْيَدَيْنِ حَرُودُ(٤)
وَقَالَ الْخَلِيلُ: الضَّرِيعُ: نَبَاتٌ أَخْضَرُ مُنْتِنُ الرِّيحِ، يَرْمِي بِهِ الْبَحْرُ. وَقَالَ الْوَالِبِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: هُوَ شَجَرٌ مِنْ نَارٍ، وَلَوْ كَانَتْ فِي الدُّنْيَا لَأَحْرَقَتِ الْأَرْضَ وَمَا عَلَيْهَا. وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: هُوَ الْحِجَارَةُ، وَقَالَهُ عِكْرِمَةُ. وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ شَجَرٌ ذُو شَوْكٍ حَسَبَ مَا هُوَ فِي الدُّنْيَا. وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قال: (الضريع: شي يَكُونُ فِي النَّارِ، يُشْبِهُ الشَّوْكَ، أَشَدُّ مَرَارَةً مِنَ الصَّبْرِ، وَأَنْتَنُ مِنَ الْجِيفَةِ، وَأَحَرُّ مِنَ النَّارِ، سَمَّاهُ اللَّهُ ضَرِيعًا (. وَقَالَ خَالِدُ بْنُ زِيَادٍ: سَمِعْتُ الْمُتَوَكِّلَ بْنَ حَمْدَانَ يُسْأَلُ عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ لَيْسَ لَهُمْ طَعامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ قَالَ: بَلَغَنِي أَنَّ الضَّرِيعَ شَجَرَةٌ مِنْ نَارِ جَهَنَّمَ، حَمْلُهَا الْقَيْحُ وَالدَّمُ، أَشَدُّ مَرَارَةً مِنَ الصَّبْرِ، فَذَلِكَ طَعَامُهُمْ. وَقَالَ الْحَسَنُ: هُوَ بَعْضُ مَا أَخْفَاهُ اللَّهُ مِنَ الْعَذَابِ. وَقَالَ ابْنُ كَيْسَانَ: هُوَ طَعَامٌ يَضْرَعُونَ عِنْدَهُ وَيَذِلُّونَ، وَيَتَضَرَّعُونَ مِنْهُ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى، طَلَبًا لِلْخَلَاصِ مِنْهُ، فَسُمِّيَ بِذَلِكَ، لِأَنَّ آكِلَهُ يَضْرَعُ فِي أَنْ يُعْفَى مِنْهُ، لِكَرَاهَتِهِ وَخُشُونَتِهِ. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ النَّحَّاسُ: قَدْ يَكُونُ مُشْتَقًّا مِنَ الضَّارِعِ، وَهُوَ الذَّلِيلُ، أَيْ ذُو ضَرَاعَةٍ، أَيْ مَنْ شَرِبَهُ ذَلِيلٌ تَلْحَقُهُ ضَرَاعَةٌ. وَعَنِ الْحَسَنِ أَيْضًا: هُوَ الزَّقُّومُ. وَقِيلَ: هُوَ وَادٍ فِي جَهَنَّمَ. فَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي موضع آخَرَ: فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْمَ هاهُنا حَمِيمٌ. وَلا طَعامٌ إِلَّا مِنْ غِسْلِينٍ(٥) [الحاقة: ٣٦ - ٣٥]. وَقَالَ هُنَا: إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ وَهُوَ غَيْرُ الْغِسْلِينِ. وَوَجْهُ الْجَمْعِ أَنَّ النَّارَ دَرَكَاتٌ، فَمِنْهُمْ مَنْ طَعَامُهُ الزَّقُّومُ، وَمِنْهُمْ مَنْ طَعَامُهُ الْغِسْلِينُ، وَمِنْهُمْ مَنْ طَعَامُهُ الضَّرِيعُ، وَمِنْهُمْ مَنْ شَرَابُهُ الْحَمِيمُ، وَمِنْهُمْ مَنْ شَرَابُهُ الصَّدِيدُ. قَالَ الْكَلْبِيُّ: الضَّرِيعُ فِي دَرَجَةٍ لَيْسَ فِيهَا غَيْرُهُ، وَالزَّقُّومُ فِي دَرَجَةٍ أُخْرَى. وَيَجُوزُ أَنْ تُحْمَلَ الْآيَتَانِ عَلَى حَالَتَيْنِ كَمَا قَالَ: يَطُوفُونَ بَيْنَها وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ(٦) [الرحمن: ٤٤]. الْقُتَبِيُّ: وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الضَّرِيعُ وَشَجَرَةُ الزَّقُّومِ نَبْتَيْنِ مِنَ النَّارِ، أَوْ مِنْ جَوْهَرٍ لَا تَأْكُلُهُ النَّارُ. وَكَذَلِكَ سَلَاسِلُ النَّارِ وَأَغْلَالُهَا وَعَقَارِبُهَا وَحَيَّاتُهَا، وَلَوْ كَانَتْ عَلَى مَا نَعْلَمُ مَا بَقِيَتْ عَلَى النَّارِ. قَالَ: وَإِنَّمَا دَلَّنَا اللَّهُ عَلَى الْغَائِبِ عِنْدَهُ، بِالْحَاضِرِ عِنْدَنَا، فَالْأَسْمَاءُ مُتَّفِقَةُ الدَّلَالَةِ، وَالْمَعَانِي مُخْتَلِفَةٌ. وَكَذَلِكَ مَا فِي الْجَنَّةِ مِنْ شَجَرِهَا وَفُرُشِهَا. الْقُشَيْرِيُّ: وَأَمْثَلُ مِنْ قَوْلِ الْقُتَبِيِّ أَنْ نَقُولَ: إِنَّ الَّذِي يُبْقِي الْكَافِرِينَ فِي النَّارِ لِيَدُومَ عَلَيْهِمُ الْعَذَابُ، يُبْقِي النَّبَاتَ وَشَجَرَةَ الزَّقُّومِ فِي النَّارِ، لِيُعَذِّبَ بِهَا الْكُفَّارَ. وَزَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنَّ الضَّرِيعَ بِعَيْنِهِ لَا يَنْبُتُ فِي النَّارِ، وَلَا أَنَّهُمْ يَأْكُلُونَهُ. فَالضَّرِيعُ مِنْ أَقْوَاتِ الْأَنْعَامِ، لَا مِنْ أَقْوَاتِ النَّاسِ. وَإِذَا وَقَعَتِ الْإِبِلُ فِيهِ لَمْ تَشْبَعْ، وَهَلَكَتْ هَزْلًا، فَأَرَادَ أَنَّ هَؤُلَاءِ يَقْتَاتُونَ بِمَا لَا يُشْبِعُهُمْ، وَضَرَبَ الضَّرِيعَ لَهُ مَثَلًا، أَنَّهُمْ يُعَذَّبُونَ بِالْجُوعِ كَمَا يُعَذَّبُ مَنْ قُوتُهُ الضَّرِيعُ. قَالَ التِّرْمِذِيُّ الْحَكِيمُ: وَهَذَا نَظَرٌ سَقِيمٌ مِنْ أَهْلِهِ وَتَأْوِيلٌ دنئ، كَأَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمْ تَحَيَّرُوا فِي قُدْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى، وَأَنَّ الَّذِي أَنْبَتَ فِي هَذَا التُّرَابِ هَذَا الضَّرِيعَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يُنْبِتَهُ فِي حَرِيقِ النَّارِ، جَعَلَ لَنَا فِي الدُّنْيَا مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ نَارًا، فَلَا النَّارُ تُحْرِقُ الشَّجَرَ، وَلَا رُطُوبَةُ الْمَاءِ فِي الشَّجَرِ تُطْفِئُ النَّارَ، فَقَالَ تَعَالَى: الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ نَارًا فَإِذا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ(٧) [يس: ٨٠]. وَكَمَا قِيلَ حِينَ نَزَلَتْ وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ عَلى وُجُوهِهِمْ [الاسراء: ٩٧]: قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ، كَيْفَ يَمْشُونَ عَلَى وجوههم؟ فقال: [الذي أَمْشَاهُمْ عَلَى أَرْجُلِهِمْ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يُمْشِيَهُمْ عَلَى وُجُوهِهِمْ [. فَلَا يَتَحَيَّرُ فِي مِثْلِ هَذَا إلا ضعيف القلب. أو ليس قَدْ أَخْبَرَنَا أَنَّهُ كُلَّما نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْناهُمْ جُلُوداً(٩) غَيْرَها [النساء: ٥٦]، وقال: سَرابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرانٍ(١٠) [إبراهيم: ٥٠]، وقال: إِنَّ لَدَيْنا أَنْكالًا(١١) [المزمل: ١٢] أَيْ قُيُودًا. وَجَحِيماً (١٢) وَطَعاماً ذَا غُصَّةٍ (١٣) قِيلَ: ذَا شَوْكٍ. فَإِنَّمَا يَتَلَوَّنُ عَلَيْهِمُ الْعَذَابُ بِهَذِهِ الأشياء.

قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774هـ) : (وقوله: {ليس لهم طعامٌ إلاّ من ضريعٍ}؛قال عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ: شجرٌ من نارٍ. وقال سعيد بن جبيرٍ: هوالزّقّوم. وعنه أنّها الحجارة. وقال ابن عبّاسٍ ومجاهدٌ وعكرمة وأبو الجوزاءوقتادة: هو الشّبرق. قال قتادة: قريشٌ تسمّيه في الرّبيع الشّبرق، وفي الصّيفالضّريع.
قال عكرمة: وهو شجرةٌ ذات شوكٍ، لاطئةٌ بالأرض.
وقال البخاريّ: قالمجاهدٌ: الضّريع: نبتٌ يقال له: الشّبرق، يسمّيه أهل الحجاز الضّريع إذا يبس. وهوسمٌّ.
وقال معمرٌ، عن قتادة: {إلاّ من ضريعٍ}؛ هوالشّبرق إذا يبس، سمّي الضّريع.
وقال سعيدٌ، عن قتادة: {ليس لهم طعامٌ إلاّ من ضريعٍ}: من شرّ الطّعام وأبشعه وأخبثه). [تفسير القرآن العظيم: 8/ 385]
قال أحمدُ بنُ عَلَيِّبنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ) : (قولُهُ: ويُقالُ: الضَّريعُ نَبْتٌيُقَالُ: له الشِّبْرِقُ تُسَمِّيهِ أهْلُ الحِجَازِ الضَّريعَ إذا يَبِسَ وهُوسُمٌّ)، هُو كلامُ الفَرَّاءِ بلَفْظِهِـ والشِّبْرِقُ بكَسْرِ المُعْجَمَةِ،بَعْدَها مُوَحَّدَةٌ؛ قَالَ الخليلُ بنُ أَحْمَدَ: هُو نَبْتٌ أَخْضَرُ مُنْتِنُالرِّيحِ يَرمِي به البَحرُ.
-
وأَخرَجَالطَّبَرِيُّ من طَرِيقِ عِكْرِمَةَ ومُجَاهدٍ قَالَ: الضَّريعُ: الشِّبرِقُ. ومنطَرِيقِ عَلِيِّ بنِ أَبِي طَلْحَةَ عنِ ابنِ عَبَّاسٍ قَالَ: الضَّريعُ شَجرٌ مننارٍ.
-
ومن طريقِ سَعِيدِ بنِ جُبَيرٍقَالَ: الحجارةُ. وقَالَ ابنُ التِّينِ: كأنَّ الضَّريعَ مُشْتَقٌّ مِنَ الضَّارعِوهُو الذَّليلُ، وقِيلَ: هُو السُّلاَّ بضَمِّ المُهْمَلَةِ وتَشْدِيدِ اللامِ وهُوشَوكُ النَّخلِ). [فتح الباري: 8 / 700-701]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : ( وَيُقالُ: الضَّرِيعُ نَبْتٌ يُقالُ لَهُ الشِّبْرِقُ يُسَمِّيهِ أهْلُ الْحِجَازِالضَّرِيعَ إذَا يَبِسَ وَهُوَ سَمٌّ).
-
الْقَائِلُ هُوَ الْفَرَّاءُ قَالَفِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلاَّ مِنْضَرِيعٍ (6) لاَ يُسْمِنُ وَلاَ يُغْنِي مِنْ جُوعٍ}؛ قَالَالْمُفَسِّرُونَ: لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ قَالَ الْمُشْرِكُونَ: إِنَّإِبِلَنَا لَتَسْمَنُ عَلَى الضَّرِيعِ فَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى: {لاَ يُسْمِنُ وَلاَ يُغْنِي مِنْ جُوعٍ}وَكَذَبُوافَإِنَّ الإِبَلَ إِنَّمَا تَرْعَاهُ إِذَا كَانَ رَطْبًا فَإِذَا يَبِسَ فَلاَتَأْكَلُهُ، وَرَطْبُهُ يُسَمَّى شِبْرِقًا بِالْكَسْرِ لاَ ضَرِيعًا، فَإِنْقُلْتَ: كَيْفَ قِيلَ: {لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلاَّ مِنْضَرِيعٍ} وَفِي الْحَاقَّةِ: {وَلاَ طَعَامٌ إِلاَّمِنْ غِسْلِينٍ}؟ قُلْتُ: الْعَذَابُ أَلْوَانٌ وَالْمُعَذَّبُونَطَبَقَاتٌ، فَمِنْهُمْ أَكَلَةُ الزَّقُّومِ، وَمِنْهُمْ أَكَلَةُ الْغِسْلِينِ،وَمِنْهُمْ أَكَلَةُ الضَّرِيعِ.
-
وَأَخْرَجَ الطَّبَرِيُّ مِنْ طَرِيقِعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: الضَّرِيعُ شَجَرٌ مِنْنَارٍ. وَقَالَ الْخَلِيلُ: هُوَ نَبْتٌ أَخْضَرُ مُنْتِنُ الرِّيحِ يُرْمَى بِهِفِي الْبَحْرِ). [عمدة القاري: 19 / 289]
قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : ( (الضَّرِيعُ) ولأَبِي ذَرٍّ: وَيُقَالُ الضَّرِيعُ (نَبْتٌ) له شَوْكٌ (يُقَالُ له: الشِّبْرِقُ) بِكَسْرِ الْمُعْجَمَةِ والرَّاءِ، بينهما مُوَحَّدَةٌساكنةٌ (تُسَمِّيهِ أَهْلُ الْحِجَازِ الضَّرِيعَ إذا يَبِسَ وهو سُمٌّ) لاتَقْرَبُهُ دَابَّةٌ لِخَبَثِهِ). [إرشاد الساري: 7 / 417]

قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍالسُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأَخْرَجَ ابنُ جَرِيرٍ، عن ابنِ عبَّاسٍ فيقولِه: {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ}؛ قالَ: السَّاعَةُ،{وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ (2) عَامِلَةٌنَاصِبَةٌ}؛ قالَ: تَعْمَلُ وتَنْصَبُ في النارِ،{تُسْقَى مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ}؛ قالَ: هي التي قدْ طَالَأَنيُهَا،{لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلاَّ مِنْضَرِيعٍ}؛ قالَ: الشِّبْرِقُ). [الدرالمنثور: 15 / 381] (م)
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍالسُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأَخْرَجَ عبدُ الرَّزَّاقِ، وعبدُ بنُحُمَيْدٍ، وابنُ جَرِيرٍ، وابنُ المُنْذِرِ، وابنُ أبي حَاتِمٍ، عن قَتَادَةَ: {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ}؛ قالَ: حديثُالساعَةِ،{وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ}؛قالَ: ذَلِيلَةٌ في النارِ،{عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ}؛قالَ: تَكَبَّرَتْ في الدنيا عن طاعةِ اللَّهِ فأَعْمَلَهَا وأَنْصَبَهَا في النارِ، {تُسْقَى مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ}؛ قالَ: أَنَى طَبْخُهامُنْذُ خَلَقَ اللَّهُ السماواتِ والأرضَ،{لَيْسَ لَهُمْطَعَامٌ إِلاَّ مِنْ ضَرِيعٍ}؛قالَ: الشِّبْرِقُ؛ شَرُّ الطعَامِوأَبْشَعُه وأَخْبَثُه). [الدر المنثور: 15 / 381] (م)
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍالسُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأَخْرَجَ ابنُ أبي حَاتِمٍ عن عِكْرِمَة فيقَوْلِهِ: {عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ}؛ قالَ: عامِلَةٌ فيالدنيا بالمعاصِي، تَنْصِبُ في النارِ يومَ القيامةِ، {إِلاَّ مِنْ ضَرِيعٍ}؛ قالَ: الشِّبْرِقُ). [الدر المنثور: 15 / 382] (م)
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍالسُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأَخْرَجَ ابنُ جَرِيرٍ وابنُ المُنْذِرِوابنُ أبي حَاتِمٍ، عن ابنِ عبَّاسٍ في قَوْلِهِ: {تَصْلَىنَاراً حَامِيَةً}؛قالَ: حَارَّةً، {تُسْقَى مِنْعَيْنٍ آنِيَةٍ}؛قالَ: انْتَهَى حَرُّهَا، {لَيْسَلَهُمْ طَعَامٌ إِلاَّ مِنْ ضَرِيعٍ}؛ يَقُولُ: مِن شَجَرٍ مِنْ نَارٍ). [الدر المنثور: 15 / 382] (م)
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍالسُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأَخْرَجَ الفِرْيَابِيُّ وهَنَّادٌ وعبدُ بنُحُمَيْدٍ وابنُ جَرِيرٍ وابنُ المُنْذِرِ وابنُ أبي حَاتِمٍ، عن مُجَاهِدٍ فيقَوْلِهِ: {مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ}؛ قالَ: قَدْبَلَغَتْ إِنَاهَا وحانَ شُرْبُها، وفي قَوْلِهِ: {إِلاَّمِنْ ضَرِيعٍ}؛ قالَ: الشِّبْرِقُ اليابِسُ). [الدر المنثور: 15 / 383](م)
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُالرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأَخْرَجَ عبدُبنُ حُمَيْدٍ، عن ابنِ عبَّاسٍ: {لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌإِلاَّ مِنْ ضَرِيعٍ}قالَ: الشِّبْرِقُ اليابِسُ). [الدر المنثور: 15 / 383-384]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍالسُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأَخْرَجَ ابنُ أبي حَاتِمٍ، عن قَتَادَةَقالَ: الضَّرِيعُ بِلُغَةِ قُرَيْشٍ في الرَّبِيعِ الشِّبْرِقُ، وفي الصَّيْفِالضَّرِيعُ). [الدر المنثور: 15 / 384]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍالسُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأَخْرَجَ عبدُ بنُ حُمَيْدٍ وابنُ جَرِيرٍوابنُ المُنْذِرِ وابنُ أبي حَاتِمٍ، عن عِكْرِمَةَ فال: الضَّرِيعُ: الشِّبرِقُشجرةٌ ذاتُ شوكٍ لاطئةٌ بالأرضِ). [الدر المنثور: 15 / 384]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُالرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأَخْرَجَ ابنُأبي شَيْبَةَ وعبدُ بنُ حُمَيْدٍ وابنُ المُنْذِرِ وابنُ أبي حَاتِمٍ، عن أبيالجَوْزَاءِ قال: الضَّرِيعُ: السُّلاءُ، وهو الشَّوْكُ، وكيفَ يَسْمَنُ مَنْ كَانَطَعَامُهُ الشَّوكَ؟ ). [الدر المنثور: 15 / 384]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍالسُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأَخْرَجَ ابنُ جَرِيرٍ وابنُ المُنْذِرِوابنُ أبي حَاتِمٍ، عن سعيدِ بنِ جُبَيْرٍ: {إِلاَّ مِنْضَرِيعٍ}؛ قالَ: مِن حِجَارَةٍ). [الدرالمنثور: 15 / 384]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍالسُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأَخْرَجَ عبدُ بنُ حُمَيْدٍ وابنُ أبيحَاتِمٍ، عن سعيدِ بنِ جُبَيْرٍ: {إِلاَّ مِنْضَرِيعٍ}؛قالَ: الزَّقُّومُ). [الدرالمنثور: 15 / 384]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُالرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأَخْرَجَ ابنُمَرْدُويَهْ، عن أبي الدَّرْدَاءِ، قالَ: قالَ رسولُ اللَّهِ [صَلَّى اللَّهُعَلَيْهِ وَسَلَّمَ]: «يُلْقَى عَلَى أَهْلِ النَّارِ الْجُوعُحَتَّى يَعْدِلَ مَا هُمْ فِيهِ مِنَ الْعَذَابِ، فَيَسْتَغِيثُونَ بِالطَّعَامِ،فَيُغَاثُونَ بِطَعَامٍ مِنْ ضَرِيعٍ لاَ يُسْمِنُ وَلاَ يُغْنِي مِنْجُوعٍ» ). [الدر المنثور: 15 / 384-385]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍالسُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأَخْرَجَ ابنُ مَرْدُويَهْ بِسَنَدٍ وَاهٍ عنابنِ عبَّاسٍ: {لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلاَّ مِنْضَرِيعٍ}؛قالَ: قالَ رسولُ اللَّهِ [صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِوَسَلَّمَ]:«شَيْءٌ يَكُونُ فِي النَّارِ شِبْهُالشَّوْكِ، أَمَرُّ مِنَ الصَّبْرِ، وَأَنْتَنُ مِنَ الْجِيفَةِ، وَأَشَدُّ حَرًّامِنَ النَّارِ، سَمَّاهُ اللَّهُ الضَّرِيعَ، إِذَا طَعِمَهُ صَاحِبُهُ لاَيَدْخُلُ الْبَطْنَ وَلاَ يَرْتَفِعُ إِلَى الْفَمِ، فَيَبْقَى بَيْنَ ذَلِكَ وَلاَيُغْنِي مِنْ جُوعٍ» ). [الدرالمنثور: 15 / 385]
التحرير والتنوير — ابن عاشور (١٣٩٣ هـ)
والضَّرِيعُ: يابِسُ الشِّبْرِقِ بِكَسْرِ الشِّينِ المُعْجَمَةِ وسُكُونِ المُوَحَّدَةِ وكَسْرِ الرّاءِ وهو نَبْتٌ ذُو شَوْكٍ إذا كانَ رَطْبًا، فَإذا يَبِسَ سُمِّيَ ضَرِيعًا وحِينَئِذٍ يَصِيرُ مَسْمُومًا وهو مَرْعًى لِلْإبِلِ ولِحُمُرِ الوَحْشِ إذا كانَ رَطْبًا، فَما يُعَذَّبُ بِأهْلِ النّارِ بِأكْلِهِ شُبِّهَ بِالضَّرِيعِ في سُوءِ طَعْمِهِ وسُوءِ مَغَبَّتِهِ.
وقِيلَ: الضَّرِيعُ اسْمٌ سَمّى القُرْآنُ بِهِ شَجَرًا في جَهَنَّمَ وأنَّ هَذا الشَّجَرَ هو الَّذِي يَسِيلُ مِنهُ الغِسْلِينُ الوارِدُ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿فَلَيْسَ لَهُ اليَوْمَ ها هُنا حَمِيمٌ﴾ [الحاقة: ٣٥] ﴿ولا طَعامٌ إلّا مِن غِسْلِينٍ﴾ [الحاقة: ٣٦] وعَلَيْهِ فَحَرْفُ مِن لِلِابْتِداءِ، أيْ: لَيْسَ لَهم طَعامٌ إلّا ما يَخْرُجُ مِنَ الضَّرِيعِ والخارِجُ هو الغِسْلِينُ وقَدْ حَصَلَ الجَمْعُ بَيْنَ الآيَتَيْنِ: ووَصْفُ ضَرِيعٍ بِأنَّهُ لا يُسْمِنُ ولا يُغْنِي مِن جُوعٍ لِتَشْوِيهِهِ وأنَّهُ تَمَحُّضٌ لِلضُّرِّ فَلا يَعُودُ عَلى آكِلِيهِ بِسِمَنٍ يُصْلِحُ بَعْضَ ما التَفَحَ مِن أجْسادِهِمْ، ولا يُغْنِي عَنْهم دَفْعَ ألَمِ الجُوعِ، ولَعَلَّ الجُوعَ مِن ضُرُوبِ تَعْذِيبِهِمْ فَيَسْألُونَ الطَّعامَ فَيُطْعَمُونَ الضَّرِيعَ فَلا يَدْفَعُ عَنْهم ألَمَ الجُوعِ.
والسِّمَنُ، بِكَسْرِ السِّينِ وفَتْحِ المِيمِ: وفْرَةُ اللَّحْمِ والشَّحْمِ لِلْحَيَوانِ يُقالُ: أسْمَنَهُ الطَّعامُ، إذا عادَ عَلَيْهِ بِالسِّمَنِ. والإغْناءُ: الإكْفاءُ ودَفْعُ الحاجَةِ. ومِن جُوعٍ مُتَعَلِّقٌ بِـ يُغْنِي وحَرْفُ مِن لِمَعْنى البَدَلِيَّةِ، أيْ: غَناءٌ بَدَلًا عَنِ الجُوعِ.
والقَصْرُ المُسْتَفادُ مِن قَوْلِهِ: ﴿لَيْسَ لَهم طَعامٌ إلّا مِن ضَرِيعٍ﴾ مَعَ قَوْلِهِ تَعالى: ﴿ولا طَعامٌ إلّا مِن غِسْلِينٍ﴾ [الحاقة: ٣٦] يُؤَيِّدُ أنَّ الضَّرِيعَ اسْمُ شَجَرِ جَهَنَّمَ يَسِيلُ مِنهُ الغِسْلِينُ.


ملحوظة: استخرجت ما لون باللون الأزرق من جهرة التفاسير ، وما لون باللون الأحمر استخرجته من الكتب الباقية ، وتعذر علي استخراج الكتب المتعلقة بالمسائل اللغوية الباقية لتعطل برنامج الشاملة لدي.

رد مع اقتباس
  #7  
قديم 14 صفر 1441هـ/13-10-2019م, 03:20 PM
هيئة التصحيح 11 هيئة التصحيح 11 غير متواجد حالياً
هيئة التصحيح
 
تاريخ التسجيل: Jan 2016
المشاركات: 2,525
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة حليمة السلمي مشاهدة المشاركة
3. إعراب {إن هذان لساحران}

النقول التي تحصّلت لي في هذه المسألة:
أ:من التفاسير التي تنقل أقوال السلف: جامع البيان لابن جرير، والكشف والبيان للثعلبي، وبحر العلوم للسمرقندي وتفسير القرآن لابن أبي زمنين وتفسير السمعاني والهداية لمكي بن أبي طالب، وزاد المسير لابن الجوزي، وأحكام القرآن للقرطبي وغيرها.
[من أهم المراجع التي نعتني بها في بحث المسائل اللغوية من التفاسير بعد المصادر الأصلية، كتاب المحرر الوجيز لابن عطية، وتفسير القرآن لابن كثير، ويمكنكِ الاكتفاء بالمصادر التي ذكرها الشيخ في الدرس لأن المسألة بحاجة لبحث أكثر في المصادر اللغوية، ومنها كتب معاني القرآن والتفاسير التي تعتني بالمسائل اللغوية]

ب:ومن كتب المرتبة الأولى: معاني القرآن للفراء، ومجاز القرآن لأبي عبيدة و معاني القرآن للأخفش الأصغر ومعاني القرآن للزجاج، وإعراب القرآن للنحاس، ولم أجد لهذه المسألة ذكرا في تأويل مشكل القرآن لابن قتيبة.
[بل موجودة في تأويل مشكل القرآن لابن قتيبة وأظنه متوفرًا ضمن مصادر الجمهرة]
ج:ومن كتب المرتبة الثانية: لم أجد ذكرا لهذه المسألة في غريب القرآن لابن قتيبة، ولا فيي ياقوتة الصراط لغلام ثعلب، أوتفسير المشكل من غريب القرآن لمكي بن أبي طالب وغيرها من كتب هذه المرتبة ؛ نظرًا لأن هذه الكتب في بيان الألفاظ والله أعلم.
د:ومن كتب المرتبة الثالثة: كتاب الجمل في النحو للخليل بن أحمد والكتاب لسيبويه والأصول في النحو لابن السراج والمقتضب للمبرّد وغيرهم.
هـ:ومن كتب المرتبة الرابعة: المحرر الوجيز لابن عطية و الكشاف للزمخشري، وحاشية الطيبي على الكشاف، والبحر المحيط لأبي حيان، والدر المصون للسمين الحلبي، والتحرير والتنوير لابن عاشور وغيرهم.
[وأين المرتبة الخامسة وهي مهمة هنا وتكون في كتب إعراب القرآن، وذكرتِ فقط كتاب إعراب القرآن للنحاس وربما تحتاجين التوسع في البحث في لغات العرب ورسم المصحف، لكن على الأقل تذكرين كتب إعراب القرآن خاصة ما يتعلق بالبحث فيما أشكل من إعراب القرآن]
أولاً: التعرّف على أقوال السلف في المسألة:
قال ابن جرير الطبري (٣١٠ هـ):
وقد اختلفت القرّاء في قراءة قوله ﴿إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ﴾ فقرأته عامة قرّاء الأمصار ﴿إنَّ هَذَانِ﴾ بتشديد إن وبالألف في هذان، وقالوا: قرأنا ذلك كذلك، وكان بعض أهل العربية من أهل البصرة يقول: "إن" خفيفة في معنى ثقيلة، وهي لغة لقوم يرفعون بها، ويدخلون اللام ليفرقوا بينها وبين التي تكون في معنى ما، وقال بعض نحويي الكوفة: ذلك على وجهين: أحدهما على لغة بني الحارث بن كعب ومن جاورهم، يجعلون الاثنين في رفعهما ونصبهما وخفضهما بالألف، وقد أنشدني رجل من الأسد عن بعض بني الحارث بن كعب:
فأطْرَقَ إطْرَاقَ الشُّجاعِ وَلَوْ رَأى ... مَساغا لِناباه الشُّجاعُ لصَمما
قال: وحكى عنه أيضا: هذا خط يدا أخي أعرفه، قال: وذلك وإن كان قليلا أقيس، لأن العرب قالوا: مسلمون، فجعلوا الواو تابعة للضمة، لأنها لا تعرب، ثم قالوا: رأيت المسلمين، فجعلوا الياء تابعة لكسرة الميم، قالوا: فلما رأوا الياء من الاثنين لا يمكنهم كسر ما قبلها، وثبت مفتوحا، تركوا الألف تتبعه، فقالوا: رجلان في كلّ حال. قال: وقد اجتمعت العرب على إثبات الألف في كلا الرجلين، في الرفع والنصب والخفض، وهما اثنان، إلا بني كنانة، فإنهم يقولون: رأيت كلي الرجلين، ومررت بكلي الرجلين، وهي قبيحة قليلة مضوا على القياس، قال: والوجه الآخر أن تقول: وجدت الألف من هذا دعامة، وليست بلام فعل، فلما بنيت زدت عليها نونا، ثم تركت الألف ثابتة على حالها لا تزول بكلّ حال، كما قالت العرب الذي، ثم زادوا نونا تدلّ على الجمع، فقالوا: الذين في رفعهم ونصبهم وخفضهم، كما تركوا هذان في رفعه ونصبه وخفضه، قال: وكان القياس أن يقولوا: اللذون، وقال آخر منهم: ذلك من الجزم المرسل، ولو نصب لخرج إلى الانبساط.
وحُدثتعنأبيعُبيدةمعمربنالمثنى،قال: قالأبوعمرووعيسىبنعمرويونس: إنهذينلساحرانفياللفظ،وكتبهذانكمايريدونالكتاب،واللفظصواب،قال: وزعمأبوالخطابأنهسمعقومامنبنيكنانةوغيرهم،يرفعونالاثنينفيموضعالجر والنصب، قال: وقال بشر بن هلال: إن بمعنى الابتداء والإيجاب، ألا ترى أنها تعمل فيما يليها، ولا تعمل فيما بعد الذي بعدها، فترفع الخبر ولا تنصبه، كما نصبت الاسم، فكان مجاز "إن هذان لساحران"، مجاز كلامين، مَخْرجه: إنه إي نعم، ثم قلت: هذان ساحران. ألا ترى أنهم يرفعون المشترك كقول ضابئ:
فَمَنْ يَكُ أمْسَى بالمَدِينَةِ رَحْلُهُ ... فإنّي وَقيار بِهَا لَغَرِيبُ
وقوله:
إنَّ السُّيوفَ غُدُوَّها ورَوَاحَها ... تَرَكَتْ هَوَازِنَ مِثْلَ قَرْنِ الأعْضَبِ
قال: ويقول بعضهم: إن الله وملائكته يصلون على النبيّ، فيرفعون على شركة الابتداء، ولا يعملون فيه إنَّ. قال: وقد سمعت الفصحاء من المحرمين يقولون: إن الحمد والنعمةَ لك والملك، لا شريك لك، قال: وقرأها قوم على تخفيف نون إن وإسكانها، قال: ويجوز لأنهم قد أدخلوا اللام في الابتداء وهي فصل، قال:
أُمُّ الحُلَيْس لَعَجُوزٌ شَهْرَبَهْ
قال: وزعم قوم أنه لا يجوز، لأنه إذا خفف نون "إن" فلا بدّ له من أن يدخل "إلا" فيقول: إن هذا إلا ساحران.
قال أبو جعفر: والصواب من القراءة في ذلك عندنا ﴿إنّ﴾ بتشديد نونها، وهذان بالألف لإجماع الحجة من القرّاء عليه، وأنه كذلك هو في خطّ المصحف، ووجهه إذا قرئ كذلك مشابهته الذين إذ زادوا على الذي النون، وأقرّ في جميع الأحوال الإعراب على حالة واحدة، فكذلك ﴿إنَّ هَذَانِ﴾ زيدت على هذا نون وأقرّ في جميع أحوال الإعراب على حال واحدة، وهي لغة الحارث بن كعب، وخثعم، وزبيد، ومن وليهم من قبائل اليمن. (جامع البيان)
قال السمرقندي (٣٧٣ هـ):
قرأ ابن كثير وعاصم في رواية حفص إِنْ هذانِ بجزم إن وتشديد نون هذانّ عند ابن كثير خاصة، وقرأ الباقون أن بالنصب والتشديد هذانِ لَساحِرانِ بالتخفيف. وقال أبو عبيد: نقرأ بهذا، ورأيت في مصحف عثمان رضي الله عنه بهذا اللفظ إن هذين لساحران إنّ هذين ليس فيه ألف، وهكذا رأيت رفع الاثنين في جميع المصاحف بإسقاط الألف، وإذا كتبوا بالنصب والخفض كتبوها بالياء. وحكى الكسائي، عن أبي الحارث بن كعب وخثعم وزيد وأهل تلك الناحية: الرفع مكان النصب وقال القائل:
أَي قلوص راكب تراها ... طاروا علاهن فطر علاها
وقال آخر:
إنَّ أبَاهَا وَأَبَا أَبَاهَا ... قَدْ بلغا في المجد غَايَتَاهَا
وقال آخر:
فَمَنْ يك أمسى بالمدينة رَحْلُه ... فَإِنِّي وَقَيَّارٍ بِهَا لَغَرِيبُ
وروى وكيع، عن الأعمش، عن إبراهيم قالوا: كانوا يرون أن الألف والياء في القراءة سواء إنّ هاذان لساحران وإنّ هاذين لساحرين سواء. وفي مصحف عبد الله إنّ هاذان ساحران وفي مصحف أبي إِنْ هذان إلّا ساحران. ( بحر العلوم)
قال ابن أبي زمنين (٣٩٩ هـ):
قَالَ مُحَمَّدٌ: قَوْله: ﴿هَذَانِ﴾ بِالرَّفْعِ؛ ذَكَرَ أَبُو عُبَيْدَةَ أَنَّهَا لُغَةٌ لِكِنَانَةَ؛ يَجْعَلُونَ أَلْفَ الِاثْنَيْنِ فِي الرَّفْعِ وَالْخَفْضِ وَالنَّصْبِ عَلَى لَفْظٍ وَاحِدٍ، وَلِأَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ فِيهِ كَلَامٌ كَثِيرٌ، وَاخْتِلَافٌ يَطُولُ ذِكْرُهُ، غَيْرُ الَّذِي ذَكَرَ أَبُو عُبَيْدَةَ. ( تفسير القرآن العزيز)
قال الثعلبي (٤٢٧ هـ):
قالُوا إِنْ هذانِ لَساحِرانِ قرأ عبد الله: واسرّوا النجوى إن هذان ساحران بفتح الألف وجزم نونه ساحران بغير لام، وقرأ ابن كثير وحفص إِنْ بكسر الالف وجزم النون هذانِ بالألف على معنى ما هذان إلّا ساحران، نظيره: قوله وَإِنْ نَظُنُّكَ لَمِنَ الْكاذِبِينَ
قال الشاعر:
ثكلتك أمّك إن قتلت لمسلما ... حلّت عليك عقوبة الرّحمن
يعني ما قتلت إلّا مسلما، يدل على صحة هذه القراءة قراءة أبي بن كعب: إن ذان إلّا ساحران ، وقرأ عيسى بن عمر الثقفي وأبو عمر بن علاء: إن هذين لساحران بالياء على الأصل، قال أبو عمرو: واني لأستحي من الله أن أقرأ إنّ هذان، وقرأ الباقون: إنّ بالتشديد هذان بالألف واختلفوا فيه، فقال قوم بما أخبرنا أبو بكر بن عبدوس وعبد الله بن حامد قالا:
حدّثنا أبو العباس الأصم قال: حدّثنا محمد بن الجهم السمري قال: حدّثنا الفرّاء قال: حدّثني أبو معاوية عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أنها سئلت عن قوله سبحانه في النساء لكِنِ الرَّاسِخُونَ وَالْمُقِيمِينَ وعن قوله في المائدة إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا وَالصَّابِئُونَ وعن قوله إِنْ هذانِ لَساحِرانِ فقالت: يا بن أخي هذا خطأ من الكاتب.
وقال عثمان بن عفان: إنّ في المصحف لحنا وستقيمه العرب بألسنتهم.
وقال أبان: قرئت هذه الآية عند عثمان فقال: لحن وخطأ، فقيل له: ألم تغيّره فقال:
دعوه فإنّه لا يحلّ حراما ولا يحرّم حلالا، وقال آخرون: هذه لغة الحارث بن كعب وخثعم وزبيد وكنانة يجعلون الأسين في رفعهما ونصبهما وخفضهما بالألف.
قال الفرّاء: أنشدني رجل من بني الأسد وما رأيت افصح منه.
وأطرق إطراق الشجاع ولو ترى ... مساغا لناباه الشجاع لصمما
ويقولون: كسرت يداه، وركبت علاه، بمعنى يديه وعليه. وقال الشاعر:
تزوّد منّا بين أذناه ضربة ... دعته إلى هابي التراب عقيم
أراد بين أذنيه. وقال آخر:
أي قلوص راكب نراها ... طاروا علاهنّ فطر علاها
أي عليهن وعليها. وقال آخر:
إنّ أباها وأبا أباها ... قد بلغا في المجد غايتاها
وروي أنّ أعرابيا سأل ابن الزبير شيئا فحرّمه فقال: لعن الله ناقة حملتني إليك، فقال ابن الزبير: إن وصاحبها، يعني نعم. وقال الشاعر:
بكرت عليّ عواذلي يلحينني وألومهنّه ... ويقلن شيب قد علاك وقد كبرت فقلت إنّه
أي نعم، وقال الفرّاء: وفيه وجه آخر: وهو أن يقول: وجدت الألف دعامة من هذا على حالها لا تزول في كل حال، كما قالت العرب: الذي ثمّ زادوا نونا يدلّ على الجمع فقالوا:
الذين في رفعهم ونصبهم وخفضهم وكناية تقول: اللّذون. ( الكشف والبيان)
قال مكي بن أبي طالب (٤٣٧ هـ):
ومن شدد "إن" ورفع "هذان"، فقد خرج العلماء فيها سبعة أقوال: فالأول: أن يكون بمعنى نعم. حكى سيبويه أن "إن" تأتي بمعنى أجل. واختار هذا القول المبرد وإسماعيل القاضي والزجاج وعلي بن سليمان.
واستبعد الزجاج قراءة أبي عمرو "إن هذين" لمخالفتها للمصحف.
وقال علي بن أبي طالب: لا أحصي كم سمعت رسول الله ﷺ على منبره يقول: إن الحمدُ لله نحمده ونستعينه، يعني يرفع الحمد يجعل "إن" بمعنى "أجل". ومعنى: أجل: نعم. ثم يقول: أنا أفصح قريش كلها، وأفصحها بعدي سعيد بن إبان بن العاصي. وكذلك كانت خطباء الجاهلية تفتتح خطبها بـ "نعم"، وكذلك وقعت في أشعارها. قال الشاعر:
قالت غدرت، فقلت: إن وربما ∗∗∗نالالعُليوشقىالخليلالغادر
وقال ابن قيس الرقيات:
بكرت على عواذ لي ∗∗∗يلحيننيوألومهنه
ويقلن شيب قد علاك ∗∗∗وقدكبرت فقلت إنه
وأنشد ثعلب:
ليت شعري هل للمحب شفاء ∗∗∗منجوىحبهنإناللقاء.
أي: نعم.
فهذا قول حسن لولا دخول اللام في الخبر.
وقد قيل: إن اللام يراد بها التقديم، وهو أيضاً بعيد، إنما يجوز التقديم في اللام وهي مؤخرة في الشعر.
لكن الزجاج قال: التقدير: نعم هذان لهما ساحران. فتكون اللام داخلة على الابتداء في المعنى، كما قال: أم الحليس لعجوز شهربة.
وقيل: إن اللام يراد بها التقديم.
وقيل: هي في موضعها، و "لعجوز" مبتدأ، وشهربة الخبر، والجملة خبر عن اللام.
والقول الثاني: ما حكاه أبو زيد والكسائي والأخفش والفراء أنها لغة لبني الحارث بن كعب، يقولون: رأيت الزيدان ومررت بالزيدان، وأنشدوا.
- فأطرق إطراق الشجاع ولو يرى ∗∗∗مساغاًلناباهالشجاعلصمماً
وأنشدوا أيضاً:
- تزود منا بين أذناه طعنة على ∗∗∗رأسهتلقىالعظاممنالفم.
وحكى أبو الخطاب أنها لغة لبني كنانة.
وحكى غيره أنها لغة خثعم. وهذا القول قول، حسن، لا نطعن فيه لثقة الناقلين لهذه اللغة، وتواتر نقلهم واتفاقهم على ذلك، وقد نقلها أبو زيد، وكان سيبويه إذا قال حدثني من أثق به، فإياه يعني.
ورواه الأخفش، وهو ممن روى عنه سيبويه، وقول سيبويه في ألف التثنية أنها حرف الأعراب، يدل على أن حكمها لا تتغير عن لفظها، كما لا تتغير الدال من زيد، فجاءت في هذه الآية على الأصل، كما جاء "استحوذ" على الأصل.
والقول الثالث: قاله الفراء. قال: الألف في "هذان" دعامة، ليست بلام الفعل، فزدت عليها نوناً ولم أغيرها، كما قلت "الذي" ثم زدت عليه نوناً، ولم أغيرها، فقلت "الذين" في الرفع والنصب والجر.
والقول الرابع: يحكى عن بعض الكوفيين أن الألف في هذان مشبهة بألف يفعلان، فلم تغير كما لا يغير ألف يفعلان.
والقول الخامس: حكاه الزجاج. قال: القدماء يقولون: الهاء مضمرة ها هنا، والمعنى: أنه هذان لساحران، ويعترض هذا القول دخول اللام في الخبر.
والقول السادس: قاله ابن كيسان، قال: سألني إسماعيل ابن إسحاق عنها، فقلت: القول عندي، أنه لما كان يقال هذا في موضع الرفع والنصب والجر، وكانت التثنية يجب ألا تغير، أجريت التثنية مجرى الواحد. فقال إسماعيل: ما أحسن هذا، لو تقدمك أحد بالقول به، حتى تؤنس به. فقلت: فيقول القاضي به حتى يؤنس به، فتبسم.
والقول السابع: حكاه أبو عمرو وغيره، أنه من غلط الكاتب.
روي أن عثمان وعائشة رضي الله عنهما قالا: إن في الكتاب غلطاً ستقيمه العرب بألسنتها.
وعنهما: إن في الكتاب لحناً ستقيمه العرب بألسنتها. وهذا القول قد طعن فيه، لأن أصحاب النبي ﷺ قد أجمعوا على صحة ما بين اللوحين، فلا يمكن أن يجتمعوا على غلط.
فأما من خفف "إن" فإنه رفع ما بعدها، لنقصها عن وزن الفعل ويجوز أن يكون أعملها مخففة على الثقيلة، كما يعمل الفعل محذوفاً عمله وهو غير محذوف، إلا أنه أتى بـ "هذان"، على الوجوه التي ذكرنا، فأتى بالألف في النصب.
فأما من شدد نون "هذان"، فإنه جعل التشديد عوضاً مما حذف من هذا في التثنية.
وعن الكسائي والفراء في: "إن هذان" قولان تركنا ذكرهما لبعد تأويلهما في ذلك. ( الهداية إلى بلوغ النهاية)
قال السمعاني (٤٨٩ هـ):
اعْلَم أَن هَذِه الْآيَة مشكلة فِي الْعَرَبيَّة، وفيهَا ثَلَاث قراءات:
قَرَأَ أَبُو عَمْرو: " إِن هذَيْن لساحران "، وَقَرَأَ حَفْص: " إِن هَذَانِ لساحران "، وَقَرَأَ الْبَاقُونَ: " إِن هَذَانِ لساحران ".
أما قِرَاءَة أبي عَمْرو: فَهِيَ المستقيمة على ظَاهر الْعَرَبيَّة، وَزعم أَبُو عَمْرو أَن " هَذَانِ " غلط من الْكَاتِب فِي الْمُصحف.
وَعَن عُثْمَان - رَضِي الله عَنهُ - أَنه قَالَ: أرى فِي الْمُصحف لحنا، (تستقيمه) الْعَرَب بألسنتها. وَمثله عَن عَائِشَة - رَضِي الله عَنْهَا -.
وَأما قِرَاءَة حَفْص: فَهِيَ مُسْتَقِيمَة أَيْضا على الْعَرَبيَّة؛ لِأَن إِن مُخَفّفَة يكون مَا بعْدهَا مَرْفُوعا، وَمَعْنَاهُ: مَا هَذَانِ إِلَّا ساحران.
وَأما قِرَاءَة الْأَكْثَرين - وَهُوَ الْأَصَح - قَالَ الزّجاج: لَا نرضى قِرَاءَة أبي عَمْرو فِي هَذِه الْآيَة؛ لِأَنَّهَا خلاف الْمُصحف، وَأما وَجه قَوْله: ﴿إِن هَذَانِ﴾ فَلهُ وُجُوه فِي الْعَرَبيَّة: أما القدماء من النَّحْوِيين فَإِنَّهُم قَالُوا: " هُوَ على تَقْدِير: إِنَّه هَذَانِ، فَحذف الْهَاء، وَمثله كثير فِي الْعَرَبيَّة، وَالْوَجْه الثَّانِي: أَن هَذَا لُغَة كنَانَة وخثعم (وزبيد) ، وَقَالَ الْكسَائي: لُغَة بلحارث بن كَعْب من كنَانَة، وَأنْشد الْكسَائي شعرًا:
(تزَود مني بَين أذنَاهُ ضَرْبَة ... دَعَتْهُ إِلَى هَذِه التُّرَاب عقيم)
وَأنْشد غَيره:
(إِن أَبَاهَا وَأَبا أَبَاهَا قد ... بلغا فِي الْمجد غايتاها)
وأنشدوا أَيْضا:
(أَي قلُوص رَاكب ترَاهَا ... طاروا علاهن فطر علاها)
أَي: عَلَيْهِنَّ.
قَالَ الْكسَائي: على هَذِه اللُّغَة يَقُولُونَ: أَتَانِي الزيدان، وَرَأَيْت الزيدان، ومررت بالزيدان، وَلَا يتركون ألف التَّثْنِيَة فِي شَيْء مِنْهَا.
وَأما الْوَجْه الثَّالِث، هُوَ أصح الْوُجُوه، فَإِن الْقُرْآن لَا يحمل على اللُّغَة الْبَعِيدَة؛ وَهُوَ أَن معنى قَوْله: ﴿إِن هَذَانِ﴾ أَي: نعم هَذَانِ، قَالَ الشَّاعِر:
(بكر العواذل فِي الصَّباح ... يلمنني وألومهن)
(وَيَقُلْنَ شيب قد علاك ... وَقد كَبرت فَقلت إِنَّه) أَي: نعم
وَرُوِيَ أَن أَعْرَابِيًا أَتَى عبد الله بن الزبير يطْمع شَيْئا، فَلم (يحصل) لَهُ طمعه، فَقَالَ الْأَعرَابِي: لعن الله نَاقَة حَملتنِي إِلَيْك، فَقَالَ ابْن الزبير: إِن، وصاحبها، أَي: نعم. وَفِي قِرَاءَة أبي بن كَعْب: " إِن ذَاك إِلَّا ساحران "، وَهِي شَاذَّة. ( تفسير القرآن)
قال ابن الجوزي (٥٩٧ هـ):
واخْتَلَفَ القُرّاءُ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿إنْ هَذانِ لَساحِرانِ﴾،
فقَرَأ عاصِمٌ في رِوايَةِ حَفْصٍ: ( إنْ ) خَفِيفَةً ( هَذانِ ) خَفِيفَةً أيْضًا. وقَرَأ نافِعٌ، وابْنُ عامِرٍ، وحَمْزَةُ، والكِسائِيُّ: ( إنَّ ) بِالتَّشْدِيدِ ( هاذانِ ) بِألِفٍ ونُونٍ خَفِيفَةٍ.
وأمّا قِراءَةُ عاصِمٍ فَمَعْناها: ما هَذانِ إلّا ساحِرانِ، كَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿وَإنْ نَظُنُّكَ لَمِنَ الكاذِبِينَ﴾ [ الشُّعَراء: ١٨٦ ]؛ أيْ: ما نَظُنُّكَ إلّا مِنَ الكاذِبِينَ، وأنْشَدُوا في ذَلِكَ:
ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ إنْ قَتَلْتَ لَمُسْلِمًا ∗∗∗حَلَّتْ عَلَيْهِ عُقُوبَةُ المُتَعَمِّدِ
أيْ: ما قَتَلْتَ إلّا مُسْلِمًا. قالَ الزَّجّاجُ: ويَشْهَدُ لِهَذِهِ القِراءَةِ ما رُوِيَ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، أنَّهُ قَرَأ: ( ما هَذانِ إلّا ساحِرانِ )، ورُوِيَ عَنْهُ: ( إنْ هَذانِ إلّا ساحِرانِ )، ورُوِيَتْ عَنِ الخَلِيلِ: ( إنْ هَذانِ ) بِالتَّخْفِيفِ، والإجْماعُ عَلى أنَّهُ لَمْ يَكُنْ أحَدٌ أعْلَمَ بِالنَّحْوِ مِنَ الخَلِيلِ. فَأمّا قِراءَةُ الأكْثَرِينَ بِتَشْدِيدِ ( إنْ ) وإثْباتِ الألِفِ في قَوْلِهِ: ( هَذانِ )، فَرَوى عَطاءٌ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ أنَّهُ قالَ: هي لُغَةُ بَلْحارِثِ بْنِ كَعْبٍ. وقالَ ابْنُ الأنْبارِيِّ: هي لُغَةٌ لِبَنِي الحارِثِ بْنِ كَعْبٍ وافَقَتْها لُغَةُ قُرَيْشٍ. قالَ الزَّجّاجُ: وحَكى أبُو عُبَيْدَةَ عَنْ أبِي الخَطّابِ، وهو رَأْسٌ مِن رُؤُوسِ الرُّواةِ: أنَّها لُغَةٌ لِكِنانَةَ، يَجْعَلُونَ ألِفَ الِاثْنَيْنِ في الرَّفْعِ والنَّصْبِ والخَفْضِ عَلى لَفْظٍ واحِدٍ، يَقُولُونَ: أتانِي الزَّيْدانِ، ورَأيْتُ الزَّيْدانِ، ومَرَرْتُ بِالزَّيْدانِ، وأنْشَدُوا:
فَأطْرَقَ إطْراقَ الشُّجاعِ ولَوْ رَأى ∗∗∗مَساغًالَناباهُالشُّجاعُلَصَمَّما
وَيَقُولُ هَؤُلاءِ: ضَرَبْتُهُ بَيْنَ أُذُناهُ. وقالَ النَّحْوِيُّونَ القُدَماءُ: هاهُنا هاءٌ مُضْمَرَةٌ، المَعْنى: إنَّهُ هَذانِ لَساحِرانِ. وقالُوا أيْضًا: إنَّ مَعْنى ( إنْ ): نَعَمْ هَذانِ لَساحِرانِ، ويُنْشِدُونَ:
ويَقُلْنَ شَيْبٌ قَدْ عَلا ∗∗∗كَوقَدْكَبِرْتَ فَقُلْتُ إنَّهْ
قالَ الزَّجّاجُ: والَّذِي عِنْدِي وكُنْتُ عَرَضْتُهُ عَلى عالِمِنا مُحَمَّدِ بْنِ يَزِيدَ، وعَلى إسْماعِيلَ بْنِ إسْحاقَ بْنِ حَمّادِ بْنِ زَيْدٍ، فَقَبِلاهُ وذَكَرا أنَّهُ أجْوَدُ ما سَمِعْناهُ في هَذا، وهو أنَّ ( إنْ ) قَدْ وقَعَتْ مَوْقِعَ ( نَعَمْ )، والمَعْنى: نَعَمْ هَذانِ لَهُما السّاحِرانِ، ويَلِي هَذا في الجَوْدَةِ مَذْهَبُ بَنِي كِنانَةَ، وأسْتَحْسِنُ هَذِهِ القِراءَةَ؛ لِأنَّها مَذْهَبُ أكْثَرِ القُرّاءِ وبِها يُقْرَأُ، وأسْتَحْسِنُ قِراءَةَ عاصِمٍ والخَلِيلِ؛ لِأنَّهُما إمامانِ ولِأنَّهُما وافَقا أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ في المَعْنى، ولا أُجِيزُ قِراءَةَ أبِي عَمْرٍو لِخِلافِ المُصْحَفِ. وحَكى ابْنُ الأنْبارِيِّ عَنِ الفَرّاءِ، قالَ: ألِفُ ( هَذانِ ) هي ألِفُ ( هَذا )، والنُّونُ فَرَّقَتْ بَيْنَ الواحِدِ والتَّثْنِيَةِ، كَما فَرَّقَتْ نُونُ ( الَّذِينَ ) بَيْنَ الواحِدِ والجَمْعِ.( زاد المسير).
قال القرطبي (٦٧١ هـ):
وَقَرَأَ الزُّهْرِيُّ وَالْخَلِيلُ بْنُ أَحْمَدَ وَالْمُفَضَّلُ وَأَبَانٌ وَابْنُ مُحَيْصِنٍ وَابْنُ كَثِيرٍ وَعَاصِمٌ: فِي رِوَايَةِ حَفْصٍ عَنْهُ" إِنْ هذانِ "بِتَخْفِيفِ" إِنْ" "لَساحِرانِ" وَابْنُ كَثِيرٍ يُشَدِّدُ نُونَ "هَذَانَ". وَهَذِهِ الْقِرَاءَةُ سَلِمَتْ مِنْ مُخَالَفَةِ الْمُصْحَفِ وَمِنْ فَسَادِ الْإِعْرَابِ، وَيَكُونُ مَعْنَاهَا مَا هَذَانَ إِلَّا سَاحِرَانِ. وَقَرَأَ الْمَدَنِيُّونَ وَالْكُوفِيُّونَ: "إِنَّ هَذَانِ" بِتَشْدِيدِ "إِنَّ"" لَساحِرانِ "فَوَافَقُوا الْمُصْحَفَ وَخَالَفُوا الْإِعْرَابَ.
ثم قال القرطبي : قُلْتُ: وَلِلْعُلَمَاءِ فِي قِرَاءَةِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَالْكُوفَةِ سِتَّةُ أَقْوَالٍ ذَكَرَهَا ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ فِي آخِرِ كِتَابِ الرَّدِّ لَهُ، وَالنَّحَّاسُ فِي إِعْرَابِهِ، وَالْمَهْدَوِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ، وَغَيْرُهُمْ أَدْخَلَ كَلَامَ بَعْضِهِمْ فِي بَعْضٍ. وَقَدْ خَطَّأَهَا قَوْمٌ حَتَّى قَالَ أَبُو عَمْرٍو: إِنِّي لَأَسْتَحِي مِنَ الله [تعالى أَنْ أَقْرَأَ" إِنْ هذانِ ". وَرَوَى عُرْوَةُ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّهَا سُئِلَتْ عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى "لكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ" ثُمَّ قَالَ: "وَالْمُقِيمِينَ" وَفِي "الْمَائِدَةِ" ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا وَالصَّابِئُونَ﴾ [المائدة: ٦٩] وَ" إِنْ هذانِ لَساحِرانِ [٢٠: ٦٣] "فَقَالَتْ: يَا ابْنَ أُخْتِي! هَذَا خَطَأٌ مِنَ الْكَاتِبِ. وَقَالَ عُثْمَانُ ابن عَفَّانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: فِي الْمُصْحَفِ لَحْنٌ وَسَتُقِيمُهُ الْعَرَبُ بِأَلْسِنَتِهِمْ. وَقَالَ أَبَانُ بْنُ عُثْمَانَ: قَرَأْتُ هَذِهِ الْآيَةَ عِنْدَ أَبِي عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ، فَقَالَ: لَحْنٌ وَخَطَأٌ، فَقَالَ لَهُ قَائِلٌ: أَلَا تُغَيِّرُوهُ؟ فَقَالَ: دَعُوهُ فَإِنَّهُ لَا يُحَرِّمُ حلالا ولا يحلل حرما. الْقَوْلُ الْأَوَّلُ مِنَ الْأَقْوَالِ السِّتَّةِ: أَنَّهَا لُغَةُ بنى الحرث بْنِ كَعْبٍ وَزُبَيْدٍ وَخَثْعَمَ. وَكِنَانَةَ بْنِ زَيْدٍ يجعلون رفع الاثنين ونصبه وخفضه بالألف، يَقُولُونَ: جَاءَ الزَّيْدَانِ وَرَأَيْتُ الزَّيْدَانِ وَمَرَرْتُ بِالزَّيْدَانِ، ومنه قوله تعالى:" وَلا أَدْراكُمْ بِهِ " [يونس: ١٦] عَلَى مَا تَقَدَّمَ. وَأَنْشَدَ الْفَرَّاءُ لِرَجُلٍ مِنْ بَنِي أَسَدٍ - قَالَ: وَمَا رَأَيْتُ أَفْصَحَ مِنْهُ:
فَأَطْرَقَ إِطْرَاقَ الشُّجَاعِ وَلَوْ يَرَى ... مَسَاغًا لِنَابَاهُ الشُّجَاعُ لَصَمَّمَا
وَيَقُولُونَ: كَسَرْتُ يَدَاهُ وَرَكِبْتُ عَلَاهُ، بمعنى يديه وعليه، قال شاعرهم: تَزَوَّدَ مِنَّا بَيْنَ أُذْنَاهُ ضَرْبَةً ... دَعَتْهُ إِلَى هابي التراب عقيم
وَقَالَ آخَرُ:
طَارُوا عَلَاهُنَّ فَطِرْ عَلَاهَا
أَيْ عَلَيْهِنَّ وَعَلَيْهَا. وَقَالَ آخَرُ: إِنَّ أَبَاهَا وَأَبَا أَبَاهَا ... قَدْ بَلَغَا فِي الْمَجْدِ غَايَتَاهَا
أَيْ إن أبا أبيها وغايتها. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ النَّحَّاسُ: وَهَذَا الْقَوْلُ مِنْ أَحْسَنِ مَا حُمِلَتْ عَلَيْهِ الْآيَةُ، إِذْ كَانَتْ هَذِهِ اللُّغَةُ مَعْرُوفَةً، وَقَدْ حَكَاهَا مَنْ يُرْتَضَى بِعِلْمِهِ وَأَمَانَتِهِ، مِنْهُمْ أَبُو زَيْدٍ الْأَنْصَارِيُّ، وَهُوَ الَّذِي يَقُولُ: إِذَا قَالَ سِيبَوَيْهِ حَدَّثَنِي مَنْ أَثِقُ بِهِ فَإِنَّمَا يَعْنِينِي، وَأَبُو الْخَطَّابِ الْأَخْفَشُ وَهُوَ رَئِيسٌ مِنْ رُؤَسَاءِ اللُّغَةِ، وَالْكِسَائِيُّ وَالْفَرَّاءُ كلهم قالوا هذا على لغة بني الحرث بْنِ كَعْبٍ. وَحَكَى أَبُو عُبَيْدَةَ عَنْ أَبِي الْخَطَّابِ أَنَّ هَذِهِ لُغَةُ بَنِي كِنَانَةَ. الْمَهْدَوِيُّ: وَحَكَى غَيْرُهُ أَنَّهَا لُغَةٌ لِخَثْعَمَ. قَالَ النَّحَّاسُ وَمِنْ أَبْيَنِ مَا فِي هَذَا قَوْلُ سِيبَوَيْهِ: وَاعْلَمْ أَنَّكَ إِذَا ثَنَّيْتَ الْوَاحِدَ زِدْتَ عَلَيْهِ زَائِدَتَيْنِ، الْأُولَى مِنْهُمَا حَرْفُ مَدٍّ وَلِينٍ وَهُوَ حَرْفُ الْإِعْرَابِ، قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ فَقَوْلُ سِيبَوَيْهِ: وَهُوَ حَرْفُ الْإِعْرَابِ، يُوجِبُ أَنَّ الْأَصْلَ أَلَّا يتغير، فيكون "إن هذان" جاء عَلَى أَصْلِهِ لِيُعْلَمَ ذَلِكَ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى ﴿اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطانُ﴾ [المجادلة: ١٩] وَلَمْ يَقُلِ اسْتَحَاذَ، فَجَاءَ هَذَا لِيَدُلَّ عَلَى الْأَصْلِ، وَكَذَلِكَ "إِنْ هَذَانِ" وَلَا يُفَكَّرُ فِي إنكار من أنكر هذه اللغة إذ كَانَ الْأَئِمَّةُ قَدْ رَوَوْهَا. الْقَوْلُ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ "إِنْ" بِمَعْنَى نَعَمْ، كَمَا حَكَى الْكِسَائِيُّ عَنْ عَاصِمٍ قَالَ: الْعَرَبُ تَأْتِي بِ"- إِنْ "بِمَعْنَى نَعَمْ، وَحَكَى سِيبَوَيْهِ أَنَّ" إِنْ" تَأْتِي بِمَعْنَى أَجَلْ، وَإِلَى هَذَا الْقَوْلِ كَانَ مُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ الْقَاضِي يَذْهَبَانِ، قَالَ النَّحَّاسُ: وَرَأَيْتُ أَبَا إِسْحَاقَ الزَّجَّاجَ وَعَلِيَّ بْنَ سُلَيْمَانَ يَذْهَبَانِ إِلَيْهِ. الزَّمَخْشَرِيُّ: وَقَدْ أُعْجِبَ بِهِ أَبُو إِسْحَاقَ. النَّحَّاسُ: وَحَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ السَّلَامِ النَّيْسَابُورِيُّ، ثُمَّ لَقِيتُ عَبْدَ الله بن أحمد [هذا فَحَدَّثَنِي، قَالَ حَدَّثَنِي عُمَيْرُ بْنُ الْمُتَوَكِّلِ، قَالَ حدثنا محمد ابن موسى النوفلي من ولد حرث بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، قَالَ حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ جميع الكوفي عن جعفر ابن مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَلِيٍّ- وَهُوَ ابْنُ الْحُسَيْنِ- عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ، قَالَ: لَا أُحْصِي كَمْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ عَلَى مِنْبَرِهِ: "إِنَّ الْحَمْدُ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ" ثُمَّ يَقُولُ: "أَنَا أَفْصَحُ قريش كلها وأفصحها بعدي أبان ابن سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ" قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ الْخَفَّافُ قَالَ عُمَيْرٌ: إِعْرَابُهُ عِنْدَ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ وَالنَّحْوِ "إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ" بِالنَّصْبِ إِلَّا أَنَّ الْعَرَبَ تَجْعَلُ "إِنَّ" فِي مَعْنَى نَعَمْ كَأَنَّهُ أَرَادَ ﷺ نَعَمِ الْحَمْدُ لِلَّهِ، وذلك أن خطباء الجاهلية كانت تفتتح [في خُطَبَهَا بِنَعَمْ. وَقَالَ الشَّاعِرُ فِي مَعْنَى نَعَمْ:
قَالُوا غَدَرْتَ فَقُلْتُ إِنَّ وَرُبَّمَا ... نَالَ الْعُلَا وَشَفَى الْغَلِيلَ الْغَادِرُ
وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ قَيْسُ الرُّقَيَّاتِ:
بَكَرَ الْعَوَاذِلُ فِي الصَّبَا ... حَ يَلُمْنَنِي وَأَلُومُهُنَّهْ
وَيَقُلْنَ شَيْبٌ قَدْ عَلَا ... كَ وَقَدْ كَبِرْتَ فَقُلْتُ إِنَّهْ
فَعَلَى هَذَا جَائِزٌ أَنْ يَكُونَ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: "إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ" بِمَعْنَى نَعَمْ وَلَا تُنْصَبُ. قَالَ النَّحَّاسُ: أَنْشَدَنِي دَاوُدُ بْنُ الْهَيْثَمِ، قَالَ أَنْشَدَنِي ثَعْلَبٌ:
لَيْتَ شِعْرِي هَلْ لِلْمُحِبِّ شِفَاءٌ ... مِنْ جوى حبهن إن اللقاء
قَالَ النَّحَّاسُ: وَهَذَا قَوْلٌ حَسَنٌ إِلَّا أَنَّ فِيهِ شَيْئًا لِأَنَّهُ إِنَّمَا يُقَالُ: نَعَمْ زَيْدٌ خارج، ولا تكاد تقع اللام ها هنا، وَإِنْ كَانَ النَّحْوِيُّونَ قَدْ تَكَلَّمُوا فِي ذَلِكَ فَقَالُوا: اللَّامُ يُنْوَى بِهَا التَّقْدِيمُ، كَمَا قَالَ:
خَالِي لَأَنْتَ وَمَنْ جَرِيرٌ خَالُهُ ... يَنَلِ الْعَلَاءَ وَيُكْرِمِ الْأَخْوَالَا
آخَرُ:
أُمُّ الْحُلَيْسِ لَعَجُوزٌ شَهْرَبَهْ ... تَرْضَى مِنَ الشَّاةِ بِعَظْمِ الرَّقَبَهْ
أَيْ لَخَالِي وَلَأُمِّ الْحُلَيْسِ، وَقَالَ الزَّجَّاجُ: وَالْمَعْنَى فِي الْآيَةِ إِنَّ هَذَانِ لَهُمَا سَاحِرَانِ ثُمَّ حَذَفَ الْمُبْتَدَأَ. الْمَهْدَوِيُّ: وَأَنْكَرَهُ أَبُو عَلِيٍّ وَأَبُو الْفَتْحِ بْنُ جِنِّيٍّ. قَالَ أَبُو الْفَتْحِ: "هُمَا" الْمَحْذُوفُ لَمْ يُحْذَفْ إِلَّا بَعْدَ أَنْ عُرِفَ، وَإِذَا كَانَ مَعْرُوفًا فَقَدِ اسْتُغْنِيَ بِمَعْرِفَتِهِ عَنْ تَأْكِيدِهِ بِاللَّامِ، وَيَقْبُحُ أَنْ تَحْذِفَ الْمُؤَكَّدَ وَتَتْرُكَ الْمُؤَكِّدَ. الْقَوْلُ الثالث: قاله الفراء أيضا [قال: وَجَدْتُ الْأَلِفَ دِعَامَةً لَيْسَتْ بِلَامِ الْفِعْلِ فَزِدْتُ عَلَيْهَا نُونًا وَلَمْ أُغَيِّرْهَا كَمَا قُلْتُ: "الَّذِي" ثُمَّ زِدْتُ عَلَيْهِ نُونًا فَقُلْتُ: جَاءَنِي الَّذِينَ عِنْدَكَ، وَرَأَيْتُ الَّذِينَ عِنْدَكَ، وَمَرَرْتُ بِالَّذِينَ عِنْدَكَ. الْقَوْلُ الرَّابِعُ: قَالَهُ بَعْضُ الْكُوفِيِّينَ قَالَ الْأَلِفُ فِي "هَذَانَ" مُشَبَّهَةٌ بِالْأَلِفِ فِي يَفْعَلَانِ فَلَمْ تُغَيَّرْ. الْقَوْلُ الْخَامِسُ: قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ: النَّحْوِيُّونَ القدماء يقولون الهاء ها هنا مُضْمَرَةٌ، وَالْمَعْنَى إِنَّهُ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ، قَالَ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ: فَأُضْمِرَتِ الْهَاءُ الَّتِي هِيَ مَنْصُوبُ "إِنْ" وَ" هذانِ "خَبَرُ" إِنْ "وَ" سَاحِرَانِ "يَرْفَعُهَا" هُمَا" الْمُضْمَرُ [وَالتَّقْدِيرُ إِنَّهُ هَذَانَ لَهُمَا سَاحِرَانِ. وَالْأَشْبَهُ عِنْدَ أَصْحَابِ أَهْلِ هَذَا الْجَوَابِ أَنَّ الْهَاءَ اسْمُ "إِنْ" وَ "هذانِ" رُفِعَ بِالِابْتِدَاءِ وَمَا بَعْدَهُ خَبَرُ الِابْتِدَاءِ. الْقَوْلُ السَّادِسُ: قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ النَّحَّاسُ وَسَأَلْتُ أَبَا الْحَسَنِ بْنَ كَيْسَانَ عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ، فَقَالَ: إِنْ شِئْتَ أَجَبْتُكَ بِجَوَابِ النَّحْوِيِّينَ، وَإِنْ شِئْتَ أَجَبْتُكَ بِقَوْلِي، فَقُلْتُ: بِقَوْلِكَ، فَقَالَ: سَأَلَنِي إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ عَنْهَا فَقُلْتُ: الْقَوْلُ عِنْدِي أَنَّهُ لَمَّا كَانَ يُقَالُ: "هَذَا" فِي مَوْضِعِ الرَّفْعِ وَالنَّصْبِ وَالْخَفْضِ عَلَى حَالٍ وَاحِدَةٍ، وَكَانَتِ التَّثْنِيَةُ يَجِبُ أَلَّا يغير لها الواحد أجريت التثنية مجرى الواحد فَقَالَ: مَا أَحْسَنَ هَذَا لَوْ تَقَدَّمَكَ أَحَدٌ بِالْقَوْلِ بِهِ حَتَّى يُؤْنَسَ بِهِ، قَالَ ابْنُ كَيْسَانَ: فَقُلْتُ لَهُ: فَيَقُولُ الْقَاضِي بِهِ حَتَّى يؤنس به، فتبسم. (الجامع لأحكام القرآن)
ثانياً: جمع أقوال اللغويين في هذه المسألة:
قال الخليل بن أحمد الفراهيدي(ت:170هـ):
وأما قول الله تبارك و تعالى "إن هذان لساحران" فقد ذكر ابن عباس أنه قال :إن الله -تبارك اسمه- اأزل القران بلغة كل حي من أحياء العرب .فنزلت هذه الآية بلغة بني الحارث بن كعب لأنهم يجعلون المثني بالألف في كل وجه مرفوعا فيقلون :رأيت الرجلان و مررت بالرجلان و أتاني الرجلان
إنما صار كذلك لأن الألف أخف بنات المد و اللين .
قال الشاعر :
نصرانية قد ولدت نصرانيا **اعرف منها الجيد و العينانا
رفع المثنى في كل وجه وقال :العينانا
وقال بعضهم في هذا النحو :
تزود منا بين أذناه ضربه **دعته إلى هابي التراب عقيم
قال "أذناه" وهو في موضع الخفض. ( الجمل في النحو )
قال أبو زكريا الفراء (٢٠٧ هـ):
وقوله: ﴿إِنْ هَـٰذَانِ لَسَاحِرَانِ﴾ قد اختلف فيه القراء فقال بعضهم: هو لحن ولكنا نمضى عليه لئلاّ نخالف الكتاب. حدَّثنا أبو العباس قال حدثنا محمد قال حدثنا الفراء قال حدثنى أبو معاوية الضرير عَنْ هاشم بن عُروة بن الزُبَير عن أَبيه عن عَائِشة أَنها سُئِلت عن قوله فى النساء ﴿لَكِنِ الراسِخُونَ فىِ العِلْمِ مِنْهمْ .... والمُقِيمِينَ الصلاةَ﴾ وعن قوله فى المائدة ﴿إِنَ الذِينَ آمَنوا والّذِين هَادُوا والصَّابِئُونَ﴾ وعن قوله ﴿إِنَّ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ﴾ فقالت: يا بن أَخى هذا كان خطأ من الكاتب. وقرأَ أَبو عمرو ﴿إنَّ هَذَيْنِ لَساحِرَان﴾ واحتجّ أَنه بلغه عن بعض أَصحاب محمد صَلى الله عَليه وسَلم أنه قال: إن فى المصحف لَحْناً وستقيمه العرب.
قال الفراء: ولست أشتهى على (أن أخالف الكتاب وقرأ بعضهم (إنْ هَذَان لساحران) خفيفة وفى قراءة عبدالله: (وأسروا النجوى أَن هذان ساحران) وفى قراءة أُبَىّ (إنْ ذان إلاّ ساحران) فقراءتنا بتشديد (إنّ) وبالألف على جهتين.
إحداهمَا على لغة بنى الحارث بن كعب: يجعلون الاثنين فى رفعهما ونصبهما وَخفضهما بالألِف وأنشدنى رجل من الأَسْد عنهم. يريد بنى الحارث: فأَطرق إطراق الشجاع ولو يرى * مَسَاغاً لِناباه الشجاعُ لصَمّما قال: وما رأيت أفصح من هذا الأسْدىّ وحكى هذا الرجل عنهم: هذا خطُّ يَدَا أخى بعينه. وذلك - وإن كان قليلاً - أقيسُ؛ لأنَّ العرب قالوا: مسلمون فجعَلوا الواو تابعة للضمَّة (لأن الواو لا تعرب) ثم قالوا: رأيت المسلمين فجعلوا اليَاء تابعة لكسرة الميم. فلمَّا رأوا أن الياء من الاثينين لا يمكنهم كسرُ ما قبلها، وثبت مفتوحاً: تركوا الألِف تتبعه، فقالوا: رجلان فى كل حَال. وقد اجتمعت العرب على إثبات الألف فى كِلاَ الرجلين فى الرفع والنصب والخفض وهما اثنان، إلاّ بنى كنانة فإنهم يقولون: رَأيت كِلَىِ الرجلين ومررت بكلَى لرجلين. وهى قبيحة قليلة، مَضَوا عَلَى القياس.
والوجه الآخر أن تقول: وجدت الألف (من هذا دِعامة وليست بلام فعل، فلمَّا ثنَيت زدتُ عليهَا نوناً ثم تركت الألف) ثابتة على حالها لا تزول على كلّ حال؛ كما قالت العرب (الذى) ثم زادوا نوناً تدلّ عَلَى الجِمَاع، فقالوا: الذين في رفعهم ونصبهم وخفضهم كما تركوا (هذان) فى رفعه ونصبه وخفضه. وكنانة يقولون (اللَّذُونَ). (معاني القرآن)
قال أبو عبيدة معمر بن المثنى (٢٠٩ هـ):
﴿إِنْ هذانِ لَساحِرانِ﴾ قال أبو عمرو وعيسى ويونس «إنّ هذين لساحران» فى اللفظ وكتب «هذان» كما يزيدون وينقصون في الكتاب واللفظ صواب. وزعم أبو الخطّاب أنه سمع قوما من بنى كنانة وغيرهم يرفعون الاثنين فى موضع الجر والنصب، قال بشر بن هلال «إِنْ» بمعنى الابتداء والإيجاب، ألا ترى أنها تعمل فيما يليها ولا تعمل فيما بعد الذي بعدها فترفع الخبر ولا تنصبه كما تنصب الاسم فكان مجاز
«إِنْ هذانِ لَساحِرانِ» مجاز كلامين، مخرجه: إنه أي نعم، ثم قلت: هذان ساحران، ألا ترى أنهم يرفعون المشرك كقوله:
فمن يك أمسى بالمدينة رحله ... فإنّى وقيّار بها لغريب
وقوله:
إنَّ شَرخ الشَّباب والشّعر الأسود ... ما لم يعاص كان جنونا
وقوله:
إنّ السيوف غدوّها ورواحها ... تركت هوازن مثل قرن الأعضب
ويقول بعضهم ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ﴾ فيرفعون ملائكته على شركة الابتداء ولا يعملون فيها «إن» ، وقال سمعت الفصحاء من المحرمين يقولون: إنّ الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك.
وقرأها قوم على تخفيف نون «إن» وإسكانها وهو يجوز لأنهم قد أدخلوا اللام فى الابتداء وهى فضل، قال:
﴿أم الحليس لعجوز شهربه﴾ وزعم قوم أنه لا يجوز لأنه إذا خفّف نون «إن» فلا بد له من أن يدخل إلّا فيقول: إن هذان إلّا ساحران. ( مجاز القرآن)
قال لأخفش الأوسط (٢١٥ هـ):
وقال ﴿إِنْ هَـٰذَانِ لَسَاحِرَانِ﴾ خفيفة في معنى ثقيلة. وهي لغة لقوم يرفعون ويدخلون اللام ليفرقوا بينها وبين التي تكون في معنى "ما" ونقرؤها ثقيلة وهي لغة لبني الحارث بن كعب. (معاني القرآن)
قال محمد بن يزيد المبرد ( 285هـ):
فَإِن قَالَ قَائِل فَمَا بالها لما خففت من الثَّقِيلَة الْمَكْسُورَة اختير بعْدهَا الرّفْع وَلم يصلح ذَلِك فِي المخففة من الْمَفْتُوحَة إِلَّا أَن ترفع على أَن يضمر فِيهَا قيل لِأَن الْمَفْتُوحَة وَمَا بعْدهَا مصدر فَلَا معنى لَهَا فِي الإبتداء والمكسورة إِنَّمَا دخلت على الإبتداء وَخَبره فَلَمَّا نقصت عَن وزن الْفِعْل رَجَعَ الْكَلَام إِلَى أَصله وَمن رأى النصب بهَا أَو بالمفتوحة مَعَ التَّخْفِيف قَالَ هما بِمَنْزِلَة الْفِعْل فَإِذا خففتا كَانَتَا بِمَنْزِلَة فعل مَحْذُوف مِنْهُ فالفعل يعْمل محذوفا عمله تَاما فَذَلِك قَوْلك لم يَك زيد مُنْطَلقًا فَعمل عمله وَالنُّون فِيهِ والأقيس الرّفْع فِيمَا بعْدهَا لِأَن إِن إِنَّمَا أشبهت الْفِعْل بِاللَّفْظِ لَا بِالْمَعْنَى فَإِذا نقص اللَّفْظ ذهب الشّبَه وَلذَلِك الْوَجْه الآخر وَجه من الْقيَاس كَمَا ذكرت لَك وَكَانَ الْخَلِيل يقْرَأ {إِن هَذَانِ لساحران} فَيُؤَدِّي خطّ الْمُصحف وَمعنى إنَّ الثَّقِيلَة فِي قِرَاءَة ابْن مَسْعُود {إنَّ ذانِ لَسَاحِرانِ} (ص364 - كتاب المقتضب)
قال الزجاج (٣١١ هـ):
وهَذا الحَرْفُ مِن كِتابِ اللَّهِ - عَزَّ وجَلَّ - مُشْكِلٌ عَلى أهْلِ اللُّغَةِ، وقَدْ كَثُرَ اخْتِلافُهم في تَفْسِيرِهِ، ونَحْنُ نَذْكُرُ جَمِيعَ ما قالَهُ النَّحْوِيُّونَ، ونُخْبِرُ بِما نَظُنُّ أنَّهُ الصَّوابُ، واللَّهُ أعْلَمُ.
وَقَبْلَ شَرْحِ إعْرابِهِ نُخْبِرُ بِقِراءَةِ القُرّاءِ، أمّا قِراءَةُ أهْلِ المَدِينَةِ، والأكْمَهِ، في القِراءَةِ، فَبِتَشْدِيدِ ”إنَّ“، والرَّفْعِ في ”هَذانِ“، وكَذَلِكَ قَرَأ أهْلُ العِراقِ، حَمْزَةُ، وعاصِمٌ - في رِوايَةِ أبِي بَكْرِ بْنِ عَيّاشٍ -، والمَدَنِيُّونَ.
وَرُوِيَ عَنْ عاصِمٍ: ”إنْ هَذانِ“، بِتَخْفِيفِ ”إنْ“، ويُصَدِّقُ ما قَرَأهُ عاصِمٌ في هَذِهِ القِراءَةِ ما يُرْوى عَنْ أُبَيٍّ، فَإنَّهُ قَرَأ: ”ما هَذانِ إلّا ساحِرانِ“، ورُوِيَ أيْضًا عَنْهُ أنَّهُ قَرَأ: ”إنْ هَذانِ إلّا ساحِرانِ“، ورُوِيَتْ عَنِ الخَلِيلِ أيْضًا: ”إنْ هَذانِ لَساحِرانِ“، بِالتَّخْفِيفِ، والإجْماعُ أنَّهُ لَمْ يَكُنْ أحَدٌ بِالنَّحْوِ أعْلَمَ مِنَ الخَلِيلِ، وقَرَأ أبُو عَمْرٍو، وعِيسى بْنُ عُمَرَ: ”إنَّ هَذَيْنِ لَساحِرانِ“، بِتَشْدِيدِ ”إنَّ“، ونَصْبِ ”هَذَيْنِ“.
فَهَذِهِ الرِّوايَةُ فِيهِ، فَأمّا احْتِجاجُ النَّحْوِيِّينَ، فاحْتِجاجُ أبِي عَمْرٍو في مُخالَفَتِهِ المُصْحَفَ في هَذا أنَّهُ رُوِيَ أنَّهُ مِن غَلَطِ الكاتِبِ، وأنَّ في الكِتابِ غَلَطًا سَتُقِيمُهُ العَرَبُ بِألْسِنَتِها، يُرْوى ذَلِكَ عَنْ عُثْمانَ بْنِ عَفّانَ، وعَنْ عائِشَةَ - رَحِمَهُما اللَّهُ -، وأمّا الِاحْتِجاجُ في ”إنَّ هَذانِ“، بِتَشْدِيدِ ”إنَّ“، ورَفْعِ ”هَذانِ“، فَحَكى أبُو عُبَيْدَةَ عَنْ أبِي الخَطّابِ - وهو رَأْسٌ مِن رُؤَساءِ الرُّواةِ -، أنَّها لُغَةٌ لِكِنانَةَ، يَجْعَلُونَ ألِفَ الِاثْنَيْنِ في الرَّفْعِ، والنَّصْبِ، والخَفْضِ، عَلى لَفْظٍ واحِدٍ، يَقُولُونَ: ”أتانِي الزَّيْدانِ“، و”رَأيْتُ الزَّيْدانِ“، ومَرَرْتُ بِالزَّيْدانِ"، وهَؤُلاءِ يُنْشِدُونَ:
فَأطْرَقَ إطْراقَ الشُّجاعِ ولَوْ رَأى مَساغًا لِناباهُ الشُّجاعُ لَصَمَّما
وَهَؤُلاءِ أيْضًا يَقُولُونَ: ”ضَرَبْتُهُ بَيْنَ أُذُناهُ“، و”مَن يَشْتَرِي مِنِّي الخُفّانِ؟“، وكَذَلِكَ رَوى أهْلُ الكُوفَةِ أنَّها لُغَةٌ لِبَنِي الحَرْثِ بْنِ كَعْبٍ، قالَ النَّحْوِيُّونَ القُدَماءُ: هَهُنا هاءٌ مُضْمَرَةٌ، المَعْنى: ”إنَّهُ هَذانِ لَساحِرانِ“، وَقالُوا أيْضًا: إنَّ مَعْنى ”إنْ“، مَعْنى ”نَعَمْ“، اَلْمَعْنى: ”نَعَمُ هَذانِ لَساحِرانِ“، ويُنْشِدُونَ:
وَيَقُلْنَ شَيْبٌ قَدْ عَلا ∗∗∗كَ وقَدْ كَبِرْتَ فَقُلْتُ إنَّهْ
وَيَحْتَجُّونَ بِأنَّ هَذِهِ اللّامَ أصْلُها أنْ تَقَعَ في الِابْتِداءِ، وأنَّ وُقُوعَها في الخَبَرِ جائِزٌ، ويُنْشِدُونَ في ذَلِكَ:
خالِي لَأنْتَ ومَن جَرِيرٌ خالُهُ ∗∗∗يَنَلِالعَلاءَويُكْرِمِالإخْوانا
وَأنْشَدُوا أيْضًا:
أُمُّ الحُلَيْسِ لَعَجُوزٌ شَهْرَبَةْ ∗∗∗تَرْضىمِنَالشّاةِبِعَظْمِالرَّقَبَةْ
قالُوا: اَلْمَعْنى: ”لَأنْتَ خالِي“، والمَعْنى: ”لَأُمُّ الحُلَيْسِ عَجُوزٌ“، وقالَ الفَرّاءُ في هَذا: إنَّهم زادُوا فِيها النُّونَ في التَّثْنِيَةِ، وتَرَكُوا الألِفَ عَلى حالِها في الرَّفْعِ، والنَّصْبِ، والجَرِّ، كَما فَعَلُوا في ”اَلَّذِي“، فَقالُوا: ”اَلَّذِينَ“، في الرَّفْعِ، والنَّصْبِ، والجَرِّ، فَهَذا جَمِيعُ ما احْتَجَّ بِهِ النَّحْوِيُّونَ، والَّذِي عِنْدِي - واللَّهُ أعْلَمُ -، وكُنْتُ عَرَضْتُهُ عَلى عالِمَيْنا، مُحَمَّدِ بْنِ يَزِيدَ، وعَلى إسْماعِيلَ بْنِ إسْحاقَ بْنِ حَمّادِ بْنِ زَيْدٍ القاضِي، فَقَبِلاهُ، وذَكَرا أنَّهُ أجْوَدُ ما سَمِعاهُ في هَذا، وهُوَ: ”إنْ“، قَدْ وقَعَتْ مَوْقِعَ ”نَعَمْ“، وأنَّ اللّامَ وقَعَتْ مَوْقِعَها، وأنَّ المَعْنى: ”هَذانِ لَهُما ساحِرانِ“ . والَّذِي يَلِي هَذِهِ في الجَوْدَةِ مَذْهَبُ بَنِي كِنانَةَ في تَرْكِ ألِفِ التَّثْنِيَةِ عَلى هَيْئَةٍ واحِدَةٍ، لِأنَّ حَقَّ الألِفِ أنْ تَدُلَّ عَلى الِاثْنَيْنِ، وكانَ حَقُّها ألّا تَتَغَيَّرَ، كَما لَمْ تَتَغَيَّرْ ألِفُ ”رَحًى“، و”عَصًا“، ولَكِنْ كانَ نَقْلُها إلى الياءِ في النَّصْبِ، والخَفْضِ، أبْيَنَ وأفْضَلَ لِلتَّمْيِيزِ بَيْنَ المَرْفُوعِ، والمَنصُوبِ، والمَجْرُورِ. فَأمّا قِراءَةُ عِيسى بْنِ عُمَرَ، وأبِي عَمْرِو بْنِ العَلاءِ، فَلا أُجِيزُها، لِأنَّها خِلافُ المُصْحَفِ، وكُلُّ ما وجَدْتُهُ إلى مُوافَقَةِ المُصْحَفِ أقْرَبَ لَمْ أُجِزْ مُخالَفَتَهُ، لِأنَّ اتِّباعَهُ سُنَّةٌ، وما عَلَيْهِ أكْثَرُ القُرّاءِ، ولَكِنِّي أسْتَحْسِنُ ”إنْ هَذانِ لَساحِرانِ“، بِتَخْفِيفِ ”إنْ“، وفِيهِ إمامانِ، عاصِمٌ، والخَلِيلُ، ومُوافَقَةُ أُبَيٍّ في المَعْنى، وإنْ خالَفَهُ اللَّفْظُ. وَيُسْتَحْسَنُ أيْضًا ”إنَّ هَذانِ“، بِالتَّشْدِيدِ، لِأنَّهُ مَذْهَبُ أكْثَرِ القُرّاءِ، وبِهِ يُقْرَأُ، وهو قَوِيٌّ في العَرَبِيَّةِ.( معاني القرآن وإعرابه)
قال ابن السراج (المتوفى: 316هـ):
واعلم: أنَّ "إن وأن" تخففان, فإذا خففتا فلك أن تعملهما, ولك أن لا تعملهما أما من لم يعملهما, فالحجة له: أنه إنما أعمل لما أشبهت الفعل بأنها على ثلاثة أحرف وأنها مفتوحة. فلما خففت زال الوزن والشبه. والحجة لمن أعمل أن يقول: هما بمنزلة الفعل. فإذا خففتا كانتا بمنزلة فعل محذوف. فالفعل يعمل محذوفًا عمله تامًا وذلك قولك: لم يك زيد منطلقًا فعمل عمله والنون فيه والأقيس في "أن": أن يرفع ما بعدها إذا خففت وكان الخليل يقرأ: "إِنْ هَذَا لَسَاحِرَانِ"1 فيؤدي خط المصحف2, ولا بدّ من إدخال اللام على الخبر إذا خففت إن المكسورة تقول: إنِ الزيدان لمنطلقان, وإنْ هذا لمنطلقان/ 264 كيلا يلتبس "بإن" التي تكون نفيًا في قولك: إن زيد قائم, تريد: ما زيد بقائم وإذا نصب الاسم بعدها لم يحتج إلى اللام, لأن النصب دليل, فكان سيبويه لا يرى في "إن" إذا كانت بمعنى "ما" إلا رفع الخبر3 لأنها حرف نفي دخل على ابتداء وخبر, كما تدخل ألف الاستفهام, ولا تغير الكلام وذلك مذهب بني تميم.
(كتاب الأصول في النحو ص235)
قال أبو جعفر النحاس (٣٣٨ هـ):
قالُوا إِنْ هذانِ لَساحِرانِ فيه ست قراءات، قرأ المدنيون والكوفيون إنّ هذان لساحران وقرأ أبو عمرو إنّ هذين لساحران وهذه القراءة مروية عن الحسن وسعيد بن جبير وإبراهيم النخعي وعيسى بن عمر وعاصم الجحدري، وقرأ الزهري وإسماعيل بن قسطنطين والخليل بن أحمد وعاصم في إحدى الروايتين إِنْ هذانِ لَساحِرانِ بتخفيف إن.
فهذه ثلاث قراءات، قد رواها الجماعة عن الأئمة. وروي عن عبد الله بن مسعود إن هذان إلّا ساحران وقال الكسائي: في قراءة عبد الله إن هذان ساحران بغير لام، وقال الفراء : في حرف أبيّ إن ذان إلّا ساحران فهذه ثلاث قراءات أخرى، تحمل على التفسير، إلا أنها جائز أن يقرأ بها لمخالفتها المصحف. قال أبو جعفر: القراءة الأولى للعلماء فيها ستة أقوال: منها أن يكون إنّ بمعنى نعم، كما حكى الكسائي عن عاصم قال العرب:
تأتي بإنّ بمعنى نعم، وحكى سيبويه: أنّ «إنّ» تأتي بمعنى أجل. وإلى هذا القول كان محمد بن يزيد وإسماعيل بن إسحاق يذهبان. قال أبو جعفر: ورأيت أبا إسحاق وأبا الحسن علي بن سليمان يذهبان إليه. وحدّثنا علي بن سليمان قال: حدّثنا عبد الله بن أحمد بن عبد السّلام النيسابوري، ثمّ لقيت عبد الله بن أحمد هذا فحدّثني قال: حدّثنا عمير بن المتوكل قال: حدّثنا محمد بن موسى النوفلي من ولد حارث بن عبد المطلب قال: حدّثنا عمرو بن جميع الكوفي عن جعفر بن محمد عن أبيه عن علي وهو علي بن الحسين عن أبيه عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه. قال: لا أحصي كم سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على منبره يقول: «إنّ الحمد لله نحمده ونستعينه ثم يقول: أنا أفصح قريش كلّها وأفصحها بعدي أبان بن سعيد بن العاص" قال أبو محمد: قال عمير: إعرابه عند أهل العربية في النحو إنّ الحمد لله بالنصب إلّا أن العرب تجعل «إنّ» في معنى نعم كأنه أراد: نعم الحمد لله، وذلك أن خطباء الجاهلية كانت تفتتح في خطبتها بنعم، وقال الشاعر في معنى نعم:
قالوا: غدرت فقلت إنّ وربّما ... نال العلى وشفى الغليل الغادر
وقال ابن قيس الرقيات:
بكر العواذل في الصّبوح ... يلمنني وألومهنّه
ويقلن شيب قد علاك ... وقد كبرت، فقلت: إنّه
فعلى هذا جائز أن يكون قول الله عزّ وجلّ: إِنْ هذانِ لَساحِرانِ بمعنى نعم.
قال أبو جعفر: أنشدني داود بن الهيثم قال: أنشدني ثعلب:
ليت شعري هل للمحبّ شفاء ... من جوى حبّهنّ إنّ اللّقاء
أي: نعم، فهذا قول. وقال أبو زيد والكسائي والأخفش والفراء: هذا على لغة بني الحارث بن كعب. قال الفراء: يقولون: رأيت الزّيدان، ومررت بالزّيدان وأنشد: [الطويل]
فأطرق إطراق الشّجاع ولو يرى ... مساغا لناباه الشّجاع لصمّما
وحكى أبو الخطاب أنّ هذه لغة بني كنانة، وللفراء قول آخر قال: وجدت الألف دعامة ليست بلام الفعل فزدت عليها نونا ولم أغيرها، كما قلت: الذي، ثم زدت عليها نونا فقلت: جاءني الذين عندك، ورأيت الذين عندك. قال أبو جعفر: وقيل: شبّهت الألف في قولك: هذان بالألف في يفعلان، فلم تغير. قال أبو إسحاق: النحويون القدماء يقولون: الهاء هاهنا مضمرة، والمعنى: إنّه هذان لساحران. فهذه خمسة أقوال، قال أبو جعفر: وسألت أبا الحسن بن كيسان عن هذه الآية فقال: إن شئت أجبتك بجواب النحويين، وإن شئت أجبتك بقولي فقلت: بقولك، فقال: سألني إسماعيل بن إسحاق عنها فقلت: القول عندي أنه لما كان يقال: هذا في موضع الرفع والنصب والخفض على حال واحدة، وكانت التثنية يجب أن لا يغيّر لها الواحد أجريت التثنية مجرى الواحد، فقال: ما أحسن هذا لو تقدّمك بالقول به حتى يؤنس به، فقلت: فيقول القاضي «به» حتى يؤنس به فتبسّم. قال أبو جعفر: القول الأول أحسن إلّا أنّ فيه شيئا لأنه إنما قال: إنما يقال: نعم زيد خارج، ولا يكاد يقع اللام هاهنا، وإن كان النحويون قد تكلّموا في ذلك فقالوا: اللّام ينوى بها التقديم. وقال أبو إسحاق: المعنى إنّ هذان لهما ساحران، ثمّ حذف المبتدأ كما قال: [الرجز]
أمّ الحليس لعجوز شهربه
والقول الثاني من أحسن ما حملت عليه الآية إذ كانت هذه اللّغة معروفة، وقد حكاها من يرتضى علمه وصدقه وأمانته، منهم أبو زيد الأنصاري، وهو الذي يقول إذا قال سيبويه: حدّثني من أثق به فإنما يعنيني. وأبو الخطاب الأخفش، وهو رئيس من رؤساء أهل اللغة، روى عنه سيبويه وغيره. ومن بين ما في هذا قول سيبويه: واعلم أنّك إذا ثنّيت الواحد زدت عليه زائدتين، الأولى منهما حرف مدّ ولين، وهو حرف الإعراب. قال أبو جعفر: فقول سيبويه: وهو حرف الإعراب، يوجب أنّ الأصل أن لا يتغير إنّ هذان، جاء على أصله ليعلم ذلك وقد قال الله جلّ وعزّ: اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطانُ [المجادلة: 19] ولم يقل: استحاذ، فجاء على هذا ليدل على الأصل إذ كان الأئمة قد رووها وتبيّن أنها الأصل، وهذا بيّن جدا. وَيَذْهَبا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلى تأنيث أمثل، كما يقال: الأفضل والفضلى، وأنّثت الطريقة على اللفظ، وإن كان يراد بها الرجال، ويجوز أن يكون التأنيث على معنى الجماعة. ( إعراب القرآن)

قال الزمخشري (٥٣٨ هـ):
وقيل في القراءة المشهورة إِنْ هذانِ لَساحِرانِ هي لغة بلحرث بن كعب، جعلوا الاسم المثنى نحو الأسماء التي آخرها ألف، كعصا وسعدى، فلم يقلبوها ياء في الجر والنصب. وقال بعضهم: إِنْ بمعنى نعم. ولَساحِرانِ خبر مبتدأ محذوف، واللام داخلة على الجملة تقديره: لهما ساحران. وقد أعجب به أبو إسحاق. (الكشاف)
قال ابن عطية (٥٤٦ هـ):
وأمّا مِن قَرَأ: "إنْ" خَفِيفَةً، فَهي عن سِيبَوَيْهٍ المُخَفَّفَةُ مِنَ الثَقِيلَةِ ويَرْتَفِعُ بَعْدَها الِاسْمُ، ويَقُولُ الفِراءُ: هي بِمَعْنى "ما" واللامُ بِمَعْنى "إلّا" ووَجْهُ سائِرِ القِراءاتِ بَيِّنٌ. ( المحرر الوجيز)
قال شرف الدين الحسين بن عبد الله الطيبي (المتوفى: 743 هـ):
قوله: جعلوا الاسم المُثنى نحو الأسماء التي آخرها ألفٌ كعصا، قال الزجاج: حكى أبو عبيدة عن أبي الخطاب، وهو رأسٌ من رؤساء الرواة، أنها لغةٌ لكنانة يجعلون ألف الاثنين في الرفع والنصب والخفض على لفظ واحد، وينشدون:
فأطرق إطراق الشجاع ولو يرى ... مساغاً لناباه الشجاع لصمما
ويقولون: ضربته بين أذناه، وكذلك روى الكوفيون أنها لغة لبني الحاث بن عب، وقالت النحاة القدماء: إن الضمير فيه مضمر، أي: إن هذان لساحران، وقالوا أيضاً: إن معنى "إنْ": نعم، وينشدون.ويقلن شيبٌ قد علا ... ك وقد كبرت فقلتُ إنه
وحكى صاحب "المطلع": أن أعرابياً أتى ابن الزبير يستجديه فلم يعطه شيئاً. فقال: لعن الله ناقةً حملتني إليك، قال ابن الزبير: إن وراكبها، أي: نعم.
وقال ابن الحاجب في "الأمالي": وهذه القراءة مشكلة، وأهرها أن (هذان) مبني لأنه من أسماء الإشارة، فجاء في الرفع والنصب والجر على حالٍ واحدة، وهي لغةٌ واضحةٌ، ومما يُقويها أن اختلاف الصيغ في اللغة الأخرى ليس إعراباً في التحقيق، لوجود علة البناء من غير معارض؛ لأن العلة في هذا وهؤلاء كونها اسم إشارة.
وقال: "إنْ" بمعنى "نعم": شاذ. قوله: (وقال بعضهم: "إنْ" بمعنى: نعم)، وقد أُعجب به أبو إسحاق، أي: الزجاج، قال بعدما نقل كلام النحويين: هذا جميعُ ما اتجوا به، والذي عندي - والله أعلمُ - وكنتُ عرضته على عالمينا: محمد بن يزيد، يعني: المبرد، وعلى إسماعيل بن إسحاق فقبلاه وذرا أنه أجود ما سمعاه في هذا المعنى: أن تقديره: نعم هذان لهما ساحران، وأن اللام قد وقعت موقعها، أي: دخلت على المبتدأ لا الخبر. وقال النحاة أصل هذا اللام أن تقع في الابتداء ووقوعها في الخبر جائزٌ، وأنشدوا:
أم الحليس لعجوزٌ شهربه ... ترضى من اللحم بعظم الرقبة
أي: لأم الحُليس عجوزٌ.
وقال أبو عليٍّ في "الإغفال": هذا غيرُ مرضي؛ لأن اللام للتأكيد، ويقبح أن يُذكر للتأكيد ويُحذف نفسُ المؤكد؛ لأن التأكيد إنما يُحتاج إليه فيما خيف لبسه على السامع، فإذا بلغ به الحال التي يستجاز معها حذفه لعلم المخاطب به استغنى لذلك عن التأكيد، ولهذا حمل النحويون قوله: "أمُّ الحُليس لعجوزٌ" على الضرورة، حيث أدخل اللام على الخبر وحقها أن تدخل على المبتدأ، ولو كان للي ذكره وجهٌ ما حملوا هذا على الضرورة بل قدروا فيه ما قدروه في قوله: ويحذفُ نفسُ المؤكد نظراً لأن المؤكد مضمونُ الجملةِ، كما نص عليه المصنف في قوله: (وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى) [الضحى: 5].ثم قال أبو علي: فإن قلت: أليسوا قد أجازوا حذف الخبر في نحو:إن مُحلاً وإن مُرتحلاً وإذا لم يُمنع الحذفُ في الخبر مع "إنْ" لم يمتنع في المبتدأ مع اللام؟ قلتُ: لا يلزمُ من جواز هذا جوازُ ذاك وإن اجتمعا في التأكيد وتلقي القسم؛ لأن "إنْ" مشبهةٌ بـ"لا" من حيث كانت تعملُ عملها وكانت نقيضتها، وحملُ النقيض على النقيض شائعٌ، وإنما حسُن الحذفُ مع "لا"؛ لأن المنفي في تقدير التكرير لأنه لا يقعُ إلا بعد إثبات مُثبت وبعد إثباته يحسنُ الحذفُ، وكفى بدخول اللام شاهد صدقٍ، ما روي عن أفصح من نطق بالضاد من قوله: "أغبطُ أوليائي عندي، لمؤمنٌ خفيفُ الحاذ". أخرجه أحمد والترمذي وابن ماجه، عن أبي أمامة. (حاشية الطيبي على الكشاف)
قال أبو حيان (٧٤٥ هـ):
وقَرَأ أبُو جَعْفَرٍ والحَسَنُ وشَيْبَةُ والأعْمَشُ وطَلْحَةُ وحُمَيْدٌ وأيُّوبُ وخَلَفٌ في اخْتِيارِهِ وأبُو عُبَيْدٍ وأبُو حاتِمٍ وابْنُ عِيسى الأصْبَهانِيُّ وابْنُ جَرِيرٍ وابْنُ جُبَيْرٍ الأنْطاكِيُّ والأخَوانِ والصّاحِبانِ مِنَ السَّبْعَةِ (إنَّ) بِتَشْدِيدِ النُّونِ (هَذانِ) بِألِفٍ ونُونٍ خَفِيفَةٍ ﴿لَساحِرانِ﴾ واخْتُلِفَ في تَخْرِيجِ هَذِهِ القِراءَةِ. فَقالَ القُدَماءُ مِنَ النُّحاةِ إنَّهُ عَلى حَذْفِ ضَمِيرِ الشَّأْنِ، والتَّقْدِيرُ إنَّهُ هَذانِ لَساحِرانِ، وخَبَرُ (إنَّ) الجُمْلَةُ مِن قَوْلِهِ (هَذانِ لَساحِرانِ) واللّامُ في ﴿لَساحِرانِ﴾ داخِلَةٌ عَلى خَبَرِ المُبْتَدَأِ، وضُعِّفَ هَذا القَوْلُ بِأنَّ حَذْفَ هَذا الضَّمِيرِ لا يَجِيءُ إلّا في الشِّعْرِ، وبِأنَّ دُخُولَ اللّامِ في الخَبَرِ شاذٌّ.
وقالَ الزَّجّاجُ: اللّامُ لَمْ تَدْخُلْ عَلى الخَبَرِ بَلِ التَّقْدِيرُ لَهُما ساحِرانِ فَدَخَلَتْ عَلى المُبْتَدَأِ المَحْذُوفِ، واسْتَحْسَنَ هَذا القَوْلَ شَيْخُهُ أبُو العَبّاسِ المُبَرِّدُ والقاضِي إسْماعِيلُ بْنُ إسْحاقَ بْنِ حَمّادِ بْنِ زَيْدٍ. وقِيلَ: (ها) ضَمِيرُ القِصَّةِ ولَيْسَ مَحْذُوفًا، وكانَ يُناسِبُ عَلى هَذا أنْ تَكُونَ مُتَّصِلَةً في الخَطِّ فَكانَتْ كِتابَتُها ﴿إنْ هَذانِ لَساحِرانِ﴾ وضُعِّفَ ذَلِكَ مِن جِهَةِ مُخالَفَتِهِ خَطَّ المُصْحَفِ. وقِيلَ (إنْ) بِمَعْنى نَعَمْ، وثَبَتَ ذَلِكَ في اللُّغَةِ فَتُحْمَلُ الآيَةُ عَلَيْهِ و﴿هَذانِ لَساحِرانِ﴾ مُبْتَدَأٌ وخَبَرٌ، واللّامُ في ﴿لَساحِرانِ﴾ عَلى ذَيْنَكِ التَّقْدِيرَيْنِ في هَذا التَّخْرِيجِ، والتَّخْرِيجُ الَّذِي قَبْلَهُ، وإلى هَذا ذَهَبَ المُبَرِّدُ وإسْماعِيلُ بْنُ إسْحاقَ وأبُو الحَسَنِ الأخْفَشُ الصَّغِيرُ، والَّذِي نَخْتارُهُ في تَخْرِيجِ هَذِهِ القِراءَةِ أنَّها جاءَتْ عَلى لُغَةِ بَعْضِ العَرَبِ مِن إجْراءِ المُثَنّى بِالألِفِ دائِمًا وهي لُغَةٌ لِكِنانَةَ، حَكى ذَلِكَ أبُو الخَطّابِ، ولِبَنِي الحارِثِ بْنِ كَعْبٍ، وخَثْعَمٍ وزُبَيْدٍ وأهْلِ تِلْكَ النّاحِيَةِ، حُكِيَ ذَلِكَ عَنِ الكِسائِيِّ، ولِبَنِي العَنْبَرِ وبَنِي الهُجَيْمِ ومُرادٍ وعُذْرَةَ. وقالَ أبُو زَيْدٍ: سَمِعْتُ مِنَ العَرَبِ مَن يَقْلِبُ كُلَّ ياءٍ يَنْفَتِحُ ما قَبْلَها ألِفًا. ( البحر المحيط)
قال السمين الحلبي (٧٥٦ هـ):
قوله: {إِنْ هذان} : اختلف القُرَّاءُ في هذه الآيةِ الكريمة: فقرأ ابن كثيرٍ وحدَه «إنْ هذانِّ» بتخفيف إنْ، والألفِ، وتشديدِ النون. وحفصٌ كذلك إلاَّ أنه خَفَّف نونَ «هذانٍ» . وقرأ أبو عمرو «إنَّ» بالتشديد «هذين» بالياء وتخفيفِ النون. والباقون كذلك إلاَّ أنهم قَرَؤوا/ «هذان» بالألف.
فأَمَّا القراءةُ الأولى وهي قراءةُ ابنِ كثير وحفص فأوضحُ القراءاتِ معنىً ولفظاً وخَطَّاً؛ وذلك أنهما جعلا «إنْ» المخففةَ من الثقيلة فَأُهْمِلَتْ، ولَمَّا أُهْمِلَتْ كما هو الأفصحُ مِنْ وجهيها خِيْفَ التباسُها بالنافية فجيء باللامِ فارقةً في الخبر. ف «هذان» مبتدأٌ، و «لَساحران» خبرُه، ووافَقَتْ خَطَّ المصحفِ؛ فإن الرسم «هذن» بدونِ ألفٍ ولا ياءٍ وسيأتي بيانُ ذلك.
وأمَّا تشديدُ نونِ «هذان» فعلى ما تقدَّم في سورةِ النساءِ، وقد أَتْقَنتُ ذلك هناك.
وأمَّا الكوفيون فيزعمون أنَّ «إنْ» نافيةٌ بمعنى ما، واللامُ بمعنى إلاَّ، وهو خلافٌ مشهورٌ وقد وافقَ تخريجُهم هنا قراءةَ بعضِهم «ما هذانِ إلاَّ ساحران» . (الدر المصون)
قال ابن عاشور (١٣٩٣ هـ):
فَأمّا قِراءَةُ الجُمْهُورِ (﴿إنَّ هَذانِ لَساحِرانِ﴾) بِتَشْدِيدِ نُونِ (إنَّ) وبِالألِفِ في هَذانِ وكَذَلِكَ في (﴿لَساحِرانِ﴾)، فَلِلْمُفَسِّرِينَ في تَوْجِيهِها آراءٌ بَلَغَتِ السِّتَّةَ. وأظْهَرُها أنْ تَكُونَ (إنَّ) حَرْفُ جَوابٍ مِثْلَ: نَعَمْ وأجَلْ، وهو اسْتِعْمالٌ مِنِ اسْتِعْمالاتِ (إنَّ)، أيِ اتَّبَعُوا لَمّا اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ أمْرُهم بَعْدَ النَّجْوى كَقَوْلِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قَيْسِ الرُّقَيّاتِ:
ويَقُلْنَ شَيْبٌ قَدْ عَلا كَ وقَدْ كَبِرْتَ فَقُلْتُ إنَّهُ
أيْ أجَلْ أوْ نَعَمْ، والهاءُ في البَيْتِ هاءُ السَّكْتِ، وقَوْلِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ لِأعْرابِيٍّ اسْتَجْداهُ فَلَمْ يُعْطِهِ، فَقالَ الأعْرابِيُّ: لَعَنَ اللَّهُ ناقَةً حَمَلَتْنِي إلَيْكَ. قالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ: إنَّ وراكِبَها. وهَذا التَّوْجِيهُ مِن مُبْتَكَراتِ أبِي إسْحاقَ الزَّجّاجِ ذَكَرَهُ في تَفْسِيرِهِ. وقالَ: عَرَضْتُهُ عَلى عالِمَيْنا وشَيْخَيْنا وأُسْتاذَيْنا مُحَمَّدِ بْنِ يَزِيدٍ يَعْنِي المُبَرِّدَ، وإسْماعِيلَ بْنِ إسْحاقَ بْنِ حَمّادٍ يَعْنِي القاضِيَ الشَّهِيرَ فَقَبِلاهُ وذَكَرا أنَّهُ أجْوَدُ ما سَمِعاهُ في هَذا.
وقُلْتُ: لَقَدْ صَدَقا وحَقَّقا. وما أوْرَدَهُ ابْنُ جِنِّيٍّ عَلَيْهِ مِنَ الرَّدِّ فِيهِ نَظَرٌ.
وفِي التَّفْسِيرِ الوَجِيزِ لِلْواحِدِيِّ سَألَ إسْماعِيلُ القاضِي (هو ابْنُ إسْحاقَ بْنِ حَمّادٍ) ابْنَ كَيْسانَ عَنْ هَذِهِ المَسْألَةِ، فَقالَ ابْنُ كَيْسانَ: لَمّا لَمْ يَظْهَرْ في المُبْهَمِ إعْرابٌ في الواحِدِ ولا في الجَمْعِ (أيْ في قَوْلِهِمْ هَذا وهَؤُلاءِ إذْ هُما مَبْنِيّانِ) جَرَتِ التَّثْنِيَةُ مَجْرى الواحِدِ إذِ التَّثْنِيَةُ يَجِبُ أنْ لا تُغَيَّرَ. فَقالَ لَهُ إسْماعِيلُ: ما أحْسَنَ هَذا لَوْ تَقَدَّمَكَ أحَدٌ بِالقَوْلِ فِيهِ حَتّى يُؤْنَسَ بِهِ ؟ فَقالَ لَهُ ابْنُ كَيْسانَ: فَلْيَقُلْ بِهِ القاضِي حَتّى يُؤْنَسَ بِهِ، فَتَبَسَّمَ.
وعَلى هَذا التَّوْجِيهِ يَكُونُ قَوْلُهُ تَعالى (﴿إنَّ هَذانِ لَساحِرانِ﴾) حِكايَةً لِمَقالِ فَرِيقٍ مِنَ المُتَنازِعِينَ، وهو الفَرِيقُ الَّذِي قَبِلَ هَذا الرَّأْيَ لِأنَّ حَرْفَ الجَوابِ يَقْتَضِي كَلامًا سَبَقَهُ.
ودَخَلَتِ اللّامُ عَلى الخَبَرِ: إمّا عَلى تَقْدِيرِ كَوْنِ الخَبَرِ جُمْلَةً حُذِفَ مُبْتَدَأُها وهو مَدْخُولُ اللّامِ في التَّقْدِيرِ، ووُجُودُ اللّامِ يُنْبِئُ بِأنَّ الجُمْلَةَ الَّتِي وقَعَتْ خَبَرًا عَنِ اسْمِ الإشارَةِ جُمْلَةٌ قَسَمِيَّةٌ؛ وإمّا عَلى رَأْيِ مَن يُجِيزُ دُخُولَ اللّامِ عَلى خَبَرِ المُبْتَدَأِ في غَيْرِ الضَّرُورَةِ.
ووُجِّهَتْ هَذِهِ القِراءَةُ أيْضًا بِجَعْلِ (إنَّ) حَرْفَ تَوْكِيدٍ، وإعْرابُ اسْمِها المُثَنّى جَرى عَلى لُغَةِ كِنانَةَ وبِلْحارِثِ بْنِ كَعْبٍ الَّذِينَ يَجْعَلُونَ عَلامَةَ إعْرابِ المُثَنّى الألِفَ في أحْوالِ الإعْرابِ كُلِّها، وهي لُغَةٌ مَشْهُورَةٌ في الأدَبِ العَرَبِيِّ ولَها شَواهِدُ كَثِيرَةٌ مِنها قَوْلُ المُتَلَمِّسِ:
فَأطْرَقَ إطْراقَ الشُّجاعِ ولَوْ دَرى ∗∗∗مَساغًالِناباهُالشُّجاعُلَصَمَّما
وقَرَأهُ حَفْصٌ بِكَسْرِ الهَمْزَةِ وتَخْفِيفِ نُونِ (إنْ) مُسَكَّنَةً عَلى أنَّها مُخَفَّفَةُ (إنَّ) المُشَدَّدَةِ. ووَجْهُ ذَلِكَ أنْ يَكُونَ اسْمُ (إنِ) المُخَفَّفَةِ ضَمِيرَ شَأْنٍ مَحْذُوفًا عَلى المَشْهُورِ. وتَكُونُ اللّامُ في (﴿لَساحِرانِ﴾) اللّامَ الفارِقَةَ بَيْنَ (إنِ) المُخَفَّفَةِ وبَيْنَ (إنِ) النّافِيَةِ. (التحرير والتنوير)

والله أعلم.

تم الجواب وبالله التوفيق


التقويم: ب+
أحسنتِ، بارك الله فيكِ ونفع بكِ، وحاولي النظر في كتب إعراب القرآن خاصة الكتب التي تبحث في المشكل من إعراب القرآن، ستثري بحثكِ بإذن الله.
كذا فإن لابن تيمية - رحمه الله - رسالة قيمة في مجموع الفتاوى، ومطبوعة منفصلة ومتوفرة بسهولة على الشبكة في إعراب هذه الآية " إن هذان لساحران " أنصح بقراءتها والاستفادة منها عند التحرير.
زادكِ الله توفيقًا وسدادًا.

رد مع اقتباس
  #8  
قديم 14 صفر 1441هـ/13-10-2019م, 07:20 PM
هيئة التصحيح 11 هيئة التصحيح 11 غير متواجد حالياً
هيئة التصحيح
 
تاريخ التسجيل: Jan 2016
المشاركات: 2,525
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة إنشاد راجح مشاهدة المشاركة
بسم الله الرحمن الرحيم
مجلس أداء التطبيق الخامس من تطبيقات دورة مهارات التفسير:

إعراب {إن هذان لساحران}

نوع المسألة ومنهجية البحث:
1. هذه المسألة تفسيرية لغوية تتعلق بالإعراب واللغة، والقراءات وربما ( رسم المصحف)، ولذلك فإنّ البحث في كتب المرتبة الخامسة سيكون في كتب القراءات وحروف المعاني والكتب التي اعتنت بذكر لغات العرب.

2. بدأت بالنقل عن الكتب التي تعنى بجمع أقوال السلف في التفسير، ثم بحثت في كل مرتبة من المراتب التي هى مظنة المسألة.
3. بدأت بجمع النقول أولا من جمهرة التفاسير
( وهي النقول التي لوّنت أسماء قائليها باللون الأزرق)، ثمّ أضفت إليها النقول التي تحصلت عليها من المكتبة الشاملة والباحث القرآني ولوّنت أسماء قائليها باللون الأحمر.

4. النقول التي تحصّلت لي في هذه المسألة:
أ: من التفاسير التي تنقل أقوال السلف: جامع البيان لابن جرير، والكشف والبيان للثعلبي، والهدايةلمكي بن أبي طالب، والنكت والعيون للماوردي، والمحرر الوجيز لابن عطية، وزاد المسير لابن الجوزي،وأحكام القرآن للقرطبي، وتفسير ابن كثير.
وقد وجدت فيها جميعا ذكرا للمسألة وكلاما مستفيضا فنقلته.

ب: ومن كتب المرتبة الأولى: معاني القرآن للفراء، ومجاز القرآن لأبي عبيدة، ومعاني القرآن للأخفش الأوسط، وتأويل مشكل القرآن لابن قتيبة، ومعاني القرآن للزجاج، ومعاني القرآن للنحاس، ولم أجد لهذه المسألة ذكرا في تفسير يحيى بن سلام.، فعرجت على تفسير ابن أبي زمنين وهو مختصر لتفسير يحيى بن سلام، فنقلت ما فيه.

ج: ومن كتب المرتبة الثانية: وقفت على المراجع المذكورة في هذه المرتبة فلم أجد فيها بغيتي ماعدا تفسير المشكل من غريب القرآن لمكي بن أبي طالب فنقلت ما فيه.

د: ومن كتب المرتبة الثالثة: لم يكن البحث سهلا لعدم معرفة بأسماء الكتب التي هى مظنة البحث، واكتفيت بما تحصل لي من نقول في المراتب الأخرى.

هـ: ومن كتب المرتبة الرابعة: الكشاف للزمخشري، وحاشية الطيبي على الكشاف، والبحر المحيط لأبي حيان، والدر المصون للسمين الحلبي، والتحرير والتنوير لابن عاشور، وقد وجدت فيها كلها ذكرا للمسألة، فنقلت ما وجدت.

و: ومن كتب المرتبة الخامسة: استعنت بما وجدت في جمهرة العلوم وقد كان كافيا ، فنقلت ما وجدته في مغني اللبيب، ووجوه القرآن والجني الداني، وما ذكره الأستاذ محمد عبد الخالق عضيمة.

ولم يتسنى لي الوقوف على الكتب التي اعتنت بلغات العرب.

أولاً: التعرّف على أقوال السلف في المسألة:
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : {إن هذان لساحران يريدان أن يخرجاكم من أرضكم بسحرهما ويذهبا بطريقتكم المثلى} قالوا: إن هذان لساحران يعنون بقولهم: إن هذان موسى وهارون، لساحران يريدان أن يخرجاكم من أرضكم بسحرهما.
-
كما حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {إن هذان لساحران يريدان أن يخرجاكم من أرضكم بسحرهما} يعنون موسى وهارون صلّى اللّه عليهما.
وقد اختلفت القرّاء في قراءة قوله: {إن هذان لساحران} فقرأته عامّة قرّاء الأمصار: ( إنّ هذان ) بتشديد إنّ وبالألف في هذان، وقالوا: قرأنا ذلك كذلك اتباعا لخط المصحف.
واختلف أهل العربية في وجه ذلك إذا قرئ كذلك فكان بعض أهل العربيّة من أهل البصرة يقول: " إن " خفيفةٌ في معنى ثقيلةٍ، وهي لغة لقومٍ يرفعون بها، ويدخلون اللاّم ليفرّقوا بينها وبين الّتي تكون في معنى ما.
وقال بعض نحويّي الكوفة: ذلك على وجهين: أحدهما على لغة بني الحارث بن كعبٍ ومن جاورهم، يجعلون الاثنين في رفعهما ونصبهما وخفضهما بالألف. وقال: أنشدني رجلٌ من الأسد عن بعض بني الحارث بن كعبٍ:
فأطرق إطراق الشّجاع ولو يرى = مساغًا لناباه الشّجاع لصّمما
قال: وحكي عنه أيضًا: هذا خطّ يدا أخي أعرفه، قال: وذلك وإن كان قليلاً أقيس، لأنّ العرب قالوا: مسلمون، فجعلوا الواو تابعةً للضّمّة، لأنّها لا تعرب، ثمّ قالوا رأيت المسلمين، فجعلوا الياء تابعةً لكسرة الميم، قالوا: فلمّا رأوا الياء من الاثنين لا يمكنهم كسر ما قبلها، وثبت مفتوحًا، تركوا الألف تتبعه، فقالوا: رجلان في كلّ حالٍ. قال: وقد اجتمعت العرب على إثبات الألف في كلا الرّجلين، في الرّفع والنّصب والخفض، وهما اثنان، إلاّ بني كنانة، فإنّهم يقولون: رأيت كلي الرّجلين، ومررت بكلي الرّجلين، وهي قبيحة قليلة مضوا على القياس.
قال: والوجه الآخر أن تقول: وجدت الألف من هذا دعامةً، وليست بلام " فعلى " فلمّا بنيت زدت عليها نونًا، ثمّ تركت الألف ثابتةً على حالها لا تزول فى كلّ حالٍ، كما قالت العرب الّذي، ثمّ زادوا نونًا تدلّ على الجمع، فقالوا: الّذين في رفعهم ونصبهم وخفضهم، كما تركوا هذان في رفعه ونصبه وخفضه. قال: وكنانه يقولوا: الذّون.
وقال آخر منهم: ذلك من الجزم المرسل، ولو نصب لخرج إلى الانبساط.
-
وحدّثت عن أبي عبيدة معمر بن المثنّى، قال: قال أبو عمرٍو وعيسى بن عمر ويونس، إن هذين لساحران في اللّفظ، وكتب " هذان " كما يزيدون وينقصون فى الكتاب، واللّفظ صوابٌ
قال: وزعم أبو الخطّاب أنّه سمع قومًا من بني كنانة وغيرهم، يرفعون الاثنين في موضع الجرّ والنّصب قال: وقال بشر بن هلالٍ: إن بمعنى الابتداء والإيجاب. ألا ترى أنّها تعمل فيما يليها، ولا تعمل فيما بعد الّذي بعدها، فترفع الخبر ولا تنصبه، كما تنصب الاسم، فكان مجاز " إن هذان لساحران " مجاز كلامين، مخرجه: إنّه: إي نعم، ثمّ قلت: هذان ساحران، ألا ترى أنّهم يرفعون المشترك كقول ضابئٍ:
فمن يك أمسى بالمدينة رحله = فإنّي وقيّارٌ بها لغريب
وقوله:
إنّ السّيوف غدوّها ورواحها = تركت هوازن مثل قرن الأعضب
قال: ويقول بعضهم: إنّ اللّه وملائكته يصلّون على النّبيّ، فيرفعون على شركة الابتداء، ولا يعملون فيه إنّ. قال: وقد سمعت الفصحاء من المحرمين يقولون: إنّ الحمد والنّعمة لك والملك، لا شريك لك. قال: وقرأها قومٌ على تخفيف نون إنّ وإسكانها. قال: ويجوز، لأنّهم قد أدخلوا اللاّم في الابتداء وهي فصلٌ، قال:
أمّ الحليس لعجوزٌ شهربه
قال: وزعم قومٌ أنّه لا يجوز، لأنّه إذا خفّف نون " إنّ " فلا بدّ له من أن يدخل " إلاّ " فيقول: إن هذا إلاّ ساحران.
قال أبو جعفرٍ: والصّواب من القراءة في ذلك عندنا: " إنّ " بتشديد نونها، وهذان بالألف لإجماع الحجّة من القرّاء عليه، وأنّه كذلك هو في خطّ المصحف. ووجهه إذا قرئ كذلك مشابهته الّذين إذ زادوا على الّذي النّون، وأقرّ في جميع أحوال الإعراب على حالةٍ واحدةٍ، فكذلك {إن هذان} زيدت على هذا نونٌ وأقرّ في جميع أحوال الإعراب على حالٍ واحدةٍ، وهي لغة الحارث بن كعبٍ، وخثعمٍ، وزبيدٍ، ومن وليهم من قبائل اليمن.[جامع البيان: 16/97-104]

قال أحمد بن محمد بن إبراهيم الثعلبي، أبو إسحاق (المتوفى: 427هـ):
وقوله تعالى: إِنْ هذانِ لَساحِرانِ «4» وقال بعض النحويين: هو نصب على المدح والعرب تفعل ذلك في صفة الشيء الواحد إذا تطاولت بمدح أو ذم خالفوا من اعراب أوله وأوسطه، نظيره قوله وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذا عاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْساءِ «5» وقيل: نصب على فعل، تقديره: اعني المقيمين، على معنى: أذكر النازلين وهم الطيبون.
وقال قوم: موضعه خفض، واختلفوا في وصفه، قال بعضهم: معناه: لكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ ومن الْمُقِيمِينَ الصَّلاةَ، وقيل معناه: يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وإلى الْمُقِيمِينَ الصَّلاةَ، وقال بعضهم: يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ من الكتاب وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاةَ.
ثم اختلفوا فيهم من هم؟ فقيل: هم الملائكة، وقيل: هم الأنبياء، وقيل: هم المؤمنون، وقيل: مؤمنوا أهل الكتاب وهم الراسخون.
قوله تعالى إِنَّا أَوْحَيْنا إِلَيْكَ الآية، نزلت في اليهود وذلك لما أنزل الله تعالى قوله: يَسْئَلُكَ أَهْلُ الْكِتابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتاباً مِنَ السَّماءِ «1» إلى قوله تعالى: وَكانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً «2» .

قالُوا إِنْ هذانِ لَساحِرانِ قرأ عبد الله: واسرّوا النجوى إن هذان ساحران(٦)بفتح الألف وجزم نونه ساحران بغير لام، وقرأ ابن كثير وحفص إِنْ بكسر الالف وجزم النون هذانِ بالألف على معنى ما هذان إلّا ساحران، نظيره: قوله وَإِنْ نَظُنُّكَ لَمِنَ الْكاذِبِينَ(٧)(٨)قال الشاعر:
ثكلتك أمّك إن قتلت لمسلما ... حلّت عليك عقوبة الرّحمن(٩)
يعني ما قتلت إلّا مسلما، يدل على صحة هذه القراءة قراءة أبي بن كعب: إن ذان إلّا ساحران(١٠)، وقرأ عيسى بن عمر الثقفي وأبو عمر بن علاء(١١) : إن هذين لساحران بالياء على الأصل، قال أبو عمرو: واني لأستحي من الله أن أقرأ إنّ هذان، وقرأ الباقون: إنّ بالتشديد هذان بالألف واختلفوا فيه، فقال قوم بما أخبرنا أبو بكر بن عبدوس وعبد الله بن حامد قالا:
حدّثنا أبو العباس الأصم قال: حدّثنا محمد بن الجهم السمري قال: حدّثنا الفرّاء قال: حدّثني أبو معاوية عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أنها سئلت عن قوله سبحانه في النساء لكِنِ الرَّاسِخُونَ(١٢)وَالْمُقِيمِينَ(١٣)وعن قوله في المائدة إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا وَالصَّابِئُونَ(١٤)وعن قوله إِنْ هذانِ لَساحِرانِ(١٥)فقالت: يا بن أخي هذا خطأ من الكاتب.
وقال عثمان بن عفان: إنّ في المصحف لحنا وستقيمه العرب بألسنتهم.
وقال أبان: قرئت هذه الآية عند عثمان فقال: لحن وخطأ، فقيل له: ألم تغيّره فقال:
دعوه فإنّه لا يحلّ حراما ولا يحرّم حلالا، وقال آخرون: هذه لغة الحارث بن كعب وخثعم وزبيد وكنانة يجعلون الأسين في رفعهما ونصبهما وخفضهما بالألف.
قال الفرّاء: أنشدني رجل من بني الأسد وما رأيت افصح منه.
وأطرق إطراق الشجاع ولو ترى ... مساغا لناباه الشجاع لصمما(١٦)
ويقولون: كسرت يداه، وركبت علاه، بمعنى يديه وعليه. وقال الشاعر:
تزوّد منّا بين أذناه ضربة ... دعته إلى هابي التراب عقيم(١٧)
أراد بين أذنيه. وقال آخر:
أي قلوص راكب نراها ... طاروا علاهنّ فطر علاها(١٨)
أي عليهن وعليها. وقال آخر:
إنّ أباها وأبا أباها ... قد بلغا في المجد غايتاها(١٩)
وروي أنّ أعرابيا سأل ابن الزبير شيئا فحرّمه فقال: لعن الله ناقة حملتني إليك، فقال ابن الزبير: إن وصاحبها، يعني نعم. وقال الشاعر:
بكرت عليّ عواذلي يلحينني وألومهنّه ... ويقلن شيب قد علاك وقد كبرت فقلت إنّه(٢٠)
أي نعم، وقال الفرّاء: وفيه وجه آخر: وهو أن يقول: وجدت الألف دعامة من هذا على حالها لا تزول في كل حال، كما قالت العرب: الذي ثمّ زادوا نونا يدلّ على الجمع فقالوا:
الذين في رفعهم ونصبهم وخفضهم وكناية تقول: اللّذون. [كشف والبيان عن تفسير القرآن: 16/97-104]

قال مكي بن أبي طالب القيسي (ت: 437هـ)
ثم قال تعالى ذكره: ﴿قَالُوۤاْ إِنْ هَـٰذَانِ لَسَاحِرَانِ يُرِيدَانِ أَن يُخْرِجَاكُمْ مِّنْ أَرْضِكُمْ﴾.أي: قالت السحرة في سرهم وتناجيهم: إن موسى وهارون ساحران يريدان أن يخرجاكم من أرضكم بسحرهما.
وفي حرف ابن مسعود "إن هذان إلا ساحران": أي: ما هذان يخفف "إن" يجعلها بمعنى ما.
ومن شدد "إن" ورفع "هذان"، فقد خرج العلماء فيها سبعة أقوال: فالأول: أن يكون بمعنى نعم. حكى سيبويه أن "إن" تأتي بمعنى أجل. واختار هذا القول المبرد وإسماعيل القاضي والزجاج وعلي بن سليمان.
واستبعد الزجاج قراءة أبي عمرو "إن هذين" لمخالفتها للمصحف.
وقال علي بن أبي طالب: لا أحصي كم سمعت رسول الله ﷺ على منبره يقول: إن الحمدُ لله نحمده ونستعينه، يعني يرفع الحمد يجعل "إن" بمعنى "أجل". ومعنى: أجل: نعم. ثم يقول: أنا أفصح قريش كلها، وأفصحها بعدي سعيد بن إبان بن العاصي. وكذلك كانت خطباء الجاهلية تفتتح خطبها بـ "نعم"، وكذلك وقعت في أشعارها. قال الشاعر:
قالت غدرت، فقلت: إن وربما ∗∗∗ نال العُلي وشقى الخليل الغادر
وقال ابن قيس الرقيات:
بكرت على عواذ لي ∗∗∗ يلحينني وألومهنه
ويقلن شيب قد علاك ∗∗∗ وقد كبرت فقلت إنه
وأنشد ثعلب:
ليت شعري هل للمحب شفاء ∗∗∗ من جوى حبهن إن اللقاء.
أي: نعم.
فهذا قول حسن لولا دخول اللام في الخبر.
وقد قيل: إن اللام يراد بها التقديم، وهو أيضاً بعيد، إنما يجوز التقديم في اللام وهي مؤخرة في الشعر.
لكن الزجاج قال: التقدير: نعم هذان لهما ساحران. فتكون اللام داخلة على الابتداء في المعنى، كما قال: أم الحليس لعجوز شهربة.
وقيل: إن اللام يراد بها التقديم.
وقيل: هي في موضعها، و "لعجوز" مبتدأ، وشهربة الخبر، والجملة خبر عن اللام.
والقول الثاني: ما حكاه أبو زيد والكسائي والأخفش والفراء أنها لغة لبني الحارث بن كعب، يقولون: رأيت الزيدان ومررت بالزيدان، وأنشدوا.
- فأطرق إطراق الشجاع ولو يرى ∗∗∗ مساغاً لنا باه الشجاع لصمماً
وأنشدوا أيضاً:
- تزود منا بين أذناه طعنة على ∗∗∗ رأسه تلقى العظام من الفم.
وحكى أبو الخطاب أنها لغة لبني كنانة.
وحكى غيره أنها لغة خثعم. وهذا القول قول، حسن، لا نطعن فيه لثقة الناقلين لهذه اللغة، وتواتر نقلهم واتفاقهم على ذلك، وقد نقلها أبو زيد، وكان سيبويه إذا قال حدثني من أثق به، فإياه يعني.
ورواه الأخفش، وهو ممن روى عنه سيبويه، وقول سيبويه في ألف التثنية أنها حرف الأعراب، يدل على أن حكمها لا تتغير عن لفظها، كما لا تتغير الدال من زيد، فجاءت في هذه الآية على الأصل، كما جاء "استحوذ" على الأصل.
والقول الثالث: قاله الفراء. قال: الألف في "هذان" دعامة، ليست بلام الفعل، فزدت عليها نوناً ولم أغيرها، كما قلت "الذي" ثم زدت عليه نوناً، ولم أغيرها، فقلت "الذين" في الرفع والنصب والجر.
والقول الرابع: يحكى عن بعض الكوفيين أن الألف في هذان مشبهة بألف يفعلان، فلم تغير كما لا يغير ألف يفعلان.
والقول الخامس: حكاه الزجاج. قال: القدماء يقولون: الهاء مضمرة ها هنا، والمعنى: أنه هذان لساحران، ويعترض هذا القول دخول اللام في الخبر.
والقول السادس: قاله ابن كيسان، قال: سألني إسماعيل ابن إسحاق عنها، فقلت: القول عندي، أنه لما كان يقال هذا في موضع الرفع والنصب والجر، وكانت التثنية يجب ألا تغير، أجريت التثنية مجرى الواحد. فقال إسماعيل: ما أحسن هذا، لو تقدمك أحد بالقول به، حتى تؤنس به. فقلت: فيقول القاضي به حتى يؤنس به، فتبسم.
والقول السابع: حكاه أبو عمرو وغيره، أنه من غلط الكاتب.
روي أن عثمان وعائشة رضي الله عنهما قالا: إن في الكتاب غلطاً ستقيمه العرب بألسنتها.
وعنهما: إن في الكتاب لحناً ستقيمه العرب بألسنتها. وهذا القول قد طعن فيه، لأن أصحاب النبي ﷺ قد أجمعوا على صحة ما بين اللوحين، فلا يمكن أن يجتمعوا على غلط.
فأما من خفف "إن" فإنه رفع ما بعدها، لنقصها عن وزن الفعل ويجوز أن يكون أعملها مخففة على الثقيلة، كما يعمل الفعل محذوفاً عمله وهو غير محذوف، إلا أنه أتى بـ "هذان"، على الوجوه التي ذكرنا، فأتى بالألف في النصب.
فأما من شدد نون "هذان"، فإنه جعل التشديد عوضاً مما حذف من هذا في التثنية.
وعن الكسائي والفراء في: "إن هذان" قولان تركنا ذكرهما لبعد تأويلهما في ذلك. [الهداية إلى بلوغ النهاية : 7/4657- 4663]
قال أبو الحسن علي بن محمد البغدادي،الماوردي (ت: 450هـ)
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿قالُوا إنْ هَذانِ لَساحِرانِ﴾ هَذِهِ قِراءَةُ أبِي عَمْرٍو وهي مُوافِقَةٌ لِلْإعْرابِ مُخالِفَةٌ لِلْمُصْحَفِ.
وَقَرَأ الأكْثَرُونَ: إنْ هَذانَ السّاحِرانِ، فَوافَقُوا المُصْحَفَ فِيها، ثُمَّ اخْتَلَفُوا في تَشْدِيدِ إنَّ فَخَفَّفَها ابْنُ كَثِيرٍ وحَفْصٌ فَسَلِما بِتَخْفِيفِ إنَّ مِن مُخالَفَةِ المُصْحَفِ ومِن فَسادِ الإعْرابِ، ويَكُونُ مَعْناها: ما هَذانِ إلّا ساحِرانِ.
وَقَرَأ أُبَيٌّ: إنَّ ذانِ إلّا ساحِرانِ، وقَرَأ باقِي القُرّاءِ بِالتَّشْدِيدِ: إنَّ هَذانَ لَساحِرانِ.
فَوافَقُوا المُصْحَفَ وخالَفُوا ظاهِرَ الإعْرابِ.
واخْتَلَفَ مَن قَرَأ بِذَلِكَ في إعْرابِهِ عَلى أرْبَعَةِ أقاوِيلَ: أحَدُها: أنَّ هَذا عَلى لُغَةِ بِلْحارِثِ بْنِ كَعْبٍ وكِنانَةَ بْنِ زَيْدٍ يَجْعَلُونَ رَفْعَ الإثْنَيْنِ ونَصْبَهُ وخَفْضَهُ بِالألِفِ، ويُنْشِدُونَ:
فَأطْرَقَ إطْراقَ الشُّجاعِ ولَوْ رَأى ∗∗∗ مَساغًا لِناباهُ الشُّجاعِ لَصَمَّما
والوَجْهُ الثّانِي: لا يَجُوزُ أنْ يُحْمَلَ القُرْآنُ عَلى ما اعْتَلَّ مِنَ اللُّغاتِ ويُعْدَلُ بِهِ عَنْ أفْصَحِها وأصَحِّها، ولَكِنْ في (إنَّ) هاءٌ مُضْمَرَةٌ تَقْدِيرُها إنَّهُ هَذانِ لَساحِرانِ، وهو قَوْلُ مُتَقَدِّمِي النَّحْوِيِّينَ.
الثّالِثُ: أنَّهُ بَنى (هَذانِ) عَلى بِناءٍ لا يَتَغَيَّرُ في الإعْرابِ كَما بَنى الَّذِينَ عَلى هَذِهِ الصِّيغَةِ في النَّصْبِ والرَّفْعِ.
الرّابِعُ: أنَّ (إنَّ) المُشَدَّدَةَ في هَذا المَوْضِعِ بِمَعْنى نَعَمْ، كَما قالَ رَجُلٌ لِابْنِ الزُّبَيْرِ: لَعَنَ اللَّهُ ناقَةً حَمَلَتْنِي إلَيْكَ، فَقالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ: إنَّ وصاحِبَها.
وَقالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ قَيْسِ الرُّقُيّاتِ
بَكى العَواذِلُ في الصَّبا ∗∗∗ حِ يَلُمْنُنِي وألُومُهُنَّهْ ∗∗∗ ويَقُلْنَ شَيْبٌ قَدْ عَلا ∗∗∗ كَ وقَدْ كَبِرْتَ فَقُلْتُ إنَّهْ أيْ نَعَمْ. [النكت والعيون:3/411]

قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله تعالى: {إن هذان لساحران} الآية. قرأ نافع، وابن عامر، وحمزة، والكسائي: "إن" مشددة النون "هذان" بألف ونون مخففة للتثنية، وقرأ أبو عمرو وحده: "إن هذين لساحران"، وقرأ ابن كثير: "إن هذان لساحران" بتخفيف نون "إن" وتشديد نون "هذان لسحران"، وقرأ حفص عن عاصم: "إن" خفيفة "هذان" خفيفة أيضا "لساحران". وقرأت فرقة: "إن هذان إلا ساحران"، وقرأت فرقة: "إن ذان لساحران"، وقرأت فرقة: "ما هذان إلا ساحران"، وقرأت فرقة: "إن هذان" بتشديد النون من "هذان".
فأما القراءة الأولى، فقالت فرقة: "إن" بمعنى: نعم، كما روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في خطبته: إن الحمد لله برفع "الحمد"، وقال عبد الله بن الزبير رضي الله عنه: "إن وراكبها" حين قال له الرجل: لعن الله ناقة حملتني إليك، ويدخل في هذا التأويل أن اللام لا تدخل في خبر الابتداء، وهو مما يجوز في الشعر، ومنه قول الشاعر:
أم الحليس لعجوز شهربه ... ترضى من اللحم بعظم الرقبه

وذهبت فرقة إلى أن هذه الآية بلغة بني الحارث بن كعب، وهو إبقاء ألف التثنية في حال النصب والخفض، فمن ذلك قول الشاعر:
زود منها بين أذناه طعنة ... دعته إلى هابي التراب عقيم
وقول الآخر:
أطرق إطراق الشجاع ولو يرى ... مساغا لناباه الشجاع لصمها

وتعزى هذه اللغة لكنانة، وتعزى لخثعم، وقال الفراء: الألف في "هذان" دعامة وليست بمجلوبة للتثنية، وإنما هي ألف "هذا" تركت في حال التثنية، كما نقول: "الذي" ثم في الجمع نزيد نونا وتترك الياء في حال النصب والرفع والخفض، وقال الزجاج: في الكلام ضمير تقديره: إنه هذان لساحران.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
وفي هذا التأويل دخول اللام في الخبر، وقال بعض النحاة: ألف "هذان" مشبهة هنا بألف تفعلان، وقال ابن كيسان: لما كان "هذا" بحال واحدة في رفعه ونصبه وخفضه تركت تثنيته هنا كذلك. وقالت جماعة - منهم عائشة رضي الله عنها - وأبو عمرو -: هذا مما لحن الكاتب فيه وأقيم بالصواب وهو تخفيف النون من "إن".
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
وهذه الأقوال معترضة، إلا ما قيل من أنها لغة، و"إن" بمعنى: أجل ونعم، أو "إن" في الكلام ضمير.
وأما من قرأ: "إن" خفيفة، فهي عن سيبويه المخففة من الثقيلة ويرتفع بعدها الاسم، ويقول الفراء: هي بمعنى "ما" واللام بمعنى "إلا" ووجه سائر القراءات بين.
وعبر كثير من المفسرين عن "الطريقة" بـ "السادة"، وأنما يراد أهل العقل والسن والحجى، وحكي أن العرب تقول: "فلان طريقة قومه"، أي: سيدهم، والأظهر في الطريقة هنا أنها السيرة والمملكة والحال التي هي عليها، و"المثلى" تأنيث أمثل، أي: الفاضلة الحسنة). [المحرر الوجيز: 6/108]


قال ابن الجوزي ( ت: 597هــ ) :واخْتَلَفَ القُرّاءُ في قَوْلِهِ تَعالى
: ﴿إنْ هَذانِ لَساحِرانِ﴾، فَقَرَأ أبُو عَمْرٍو بْنُ العَلاءِ: ( إنَّ هَذَيْنَ ) عَلى إعْمالِ ( إنَّ )، وقالَ: إنِّي لَأسْتَحْيِي مِنَ اللَّهِ أنْ أقْرَأ ( إنَّ هَذانِ ) . وقَرَأ ابْنُ كَثِيرٍ: ( إنْ ) خَفِيفَةً ( هَذانِّ ) بِتَشْدِيدِ النُّونِ. وقَرَأ عاصِمٌ في رِوايَةِ حَفْصٍ: ( إنْ ) خَفِيفَةً ( هَذانِ ) خَفِيفَةً أيْضًا. وقَرَأ نافِعٌ، وابْنُ عامِرٍ، وحَمْزَةُ، والكِسائِيُّ: ( إنَّ ) بِالتَّشْدِيدِ ( هاذانِ ) بِألِفٍ ونُونٍ خَفِيفَةٍ. فَأمّا قِراءَةُ أبِي عَمْرٍو فاحْتِجاجُهُ في مُخالَفَةِ المُصْحَفِ بِما رُوِيَ عَنْ عُثْمانَ وعائِشَةَ، أنَّ هَذا مِن غَلَطِ الكاتِبِ عَلى ما حَكَيْناهُ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿والمُقِيمِينَ الصَّلاةَ﴾ في سُورَةِ [ النِّساءِ: ١٦٢ ] . وأمّا قِراءَةُ عاصِمٍ فَمَعْناها: ما هَذانِ إلّا ساحِرانِ، كَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿وَإنْ نَظُنُّكَ لَمِنَ الكاذِبِينَ﴾ [ الشُّعَراء: ١٨٦ ]؛ أيْ: ما نَظُنُّكَ إلّا مِنَ الكاذِبِينَ، وأنْشَدُوا في ذَلِكَ:
ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ إنْ قَتَلْتَ لَمُسْلِمًا ∗∗∗ حَلَّتْ عَلَيْهِ عُقُوبَةُ المُتَعَمِّدِ
أيْ: ما قَتَلْتَ إلّا مُسْلِمًا. قالَ الزَّجّاجُ: ويَشْهَدُ لِهَذِهِ القِراءَةِ ما رُوِيَ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، أنَّهُ قَرَأ: ( ما هَذانِ إلّا ساحِرانِ )، ورُوِيَ عَنْهُ: ( إنْ هَذانِ إلّا ساحِرانِ )، ورُوِيَتْ عَنِ الخَلِيلِ: ( إنْ هَذانِ ) بِالتَّخْفِيفِ، والإجْماعُ عَلى أنَّهُ لَمْ يَكُنْ أحَدٌ أعْلَمَ بِالنَّحْوِ مِنَ الخَلِيلِ. فَأمّا قِراءَةُ الأكْثَرِينَ بِتَشْدِيدِ ( إنْ ) وإثْباتِ الألِفِ في قَوْلِهِ: ( هَذانِ )، فَرَوى عَطاءٌ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ أنَّهُ قالَ: هي لُغَةُ بَلْحارِثِ بْنِ كَعْبٍ. وقالَ ابْنُ الأنْبارِيِّ: هي لُغَةٌ لِبَنِي الحارِثِ بْنِ كَعْبٍ وافَقَتْها لُغَةُ قُرَيْشٍ. قالَ الزَّجّاجُ: وحَكى أبُو عُبَيْدَةَ عَنْ أبِي الخَطّابِ، وهو رَأْسٌ مِن رُؤُوسِ الرُّواةِ: أنَّها لُغَةٌ لِكِنانَةَ، يَجْعَلُونَ ألِفَ الِاثْنَيْنِ في الرَّفْعِ والنَّصْبِ والخَفْضِ عَلى لَفْظٍ واحِدٍ، يَقُولُونَ: أتانِي الزَّيْدانِ، ورَأيْتُ الزَّيْدانِ، ومَرَرْتُ بِالزَّيْدانِ، وأنْشَدُوا:
فَأطْرَقَ إطْراقَ الشُّجاعِ ولَوْ رَأى ∗∗∗ مَساغًا لَناباهُ الشُّجاعُ لَصَمَّما
وَيَقُولُ هَؤُلاءِ: ضَرَبْتُهُ بَيْنَ أُذُناهُ. وقالَ النَّحْوِيُّونَ القُدَماءُ: هاهُنا هاءٌ مُضْمَرَةٌ، المَعْنى: إنَّهُ هَذانِ لَساحِرانِ. وقالُوا أيْضًا: إنَّ مَعْنى ( إنْ ): نَعَمْ هَذانِ لَساحِرانِ، ويُنْشِدُونَ:
ويَقُلْنَ شَيْبٌ قَدْ عَلا ∗∗∗ كَ وقَدْ كَبِرْتَ فَقُلْتُ إنَّهْ
قالَ الزَّجّاجُ: والَّذِي عِنْدِي وكُنْتُ عَرَضْتُهُ عَلى عالِمِنا مُحَمَّدِ بْنِ يَزِيدَ، وعَلى إسْماعِيلَ بْنِ إسْحاقَ بْنِ حَمّادِ بْنِ زَيْدٍ، فَقَبِلاهُ وذَكَرا أنَّهُ أجْوَدُ ما سَمِعْناهُ في هَذا، وهو أنَّ ( إنْ ) قَدْ وقَعَتْ مَوْقِعَ ( نَعَمْ )، والمَعْنى: نَعَمْ هَذانِ لَهُما السّاحِرانِ، ويَلِي هَذا في الجَوْدَةِ مَذْهَبُ بَنِي كِنانَةَ، وأسْتَحْسِنُ هَذِهِ القِراءَةَ؛ لِأنَّها مَذْهَبُ أكْثَرِ القُرّاءِ وبِها يُقْرَأُ، وأسْتَحْسِنُ قِراءَةَ عاصِمٍ والخَلِيلِ؛ لِأنَّهُما إمامانِ ولِأنَّهُما وافَقا أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ في المَعْنى، ولا أُجِيزُ قِراءَةَ أبِي عَمْرٍو لِخِلافِ المُصْحَفِ. وحَكى ابْنُ الأنْبارِيِّ عَنِ الفَرّاءِ، قالَ: ألِفُ ( هَذانِ ) هي ألِفُ ( هَذا )، والنُّونُ فَرَّقَتْ بَيْنَ الواحِدِ والتَّثْنِيَةِ، كَما فَرَّقَتْ نُونُ ( الَّذِينَ ) بَيْنَ الواحِدِ والجَمْعِ. [زاد المسير: 3/164]

قال شمس الدين القرطبي (ت: 671هـ)
قوله تعالى: (إِنْ هذانِ لَساحِرانِ) [٢٠: ٦٣] قرأ أبو عمرو "إِنَّ هَذَيْنَ لَسَاحِرَانِ". وَرُوِيَتْ عَنْ عُثْمَانَ وَعَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَغَيْرِهِمَا مِنَ الصَّحَابَةِ، وَكَذَلِكَ قَرَأَ الْحَسَنُ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَإِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ وَغَيْرُهُمْ مِنَ التَّابِعِينَ، وَمِنَ الْقُرَّاءِ عِيسَى بْنُ عُمَرَ وَعَاصِمُ الْجَحْدَرِيُّ، فِيمَا ذَكَرَ النَّحَّاسُ. وَهَذِهِ الْقِرَاءَةُ مُوَافِقَةٌ لِلْإِعْرَابِ مُخَالِفَةٌ لِلْمُصْحَفِ. وَقَرَأَ الزُّهْرِيُّ وَالْخَلِيلُ بْنُ أَحْمَدَ وَالْمُفَضَّلُ وَأَبَانٌ وَابْنُ مُحَيْصِنٍ وَابْنُ كَثِيرٍ وَعَاصِمٌ: فِي رِوَايَةِ حَفْصٍ عَنْهُ" إِنْ هذانِ [٢٠: ٦٣] "بِتَخْفِيفِ" إِنْ" "لَساحِرانِ" وَابْنُ كَثِيرٍ يُشَدِّدُ نُونَ "هَذَانَ". وَهَذِهِ الْقِرَاءَةُ سَلِمَتْ مِنْ مُخَالَفَةِ الْمُصْحَفِ وَمِنْ فَسَادِ الْإِعْرَابِ، وَيَكُونُ مَعْنَاهَا مَا هَذَانَ إِلَّا سَاحِرَانِ. وَقَرَأَ الْمَدَنِيُّونَ وَالْكُوفِيُّونَ: "إِنَّ هَذَانِ" بِتَشْدِيدِ "إِنَّ"" لَساحِرانِ [٢٠: ٦٣] "فَوَافَقُوا الْمُصْحَفَ وَخَالَفُوا الْإِعْرَابَ. قَالَ النَّحَّاسُ: فَهَذِهِ ثَلَاثُ قِرَاءَاتٍ قَدْ رَوَاهَا الْجَمَاعَةُ عَنِ الْأَئِمَّةِ، وَرُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ قَرَأَ" إِنْ هَذَانِ إِلَّا سَاحِرَانِ "وَقَالَ الْكِسَائِيُّ فِي قِرَاءَةِ عَبْدِ اللَّهِ:" إِنْ هَذَانِ سَاحِرَانِ "بِغَيْرِ لَامٍ، وَقَالَ الْفَرَّاءُ فِي حَرْفِ أُبَيٍّ" إِنْ ذَانِ إِلَّا سَاحِرَانِ" فَهَذِهِ ثَلَاثُ قِرَاءَاتٍ أُخْرَى تُحْمَلُ عَلَى التَّفْسِيرِ لَا أَنَّهَا جَائِزٌ أَنْ يُقْرَأَ بِهَا لِمُخَالَفَتِهَا الْمُصْحَفَ. قُلْتُ: وَلِلْعُلَمَاءِ فِي قِرَاءَةِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَالْكُوفَةِ سِتَّةُ أَقْوَالٍ ذَكَرَهَا ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ فِي آخِرِ كِتَابِ الرَّدِّ لَهُ، وَالنَّحَّاسُ فِي إِعْرَابِهِ، وَالْمَهْدَوِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ، وَغَيْرُهُمْ أَدْخَلَ كَلَامَ بَعْضِهِمْ فِي بَعْضٍ. وَقَدْ خَطَّأَهَا قَوْمٌ حَتَّى قَالَ أَبُو عَمْرٍو: إِنِّي لَأَسْتَحِي مِنَ الله [تعالى(٢)أَنْ أَقْرَأَ" إِنْ هذانِ [٢٠: ٦٣]". وَرَوَى عُرْوَةُ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّهَا سُئِلَتْ عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى "لكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ"(٣)ثُمَّ قَالَ: "وَالْمُقِيمِينَ"(٤)وَفِي "الْمَائِدَةِ" ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا وَالصَّابِئُونَ﴾(٥) [المائدة: ٦٩]وَ" إِنْ هذانِ لَساحِرانِ [٢٠: ٦٣] "فَقَالَتْ: يَا ابْنَ أُخْتِي! هَذَا خَطَأٌ مِنَ الْكَاتِبِ. وَقَالَ عُثْمَانُ ابن عَفَّانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: فِي الْمُصْحَفِ لَحْنٌ وَسَتُقِيمُهُ الْعَرَبُ بِأَلْسِنَتِهِمْ. وَقَالَ أَبَانُ بْنُ عُثْمَانَ: قَرَأْتُ هَذِهِ الْآيَةَ عِنْدَ أَبِي عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ، فَقَالَ: لَحْنٌ وَخَطَأٌ، فَقَالَ لَهُ قَائِلٌ: أَلَا تُغَيِّرُوهُ؟ فَقَالَ: دَعُوهُ فَإِنَّهُ لَا يُحَرِّمُ حلالا ولا يحلل حرما. الْقَوْلُ الْأَوَّلُ مِنَ الْأَقْوَالِ السِّتَّةِ: أَنَّهَا لُغَةُ بنى الحرث بْنِ كَعْبٍ وَزُبَيْدٍ وَخَثْعَمَ. وَكِنَانَةَ بْنِ زَيْدٍ يجعلون رفع الاثنين ونصبه وخفضه بالألف، يَقُولُونَ: جَاءَ الزَّيْدَانِ وَرَأَيْتُ الزَّيْدَانِ وَمَرَرْتُ بِالزَّيْدَانِ، ومنه قوله تعالى:" وَلا أَدْراكُمْ بِهِ [١٠: ١٦]" [يونس: ١٦]عَلَى مَا تَقَدَّمَ(٦). وَأَنْشَدَ الْفَرَّاءُ لِرَجُلٍ مِنْ بَنِي أَسَدٍ(٧) - قَالَ: وَمَا رَأَيْتُ أَفْصَحَ مِنْهُ:
فَأَطْرَقَ إِطْرَاقَ الشُّجَاعِ وَلَوْ يَرَى ... مَسَاغًا لِنَابَاهُ الشُّجَاعُ لَصَمَّمَا(٨)
وَيَقُولُونَ: كَسَرْتُ يَدَاهُ وَرَكِبْتُ عَلَاهُ، بمعنى يديه وعليه، قال شاعرهم:(٩)
تَزَوَّدَ مِنَّا بَيْنَ أُذْنَاهُ ضَرْبَةً ... دَعَتْهُ إِلَى هابي التراب عقيم
وَقَالَ آخَرُ:(١٠)
طَارُوا عَلَاهُنَّ فَطِرْ عَلَاهَا
أَيْ عَلَيْهِنَّ وَعَلَيْهَا. وَقَالَ آخَرُ:(١١)
إِنَّ أَبَاهَا وَأَبَا أَبَاهَا ... قَدْ بَلَغَا فِي الْمَجْدِ غَايَتَاهَا
أَيْ إن أبا أبيها وغايتها. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ النَّحَّاسُ: وَهَذَا الْقَوْلُ مِنْ أَحْسَنِ مَا حُمِلَتْ عَلَيْهِ الْآيَةُ، إِذْ كَانَتْ هَذِهِ اللُّغَةُ مَعْرُوفَةً، وَقَدْ حَكَاهَا مَنْ يُرْتَضَى بِعِلْمِهِ وَأَمَانَتِهِ، مِنْهُمْ أَبُو زَيْدٍ الْأَنْصَارِيُّ، وَهُوَ الَّذِي يَقُولُ: إِذَا قَالَ سِيبَوَيْهِ حَدَّثَنِي مَنْ أَثِقُ بِهِ فَإِنَّمَا يَعْنِينِي، وَأَبُو الْخَطَّابِ الْأَخْفَشُ وَهُوَ رَئِيسٌ مِنْ رُؤَسَاءِ اللُّغَةِ، وَالْكِسَائِيُّ وَالْفَرَّاءُ كلهم قالوا هذا على لغة بني الحرث بْنِ كَعْبٍ. وَحَكَى أَبُو عُبَيْدَةَ عَنْ أَبِي الْخَطَّابِ أَنَّ هَذِهِ لُغَةُ بَنِي كِنَانَةَ. الْمَهْدَوِيُّ: وَحَكَى غَيْرُهُ أَنَّهَا لُغَةٌ لِخَثْعَمَ. قَالَ النَّحَّاسُ وَمِنْ أَبْيَنِ مَا فِي هَذَا قَوْلُ سِيبَوَيْهِ: وَاعْلَمْ أَنَّكَ إِذَا ثَنَّيْتَ الْوَاحِدَ زِدْتَ عَلَيْهِ زَائِدَتَيْنِ، الْأُولَى مِنْهُمَا حَرْفُ مَدٍّ وَلِينٍ وَهُوَ حَرْفُ الْإِعْرَابِ، قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ فَقَوْلُ سِيبَوَيْهِ: وَهُوَ حَرْفُ الْإِعْرَابِ، يُوجِبُ أَنَّ الْأَصْلَ أَلَّا يتغير، فيكون "إن هذان" جاء عَلَى أَصْلِهِ لِيُعْلَمَ ذَلِكَ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى ﴿اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطانُ﴾(١٢) [المجادلة: ١٩]وَلَمْ يَقُلِ اسْتَحَاذَ، فَجَاءَ هَذَا لِيَدُلَّ عَلَى الْأَصْلِ، وَكَذَلِكَ "إِنْ هَذَانِ" وَلَا يُفَكَّرُ فِي إنكار من أنكر هذه اللغة إذ كَانَ الْأَئِمَّةُ قَدْ رَوَوْهَا. الْقَوْلُ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ "إِنْ" بِمَعْنَى نَعَمْ، كَمَا حَكَى الْكِسَائِيُّ عَنْ عَاصِمٍ قَالَ: الْعَرَبُ تَأْتِي بِ"- إِنْ "بِمَعْنَى نَعَمْ، وَحَكَى سِيبَوَيْهِ أَنَّ" إِنْ" تَأْتِي بِمَعْنَى أَجَلْ، وَإِلَى هَذَا الْقَوْلِ كَانَ مُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ الْقَاضِي يَذْهَبَانِ، قَالَ النَّحَّاسُ: وَرَأَيْتُ أَبَا إِسْحَاقَ الزَّجَّاجَ وَعَلِيَّ بْنَ سُلَيْمَانَ يَذْهَبَانِ إِلَيْهِ. الزَّمَخْشَرِيُّ: وَقَدْ أُعْجِبَ بِهِ أَبُو إِسْحَاقَ. النَّحَّاسُ: وَحَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ السَّلَامِ النَّيْسَابُورِيُّ، ثُمَّ لَقِيتُ عَبْدَ الله بن أحمد [هذا(١٣)فَحَدَّثَنِي، قَالَ حَدَّثَنِي عُمَيْرُ بْنُ الْمُتَوَكِّلِ، قَالَ حدثنا محمد ابن موسى النوفلي من ولد حرث بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، قَالَ حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ جميع الكوفي عن جعفر ابن مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَلِيٍّ- وَهُوَ ابْنُ الْحُسَيْنِ- عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ، قَالَ: لَا أُحْصِي كَمْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ عَلَى مِنْبَرِهِ: "إِنَّ الْحَمْدُ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ" ثُمَّ يَقُولُ: "أَنَا أَفْصَحُ قريش كلها وأفصحها بعدي أبان ابن سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ" قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ الْخَفَّافُ قَالَ عُمَيْرٌ: إِعْرَابُهُ عِنْدَ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ وَالنَّحْوِ "إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ" بِالنَّصْبِ إِلَّا أَنَّ الْعَرَبَ تَجْعَلُ "إِنَّ" فِي مَعْنَى نَعَمْ كَأَنَّهُ أَرَادَ ﷺ نَعَمِ الْحَمْدُ لِلَّهِ، وذلك أن خطباء الجاهلية كانت تفتتح [في(١٤)خُطَبَهَا بِنَعَمْ. وَقَالَ الشَّاعِرُ فِي مَعْنَى نَعَمْ:
قَالُوا غَدَرْتَ فَقُلْتُ إِنَّ وَرُبَّمَا ... نَالَ الْعُلَا وَشَفَى الْغَلِيلَ الْغَادِرُ
وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ قَيْسُ الرُّقَيَّاتِ:
بَكَرَ الْعَوَاذِلُ فِي الصَّبَا ... حَ يَلُمْنَنِي وَأَلُومُهُنَّهْ
وَيَقُلْنَ شَيْبٌ قَدْ عَلَا ... كَ وَقَدْ كَبِرْتَ فَقُلْتُ إِنَّهْ
فَعَلَى هَذَا جَائِزٌ أَنْ يَكُونَ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: "إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ" بِمَعْنَى نَعَمْ وَلَا تُنْصَبُ. قَالَ النَّحَّاسُ: أَنْشَدَنِي دَاوُدُ بْنُ الْهَيْثَمِ، قَالَ أَنْشَدَنِي ثَعْلَبٌ:
لَيْتَ شِعْرِي هَلْ لِلْمُحِبِّ شِفَاءٌ ... مِنْ جوى حبهن إن اللقاء
قَالَ النَّحَّاسُ: وَهَذَا قَوْلٌ حَسَنٌ إِلَّا أَنَّ فِيهِ شَيْئًا لِأَنَّهُ إِنَّمَا يُقَالُ: نَعَمْ زَيْدٌ خارج، ولا تكاد تقع اللام ها هنا، وَإِنْ كَانَ النَّحْوِيُّونَ قَدْ تَكَلَّمُوا فِي ذَلِكَ فَقَالُوا: اللَّامُ يُنْوَى بِهَا التَّقْدِيمُ، كَمَا قَالَ:
خَالِي لَأَنْتَ وَمَنْ جَرِيرٌ خَالُهُ ... يَنَلِ الْعَلَاءَ وَيُكْرِمِ الْأَخْوَالَا
آخَرُ:
أُمُّ الْحُلَيْسِ لَعَجُوزٌ شَهْرَبَهْ ... تَرْضَى مِنَ الشَّاةِ بِعَظْمِ الرَّقَبَهْ
أَيْ لَخَالِي وَلَأُمِّ الْحُلَيْسِ، وَقَالَ الزَّجَّاجُ: وَالْمَعْنَى فِي الْآيَةِ إِنَّ هَذَانِ لَهُمَا سَاحِرَانِ ثُمَّ حَذَفَ الْمُبْتَدَأَ. الْمَهْدَوِيُّ: وَأَنْكَرَهُ أَبُو عَلِيٍّ وَأَبُو الْفَتْحِ بْنُ جِنِّيٍّ. قَالَ أَبُو الْفَتْحِ: "هُمَا" الْمَحْذُوفُ لَمْ يُحْذَفْ إِلَّا بَعْدَ أَنْ عُرِفَ، وَإِذَا كَانَ مَعْرُوفًا فَقَدِ اسْتُغْنِيَ بِمَعْرِفَتِهِ عَنْ تَأْكِيدِهِ بِاللَّامِ، وَيَقْبُحُ أَنْ تَحْذِفَ الْمُؤَكَّدَ وَتَتْرُكَ الْمُؤَكِّدَ. الْقَوْلُ الثالث: قاله الفراء أيضا [قال(١٥): وَجَدْتُ الْأَلِفَ دِعَامَةً لَيْسَتْ بِلَامِ الْفِعْلِ فَزِدْتُ عَلَيْهَا نُونًا وَلَمْ أُغَيِّرْهَا كَمَا قُلْتُ: "الَّذِي" ثُمَّ زِدْتُ عَلَيْهِ نُونًا فَقُلْتُ: جَاءَنِي الَّذِينَ عِنْدَكَ، وَرَأَيْتُ الَّذِينَ عِنْدَكَ، وَمَرَرْتُ بِالَّذِينَ عِنْدَكَ. الْقَوْلُ الرَّابِعُ: قَالَهُ بَعْضُ الْكُوفِيِّينَ قَالَ الْأَلِفُ فِي "هَذَانَ" مُشَبَّهَةٌ بِالْأَلِفِ فِي يَفْعَلَانِ فَلَمْ تُغَيَّرْ. الْقَوْلُ الْخَامِسُ: قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ: النَّحْوِيُّونَ القدماء يقولون الهاء ها هنا مُضْمَرَةٌ، وَالْمَعْنَى إِنَّهُ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ، قَالَ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ: فَأُضْمِرَتِ الْهَاءُ الَّتِي هِيَ مَنْصُوبُ "إِنْ" وَ" هذانِ [٢٠: ٦٣] "خَبَرُ" إِنْ "وَ" سَاحِرَانِ "يَرْفَعُهَا" هُمَا" الْمُضْمَرُ [وَالتَّقْدِيرُ(١٦)إِنَّهُ هَذَانَ لَهُمَا سَاحِرَانِ. وَالْأَشْبَهُ(١٧)عِنْدَ أَصْحَابِ أَهْلِ هَذَا الْجَوَابِ أَنَّ الْهَاءَ اسْمُ "إِنْ" وَ "هذانِ" رُفِعَ بِالِابْتِدَاءِ وَمَا بَعْدَهُ خَبَرُ الِابْتِدَاءِ. الْقَوْلُ السَّادِسُ: قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ النَّحَّاسُ وَسَأَلْتُ أَبَا الْحَسَنِ بْنَ كَيْسَانَ عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ، فَقَالَ: إِنْ شِئْتَ أَجَبْتُكَ بِجَوَابِ النَّحْوِيِّينَ، وَإِنْ شِئْتَ أَجَبْتُكَ بِقَوْلِي، فَقُلْتُ: بِقَوْلِكَ، فَقَالَ: سَأَلَنِي إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ عَنْهَا فَقُلْتُ: الْقَوْلُ عِنْدِي أَنَّهُ لَمَّا كَانَ يُقَالُ: "هَذَا" فِي مَوْضِعِ الرَّفْعِ وَالنَّصْبِ وَالْخَفْضِ عَلَى حَالٍ وَاحِدَةٍ، وَكَانَتِ التَّثْنِيَةُ يَجِبُ أَلَّا يغير لها الواحد أجريت التثنية مجرى الواحد فَقَالَ: مَا أَحْسَنَ هَذَا لَوْ تَقَدَّمَكَ أَحَدٌ بِالْقَوْلِ بِهِ حَتَّى يُؤْنَسَ بِهِ، قَالَ ابْنُ كَيْسَانَ: فَقُلْتُ لَهُ: فَيَقُولُ الْقَاضِي بِهِ حَتَّى يؤنس به، فتبسم. [الجامع لأحكام القرآن الكريم: 11/ 216-219]


قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({قالوا إن هذان لساحران} هذه لغةٌ لبعض العرب، جاءت هذه القراءة على إعرابها، ومنهم من قرأ: "إن هذين لساحران" وهذه اللّغة المشهورة، وقد توسّع النّحاة في الجواب عن القراءة الأولى بما ليس هذا موضعه.
والغرض أنّ السّحرة قالوا فيما بينهم: تعلمون أنّ هذا الرّجل وأخاه -يعنون: موسى وهارون- ساحران عالمان خبيران بصناعة السّحر، يريدان في هذا اليوم أن يغلباكم وقومكم ويستوليا على النّاس، وتتبعهما العامّة ويقاتلا فرعون وجنوده، فينتصرا عليه ويخرجاكم من أرضكم.
وقوله: {ويذهبا بطريقتكم المثلى} أي: ويستبدّا بهذه الطّريقة، وهي السّحر، فإنّهم كانوا معظّمين بسببها، لهم أموالٌ وأرزاقٌ عليها، يقولون: إذا غلب هذان أهلكاكم وأخرجاكم من الأرض، وتفرّدا بذلك، وتمحّضت لهما الرّياسة بها دونكم.
وقد تقدّم في حديث الفتون عن ابن عبّاسٍ [قال] في قوله: {ويذهبا بطريقتكم المثلى} يعني: ملكهم الّذي هم فيه والعيش.
وقال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا أبي، حدّثنا نعيم بن حمّادٍ، حدّثنا هشيم، عن عبد الرّحمن بن إسحاق، سمع الشّعبيّ يحدّث عن عليٍّ في قوله: {ويذهبا بطريقتكم المثلى} قال: يصرفا وجوه النّاس إليهما.
وقال مجاهدٌ: {ويذهبا بطريقتكم المثلى} قال: أولي الشّرف والعقل والأسنان.
وقال أبو صالحٍ: {بطريقتكم المثلى} أشرافكم وسرواتكم. وقال عكرمة: بخيركم. وقال قتادة: وطريقتهم المثلى يومئذٍ بنو إسرائيل، كانوا أكثر القوم عددًا وأموالًا فقال عدوّ الله: يريدان أن يذهبا بها لأنفسهما.
وقال عبد الرّحمن بن زيدٍ: {بطريقتكم المثلى} بالّذي أنتم عليه).[تفسير القرآن العظيم: 5/ 301-302]

كتب المرتبة الأول: كتب معاني القرآن:
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {إن هذان لساحران...}قد اختلف فيه القراء فقال بعضهم: هو لحن ولكنا نمضي عليه لئلاّ نخالف الكتاب. ... حدثني أبو معاوية الضرير، عن هاشم بن عروة بن الزبير، عن أبيه، عن عائشة أنها سئلت عن قوله في النساء {لكن الراسخون في العلم منهم .... والمقيمين الصلاة}وعن قوله في المائدة {إن الذين آمنوا والّذين هادوا والصّابئون}وعن قوله: {إنّ هذان لساحران}فقالت: يا بن أخي هذا كان خطأ من الكاتب. وقرأ أبو عمرو {إنّ هذين لساحران} واحتجّ أنه بلغه عن بعض أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم أنه قال: إن في المصحف لحناً وستقيمه العرب.
...
ولست أشتهي على (أن أخالف الكتاب وقرأ بعضهم {إن هذان لساحران}خفيفة وفي قراءة عبد الله: (وأسروا النجوى أن هذان ساحران) وفي قراءة أبيّ (إن ذان إلاّ ساحران) فقراءتنا بتشديد (إنّ) وبالألف على جهتين.
إحداهما على لغة بني الحارث بن كعب: يجعلون الاثنين في رفعهما ونصبهما وخفضهما بالألف وأنشدني رجل من الأسد عنهم. يريد بني الحارث:

فأطرق إطراق الشجاع ولو يرىمـسـاغـاً لـنـابـاه الـشـجـاع لصـمّـمـا

قال: وما رأيت أفصح من هذا الأسديّ وحكى هذا الرجل عنهم: هذا خطّ يدا أخي بعينه. وذلك - وإن كان قليلاً - أقيس؛ لأنّ العرب قالوا: مسلمون فجعلوا الواو تابعة للضمّة (لأن الواو لا تعرب) ثم قالوا: رأيت المسلمين فجعلوا الياء تابعة لكسرة الميم. فلمّا رأوا أن الياء من الاثنين لا يمكنهم كسر ما قبلها، وثبت مفتوحاً: تركوا الألف تتبعه،
فقالوا: رجلان في كل حال. وقد اجتمعت العرب على إثبات الألف في كلا الرجلين في الرفع والنصب والخفض وهما اثنان، إلاّ بني كنانة فإنهم يقولون: رأيت كلى الرجلين ومررت بكلى الرجلين. وهي قبيحة قليلة، مضوا على القياس.
والوجه الآخر أن تقول: وجدت الألف (من هذا دعامة وليست بلام فعل، فلمّا ثنيت زدت عليها نوناً ثم تركت الألف) ثابتة على حالها لا تزول على كلّ حال؛ كما قالت العرب (الذي) ثم زادوا نوناً تدلّ على الجماع، فقالوا: الذين في رفعهم ونصبهم وخفضهم كما تركوا (هذان) في رفعه ونصبه وخفضه. وكنانة يقولون (اللّذون) ). [معاني القرآن: 2/184،183]

قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {إنّ هذان لساحران}قال أبو عمرو وعيسى ويونس " إنّ هذين لساحران " في اللفظ وكتب " هذان " كما يزيدون وينقصون في الكتاب واللفظ صواب، وزعم أبو الخطاب أنه سمع قوماً من بني كنانة وغيرهم يرفعون الاثنين في موضع الجر والنصب، قال بشر بن هلال " إنّ " بمعنى الابتداء والإيجاب، ألا ترى أنها تعمل فيما يليها ولا تعمل فيما بعد الذي بعدها فترفع الخبر ولا تنصبه كما تنصب الاسم فكان مجازه " إنّ [مجاز القرآن: 2/21]
{هذان لساحران}مجاز كلامين، مخرجه: إنه أي نعم، ثم قلت: هذان ساحران، ألا ترى أنهم يرفعون المشرك كقوله:

فمن يك أمسى بالمدينة رحلهفــــإنـــــيّ وقــــيّـــــارٌ بــــهـــــا لـــغـــريـــب

وقوله:
إنّ شرخ الشّباب والشّعر الأسودمـــــــــا لـــــــــم يــــعـــــاص كـــــــــان جـــنـــونـــا

وقوله:
إنّ الـســيــوف غــدوّهـــا ورواحـــهـــاتركت هوزان مثل قرن الأعضب

ويقول بعضهم " إنّ الله وملائكته يصلون على النّبي " فيرفعون ملائكته على شركة الابتداء ولا يعملون فيها " إن "، وقال سمعت الفصحاء من المحرمين يقولون: إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك له.
وقرأها قومٌ على تخفيف نون " إن " وإسكانها وهو يجوز لأنهم قد أدخلوا اللام في الابتداء وهي فضل، قال:
أم الحليس لعجوزٌ شهربه وزعم قومٌ أنه لا يجوز لأنه إذا خفف نون " إن " فلا بد له من أن يدخل إلا فيقول: إن هذان إلا ساحران). [مجاز القرآن: 2/23،22]

قال أبو الحسن البلخي، الأخفش الأوسط (المتوفى: 215هـ): قال {إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ} خفيفة في معنى ثقيلة. وهي لغة لقوم يرفعون ويدخلون اللام ليفرقوا بينها وبين التي تكون في معنى "ما" ونقرؤها ثقيلة وهي لغة لبني الحارث بن كعب. [ معني القرآن: 2-433/444]

قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (باب ما ادّعي على القرآن من اللحن، وأما ما تعلَّقوا به من حديث عائشة رضي الله عنها في غَلَطِ الكاتب، وحديث عثمان رضي الله عنه: أرى فيه لَحْناً- فقد تكلم النحويون في هذه الحروف، واعتلُّوا لكلِّ حرف منها، واستشهدوا الشعرَ: فقالوا: في قوله سبحانه: {إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ}وهي لغة بلحرث بن كعب يقولون: مررت برجلان، وقبضت منه درهمان، وجلست بين يداه، وركبت علاه. وأنشدوا:

تــزوّد مـنَّـا بـيــن أذنـــاه ضـربــةدعته إلى هابي التراب عقيم

أي موضع كثير التراب لا ينبت.
وأنشدوا:

أيَّ قـلــوصِ راكـــبِ تـراهــاطارُوا علاهنَّ فَطِرْ عَلاها

على أنَّ القراءَ قد اختلفوا في قراءة هذا الحرف: فقرأه أبو عمرو بن العلاء، وعيسى بن عمر: «إنّ هذين لساحران» وذهبا إلى أنه غلط من الكاتب كما قالت عائشة.
وكان عاصم الجحدريّ يكتب هذه الأحرف الثلاثة في مصحفه على مثالها في الإمام، فإذا قرأها، قرأ: «إنَّ هذين لساحران»، وقرأ {المقيمون الصلاة}،
وقرأ {إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ}.
وكان يقرأ أيضا في سورة البقرة: {والصابرون فى البأساء والضراء} ويكتبها: الصابرين.
وإنما فرق بين القراءة والكتاب لقول عثمان رحمة الله: أرى فيه لحنا وستقيمه العرب بألسنتها فأقامه بلسانه، وترك الرسم على حاله.
وكان الحجَّاجُ وكَّلَ عاصماً وناجِيَةَ بنَ رُمْحٍ وعليَّ بنَ أصمعَ بتَتَبُّعِ المصاحفِ، وأمرهم أن يقطعوا كل مصحف وجدوه مخالفاً لمصحف عثمان، ويعطوا صاحبه ستين درهماً.
خبّرني بذلك أبو حاتم عن الأصمعيِّ قال: وفي ذلك يقول الشاعر:

وإلا رســـومُ الـــدّار قــفــراً كـأنّـهــاكتابٌ مَحَاهُ البَاهليُّ بنُ أَصْمَعَا

وقرأ بعضهم: {إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ}اعتباراً بقراءة أُبيّ لأنها في مصحفه: «إن ذان إلا ساحران» وفي مصحف عبد الله: (وأسرّوا النّجوى أن هذان ساحران) منصوبة بالألف يجعل (أن هذان) تبيينا للنجوى). [تأويل مشكل القرآن: 50-52]

قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله عزّ وجلّ: {قالوا إن هذان لساحران يريدان أن يخرجاكم من أرضكم بسحرهما ويذهبا بطريقتكم المثلى}
{إن هذان لساحران}.
يعنون موسى وهارون. وهذا الحرف من كتاب اللّه عزّ وجلّ مشكل على أهل اللغة، وقد كثر اختلافهم في تفسيره، ونحن نذكر جميع ما قاله النحويون ونخبر بما نظن أنه الصواب واللّه أعلم، وقبل شرح إعرابه نخبر بقراءة القراء أما قراءة أهل المدينة والأكمه في القراءة فبتشديد (إنّ) والرفع في (هذان) وكذلك قرأ أهل العراق حمزة وعاصم - في رواية أبي بكر بن عياش والمدنيون.
وروي عن عاصم: إن هذان بتخفيف (إن)، ويصدّق ما قرأه عاصم في هذه القراءة ما يروى عن أبيّ فإنه قرأ: ما هذان إلّا ساحران، وروي أيضا عنه أنه قرأ: إن هذان إلا ساحران، ورويت عن الخليل أيضا: إن هذان لساحران - بالتخفيف -.
والإجماع أنه لم يكن أحد بالنحو أعلم من الخليل.
وقرأ أبو عمرو وعيسى بن عمر: إنّ هذين لساحران، بتشديد " إنّ " ونصب هذين.
فهذه الرواية فيه.
فأما احتجاج النحويين فاحتجاج أبي عمرو في مخالفته المصحف في هذا أنه روي أنه من غلط الكاتب، وأن في الكتاب غلطا ستقيمه العرب بألسنتها، يروى ذلك عن عثمان بن عفان وعن عائشة - رحمهما اللّه -.
وأما الاحتجاج في أنّ هذان بتشديد أن ورفع هذان فحكى أبو عبيدة عن أبي الخطاب وهو رأس من رؤساء الرواة، أنها لغة لكنانة، يجعلون ألف الاثنين في الرفع والنصب والخفض على لفظ واحد، يقولون أتاني الزيدان.
ورأيت الزيدان، ومررت بالزيدان، وهؤلاء ينشدون:

فأطرق إطراق الشّجاع ولو رأىمسـاغـا لـنـابـاه الـشّـجـاع لصـمّـمـا

وهؤلاء أيضا يقولون: ضربته بين أذناه، ومن يشتري مني الخفّان وكذلك روى أهل الكوفة أنها لغة لبني الحرث بن كعب.
قال النحويون القدماء: ههنا هاء مضمرة، المعنى إنه هذان لساحران،
وقالوا أيضا أن معنى (إن) معنى (نعم)، المعنى نعم هذان لساحران.
وينشدون:

ويـقـلــن شــيــب قــــد عــــلّاك وقد كبرت فقلت إنّه

ويحتجون بأن هذه اللام - أصلها - أن تقع في الابتداء، وأن وقوعها في الخبر جائز، وينشدون في ذلك:

خالي لأنت ومن جرير خالهينـل العـلاء ويكـرم الأخــوالا

وأنشدوا أيضا:

أمّ الـحـلـيــس لــعــجــوز شــهــربــهترضى من الشاة بعظم الرّقبه

قالوا: المعنى لأنت خالي، والمعنى لأم الحليس عجوز.
وقال الفراء في هذا: إنهم زادوا فيها النون في التثنية وتركوا الألف على حالها في الرفع والنصب والجر كما فعلوا في الذي، فقالوا الّذين في الرفع والنصب والجر.
فهذا جميع ما احتج به النحويون.
والذي عندي - واللّه أعلم - وكنت عرضته على عالمينا - محمد بن يزيد وعلى إسماعيل بن إسحاق بن حماد بن زيد القاضي فقبلاه وذكرا أنّه أجود ما سمعاه في هذا، وهو " أنّ) قد وقعت موقع " نعم "، وأن اللام وقعت موقعها، وأن المعنى هذان لهما ساحران.
والذي يلي هذه في الجودة مذهب بني كنانة في ترك ألف التثنية على هيئة واحدة، لأن حق الألف أن تدل على الاثنين، وكان حقها ألا تتغيّر كما لم تتغير ألف رحى وعضى، ولكن كان نقلها إلى الياء في النصب والخفض أبين وأفضل للتمييز بين المرفوع والمنصوب والمجرور.
فأمّا قراءة عيسى بن عمر وأبي عمرو بن العلاء فلا أجيزها لأنها خلاف المصحف، وكل ما وجدته إلى موافقة المصحف أقرب لم أجز مخالفته، لأن اتباعه سنة.
وما عليه أكثر القراء، ولكني أستحسن {إن هذان لساحران}بتخفيف (إن) وفيه إمامان: عاصم والخليل، وموافقة أبيّ في المعنى وأن خالفه اللفظ، ويستحسن أيضا (إنّ هذان) بالتشديد، لأنه مذهب أكثر القراء، وبه يقرأ وهو قوي في العربية.). [معاني القرآن: 3/365-361]

قال أبو جعفر النَّحَّاس (ت: 338هـ):قالُوا إِنْ هذانِ لَساحِرانِ فيه ست قراءات(١) قرأ المدنيون والكوفيون إنّ هذان لساحران وقرأ أبو عمرو إنّ هذين لساحران وهذه القراءة مروية عن الحسن وسعيد بن جبير وإبراهيم النخعي وعيسى بن عمر وعاصم الجحدري، وقرأ الزهري وإسماعيل بن قسطنطين والخليل بن أحمد وعاصم في إحدى الروايتين إِنْ هذانِ لَساحِرانِ بتخفيف إن.
فهذه ثلاث قراءات، قد رواها الجماعة عن الأئمة. وروي عن عبد الله بن مسعود إن هذان إلّا ساحران وقال الكسائي: في قراءة عبد الله إن هذان ساحران بغير لام، وقال الفراء(٢) : في حرف أبيّ إن ذان إلّا ساحران فهذه ثلاث قراءات أخرى، تحمل على التفسير، إلا أنها جائز أن يقرأ بها لمخالفتها المصحف. قال أبو جعفر: القراءة الأولى للعلماء فيها ستة أقوال: منها أن يكون إنّ بمعنى نعم، كما حكى الكسائي عن عاصم قال العرب:
تأتي بإنّ بمعنى نعم، وحكى سيبويه: أنّ «إنّ» تأتي بمعنى أجل. وإلى هذا القول كان محمد بن يزيد وإسماعيل بن إسحاق يذهبان. قال أبو جعفر: ورأيت أبا إسحاق وأبا الحسن علي بن سليمان يذهبان إليه. وحدّثنا علي بن سليمان قال: حدّثنا عبد الله بن أحمد بن عبد السّلام النيسابوري، ثمّ لقيت عبد الله بن أحمد هذا فحدّثني قال: حدّثنا عمير بن المتوكل قال: حدّثنا محمد بن موسى النوفلي من ولد حارث بن عبد المطلب قال: حدّثنا عمرو بن جميع الكوفي عن جعفر بن محمد عن أبيه عن علي وهو علي بن الحسين عن أبيه عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه. قال: لا أحصي كم سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على منبره يقول: «إنّ الحمد لله نحمده ونستعينه ثم يقول: أنا أفصح قريش كلّها وأفصحها بعدي أبان بن سعيد بن العاص»(٣) قال أبو محمد: قال عمير: إعرابه عند أهل العربية في النحو إنّ الحمد لله بالنصب إلّا أن العرب تجعل «إنّ» في معنى نعم كأنه أراد: نعم الحمد لله، وذلك أن خطباء الجاهلية كانت تفتتح في خطبتها بنعم، وقال الشاعر في معنى نعم: [الكامل] 292-
قالوا: غدرت فقلت إنّ وربّما ... نال العلى وشفى الغليل الغادر(٤)
وقال ابن قيس الرقيات(٥) : [مجزوء الكامل] 293-
بكر العواذل في الصّبوح ... يلمنني وألومهنّه
ويقلن شيب قد علاك ... وقد كبرت، فقلت: إنّه
فعلى هذا جائز أن يكون قول الله عزّ وجلّ: إِنْ هذانِ لَساحِرانِ بمعنى نعم.
قال أبو جعفر: أنشدني داود بن الهيثم قال: أنشدني ثعلب: [الخفيف] 294-
ليت شعري هل للمحبّ شفاء ... من جوى حبّهنّ إنّ اللّقاء(٦)
أي: نعم، فهذا قول. وقال أبو زيد والكسائي والأخفش والفراء: هذا على لغة بني الحارث بن كعب. قال الفراء: يقولون: رأيت الزّيدان، ومررت بالزّيدان وأنشد: [الطويل] 295-
فأطرق إطراق الشّجاع ولو يرى ... مساغا لناباه الشّجاع لصمّما(٧)
وحكى أبو الخطاب أنّ هذه لغة بني كنانة، وللفراء قول آخر قال: وجدت الألف دعامة ليست بلام الفعل فزدت عليها نونا ولم أغيرها، كما قلت: الذي، ثم زدت عليها نونا فقلت: جاءني الذين عندك، ورأيت الذين عندك. قال أبو جعفر: وقيل: شبّهت الألف في قولك: هذان بالألف في يفعلان، فلم تغير. قال أبو إسحاق: النحويون القدماء يقولون: الهاء هاهنا مضمرة، والمعنى: إنّه هذان لساحران. فهذه خمسة أقوال، قال أبو جعفر: وسألت أبا الحسن بن كيسان عن هذه الآية فقال: إن شئت أجبتك بجواب النحويين، وإن شئت أجبتك بقولي فقلت: بقولك، فقال: سألني إسماعيل بن إسحاق عنها فقلت: القول عندي أنه لما كان يقال: هذا في موضع الرفع والنصب والخفض على حال واحدة، وكانت التثنية يجب أن لا يغيّر لها الواحد أجريت التثنية مجرى الواحد، فقال: ما أحسن هذا لو تقدّمك بالقول به حتى يؤنس به، فقلت: فيقول القاضي «به» حتى يؤنس به فتبسّم. قال أبو جعفر: القول الأول أحسن إلّا أنّ فيه شيئا لأنه إنما قال: إنما يقال: نعم زيد خارج، ولا يكاد يقع اللام هاهنا، وإن كان النحويون قد تكلّموا في ذلك فقالوا: اللّام ينوى بها التقديم. وقال أبو إسحاق: المعنى إنّ هذان لهما ساحران، ثمّ حذف المبتدأ كما قال: [الرجز] 296-
أمّ الحليس لعجوز شهربه(٨)
والقول الثاني من أحسن ما حملت عليه الآية إذ كانت هذه اللّغة معروفة، وقد حكاها من يرتضى علمه وصدقه وأمانته، منهم أبو زيد الأنصاري، وهو الذي يقول إذا قال سيبويه: حدّثني من أثق به فإنما يعنيني. وأبو الخطاب الأخفش، وهو رئيس من رؤساء أهل اللغة، روى عنه سيبويه وغيره. ومن بين ما في هذا قول سيبويه: واعلم أنّك إذا ثنّيت الواحد زدت عليه زائدتين، الأولى منهما حرف مدّ ولين، وهو حرف الإعراب. قال أبو جعفر: فقول سيبويه: وهو حرف الإعراب، يوجب أنّ الأصل أن لا يتغير إنّ هذان، جاء على أصله ليعلم ذلك وقد قال الله جلّ وعزّ: اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطانُ [المجادلة: 19] ولم يقل: استحاذ، فجاء على هذا ليدل على الأصل إذ كان الأئمة قد رووها وتبيّن أنها الأصل، وهذا بيّن جدا. وَيَذْهَبا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلى تأنيث أمثل، كما يقال: الأفضل والفضلى، وأنّثت الطريقة على اللفظ، وإن كان يراد بها الرجال، ويجوز أن يكون التأنيث على معنى الجماعة.
[ إعراب القرآن: 3/30-34]

قال أبو عبد الله محمد بن عبد الله ابن أبي زمنين(ت:399هـ):{إِن هَذَانِ لساحران}يَعْنِي: مُوسَى وَهَارُونَ.
قَالَ مُحَمَّدٌ: قَوْله: {هَذَانِ} بِالرَّفْعِ؛ ذَكَرَ أَبُو عُبَيْدَةَ أَنَّهَا لُغَةٌ لِكِنَانَةَ؛ يَجْعَلُونَ أَلْفَ الِاثْنَيْنِ فِي الرَّفْعِ وَالْخَفْضِ وَالنَّصْبِ عَلَى لَفْظٍ وَاحِدٍ، وَلِأَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ فِيهِ كَلَامٌ كَثِيرٌ، وَاخْتِلَافٌ يَطُولُ ذِكْرُهُ، غَيْرُ الَّذِي ذَكَرَ أَبُو عُبَيْدَةَ.[ تفسير القرآن العزيز 3/119]


كتب المرتبة الثانية: كتب غريب القرآن:

قال مكي بن أبي طالب القيسي (ت: 437هـ): قَوْله {إِن هَذَانِ لساحران} من رفع هَذَانِ حمله على لُغَة لبني الْحَارِث بن كَعْب يأْتونَ بالمثنى بِالْألف على كل حَال قَالَ بَعضهم
... تزَود منا بَين أذنَاهُ طعنة ... دَعَتْهُ هابي التُّرَاب عقيم ...
وَقيل إِن بِمَعْنى نعم وَفِيه بعد لدُخُول اللَّام فِي الْخَبَر وَذَلِكَ لَا يكون الا فِي شعر كَقَوْلِه ... أم الْحُلَيْس لعجوز شهر بِهِ ... ترْضى من اللَّحْم بِعظم الرقبه ...
وَكَانَ وَجه الْكَلَام لأم الْحُلَيْس عَجُوز وَكَذَلِكَ كَانَ وَجه الْكَلَام فِي الْآيَة ان حملت ان على معنى نعم إِن لهذان ساحران كَمَا تَقول نعم لهذان ساحران وَنعم لمُحَمد رَسُول الله وَفِي تَأَخّر اللَّام مَعَ لفظ ان بعض الْقُوَّة على نعم وَقيل إِن الْمُبْهم لما لم يظْهر فِيهِ اعراب فِي الْوَاحِد وَلَا فِي الْجمع جرت التَّثْنِيَة على ذَلِك فَأتي بِالْألف على كل حَال وَقيل الْهَاء مضمرة مَعَ ان وَتَقْدِيره انه هَذَانِ لساحران كَمَا تَقول إِنَّه زيد منطلق وَهُوَ قَول حسن لَوْلَا أَن دُخُول اللَّام فِي الْخَبَر يبعده فَأَما من خفف إِن فَهِيَ قِرَاءَة حَسَنَة لِأَنَّهُ أصلح الاعراب وَلم يُخَالف الْخط لَكِن دُخُول اللَّام فِي الْخَبَر يَعْتَرِضهُ على مَذْهَب سِيبَوَيْهٍ لِأَنَّهُ يقدر أَنَّهَا المخففة من الثَّقِيلَة ارْتَفع مَا بعْدهَا بِالِابْتِدَاءِ وَالْخَبَر لنَقص بنائها فَرجع مَا بعْدهَا الى أَصله وَاللَّام لَا تدخل فِي خبر ابْتِدَاء أَتَى على أصلة إِلَّا فِي شعر على مَا ذكرنَا وَأما على مَذْهَب الْكُوفِيّين فَهُوَ من أحسن شَيْء لأَنهم يقدرُونَ إِن الْخَفِيفَة بِمَعْنى مَا وَاللَّام بِمَعْنى إِلَّا فتقدير الْكَلَام مَا هَذَانِ إِلَّا ساحران فَلَا خلل فِي هَذَا التَّقْدِير إِلَّا. [مشكل إعراب القرآن : 2/466-467]


كتب المرتبة الرابعة: التفاسير التي تعنى بالمسائل اللغوية:

قال أبو القاسم محمود بن عمر الزمخشري(ت:538هـ): قرأ أبو عمرو إِنْ هذانِ لَساحِرانِ على الجهة الظاهرة المكشوفة. وابن كثير وحفص: إن هذان لساحران، على قولك: إن زيد لمنطلق. واللام هي الفارقة بين إن النافية والمخففة من الثقيلة. [ الكشاف 3/72]

قال أبو العباس شهاب الدين أحمد بن يوسف (السمين الحلبي) (ت: 756هـ): {إِنْ هذان لَسَاحِرَانِ} [طه: 63] في قراءةِ مَنْ قرأه بالألف، وفي الآية كلامٌ طويل يأتي إنْ شاء الله تعالى في موضعِه، وجعل منه أيضاً قولَ عبد الله بن الزبير: «إنَّ وصاحبُها» جواباً لمن قال له: «لَعَن الله ناقة حملتني إليك» أي: نعم وصاحبُها، وجَعَلَ منه قولَ الآخر:
177 - 2- بَرَزَ الغواني في الشبا ... بِ يَلُمْنَني وألومُهُنَّهْ
ويَقُلْنَ شَيْبٌ قد عَلا ... كَ وقد كَبِرْتَ فقلتُ إنَّهْ [ الدر المصون 4/355]

قال شرف الدين الحسين بن عبد الله الطيبي (ت: 743 هـ): قرأ أبو عمرو (إِنْ هذانِ لَساحِرانِ) على الجهة الظاهرة المكشوفة. وابن كثير وحفص: (إن هذان لساحران)، على قولك: إن زيد لمنطلق. واللام هي الفارقة بين (إن) النافية والمخففة من الثقيلة.
وقرأ أبىّ: (إن ذان إلا ساحران). وقرأ ابن مسعود: (أن هذان ساحران): بفتح (أن) وبغير لام، بدل من (النجوى). وقيل في القراءة المشهورة (إِنْ هذانِ لَساحِرانِ) هي لغة بلحارث بن كعب، جعلوا الاسم المثنى نحو الأسماء التي آخرها ألف، كعصا وسعدى، فلم يقلبوها ياء في الجر والنصب. [ حاشية الطيبي على الكشاف: 10/196-198]

قال محمد الطاهر بن عاشور (ت: 1393هـ): قَوْلِهِ: إِنْ هذانِ لَساحِرانِ [طه: 63] . وَقَوله: الصَّابِئُونَ فِي سُورَةِ الْمَائِدَةِ [69] . وَقَرَأَتْهَا عَائِشَةُ، وَعَبْدُ اللَّهُ بْنُ مَسْعُودٍ، وَأُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ، وَالْحَسَنُ، وَمَالِكُ بْنُ دِينَارٍ، وَالْجَحْدَرِيُّ، وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، وَعِيسَى بْنُ عُمَرَ، وَعَمْرُو بْنُ عُبَيْدٍ:
وَالْمُقِيمُونَ- بِالرَّفْعِ-. وَلَا تُرَدُّ قِرَاءَةُ الْجُمْهُورِ الْمُجْمَعِ عَلَيْهَا بِقِرَاءَةٍ شَاذَّةٍ.
وَمِنَ النَّاسِ مَنْ زَعَمَ أَنَّ نَصْبَ الْمُقِيمِينَ وَنَحْوَهُ هُوَ مَظْهَرُ تَأْوِيلِ قَوْلِ عُثْمَانَ لِكُتَّابِ الْمَصَاحِفِ حِينَ أَتَمُّوهَا وَقَرَأَهَا أَنَّهُ قَالَ لَهُمْ: «أَحْسَنْتُمْ وَأَجْمَلْتُمْ وَأَرَى لَحْنًا قَلِيلًا سَتُقِيمُهُ الْعَرَبُ بِأَلْسِنَتِهَا» . وَهَذِهِ أَوْهَامٌ وَأَخْبَارٌ لَمْ تَصِحَّ عَنِ الَّذِينَ نُسِبَتْ إِلَيْهِمْ. وَمِنَ الْبَعِيدِ جدّا أَن يخطىء كَاتِبُ الْمُصْحَفِ فِي كَلِمَةٍ بَيْنَ أَخَوَاتِهَا فَيُفْرِدَهَا بِالْخَطَأِ دُونَ سَابِقَتِهَا أَوْ تَابِعَتِهَا، وَأَبْعَدَ مِنْهُ أَنْ يَجِيءَ الْخَطَأُ فِي طَائِفَةٍ مُتَمَاثِلَةٍ مِنَ الْكَلِمَاتِ وَهِيَ الَّتِي إِعْرَابُهَا بِالْحُرُوفِ النَّائِبَةِ عَنْ حَرَكَاتِ الْإِعْرَابِ مِنَ الْمُثَنَّى وَالْجَمْعِ عَلَى حَدِّهِ. وَلَا أَحْسَبُ مَا رَوَاهُ عَنْ عَائِشَةَ وَأَبَانِ بْنِ عُثْمَانَ فِي ذَلِكَ صَحِيحًا. وَقَدْ عَلِمْتُ وَجْهَ عَرَبِيَّتِهِ فِي الْمُتَعَاطِفَاتِ، وَأَمَّا وَجْهُ عَرَبِيَّةِ إِنْ هذانِ لَساحِرانِ فَيَأْتِي عِنْدَ الْكَلَام فِي سُورَةِ طه [63] .
وَالظَّاهِرُ أَنَّ تَأْوِيلَ قَوْلِ عُثْمَانَ هُوَ مَا وَقَعَ فِي رَسْمِ الْمُصْحَفِ مِنْ نَحْوِ الْأَلِفَاتِ الْمَحْذُوفَةِ. قَالَ صَاحِبُ «الْكَشَّافِ» : «وَهُمْ كَانُوا أَبْعَدَ هِمَّةً فِي الْغَيْرَةِ عَلَى الْإِسْلَامِ وَذَبِّ الْمَطَاعِنِ عَنْهُ مِنْ أَنْ يَتْرُكُوا فِي كِتَابِ اللَّهِ ثُلْمَةً لِيَسُدَّهَا مَنْ بَعْدَهُمْ وَخَرْقًا يَرْفُوهُ مَنْ يَلْحَقُ بِهِمْ» . وَقَدْ تَقَدَّمَ نَظِيرُ هَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْساءِ وَالضَّرَّاءِ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ [177] . [ التحرير والتنوير: 6/29-30]
-وَاعْلَمْ أَنَّ جَمِيعَ الْقُرَّاء المعتبرين قرأوا بِإِثْبَاتِ الْأَلِفِ فِي اسْمِ الْإِشَارَةِ من قَوْله «هاذان» مَا عَدَا أَبَا عَمْرٍو مِنَ الْعَشَرَةِ وَمَا عَدَا الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ مِنَ الْأَرْبَعَةَ عَشَرَ. وَذَلِكَ يُوجِبُ الْيَقِينَ بِأَنَّ إِثْبَاتَ الْأَلِفِ فِي لَفْظِ (هَذَانِ) أَكْثَرُ تَوَاتُرًا بِقَطْعِ النَّظَرِ عَنْ كَيْفِيَّةِ النُّطْقِ بِكَلِمَةِ (إِنَّ) مُشَدَّدَةً أَوْ مُخَفَّفَةً، وَأَنَّ أَكْثَرَ مَشْهُورِ الْقِرَاءَاتِ الْمُتَوَاتِرَةِ قَرَأُوا- بِتَشْدِيدِ نُونِ- (أَنَّ) مَا عَدَا ابْنَ كَثِيرٍ وَحَفْصًا عَنْ عَاصِمٍ فَهُمَا قَرَءَا (أَنْ) - بِسُكُونِ النُّونِ- عَلَى أَنَّهَا مُخَفَّفَةٌ مِنَ الثَّقِيلَةِ.
وَإِنَّ الْمُصْحَفَ الْإِمَامَ مَا رَسَمُوهُ إِلَّا اتِّبَاعًا لِأَشْهَرِ الْقِرَاءَاتِ الْمَسْمُوعَةِ الْمَرْوِيَّةِ مِنْ زَمَنِ النَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقُرَّاءِ أَصْحَابِهِ، فَإِنَّ حِفْظَ الْقُرْآنِ فِي صُدُورِ الْقُرَّاءِ أَقْدَمُ مِنْ كِتَابَتِهِ فِي الْمَصَاحِفِ، وَمَا كُتِبَ فِي أُصُولِ الْمَصَاحِفِ إِلَّا مِنْ حِفْظِ الْكَاتِبِينَ، وَمَا كُتِبَ الْمُصْحَفُ الْإِمَامُ إِلَّا مِنْ مَجْمُوعِ مَحْفُوظِ الْحُفَّاظِ وَمَا كَتَبَهُ كُتَّابُ الْوَحْيِ فِي مُدَّةِ نُزُولِ الْوَحْيِ.
فَأَمَّا قِرَاءَةُ الْجُمْهُورِ إِنْ هذانِ لَساحِرانِ- بِتَشْدِيدِ نُونِ- (إِنَّ) وَبِالْأَلِفِ فِي هذانِ وَكَذَلِكَ فِي لَساحِرانِ، فَلِلْمُفَسِّرِينَ فِي تَوْجِيهِهَا آرَاءٌ بَلَغَتِ السِّتَّةَ. وَأَظْهَرُهَا أَنْ تَكُونَ (إِنَّ) حَرْفُ جَوَابٍ مِثْلَ: نَعَمْ وَأَجَلْ، وَهُوَ اسْتِعْمَالٌ مِنِ اسْتِعْمَالَاتِ (إِنَّ) ، أَيِ اتَّبَعُوا لَمَّا اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ أَمْرُهُمْ بَعْدَ النَّجْوَى كَقَوْلِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قَيْسِ الرُّقَيَّاتِ:
وَيَقُلْنَ شَيْبٌ قَدْ عَلَا ... كَ وَقَدْ كَبِرْتَ فَقُلْتُ إِنَّهُ
أَيْ أَجَلْ أَوْ نَعَمْ، وَالْهَاءُ فِي الْبَيْتِ هَاءُ السَّكْتِ، وَقَوْلِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ لِأَعْرَابِيٍّ اسْتَجْدَاهُ فَلَمْ يُعْطِهِ، فَقَالَ الْأَعْرَابِيُّ: لَعَنَ اللَّهُ نَاقَةً حَمَلَتْنِي إِلَيْكَ. قَالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ: إِنَّ وَرَاكِبَهَا. وَهَذَا التَّوْجِيهُ مِنْ مُبْتَكَرَاتِ أَبِي إِسْحَاقَ الزَّجَّاجِ ذَكَرَهُ فِي «تَفْسِيرِهِ» . وَقَالَ: عَرَضْتُهُ عَلَى عَالِمَيْنَا وَشَيْخَيْنَا وَأُسْتَاذَيْنَا مُحَمَّدِ بْنِ يَزِيدٍ (يَعْنِي الْمُبَرِّدَ) ، وَإِسْمَاعِيلَ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ حَمَّادٍ (يَعْنِي الْقَاضِيَ الشَّهِيرَ) فَقَبِلَاهُ وَذَكَرَا أَنَّهُ أَجْوَدُ مَا سَمِعَاهُ فِي هَذَا.
وَقُلْتُ: لَقَدْ صَدَقَا وَحَقَّقَا، وَمَا أَوْرَدَهُ ابْنُ جِنِّيٍّ عَلَيْهِ مِنَ الرَّدِّ فِيهِ نَظَرٌ.
وَفِي «التَّفْسِيرِ الْوَجِيزِ» لِلْوَاحِدِيِّ سَأَلَ إِسْمَاعِيلُ الْقَاضِي (هُوَ ابْنُ إِسْحَاقَ بْنِ حَمَّادٍ) ابْنَ كَيْسَانَ عَنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، فَقَالَ ابْنُ كَيْسَانَ: لَمَّا لَمْ يَظْهَرْ فِي الْمُبْهَمِ إِعْرَابٌ فِي الْوَاحِدِ وَلَا فِي الْجَمْعِ (أَيْ فِي قَوْلِهِمْ هَذَا وَهَؤُلَاءِ إِذْ هُمَا مَبْنِيَّانِ) جَرَتِ التَّثْنِيَةُ مَجْرَى الْوَاحِدِ إِذِ التَّثْنِيَةُ يَجِبُ أَنْ لَا تُغَيَّرَ. فَقَالَ لَهُ إِسْمَاعِيل: مَا حسن هَذَا لَوْ تَقَدَّمَكَ أَحَدٌ بِالْقَوْلِ فِيهِ حَتَّى يُؤْنَسَ بِهِ! فَقَالَ لَهُ ابْنُ كَيْسَانَ: فَلْيَقُلْ بِهِ الْقَاضِي حَتَّى يُؤْنَسَ بِهِ، فَتَبَسَّمَ.
وَعَلَى هَذَا التَّوْجِيهِ يَكُونُ قَوْلُهُ تَعَالَى: إِنْ هذانِ لَساحِرانِ حِكَايَةً لِمَقَالِ فَرِيقٍ مِنَ الْمُتَنَازِعِينَ، وَهُوَ الْفَرِيقُ الَّذِي قَبِلَ هَذَا الرَّأْيَ لِأَنَّ حَرْفَ الْجَوَابِ يَقْتَضِي كَلَامًا سَبَقَهُ.
وَدَخَلَتِ اللَّامُ عَلَى الْخَبَرِ: إِمَّا عَلَى تَقْدِيرِ كَوْنِ الْخَبَرِ جُمْلَةً حُذِفَ مُبْتَدَأُهَا وَهُوَ مَدْخُولُ اللَّامِ فِي التَّقْدِيرِ، وَوُجُود اللّام ينبىء بِأَنَّ الْجُمْلَةَ الَّتِي وَقَعَتْ خَبَرًا عَنِ اسْمِ الْإِشَارَةِ جُمْلَةٌ قَسَمِيَّةٌ وَإِمَّا عَلَى رَأْيِ مَنْ يُجِيزُ دُخُولَ اللَّامِ عَلَى خَبَرِ الْمُبْتَدَأِ فِي غَيْرِ الضَّرُورَةِ.
وَوُجِّهَتْ هَذِهِ الْقِرَاءَةُ أَيْضًا بِجَعْلِ (إِنَّ) حَرْفَ تَوْكِيدٍ وَإِعْرَابُ اسْمِهَا الْمُثَنَّى جَرَى عَلَى لُغَةِ كِنَانَةَ وَبِلْحَارِثِ بْنِ كَعْبٍ الَّذِينَ يَجْعَلُونَ عَلَامَةَ إِعْرَابِ الْمُثَنَّى الْأَلِفَ فِي أَحْوَالِ الْإِعْرَابِ كُلِّهَا، وَهِيَ لُغَةٌ مَشْهُورَةٌ فِي الْأَدَبِ الْعَرَبِيِّ وَلَهَا شَوَاهِدُ كَثِيرَةٌ مِنْهَا قَوْلُ الْمُتَلَمِّسِ:
فَأَطْرَقَ إِطْرَاقَ الشُّجَاعِ وَلَوْ دَرَى ... مَسَاغًا لِنَابَاهُ الشُّجَاعُ لَصَمَّمَا
وَقَرَأَهُ حَفْصٌ- بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَتَخْفِيفِ نُونِ (إِنْ) مُسَكَّنَةً- عَلَى أَنَّهَا مُخَفَّفَةُ (إِنَّ) الْمُشَدَّدَةِ. وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ اسْمُ (إِنِ) الْمُخَفَّفَةِ ضَمِيرَ شَأْنٍ مَحْذُوفًا عَلَى الْمَشْهُورِ.
وَتَكُونُ اللَّامُ فِي لَساحِرانِ اللَّامَ الْفَارِقَةَ بَيْنَ (إِنِ) الْمُخَفَّفَةِ وَبَيْنَ (إِنِ) النَّافِيَةِ.
وَقَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ- بِسُكُونِ نُونِ (إِنْ) - عَلَى أَنَّهَا مُخَفَّفَةٌ مِنَ الثَّقِيلَةِ وَبِإِثْبَاتِ الْأَلِفِ فِي «هَذَانِ» وَبِتَشْدِيدِ نُونِ (هَاذَانِّ) .
وَأَمَّا قِرَاءَةُ أَبِي عَمْرٍو وَحْدَهُ إِنَّ هَذَيْنِ- بِتَشْدِيدِ نُونِ (إِنَّ) وَبِالْيَاءِ بَعْدَ ذَالِ «هَذَيْنِ» .
فَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ: هِيَ مُخَالفَة للمصحف. وَأَقل: ذَلِكَ لَا يَطْعَنُ فِيهَا لِأَنَّهَا رِوَايَةٌ صَحِيحَةٌ وَوَافَقَتْ وَجْهًا مَقْبُولًا فِي الْعَرَبِيَّةِ.
وَنُزُولُ الْقُرْآنِ بِهَذِهِ الْوُجُوهِ الْفَصِيحَةِ فِي الِاسْتِعْمَالِ ضَرْبٌ مِنْ ضُرُوبِ إِعْجَازِهِ لِتَجْرِيَ تَرَاكِيبُهُ عَلَى أَفَانِينَ مُخْتَلِفَةِ الْمَعَانِي مُتَّحِدَةِ الْمَقْصُودِ. فَلَا الْتِفَاتَ إِلَى مَا رُوِيَ مِنِ ادِّعَاءِ أَنَّ كِتَابَةَ «إِنَّ هَاذَانِ» خَطَأٌ مِنْ كَاتِبِ الْمُصْحَفِ، وَرِوَايَتِهِمْ ذَلِكَ عَنْ أَبَانَ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ
عَنْ أَبِيهِ، وَعَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ، وَلَيْسَ فِي ذَلِكَ سَنَدٌ صَحِيحٌ. حَسِبُوا أَنَّ الْمُسْلِمِينَ أَخَذُوا قِرَاءَةَ الْقُرْآنِ مِنَ الْمَصَاحِفِ وَهَذَا تَغَفُّلٌ، فَإِنَّ الْمُصْحَفَ مَا كُتِبَ إِلَّا بَعْدَ أَنْ قَرَأَ الْمُسْلِمُونَ الْقُرْآنَ نَيِّفًا وَعِشْرِينَ سَنَةً فِي أَقْطَارِ الْإِسْلَامِ، وَمَا كُتِبَتِ الْمَصَاحِفُ إِلَّا مِنْ حِفْظِ الْحُفَّاظِ، وَمَا أَخَذَ الْمُسْلِمُونَ الْقُرْآنَ إِلَّا مِنْ أَفْوَاهِ حُفَّاظِهِ قَبْلَ أَنْ تُكْتَبَ الْمَصَاحِفُ، وَبَعْدَ ذَلِكَ إِلَى الْيَوْمِ فَلَوْ كَانَ فِي بَعْضِهَا خَطَأٌ فِي الْخَطِّ لَمَا تَبِعَهُ الْقُرَّاءُ، وَلَكَانَ بِمَنْزِلَةِ مَا تُرِكَ مِنَ الْأَلِفَاتِ فِي كَلِمَاتٍ كَثِيرَةٍ وَبِمَنْزِلَةِ كِتَابَةِ أَلِفِ الصَّلَاةِ، وَالزَّكَاةِ، وَالْحَيَاةِ، وَالرِّبَا- بِالْوَاوِ- فِي مَوْضِعِ الْألف وَمَا قرأوها إِلَّا بِأَلِفَاتِهَا.
وَتَأْكِيدُ السَّحَرَةِ كَوْنَ مُوسَى وَهَارُونَ سَاحِرَيْنِ بِحَرْفِ (إِنَّ) لِتَحْقِيقِ ذَلِكَ عِنْدَ مَنْ يُخَامِرُهُ الشَّكُّ فِي صِحَّةِ دَعْوَتِهِمَا.[ التحرير والتنوير: 16/250-254]

المرتبة الخامسة: المراجع المتخصصة:

قال أحمد بن موسى بن العباس التميمي، أبو بكر بن مجاهد البغدادي (ت: 324هـ): وَاخْتلفُوا فى قَوْله {إِن هَذَانِ لساحران} 63 فى تَشْدِيد النونين وتخفيفهما وفى الْألف وَالْيَاء
فَقَرَأَ نَافِع وَابْن عَامر وَحَمْزَة والكسائى {إِن} مُشَدّدَة النُّون / هذن / بِأَلف خَفِيفَة النُّون
وَقَرَأَ ابْن كثير / إِن هذن / بتَشْديد نون / هذن / وَتَخْفِيف نون {إِن}
وَاخْتلف عَن عَاصِم فروى أَبُو بكر / إِن هذن / نون {إِن} مُشَدّدَة / هذن / مثل حَمْزَة وروى حَفْص عَن عَاصِم {إِن} سَاكِنة النُّون وهى قِرَاءَة ابْن كثير و / هذن / خَفِيفَة
وَقَرَأَ أَبُو عَمْرو وَحده {إِن} مُشَدّدَة النُّون / هذَيْن / بِالْيَاءِ[ السبعة في القراءات: 1/419]


شرح إسماعيل بن أحمد الحيري الضرير (ت: 431هـ)
إن مكسورة الألف الثقيلة النون

قال إسماعيل بن أحمد الحيري الضرير (ت: 431هـ): (باب إن مكسورة الألف الثقيلة النون
وهي على أربعة أوجه
أحدها: به كقوله {إن الذين كفروا}، {إن الذين آمنوا}.
والثاني: التأكيد، {ثم إن ربك} {وإن اللّه على نصرهم}.
والثالث: بمعنى نعم، {إن هذان لساحران} (طه 63).
والرابع: بمعنى إلا، {إن الذين سبقت لهم منا الحسنى} (الأنبياء 101)[وجوه القرآن: 67]

قال الحسن بن قاسم بن عبد الله بن عليّ المرادي المصري المالكي (ت: 749هـ): (إن حرف، له قسمان: الأول: أن يكون حرف توكيد، ينصب الاسم ويرفع الخبر. نحو: إن زيداً ذاهب. خلافاً للكوفيين، في قولهم: إنها لم تعمل في الخبر شيئاً، بل هو باق على رفعه قبل دخولها.
وأجاز بعض الكوفيين نصب الاسم والخبر معاً، بإن
وأخواتها. وأجازه الفراء في ليت خاصة. ونقل ابن أصبغ عنه أنه أجاز في لعل أيضاً. قال ابن عصفور: وممن ذهب إلى جواز ذلك، في إن وأخواتها، ابن سلام في طبقات الشعراء. وزعم أنها لغة رؤية وقومه. وقال ابن السيد: نصب خبر إن وأخواتها لغة قوم من العرب. وإلى ذلك ذهب ابن الطراوة. والجمهور على أن ذلك لا يجوز. ومن شواهد نصب خبر إن قول عمر بن أبي ربيعة:
إذا اسود جنح الليل فلتأت، ولتكن ... خطاك خفافاً، إن حراسنا أسدا
وأوله المانعون على أنه حال، والخبر محذوف، أي: تلقاهم أسداً. أو خبر كان محذوفة، أي: كانوا أسداً.
ومن أحكام إن أنها قد تخفف، كما تقدم في باب الثنائي، خلافاً للكوفيين. فإن المخففة عندهم نافية، وهي حرف ثنائي
الوضع، واللام بعدها بمعنى إلا. وإن المشددة لا تخفف عندهم. ويبطل قولهم أن من العرب من يعملها، بعد التخفيف، عملها وهي مشددة. فيقول: إن عمراً لمنطلق. حكاه سيبويه.
ومن أحكامها أنها قد تتصل بها ما الزائدة، فيبطل عملها، ويليها الجملتان: الأسمية والفعلية، فتكون ما كافة لها عن العمل، ومهيئة لدخولها على الأفعال. والجمهور على أن إعمالها، عند اتصال ما، غير مسموع. ثم اختلفوا في جوازه قياساً. وذهب قوم إلى منعه، وهو مذهب سيبويه، فإنه لا يجيز أن يعمل عنده، من هذه الأحرف، أعني إن وأخواتها، إذا لحقتها ما، إلا ليت وحدها وذكر ابن مالك أن الإعمال قد سمع في إنما وهو قليل. وذكر أن الكسائي، والأحفش، روياه عن العرب.
مسألة
اشتهر في كلام المتأخرين، من أهل النحو، أن إنما للحصر. قال الشيخ أبو حيان: والذي تقرر، في علم النحو، أن ما الداخلة
على إن وأخواتها كافة لها عن العمل، فإن فهم حصر فمن سياق الكلام، لا منها. ولو أفادت الحصر لأفادته أخواتها المكفوفة بما.
وقال ابن عطية: إنتما لفظ لا تفارقه المبالغة والتأكيد، حيث وقع. ويصلح، مع ذلك، للحصر. فإذا دخل في قصة، وساعد معناها على الأنحصار، صح ذلك وترتب. كقوله تعالى: {أنتما آلهكم إله واحد}، وغير ذلك من الأمثلة. وإذا كانت القصة لا تتأنى للإنحصار بقيت إنما للمبالغة فقط، كقوله عليه السلام إنما الربا في النسيئة.
واحتج من ذهب إلى أنها تفيد الحصر بوجهين: أحدهما لفظي، وهو أن العرب أجرت عليها حكم النفي وإلا ففصلت الضمير بعدها، كقول الفرزدق:
أنا الذائد، الحامي الذمار، وإنما ... يدافع عن أحسابهم أنا، أو مثلي
لما كان غرضه أن يحصر المدافع لا المدافع عنه فصل الضمير. ولو قال وإنما أدافع عن أحسابهم لأفهم غير المراد. فدل ذلك على أن العرب ضمنت إنما معنى ما وإلا.
والثاني معنوي، وهو وجه يسند إلى علي بن عيسى الربعي، وهو من أكابر نحاة بغداد، أنه لما كانت كلمة إن لتأكيد إثبات المسند للمسند إليه، ثم اتصلت بها ما الزائدة المؤكدة، ناسب أن تضمن معنى الحصر لأن الحصر ليس إلا تأكيد على تأكيد. فإن قولك: زيد جاء لا عمرو، لمن يردد المجيء الواقع بينهما، يفيد إثباته لزيد في الابتداء صريحاً، وفي الآخر ضمناً.
واستدل الإمام فخر الدين، على أنها للحصر، بأن إن للإثبات، وما للنفي، فإن لإثبات المذكور، وما لنفي ما عداه. ورد بأنه قول من لا وقوف له على علم النحو، وهو ظاهر الفساد، لوجوه
منها: أن فيه إخراج ما النافية عما تستحقه، من وقوعها صدراً. ومنها أن فيه الجمع بين حرف نفي وحرف إثبات، بلا فاصل. ومنها أنه لو كانت نافية لجاز أن تعمل، فيقال: إنما زيد قائماً. ذكر بعضهم هذه الأوجه. ولا يحتاج، في بيان فساد هذا القول، إلى ذلك. فإنه لا يخفى فساده.
قلت: ذكر القرافي في شرح المحصول أن أبا علي الفارسي نقل في مسائله الشيرازيات أن ما في إنما للنفي والله أعلم.
القسم الثاني: أن تكون حرف جواب، بمعنى نعم. ذكر ذلك سيبويه، والأخفش. وحمل المبرد، على ذلك، قراءة من قرأ {إن هذان لساحران}. وأنكر أبو عبيدة أن تكون إن بمعنى نعم. ومن شواهدها قول الراد، حين قال القائل: لعن الله
ناقة حملتني إليك، فقال: إن وراكبها، أي: نعم ولعن راكبها.
ويبطل كون إن في هذا الكلام هي المؤكدة، من وجهين: أحدهما عطف جملة الدعاء على جملة الخبر. والثاني أنه لم يوجد حذف اسم إن وخبرها في غير هذا الكلام.
قلت: وقد صحح بعض النحويين جواز عطف الطلب على الخبر، وقال: هو مذهب سيبويه.
وأما قول الشاعر:
ويقلن: شيب قد علا ... ك، وقد كبرت، فقلت: إنه
فيحتمل أن تكون إن فيه بمعنى نعم، كما قال الأخفش. ويحتمل أن تكون المؤكدة والهاء اسمها، والخبر محذوف، كما قال أبو عبيدة. وإذا جعلت بمعنى نعم فالهاء للسكت.
فائدة
ذكر بعض النحويين لإن في الكلام عشرة أنحاء: الأول: أن تكون حرف توكيد.
والثاني: أن تكون حرف جواب، بمعنى نعم. وقد تقدم الكلام على هذين.
والثالث: أن تكون أمراً للواحد المذكر، من الأنين. نحو: إن، بازيد.
والرابع: أن تكون فعلاً ماضياً، مبنياً لما لم يسم فاعله، من الأنين، على لغة رد، بالكسر. نحو: إن في الدار.
والخامس: أن تكون أمراً لجماعة الإناث، من الأين، وهو التعب. نحو: إن، يا نساء، أي: تعبن.
والسادس: أن تكون فعلاً ماضياً، خبراً عن جماعة الإناث، من ألأين أيضاً. نحو: النساء إن، أي: تعبن.
والسابع: أن تكون أمراً، من وأي بمعنى: وعد، للمؤنثة. كقول بعض المتأخرين:
إن هند، الجميلة، الحسناء ... وأي من أضمرت لخل، وفاء
فإن فعل أمر مؤكد بنون التوكيد الشديدة. وكان أصله قبل لحاق النون إي بياء المخاطبة، لأنه أمر للمؤنث. فلما لحقته النون حذفت الياء، لالتقاء الساكنين. وهند في البيت منادى، تقديره: يا هند. والجميلة الحسناء: نعت لهند على المحل، كقوله: يا عمر، الجوادا وأجاز بعضهم أن تكون الجميلة مفعولاً لفعل الأمر الذي هو إن. وقوله وأي مصدر منصوب بإن.
والثامن: أن تكون أمراً لجماعة الإناث، من: آن يئين، أي: قرب. فتقول: إن يا نساء، أي اقربن.
والتاسع: أن تكون ماضياً، خبراً عن الإناث، من آن أيضاً. نحو: النساء إن، أي: قربن.
والعاشر: أن تكون مركبة من إن النافية وأنا كقول العرب: إن قائم. يريدون: إن أنا قائم. فنقلوا حركة الهمزة إلى نون إن، وحذفوا الهمزة، وأدغموا. ونظيره قوله {لكنا هو الله ربي}. وسمع من بعضهم: إن قائماً، بالنصب، على إعمال إن عمل ما الحجازية. والله أعلم). [الجنى الداني: 393 – 402]
إن المكسورة المشدّدة على وجهين
أحدهما أن تكون حرف توكيد تنصب الاسم وترفع الخبر قيل وقد تنصبهما في لغة
كقوله
(إذا اسود جنح اللّيل فلتأت ولتكن ... خطاك خفافا إن حرا سنا أسدا)
وفي الحديث إن قعر جهنّم سبعين خريفًا
وقد خرج البيت على الحالية وأن الخبر محذوف أي تلقاهم أسدا والحديث على أن القعر مصدر قعرت البئر إذا بلغت قعرها وسبعين ظرف أي إن بلوغ قعرها يكون في سبعين عاما
وقد يرتفع بعدها المبتدأ فيكون اسمها ضمير شأن محذوفا كقوله عليه الصّلاة
والسّلام إن من أشد النّاس عذابا يوم القيامة المصورون الأصل إنّه
أي الشّأن كما قال
(إن من يدخل الكنيسة يومًا ... يلق فيها جآذرا وظباء)
وإنّما لم تجعل من اسمها لأنّها شرطيّة بدليل جزمها الفعلين والشّرط له الصّدر فلا يعمل فيه ما قبله
وتخريج الكسائي الحديث على زيادة من في اسم إن يأباه غير الأخفش من البصريين لأن الكلام إيجاب والمجرور معرفة على الأصح والمعنى أيضا يأباه لأنهم ليسوا أشد عذابا من سائر النّاس
وتخفف فتعمل قليلا وتهمل كثيرا وعن الكوفيّين أنّها لا تخفف وأنه
إذا قيل إن زيد لمنطلق فـ إن نافية واللّام بمعنى إلّا ويرده أن منهم من يعملها مع التّخفيف حكى سيبويه إن عمرا لمنطلق وقرأ الحرميان وأبو بكر {وإن كلا لما ليوفينهم}
الثّاني أن تكون حرف جواب بمعنى نعم خلافًا لأبي عبيدة
استدلّ المثبتون بقوله
(ويقلن شيب قد علاك ... وقد كبرت فقلت إنّه)
ورد بأنا لا نسلم أن الهاء للسكت بل هي ضمير منصوب بها والخبر محذوف أي إنّه كذلك
والجيد الاستدلال بقول ابن الزبير رضي الله عنه لمن قال له لعن الله ناقة حملتني اليك إن وراكبها أي نعم ولعن راكبها إذ لا يجوز حذف الاسم والخبر جميعًا
وعن المبرد أنه حمل على ذلك قراءة من قرأ {إن هذان لساحران}
واعترض بأمرين
أحدهما أن مجيء إن بمعنى نعم شاذ حتّى قيل إنّه لم يثبت
والثّاني أن اللّام لا تدخل في خبر المبتدأ
وأجيب عن هذا بأنّها لام زائدة وليست للابتداء أو بأنّها داخلة على مبتدأ محذوف أي لهما ساحران أو بأنّها دخلت بعد إن هذه لشبهها بإن المؤكّدة لفظا كما قال
(ورج الفتى للخير ما إن رأيته ... على السن خيرا لا يزال يزيد)
فزاد إن بعد ما المصدرية لشبهها في اللّفظ بما النافية
ويضعف الأول أن زيادة اللّام في الخبر خاصّة بالشعر
والثّاني أن الجمع بين لام التوكيد وحذف المبتدأ كالجمع بين متنافيين وقيل اسم إن ضمير الشّأن وهذا أيضا ضعيف لأن الموضوع لتقوية الكلام لا يناسبه الحذف والمسموع من حذفه شاذ إلّا في باب أن المفتوحة إذا خففت فاستسهلوه لوروده في كلام بني على التّخفيف فحذف تبعا
لحذف النّون ولأنّه لو ذكر لوجب التّشديد إذ الضمائر ترد الأشياء إلى أصولها ألا ترى أن من يقول لد ولم يك وواللّه يقول لدنك ولم يكنه وبك لأفعلنّ
ثمّ يرد إشكال دخول اللّام وقيل هذان اسمها ثمّ اختلف فقيل جاءت على لغة بلحارث بن كعب في أجراء المثنى بالألف دائما كقوله
( ... قد بلغا في المجد غايتاها)
واختار هذا الوجه ابن مالك
وقيل هذان مبنيّ لدلالته على معنى الإشارة وإن قول الأكثرين هذين
جرا ونصبا ليس إعرابا أيضا واختاره ابن الحاجب
قلت وعلى هذا فقراءة هذان أقيس إذ الأصل في المبنيّ ألا تختلف صيغة مع أن فيها مناسبة لألف ساحران وعكسه الياء في {إحدى ابنتي هاتين} فهي هنا أرجح لمناسبة ياء ابنتي
وقيل لما اجتمعت ألف هذا وألف التّثنية في التّقدير قدر بعضهم سقوط ألف التّثنية فلم تقبل ألف هذا التّغيير
تنبيه
تأتي إن فعلا ماضيا مسندًا لجماعة المؤنّث من الأين وهو التّعب تقول النّساء إن أي تعبن أو من آن بمعنى قرب أو مسندًا لغيرهن على أنه من الأنين وعلى أنه مبنيّ للمفعول على لغة من قال في رد
وحب رد وحب بالكسر تشبيها له بقيل وبيع والأصل مثلا أن زيد يوم الخميس ثمّ قيل إن يوم الخميس
أو فعل أمر للواحد من الأنين
أو لجماعة الإناث من الأين أو من آن بمعنى قرب أو للواحدة مؤكدا بالنّون من وأى بمعنى وعد كقوله
(إن هند المليحة الحسناء ... )
وقد مر
ومركبة من إن النافية وأنا كقول بعضهم إن قائم والأصل إن أنا قائم ففعل فيه ما مضى شرحه
فالأقسام إذن عشرة هذه الثّمانية والمؤكدة والجوابية
تنبيه
في الصّحاح الأين الإعياء وقال أبو زيد لا يبنى منه فعل وقد خولف فيه انتهى
فعلى قول أبي زيد يسقط بعض الأقسام). [مغني اللبيب: 1 / 227 – 252]


الأستاذ محمد عبد الخالق عضيمة:
تخفيف [إن]
أكثر العرب على إهمال [إن] المخففة. قال [سيبويه:1/238]:
«
وحدثنا من نثق به أنه سمع من العرب من يقول: إن عمرا لمنطلق، وأهل المدينة يقرءون: {وإن كلا لما ليوفينهم ربك أعمالهم}يخففون وينصبون وأما أكثرهم فأدخلوها في حروف الابتداء بالحذف؛ كما أدخلوها في حروف الابتداء حين ضموا إليها [ما]».
ومثله في [المقتضب:1/50، 2/363.]
وعلى إهمالها لا يقدر فيها ضمير الشأن، ولكن الزمخشري قدر ضمير الشأن في بعض الآيات ورد عليه أبو حيان.
ويرى الكوفيون أن [إن] لا تخفف، وخرجوا جميع ذلك على أن [إن] نافية ؛ واللام الفارقة بمعنى [إلا].
جاء إعمال [إن] المخففة في السبعيات في قوله تعالى: {وإن كلا لما ليوفينهم ربك أعمالهم} [11: 111].
في هذه الآية أربع قراءات سبعية: تخفيف [إن[وتشديدها وتخفيف الميم من [لما] وتشديدها.
فقراءة تخفيف [إن] والميم من [لما] [إن] فيها مخففة عاملة، واللام هي الفارقة، و[ما] موصولة، أو زائدة.
وقراءة تشديد [إن] والميم من [لما] تكون [لما] هي الجازمة حذف مجزومها، أي لما يوافوا.
وقراءة تخفيف [إن] وتشديد [لما] لما بمعنى [إلا].

وقرئ في السبع بإهمال [إن] وبتخفيف الميم من [لما] وتشديدها في قوله تعالى:
1- {
وإن كل لما جميع لدينا محضرون} [36: 32].
2- {
وإن كل ذلك لما متاع الحياة الدنيا} [43: 35].
3- {
إن كل نفس لما عليها حافظ} [86: 4].

كما قرئ في السبع بتخفيف [إن] وتشديدها في قوله تعالى: {إن هذان لساحران} [20: 63].
[دليل دراسات أساليب القرآن الكريم]


الحمد لله رب العالمين

أحسنتِ، بارك الله فيكِ ونفع بكِ.
أرجو أن تفيدكِ هذه الملحوظات:
1. كتب أهل اللغة ترتب جميعًا حسب الترتيب التاريخي دون الفصل بين كتب كل مرتبة، لأن بعض الكتب تنقل من بعض وستلاحظين تعليق بعضهم على بعض.
مثلا الزجاج يرجح قولا فيعقب عليه من بعده وهكذا.
وملاحظة هذا التطور في عرض الأقوال مهم عند التحرير العلمي لمعرفة مآخذ كل قول، أو أوجه الترجيح.
2. كتب المرتبة الثالثة والخامسة من الأهمية بمكان هنا وقد أحسنتِ الرجوع لكتب معاني الحروف، لكن ما زلتِ بحاجة للنظر في كتب إعراب القرآن.
3. لابن تيمية رحمه الله بحث رائع في هذه المسألة، تجدينه في رسالة منفصلة، كذا في مجموع الفتاوى فأرجو الاستفادة منه عند التحرير.
التقويم: ب+
زادكِ الله توفيقًا وسدادًا.

رد مع اقتباس
  #9  
قديم 14 صفر 1441هـ/13-10-2019م, 07:34 PM
هيئة التصحيح 11 هيئة التصحيح 11 غير متواجد حالياً
هيئة التصحيح
 
تاريخ التسجيل: Jan 2016
المشاركات: 2,525
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة صالحة الفلاسي مشاهدة المشاركة
اختر مسألة منالمسائل التالية، واجمع أقوال علماء اللغة فيها على نحو ما في المثال:
1. معنى "ضريع" في قول الله تعالى: {ليس لهم طعام إلامن ضريع}
قالَ يَحْيَى بْنُزِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله عز وجل: {لّيسلهم طعامٌ إلاّ من ضريعٍ...}؛وهو نبت يقال له: الشّبرق، وأهل الحجاز يسمونه الضريع إذا يبس، وهو سم). [معاني القرآن: 3/ 257]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَمَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت: 210هـ): ({إلاّ من ضريعٍ}الضريع عند العرب الشبرق شجر). [مجاز القرآن: 2/ 296]
قالَ عَبْدُالرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر، عن قتادة،في قوله: {إلا من ضريع}؛ قال: هو الشبرق). [تفسير عبد الرزاق: 2/ 368]
قال أبو عمرو إسحاق بن مرار الشيباني (ت: 213هـ): (وقال الأسلمي: الضَّرِيع، ضَرِيع العرفج: إذا لم يكن فيه نبات ولم يمت). [كتاب الجيم: 2/ 201]
قال أبوبكرٍ عبدُ الله بنُ محمدٍ ابنُ أبي شيبةَ العبسيُّ (ت: 235هـ): (حدّثنا عفّان، قال: حدّثنا سعيدبن زيدٍ، قال: حدّثنا عمرو بن مالكٍ، قال: سمعت أبا الجوزاء يقول: {ليس لهم طعامٌ إلا من ضريعٍ}: السَّلَم، كيف يسمن من يأكلالشّوك). [مصنف ابن أبي شيبة: 19/ 488]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِاليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ): ({ضريع}: ذكروا أنه يبيس الشجر، وقالوا (الضريع): نبت يقال له الشرق. وذكروا أن بعض البحار يقذف في كل سنة ورقا ليست لهقوة). [غريب القرآن وتفسيره: 426]
قال محمدُ بنُ إسماعيلَبن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : (ويقال: الضّريع: نبتٌ يقال له الشّبرق،يسمّيه أهل الحجاز: الضّريع إذا يبس، وهو سمٌّ). [صحيح البخاري: 6 / 168]

قالَ أبو سعيدٍالحَسَنُ بنُ الحُسَينِ السُّكَّريُّ (ت: 275هـ) : (
وحبسن في هزم الضريع فكلها....... حدباء بادية الضلوع جدود
(الضريع) يابس العشرق، وقالوا: الشبرق). [شرح أشعار الهذليين: 2/ 598]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَالدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ((الضريع): نبت [يكون] بالحجاز، يقال لرطبة: الشّبرق). [تفسير غريب القرآن: 525]
قالَ مُحَمَّدُ بنُ أَحمدَ بنِ نَصْرٍ الرَّمْلِيُّ (ت:295هـ): (وعن سعيدٍ: {ليس لهم طعامٌ إلا منضريع}؛ قال: من حجارةٍ). [جزء تفسيريحيى بن اليمان: 37] [سعيد: هو ابن جبير]
قالَمُحَمَّدُ بنُ أَحمدَ بنِ نَصْرٍ الرَّمْلِيُّ (ت:295هـ): (ثنا يوسف بن عديٍّ، قال: ثنا رشدين بن سعدٍ، عن يونس بن يزيد، عنعطاءٍ الخراساني في قول اللّه عزّ وجلّ: {طعامٌ إلا منضريع}؛قال: شجرةٌ يقال لها: الشّبرق).[جزء تفسير عطاء الخراساني: 94]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍالطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (وقولُهُ: {لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ}؛ يقولُ: ليسَلهؤلاءِ الذينَ هم أصحابُ الوجُوه الخاشعةِ العاملةِ الناصبةِ يومَ القيامةِ، طعامٌإلاَّ ما يَطْعَمُونَه من ضريعٍ. والضريعُ عندَ العربِ: نبْتٌ يُقالُ لهالشِّبْرِقُ، وتسمِّيهِ أهلُ الحجازِ: الضَّرِيعَ؛ إذا يَبِسَ، ويسمِّيهِ غيرُهم: الشِّبْرِقُ، وهو سُمٌّ.
وبنحوِ الذيقلْنَا في ذلك قالَ أهلُ التأويلِ.
ذِكْرُ مَن قالَ ذلك:
-
حدَّثني محمَّدُ بنُ سعدٍ، قالَ: ثني أبي، قالَ: ثنيعمِّي، قالَ: ثني أبي، عن أبيهِ، عن ابنِ عبَّاسٍ: {لَيْسَلَهُمْ طَعَامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ}؛ قالَ: الضريعُ: الشبرقُ.
-
حدَّثني محمَّدُ بنُ عبيدٍالمحاربيُّ، قالَ: ثنا عبَّادُ بنُ يعقوبَ الأسديُّ، قالَ محمَّدٌ: ثنا، وقالَعبَّادٌ: أخبرنا محمَّدُ بنُ سليمانَ، عن عبدِ الرَّحْمنِ الأصبهانيِّ، عن عكرمةَفي قولِهِ: {لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلَّا مِنْضَرِيعٍ}؛ قالَ: الشِّبْرِقُ.
-
حدَّثني يعقوبُ، قالَ: ثنا إسماعيلُ ابنُ عُليَّةَ، عن أبي رجاءٍ، قالَ: ثني نجدةُ،رجلٌ من عبدِ القيسِ، عن عكرمةَ، في قولِهِ: {لَيْسَ لَهُمْطَعَامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ}؛ قالَ: هي شجرةٌ ذاتُ شوكٍ، لاطئةٌ بالأرضِ،فإذا كانَ الربيعُ سمَّتْها قريشٌ الشبرقَ، فإذا هاجَ العودُ سمَّتْها الضريعَ.
-
حدَّثنا ابنُ بشَّارٍ، قالَ: ثناعبدُ الرَّحْمنِ، قالَ: ثنا سفيانُ، عن ليثٍ، عن مجاهدٍ: {لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ}قالَ: الشبرقُ.
-
حدَّثنا ابنُ حُمَيْدٍ، قالَ: ثنامِهْرانُ، عن سفيانَ، عن ليثٍ، عن مجاهدٍ، مثلَهُ.
-
حدَّثني محمَّدُ بنُ عمرٍو، قالَ: ثنا أبو عاصمٍ،قالَ: ثنا عيسَى؛ وحدَّثني الحارثُ، قالَ: ثنا الحسنُ، قالَ: ثنا ورقاءُ، جميعاً عنابنِ أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، قولَهُ: {ضَرِيعٍ}؛ قالَ: الشبرقُ اليابسُ.
-
حدَّثنا ابنُ عبدِالأعلَى، قالَ: ثنا ابنُ ثورٍ، عن مَعْمَرٍ، عن قتادةَ:{إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ}؛ قالَ: هو الشبرقُ إذا يَبِسَيُسمَّى الضريعَ.
-
حدَّثنا بِشْرٌ،قالَ: ثنا يزيدُ، قالَ: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ، قولَهُ: {لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ}؛ يقولُ: منشرِّ الطعامِ، وأبشعِهِ وأخبثِهِ.
-
حدَّثني محمَّدُ بنُ عبيدٍ، قالَ: ثنا شريكُ بنُ عبدِ اللَّهِ، في قولِهِ: {لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ}؛ قالَ: الشِّبْرِقُ.
وقالَ آخرُونَ: الضريعُ: الحجارةُ.
ذِكْرُ مَن قالَ ذلك:
-
حدَّثنا أبو كريبٍ، قالَ: ثنا ابنُيمانٍ، عن جعفرٍ، عن سعيدٍ، في قولِهِ: {لَيْسَ لَهُمْطَعَامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ}؛ قالَ: الحجارةُ.
وقالَ آخرُونَ: الضريعُ: شجرٌ من نارٍ.
ذِكْرُ مَنقالَ ذلك:
-
حدَّثني عليٌّ، قالَ: ثناأبو صالحٍ، قالَ: ثني معاويَةُ، عن عليٍّ، عن ابنِ عبَّاسٍ، قولَهُ: {لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلَّا من ضَرِيعٍ}يقولُ: شجرٌ مننارٍ.
-
حدَّثني يونسُ، قالَ: أخبرناابنُ وهبٍ، قالَ: قالَ ابنُ زيدٍ، في قولِهِ: {لَيْسَ لَهُمْطَعَامٌ إِلَّا من ضَرِيعٍ}قالَ: الضريعُ: الشوكُ من النارِ. قالَ: وأمَّافي الدنيا فإنَّ الضريعَ: الشوكُ اليابسُ الذي ليسَ له ورقٌ، تدعوهُ العربُالضريعَ، وهو في الآخرةِ شوكٌ من نارٍ). [جامع البيان: 24 / 331-333]

قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): ({ليس لهم طعام إلّا من ضريع (6)}يعني لأهل النار، والضريع الشبرق؛وهو جنس من الشوك،إذا كان رطبا فهو شبرق، فإذا يبس فهو الضّريع، قال كفار قريش: إنّ الضريع لتسمنعليه إبلنا، فقال اللّه - عزّ وجلّ - {لا يسمن ولا يغني من جوع (7)}). [معاني القرآن: 5/ 318]
قالَ محمَّدُ بنُ القاسمِ بنِ بَشَّارٍ الأَنْبَارِيُّ: (ت: 328هـ): ( ومن الأضداد أيضا قول العرب: زيد أعقل الرجلين، إذا كاناعاقلين؛ إلا أن أحدهما أكثر عقلا من الآخر، وزيد أعقل الرجلين إذا كان أحدهما عاقلاوالآخر أحمق، فأما المعنى الأول فلا يحتاج فيه إلى شاهد لشهرته عند عوام الناسوخواصهم، وأما المعنى الآخر فشاهده قول الله عز وجل: {أصحابالجنة يومئذ خير مستقرا وأحسن مقيلا}.
قال الفراء: قال بعض المشيخة: يروى أنهيفرغ من حساب الناس في النصف من ذلك اليوم، ثم يقيل أهل الجنة في الجنة وأهل النارفي النار.
قالالفراء: وأصحاب الكلام إذا اجتمع لهم عاقل وأحمق لم يقولوا: هذا أعقل الرجلين؛ إلاأن يكون الرجلان عاقلين؛ أحدهما أزيد عقلا من الآخر، قال: فقول الله عز وجل: {أصحاب الجنة يومئذ خير مستقرا}،يدلك
على خطئهم؛لأن أهل النار ليس في مستقرهم من الخير شيء.
وقال غير الفراء: معنى الآية التشبيهوالتمثيل، وذلك أن الكفار كانوا يناظرون المسلمين، فيقول بعضهم: حظنا من الآخرة مثلحظكم؛ ونحن نصير منها إلى مثل ما يصير إلى صلحاؤكم من الكرامة والزلفى والغبطة،الدليل على هذا قوله عز ذكره: {أفرأيتالذي كفر بآياتنا}إلى قوله: {ويأتينافردا}،فنزول هذه الآيات في خبابوالعاص بن وائل، قال خباب: كنت قينا في الجاهلية، فاجتمعت لي على العاص بن وائلدراهم، فأتيته أتقاضاه، فقال: لا أقضيك حتى تكفر بمحمد عليه السلام، فقلت: لا أكفربه، حتى تموت ثم تبعث، قال: وإني لمبعوث؟ قلت: نعم، قال: فسيكون لي ثم منزل ومال،فأقضيك دراهمك، فأنزل الله عز وجل هذا فيه، وقال: {أصحابالجنة يومئذ خير مستقرا}أي قد ادعوا –أعني الكفار- أن لهم في الجنة مقيلاومستقرا، فمستقر المؤمنين خير من مستقرهم في حقيقة الأمر على دعواهم وظنهم، لا أنالله عز وجل ثبت أن للكفار في الجنة مستقرا.
وفي المسألة جواب ثالث؛ وهو أصحاب الجنة: لو كان لأصحاب النار وأصحابها مستقر فيه خير، لكان مستقر أصحاب الجنة خيرا منهلاتصال نعيمهم؛ ولانقطاع الراحة التي يجدها أهل النار في النار إن كانت؛ وهي مما لايكون، فجرى مجرى قول العرب: ما لفلان عيب إلا السخاء، أي من السخاء عيبه فلا عيبله.
وقد خرج بعضهمقول الله عز وجل: {ليس لهم طعام إلا من ضريع}، من هذاالمعنى فقال: التأويل: من الضريع طعامه فلا طعام له. ومنه قول العرب: ما لفلان راحةإلا السير والعمل؛ أي من هذان راحته فهو غير مستريح). [كتاب الأضداد: 316-318] (م)

قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍمُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت: 345هـ): (والضريع العوسجالرطب، وهو نبات في النار، شبيه العوسج). [ياقوتة الصراط: 573]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم قال: ثنا آدم قال: ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قال: الضريع: الشبرق اليابس). [تفسير مجاهد: 2/ 753]

الكشف والبيان — الثعلبي (٤٢٧ هـ)
لَيْسَ لَهُمْ طَعامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ قال محمد وعكرمة وقتادة: وهو نبت ذو شوك لاطئ بالأرض تسمّيه فرش الشرق، فإذا هاج سمّوه الضريع، وهو أخبث طعام وأبشعه، وهي رواية العوفي عن ابن عبّاس، الوالي عنه: هو شجر من نار، وقال ابن زيد: أمّا في الدنيا فإنّ الضريع الشوك اليابس الذي ليس له ورق، تدعوه العرب الضريع، وهو في الآخرة شوك من نار.
وقال الكلبي: لا تقربه دابّة إذا يبس، ولا يرعاه شيء، وقال سعيد بن جبير هو الحجارة، عطاء عن ابن عبّاس: هو شيء يطرحه البحر المالح، يسمّيه أهل اليمن الضريع،
وقد روي عن ابن عبّاس عن رسول الله ﷺ
أنّه قال: «الضريع شيء يكون في النار شبه الشوك، أمرّ من الصبر وأنتن من الجيفة وأشدّ حرّا من النار»
[138](٢) سمّاه النبيّ ضريعا، وقال عمرو بن عبيد: لم يقل الحسن في الضريع شيئا، إلّا أنّه قال: هو بعض ما أخفى الله من العذاب، وقال ابن كيسان: هو طعام يضرعون منه ويذلّون ويتضرّعون إلى الله سبحانه، وعلى هذا التأويل يكون المعنى المضرّع.
وقال أبو الدرداء والحسن: يقبّح الله سبحانه وجوه أهل النار يوم القيامة يشبهها بعملهم(٣) القبيح في الدنيا، ويحسن وجوه أهل الجنّة يشبّهها بأعمالهم الحسنة في الدنيا، وأنّ الله سبحانه يرسل على أهل النار الجوع حتّى يعدل عندهم ما هم فيه من العذاب، فيستغيثون فيغاثون بالضريع ويستغيثون فيغاثون بطعام ذي غصّة، فيذكرون أنّهم كانوا يخبزون الغصص في الدنيا بالماء فيستسقون بعطشهم ألف سنة، ثمّ يسقون من عين آنية لا هنيّة ولا مريّة، فكلّما أدنوه من وجوههم سلخ جلود وجوههم وشواها، فإذا وصل إلى بطونهم قطّعها، فذلك قوله سبحانه:
وَسُقُوا ماءً حَمِيماً فَقَطَّعَ أَمْعاءَهُمْ.
قال المفسّرون: فلمّا نزلت هذه الآية قال المشركون: إنّ إبلنا لتسمن على الضريع، فأنزل الله سبحانه: لا يُسْمِنُ وَلا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ ويقول: فإنّ الإبل ترعاه ما دام رطبا، فإذا يبس فلا يأكله شيء ورطبه يسمّى شبرقا لا ضريعا.

قَالَ مَكِّيُّ بْنُأَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( (الضَّرِيع):نبت بالحجاز، يقال لرطبه الشِّبْرِق). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 300]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( (الضَرِيعٍ): نبت). [العمدة في غريب القرآن: 344]
النكت والعيون — الماوردي (٤٥٠ هـ)
﴿لَيْسَ لَهم طَعامٌ إلا مِن ضَرِيعٍ﴾ فِيهِ سِتَّةُ أقاوِيلَ: أحَدُها: أنَّها شَجَرَةٌ تُسَمِّيها قُرَيْشٌ الشِّبْرِقَ، كَثِيرَةُ الشَّوْكِ، قالَهُ ابْنُ عَبّاسٍ، قالَ قَتادَةُ وإذا يَبِسَ في الصَّيْفِ فَهو ضَرِيعٌ، قالَ الشّاعِرُ
رَعى الشِّبْرِقَ الرَّيّانَ حَتّى إذا ذَوى ∗∗∗ وعادَ ضَرِيعًا نازِعَتْهُ النَّحائِصُ
الثّانِي: السَّلْمُ، قالَ أبُو الجَوْزاءِ: كَيْفَ يَسْمَنُ مَن يَأْكُلُ الشَّوْكَ.
الثّالِثُ: أنَّها الحِجارَةُ، قالَهُ ابْنُ جُبَيْرٍ.
الرّابِعُ: أنَّهُ النَّوى المُحَرَّقُ، حَكاهُ يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ عَنْ بَعْضِ الأعْرابِ.
الخامِسُ: أنَّهُ شَجَرٌ مِن نارٍ، قالَهُ ابْنُ زَيْدٍ.
السّادِسُ: أنَّ الضَّرِيعَ بِمَعْنى المَضْرُوعِ، أيِ الَّذِي يَضْرَعُونَ عِنْدَهُ طَلَبًا لِلْخَلاصِ مِنهُ، قالَهُ ابْنُ بَحْرٍ.

الكشاف — الزمخشري (٥٣٨ هـ)
الضريع.يبيس الشبرق، وهو جنس من الشوك ترعاه الإبل ما دام رطبا(٣) ، فإذا يبس تحامته الإبل وهو سم قاتل. قال أبو ذؤيب:
رعى الشيرق الرّيّان حتّى إذا ذوى ... وعاد ضريعا بان عنه النّحائص(٤)
وقال:
وحبسن في هزم الضّريع فكلّها ... حدباء دامية اليدين حرود(٥) فإن قلت: كيف قيل لَيْسَ لَهُمْ طَعامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ وفي الحاقة وَلا طَعامٌ إِلَّا مِنْ غِسْلِينٍ؟
قلت: العذاب ألوان، والمعذبون طبقات، فمنهم. أكلة الزقوم. ومنهم أكلة الغسلين، ومنهم أكلة الضريع: لِكُلِّ بابٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ مَقْسُومٌ. لا يُسْمِنُ مرفوع المحل أو مجروره على وصف طعام. أو ضريع، يعنى: أنّ طعامهم من شيء ليس من مطاعم الإنس، وإنما هو شوك والشوك مما ترعاه الإبل وتتولع به. وهذا نوع منه تنفر عنه ولا تقربه. ومنفعتا الغذاء منتفيتان عنه: وهما إماطة الجوع، وإفادة القوّة والسمن في البدن. أو أريد: أن لا طعام لهم أصلا، لأن الضريع ليس بطعام للبهائم فضلا عن الإنس، لأن الطعام ما أشبع أو أسمن، وهو منهما بمعزل. كما تقول ليس لفلان ظل إلا الشمس، تريد: نفى الظل على التوكيد. وقيل: قالت كفار قريش: إن الضريع لتسمن عليه إبلنا فنزلت لا يُسْمِنُ فلا يخلو إما أن يتكذبوا ويتعنتوا بذلك وهو الظاهر، فيردّ قولهم بنفي السمن والشبع، وإما أن يصدقوا فيكون المعنى: أن طعامهم من ضريع ليس من جنس ضريعكم، إنما هو من ضريع غير مسمن ولا مغن من جوع.

قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (واختلف الناس في (الضّريع)؛ فقال الحسن وجماعةٌ من المفسّرين: هو الزّقّوم؛ لأنّ اللّه تعالى قد أخبر في هذه الآية أنّ الكفّار لا طعام لهم إلاّمن ضريعٍ، وقد أخبر أنّ الزّقّوم طعام الأثيم، فذلك يقتضي أنّ الضّريع هو الزّقّوم.
وقال سعيد بن جبيرٍ: الضّريع حجارةٌ في النار.
وقال ابن عبّاسٍ، ومجاهدٌ،وقتادة، وعكرمة: الضّريع: شبرق النار.
وقال أبو حنيفة: الضّريع: الشّبرق؛ وهو مرعى سوءٍ،لا تعقد السّائمة عليه شحماً ولا لحماً. ومنه قول ابن عيزارة الهذليّ:
وحبسن في هزم الضّريع فكلّها.......حدباء دامية اليدينحرود
وقال أبو ذؤيبٍ:
رعى الشّبرق الرّيّان حتّى إذاذوى .......وعاد ضريعاً بان منهالنّحائص
وقيل: الضّريع: العشرق.
وقالالنبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: «الضّريع: شوكٌ فيالنّار».
وقال بعض اللّغويّين: الضّريع: يبس العرفج إذا تحطّم.
وقال آخرون: هو رطب العرفج.
وقال الزّجّاج: هو نبتٌ كالعوسج.
وقال بعضالمفسّرين: الضّريع نبتٌ في البحر أخضر منتنٌ مجوّفٌ مستطيلٌ، له نورٌ فيهكبيرٌ.
وقال ابن عبّاسٍ أيضاً: الضّريع: شجرٌ من نارٍ.
وكلّ من ذكر شيئاً مماقدّمناه فإنما يعني أن ذلك من نارٍ ولا بدّ، وكلّ ما في النار فهو نارٌ.
وقالقومٌ: ضريعٌ، وادٍ في جهنّم.
وقال جماعةٌ من المتأولّين: الضّريع: طعام أهلالنار، ولم يرد أن يخصّص شيئاً ممّا ذكر.
قال بعض اللّغويّين: وهذا ممّا لاتعرفه العرب.
وقيل: الضّريع: الجلدة التي على العظم تحت اللّحم. ولا أعرف من تأوّل الآية بهذا.
وأهل هذه الأقاويل يقولون: الزّقّوم لطائفةٍ،والضّريع لطائفةٍ، والغسلين لطائفةٍ.
واختلف في المعنى الذي سمّي به ضريعاً؛فقيل: هو ضريعٌ بمعنى مضرعٍ، أي: مضعفٍ للبدن مهزلٍ، ومنه قول النبيّ -صلّى اللّهعليه وسلّم- في ولدي جعفر بن أبي طالبٍ -رضي اللّه عنهم-:«ما ليأراهما ضارعين». يريد هزيلين. ومن فعيلٍ بمعنىمفعلٍ قول عمرو بن معديكرب:
أمن ريحانة الدّاعي السّميع.......يؤرّقني وأصحابي هجوع
يريد: المسمع.
وقيل: ضريعٌ: فعيلٌ من المضارعة، أي: لأنه يشبه المرعىالجيّد، ويضارعه في الظاهر، وليس به). [المحررالوجيز: 8/ 597-599]
زاد المسير — ابن الجوزي (٥٩٧ هـ)
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿لَيْسَ لَهم طَعامٌ إلا مِن ضَرِيعٍ﴾ فِيهِ سِتَّةُ أقْوالٍ.
أحَدُها: أنَّهُ نَبْتٌ ذُو شَوْكٍ لاطِئٍ بِالأرْضِ، وتُسَمِّيهِ قُرَيْشٌ " الشِّبْرِقَ " فَإذا هاجَ سَمَّوْهُ: ضَرِيعًا، رَواهُ العَوْفِيُّ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ، وبِهِ قالَ مُجاهِدٌ، وعِكْرِمَةُ، وقَتادَةُ.
والثّانِي: أنَّهُ شَجَرٌ مِن نارٍ، رَواهُ الوالِبِيُّ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ.
والثّالِثُ: أنَّها الحِجارَةُ، قالَهُ ابْنُ جُبَيْرٍ.
والرّابِعُ: أنَّهُ السَّلَمُ، قالَهُ أبُو الجَوْزاءِ.
والخامِسُ: أنَّهُ في الدُّنْيا: الشَّوْكُ اليابِسُ الَّذِي لَيْسَ لَهُ ورَقٌ، وهو في الآخِرَةِ شَوْكٌ مِن نارٍ، قالَهُ ابْنُ زَيْدٍ.
والسّادِسُ: أنَّهُ طَعامٌ يَضْرَعُونَ إلى اللَّهِ تَعالى مِنهُ، قالَهُ ابْنُ كَيْسانَ.
قالَ المُفَسِّرُونَ: لَمّا نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ قالَ المُشْرِكُونَ: إنَّ إبِلَنا لَتَسْمَنُ عَلى الضَّرِيعِ، فَأنْزَلَ اللَّهُ تَعالى: ﴿لا يُسْمِنُ ولا يُغْنِي مِن جُوعٍ﴾ وكَذَبُوا، فَإنَّ الإبِلَ إنَّما تَرْعاهُ ما دامَ رَطِبًا، وحِينَئِذٍ يُسَمّى شِبْرِقًا، لا ضَرِيعًا، فَإذا يَبِسَ يُسَمّى: ضَرِيعًا لَمْ يَأْكُلْهُ شَيْءٌ.

لسان العرب لابن منظور (630 ه)
والضَّرِيعُ: نبات أَخضَر مُنْتِنٌ خفيف يَرْمي به البحرُ وله جوْفٌ، وقيل: هو يَبِيسُ العَرْفَجِ والخُلَّةِ، وقيل: ما دام رطباً فهو ضرِيعٌ، فإِذا يَبِسَ فهو ضرِيعٌ، فإِذا يَبِسَ فهو الشَّبْرِقُ، وهو مَرْعَى سَوءٍ لا تَعْقِدُ عليه السائمةُ شَحْماً ولا لحماً، وإِن لم تفارقه إِلى غيره ساءَت حالها. وفي التنزيل: ليس لهم طعام إِلاَّ من ضريع لا يُسْمِنُ ولا يُغني من جوع؛ قال الفراء: الضرِيعُ نبت يقال له الشَّبْرِقُ، وأَهل الحجاز يسمونه الضريع إِذا يبس، وقال ابن الأَعرابي: الضريع العوْسَجُ الرطْب، فإِذا جَفَّ فهو عَوْسَجٌ، فإِذا زاد جُفوفاً فهو الخَزِيزُ، وجاءَ في التفسير: أَن الكفار قالوا إِنَّ الضريعَ لتَسْمَنُ عليه إِبلنا، فقال الله عز وجل: لا يُسْمِنُ ولا يُغْني من جوع. وجاء في حديث أَهل النار: فيُغاثون بطعام من ضريع؛ قال ابن الأَثير: هو نبت بالحجاز له شوْكٌ كبار يقال له الشبرق؛ وقال قَيْسُ بن عَيْزارةَ الهذليّ يذكر إِبلاً وسُوءَ مَرْعاها:
وحُبِسْنَ في هَزْمِ الضَّرِيعِ ، فكُلُّها حَدْباءُ دامِيةُ اليَدَيْنِ، حَرُودُ.

الجامع لأحكام القرآن — القرطبي (٦٧١ هـ)
قَوْلُهُ تَعَالَى: لَيْسَ لَهُمْ أَيْ لِأَهْلِ النَّارِ. طَعامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ لَمَّا ذَكَرَ شَرَابَهُمْ ذَكَرَ طَعَامَهُمْ. قَالَ عِكْرِمَةُ وَمُجَاهِدٌ: الضَّرِيعُ: نَبْتٌ ذُو شَوْكٍ لَاصِقٌ بِالْأَرْضِ، تُسَمِّيهِ قُرَيْشٌ الشِّبْرِقَ إِذَا كَانَ رَطْبًا، فَإِذَا يَبِسَ فَهُوَ الضَّرِيعُ، لَا تَقْرَبُهُ دَابَّةٌ وَلَا بَهِيمَةٌ وَلَا تَرْعَاهُ، وَهُوَ سَمٌّ قَاتِلٌ، وَهُوَ أَخْبَثُ الطَّعَامِ وَأَشْنَعُهُ، عَلَى هَذَا عَامَّةُ الْمُفَسِّرِينَ. إِلَّا أَنَّ الضَّحَّاكَ رَوَى عن ابن عباس قال: هو شي يَرْمِي بِهِ الْبَحْرُ، يُسَمَّى الضَّرِيعَ، مِنْ أَقْوَاتِ الانعام لَا النَّاسِ، فَإِذَا وَقَعَتْ فِيهِ الْإِبِلُ لَمْ تَشْبَعْ، وَهَلَكَتْ هَزْلًا. وَالصَّحِيحُ مَا قَالَهُ الْجُمْهُورُ: أَنَّهُ نَبْتٌ. قَالَ أَبُو ذُؤَيْبٍ:(١)
رَعَى الشِّبْرِقَ الرَّيَّانَ حَتَّى إِذَا ذَوَى ... وَعَادَ ضَرِيعًا بَانَ مِنْهُ(٢) النَّحَائِصُ
وَقَالَ الْهُذَلِيُّ(٣) وَذَكَرَ إِبِلًا وَسُوءَ مَرْعَاهَا:
وَحُبِسْنَ فِي هَزْمِ الضَّرِيعِ فَكُلُّهَا ... حَدْبَاءُ دَامِيَةُ الْيَدَيْنِ حَرُودُ(٤)
وَقَالَ الْخَلِيلُ: الضَّرِيعُ: نَبَاتٌ أَخْضَرُ مُنْتِنُ الرِّيحِ، يَرْمِي بِهِ الْبَحْرُ. وَقَالَ الْوَالِبِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: هُوَ شَجَرٌ مِنْ نَارٍ، وَلَوْ كَانَتْ فِي الدُّنْيَا لَأَحْرَقَتِ الْأَرْضَ وَمَا عَلَيْهَا. وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: هُوَ الْحِجَارَةُ، وَقَالَهُ عِكْرِمَةُ. وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ شَجَرٌ ذُو شَوْكٍ حَسَبَ مَا هُوَ فِي الدُّنْيَا. وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قال: (الضريع: شي يَكُونُ فِي النَّارِ، يُشْبِهُ الشَّوْكَ، أَشَدُّ مَرَارَةً مِنَ الصَّبْرِ، وَأَنْتَنُ مِنَ الْجِيفَةِ، وَأَحَرُّ مِنَ النَّارِ، سَمَّاهُ اللَّهُ ضَرِيعًا (. وَقَالَ خَالِدُ بْنُ زِيَادٍ: سَمِعْتُ الْمُتَوَكِّلَ بْنَ حَمْدَانَ يُسْأَلُ عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ لَيْسَ لَهُمْ طَعامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ قَالَ: بَلَغَنِي أَنَّ الضَّرِيعَ شَجَرَةٌ مِنْ نَارِ جَهَنَّمَ، حَمْلُهَا الْقَيْحُ وَالدَّمُ، أَشَدُّ مَرَارَةً مِنَ الصَّبْرِ، فَذَلِكَ طَعَامُهُمْ. وَقَالَ الْحَسَنُ: هُوَ بَعْضُ مَا أَخْفَاهُ اللَّهُ مِنَ الْعَذَابِ. وَقَالَ ابْنُ كَيْسَانَ: هُوَ طَعَامٌ يَضْرَعُونَ عِنْدَهُ وَيَذِلُّونَ، وَيَتَضَرَّعُونَ مِنْهُ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى، طَلَبًا لِلْخَلَاصِ مِنْهُ، فَسُمِّيَ بِذَلِكَ، لِأَنَّ آكِلَهُ يَضْرَعُ فِي أَنْ يُعْفَى مِنْهُ، لِكَرَاهَتِهِ وَخُشُونَتِهِ. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ النَّحَّاسُ: قَدْ يَكُونُ مُشْتَقًّا مِنَ الضَّارِعِ، وَهُوَ الذَّلِيلُ، أَيْ ذُو ضَرَاعَةٍ، أَيْ مَنْ شَرِبَهُ ذَلِيلٌ تَلْحَقُهُ ضَرَاعَةٌ. وَعَنِ الْحَسَنِ أَيْضًا: هُوَ الزَّقُّومُ. وَقِيلَ: هُوَ وَادٍ فِي جَهَنَّمَ. فَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي موضع آخَرَ: فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْمَ هاهُنا حَمِيمٌ. وَلا طَعامٌ إِلَّا مِنْ غِسْلِينٍ(٥) [الحاقة: ٣٦ - ٣٥]. وَقَالَ هُنَا: إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ وَهُوَ غَيْرُ الْغِسْلِينِ. وَوَجْهُ الْجَمْعِ أَنَّ النَّارَ دَرَكَاتٌ، فَمِنْهُمْ مَنْ طَعَامُهُ الزَّقُّومُ، وَمِنْهُمْ مَنْ طَعَامُهُ الْغِسْلِينُ، وَمِنْهُمْ مَنْ طَعَامُهُ الضَّرِيعُ، وَمِنْهُمْ مَنْ شَرَابُهُ الْحَمِيمُ، وَمِنْهُمْ مَنْ شَرَابُهُ الصَّدِيدُ. قَالَ الْكَلْبِيُّ: الضَّرِيعُ فِي دَرَجَةٍ لَيْسَ فِيهَا غَيْرُهُ، وَالزَّقُّومُ فِي دَرَجَةٍ أُخْرَى. وَيَجُوزُ أَنْ تُحْمَلَ الْآيَتَانِ عَلَى حَالَتَيْنِ كَمَا قَالَ: يَطُوفُونَ بَيْنَها وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ(٦) [الرحمن: ٤٤]. الْقُتَبِيُّ: وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الضَّرِيعُ وَشَجَرَةُ الزَّقُّومِ نَبْتَيْنِ مِنَ النَّارِ، أَوْ مِنْ جَوْهَرٍ لَا تَأْكُلُهُ النَّارُ. وَكَذَلِكَ سَلَاسِلُ النَّارِ وَأَغْلَالُهَا وَعَقَارِبُهَا وَحَيَّاتُهَا، وَلَوْ كَانَتْ عَلَى مَا نَعْلَمُ مَا بَقِيَتْ عَلَى النَّارِ. قَالَ: وَإِنَّمَا دَلَّنَا اللَّهُ عَلَى الْغَائِبِ عِنْدَهُ، بِالْحَاضِرِ عِنْدَنَا، فَالْأَسْمَاءُ مُتَّفِقَةُ الدَّلَالَةِ، وَالْمَعَانِي مُخْتَلِفَةٌ. وَكَذَلِكَ مَا فِي الْجَنَّةِ مِنْ شَجَرِهَا وَفُرُشِهَا. الْقُشَيْرِيُّ: وَأَمْثَلُ مِنْ قَوْلِ الْقُتَبِيِّ أَنْ نَقُولَ: إِنَّ الَّذِي يُبْقِي الْكَافِرِينَ فِي النَّارِ لِيَدُومَ عَلَيْهِمُ الْعَذَابُ، يُبْقِي النَّبَاتَ وَشَجَرَةَ الزَّقُّومِ فِي النَّارِ، لِيُعَذِّبَ بِهَا الْكُفَّارَ. وَزَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنَّ الضَّرِيعَ بِعَيْنِهِ لَا يَنْبُتُ فِي النَّارِ، وَلَا أَنَّهُمْ يَأْكُلُونَهُ. فَالضَّرِيعُ مِنْ أَقْوَاتِ الْأَنْعَامِ، لَا مِنْ أَقْوَاتِ النَّاسِ. وَإِذَا وَقَعَتِ الْإِبِلُ فِيهِ لَمْ تَشْبَعْ، وَهَلَكَتْ هَزْلًا، فَأَرَادَ أَنَّ هَؤُلَاءِ يَقْتَاتُونَ بِمَا لَا يُشْبِعُهُمْ، وَضَرَبَ الضَّرِيعَ لَهُ مَثَلًا، أَنَّهُمْ يُعَذَّبُونَ بِالْجُوعِ كَمَا يُعَذَّبُ مَنْ قُوتُهُ الضَّرِيعُ. قَالَ التِّرْمِذِيُّ الْحَكِيمُ: وَهَذَا نَظَرٌ سَقِيمٌ مِنْ أَهْلِهِ وَتَأْوِيلٌ دنئ، كَأَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمْ تَحَيَّرُوا فِي قُدْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى، وَأَنَّ الَّذِي أَنْبَتَ فِي هَذَا التُّرَابِ هَذَا الضَّرِيعَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يُنْبِتَهُ فِي حَرِيقِ النَّارِ، جَعَلَ لَنَا فِي الدُّنْيَا مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ نَارًا، فَلَا النَّارُ تُحْرِقُ الشَّجَرَ، وَلَا رُطُوبَةُ الْمَاءِ فِي الشَّجَرِ تُطْفِئُ النَّارَ، فَقَالَ تَعَالَى: الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ نَارًا فَإِذا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ(٧) [يس: ٨٠]. وَكَمَا قِيلَ حِينَ نَزَلَتْ وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ عَلى وُجُوهِهِمْ [الاسراء: ٩٧]: قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ، كَيْفَ يَمْشُونَ عَلَى وجوههم؟ فقال: [الذي أَمْشَاهُمْ عَلَى أَرْجُلِهِمْ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يُمْشِيَهُمْ عَلَى وُجُوهِهِمْ [. فَلَا يَتَحَيَّرُ فِي مِثْلِ هَذَا إلا ضعيف القلب. أو ليس قَدْ أَخْبَرَنَا أَنَّهُ كُلَّما نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْناهُمْ جُلُوداً(٩) غَيْرَها [النساء: ٥٦]، وقال: سَرابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرانٍ(١٠) [إبراهيم: ٥٠]، وقال: إِنَّ لَدَيْنا أَنْكالًا(١١) [المزمل: ١٢] أَيْ قُيُودًا. وَجَحِيماً (١٢) وَطَعاماً ذَا غُصَّةٍ (١٣) قِيلَ: ذَا شَوْكٍ. فَإِنَّمَا يَتَلَوَّنُ عَلَيْهِمُ الْعَذَابُ بِهَذِهِ الأشياء.

قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774هـ) : (وقوله: {ليس لهم طعامٌ إلاّ من ضريعٍ}؛قال عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ: شجرٌ من نارٍ. وقال سعيد بن جبيرٍ: هوالزّقّوم. وعنه أنّها الحجارة. وقال ابن عبّاسٍ ومجاهدٌ وعكرمة وأبو الجوزاءوقتادة: هو الشّبرق. قال قتادة: قريشٌ تسمّيه في الرّبيع الشّبرق، وفي الصّيفالضّريع.
قال عكرمة: وهو شجرةٌ ذات شوكٍ، لاطئةٌ بالأرض.
وقال البخاريّ: قالمجاهدٌ: الضّريع: نبتٌ يقال له: الشّبرق، يسمّيه أهل الحجاز الضّريع إذا يبس. وهوسمٌّ.
وقال معمرٌ، عن قتادة: {إلاّ من ضريعٍ}؛ هوالشّبرق إذا يبس، سمّي الضّريع.
وقال سعيدٌ، عن قتادة: {ليس لهم طعامٌ إلاّ من ضريعٍ}: من شرّ الطّعام وأبشعه وأخبثه). [تفسير القرآن العظيم: 8/ 385]
قال أحمدُ بنُ عَلَيِّبنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ) : (قولُهُ: ويُقالُ: الضَّريعُ نَبْتٌيُقَالُ: له الشِّبْرِقُ تُسَمِّيهِ أهْلُ الحِجَازِ الضَّريعَ إذا يَبِسَ وهُوسُمٌّ)، هُو كلامُ الفَرَّاءِ بلَفْظِهِـ والشِّبْرِقُ بكَسْرِ المُعْجَمَةِ،بَعْدَها مُوَحَّدَةٌ؛ قَالَ الخليلُ بنُ أَحْمَدَ: هُو نَبْتٌ أَخْضَرُ مُنْتِنُالرِّيحِ يَرمِي به البَحرُ.
-
وأَخرَجَالطَّبَرِيُّ من طَرِيقِ عِكْرِمَةَ ومُجَاهدٍ قَالَ: الضَّريعُ: الشِّبرِقُ. ومنطَرِيقِ عَلِيِّ بنِ أَبِي طَلْحَةَ عنِ ابنِ عَبَّاسٍ قَالَ: الضَّريعُ شَجرٌ مننارٍ.
-
ومن طريقِ سَعِيدِ بنِ جُبَيرٍقَالَ: الحجارةُ. وقَالَ ابنُ التِّينِ: كأنَّ الضَّريعَ مُشْتَقٌّ مِنَ الضَّارعِوهُو الذَّليلُ، وقِيلَ: هُو السُّلاَّ بضَمِّ المُهْمَلَةِ وتَشْدِيدِ اللامِ وهُوشَوكُ النَّخلِ). [فتح الباري: 8 / 700-701]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : ( وَيُقالُ: الضَّرِيعُ نَبْتٌ يُقالُ لَهُ الشِّبْرِقُ يُسَمِّيهِ أهْلُ الْحِجَازِالضَّرِيعَ إذَا يَبِسَ وَهُوَ سَمٌّ).
-
الْقَائِلُ هُوَ الْفَرَّاءُ قَالَفِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلاَّ مِنْضَرِيعٍ (6) لاَ يُسْمِنُ وَلاَ يُغْنِي مِنْ جُوعٍ}؛ قَالَالْمُفَسِّرُونَ: لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ قَالَ الْمُشْرِكُونَ: إِنَّإِبِلَنَا لَتَسْمَنُ عَلَى الضَّرِيعِ فَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى: {لاَ يُسْمِنُ وَلاَ يُغْنِي مِنْ جُوعٍ}وَكَذَبُوافَإِنَّ الإِبَلَ إِنَّمَا تَرْعَاهُ إِذَا كَانَ رَطْبًا فَإِذَا يَبِسَ فَلاَتَأْكَلُهُ، وَرَطْبُهُ يُسَمَّى شِبْرِقًا بِالْكَسْرِ لاَ ضَرِيعًا، فَإِنْقُلْتَ: كَيْفَ قِيلَ: {لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلاَّ مِنْضَرِيعٍ} وَفِي الْحَاقَّةِ: {وَلاَ طَعَامٌ إِلاَّمِنْ غِسْلِينٍ}؟ قُلْتُ: الْعَذَابُ أَلْوَانٌ وَالْمُعَذَّبُونَطَبَقَاتٌ، فَمِنْهُمْ أَكَلَةُ الزَّقُّومِ، وَمِنْهُمْ أَكَلَةُ الْغِسْلِينِ،وَمِنْهُمْ أَكَلَةُ الضَّرِيعِ.
-
وَأَخْرَجَ الطَّبَرِيُّ مِنْ طَرِيقِعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: الضَّرِيعُ شَجَرٌ مِنْنَارٍ. وَقَالَ الْخَلِيلُ: هُوَ نَبْتٌ أَخْضَرُ مُنْتِنُ الرِّيحِ يُرْمَى بِهِفِي الْبَحْرِ). [عمدة القاري: 19 / 289]
قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : ( (الضَّرِيعُ) ولأَبِي ذَرٍّ: وَيُقَالُ الضَّرِيعُ (نَبْتٌ) له شَوْكٌ (يُقَالُ له: الشِّبْرِقُ) بِكَسْرِ الْمُعْجَمَةِ والرَّاءِ، بينهما مُوَحَّدَةٌساكنةٌ (تُسَمِّيهِ أَهْلُ الْحِجَازِ الضَّرِيعَ إذا يَبِسَ وهو سُمٌّ) لاتَقْرَبُهُ دَابَّةٌ لِخَبَثِهِ). [إرشاد الساري: 7 / 417]

قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍالسُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأَخْرَجَ ابنُ جَرِيرٍ، عن ابنِ عبَّاسٍ فيقولِه: {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ}؛ قالَ: السَّاعَةُ،{وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ (2) عَامِلَةٌنَاصِبَةٌ}؛ قالَ: تَعْمَلُ وتَنْصَبُ في النارِ،{تُسْقَى مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ}؛ قالَ: هي التي قدْ طَالَأَنيُهَا،{لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلاَّ مِنْضَرِيعٍ}؛ قالَ: الشِّبْرِقُ). [الدرالمنثور: 15 / 381] (م)
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍالسُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأَخْرَجَ عبدُ الرَّزَّاقِ، وعبدُ بنُحُمَيْدٍ، وابنُ جَرِيرٍ، وابنُ المُنْذِرِ، وابنُ أبي حَاتِمٍ، عن قَتَادَةَ: {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ}؛ قالَ: حديثُالساعَةِ،{وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ}؛قالَ: ذَلِيلَةٌ في النارِ،{عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ}؛قالَ: تَكَبَّرَتْ في الدنيا عن طاعةِ اللَّهِ فأَعْمَلَهَا وأَنْصَبَهَا في النارِ، {تُسْقَى مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ}؛ قالَ: أَنَى طَبْخُهامُنْذُ خَلَقَ اللَّهُ السماواتِ والأرضَ،{لَيْسَ لَهُمْطَعَامٌ إِلاَّ مِنْ ضَرِيعٍ}؛قالَ: الشِّبْرِقُ؛ شَرُّ الطعَامِوأَبْشَعُه وأَخْبَثُه). [الدر المنثور: 15 / 381] (م)
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍالسُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأَخْرَجَ ابنُ أبي حَاتِمٍ عن عِكْرِمَة فيقَوْلِهِ: {عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ}؛ قالَ: عامِلَةٌ فيالدنيا بالمعاصِي، تَنْصِبُ في النارِ يومَ القيامةِ، {إِلاَّ مِنْ ضَرِيعٍ}؛ قالَ: الشِّبْرِقُ). [الدر المنثور: 15 / 382] (م)
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍالسُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأَخْرَجَ ابنُ جَرِيرٍ وابنُ المُنْذِرِوابنُ أبي حَاتِمٍ، عن ابنِ عبَّاسٍ في قَوْلِهِ: {تَصْلَىنَاراً حَامِيَةً}؛قالَ: حَارَّةً، {تُسْقَى مِنْعَيْنٍ آنِيَةٍ}؛قالَ: انْتَهَى حَرُّهَا، {لَيْسَلَهُمْ طَعَامٌ إِلاَّ مِنْ ضَرِيعٍ}؛ يَقُولُ: مِن شَجَرٍ مِنْ نَارٍ). [الدر المنثور: 15 / 382] (م)
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍالسُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأَخْرَجَ الفِرْيَابِيُّ وهَنَّادٌ وعبدُ بنُحُمَيْدٍ وابنُ جَرِيرٍ وابنُ المُنْذِرِ وابنُ أبي حَاتِمٍ، عن مُجَاهِدٍ فيقَوْلِهِ: {مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ}؛ قالَ: قَدْبَلَغَتْ إِنَاهَا وحانَ شُرْبُها، وفي قَوْلِهِ: {إِلاَّمِنْ ضَرِيعٍ}؛ قالَ: الشِّبْرِقُ اليابِسُ). [الدر المنثور: 15 / 383](م)
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُالرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأَخْرَجَ عبدُبنُ حُمَيْدٍ، عن ابنِ عبَّاسٍ: {لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌإِلاَّ مِنْ ضَرِيعٍ}قالَ: الشِّبْرِقُ اليابِسُ). [الدر المنثور: 15 / 383-384]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍالسُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأَخْرَجَ ابنُ أبي حَاتِمٍ، عن قَتَادَةَقالَ: الضَّرِيعُ بِلُغَةِ قُرَيْشٍ في الرَّبِيعِ الشِّبْرِقُ، وفي الصَّيْفِالضَّرِيعُ). [الدر المنثور: 15 / 384]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍالسُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأَخْرَجَ عبدُ بنُ حُمَيْدٍ وابنُ جَرِيرٍوابنُ المُنْذِرِ وابنُ أبي حَاتِمٍ، عن عِكْرِمَةَ فال: الضَّرِيعُ: الشِّبرِقُشجرةٌ ذاتُ شوكٍ لاطئةٌ بالأرضِ). [الدر المنثور: 15 / 384]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُالرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأَخْرَجَ ابنُأبي شَيْبَةَ وعبدُ بنُ حُمَيْدٍ وابنُ المُنْذِرِ وابنُ أبي حَاتِمٍ، عن أبيالجَوْزَاءِ قال: الضَّرِيعُ: السُّلاءُ، وهو الشَّوْكُ، وكيفَ يَسْمَنُ مَنْ كَانَطَعَامُهُ الشَّوكَ؟ ). [الدر المنثور: 15 / 384]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍالسُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأَخْرَجَ ابنُ جَرِيرٍ وابنُ المُنْذِرِوابنُ أبي حَاتِمٍ، عن سعيدِ بنِ جُبَيْرٍ: {إِلاَّ مِنْضَرِيعٍ}؛ قالَ: مِن حِجَارَةٍ). [الدرالمنثور: 15 / 384]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍالسُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأَخْرَجَ عبدُ بنُ حُمَيْدٍ وابنُ أبيحَاتِمٍ، عن سعيدِ بنِ جُبَيْرٍ: {إِلاَّ مِنْضَرِيعٍ}؛قالَ: الزَّقُّومُ). [الدرالمنثور: 15 / 384]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُالرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأَخْرَجَ ابنُمَرْدُويَهْ، عن أبي الدَّرْدَاءِ، قالَ: قالَ رسولُ اللَّهِ [صَلَّى اللَّهُعَلَيْهِ وَسَلَّمَ]: «يُلْقَى عَلَى أَهْلِ النَّارِ الْجُوعُحَتَّى يَعْدِلَ مَا هُمْ فِيهِ مِنَ الْعَذَابِ، فَيَسْتَغِيثُونَ بِالطَّعَامِ،فَيُغَاثُونَ بِطَعَامٍ مِنْ ضَرِيعٍ لاَ يُسْمِنُ وَلاَ يُغْنِي مِنْجُوعٍ» ). [الدر المنثور: 15 / 384-385]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍالسُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأَخْرَجَ ابنُ مَرْدُويَهْ بِسَنَدٍ وَاهٍ عنابنِ عبَّاسٍ: {لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلاَّ مِنْضَرِيعٍ}؛قالَ: قالَ رسولُ اللَّهِ [صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِوَسَلَّمَ]:«شَيْءٌ يَكُونُ فِي النَّارِ شِبْهُالشَّوْكِ، أَمَرُّ مِنَ الصَّبْرِ، وَأَنْتَنُ مِنَ الْجِيفَةِ، وَأَشَدُّ حَرًّامِنَ النَّارِ، سَمَّاهُ اللَّهُ الضَّرِيعَ، إِذَا طَعِمَهُ صَاحِبُهُ لاَيَدْخُلُ الْبَطْنَ وَلاَ يَرْتَفِعُ إِلَى الْفَمِ، فَيَبْقَى بَيْنَ ذَلِكَ وَلاَيُغْنِي مِنْ جُوعٍ» ). [الدرالمنثور: 15 / 385]
التحرير والتنوير — ابن عاشور (١٣٩٣ هـ)
والضَّرِيعُ: يابِسُ الشِّبْرِقِ بِكَسْرِ الشِّينِ المُعْجَمَةِ وسُكُونِ المُوَحَّدَةِ وكَسْرِ الرّاءِ وهو نَبْتٌ ذُو شَوْكٍ إذا كانَ رَطْبًا، فَإذا يَبِسَ سُمِّيَ ضَرِيعًا وحِينَئِذٍ يَصِيرُ مَسْمُومًا وهو مَرْعًى لِلْإبِلِ ولِحُمُرِ الوَحْشِ إذا كانَ رَطْبًا، فَما يُعَذَّبُ بِأهْلِ النّارِ بِأكْلِهِ شُبِّهَ بِالضَّرِيعِ في سُوءِ طَعْمِهِ وسُوءِ مَغَبَّتِهِ.
وقِيلَ: الضَّرِيعُ اسْمٌ سَمّى القُرْآنُ بِهِ شَجَرًا في جَهَنَّمَ وأنَّ هَذا الشَّجَرَ هو الَّذِي يَسِيلُ مِنهُ الغِسْلِينُ الوارِدُ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿فَلَيْسَ لَهُ اليَوْمَ ها هُنا حَمِيمٌ﴾ [الحاقة: ٣٥] ﴿ولا طَعامٌ إلّا مِن غِسْلِينٍ﴾ [الحاقة: ٣٦] وعَلَيْهِ فَحَرْفُ مِن لِلِابْتِداءِ، أيْ: لَيْسَ لَهم طَعامٌ إلّا ما يَخْرُجُ مِنَ الضَّرِيعِ والخارِجُ هو الغِسْلِينُ وقَدْ حَصَلَ الجَمْعُ بَيْنَ الآيَتَيْنِ: ووَصْفُ ضَرِيعٍ بِأنَّهُ لا يُسْمِنُ ولا يُغْنِي مِن جُوعٍ لِتَشْوِيهِهِ وأنَّهُ تَمَحُّضٌ لِلضُّرِّ فَلا يَعُودُ عَلى آكِلِيهِ بِسِمَنٍ يُصْلِحُ بَعْضَ ما التَفَحَ مِن أجْسادِهِمْ، ولا يُغْنِي عَنْهم دَفْعَ ألَمِ الجُوعِ، ولَعَلَّ الجُوعَ مِن ضُرُوبِ تَعْذِيبِهِمْ فَيَسْألُونَ الطَّعامَ فَيُطْعَمُونَ الضَّرِيعَ فَلا يَدْفَعُ عَنْهم ألَمَ الجُوعِ.
والسِّمَنُ، بِكَسْرِ السِّينِ وفَتْحِ المِيمِ: وفْرَةُ اللَّحْمِ والشَّحْمِ لِلْحَيَوانِ يُقالُ: أسْمَنَهُ الطَّعامُ، إذا عادَ عَلَيْهِ بِالسِّمَنِ. والإغْناءُ: الإكْفاءُ ودَفْعُ الحاجَةِ. ومِن جُوعٍ مُتَعَلِّقٌ بِـ يُغْنِي وحَرْفُ مِن لِمَعْنى البَدَلِيَّةِ، أيْ: غَناءٌ بَدَلًا عَنِ الجُوعِ.
والقَصْرُ المُسْتَفادُ مِن قَوْلِهِ: ﴿لَيْسَ لَهم طَعامٌ إلّا مِن ضَرِيعٍ﴾ مَعَ قَوْلِهِ تَعالى: ﴿ولا طَعامٌ إلّا مِن غِسْلِينٍ﴾ [الحاقة: ٣٦] يُؤَيِّدُ أنَّ الضَّرِيعَ اسْمُ شَجَرِ جَهَنَّمَ يَسِيلُ مِنهُ الغِسْلِينُ.


ملحوظة: استخرجت ما لون باللون الأزرق من جهرة التفاسير ، وما لون باللون الأحمر استخرجته من الكتب الباقية ، وتعذر علي استخراج الكتب المتعلقة بالمسائل اللغوية الباقية لتعطل برنامج الشاملة لدي.

أحسنتِ، بارك الله فيك ونفع بكِ.
- بداية: نفصل بين النقول من تفاسير السلف، وبين أقوال أهل اللغة، مع الترتيب التاريخي لكل منهما، وراجعي أنموذج الشيخ في الدرس لمزيد بيان وتوضيح.
- فاتكِ العزو لبعض النقول.
- احرصي على عمل هذه القائمة للتفريق بين الكتب التي بحثتِ فيها ولم تجدي نقولا خاصة ببحثكِ، وبين الكتب التي تعذر عليكِ الوصول إليها، ربما يتيسر لكِ ذلك بإذن الله عند التحرير.
المرتبة الأولى:
- الكتب التي وجدت فيها:
- الكتب التي بحثت ولم تجد فيها:
- الكتب التي تعذر عليك الوصول إليها:
المرتبة الثانية:
- الكتب التي وجدت فيها:
- الكتب التي بحثت ولم تجد فيها:
- الكتب التي تعذر عليك الوصول إليها:
وهكذا في كل مرتبة..
ومتى تيسر لكِ حاولي الاستزادة من قواميس اللغة، والتفاسير التي تعتني ببيان المسائل اللغوية.

التقويم: ب+
زادكِ الله توفيقًا وسدادًا.

رد مع اقتباس
  #10  
قديم 23 صفر 1441هـ/22-10-2019م, 09:53 AM
رشا عطية الله اللبدي رشا عطية الله اللبدي غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المستوى السابع
 
تاريخ التسجيل: Aug 2015
المشاركات: 340
افتراضي

معنى ضريع في قوله : ( ليس لهم طعام إلا من ضريع )

قال أبو زكريا يحيى بن زياد الفراء (المتوفى: 207هـ)وهو نبت يُقال لَهُ: الشِّبْرِق، وأهل الحجاز يسمونه الضريع إِذَا يبس، وهو «4» سم.( معاني القرآن ؛ 3 / 377 )
قال أبو عبيدة معمر بن المثنى (المتوفى: 209هـ):
«إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ» (6) الضريع عند العرب الشّبرق شجر.( مجاز القرآن ؛ 2 / 427 )

قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ): ({ضريع}: ذكروا أنه يبيس الشجر، وقالوا (الضريع): نبت يقال له الشرق. وذكروا أن بعض البحار يقذف في كل سنة ورقا ليست له قوة). [غريب القرآن وتفسيره: 426]


قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ((الضريع): نبت [يكون] بالحجاز، يقال لرطبة: الشّبرق). [تفسير غريب القرآن: 525]


قال إبراهيم بن السري بن سهل، أبو إسحاق الزجاج (المتوفى: 311هـ):طعامهم الضريع كما قال عزَّ وجلَّ: (لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ (6).
وهو الشبْرَقُ، وهو شوك كالعَوْسَج.
قال إبراهيم بن السري بن سهل، أبو إسحاق الزجاج (المتوفى: 311هـ):والضريع الشبرق.
وهو جنس من الشوك، إذا كان رطباً فهو شبرق، فإذا يبس فهوَ الضَّرِيعُ، قال كفار قريش: إنَّ الضريع لَتَسْمَنُ عليه إبِلُنَا، (معاني القرآن وإعرابه ؛ 5/ 242،316)


قال : محمد بن عُزير السجستاني، أبو بكر العُزيري (المتوفى : 330هـ)
ضَرِيع: نبت بالحجاز يُقَال لرطبه الشبرق.(غريب القرآن ، 1 / 313)

قال أبو جعفر النَّحَّاس أحمد بن محمد بن إسماعيل (المتوفى: 338هـ):
اختلف أهل التأويل في تفسير الضريع فروى ابن أبي طلحة عن ابن عباس قال:
الضريع شجر من نار، وقال ابن زيد: الضريع الشوك من النار. وهو عند العرب شوك يابس لا ورق فيه وعن عكرمة الضريع الحجارة. وعن الحسن قولان: أحدهما الضريع الزقوم، والآخر أن الضريع الذي يضرع ويذلّ من أكله لمرارته وخشونته. قال أبو جعفر: وهذا القول جامع للأقوال كلها وقد قال عطاء: الضريع الشبرق. قال أبو جعفر: وهذا القول الذي حكاه أهل اللغة. الشبرق: شجر كثير الشوك تعافه الإبل.( إعراب القرآن ‘ 5/ 131)

قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت: 345هـ): (والضريع العوسج الرطب، وهو نبات في النار، شبيه العوسج). [ياقوتة الصراط: 573]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( (الضَّرِيع): نبت بالحجاز، يقال لرطبة الشِّبْرِق). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 300]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( (الضَرِيعٍ): نبت). [العمدة في غريب القرآن: 344]





قال أبو القاسم الحسين بن محمد المعروف بالراغب الأصفهانى (المتوفى: 502هـ)فقيل: هو يَبِيسُ الشَّبْرَقِ «1» ، وقيل: نباتٌ أحمرُ منتنُ الرّيحِ يرمي به البحر، وكيفما كان فإشارة إلى شيء منكر. وضَرَعَ إليهم: تناول ضَرْعَ أُمِّهِ، وقيل منه: ضَرَعَ الرّجلُ ضَرَاعَةً:
ضَعُفَ وذَلَّ، فهو ضَارِعٌ، وضَرِعٌ، وتَضَرّعَ:
أظهر الضَّرَاعَةَ. قال تعالى: تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً
[الأنعام/ 63] ، لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ
[الأنعام/ 42] ، لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ
[الأعراف/ 94] ، أي: يَتَضَرَّعُونَ فأدغم، فَلَوْلا إِذْ جاءَهُمْ بَأْسُنا تَضَرَّعُوا
[الأنعام/ 43] ، والمُضَارَعَةُ أصلُها:
التّشارك في الضَّرَاعَةِ، ثمّ جرّد للمشاركة، ومنه استعار النّحويّون لفظَ الفعلِ المُضَارِعِ.( المفردات في غريب القرآن ؛ 1/ 506 )

قال أبو الفضل، جمال الدين ابن منظور (المتوفى: 711هـ):
نَبَاتٌ أَخضَر مُنْتِنٌ خَفِيفٌ يَرْمي بِهِ البحرُ وَلَهُ جوْفٌ، وَقِيلَ: هُوَ يَبِيسُ العَرْفَجِ والخُلَّةِ، وَقِيلَ: مَا دَامَ رَطْبًا فَهُوَ ضرِيعٌ، فإِذا يَبِسَ فَهُوَ ضرِيعٌ، فإِذا يَبِسَ فَهُوَ الشِّبْرِقُ، وَهُوَ مَرْعَى سَوءٍ لَا تَعْقِدُ عَلَيْهِ السائمةُ شَحْماً وَلَا لَحْمًا، وإِن لَمْ تُفَارِقْهُ إِلى غَيْرِهِ ساءَت حَالُهَا. وَفِي التنزيل: يْسَ لَهُمْ طَعامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ لَا يُسْمِنُ وَلا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ
؛ قال أبو الفضل، جمال الدين ابن منظور (المتوفى: 711هـ): قَالَ الْفَرَّاءُ: الضرِيعُ نَبْتٌ يُقَالُ لَهُ الشِّبْرِقُ، وأَهل الْحِجَازِ يُسَمُّونَهُ الضَّرِيعَ إِذا يَبِسَ، قال أبو الفضل، جمال الدين ابن منظور (المتوفى: 711هـ): َقَالَ ابْنُ الأَعرابي: الضَّرِيعُ العوْسَجُ الرطْب، فإِذا جَفَّ فَهُوَ عَوْسَجٌ، فإِذا زَادَ جُفوفاً فَهُوَ الخَزِيزُ، وجاءَ فِي التَّفْسِيرِ: أَن الْكُفَّارَ قَالُوا إِنَّ الضريعَ لتَسْمَنُ عَلَيْهِ إِبلنا، فَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: لَا يُسْمِنُ وَلا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ. وَجَاءَ فِي حَدِيثِ أَهل النَّارِ:
فيُغاثون بِطَعَامٍ مِنْ ضَرِيعٍ
قال أبو الفضل، جمال الدين ابن منظور (المتوفى: 711هـ): قَالَ ابْنُ الأَثير: هُوَ نَبْتٌ بِالْحِجَازِ لَهُ شوْكٌ كِبَارٌ يُقَالُ لَهُ الشِّبْرِقُ. ( لسان العرب ؛ 8 / 223)


قال جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي (المتوفى: 597هـ) :{من ضريع} وهو نبت ذو شوك يقال له الشبرق وإذا هاج سموه ضريعا
(تذكرة الأريب في تفسير الغريب (غريب القرآن الكريم) ( 1/ 449)





قال شهاب الدين محمود بن عبد الله الحسيني الألوسي (المتوفى: 1270هـ): والضريع كما أخرج عبد بن حميد عن ابن عباس الشبرق اليابس وهي على ما قاله عكرمة شجرة ذات شوك لاطئة بالأرض. وقال غير واحد: هو جنس من الشوك ترعاه الإبل رطبا فإذا يبس تحامته وهو سم قاتل. قال أبو ذؤيب:
رعى الشبرق الريان حتى إذا ذوى ... وصار ضريعا بان عنه النحائص
وقال ابن غرارة الهذلي يذكر إبلا وسوء مرعى:
وحبسن في هزم الضريع فكلها ... حدباء دامية اليدين حرود
وقال بعض اللغويين: الضريع يبيس العرفج إذا انحطم. وقال الزجاج: نبت كالعوسج. وقال الخليل: نبت أخضر منتن الريح يرمي به البحر. والظاهر أن المراد ما هو ضريع حقيقة وقيل هو شجرة نارية تشبه الضريع وأنت تعلم أنه لا يعجز الله تعالى الذي أخرج من الشجر الأخضر نارا أن ينبت في النار شجر الضريع. نعم يؤيد ما قيل ما حكاه
في البحور الزاخرة عن البغوي عن ابن عباس يرفعه: «الضريع شيء في النار شبه الشوك أمرّ من الصبر، وأنتن من الجيفة، وأشد حرا من النار»( روح المعاني ، 5/ 326،327)

رد مع اقتباس
  #11  
قديم 23 صفر 1441هـ/22-10-2019م, 10:47 AM
رشا عطية الله اللبدي رشا عطية الله اللبدي غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المستوى السابع
 
تاريخ التسجيل: Aug 2015
المشاركات: 340
افتراضي

[معنى ضريع في قوله : ( ليس لهم طعام إلا من ضريع )

جمع أقوال علماء السلف في المسألة :
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر، عن قتادة، في قوله: {إلا من ضريع}؛ قال: هو الشبرق). [تفسير عبد الرزاق: 2/ 368]

قال أبو بكرٍ عبدُ الله بنُ محمدٍ ابنُ أبي شيبةَ العبسيُّ (ت: 235هـ): (حدّثنا عفّان، قال: حدّثنا سعيد بن زيدٍ، قال: حدّثنا عمرو بن مالكٍ، قال: سمعت أبا الجوزاء يقول: {ليس لهم طعامٌ إلا من ضريعٍ}: السَّلَم، كيف يسمن من يأكل الشّوك). [مصنف ابن أبي شيبة: 19/ 488]
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : (ويقال: الضّريع: نبتٌ يقال له الشّبرق، يسمّيه أهل الحجاز: الضّريع إذا يبس، وهو سمٌّ). [صحيح البخاري: 6 / 168]

قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ) : (قولُهُ: ويُقالُ: الضَّريعُ نَبْتٌ يُقَالُ: له الشِّبْرِقُ تُسَمِّيهِ أهْلُ الحِجَازِ الضَّريعَ إذا يَبِسَ وهُو سُمٌّ)، هُو كلامُ الفَرَّاءِ بلَفْظِهِـ والشِّبْرِقُ بكَسْرِ المُعْجَمَةِ، بَعْدَها مُوَحَّدَةٌ؛ قَالَ الخليلُ بنُ أَحْمَدَ: هُو نَبْتٌ أَخْضَرُ مُنْتِنُ الرِّيحِ يَرمِي به البَحرُ.


- وأَخرَجَ الطَّبَرِيُّ من طَرِيقِ عِكْرِمَةَ ومُجَاهدٍ قَالَ: الضَّريعُ: الشِّبرِقُ. ومن طَرِيقِ عَلِيِّ بنِ أَبِي طَلْحَةَ عنِ ابنِ عَبَّاسٍ قَالَ: الضَّريعُ شَجرٌ من نارٍ.
- ومن طريقِ سَعِيدِ بنِ جُبَيرٍ قَالَ: الحجارةُ. وقَالَ ابنُ التِّينِ: كأنَّ الضَّريعَ مُشْتَقٌّ مِنَ الضَّارعِ وهُو الذَّليلُ، وقِيلَ: هُو السُّلاَّ بضَمِّ المُهْمَلَةِ وتَشْدِيدِ اللامِ وهُو شَوكُ النَّخلِ). [فتح الباري: 8 / 700-701]
-

قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : ( وَيُقالُ: الضَّرِيعُ نَبْتٌ يُقالُ لَهُ الشِّبْرِقُ يُسَمِّيهِ أهْلُ الْحِجَازِ الضَّرِيعَ إذَا يَبِسَ وَهُوَ سَمٌّ).
- الْقَائِلُ هُوَ الْفَرَّاءُ قَالَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلاَّ مِنْ ضَرِيعٍ (6) لاَ يُسْمِنُ وَلاَ يُغْنِي مِنْ جُوعٍ}؛ قَالَ الْمُفَسِّرُونَ: لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ قَالَ الْمُشْرِكُونَ: إِنَّ إِبِلَنَا لَتَسْمَنُ عَلَى الضَّرِيعِ فَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى: {لاَ يُسْمِنُ وَلاَ يُغْنِي مِنْ جُوعٍ} وَكَذَبُوا فَإِنَّ الإِبَلَ إِنَّمَا تَرْعَاهُ إِذَا كَانَ رَطْبًا فَإِذَا يَبِسَ فَلاَ تَأْكَلُهُ، وَرَطْبُهُ يُسَمَّى شِبْرِقًا بِالْكَسْرِ لاَ ضَرِيعًا، فَإِنْ قُلْتَ: كَيْفَ قِيلَ: {لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلاَّ مِنْ ضَرِيعٍ} وَفِي الْحَاقَّةِ: {وَلاَ طَعَامٌ إِلاَّ مِنْ غِسْلِينٍ}؟ قُلْتُ: الْعَذَابُ أَلْوَانٌ وَالْمُعَذَّبُونَ طَبَقَاتٌ، فَمِنْهُمْ أَكَلَةُ الزَّقُّومِ، وَمِنْهُمْ أَكَلَةُ الْغِسْلِينِ، وَمِنْهُمْ أَكَلَةُ الضَّرِيعِ.

- وَأَخْرَجَ الطَّبَرِيُّ مِنْ طَرِيقِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: الضَّرِيعُ شَجَرٌ مِنْ نَارٍ. وَقَالَ الْخَلِيلُ: هُوَ نَبْتٌ أَخْضَرُ مُنْتِنُ الرِّيحِ يُرْمَى بِهِ فِي الْبَحْرِ). [عمدة القاري: 19 / 289]

قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : ( (الضَّرِيعُ) ولأَبِي ذَرٍّ: وَيُقَالُ الضَّرِيعُ (نَبْتٌ) له شَوْكٌ (يُقَالُ له: الشِّبْرِقُ) بِكَسْرِ الْمُعْجَمَةِ والرَّاءِ، بينهما مُوَحَّدَةٌ ساكنةٌ (تُسَمِّيهِ أَهْلُ الْحِجَازِ الضَّرِيعَ إذا يَبِسَ وهو سُمٌّ) لا تَقْرَبُهُ دَابَّةٌ لِخَبَثِهِ). [إرشاد الساري: 7 / 417]
قالَ مُحَمَّدُ بنُ أَحمدَ بنِ نَصْرٍ الرَّمْلِيُّ (ت:295هـ): (وعن سعيدٍ: {ليس لهم طعامٌ إلا من ضريع}؛ قال: من حجارةٍ). [جزء تفسير يحيى بن اليمان: 37] [سعيد: هو ابن جبير]
قالَ مُحَمَّدُ بنُ أَحمدَ بنِ نَصْرٍ الرَّمْلِيُّ (ت:295هـ): (ثنا يوسف بن عديٍّ، قال: ثنا رشدين بن سعدٍ، عن يونس بن يزيد، عن عطاءٍ الخراساني في قول اللّه عزّ وجلّ: {طعامٌ إلا من ضريع}؛ قال: شجرةٌ يقال لها: الشّبرق).[جزء تفسير عطاء الخراساني: 94]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (وقولُهُ: {لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ}؛ يقولُ: ليسَ لهؤلاءِ الذينَ هم أصحابُ الوجُوه الخاشعةِ العاملةِ الناصبةِ يومَ القيامةِ، طعامٌ إلاَّ ما يَطْعَمُونَه من ضريعٍ. والضريعُ عندَ العربِ: نبْتٌ يُقالُ له الشِّبْرِقُ، وتسمِّيهِ أهلُ الحجازِ: الضَّرِيعَ؛ إذا يَبِسَ، ويسمِّيهِ غيرُهم: الشِّبْرِقُ، وهو سُمٌّ.
وبنحوِ الذي قلْنَا في ذلك قالَ أهلُ التأويلِ.
ذِكْرُ مَن قالَ ذلك:
- حدَّثني محمَّدُ بنُ سعدٍ، قالَ: ثني أبي، قالَ: ثني عمِّي، قالَ: ثني أبي، عن أبيهِ، عن ابنِ عبَّاسٍ: {لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ}؛ قالَ: الضريعُ: الشبرقُ.
- حدَّثني محمَّدُ بنُ عبيدٍ المحاربيُّ، قالَ: ثنا عبَّادُ بنُ يعقوبَ الأسديُّ، قالَ محمَّدٌ: ثنا، وقالَ عبَّادٌ: أخبرنا محمَّدُ بنُ سليمانَ، عن عبدِ الرَّحْمنِ الأصبهانيِّ، عن عكرمةَ في قولِهِ: {لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ}؛ قالَ: الشِّبْرِقُ.
- حدَّثني يعقوبُ، قالَ: ثنا إسماعيلُ ابنُ عُليَّةَ، عن أبي رجاءٍ، قالَ: ثني نجدةُ، رجلٌ من عبدِ القيسِ، عن عكرمةَ، في قولِهِ: {لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ}؛ قالَ: هي شجرةٌ ذاتُ شوكٍ، لاطئةٌ بالأرضِ، فإذا كانَ الربيعُ سمَّتْها قريشٌ الشبرقَ، فإذا هاجَ العودُ سمَّتْها الضريعَ.
- حدَّثنا ابنُ بشَّارٍ، قالَ: ثنا عبدُ الرَّحْمنِ، قالَ: ثنا سفيانُ، عن ليثٍ، عن مجاهدٍ: {لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ} قالَ: الشبرقُ.
- حدَّثنا ابنُ حُمَيْدٍ، قالَ: ثنا مِهْرانُ، عن سفيانَ، عن ليثٍ، عن مجاهدٍ، مثلَهُ.
- حدَّثني محمَّدُ بنُ عمرٍو، قالَ: ثنا أبو عاصمٍ، قالَ: ثنا عيسَى؛ وحدَّثني الحارثُ، قالَ: ثنا الحسنُ، قالَ: ثنا ورقاءُ، جميعاً عن ابنِ أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، قولَهُ: {ضَرِيعٍ}؛ قالَ: الشبرقُ اليابسُ.
- حدَّثنا ابنُ عبدِ الأعلَى، قالَ: ثنا ابنُ ثورٍ، عن مَعْمَرٍ، عن قتادةَ:{إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ}؛ قالَ: هو الشبرقُ إذا يَبِسَ يُسمَّى الضريعَ.
- حدَّثنا بِشْرٌ، قالَ: ثنا يزيدُ، قالَ: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ، قولَهُ: {لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ}؛ يقولُ: من شرِّ الطعامِ، وأبشعِهِ وأخبثِهِ.
- حدَّثني محمَّدُ بنُ عبيدٍ، قالَ: ثنا شريكُ بنُ عبدِ اللَّهِ، في قولِهِ: {لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ}؛ قالَ: الشِّبْرِقُ.
وقالَ آخرُونَ: الضريعُ: الحجارةُ.
ذِكْرُ مَن قالَ ذلك:
- حدَّثنا أبو كريبٍ، قالَ: ثنا ابنُ يمانٍ، عن جعفرٍ، عن سعيدٍ، في قولِهِ: {لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ}؛ قالَ: الحجارةُ.
وقالَ آخرُونَ: الضريعُ: شجرٌ من نارٍ.
ذِكْرُ مَن قالَ ذلك:
- حدَّثني عليٌّ، قالَ: ثنا أبو صالحٍ، قالَ: ثني معاويَةُ، عن عليٍّ، عن ابنِ عبَّاسٍ، قولَهُ: {لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلَّا من ضَرِيعٍ} يقولُ: شجرٌ من نارٍ.
- حدَّثني يونسُ، قالَ: أخبرنا ابنُ وهبٍ، قالَ: قالَ ابنُ زيدٍ، في قولِهِ: {لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلَّا من ضَرِيعٍ} قالَ: الضريعُ: الشوكُ من النارِ. قالَ: وأمَّا في الدنيا فإنَّ الضريعَ: الشوكُ اليابسُ الذي ليسَ له ورقٌ، تدعوهُ العربُ الضريعَ، وهو في الآخرةِ شوكٌ من نارٍ). [جامع البيان: 24 / 331-333]


قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم قال: ثنا آدم قال: ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قال: الضريع: الشبرق اليابس). [تفسير مجاهد: 2/ 753]


قال أحمد بن محمد بن إبراهيم الثعلبي، (المتوفى: 427هـ)َ: ليْسَ لَهُمْ طَعامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ قال محمد وعكرمة وقتادة: وهو نبت ذو شوك لاطئ بالأرض تسمّيه فرش الشرق، فإذا هاج سمّوه الضريع، وهو أخبث طعام وأبشعه، وهي رواية العوفي عن ابن عبّاس، الوالي عنه: هو شجر من نار، وقال ابن زيد: أمّا في الدنيا فإنّ الضريع الشوك اليابس الذي ليس له ورق، تدعوه العرب الضريع، وهو في الآخرة شوك من نار.
وقال الكلبي: لا تقربه دابّة إذا يبس، ولا يرعاه شيء، وقال سعيد بن جبير هو الحجارة، عطاء عن ابن عبّاس: هو شيء يطرحه البحر المالح، يسمّيه أهل اليمن الضريع،
وقد روي عن ابن عبّاس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنّه قال: «الضريع شيء يكون في النار شبه الشوك، أمرّ من الصبر وأنتن من الجيفة وأشدّ حرّا من النار»
[138] «1» سمّاه النبيّ ضريعا، وقال عمرو بن عبيد: لم يقل الحسن في الضريع شيئا، إلّا أنّه قال: هو بعض ما أخفى الله من العذاب، وقال ابن كيسان: هو طعام يضرعون منه ويذلّون ويتضرّعون إلى الله سبحانه، وعلى هذا التأويل يكون المعنى المضرّع.
وقال أبو الدرداء والحسن: يقبّح الله سبحانه وجوه أهل النار يوم القيامة يشبهها بعملهم «2» القبيح في الدنيا، ويحسن وجوه أهل الجنّة يشبّهها بأعمالهم الحسنة في الدنيا، وأنّ الله سبحانه يرسل على أهل النار الجوع حتّى يعدل عندهم ما هم فيه من العذاب، فيستغيثون فيغاثون بالضريع ويستغيثون فيغاثون بطعام ذي غصّة، فيذكرون أنّهم كانوا يخبزون الغصص في الدنيا بالماء فيستسقون بعطشهم ألف سنة، ثمّ يسقون من عين آنية لا هنيّة ولا مريّة، فكلّما أدنوه من وجوههم سلخ جلود وجوههم وشواها، فإذا وصل إلى بطونهم قطّعها، فذلك قوله سبحانه:
وَسُقُوا ماءً حَمِيماً فَقَطَّعَ أَمْعاءَهُمْ.
قال المفسّرون: فلمّا نزلت هذه الآية قال المشركون: إنّ إبلنا لتسمن على الضريع، فأنزل الله سبحانه: لا يُسْمِنُ وَلا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ ويقول: فإنّ الإبل ترعاه ما دام رطبا، فإذا يبس فلا يأكله شيء ورطبه يسمّى شبرقا لا ضريعا.0(الكشف والبيان ؛ 10 /188)

قال علي بن محمد بن محمد بن حبيب الشهير بالماوردي (المتوفى: 450هـ):{ليس لَهُمْ طعامٌ إلاّ مِن ضَريعٍ} فيه ستة أقاويل: أحدها: أنها شجرة تسميها قريش الشبرق , كثيرة الشوك , قاله ابن عباس , قال قتادة وإذا يبس في الصيف فهو ضريع , قال الشاعر:
(رعى الشبرق الريان حتى إذا ذوى ... وعاد ضريعاً نازعته النحائص)
الثاني: السّلم , قال أبو الجوزاء: كيف يسمن من يأكل الشوك. الثالث: أنها الحجارة , قاله ابن جبير.( النكت والعيون ؛ 6/ 256)

قال : نظام الدين الحسن بن محمد بن حسين القمي النيسابوري (المتوفى: 850هـ): ومطعومهم وهو الضريع. وإنما قدّم المشروب على الضريع المطعوم لأن الماء يناسب النار مناسبة الضدين أو الشبيهين من حيث بساطتهما، أو لأنهم إذا أثر فيهم حر النار غلب عليهم العطش وكان الماء عندهم أهم، ثم إذا أثرت فيهم الحرارتان أرادوا أن يدفعوا ألم الإحساس بها بما يزيد العذاب على البدن، هذا مع أن الواو ليست للترتيب. قال الحسن: لا أدري ما الضريع ولم أسمع فيه من الصحابة شيئا وقد يروى عنه أيضا أنه «فعيل» بمعنى «مفعل» كالأليم بمعنى المؤلم. والبديع بمعنى المبدع ومعناه إلا من طعام يحملهم على الضراعة والذل عند تناوله لما فيه من الخشونة والمرارة والحرارة. وعن سعيد بن جبير أنه شجرة ذات شوك. قال أبو الجوزاء: كيف يسمن من يأكل الشوك.
وفي الخبر «الضريع شيء يكون في النار يشبه الشوك أمرّ من الصبر وأنتن من الجيفة وأشدّ حرا من النار»
قال العلماء: إن للنار دركات وأهلها على طبقات: فمنهم من طعامه الزقوم، ومنهم من طعامه غسلين، ومنهم من طعامه ضريع، ومنهم من شرابه الحميم، ومنهم من شرابه الصديد لِكُلِّ بابٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ مَقْسُومٌ [الحجر: 44] ووجود النبت في النار ليس ببدع من قدرة الله كوجود بدن الإنسان والعقارب والحيات فيها. قوله لا يُسْمِنُ وَلا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ صفة للطعام أو للضريع، وفيه أن طعامهم ليس من جنس طعام الإنس لكن من جنس الشوك الذي ترعاه الإبل ما دام رطبا فإذا يبس نفرت عنه لأنه سم قاتل. ويحتمل أن يراد لا طعام لهم أصلا لأن الضريع يبيس هذا الشوك والإبل تنفر عنه كما قلنا فهو كقوله «ليس لفلان ظل إلا الشمس» يريد نفي الظل على التوكيد.
وروي أن كفار قريش قالوا على سبيل التعنت حين سمعوا الآية: إن الضريع لتسمن عليه إبلنا فنزلت لا يُسْمِنُ وَلا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ
أي ليس فيه منفعة الغذاء ولا الاسمان ودفع الجوع كذبهم الله في قولهم يسمن الضريع، أو نبههم الله بعد تسليم أن ضريعهم مسمن على أن ضريع النار ليس كذلك أي كل ما في النار يجب أن يكون خاليا عن النفع. (غرائب القرآن ورغائب الفرقان؛ 6 / 490 )




قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأَخْرَجَ ابنُ جَرِيرٍ، عن ابنِ عبَّاسٍ في قولِه: {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ}؛ قالَ: السَّاعَةُ، {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ (2) عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ}؛ قالَ: تَعْمَلُ وتَنْصَبُ في النارِ، {تُسْقَى مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ}؛ قالَ: هي التي قدْ طَالَ أَنيُهَا، {لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلاَّ مِنْ ضَرِيعٍ}؛ قالَ: الشِّبْرِقُ). [الدر المنثور: 15 / 381] (م)
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأَخْرَجَ عبدُ الرَّزَّاقِ، وعبدُ بنُ حُمَيْدٍ، وابنُ جَرِيرٍ، وابنُ المُنْذِرِ، وابنُ أبي حَاتِمٍ، عن قَتَادَةَ: {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ}؛ قالَ: حديثُ الساعَةِ، {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ}؛ قالَ: ذَلِيلَةٌ في النارِ، {عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ}؛ قالَ: تَكَبَّرَتْ في الدنيا عن طاعةِ اللَّهِ فأَعْمَلَهَا وأَنْصَبَهَا في النارِ، {تُسْقَى مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ}؛ قالَ: أَنَى طَبْخُها مُنْذُ خَلَقَ اللَّهُ السماواتِ والأرضَ، {لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلاَّ مِنْ ضَرِيعٍ}؛ قالَ: الشِّبْرِقُ؛ شَرُّ الطعَامِ وأَبْشَعُه وأَخْبَثُه). [الدر المنثور: 15 / 381] (م)

قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأَخْرَجَ ابنُ أبي حَاتِمٍ عن عِكْرِمَة في قَوْلِهِ: {عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ}؛ قالَ: عامِلَةٌ في الدنيا بالمعاصِي، تَنْصِبُ في النارِ يومَ القيامةِ، {إِلاَّ مِنْ ضَرِيعٍ}؛ قالَ: الشِّبْرِقُ). [الدر المنثور: 15 / 382] (م)


قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأَخْرَجَ ابنُ جَرِيرٍ وابنُ المُنْذِرِ وابنُ أبي حَاتِمٍ، عن ابنِ عبَّاسٍ في قَوْلِهِ: {تَصْلَى نَاراً حَامِيَةً}؛ قالَ: حَارَّةً، {تُسْقَى مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ}؛ قالَ: انْتَهَى حَرُّهَا، {لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلاَّ مِنْ ضَرِيعٍ}؛ يَقُولُ: مِن شَجَرٍ مِنْ نَارٍ). [الدر المنثور: 15 / 382] (م)
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأَخْرَجَ الفِرْيَابِيُّ وهَنَّادٌ وعبدُ بنُ حُمَيْدٍ وابنُ جَرِيرٍ وابنُ المُنْذِرِ وابنُ أبي حَاتِمٍ، عن مُجَاهِدٍ في قَوْلِهِ: {مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ}؛ قالَ: قَدْ بَلَغَتْ إِنَاهَا وحانَ شُرْبُها، وفي قَوْلِهِ: {إِلاَّ مِنْ ضَرِيعٍ}؛ قالَ: الشِّبْرِقُ اليابِسُ). [الدر المنثور: 15 / 383](م)


قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأَخْرَجَ عبدُ بنُ حُمَيْدٍ، عن ابنِ عبَّاسٍ: {لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلاَّ مِنْ ضَرِيعٍ} قالَ: الشِّبْرِقُ اليابِسُ). [الدر المنثور: 15 / 383-384]


قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأَخْرَجَ ابنُ أبي حَاتِمٍ، عن قَتَادَةَ قالَ: الضَّرِيعُ بِلُغَةِ قُرَيْشٍ في الرَّبِيعِ الشِّبْرِقُ، وفي الصَّيْفِ الضَّرِيعُ). [الدر المنثور: 15 / 384]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأَخْرَجَ عبدُ بنُ حُمَيْدٍ وابنُ جَرِيرٍ وابنُ المُنْذِرِ وابنُ أبي حَاتِمٍ، عن عِكْرِمَةَ فال: الضَّرِيعُ: الشِّبرِقُ شجرةٌ ذاتُ شوكٍ لاطئةٌ بالأرضِ). [الدر المنثور: 15 / 384]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأَخْرَجَ ابنُ أبي شَيْبَةَ وعبدُ بنُ حُمَيْدٍ وابنُ المُنْذِرِ وابنُ أبي حَاتِمٍ، عن أبي الجَوْزَاءِ قال: الضَّرِيعُ: السُّلاءُ، وهو الشَّوْكُ، وكيفَ يَسْمَنُ مَنْ كَانَ طَعَامُهُ الشَّوكَ؟ ). [الدر المنثور: 15 / 384]


قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأَخْرَجَ ابنُ جَرِيرٍ وابنُ المُنْذِرِ وابنُ أبي حَاتِمٍ، عن سعيدِ بنِ جُبَيْرٍ: {إِلاَّ مِنْ ضَرِيعٍ}؛ قالَ: مِن حِجَارَةٍ). [الدر المنثور: 15 / 384]


قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأَخْرَجَ عبدُ بنُ حُمَيْدٍ وابنُ أبي حَاتِمٍ، عن سعيدِ بنِ جُبَيْرٍ: {إِلاَّ مِنْ ضَرِيعٍ}؛ قالَ: الزَّقُّومُ). [الدر المنثور: 15 / 384]


قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأَخْرَجَ ابنُ مَرْدُويَهْ، عن أبي الدَّرْدَاءِ، قالَ: قالَ رسولُ اللَّهِ [صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ]: «يُلْقَى عَلَى أَهْلِ النَّارِ الْجُوعُ حَتَّى يَعْدِلَ مَا هُمْ فِيهِ مِنَ الْعَذَابِ، فَيَسْتَغِيثُونَ بِالطَّعَامِ، فَيُغَاثُونَ بِطَعَامٍ مِنْ ضَرِيعٍ لاَ يُسْمِنُ وَلاَ يُغْنِي مِنْ جُوعٍ» ). [الدر المنثور: 15 / 384-385]


قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأَخْرَجَ ابنُ مَرْدُويَهْ بِسَنَدٍ وَاهٍ عن ابنِ عبَّاسٍ: {لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلاَّ مِنْ ضَرِيعٍ}؛ قالَ: قالَ رسولُ اللَّهِ [صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ]:«شَيْءٌ يَكُونُ فِي النَّارِ شِبْهُ الشَّوْكِ، أَمَرُّ مِنَ الصَّبْرِ، وَأَنْتَنُ مِنَ الْجِيفَةِ، وَأَشَدُّ حَرًّا مِنَ النَّارِ، سَمَّاهُ اللَّهُ الضَّرِيعَ، إِذَا طَعِمَهُ صَاحِبُهُ لاَ يَدْخُلُ الْبَطْنَ وَلاَ يَرْتَفِعُ إِلَى الْفَمِ، فَيَبْقَى بَيْنَ ذَلِكَ وَلاَ يُغْنِي مِنْ جُوعٍ» ). [الدر المنثور: 15 / 385]


قال محمد الطاهر بن الطاهر بن عاشور (المتوفى : 1393هـ): وَالضَّرِيعُ: يَابِسُ الشِّبْرِقِ (بِكَسْرِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ الْمُوَحَّدَةِ وَكَسْرِ الرَّاءِ) وَهُوَ نَبْتٌ ذُو شَوْكٍ إِذَا كَانَ رَطْبًا فَإِذَا يَبِسَ سُمِّيَ ضَرِيعًا وَحِينَئِذٍ يَصِيرُ مَسْمُومًا وَهُوَ مَرْعًى لِلْإِبِلِ وَلِحُمُرِ الْوَحْشِ إِذَا كَانَ رَطْبًا، فَمَا يُعَذَّبُ بِأَهْلِ النَّارِ بِأَكْلِهِ شُبِّهَ بِالضَّرِيعِ فِي سُوءِ طَعْمِهِ
وَسُوءِ مَغَبَّتِهِ.
وَقِيلَ: الضَّرِيعُ اسْمٌ سَمَّى الْقُرْآنُ بِهِ شَجَرًا فِي جَهَنَّمَ وَأَنَّ هَذَا الشَّجَرَ هُوَ الَّذِي يَسِيلُ مِنْهُ الْغِسْلِينُ الْوَارِدُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْمَ هاهُنا حَمِيمٌ وَلا طَعامٌ إِلَّا مِنْ غِسْلِينٍ [الحاقة: 35، 36] وَعَلَيْهِ فَحَرْفُ مِنْ لِلِابْتِدَاءِ، أَيْ لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلَّا مَا يَخْرُجُ مِنَ الضَّرِيعِ وَالْخَارِجُ هُوَ الْغِسْلِينُ وَقَدْ حَصَلَ الْجَمْعُ بَيْنَ الْآيَتَيْنِ.
وَوَصْفُ ضَرِيعٍ بِأَنَّهُ لَا يُسْمِنُ وَلَا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ لِتَشْوِيهِهِ وَأَنَّهُ تَمَحُّضٌ لِلضُّرِّ فَلَا يَعُودُ عَلَى آكِلِيهِ بِسِمَنٍ يُصْلِحُ بَعْضَ مَا الْتَفَحَ مِنْ أَجْسَادِهِمْ، وَلَا يُغْنِي عَنْهُمْ دَفْعَ أَلَمِ الْجُوعِ، وَلَعَلَّ الْجُوعَ مِنْ ضُرُوبِ تَعْذِيبِهِمْ فَيَسْأَلُونَ الطَّعَامَ فَيُطْعَمُونَ الضَّرِيعَ فَلَا يَدْفَعُ عَنْهُمْ أَلَمَ الْجُوعِ.
وَالسِّمَنُ، بِكَسْرِ السِّينِ وَفَتْحِ الْمِيمِ: وَفْرَةُ اللَّحْمِ وَالشَّحْمِ لِلْحَيَوَانِ يُقَالُ: أَسْمَنَهُ الطَّعَامُ، إِذَا عَادَ عَلَيْهِ بِالسِّمَنِ.
وَالْإِغْنَاءُ: الْإِكْفَاءُ وَدَفْعُ الْحَاجَةِ. ومِنْ جُوعٍ مُتَعَلِّقٌ بِ يُغْنِي وَحَرْفُ مِنْ لِمَعْنَى الْبَدَلِيَّةِ، أَيْ غَنَاءٌ بَدَلًا عَنِ الْجُوعِ.( التحرير والتنوير ؛ 30 / 298)

جمع أقوال علماء اللغة في المسألة :
قال أبو زكريا يحيى بن زياد الفراء (المتوفى: 207هـ)وهو نبت يُقال لَهُ: الشِّبْرِق، وأهل الحجاز يسمونه الضريع إِذَا يبس، وهو «4» سم.( معاني القرآن ؛ 3 / 377 )
قال أبو عبيدة معمر بن المثنى (المتوفى: 209هـ):
«إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ» (6) الضريع عند العرب الشّبرق شجر.( مجاز القرآن ؛ 2 / 427 )

قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ): ({ضريع}: ذكروا أنه يبيس الشجر، وقالوا (الضريع): نبت يقال له الشرق. وذكروا أن بعض البحار يقذف في كل سنة ورقا ليست له قوة). [غريب القرآن وتفسيره: 426]


قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ((الضريع): نبت [يكون] بالحجاز، يقال لرطبة: الشّبرق). [تفسير غريب القرآن: 525]


قال إبراهيم بن السري بن سهل، أبو إسحاق الزجاج (المتوفى: 311هـ):طعامهم الضريع كما قال عزَّ وجلَّ: (لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ (6).
وهو الشبْرَقُ، وهو شوك كالعَوْسَج.
قال إبراهيم بن السري بن سهل، أبو إسحاق الزجاج (المتوفى: 311هـ):والضريع الشبرق.
وهو جنس من الشوك، إذا كان رطباً فهو شبرق، فإذا يبس فهوَ الضَّرِيعُ، قال كفار قريش: إنَّ الضريع لَتَسْمَنُ عليه إبِلُنَا، (معاني القرآن وإعرابه ؛ 5/ 242،316)


قال : محمد بن عُزير السجستاني، أبو بكر العُزيري (المتوفى : 330هـ)
ضَرِيع: نبت بالحجاز يُقَال لرطبه الشبرق.(غريب القرآن ، 1 / 313)

قال أبو جعفر النَّحَّاس أحمد بن محمد بن إسماعيل (المتوفى: 338هـ):
اختلف أهل التأويل في تفسير الضريع فروى ابن أبي طلحة عن ابن عباس قال:
الضريع شجر من نار، وقال ابن زيد: الضريع الشوك من النار. وهو عند العرب شوك يابس لا ورق فيه وعن عكرمة الضريع الحجارة. وعن الحسن قولان: أحدهما الضريع الزقوم، والآخر أن الضريع الذي يضرع ويذلّ من أكله لمرارته وخشونته. قال أبو جعفر: وهذا القول جامع للأقوال كلها وقد قال عطاء: الضريع الشبرق. قال أبو جعفر: وهذا القول الذي حكاه أهل اللغة. الشبرق: شجر كثير الشوك تعافه الإبل.( إعراب القرآن ‘ 5/ 131)

قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت: 345هـ): (والضريع العوسج الرطب، وهو نبات في النار، شبيه العوسج). [ياقوتة الصراط: 573]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( (الضَّرِيع): نبت بالحجاز، يقال لرطبة الشِّبْرِق). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 300]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( (الضَرِيعٍ): نبت). [العمدة في غريب القرآن: 344]





قال أبو القاسم الحسين بن محمد المعروف بالراغب الأصفهانى (المتوفى: 502هـ)فقيل: هو يَبِيسُ الشَّبْرَقِ «1» ، وقيل: نباتٌ أحمرُ منتنُ الرّيحِ يرمي به البحر، وكيفما كان فإشارة إلى شيء منكر. وضَرَعَ إليهم: تناول ضَرْعَ أُمِّهِ، وقيل منه: ضَرَعَ الرّجلُ ضَرَاعَةً:
ضَعُفَ وذَلَّ، فهو ضَارِعٌ، وضَرِعٌ، وتَضَرّعَ:
أظهر الضَّرَاعَةَ. قال تعالى: تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً
[الأنعام/ 63] ، لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ
[الأنعام/ 42] ، لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ
[الأعراف/ 94] ، أي: يَتَضَرَّعُونَ فأدغم، فَلَوْلا إِذْ جاءَهُمْ بَأْسُنا تَضَرَّعُوا
[الأنعام/ 43] ، والمُضَارَعَةُ أصلُها:
التّشارك في الضَّرَاعَةِ، ثمّ جرّد للمشاركة، ومنه استعار النّحويّون لفظَ الفعلِ المُضَارِعِ.( المفردات في غريب القرآن ؛ 1/ 506 )

قال أبو الفضل، جمال الدين ابن منظور (المتوفى: 711هـ):
نَبَاتٌ أَخضَر مُنْتِنٌ خَفِيفٌ يَرْمي بِهِ البحرُ وَلَهُ جوْفٌ، وَقِيلَ: هُوَ يَبِيسُ العَرْفَجِ والخُلَّةِ، وَقِيلَ: مَا دَامَ رَطْبًا فَهُوَ ضرِيعٌ، فإِذا يَبِسَ فَهُوَ ضرِيعٌ، فإِذا يَبِسَ فَهُوَ الشِّبْرِقُ، وَهُوَ مَرْعَى سَوءٍ لَا تَعْقِدُ عَلَيْهِ السائمةُ شَحْماً وَلَا لَحْمًا، وإِن لَمْ تُفَارِقْهُ إِلى غَيْرِهِ ساءَت حَالُهَا. وَفِي التنزيل: يْسَ لَهُمْ طَعامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ لَا يُسْمِنُ وَلا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ
؛ قال أبو الفضل، جمال الدين ابن منظور (المتوفى: 711هـ): قَالَ الْفَرَّاءُ: الضرِيعُ نَبْتٌ يُقَالُ لَهُ الشِّبْرِقُ، وأَهل الْحِجَازِ يُسَمُّونَهُ الضَّرِيعَ إِذا يَبِسَ، قال أبو الفضل، جمال الدين ابن منظور (المتوفى: 711هـ): َقَالَ ابْنُ الأَعرابي: الضَّرِيعُ العوْسَجُ الرطْب، فإِذا جَفَّ فَهُوَ عَوْسَجٌ، فإِذا زَادَ جُفوفاً فَهُوَ الخَزِيزُ، وجاءَ فِي التَّفْسِيرِ: أَن الْكُفَّارَ قَالُوا إِنَّ الضريعَ لتَسْمَنُ عَلَيْهِ إِبلنا، فَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: لَا يُسْمِنُ وَلا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ. وَجَاءَ فِي حَدِيثِ أَهل النَّارِ:
فيُغاثون بِطَعَامٍ مِنْ ضَرِيعٍ
قال أبو الفضل، جمال الدين ابن منظور (المتوفى: 711هـ): قَالَ ابْنُ الأَثير: هُوَ نَبْتٌ بِالْحِجَازِ لَهُ شوْكٌ كِبَارٌ يُقَالُ لَهُ الشِّبْرِقُ. ( لسان العرب ؛ 8 / 223)


قال جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي (المتوفى: 597هـ) :{من ضريع} وهو نبت ذو شوك يقال له الشبرق وإذا هاج سموه ضريعا
(تذكرة الأريب في تفسير الغريب (غريب القرآن الكريم) ( 1/ 449)





قال شهاب الدين محمود بن عبد الله الحسيني الألوسي (المتوفى: 1270هـ): والضريع كما أخرج عبد بن حميد عن ابن عباس الشبرق اليابس وهي على ما قاله عكرمة شجرة ذات شوك لاطئة بالأرض. وقال غير واحد: هو جنس من الشوك ترعاه الإبل رطبا فإذا يبس تحامته وهو سم قاتل. قال أبو ذؤيب:
رعى الشبرق الريان حتى إذا ذوى ... وصار ضريعا بان عنه النحائص
وقال ابن غرارة الهذلي يذكر إبلا وسوء مرعى:
وحبسن في هزم الضريع فكلها ... حدباء دامية اليدين حرود
وقال بعض اللغويين: الضريع يبيس العرفج إذا انحطم. وقال الزجاج: نبت كالعوسج. وقال الخليل: نبت أخضر منتن الريح يرمي به البحر. والظاهر أن المراد ما هو ضريع حقيقة وقيل هو شجرة نارية تشبه الضريع وأنت تعلم أنه لا يعجز الله تعالى الذي أخرج من الشجر الأخضر نارا أن ينبت في النار شجر الضريع. نعم يؤيد ما قيل ما حكاه
في البحور الزاخرة عن البغوي عن ابن عباس يرفعه: «الضريع شيء في النار شبه الشوك أمرّ من الصبر، وأنتن من الجيفة، وأشد حرا من النار»( روح المعاني ، 5/ 326،327)









قائمة بالمصادر اللغوية التي بحثت فيها :
المرتبة الأولى :
الكتب التي بحثت فيها ولم أجد :
لا يوجد
كتب بحثت فيها ووجدت :
المرتبة الأولى:
- ومجاز القرآن لأبي عبيدة معمر بن المثنى
- ومعاني القرآن، لأبي زكريا الفراء.
- ومعاني القرآن، للأخفش الأوسط.
- وتأويل مشكل القرآن، لابن قتيبة
- ومعاني القرآن وإعرابه، لأبي إسحاق الزجاج.
- ومعاني القرآن، لأبي جعفر النحاس
المرتبة الثانية :
كتب بحثت فيها ولم أجد :
تأويل مشكل القرآن
كتب بحثت فيها ووجدت :
المفردات في غريب القرآن للراغب الأصفهاني
غريب القرآن محمد بن عُزير السجستاني،
غريب القرآن لابن قتيبة
المرتبة الرابعة :
كتب بحثت فيها ولم أجد :
الكشاف
كتب بحثت فيها ووجدت :
تفسير ابن عاشور
روح المعاني
االكشف والبيان للثعلبي
النكت والعيون للماوردي

رد مع اقتباس
  #12  
قديم 6 ربيع الثاني 1441هـ/3-12-2019م, 12:34 AM
هيئة التصحيح 11 هيئة التصحيح 11 غير متواجد حالياً
هيئة التصحيح
 
تاريخ التسجيل: Jan 2016
المشاركات: 2,525
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة رشا عطية الله اللبدي مشاهدة المشاركة
[معنى ضريع في قوله : ( ليس لهم طعام إلا من ضريع )

جمع أقوال علماء السلف في المسألة :
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر، عن قتادة، في قوله: {إلا من ضريع}؛ قال: هو الشبرق). [تفسير عبد الرزاق: 2/ 368]

قال أبو بكرٍ عبدُ الله بنُ محمدٍ ابنُ أبي شيبةَ العبسيُّ (ت: 235هـ): (حدّثنا عفّان، قال: حدّثنا سعيد بن زيدٍ، قال: حدّثنا عمرو بن مالكٍ، قال: سمعت أبا الجوزاء يقول: {ليس لهم طعامٌ إلا من ضريعٍ}: السَّلَم، كيف يسمن من يأكل الشّوك). [مصنف ابن أبي شيبة: 19/ 488]
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : (ويقال: الضّريع: نبتٌ يقال له الشّبرق، يسمّيه أهل الحجاز: الضّريع إذا يبس، وهو سمٌّ). [صحيح البخاري: 6 / 168]

- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ) : (قولُهُ: ويُقالُ: الضَّريعُ نَبْتٌ يُقَالُ: له الشِّبْرِقُ تُسَمِّيهِ أهْلُ الحِجَازِ الضَّريعَ إذا يَبِسَ وهُو سُمٌّ)، هُو كلامُ الفَرَّاءِ بلَفْظِهِـ والشِّبْرِقُ بكَسْرِ المُعْجَمَةِ، بَعْدَها مُوَحَّدَةٌ؛ قَالَ الخليلُ بنُ أَحْمَدَ: هُو نَبْتٌ أَخْضَرُ مُنْتِنُ الرِّيحِ يَرمِي به البَحرُ.


- وأَخرَجَ الطَّبَرِيُّ من طَرِيقِ عِكْرِمَةَ ومُجَاهدٍ قَالَ: الضَّريعُ: الشِّبرِقُ. ومن طَرِيقِ عَلِيِّ بنِ أَبِي طَلْحَةَ عنِ ابنِ عَبَّاسٍ قَالَ: الضَّريعُ شَجرٌ من نارٍ.
- ومن طريقِ سَعِيدِ بنِ جُبَيرٍ قَالَ: الحجارةُ. وقَالَ ابنُ التِّينِ: كأنَّ الضَّريعَ مُشْتَقٌّ مِنَ الضَّارعِ وهُو الذَّليلُ، وقِيلَ: هُو السُّلاَّ بضَمِّ المُهْمَلَةِ وتَشْدِيدِ اللامِ وهُو شَوكُ النَّخلِ). [فتح الباري: 8 / 700-701]
-

- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : ( وَيُقالُ: الضَّرِيعُ نَبْتٌ يُقالُ لَهُ الشِّبْرِقُ يُسَمِّيهِ أهْلُ الْحِجَازِ الضَّرِيعَ إذَا يَبِسَ وَهُوَ سَمٌّ).
- الْقَائِلُ هُوَ الْفَرَّاءُ قَالَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلاَّ مِنْ ضَرِيعٍ (6) لاَ يُسْمِنُ وَلاَ يُغْنِي مِنْ جُوعٍ}؛ قَالَ الْمُفَسِّرُونَ: لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ قَالَ الْمُشْرِكُونَ: إِنَّ إِبِلَنَا لَتَسْمَنُ عَلَى الضَّرِيعِ فَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى: {لاَ يُسْمِنُ وَلاَ يُغْنِي مِنْ جُوعٍ} وَكَذَبُوا فَإِنَّ الإِبَلَ إِنَّمَا تَرْعَاهُ إِذَا كَانَ رَطْبًا فَإِذَا يَبِسَ فَلاَ تَأْكَلُهُ، وَرَطْبُهُ يُسَمَّى شِبْرِقًا بِالْكَسْرِ لاَ ضَرِيعًا، فَإِنْ قُلْتَ: كَيْفَ قِيلَ: {لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلاَّ مِنْ ضَرِيعٍ} وَفِي الْحَاقَّةِ: {وَلاَ طَعَامٌ إِلاَّ مِنْ غِسْلِينٍ}؟ قُلْتُ: الْعَذَابُ أَلْوَانٌ وَالْمُعَذَّبُونَ طَبَقَاتٌ، فَمِنْهُمْ أَكَلَةُ الزَّقُّومِ، وَمِنْهُمْ أَكَلَةُ الْغِسْلِينِ، وَمِنْهُمْ أَكَلَةُ الضَّرِيعِ.

- وَأَخْرَجَ الطَّبَرِيُّ مِنْ طَرِيقِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: الضَّرِيعُ شَجَرٌ مِنْ نَارٍ. وَقَالَ الْخَلِيلُ: هُوَ نَبْتٌ أَخْضَرُ مُنْتِنُ الرِّيحِ يُرْمَى بِهِ فِي الْبَحْرِ). [عمدة القاري: 19 / 289]

- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : ( (الضَّرِيعُ) ولأَبِي ذَرٍّ: وَيُقَالُ الضَّرِيعُ (نَبْتٌ) له شَوْكٌ (يُقَالُ له: الشِّبْرِقُ) بِكَسْرِ الْمُعْجَمَةِ والرَّاءِ، بينهما مُوَحَّدَةٌ ساكنةٌ (تُسَمِّيهِ أَهْلُ الْحِجَازِ الضَّرِيعَ إذا يَبِسَ وهو سُمٌّ) لا تَقْرَبُهُ دَابَّةٌ لِخَبَثِهِ). [إرشاد الساري: 7 / 417]
قالَ مُحَمَّدُ بنُ أَحمدَ بنِ نَصْرٍ الرَّمْلِيُّ (ت:295هـ): (وعن سعيدٍ: {ليس لهم طعامٌ إلا من ضريع}؛ قال: من حجارةٍ). [جزء تفسير يحيى بن اليمان: 37] [سعيد: هو ابن جبير]
قالَ مُحَمَّدُ بنُ أَحمدَ بنِ نَصْرٍ الرَّمْلِيُّ (ت:295هـ): (ثنا يوسف بن عديٍّ، قال: ثنا رشدين بن سعدٍ، عن يونس بن يزيد، عن عطاءٍ الخراساني في قول اللّه عزّ وجلّ: {طعامٌ إلا من ضريع}؛ قال: شجرةٌ يقال لها: الشّبرق).[جزء تفسير عطاء الخراساني: 94]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (وقولُهُ: {لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ}؛ يقولُ: ليسَ لهؤلاءِ الذينَ هم أصحابُ الوجُوه الخاشعةِ العاملةِ الناصبةِ يومَ القيامةِ، طعامٌ إلاَّ ما يَطْعَمُونَه من ضريعٍ. والضريعُ عندَ العربِ: نبْتٌ يُقالُ له الشِّبْرِقُ، وتسمِّيهِ أهلُ الحجازِ: الضَّرِيعَ؛ إذا يَبِسَ، ويسمِّيهِ غيرُهم: الشِّبْرِقُ، وهو سُمٌّ.
وبنحوِ الذي قلْنَا في ذلك قالَ أهلُ التأويلِ.
ذِكْرُ مَن قالَ ذلك:
- حدَّثني محمَّدُ بنُ سعدٍ، قالَ: ثني أبي، قالَ: ثني عمِّي، قالَ: ثني أبي، عن أبيهِ، عن ابنِ عبَّاسٍ: {لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ}؛ قالَ: الضريعُ: الشبرقُ.
- حدَّثني محمَّدُ بنُ عبيدٍ المحاربيُّ، قالَ: ثنا عبَّادُ بنُ يعقوبَ الأسديُّ، قالَ محمَّدٌ: ثنا، وقالَ عبَّادٌ: أخبرنا محمَّدُ بنُ سليمانَ، عن عبدِ الرَّحْمنِ الأصبهانيِّ، عن عكرمةَ في قولِهِ: {لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ}؛ قالَ: الشِّبْرِقُ.
- حدَّثني يعقوبُ، قالَ: ثنا إسماعيلُ ابنُ عُليَّةَ، عن أبي رجاءٍ، قالَ: ثني نجدةُ، رجلٌ من عبدِ القيسِ، عن عكرمةَ، في قولِهِ: {لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ}؛ قالَ: هي شجرةٌ ذاتُ شوكٍ، لاطئةٌ بالأرضِ، فإذا كانَ الربيعُ سمَّتْها قريشٌ الشبرقَ، فإذا هاجَ العودُ سمَّتْها الضريعَ.
- حدَّثنا ابنُ بشَّارٍ، قالَ: ثنا عبدُ الرَّحْمنِ، قالَ: ثنا سفيانُ، عن ليثٍ، عن مجاهدٍ: {لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ} قالَ: الشبرقُ.
- حدَّثنا ابنُ حُمَيْدٍ، قالَ: ثنا مِهْرانُ، عن سفيانَ، عن ليثٍ، عن مجاهدٍ، مثلَهُ.
- حدَّثني محمَّدُ بنُ عمرٍو، قالَ: ثنا أبو عاصمٍ، قالَ: ثنا عيسَى؛ وحدَّثني الحارثُ، قالَ: ثنا الحسنُ، قالَ: ثنا ورقاءُ، جميعاً عن ابنِ أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، قولَهُ: {ضَرِيعٍ}؛ قالَ: الشبرقُ اليابسُ.
- حدَّثنا ابنُ عبدِ الأعلَى، قالَ: ثنا ابنُ ثورٍ، عن مَعْمَرٍ، عن قتادةَ:{إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ}؛ قالَ: هو الشبرقُ إذا يَبِسَ يُسمَّى الضريعَ.
- حدَّثنا بِشْرٌ، قالَ: ثنا يزيدُ، قالَ: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ، قولَهُ: {لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ}؛ يقولُ: من شرِّ الطعامِ، وأبشعِهِ وأخبثِهِ.
- حدَّثني محمَّدُ بنُ عبيدٍ، قالَ: ثنا شريكُ بنُ عبدِ اللَّهِ، في قولِهِ: {لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ}؛ قالَ: الشِّبْرِقُ.
وقالَ آخرُونَ: الضريعُ: الحجارةُ.
ذِكْرُ مَن قالَ ذلك:
- حدَّثنا أبو كريبٍ، قالَ: ثنا ابنُ يمانٍ، عن جعفرٍ، عن سعيدٍ، في قولِهِ: {لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ}؛ قالَ: الحجارةُ.
وقالَ آخرُونَ: الضريعُ: شجرٌ من نارٍ.
ذِكْرُ مَن قالَ ذلك:
- حدَّثني عليٌّ، قالَ: ثنا أبو صالحٍ، قالَ: ثني معاويَةُ، عن عليٍّ، عن ابنِ عبَّاسٍ، قولَهُ: {لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلَّا من ضَرِيعٍ} يقولُ: شجرٌ من نارٍ.
- حدَّثني يونسُ، قالَ: أخبرنا ابنُ وهبٍ، قالَ: قالَ ابنُ زيدٍ، في قولِهِ: {لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلَّا من ضَرِيعٍ} قالَ: الضريعُ: الشوكُ من النارِ. قالَ: وأمَّا في الدنيا فإنَّ الضريعَ: الشوكُ اليابسُ الذي ليسَ له ورقٌ، تدعوهُ العربُ الضريعَ، وهو في الآخرةِ شوكٌ من نارٍ). [جامع البيان: 24 / 331-333]


قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم قال: ثنا آدم قال: ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قال: الضريع: الشبرق اليابس). [تفسير مجاهد: 2/ 753]


قال أحمد بن محمد بن إبراهيم الثعلبي، (المتوفى: 427هـ)َ: ليْسَ لَهُمْ طَعامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ قال محمد وعكرمة وقتادة: وهو نبت ذو شوك لاطئ بالأرض تسمّيه فرش الشرق، فإذا هاج سمّوه الضريع، وهو أخبث طعام وأبشعه، وهي رواية العوفي عن ابن عبّاس، الوالي عنه: هو شجر من نار، وقال ابن زيد: أمّا في الدنيا فإنّ الضريع الشوك اليابس الذي ليس له ورق، تدعوه العرب الضريع، وهو في الآخرة شوك من نار.
وقال الكلبي: لا تقربه دابّة إذا يبس، ولا يرعاه شيء، وقال سعيد بن جبير هو الحجارة، عطاء عن ابن عبّاس: هو شيء يطرحه البحر المالح، يسمّيه أهل اليمن الضريع،
وقد روي عن ابن عبّاس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنّه قال: «الضريع شيء يكون في النار شبه الشوك، أمرّ من الصبر وأنتن من الجيفة وأشدّ حرّا من النار»
[138] «1» سمّاه النبيّ ضريعا، وقال عمرو بن عبيد: لم يقل الحسن في الضريع شيئا، إلّا أنّه قال: هو بعض ما أخفى الله من العذاب، وقال ابن كيسان: هو طعام يضرعون منه ويذلّون ويتضرّعون إلى الله سبحانه، وعلى هذا التأويل يكون المعنى المضرّع.
وقال أبو الدرداء والحسن: يقبّح الله سبحانه وجوه أهل النار يوم القيامة يشبهها بعملهم «2» القبيح في الدنيا، ويحسن وجوه أهل الجنّة يشبّهها بأعمالهم الحسنة في الدنيا، وأنّ الله سبحانه يرسل على أهل النار الجوع حتّى يعدل عندهم ما هم فيه من العذاب، فيستغيثون فيغاثون بالضريع ويستغيثون فيغاثون بطعام ذي غصّة، فيذكرون أنّهم كانوا يخبزون الغصص في الدنيا بالماء فيستسقون بعطشهم ألف سنة، ثمّ يسقون من عين آنية لا هنيّة ولا مريّة، فكلّما أدنوه من وجوههم سلخ جلود وجوههم وشواها، فإذا وصل إلى بطونهم قطّعها، فذلك قوله سبحانه:
وَسُقُوا ماءً حَمِيماً فَقَطَّعَ أَمْعاءَهُمْ.
قال المفسّرون: فلمّا نزلت هذه الآية قال المشركون: إنّ إبلنا لتسمن على الضريع، فأنزل الله سبحانه: لا يُسْمِنُ وَلا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ ويقول: فإنّ الإبل ترعاه ما دام رطبا، فإذا يبس فلا يأكله شيء ورطبه يسمّى شبرقا لا ضريعا.0(الكشف والبيان ؛ 10 /188)

قال علي بن محمد بن محمد بن حبيب الشهير بالماوردي (المتوفى: 450هـ):{ليس لَهُمْ طعامٌ إلاّ مِن ضَريعٍ} فيه ستة أقاويل: أحدها: أنها شجرة تسميها قريش الشبرق , كثيرة الشوك , قاله ابن عباس , قال قتادة وإذا يبس في الصيف فهو ضريع , قال الشاعر:
(رعى الشبرق الريان حتى إذا ذوى ... وعاد ضريعاً نازعته النحائص)
الثاني: السّلم , قال أبو الجوزاء: كيف يسمن من يأكل الشوك. الثالث: أنها الحجارة , قاله ابن جبير.( النكت والعيون ؛ 6/ 256)

قال : نظام الدين الحسن بن محمد بن حسين القمي النيسابوري (المتوفى: 850هـ): ومطعومهم وهو الضريع. وإنما قدّم المشروب على الضريع المطعوم لأن الماء يناسب النار مناسبة الضدين أو الشبيهين من حيث بساطتهما، أو لأنهم إذا أثر فيهم حر النار غلب عليهم العطش وكان الماء عندهم أهم، ثم إذا أثرت فيهم الحرارتان أرادوا أن يدفعوا ألم الإحساس بها بما يزيد العذاب على البدن، هذا مع أن الواو ليست للترتيب. قال الحسن: لا أدري ما الضريع ولم أسمع فيه من الصحابة شيئا وقد يروى عنه أيضا أنه «فعيل» بمعنى «مفعل» كالأليم بمعنى المؤلم. والبديع بمعنى المبدع ومعناه إلا من طعام يحملهم على الضراعة والذل عند تناوله لما فيه من الخشونة والمرارة والحرارة. وعن سعيد بن جبير أنه شجرة ذات شوك. قال أبو الجوزاء: كيف يسمن من يأكل الشوك.
وفي الخبر «الضريع شيء يكون في النار يشبه الشوك أمرّ من الصبر وأنتن من الجيفة وأشدّ حرا من النار»
قال العلماء: إن للنار دركات وأهلها على طبقات: فمنهم من طعامه الزقوم، ومنهم من طعامه غسلين، ومنهم من طعامه ضريع، ومنهم من شرابه الحميم، ومنهم من شرابه الصديد لِكُلِّ بابٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ مَقْسُومٌ [الحجر: 44] ووجود النبت في النار ليس ببدع من قدرة الله كوجود بدن الإنسان والعقارب والحيات فيها. قوله لا يُسْمِنُ وَلا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ صفة للطعام أو للضريع، وفيه أن طعامهم ليس من جنس طعام الإنس لكن من جنس الشوك الذي ترعاه الإبل ما دام رطبا فإذا يبس نفرت عنه لأنه سم قاتل. ويحتمل أن يراد لا طعام لهم أصلا لأن الضريع يبيس هذا الشوك والإبل تنفر عنه كما قلنا فهو كقوله «ليس لفلان ظل إلا الشمس» يريد نفي الظل على التوكيد.
وروي أن كفار قريش قالوا على سبيل التعنت حين سمعوا الآية: إن الضريع لتسمن عليه إبلنا فنزلت لا يُسْمِنُ وَلا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ
أي ليس فيه منفعة الغذاء ولا الاسمان ودفع الجوع كذبهم الله في قولهم يسمن الضريع، أو نبههم الله بعد تسليم أن ضريعهم مسمن على أن ضريع النار ليس كذلك أي كل ما في النار يجب أن يكون خاليا عن النفع. (غرائب القرآن ورغائب الفرقان؛ 6 / 490 )




قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأَخْرَجَ ابنُ جَرِيرٍ، عن ابنِ عبَّاسٍ في قولِه: {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ}؛ قالَ: السَّاعَةُ، {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ (2) عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ}؛ قالَ: تَعْمَلُ وتَنْصَبُ في النارِ، {تُسْقَى مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ}؛ قالَ: هي التي قدْ طَالَ أَنيُهَا، {لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلاَّ مِنْ ضَرِيعٍ}؛ قالَ: الشِّبْرِقُ). [الدر المنثور: 15 / 381] (م)
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأَخْرَجَ عبدُ الرَّزَّاقِ، وعبدُ بنُ حُمَيْدٍ، وابنُ جَرِيرٍ، وابنُ المُنْذِرِ، وابنُ أبي حَاتِمٍ، عن قَتَادَةَ: {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ}؛ قالَ: حديثُ الساعَةِ، {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ}؛ قالَ: ذَلِيلَةٌ في النارِ، {عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ}؛ قالَ: تَكَبَّرَتْ في الدنيا عن طاعةِ اللَّهِ فأَعْمَلَهَا وأَنْصَبَهَا في النارِ، {تُسْقَى مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ}؛ قالَ: أَنَى طَبْخُها مُنْذُ خَلَقَ اللَّهُ السماواتِ والأرضَ، {لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلاَّ مِنْ ضَرِيعٍ}؛ قالَ: الشِّبْرِقُ؛ شَرُّ الطعَامِ وأَبْشَعُه وأَخْبَثُه). [الدر المنثور: 15 / 381] (م)

قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأَخْرَجَ ابنُ أبي حَاتِمٍ عن عِكْرِمَة في قَوْلِهِ: {عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ}؛ قالَ: عامِلَةٌ في الدنيا بالمعاصِي، تَنْصِبُ في النارِ يومَ القيامةِ، {إِلاَّ مِنْ ضَرِيعٍ}؛ قالَ: الشِّبْرِقُ). [الدر المنثور: 15 / 382] (م)


قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأَخْرَجَ ابنُ جَرِيرٍ وابنُ المُنْذِرِ وابنُ أبي حَاتِمٍ، عن ابنِ عبَّاسٍ في قَوْلِهِ: {تَصْلَى نَاراً حَامِيَةً}؛ قالَ: حَارَّةً، {تُسْقَى مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ}؛ قالَ: انْتَهَى حَرُّهَا، {لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلاَّ مِنْ ضَرِيعٍ}؛ يَقُولُ: مِن شَجَرٍ مِنْ نَارٍ). [الدر المنثور: 15 / 382] (م)
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأَخْرَجَ الفِرْيَابِيُّ وهَنَّادٌ وعبدُ بنُ حُمَيْدٍ وابنُ جَرِيرٍ وابنُ المُنْذِرِ وابنُ أبي حَاتِمٍ، عن مُجَاهِدٍ في قَوْلِهِ: {مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ}؛ قالَ: قَدْ بَلَغَتْ إِنَاهَا وحانَ شُرْبُها، وفي قَوْلِهِ: {إِلاَّ مِنْ ضَرِيعٍ}؛ قالَ: الشِّبْرِقُ اليابِسُ). [الدر المنثور: 15 / 383](م)


قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأَخْرَجَ عبدُ بنُ حُمَيْدٍ، عن ابنِ عبَّاسٍ: {لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلاَّ مِنْ ضَرِيعٍ} قالَ: الشِّبْرِقُ اليابِسُ). [الدر المنثور: 15 / 383-384]


قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأَخْرَجَ ابنُ أبي حَاتِمٍ، عن قَتَادَةَ قالَ: الضَّرِيعُ بِلُغَةِ قُرَيْشٍ في الرَّبِيعِ الشِّبْرِقُ، وفي الصَّيْفِ الضَّرِيعُ). [الدر المنثور: 15 / 384]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأَخْرَجَ عبدُ بنُ حُمَيْدٍ وابنُ جَرِيرٍ وابنُ المُنْذِرِ وابنُ أبي حَاتِمٍ، عن عِكْرِمَةَ فال: الضَّرِيعُ: الشِّبرِقُ شجرةٌ ذاتُ شوكٍ لاطئةٌ بالأرضِ). [الدر المنثور: 15 / 384]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأَخْرَجَ ابنُ أبي شَيْبَةَ وعبدُ بنُ حُمَيْدٍ وابنُ المُنْذِرِ وابنُ أبي حَاتِمٍ، عن أبي الجَوْزَاءِ قال: الضَّرِيعُ: السُّلاءُ، وهو الشَّوْكُ، وكيفَ يَسْمَنُ مَنْ كَانَ طَعَامُهُ الشَّوكَ؟ ). [الدر المنثور: 15 / 384]


قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأَخْرَجَ ابنُ جَرِيرٍ وابنُ المُنْذِرِ وابنُ أبي حَاتِمٍ، عن سعيدِ بنِ جُبَيْرٍ: {إِلاَّ مِنْ ضَرِيعٍ}؛ قالَ: مِن حِجَارَةٍ). [الدر المنثور: 15 / 384]


قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأَخْرَجَ عبدُ بنُ حُمَيْدٍ وابنُ أبي حَاتِمٍ، عن سعيدِ بنِ جُبَيْرٍ: {إِلاَّ مِنْ ضَرِيعٍ}؛ قالَ: الزَّقُّومُ). [الدر المنثور: 15 / 384]


قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأَخْرَجَ ابنُ مَرْدُويَهْ، عن أبي الدَّرْدَاءِ، قالَ: قالَ رسولُ اللَّهِ [صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ]: «يُلْقَى عَلَى أَهْلِ النَّارِ الْجُوعُ حَتَّى يَعْدِلَ مَا هُمْ فِيهِ مِنَ الْعَذَابِ، فَيَسْتَغِيثُونَ بِالطَّعَامِ، فَيُغَاثُونَ بِطَعَامٍ مِنْ ضَرِيعٍ لاَ يُسْمِنُ وَلاَ يُغْنِي مِنْ جُوعٍ» ). [الدر المنثور: 15 / 384-385]


قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأَخْرَجَ ابنُ مَرْدُويَهْ بِسَنَدٍ وَاهٍ عن ابنِ عبَّاسٍ: {لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلاَّ مِنْ ضَرِيعٍ}؛ قالَ: قالَ رسولُ اللَّهِ [صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ]:«شَيْءٌ يَكُونُ فِي النَّارِ شِبْهُ الشَّوْكِ، أَمَرُّ مِنَ الصَّبْرِ، وَأَنْتَنُ مِنَ الْجِيفَةِ، وَأَشَدُّ حَرًّا مِنَ النَّارِ، سَمَّاهُ اللَّهُ الضَّرِيعَ، إِذَا طَعِمَهُ صَاحِبُهُ لاَ يَدْخُلُ الْبَطْنَ وَلاَ يَرْتَفِعُ إِلَى الْفَمِ، فَيَبْقَى بَيْنَ ذَلِكَ وَلاَ يُغْنِي مِنْ جُوعٍ» ). [الدر المنثور: 15 / 385]


قال محمد الطاهر بن الطاهر بن عاشور (المتوفى : 1393هـ): وَالضَّرِيعُ: يَابِسُ الشِّبْرِقِ (بِكَسْرِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ الْمُوَحَّدَةِ وَكَسْرِ الرَّاءِ) وَهُوَ نَبْتٌ ذُو شَوْكٍ إِذَا كَانَ رَطْبًا فَإِذَا يَبِسَ سُمِّيَ ضَرِيعًا وَحِينَئِذٍ يَصِيرُ مَسْمُومًا وَهُوَ مَرْعًى لِلْإِبِلِ وَلِحُمُرِ الْوَحْشِ إِذَا كَانَ رَطْبًا، فَمَا يُعَذَّبُ بِأَهْلِ النَّارِ بِأَكْلِهِ شُبِّهَ بِالضَّرِيعِ فِي سُوءِ طَعْمِهِ
وَسُوءِ مَغَبَّتِهِ.
وَقِيلَ: الضَّرِيعُ اسْمٌ سَمَّى الْقُرْآنُ بِهِ شَجَرًا فِي جَهَنَّمَ وَأَنَّ هَذَا الشَّجَرَ هُوَ الَّذِي يَسِيلُ مِنْهُ الْغِسْلِينُ الْوَارِدُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْمَ هاهُنا حَمِيمٌ وَلا طَعامٌ إِلَّا مِنْ غِسْلِينٍ [الحاقة: 35، 36] وَعَلَيْهِ فَحَرْفُ مِنْ لِلِابْتِدَاءِ، أَيْ لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلَّا مَا يَخْرُجُ مِنَ الضَّرِيعِ وَالْخَارِجُ هُوَ الْغِسْلِينُ وَقَدْ حَصَلَ الْجَمْعُ بَيْنَ الْآيَتَيْنِ.
وَوَصْفُ ضَرِيعٍ بِأَنَّهُ لَا يُسْمِنُ وَلَا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ لِتَشْوِيهِهِ وَأَنَّهُ تَمَحُّضٌ لِلضُّرِّ فَلَا يَعُودُ عَلَى آكِلِيهِ بِسِمَنٍ يُصْلِحُ بَعْضَ مَا الْتَفَحَ مِنْ أَجْسَادِهِمْ، وَلَا يُغْنِي عَنْهُمْ دَفْعَ أَلَمِ الْجُوعِ، وَلَعَلَّ الْجُوعَ مِنْ ضُرُوبِ تَعْذِيبِهِمْ فَيَسْأَلُونَ الطَّعَامَ فَيُطْعَمُونَ الضَّرِيعَ فَلَا يَدْفَعُ عَنْهُمْ أَلَمَ الْجُوعِ.
وَالسِّمَنُ، بِكَسْرِ السِّينِ وَفَتْحِ الْمِيمِ: وَفْرَةُ اللَّحْمِ وَالشَّحْمِ لِلْحَيَوَانِ يُقَالُ: أَسْمَنَهُ الطَّعَامُ، إِذَا عَادَ عَلَيْهِ بِالسِّمَنِ.
وَالْإِغْنَاءُ: الْإِكْفَاءُ وَدَفْعُ الْحَاجَةِ. ومِنْ جُوعٍ مُتَعَلِّقٌ بِ يُغْنِي وَحَرْفُ مِنْ لِمَعْنَى الْبَدَلِيَّةِ، أَيْ غَنَاءٌ بَدَلًا عَنِ الْجُوعِ.( التحرير والتنوير ؛ 30 / 298)

جمع أقوال علماء اللغة في المسألة :
قال أبو زكريا يحيى بن زياد الفراء (المتوفى: 207هـ)وهو نبت يُقال لَهُ: الشِّبْرِق، وأهل الحجاز يسمونه الضريع إِذَا يبس، وهو «4» سم.( معاني القرآن ؛ 3 / 377 )
قال أبو عبيدة معمر بن المثنى (المتوفى: 209هـ):
«إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ» (6) الضريع عند العرب الشّبرق شجر.( مجاز القرآن ؛ 2 / 427 )

قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ): ({ضريع}: ذكروا أنه يبيس الشجر، وقالوا (الضريع): نبت يقال له الشرق. وذكروا أن بعض البحار يقذف في كل سنة ورقا ليست له قوة). [غريب القرآن وتفسيره: 426]


قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ((الضريع): نبت [يكون] بالحجاز، يقال لرطبة: الشّبرق). [تفسير غريب القرآن: 525]


قال إبراهيم بن السري بن سهل، أبو إسحاق الزجاج (المتوفى: 311هـ):طعامهم الضريع كما قال عزَّ وجلَّ: (لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ (6).
وهو الشبْرَقُ، وهو شوك كالعَوْسَج.
قال إبراهيم بن السري بن سهل، أبو إسحاق الزجاج (المتوفى: 311هـ):والضريع الشبرق.
وهو جنس من الشوك، إذا كان رطباً فهو شبرق، فإذا يبس فهوَ الضَّرِيعُ، قال كفار قريش: إنَّ الضريع لَتَسْمَنُ عليه إبِلُنَا، (معاني القرآن وإعرابه ؛ 5/ 242،316)


قال : محمد بن عُزير السجستاني، أبو بكر العُزيري (المتوفى : 330هـ)
ضَرِيع: نبت بالحجاز يُقَال لرطبه الشبرق.(غريب القرآن ، 1 / 313)

قال أبو جعفر النَّحَّاس أحمد بن محمد بن إسماعيل (المتوفى: 338هـ):
اختلف أهل التأويل في تفسير الضريع فروى ابن أبي طلحة عن ابن عباس قال:
الضريع شجر من نار، وقال ابن زيد: الضريع الشوك من النار. وهو عند العرب شوك يابس لا ورق فيه وعن عكرمة الضريع الحجارة. وعن الحسن قولان: أحدهما الضريع الزقوم، والآخر أن الضريع الذي يضرع ويذلّ من أكله لمرارته وخشونته. قال أبو جعفر: وهذا القول جامع للأقوال كلها وقد قال عطاء: الضريع الشبرق. قال أبو جعفر: وهذا القول الذي حكاه أهل اللغة. الشبرق: شجر كثير الشوك تعافه الإبل.( إعراب القرآن ‘ 5/ 131)

قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت: 345هـ): (والضريع العوسج الرطب، وهو نبات في النار، شبيه العوسج). [ياقوتة الصراط: 573]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( (الضَّرِيع): نبت بالحجاز، يقال لرطبة الشِّبْرِق). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 300]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( (الضَرِيعٍ): نبت). [العمدة في غريب القرآن: 344]





قال أبو القاسم الحسين بن محمد المعروف بالراغب الأصفهانى (المتوفى: 502هـ)فقيل: هو يَبِيسُ الشَّبْرَقِ «1» ، وقيل: نباتٌ أحمرُ منتنُ الرّيحِ يرمي به البحر، وكيفما كان فإشارة إلى شيء منكر. وضَرَعَ إليهم: تناول ضَرْعَ أُمِّهِ، وقيل منه: ضَرَعَ الرّجلُ ضَرَاعَةً:
ضَعُفَ وذَلَّ، فهو ضَارِعٌ، وضَرِعٌ، وتَضَرّعَ:
أظهر الضَّرَاعَةَ. قال تعالى: تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً
[الأنعام/ 63] ، لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ
[الأنعام/ 42] ، لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ
[الأعراف/ 94] ، أي: يَتَضَرَّعُونَ فأدغم، فَلَوْلا إِذْ جاءَهُمْ بَأْسُنا تَضَرَّعُوا
[الأنعام/ 43] ، والمُضَارَعَةُ أصلُها:
التّشارك في الضَّرَاعَةِ، ثمّ جرّد للمشاركة، ومنه استعار النّحويّون لفظَ الفعلِ المُضَارِعِ.( المفردات في غريب القرآن ؛ 1/ 506 )

قال أبو الفضل، جمال الدين ابن منظور (المتوفى: 711هـ):
نَبَاتٌ أَخضَر مُنْتِنٌ خَفِيفٌ يَرْمي بِهِ البحرُ وَلَهُ جوْفٌ، وَقِيلَ: هُوَ يَبِيسُ العَرْفَجِ والخُلَّةِ، وَقِيلَ: مَا دَامَ رَطْبًا فَهُوَ ضرِيعٌ، فإِذا يَبِسَ فَهُوَ ضرِيعٌ، فإِذا يَبِسَ فَهُوَ الشِّبْرِقُ، وَهُوَ مَرْعَى سَوءٍ لَا تَعْقِدُ عَلَيْهِ السائمةُ شَحْماً وَلَا لَحْمًا، وإِن لَمْ تُفَارِقْهُ إِلى غَيْرِهِ ساءَت حَالُهَا. وَفِي التنزيل: يْسَ لَهُمْ طَعامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ لَا يُسْمِنُ وَلا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ
؛ قال أبو الفضل، جمال الدين ابن منظور (المتوفى: 711هـ): قَالَ الْفَرَّاءُ: الضرِيعُ نَبْتٌ يُقَالُ لَهُ الشِّبْرِقُ، وأَهل الْحِجَازِ يُسَمُّونَهُ الضَّرِيعَ إِذا يَبِسَ، قال أبو الفضل، جمال الدين ابن منظور (المتوفى: 711هـ): َقَالَ ابْنُ الأَعرابي: الضَّرِيعُ العوْسَجُ الرطْب، فإِذا جَفَّ فَهُوَ عَوْسَجٌ، فإِذا زَادَ جُفوفاً فَهُوَ الخَزِيزُ، وجاءَ فِي التَّفْسِيرِ: أَن الْكُفَّارَ قَالُوا إِنَّ الضريعَ لتَسْمَنُ عَلَيْهِ إِبلنا، فَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: لَا يُسْمِنُ وَلا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ. وَجَاءَ فِي حَدِيثِ أَهل النَّارِ:
فيُغاثون بِطَعَامٍ مِنْ ضَرِيعٍ
قال أبو الفضل، جمال الدين ابن منظور (المتوفى: 711هـ): قَالَ ابْنُ الأَثير: هُوَ نَبْتٌ بِالْحِجَازِ لَهُ شوْكٌ كِبَارٌ يُقَالُ لَهُ الشِّبْرِقُ. ( لسان العرب ؛ 8 / 223)


قال جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي (المتوفى: 597هـ) :{من ضريع} وهو نبت ذو شوك يقال له الشبرق وإذا هاج سموه ضريعا
(تذكرة الأريب في تفسير الغريب (غريب القرآن الكريم) ( 1/ 449)





قال شهاب الدين محمود بن عبد الله الحسيني الألوسي (المتوفى: 1270هـ): والضريع كما أخرج عبد بن حميد عن ابن عباس الشبرق اليابس وهي على ما قاله عكرمة شجرة ذات شوك لاطئة بالأرض. وقال غير واحد: هو جنس من الشوك ترعاه الإبل رطبا فإذا يبس تحامته وهو سم قاتل. قال أبو ذؤيب:
رعى الشبرق الريان حتى إذا ذوى ... وصار ضريعا بان عنه النحائص
وقال ابن غرارة الهذلي يذكر إبلا وسوء مرعى:
وحبسن في هزم الضريع فكلها ... حدباء دامية اليدين حرود
وقال بعض اللغويين: الضريع يبيس العرفج إذا انحطم. وقال الزجاج: نبت كالعوسج. وقال الخليل: نبت أخضر منتن الريح يرمي به البحر. والظاهر أن المراد ما هو ضريع حقيقة وقيل هو شجرة نارية تشبه الضريع وأنت تعلم أنه لا يعجز الله تعالى الذي أخرج من الشجر الأخضر نارا أن ينبت في النار شجر الضريع. نعم يؤيد ما قيل ما حكاه
في البحور الزاخرة عن البغوي عن ابن عباس يرفعه: «الضريع شيء في النار شبه الشوك أمرّ من الصبر، وأنتن من الجيفة، وأشد حرا من النار»( روح المعاني ، 5/ 326،327)









قائمة بالمصادر اللغوية التي بحثت فيها :
المرتبة الأولى :
الكتب التي بحثت فيها ولم أجد :
لا يوجد
كتب بحثت فيها ووجدت :
المرتبة الأولى:
- ومجاز القرآن لأبي عبيدة معمر بن المثنى
- ومعاني القرآن، لأبي زكريا الفراء.
- ومعاني القرآن، للأخفش الأوسط.
- وتأويل مشكل القرآن، لابن قتيبة
- ومعاني القرآن وإعرابه، لأبي إسحاق الزجاج.
- ومعاني القرآن، لأبي جعفر النحاس
المرتبة الثانية :
كتب بحثت فيها ولم أجد :
تأويل مشكل القرآن
كتب بحثت فيها ووجدت :
المفردات في غريب القرآن للراغب الأصفهاني
غريب القرآن محمد بن عُزير السجستاني،
غريب القرآن لابن قتيبة
المرتبة الرابعة :
كتب بحثت فيها ولم أجد :
الكشاف
كتب بحثت فيها ووجدت :
تفسير ابن عاشور
روح المعاني
االكشف والبيان للثعلبي
النكت والعيون للماوردي

بارك الله فيكِ ونفع بكِ.
- تفسير ابن عاشور كما ذكرتِ من كتب المرتبة الرابعة في المراجع اللغوية، فيوضع مع أقوال أهل اللغة وليس أقوال أهل السلف.
- أين كتب المرتبة الثالثة؟
وهي البحث في كتب أهل اللغة ( أي الكتب التي لم تختص بعلوم القرآن ومعانيه )
وفي الجمهرة بعض النقول تجدينها في المشاركة الرابعة من كل موضوع هنا:
http://jamharah.net/showpost.php?p=117983&postcount=4
- مسألتك متعلقة بمعنى مفردة من مفردات القرآن الكريم، فتكون المرتبة الخامسة هي البحث في قواميس اللغة وقد ذكرتِ أحدها وهو " لسان العرب " ويحسن بك الاستزادة.

التقويم: ب
زادكِ الله إحسانًا وتوفيقًا وسدادًا.

رد مع اقتباس
  #13  
قديم 6 رجب 1441هـ/29-02-2020م, 09:30 PM
إنشاد راجح إنشاد راجح غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Sep 2016
المشاركات: 732
افتراضي

إعادة التطبيق بقصد اعتماده للعمل على التطبيق القادم:


بسم الله الرحمن الرحيم
مجلس أداء التطبيق الخامس من تطبيقات دورة مهارات التفسير:
إعراب {إن هذان لساحران}



نوع المسألة:
1.هذه المسألة تفسيرية لغوية تتعلق بالقراءات، والإعراب، ولذلك فإنّ البحث في كتب المرتبة الخامسة سيكون في كتب القراءات وحروف المعاني والكتب التي اعتنت بذكر لغات العرب إن تيسر ذلك.

2.بدأت بالنقل عن الكتب التي تعنى بجمع أقوال السلف في التفسير، ثم بحثت في كل مرتبة من المراتب التي هى مظنة المسألة.

3.النقول التي تحصّلت لي في هذه المسألة:
أ: أولا الأقوال من التفاسير التي تنقل أقوال السلف: جامع البيان لابن جرير، والكشف والبيان للثعلبي، والهداية لمكي بن أبي طالب، والنكت والعيون للماوردي، والمحرر الوجيز لابن عطية، وزاد المسير لابن الجوزي، وأحكام القرآن للقرطبي، وتفسير ابن كثير.
وقد وجدت فيها جميعا ذكرا للمسألة وكلاما مستفيضا فنقلته وأغلبه مما كان منقولا عن أهل اللغة.

ب: ثانياً: جمع أقوال اللغويين في هذه المسألة:
العين للخليل بن أحمد الفراهيدي (ت:170هـ)، ومعاني القرآن للفراء (ت:207 هـ)، ومجاز القرآن لأبي عبيدة (ت:210 هـ)، ومعاني القرآن للأخفش الأوسط (ت:215هـ)، مشكل تأويل القرآن لابن قتيبة (ت:276 هـ)، ومعاني القرآن للزجاج (ت:311 هـ)، ومعاني القرآن للنحاس ( ت: 338 هـ)، وتهذيب اللغة لأبي منصور الأزهري ( ت:370 هـ)، وسر صناعة الإعراب لابن جني (ت: 392هـ) ،ومشكل الإعراب لمكي بن أبي طالب (ت:437هـ)، والكشاف للزمخشري (ت: 538 هـ)، لسان العرب لابن منظور ( ت:711 هـ)، وحاشية الطيبي على الكشاف للطيبي (ت: 743 هـ)، والبحر المحيط لأبي حيان، والدر المصون للسمين الحلبي ( ت:756 هـ)، والتحرير والتنوير لابن عاشور، وقد وجدت فيها كلها ذكرا للمسألة، فنقلت ما وجدت.
الكتب والمراجع المتخصصة في المسألة، وهى كتب القراءات، ومعاني الأحرف، رسالة ابن تيمية في قول الله تعالى: ( إن هذا لساحران).

أولاً: التعرّف على أقوال السلف في المسألة:

قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) :
{إن هذان لساحران يريدان أن يخرجاكم من أرضكم بسحرهما ويذهبا بطريقتكم المثلى} قالوا: إن هذان لساحران يعنون بقولهم: إن هذان موسى وهارون، لساحران يريدان أن يخرجاكم من أرضكم بسحرهما.
- كما حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {إن هذان لساحران يريدان أن يخرجاكم من أرضكم بسحرهما} يعنون موسى وهارون صلّى اللّه عليهما.
وقد اختلفت القرّاء في قراءة قوله: {إن هذان لساحران} فقرأته عامّة قرّاء الأمصار: ( إنّ هذان ) بتشديد إنّ وبالألف في هذان، وقالوا: قرأنا ذلك كذلك اتباعا لخط المصحف.
واختلف أهل العربية في وجه ذلك إذا قرئ كذلك فكان بعض أهل العربيّة من أهل البصرة يقول: " إن " خفيفةٌ في معنى ثقيلةٍ، وهي لغة لقومٍ يرفعون بها، ويدخلون اللاّم ليفرّقوا بينها وبين الّتي تكون في معنى ما.
وقال بعض نحويّي الكوفة: ذلك على وجهين: أحدهما على لغة بني الحارث بن كعبٍ ومن جاورهم، يجعلون الاثنين في رفعهما ونصبهما وخفضهما بالألف. وقال: أنشدني رجلٌ من الأسد عن بعض بني الحارث بن كعبٍ:
فأطرق إطراق الشّجاع ولو يرى = مساغًا لناباه الشّجاع لصّمما
قال: وحكي عنه أيضًا: هذا خطّ يدا أخي أعرفه، قال: وذلك وإن كان قليلاً أقيس، لأنّ العرب قالوا: مسلمون، فجعلوا الواو تابعةً للضّمّة، لأنّها لا تعرب، ثمّ قالوا رأيت المسلمين، فجعلوا الياء تابعةً لكسرة الميم، قالوا: فلمّا رأوا الياء من الاثنين لا يمكنهم كسر ما قبلها، وثبت مفتوحًا، تركوا الألف تتبعه، فقالوا: رجلان في كلّ حالٍ. قال: وقد اجتمعت العرب على إثبات الألف في كلا الرّجلين، في الرّفع والنّصب والخفض، وهما اثنان، إلاّ بني كنانة، فإنّهم يقولون: رأيت كلي الرّجلين، ومررت بكلي الرّجلين، وهي قبيحة قليلة مضوا على القياس.
قال: والوجه الآخر أن تقول: وجدت الألف من هذا دعامةً، وليست بلام " فعلى " فلمّا بنيت زدت عليها نونًا، ثمّ تركت الألف ثابتةً على حالها لا تزول فى كلّ حالٍ، كما قالت العرب الّذي، ثمّ زادوا نونًا تدلّ على الجمع، فقالوا: الّذين في رفعهم ونصبهم وخفضهم، كما تركوا هذان في رفعه ونصبه وخفضه. قال: وكنانه يقولوا: الذّون.
وقال آخر منهم: ذلك من الجزم المرسل، ولو نصب لخرج إلى الانبساط.
- وحدّثت عن أبي عبيدة معمر بن المثنّى، قال: قال أبو عمرٍو وعيسى بن عمر ويونس، إن هذين لساحران في اللّفظ، وكتب " هذان " كما يزيدون وينقصون فى الكتاب، واللّفظ صوابٌ
قال: وزعم أبو الخطّاب أنّه سمع قومًا من بني كنانة وغيرهم، يرفعون الاثنين في موضع الجرّ والنّصب قال: وقال بشر بن هلالٍ: إن بمعنى الابتداء والإيجاب. ألا ترى أنّها تعمل فيما يليها، ولا تعمل فيما بعد الّذي بعدها، فترفع الخبر ولا تنصبه، كما تنصب الاسم، فكان مجاز " إن هذان لساحران " مجاز كلامين، مخرجه: إنّه: إي نعم، ثمّ قلت: هذان ساحران، ألا ترى أنّهم يرفعون المشترك كقول ضابئٍ:
فمن يك أمسى بالمدينة رحله = فإنّي وقيّارٌ بها لغريب
وقوله:
إنّ السّيوف غدوّها ورواحها = تركت هوازن مثل قرن الأعضب
قال: ويقول بعضهم: إنّ اللّه وملائكته يصلّون على النّبيّ، فيرفعون على شركة الابتداء، ولا يعملون فيه إنّ. قال: وقد سمعت الفصحاء من المحرمين يقولون: إنّ الحمد والنّعمة لك والملك، لا شريك لك. قال: وقرأها قومٌ على تخفيف نون إنّ وإسكانها. قال: ويجوز، لأنّهم قد أدخلوا اللاّم في الابتداء وهي فصلٌ، قال:
أمّ الحليس لعجوزٌ شهربه
قال: وزعم قومٌ أنّه لا يجوز، لأنّه إذا خفّف نون " إنّ " فلا بدّ له من أن يدخل " إلاّ " فيقول: إن هذا إلاّ ساحران.
قال أبو جعفرٍ: والصّواب من القراءة في ذلك عندنا: " إنّ " بتشديد نونها، وهذان بالألف لإجماع الحجّة من القرّاء عليه، وأنّه كذلك هو في خطّ المصحف. ووجهه إذا قرئ كذلك مشابهته الّذين إذ زادوا على الّذي النّون، وأقرّ في جميع أحوال الإعراب على حالةٍ واحدةٍ، فكذلك {إن هذان} زيدت على هذا نونٌ وأقرّ في جميع أحوال الإعراب على حالٍ واحدةٍ، وهي لغة الحارث بن كعبٍ، وخثعمٍ، وزبيدٍ، ومن وليهم من قبائل اليمن).
[جامع البيان: 16/97-104]

قال أبو إسحاق أحمد بن محمد بن إبراهيم الثعلبي(ت:427هـ):
قالُوا إِنْ هذانِ لَساحِرانِ قرأ عبد الله: واسرّوا النجوى إن هذان ساحران(٦) بفتح الألف وجزم نونه ساحران بغير لام، وقرأ ابن كثير وحفص إِنْ بكسر الالف وجزم النون هذانِ بالألف على معنى ما هذان إلّا ساحران، نظيره: قوله وَإِنْ نَظُنُّكَ لَمِنَ الْكاذِبِينَ(٧)(٨) قال الشاعر:
ثكلتك أمّك إن قتلت لمسلما ... حلّت عليك عقوبة الرّحمن(٩)
يعني ما قتلت إلّا مسلما، يدل على صحة هذه القراءة قراءة أبي بن كعب: إن ذان إلّا ساحران(١٠) ، وقرأ عيسى بن عمر الثقفي وأبو عمر بن علاء(١١) : إن هذين لساحران بالياء على الأصل، قال أبو عمرو: واني لأستحي من الله أن أقرأ إنّ هذان، وقرأ الباقون: إنّ بالتشديد هذان بالألف واختلفوا فيه، فقال قوم بما أخبرنا أبو بكر بن عبدوس وعبد الله بن حامد قالا:
حدّثنا أبو العباس الأصم قال: حدّثنا محمد بن الجهم السمري قال: حدّثنا الفرّاء قال: حدّثني أبو معاوية عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أنها سئلت عن قوله سبحانه في النساء لكِنِ الرَّاسِخُونَ(١٢) وَالْمُقِيمِينَ(١٣) وعن قوله في المائدة إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا وَالصَّابِئُونَ(١٤) وعن قوله إِنْ هذانِ لَساحِرانِ(١٥) فقالت: يا بن أخي هذا خطأ من الكاتب.
وقال عثمان بن عفان: إنّ في المصحف لحنا وستقيمه العرب بألسنتهم.
وقال أبان: قرئت هذه الآية عند عثمان فقال: لحن وخطأ، فقيل له: ألم تغيّره فقال:
دعوه فإنّه لا يحلّ حراما ولا يحرّم حلالا، وقال آخرون: هذه لغة الحارث بن كعب وخثعم وزبيد وكنانة يجعلون الأسين في رفعهما ونصبهما وخفضهما بالألف.
قال الفرّاء: أنشدني رجل من بني الأسد وما رأيت افصح منه.
وأطرق إطراق الشجاع ولو ترى ... مساغا لناباه الشجاع لصمما(١٦)
ويقولون: كسرت يداه، وركبت علاه، بمعنى يديه وعليه. وقال الشاعر:
تزوّد منّا بين أذناه ضربة ... دعته إلى هابي التراب عقيم(١٧)
أراد بين أذنيه. وقال آخر:
أي قلوص راكب نراها ... طاروا علاهنّ فطر علاها(١٨)
أي عليهن وعليها. وقال آخر:
إنّ أباها وأبا أباها ... قد بلغا في المجد غايتاها(١٩)
وروي أنّ أعرابيا سأل ابن الزبير شيئا فحرّمه فقال: لعن الله ناقة حملتني إليك، فقال ابن الزبير: إن وصاحبها، يعني نعم. وقال الشاعر:
بكرت عليّ عواذلي يلحينني وألومهنّه ... ويقلن شيب قد علاك وقد كبرت فقلت إنّه(٢٠)
أي نعم، وقال الفرّاء: وفيه وجه آخر: وهو أن يقول: وجدت الألف دعامة من هذا على حالها لا تزول في كل حال، كما قالت العرب: الذي ثمّ زادوا نونا يدلّ على الجمع فقالوا:
الذين في رفعهم ونصبهم وخفضهم وكناية تقول: اللّذون.
[الكشف والبيان عن تفسير القرآن: 6/250]



قال مكي بن أبي طالب القيسي(ت:437هـ):
قال تعالى ذكره: ﴿قَالُوۤاْ إِنْ هَـٰذَانِ لَسَاحِرَانِ يُرِيدَانِ أَن يُخْرِجَاكُمْ مِّنْ أَرْضِكُمْ﴾.
أي: قالت السحرة في سرهم وتناجيهم: إن موسى وهارون ساحران يريدان أن يخرجاكم من أرضكم بسحرهما.
وفي حرف ابن مسعود "إن هذان إلا ساحران": أي: ما هذان يخفف "إن" يجعلها بمعنى ما.
ومن شدد "إن" ورفع "هذان"، فقد خرج العلماء فيها سبعة أقوال: فالأول: أن يكون بمعنى نعم. حكى سيبويه أن "إن" تأتي بمعنى أجل. واختار هذا القول المبرد وإسماعيل القاضي والزجاج وعلي بن سليمان.
واستبعد الزجاج قراءة أبي عمرو "إن هذين" لمخالفتها للمصحف.
وقال علي بن أبي طالب: لا أحصي كم سمعت رسول الله ﷺ على منبره يقول: إن الحمدُ لله نحمده ونستعينه، يعني يرفع الحمد يجعل "إن" بمعنى "أجل". ومعنى: أجل: نعم. ثم يقول: أنا أفصح قريش كلها، وأفصحها بعدي سعيد بن إبان بن العاصي. وكذلك كانت خطباء الجاهلية تفتتح خطبها بـ "نعم"، وكذلك وقعت في أشعارها. قال الشاعر:
قالت غدرت، فقلت: إن وربما ∗∗∗ نال العُلي وشقى الخليل الغادر

وقال ابن قيس الرقيات:

بكرت على عواذ لي ∗∗∗ يلحينني وألومهنه

ويقلن شيب قد علاك ∗∗∗ وقد كبرت فقلت إنه

وأنشد ثعلب:

ليت شعري هل للمحب شفاء ∗∗∗ من جوى حبهن إن اللقاء.

أي: نعم.

فهذا قول حسن لولا دخول اللام في الخبر.

وقد قيل: إن اللام يراد بها التقديم، وهو أيضاً بعيد، إنما يجوز التقديم في اللام وهي مؤخرة في الشعر.

لكن الزجاج قال: التقدير: نعم هذان لهما ساحران. فتكون اللام داخلة على الابتداء في المعنى، كما قال: أم الحليس لعجوز شهربة.

وقيل: إن اللام يراد بها التقديم.

وقيل: هي في موضعها، و "لعجوز" مبتدأ، وشهربة الخبر، والجملة خبر عن اللام.

والقول الثاني: ما حكاه أبو زيد والكسائي والأخفش والفراء أنها لغة لبني الحارث بن كعب، يقولون: رأيت الزيدان ومررت بالزيدان، وأنشدوا.



- فأطرق إطراق الشجاع ولو يرى ∗∗∗ مساغاً لنا باه الشجاع لصمماً

وأنشدوا أيضاً:

- تزود منا بين أذناه طعنة على ∗∗∗ رأسه تلقى العظام من الفم.

وحكى أبو الخطاب أنها لغة لبني كنانة.

وحكى غيره أنها لغة خثعم. وهذا القول قول، حسن، لا نطعن فيه لثقة الناقلين لهذه اللغة، وتواتر نقلهم واتفاقهم على ذلك، وقد نقلها أبو زيد، وكان سيبويه إذا قال حدثني من أثق به، فإياه يعني.

ورواه الأخفش، وهو ممن روى عنه سيبويه، وقول سيبويه في ألف التثنية أنها حرف الأعراب، يدل على أن حكمها لا تتغير عن لفظها، كما لا تتغير الدال من زيد، فجاءت في هذه الآية على الأصل، كما جاء "استحوذ" على الأصل.

والقول الثالث: قاله الفراء. قال: الألف في "هذان" دعامة، ليست بلام الفعل، فزدت عليها نوناً ولم أغيرها، كما قلت "الذي" ثم زدت عليه نوناً، ولم أغيرها، فقلت "الذين" في الرفع والنصب والجر.

والقول الرابع: يحكى عن بعض الكوفيين أن الألف في هذان مشبهة بألف يفعلان، فلم تغير كما لا يغير ألف يفعلان.

والقول الخامس: حكاه الزجاج. قال: القدماء يقولون: الهاء مضمرة ها هنا، والمعنى: أنه هذان لساحران، ويعترض هذا القول دخول اللام في الخبر.

والقول السادس: قاله ابن كيسان، قال: سألني إسماعيل ابن إسحاق عنها، فقلت: القول عندي، أنه لما كان يقال هذا في موضع الرفع والنصب والجر، وكانت التثنية يجب ألا تغير، أجريت التثنية مجرى الواحد. فقال إسماعيل: ما أحسن هذا، لو تقدمك أحد بالقول به، حتى تؤنس به. فقلت: فيقول القاضي به حتى يؤنس به، فتبسم.

والقول السابع: حكاه أبو عمرو وغيره، أنه من غلط الكاتب.

روي أن عثمان وعائشة رضي الله عنهما قالا: إن في الكتاب غلطاً ستقيمه العرب بألسنتها.

وعنهما: إن في الكتاب لحناً ستقيمه العرب بألسنتها. وهذا القول قد طعن فيه، لأن أصحاب النبي ﷺ قد أجمعوا على صحة ما بين اللوحين، فلا يمكن أن يجتمعوا على غلط.

فأما من خفف "إن" فإنه رفع ما بعدها، لنقصها عن وزن الفعل ويجوز أن يكون أعملها مخففة على الثقيلة، كما يعمل الفعل محذوفاً عمله وهو غير محذوف، إلا أنه أتى بـ "هذان"، على الوجوه التي ذكرنا، فأتى بالألف في النصب.

فأما من شدد نون "هذان"، فإنه جعل التشديد عوضاً مما حذف من هذا في التثنية.

وعن الكسائي والفراء في: "إن هذان" قولان تركنا ذكرهما لبعد تأويلهما في ذلك.
[الهداية إلى بلوغ النهاية: 7/4657]



قال علي بن محمد بن حبيب الماوردي(ت:450هـ):
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿قالُوا إنْ هَذانِ لَساحِرانِ﴾ هَذِهِ قِراءَةُ أبِي عَمْرٍو وهي مُوافِقَةٌ لِلْإعْرابِ مُخالِفَةٌ لِلْمُصْحَفِ.



وَقَرَأ الأكْثَرُونَ: إنْ هَذانَ السّاحِرانِ، فَوافَقُوا المُصْحَفَ فِيها، ثُمَّ اخْتَلَفُوا في تَشْدِيدِ إنَّ فَخَفَّفَها ابْنُ كَثِيرٍ وحَفْصٌ فَسَلِما بِتَخْفِيفِ إنَّ مِن مُخالَفَةِ المُصْحَفِ ومِن فَسادِ الإعْرابِ، ويَكُونُ مَعْناها: ما هَذانِ إلّا ساحِرانِ.

وَقَرَأ أُبَيٌّ: إنَّ ذانِ إلّا ساحِرانِ، وقَرَأ باقِي القُرّاءِ بِالتَّشْدِيدِ: إنَّ هَذانَ لَساحِرانِ.

فَوافَقُوا المُصْحَفَ وخالَفُوا ظاهِرَ الإعْرابِ.

واخْتَلَفَ مَن قَرَأ بِذَلِكَ في إعْرابِهِ عَلى أرْبَعَةِ أقاوِيلَ: أحَدُها: أنَّ هَذا عَلى لُغَةِ بِلْحارِثِ بْنِ كَعْبٍ وكِنانَةَ بْنِ زَيْدٍ يَجْعَلُونَ رَفْعَ الإثْنَيْنِ ونَصْبَهُ وخَفْضَهُ بِالألِفِ، ويُنْشِدُونَ:



فَأطْرَقَ إطْراقَ الشُّجاعِ ولَوْ رَأى ∗∗∗ مَساغًا لِناباهُ الشُّجاعِ لَصَمَّما

والوَجْهُ الثّانِي: لا يَجُوزُ أنْ يُحْمَلَ القُرْآنُ عَلى ما اعْتَلَّ مِنَ اللُّغاتِ ويُعْدَلُ بِهِ عَنْ أفْصَحِها وأصَحِّها، ولَكِنْ في (إنَّ) هاءٌ مُضْمَرَةٌ تَقْدِيرُها إنَّهُ هَذانِ لَساحِرانِ، وهو قَوْلُ مُتَقَدِّمِي النَّحْوِيِّينَ.

الثّالِثُ: أنَّهُ بَنى (هَذانِ) عَلى بِناءٍ لا يَتَغَيَّرُ في الإعْرابِ كَما بَنى الَّذِينَ عَلى هَذِهِ الصِّيغَةِ في النَّصْبِ والرَّفْعِ.

الرّابِعُ: أنَّ (إنَّ) المُشَدَّدَةَ في هَذا المَوْضِعِ بِمَعْنى نَعَمْ، كَما قالَ رَجُلٌ لِابْنِ الزُّبَيْرِ: لَعَنَ اللَّهُ ناقَةً حَمَلَتْنِي إلَيْكَ، فَقالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ: إنَّ وصاحِبَها.

وَقالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ قَيْسِ الرُّقُيّاتِ



بَكى العَواذِلُ في الصَّبا ∗∗∗ حِ يَلُمْنُنِي وألُومُهُنَّهْ ∗∗∗ ويَقُلْنَ شَيْبٌ قَدْ عَلا ∗∗∗ كَ وقَدْ كَبِرْتَ فَقُلْتُ إنَّهْ

أيْ نَعَمْ ﴿وَيَذْهَبا بِطَرِيقَتِكُمُ المُثْلى﴾ في قائِلِ هَذِهِ ثَلاثَةُ أقاوِيلَ: أحَدُها: أنَّهُ قَوْلُ السَّحَرَةِ.

الثّانِي: أنَّهُ قَوْلُ قَوْمِ فِرْعَوْنَ.
[النكت والعيون: 3/409-411]


قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ)



قَوْلُهُ تَعالى: ﴿إنْ هَذانِ لَساحِرانِ﴾ الآيَةُ. قَرَأ نافِعٌ، وابْنُ عامِرٍ، وحَمْزَةُ، والكِسائِيُّ: "إنَّ" مُشَدَّدَةَ النُونِ "هَذانَ" بِألِفٍ ونُونٍ مُخَفَّفَةٍ لِلتَّثْنِيَةِ، وقَرَأ أبُو عَمْرٍو وحْدَهُ: "إنَّ هَذَيْنِ لَساحِرانِ"، وقَرَأ ابْنُ كَثِيرٍ: "إنْ هَذانِّ لَساحِرانِ" بِتَخْفِيفِ نُونِ "إنْ" وتَشْدِيدِ نُونِ "هَذانِ لَسَحَرانِ"، وقَرَأ حَفْصٌ عن عاصِمْ: "إنْ" خَفِيفَةً "هَذانِ" خَفِيفَةً أيْضًا "لَساحِرانِ". وقَرَأتْ فِرْقَةٌ: "إنْ هَذانَ إلّا ساحِرانِ"، وقَرَأتْ فِرْقَةٌ: "إنْ ذانِ لَساحِرانِ"، وقَرَأتْ فَرِقَّةٌ: "ما هَذانِ إلّا ساحِرانِ"، وقَرَأتْ فِرْقَةٌ: "إنْ هَذانِّ" بِتَشْدِيدِ النُونِ مِن "هَذانِّ".

فَأمّا القِراءَةُ الأُولى، فَقالَتْ فِرْقَةٌ: "إنَّ" بِمَعْنى: نَعَمْ، كَما رُوِيَ «أنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قالَ في خُطْبَتِهِ: إنِ الحَمْدُ لِلَّه بِرَفْعِ "الحَمْدُ"،» وقالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ الزُبَيْرِ رَضِيَ اللهُ عنهُ: "إنْ وراكِبُها" حِينَ قالَ لَهُ الرَجُلُ: لَعَنَ اللهُ ناقَةً حَمَلَتْنِي إلَيْكَ، ويُدْخُلُ في هَذا التَأْوِيلِ أنَّ اللامَ لا تَدْخُلُ في خَبَرِ الِابْتِداءِ، وهو مِمّا يَجُوزُ في الشِعْرِ، ومِنهُ قَوْلُ الشاعِرِ:



أُمُ الحُلَيْسِ لَعَجُوزٌ شَهْرَبَهْ ∗∗∗ تَرْضى مِنَ اللَحْمِ بِعَظْمِ الرَقَبَهْ

وَذَهَبَتْ فِرْقَةٌ إلى أنَّ هَذِهِ الآيَةَ بِلُغَةِ بَنِي الحارِثِ بْنِ كَعْبٍ، وهو إبْقاءُ ألِفِ التَثْنِيَةِ في حالِ النَصْبِ والخَفْضِ، فَمِن ذَلِكَ قَوْلُ الشاعِرِ:



زَوَّدَ مِنها بَيْنَ أُذُناهُ طَعْنَةً ∗∗∗ دَعَتْهُ إلى هابِي التُرابِ عَقِيمُ

وقَوْلُ الآخَرِ:



أطْرَقَ إطْراقَ الشُجاعِ ولَوْ يَرى ∗∗∗ مَساغًا لَناباهُ الشُجاعِ لَصَمَّها

وَتُعْزى هَذِهِ اللُغَةُ لِكِنانَةَ، وتُعْزى لَخَثْعَمَ، وقالَ الفِراءُ: الألْفُ في "هَذانِ" دِعامَةٌ ولَيْسَتْ بِمَجْلُوبَةٍ لِلتَّثْنِيَةِ، وإنَّما هي ألِفُ "هَذا" تُرِكَتْ في حالِ التَثْنِيَةِ، كَما نَقُولُ: "الَّذِي" ثُمْ في الجَمْعِ نَزِيدُ نُونًا وتُتْرَكُ الياءُ في حالِ النَصْبِ والرَفْعِ والخَفْضِ، وقالَ الزُجاجَ: في الكَلامِ ضَمِيرٌ تَقْدِيرُهِ: إنَّهُ هَذانِ لَساحِرانِ.

قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللهُ:

وفِي هَذا التَأْوِيلِ دُخُولُ اللامِ في الخَبَرِ، وقالَ بَعْضُ النُحاةِ: ألِفُ "هَذانِ" مُشَبَّهَةٌ هُنا بِألِفِ تَفْعَلانِ، وقالَ ابْنُ كَيْسانَ: لِما كانَ "هَذا" بِحالٍ واحِدَةٍ في رَفْعِهِ ونَصْبِهِ وخَفْضِهِ تُرِكَتْ تَثْنِيَتُهُ هُنا كَذَلِكَ. وقالَتْ جَماعَةٌ - مِنهم عائِشَةُ رَضِيَ اللهُ عنها - وأبُو عَمْرٍو -: هَذا مِمّا لَحَنَ الكاتِبُ فِيهِ وأُقِيمَ بِالصَوابِ وهو تَخْفِيفُ النُونِ مِن "إنْ".

قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللهُ:

وهَذِهِ الأقْوالُ مُعْتَرِضَةٌ، إلّا ما قِيلَ مِن أنَّها لُغَةٌ، و"إنْ" بِمَعْنى: أجَلْ ونَعَمْ، أوَ "إنْ" في الكَلامِ ضَمِيرٌ.

وأمّا مِن قَرَأ: "إنْ" خَفِيفَةً، فَهي عن سِيبَوَيْهٍ المُخَفَّفَةُ مِنَ الثَقِيلَةِ ويَرْتَفِعُ بَعْدَها الِاسْمُ، ويَقُولُ الفِراءُ: هي بِمَعْنى "ما" واللامُ بِمَعْنى "إلّا" ووَجْهُ سائِرِ القِراءاتِ بَيِّنٌ.
[المحرر الوجيز :4/49-50]

قال أبو الفرج عبد الرحمن بن علي ابن الجوزي(ت:597هـ):
واخْتَلَفَ القُرّاءُ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿إنْ هَذانِ لَساحِرانِ﴾، فَقَرَأ أبُو عَمْرٍو بْنُ العَلاءِ: ( إنَّ هَذَيْنَ ) عَلى إعْمالِ ( إنَّ )، وقالَ: إنِّي لَأسْتَحْيِي مِنَ اللَّهِ أنْ أقْرَأ ( إنَّ هَذانِ ) . وقَرَأ ابْنُ كَثِيرٍ: ( إنْ ) خَفِيفَةً ( هَذانِّ ) بِتَشْدِيدِ النُّونِ. وقَرَأ عاصِمٌ في رِوايَةِ حَفْصٍ: ( إنْ ) خَفِيفَةً ( هَذانِ ) خَفِيفَةً أيْضًا. وقَرَأ نافِعٌ، وابْنُ عامِرٍ، وحَمْزَةُ، والكِسائِيُّ: ( إنَّ ) بِالتَّشْدِيدِ ( هاذانِ ) بِألِفٍ ونُونٍ خَفِيفَةٍ. فَأمّا قِراءَةُ أبِي عَمْرٍو فاحْتِجاجُهُ في مُخالَفَةِ المُصْحَفِ بِما رُوِيَ عَنْ عُثْمانَ وعائِشَةَ، أنَّ هَذا مِن غَلَطِ الكاتِبِ عَلى ما حَكَيْناهُ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿والمُقِيمِينَ الصَّلاةَ﴾ في سُورَةِ [ النِّساءِ: ١٦٢ ] . وأمّا قِراءَةُ عاصِمٍ فَمَعْناها: ما هَذانِ إلّا ساحِرانِ، كَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿وَإنْ نَظُنُّكَ لَمِنَ الكاذِبِينَ﴾ [ الشُّعَراء: ١٨٦ ]؛ أيْ: ما نَظُنُّكَ إلّا مِنَ الكاذِبِينَ، وأنْشَدُوا في ذَلِكَ:
ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ إنْ قَتَلْتَ لَمُسْلِمًا ∗∗∗ حَلَّتْ عَلَيْهِ عُقُوبَةُ المُتَعَمِّدِ
أيْ: ما قَتَلْتَ إلّا مُسْلِمًا. قالَ الزَّجّاجُ: ويَشْهَدُ لِهَذِهِ القِراءَةِ ما رُوِيَ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، أنَّهُ قَرَأ: ( ما هَذانِ إلّا ساحِرانِ )، ورُوِيَ عَنْهُ: ( إنْ هَذانِ إلّا ساحِرانِ )، ورُوِيَتْ عَنِ الخَلِيلِ: ( إنْ هَذانِ ) بِالتَّخْفِيفِ، والإجْماعُ عَلى أنَّهُ لَمْ يَكُنْ أحَدٌ أعْلَمَ بِالنَّحْوِ مِنَ الخَلِيلِ. فَأمّا قِراءَةُ الأكْثَرِينَ بِتَشْدِيدِ ( إنْ ) وإثْباتِ الألِفِ في قَوْلِهِ: ( هَذانِ )، فَرَوى عَطاءٌ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ أنَّهُ قالَ: هي لُغَةُ بَلْحارِثِ بْنِ كَعْبٍ. وقالَ ابْنُ الأنْبارِيِّ: هي لُغَةٌ لِبَنِي الحارِثِ بْنِ كَعْبٍ وافَقَتْها لُغَةُ قُرَيْشٍ. قالَ الزَّجّاجُ: وحَكى أبُو عُبَيْدَةَ عَنْ أبِي الخَطّابِ، وهو رَأْسٌ مِن رُؤُوسِ الرُّواةِ: أنَّها لُغَةٌ لِكِنانَةَ، يَجْعَلُونَ ألِفَ الِاثْنَيْنِ في الرَّفْعِ والنَّصْبِ والخَفْضِ عَلى لَفْظٍ واحِدٍ، يَقُولُونَ: أتانِي الزَّيْدانِ، ورَأيْتُ الزَّيْدانِ، ومَرَرْتُ بِالزَّيْدانِ، وأنْشَدُوا:

فَأطْرَقَ إطْراقَ الشُّجاعِ ولَوْ رَأى ∗∗∗ مَساغًا لَناباهُ الشُّجاعُ لَصَمَّما
وَيَقُولُ هَؤُلاءِ: ضَرَبْتُهُ بَيْنَ أُذُناهُ. وقالَ النَّحْوِيُّونَ القُدَماءُ: هاهُنا هاءٌ مُضْمَرَةٌ، المَعْنى: إنَّهُ هَذانِ لَساحِرانِ. وقالُوا أيْضًا: إنَّ مَعْنى ( إنْ ): نَعَمْ هَذانِ لَساحِرانِ، ويُنْشِدُونَ:
ويَقُلْنَ شَيْبٌ قَدْ عَلا ∗∗∗ كَ وقَدْ كَبِرْتَ فَقُلْتُ إنَّهْ
قالَ الزَّجّاجُ: والَّذِي عِنْدِي وكُنْتُ عَرَضْتُهُ عَلى عالِمِنا مُحَمَّدِ بْنِ يَزِيدَ، وعَلى إسْماعِيلَ بْنِ إسْحاقَ بْنِ حَمّادِ بْنِ زَيْدٍ، فَقَبِلاهُ وذَكَرا أنَّهُ أجْوَدُ ما سَمِعْناهُ في هَذا، وهو أنَّ ( إنْ ) قَدْ وقَعَتْ مَوْقِعَ ( نَعَمْ )، والمَعْنى: نَعَمْ هَذانِ لَهُما السّاحِرانِ، ويَلِي هَذا في الجَوْدَةِ مَذْهَبُ بَنِي كِنانَةَ، وأسْتَحْسِنُ هَذِهِ القِراءَةَ؛ لِأنَّها مَذْهَبُ أكْثَرِ القُرّاءِ وبِها يُقْرَأُ، وأسْتَحْسِنُ قِراءَةَ عاصِمٍ والخَلِيلِ؛ لِأنَّهُما إمامانِ ولِأنَّهُما وافَقا أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ في المَعْنى، ولا أُجِيزُ قِراءَةَ أبِي عَمْرٍو لِخِلافِ المُصْحَفِ. وحَكى ابْنُ الأنْبارِيِّ عَنِ الفَرّاءِ، قالَ: ألِفُ ( هَذانِ ) هي ألِفُ ( هَذا )، والنُّونُ فَرَّقَتْ بَيْنَ الواحِدِ والتَّثْنِيَةِ، كَما فَرَّقَتْ نُونُ ( الَّذِينَ ) بَيْنَ الواحِدِ والجَمْعِ.
[زاد المسير في علم التفسير: 3/162-164 ]


قال أبو عبد الله محمد بن أحمد بن أبي بكر القرطبي(ت:671هـ):



قوله تعالى: (إِنْ هذانِ لَساحِرانِ) [٢٠: ٦٣] قرأ أبو عمرو "إِنَّ هَذَيْنَ لَسَاحِرَانِ". وَرُوِيَتْ عَنْ عُثْمَانَ وَعَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَغَيْرِهِمَا مِنَ الصَّحَابَةِ، وَكَذَلِكَ قَرَأَ الْحَسَنُ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَإِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ وَغَيْرُهُمْ مِنَ التَّابِعِينَ، وَمِنَ الْقُرَّاءِ عِيسَى بْنُ عُمَرَ وَعَاصِمُ الْجَحْدَرِيُّ، فِيمَا ذَكَرَ النَّحَّاسُ. وَهَذِهِ الْقِرَاءَةُ مُوَافِقَةٌ لِلْإِعْرَابِ مُخَالِفَةٌ لِلْمُصْحَفِ. وَقَرَأَ الزُّهْرِيُّ وَالْخَلِيلُ بْنُ أَحْمَدَ وَالْمُفَضَّلُ وَأَبَانٌ وَابْنُ مُحَيْصِنٍ وَابْنُ كَثِيرٍ وَعَاصِمٌ: فِي رِوَايَةِ حَفْصٍ عَنْهُ" إِنْ هذانِ [٢٠: ٦٣] "بِتَخْفِيفِ" إِنْ" "لَساحِرانِ" وَابْنُ كَثِيرٍ يُشَدِّدُ نُونَ "هَذَانَ". وَهَذِهِ الْقِرَاءَةُ سَلِمَتْ مِنْ مُخَالَفَةِ الْمُصْحَفِ وَمِنْ فَسَادِ الْإِعْرَابِ، وَيَكُونُ مَعْنَاهَا مَا هَذَانَ إِلَّا سَاحِرَانِ. وَقَرَأَ الْمَدَنِيُّونَ وَالْكُوفِيُّونَ: "إِنَّ هَذَانِ" بِتَشْدِيدِ "إِنَّ"" لَساحِرانِ [٢٠: ٦٣] "فَوَافَقُوا الْمُصْحَفَ وَخَالَفُوا الْإِعْرَابَ. قَالَ النَّحَّاسُ: فَهَذِهِ ثَلَاثُ قِرَاءَاتٍ قَدْ رَوَاهَا الْجَمَاعَةُ عَنِ الْأَئِمَّةِ، وَرُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ قَرَأَ" إِنْ هَذَانِ إِلَّا سَاحِرَانِ "وَقَالَ الْكِسَائِيُّ فِي قِرَاءَةِ عَبْدِ اللَّهِ:" إِنْ هَذَانِ سَاحِرَانِ "بِغَيْرِ لَامٍ، وَقَالَ الْفَرَّاءُ فِي حَرْفِ أُبَيٍّ" إِنْ ذَانِ إِلَّا سَاحِرَانِ" فَهَذِهِ ثَلَاثُ قِرَاءَاتٍ أُخْرَى تُحْمَلُ عَلَى التَّفْسِيرِ لَا أَنَّهَا جَائِزٌ أَنْ يُقْرَأَ بِهَا لِمُخَالَفَتِهَا الْمُصْحَفَ. قُلْتُ: وَلِلْعُلَمَاءِ فِي قِرَاءَةِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَالْكُوفَةِ سِتَّةُ أَقْوَالٍ ذَكَرَهَا ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ فِي آخِرِ كِتَابِ الرَّدِّ لَهُ، وَالنَّحَّاسُ فِي إِعْرَابِهِ، وَالْمَهْدَوِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ، وَغَيْرُهُمْ أَدْخَلَ كَلَامَ بَعْضِهِمْ فِي بَعْضٍ. وَقَدْ خَطَّأَهَا قَوْمٌ حَتَّى قَالَ أَبُو عَمْرٍو: إِنِّي لَأَسْتَحِي مِنَ الله [تعالى(٢) أَنْ أَقْرَأَ" إِنْ هذانِ [٢٠: ٦٣]". وَرَوَى عُرْوَةُ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّهَا سُئِلَتْ عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى "لكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ"(٣) ثُمَّ قَالَ: "وَالْمُقِيمِينَ"(٤) وَفِي "الْمَائِدَةِ" ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا وَالصَّابِئُونَ﴾(٥) [المائدة: ٦٩] وَ" إِنْ هذانِ لَساحِرانِ [٢٠: ٦٣] "فَقَالَتْ: يَا ابْنَ أُخْتِي! هَذَا خَطَأٌ مِنَ الْكَاتِبِ. وَقَالَ عُثْمَانُ ابن عَفَّانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: فِي الْمُصْحَفِ لَحْنٌ وَسَتُقِيمُهُ الْعَرَبُ بِأَلْسِنَتِهِمْ. وَقَالَ أَبَانُ بْنُ عُثْمَانَ: قَرَأْتُ هَذِهِ الْآيَةَ عِنْدَ أَبِي عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ، فَقَالَ: لَحْنٌ وَخَطَأٌ، فَقَالَ لَهُ قَائِلٌ: أَلَا تُغَيِّرُوهُ؟ فَقَالَ: دَعُوهُ فَإِنَّهُ لَا يُحَرِّمُ حلالا ولا يحلل حرما. الْقَوْلُ الْأَوَّلُ مِنَ الْأَقْوَالِ السِّتَّةِ: أَنَّهَا لُغَةُ بنى الحرث بْنِ كَعْبٍ وَزُبَيْدٍ وَخَثْعَمَ. وَكِنَانَةَ بْنِ زَيْدٍ يجعلون رفع الاثنين ونصبه وخفضه بالألف، يَقُولُونَ: جَاءَ الزَّيْدَانِ وَرَأَيْتُ الزَّيْدَانِ وَمَرَرْتُ بِالزَّيْدَانِ، ومنه قوله تعالى:" وَلا أَدْراكُمْ بِهِ [١٠: ١٦]" [يونس: ١٦] عَلَى مَا تَقَدَّمَ(٦). وَأَنْشَدَ الْفَرَّاءُ لِرَجُلٍ مِنْ بَنِي أَسَدٍ(٧) - قَالَ: وَمَا رَأَيْتُ أَفْصَحَ مِنْهُ:

فَأَطْرَقَ إِطْرَاقَ الشُّجَاعِ وَلَوْ يَرَى ... مَسَاغًا لِنَابَاهُ الشُّجَاعُ لَصَمَّمَا(٨)

وَيَقُولُونَ: كَسَرْتُ يَدَاهُ وَرَكِبْتُ عَلَاهُ، بمعنى يديه وعليه، قال شاعرهم:(٩)

تَزَوَّدَ مِنَّا بَيْنَ أُذْنَاهُ ضَرْبَةً ... دَعَتْهُ إِلَى هابي التراب عقيم

وَقَالَ آخَرُ:(١٠)

طَارُوا عَلَاهُنَّ فَطِرْ عَلَاهَا



أَيْ عَلَيْهِنَّ وَعَلَيْهَا. وَقَالَ آخَرُ:(١١)

إِنَّ أَبَاهَا وَأَبَا أَبَاهَا ... قَدْ بَلَغَا فِي الْمَجْدِ غَايَتَاهَا

أَيْ إن أبا أبيها وغايتها. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ النَّحَّاسُ: وَهَذَا الْقَوْلُ مِنْ أَحْسَنِ مَا حُمِلَتْ عَلَيْهِ الْآيَةُ، إِذْ كَانَتْ هَذِهِ اللُّغَةُ مَعْرُوفَةً، وَقَدْ حَكَاهَا مَنْ يُرْتَضَى بِعِلْمِهِ وَأَمَانَتِهِ، مِنْهُمْ أَبُو زَيْدٍ الْأَنْصَارِيُّ، وَهُوَ الَّذِي يَقُولُ: إِذَا قَالَ سِيبَوَيْهِ حَدَّثَنِي مَنْ أَثِقُ بِهِ فَإِنَّمَا يَعْنِينِي، وَأَبُو الْخَطَّابِ الْأَخْفَشُ وَهُوَ رَئِيسٌ مِنْ رُؤَسَاءِ اللُّغَةِ، وَالْكِسَائِيُّ وَالْفَرَّاءُ كلهم قالوا هذا على لغة بني الحرث بْنِ كَعْبٍ. وَحَكَى أَبُو عُبَيْدَةَ عَنْ أَبِي الْخَطَّابِ أَنَّ هَذِهِ لُغَةُ بَنِي كِنَانَةَ. الْمَهْدَوِيُّ: وَحَكَى غَيْرُهُ أَنَّهَا لُغَةٌ لِخَثْعَمَ. قَالَ النَّحَّاسُ وَمِنْ أَبْيَنِ مَا فِي هَذَا قَوْلُ سِيبَوَيْهِ: وَاعْلَمْ أَنَّكَ إِذَا ثَنَّيْتَ الْوَاحِدَ زِدْتَ عَلَيْهِ زَائِدَتَيْنِ، الْأُولَى مِنْهُمَا حَرْفُ مَدٍّ وَلِينٍ وَهُوَ حَرْفُ الْإِعْرَابِ، قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ فَقَوْلُ سِيبَوَيْهِ: وَهُوَ حَرْفُ الْإِعْرَابِ، يُوجِبُ أَنَّ الْأَصْلَ أَلَّا يتغير، فيكون "إن هذان" جاء عَلَى أَصْلِهِ لِيُعْلَمَ ذَلِكَ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى ﴿اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطانُ﴾(١٢) [المجادلة: ١٩] وَلَمْ يَقُلِ اسْتَحَاذَ، فَجَاءَ هَذَا لِيَدُلَّ عَلَى الْأَصْلِ، وَكَذَلِكَ "إِنْ هَذَانِ" وَلَا يُفَكَّرُ فِي إنكار من أنكر هذه اللغة إذ كَانَ الْأَئِمَّةُ قَدْ رَوَوْهَا. الْقَوْلُ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ "إِنْ" بِمَعْنَى نَعَمْ، كَمَا حَكَى الْكِسَائِيُّ عَنْ عَاصِمٍ قَالَ: الْعَرَبُ تَأْتِي بِ"- إِنْ "بِمَعْنَى نَعَمْ، وَحَكَى سِيبَوَيْهِ أَنَّ" إِنْ" تَأْتِي بِمَعْنَى أَجَلْ، وَإِلَى هَذَا الْقَوْلِ كَانَ مُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ الْقَاضِي يَذْهَبَانِ، قَالَ النَّحَّاسُ: وَرَأَيْتُ أَبَا إِسْحَاقَ الزَّجَّاجَ وَعَلِيَّ بْنَ سُلَيْمَانَ يَذْهَبَانِ إِلَيْهِ. الزَّمَخْشَرِيُّ: وَقَدْ أُعْجِبَ بِهِ أَبُو إِسْحَاقَ. النَّحَّاسُ: وَحَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ السَّلَامِ النَّيْسَابُورِيُّ، ثُمَّ لَقِيتُ عَبْدَ الله بن أحمد [هذا(١٣) فَحَدَّثَنِي، قَالَ حَدَّثَنِي عُمَيْرُ بْنُ الْمُتَوَكِّلِ، قَالَ حدثنا محمد ابن موسى النوفلي من ولد حرث بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، قَالَ حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ جميع الكوفي عن جعفر ابن مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَلِيٍّ- وَهُوَ ابْنُ الْحُسَيْنِ- عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ، قَالَ: لَا أُحْصِي كَمْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ عَلَى مِنْبَرِهِ: "إِنَّ الْحَمْدُ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ" ثُمَّ يَقُولُ: "أَنَا أَفْصَحُ قريش كلها وأفصحها بعدي أبان ابن سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ" قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ الْخَفَّافُ قَالَ عُمَيْرٌ: إِعْرَابُهُ عِنْدَ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ وَالنَّحْوِ "إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ" بِالنَّصْبِ إِلَّا أَنَّ الْعَرَبَ تَجْعَلُ "إِنَّ" فِي مَعْنَى نَعَمْ كَأَنَّهُ أَرَادَ ﷺ نَعَمِ الْحَمْدُ لِلَّهِ، وذلك أن خطباء الجاهلية كانت تفتتح [في(١٤) خُطَبَهَا بِنَعَمْ. وَقَالَ الشَّاعِرُ فِي مَعْنَى نَعَمْ:

قَالُوا غَدَرْتَ فَقُلْتُ إِنَّ وَرُبَّمَا ... نَالَ الْعُلَا وَشَفَى الْغَلِيلَ الْغَادِرُ

وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ قَيْسُ الرُّقَيَّاتِ:

بَكَرَ الْعَوَاذِلُ فِي الصَّبَا ... حَ يَلُمْنَنِي وَأَلُومُهُنَّهْ

وَيَقُلْنَ شَيْبٌ قَدْ عَلَا ... كَ وَقَدْ كَبِرْتَ فَقُلْتُ إِنَّهْ

فَعَلَى هَذَا جَائِزٌ أَنْ يَكُونَ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: "إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ" بِمَعْنَى نَعَمْ وَلَا تُنْصَبُ. قَالَ النَّحَّاسُ: أَنْشَدَنِي دَاوُدُ بْنُ الْهَيْثَمِ، قَالَ أَنْشَدَنِي ثَعْلَبٌ:

لَيْتَ شِعْرِي هَلْ لِلْمُحِبِّ شِفَاءٌ ... مِنْ جوى حبهن إن اللقاء

قَالَ النَّحَّاسُ: وَهَذَا قَوْلٌ حَسَنٌ إِلَّا أَنَّ فِيهِ شَيْئًا لِأَنَّهُ إِنَّمَا يُقَالُ: نَعَمْ زَيْدٌ خارج، ولا تكاد تقع اللام ها هنا، وَإِنْ كَانَ النَّحْوِيُّونَ قَدْ تَكَلَّمُوا فِي ذَلِكَ فَقَالُوا: اللَّامُ يُنْوَى بِهَا التَّقْدِيمُ، كَمَا قَالَ:

خَالِي لَأَنْتَ وَمَنْ جَرِيرٌ خَالُهُ ... يَنَلِ الْعَلَاءَ وَيُكْرِمِ الْأَخْوَالَا

آخَرُ:

أُمُّ الْحُلَيْسِ لَعَجُوزٌ شَهْرَبَهْ ... تَرْضَى مِنَ الشَّاةِ بِعَظْمِ الرَّقَبَهْ

أَيْ لَخَالِي وَلَأُمِّ الْحُلَيْسِ، وَقَالَ الزَّجَّاجُ: وَالْمَعْنَى فِي الْآيَةِ إِنَّ هَذَانِ لَهُمَا سَاحِرَانِ ثُمَّ حَذَفَ الْمُبْتَدَأَ. الْمَهْدَوِيُّ: وَأَنْكَرَهُ أَبُو عَلِيٍّ وَأَبُو الْفَتْحِ بْنُ جِنِّيٍّ. قَالَ أَبُو الْفَتْحِ: "هُمَا" الْمَحْذُوفُ لَمْ يُحْذَفْ إِلَّا بَعْدَ أَنْ عُرِفَ، وَإِذَا كَانَ مَعْرُوفًا فَقَدِ اسْتُغْنِيَ بِمَعْرِفَتِهِ عَنْ تَأْكِيدِهِ بِاللَّامِ، وَيَقْبُحُ أَنْ تَحْذِفَ الْمُؤَكَّدَ وَتَتْرُكَ الْمُؤَكِّدَ. الْقَوْلُ الثالث: قاله الفراء أيضا [قال(١٥): وَجَدْتُ الْأَلِفَ دِعَامَةً لَيْسَتْ بِلَامِ الْفِعْلِ فَزِدْتُ عَلَيْهَا نُونًا وَلَمْ أُغَيِّرْهَا كَمَا قُلْتُ: "الَّذِي" ثُمَّ زِدْتُ عَلَيْهِ نُونًا فَقُلْتُ: جَاءَنِي الَّذِينَ عِنْدَكَ، وَرَأَيْتُ الَّذِينَ عِنْدَكَ، وَمَرَرْتُ بِالَّذِينَ عِنْدَكَ. الْقَوْلُ الرَّابِعُ: قَالَهُ بَعْضُ الْكُوفِيِّينَ قَالَ الْأَلِفُ فِي "هَذَانَ" مُشَبَّهَةٌ بِالْأَلِفِ فِي يَفْعَلَانِ فَلَمْ تُغَيَّرْ. الْقَوْلُ الْخَامِسُ: قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ: النَّحْوِيُّونَ القدماء يقولون الهاء ها هنا مُضْمَرَةٌ، وَالْمَعْنَى إِنَّهُ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ، قَالَ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ: فَأُضْمِرَتِ الْهَاءُ الَّتِي هِيَ مَنْصُوبُ "إِنْ" وَ" هذانِ [٢٠: ٦٣] "خَبَرُ" إِنْ "وَ" سَاحِرَانِ "يَرْفَعُهَا" هُمَا" الْمُضْمَرُ [وَالتَّقْدِيرُ(١٦) إِنَّهُ هَذَانَ لَهُمَا سَاحِرَانِ. وَالْأَشْبَهُ(١٧) عِنْدَ أَصْحَابِ أَهْلِ هَذَا الْجَوَابِ أَنَّ الْهَاءَ اسْمُ "إِنْ" وَ "هذانِ" رُفِعَ بِالِابْتِدَاءِ وَمَا بَعْدَهُ خَبَرُ الِابْتِدَاءِ. الْقَوْلُ السَّادِسُ: قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ النَّحَّاسُ وَسَأَلْتُ أَبَا الْحَسَنِ بْنَ كَيْسَانَ عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ، فَقَالَ: إِنْ شِئْتَ أَجَبْتُكَ بِجَوَابِ النَّحْوِيِّينَ، وَإِنْ شِئْتَ أَجَبْتُكَ بِقَوْلِي، فَقُلْتُ: بِقَوْلِكَ، فَقَالَ: سَأَلَنِي إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ عَنْهَا فَقُلْتُ: الْقَوْلُ عِنْدِي أَنَّهُ لَمَّا كَانَ يُقَالُ: "هَذَا" فِي مَوْضِعِ الرَّفْعِ وَالنَّصْبِ وَالْخَفْضِ عَلَى حَالٍ وَاحِدَةٍ، وَكَانَتِ التَّثْنِيَةُ يَجِبُ أَلَّا يغير لها الواحد أجريت التثنية مجرى الواحد فَقَالَ: مَا أَحْسَنَ هَذَا لَوْ تَقَدَّمَكَ أَحَدٌ بِالْقَوْلِ بِهِ حَتَّى يُؤْنَسَ بِهِ، قَالَ ابْنُ كَيْسَانَ: فَقُلْتُ لَهُ: فَيَقُولُ الْقَاضِي بِهِ حَتَّى يؤنس به، فتبسم.
[الجامع لأحكام القرآن:11/218]


قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ)
﴿قَالُوا إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ﴾ هَذِهِ لُغَةٌ لِبَعْضِ الْعَرَبِ، جَاءَتْ هَذِهِ الْقِرَاءَةُ عَلَى إِعْرَابِهَا، وَمِنْهُمْ مَنْ قَرَأَ: "إنْ هَذَينِ لَسَاحِرَانِ" وَهَذِهِ اللُّغَةُ الْمَشْهُورَةُ، وَقَدْ تَوَسَّعَ النُّحَاةُ فِي الْجَوَابِ عَنِ الْقِرَاءَةِ الْأَوْلَى بِمَا لَيْسَ هَذَا مَوْضِعُهُ.
[تفسير ابن كثير:5/301]



أَمْسَى أبانُ ذليلاً بَعْدَ عزّته ... وإن أبانُ لَمِنْ أَعْلاجِ سوراء «69»
ويقال: [تكون] (إنّ) في مَوْضع (أَجَلْ) فيكسِرونَ ويثقلون، فإِذا وقفوا في هذا المعنى قالوا: إنّهْ.. تكون الهاء صلةً في الوقوف، وتَسْقط [الهاء] إذا صرفوا «70» ...


وبلغنا عن عبدِ اللَّه بنِ الزُّبَيْر أن أعرابيّاً أتاه فسأله فحرمه، فقال: لعن اللَّه ناقةً حملتني إليك، فقال ابنُ الزُّبير: إنّ وراكِبَها

، أي: أَجَلْ. فأمّا تميم فإِنّهم يَجْعلونَ ألِفَ كلّ أنّ وأَنْ، منصوبة، من المُثَقَّل والمُخَفَّف: عيناً، كقولك: أريد عَنْ أكلمك، و [بلغني عنّك مقيم] . وأنّ الرّجل يَئنُّ: من الأنين، قال: «71»

تشكو الخشاش ومجرى النسعتين كما ... أن المريض إلى عُوّاده، الوَصِبُ
[العين:8/397-398]



قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ):
وفي قراءة عبد اللَّه «والمقيمون والمؤتون» وفي قراءة أَبِي «وَالْمُقِيمِينَ» ولم يجتمع فِي قراءتنا وفي قراءة أَبِي إلا على صوابٍ. والله أعلم.


حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ: قال: وقد حدّثنى أبو معاوية «3» الصرير عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا سُئِلَتْ عَنْ قوله: «إِنْ هذانِ لَساحِرانِ» «4» وَعَنْ قوله:

«إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا وَالصَّابِئُونَ» «5» وعن قوله: «وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاةَ وَالْمُؤْتُونَ الزَّكاةَ» فقالت: يا بن أخى «6» هذا كان خطأ من الكاتب. وقال فِيهِ الكسائي «وَالْمُقِيمِينَ» موضعه خفض يرد على قوله: «بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ» : ويؤمنون بالمقيمين الصلاة هُمْ والمؤتون الزكاة.

قال: وهو بمنزلة قوله: «يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ» «1» وكان النحويّون يقولون «الْمُقِيمِينَ» مردودة على «بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ- إلى الْمُقِيمِينَ» وبعضهم «لكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ» ومن «الْمُقِيمِينَ» وبعضهم «مِنْ قَبْلِكَ» ومن قبل «الْمُقِيمِينَ» .

وإنما امتنع من مذهب المدح- يعني الكسائي- الَّذِي فسرت لك، لأنه قال: لا ينصب الممدوح إلا عند تمام الكلام، ولم «2» يتمم الكلام فى سورة النساء.

ألا ترى أنك حين قلت «لكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ- إلى قوله «وَالْمُقِيمِينَ- والْمُؤْتُونَ» كأنك منتظر لخبره «3» ، وخبره فِي قوله «أُولئِكَ سَنُؤْتِيهِمْ أَجْراً عَظِيماً» والكلام أكثره على ما وصف الكسائي. ولكن العرب إذا تطاولت الصفة جعلوا الكلام فِي الناقص وفي التام كالواحد ألا ترى أنهم قَالُوا فِي الشعر:

حَتَّى إذا قملت «4» بطونكم ... ورأيتم أبناءكم شبوا

وقلبتم ظهر المجن لنا ... إن اللئيم العاجز الخب

فجعل جواب (حَتَّى إذا) بالواو، وكان ينبغي ألا يكون فِيهِ واو، فاجتزئ بالاتباع ولا خبر بعد ذلك. وهذا أشدّ مما وصفت لك.

وقوله: فَتَنازَعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ [62] يعني السَّحَرة قَالَ بَعضهم لبعض: إن غَلَبَنَا موسى اتَّبعناهُ وأسرُّوها من فرعون وأصحابه.

وقوله: إِنْ هذانِ لَساحِرانِ [83] قد اختلف فِيهِ القراء فقال بعضهم: هُوَ لحن ولكنا نمضي عَلَيْهِ لئلا نُخالف الكتاب. حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو مُعَاوِيَةَ الضَّرِيرُ «2» عَنْ هَاشِمِ بْنِ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا سُئِلَتْ عَنْ قوله فِي النِّسَاءِ (لكِنِ «3» الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ.... وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاةَ) وَعَنْ قوله فِي الْمَائِدَةِ (إِنَّ الَّذِينَ «4» آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا وَالصَّابِئُونَ) وعن قوله ( «5» إِنْ هذانِ لَساحِرانِ) فقالت: يا ابن أَخِي هَذَا كَانَ «6» خَطَأً مِنَ الْكَاتِبِ. وقرأ أَبُو عمرو (إِنَّ هَذَيْنِ لساحران) واحتج أَنَّهُ بلغه عَن «7» بعض أصحاب مُحَمَّد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: إن فِي المصحف لحنًا وستقيمه العرب.

قَالَ الفراء: ولست أشتهي عَلَى (أن أخالف «8» الكتاب وقرأ بعضهم «9» (إِنْ هذان لساحران)

خفيفة «1» وَفِي قراءة عبد الله: (وأسروا النجوى أن هذان ساحران) وَفِي قراءة أُبَيّ (إنْ ذان إلا ساحران) فقراءتنا «2» بتشديد (إنّ) وبالألف عَلَى جهتين.

إحداهما عَلَى لغة بني الحارث بن كعب: يجعلونَ الاثنين فِي رفعهما ونصبهما وخفضهما بالألف.

وأنشدني رجلٌ من الأسد عنهم. يريد بني الحارث:

فأَطرق إطراق الشجاع ولو يرى ... مسَاغًا لِناباه الشجاعُ لصَمّما «3»

قَالَ: وما رأيت أفصح من هَذَا الأسدي وحكى هَذَا الرجل عنهم: هَذَا خطُّ يَدَا أخي بعينه.

وَذَلِكَ- وإن كَانَ قليلًا- أقيس لأن العرب قالوا: مسلمون فجعلوا الواو تابعة للضمة (لأن الواو «4» لا تُعرب) ثُمَّ قالوا: رأيت المسلمين فجعلوا الياء تابعة لكسرة الميم. فلمّا رأوا أن «5» الياء من الاثنين لا يمكنهم كسر ما قبلها، وثبت مفتوحًا: تركوا الألف تتبعه، فقالوا: رجلانِ فِي كل حَالٍ.

وقد اجتمعت العرب عَلَى إثبات الألف فِي كِلا الرجلين فِي الرفع والنصب والخفض وهما اثنان، إلا بنى كنانة فإنهم يقولون: رأيت كلى الرجلين ومررت بكلَيِ الرجلين. وهي قبيحة قليلة، مَضَوْا عَلَى القياس.

والوجهُ الآخر أن تَقُولُ: وجدت الألف (من «6» هَذَا دِعامة وليست بلام فعل، فلمّا ثنّيت زدتُ عليها نونًا ثُمَّ تركت الألف) ثابتة عَلَى حالِها لا تزول عَلَى «7» كل حال كما قالت العرب (الَّذِي) ثُمَّ زادوا نونًا تدل عَلَى الجماع، فقالوا: الَّذِينَ فِي رفعهم ونصبهم وخفضهم كما تركوا (هذان) فِي رفعه ونصبه وخفضه. وكنانة يقولون (اللّذون) .
[معاني القرآن: 2/183-184]

قال أبو عبيدة معمر بن المثنى التيمى البصري (المتوفى: 210هـ):
ومن مجاز ما جاء من مذاهب وجوه الإعراب، قال: «سُورَةٌ أَنْزَلْناها» (24/ 1) رفع ونصب، وقال: «وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما» (5/ 41) رفع ونصب، وقال: «الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما مِائَةَ جَلْدَةٍ» (24/ 2) رفع ونصب.


ومجاز المتحمل من وجوه الإعراب كما قال: «إِنْ هذانِ لَساحِرانِ» (20/ 63) .

قال: «1» وكل هذا جائز معروف قد يتكلمون به.


«إِنْ هذانِ لَساحِرانِ» (63) قال أبو عمرو وعيسى ويونس «إنّ هذين لساحران» فى اللفظ وكتب «هذان» كما يزيدون وينقصون فى الكتاب واللفظ صواب. وزعم أبو الخطّاب أنه سمع قوما من بنى كنانة وغيرهم يرفعون الاثنين فى موضع الجر والنصب، قال بشر بن هلال «إِنْ» بمعنى الابتداء والإيجاب، ألا ترى أنها تعمل فيما يليها ولا تعمل فيما بعد الذي بعدها فترفع الخبر ولا تنصبه كما تنصب الاسم فكان مجاز«إِنْ هذانِ لَساحِرانِ» «1» مجاز كلامين، مخرجه: إنه أي نعم، ثم قلت: هذان ساحران، ألا ترى أنهم يرفعون المشرك كقوله:


فمن يك أمسى بالمدينة رحله ... فإنّى وقيّار بها لغريب

(207) وقوله:

إنَّ شَرخ الشَّباب والشّعر الأسود ... ما لم يعاص كان جنونا

(291) وقوله:

إنّ السيوف غدوّها ورواحها ... تركت هوازن مثل قرن الأعضب

«2» «3» [545] ويقول بعضهم «إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ» (33/ 56) فيرفعون ملائكته على شركة الابتداء ولا يعملون فيها «إن» ، وقال سمعت الفصحاء من المحرمين يقولون: إنّ الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك.

وقرأها قوم على تخفيف نون «إن» وإسكانها وهو يجوز لأنهم قد أدخلوا اللام فى الابتداء وهى فضل، قال:

«أم الحليس لعجوز شهربه»
وزعم قوم أنه لا يجوز لأنه إذا خفّف نون «إن» فلا بد له من أن يدخل إلّا فيقول: إن هذان إلّا ساحران.
[مجاز القرآن: 2/23:21]

قال أبو الحسن الأخفش (215 هـ)
قَالُواْ إِنْ هَاذَانِ لَسَاحِرَانِ يُرِيدَانِ أَن يُخْرِجَاكُمْ مِّنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِمَا وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلَى}


وقال {إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ} خفيفة في معنى ثقيلة. وهي لغة لقوم يرفعون ويدخلون اللام ليفرقوا بينها وبين التي تكون في معنى "ما" ونقرؤها ثقيلة وهي لغة لبني الحارث بن كعب.
[ معاني القرآن: 2/443-444]



قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (
فقالوا: في
قوله سبحانه: إِنْ هذانِ لَساحِرانِ [طه: 63] وهي لغة بلحرث بن كعب يقولون: مررت برجلان، وقبضت منه درهمان، وجلست بين يداه، وركبت علاه. وأنشدوا «2» :


تزوّد منّا بين أذناه ضربة ... دعته إلى هابي التّراب عقيم

أي موضع كثير التراب لا ينبت.

وأنشدوا «3» :

أيّ قلوص راكب تراها ... طاروا علاهنّ فطر علاها

على أن القراء قد اختلفوا في قراءة هذا الحرف: فقرأه أبو عمرو بن العلاء «1» ، وعيسى بن عمر «2» : «إنّ هذين لساحران» وذهبا إلى أنه غلط من الكاتب كما قالت عائشة.

وكان عاصم الجحدريّ «3» يكتب هذه الأحرف الثلاثة في مصحفه على مثالها في الإمام، فإذا قرأها، قرأ: «إنّ هذين لساحران» ، وقرأ المقيمون الصلاة [النساء: 162] ، وقرأ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا وَالصَّابِئِينَ [الحج: 17] .

وكان يقرأ أيضا في سورة البقرة: والصابرون فى البأساء والضراء [البقرة: 177] ويكتبها: الصابرين.

وإنما فرق بين القراءة والكتاب لقول عثمان رحمة الله: أرى فيه لحنا وستقيمه العرب بألسنتها فأقامه بلسانه، وترك الرسم على حاله.

وكان الحجاج «4» وكّل عاصما «5» وناجية بن رمح وعليّ بن أصمع بتتبّع المصاحف، وأمرهم أن يقطعوا كل مصحف وجدوه مخالفا لمصحف عثمان، ويعطوا صاحبه ستين درهما.

خبّرني بذلك أبو حاتم «6» عن الأصمعي «7» قال: وفي ذلك يقول الشاعر:

وإلا رسوم الدّار قفرا كأنّها ... كتاب محاه الباهليّ بن أصمعا

وقرأ بعضهم: إِنْ هذانِ لَساحِرانِ [طه: 63] اعتبارا بقراءة أبيّ لأنها في مصحفه:

«إن ذان إلا ساحران» وفي مصحف عبد الله: (وأسرّوا النّجوى أن هذان ساحران) منصوبة بالألف يجعل إِنْ هذانِ تبيينا للنجوى.

وقالوا في قوله تبارك وتعالى: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا وَالصَّابِئُونَ [المائدة:

69] رفع (الصابئين) لأنه ردّ على موضع إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وموضعه رفع، لأن (إنّ) مبتدأة وليست تحدث في الكلام معنى كما تحدث أخواتها. ألا ترى أنك تقول: زيد قائم، ثم تقول: إن زيدا قائم، ولا يكون بين الكلامين فرق في المعنى. وتقول: زيد قائم، ثم تقول: ليت زيدا قائم، فتحدث في الكلام معنى الشك. وتقول: زيد قائم، ثم تقول: ليت زيدا قائم، فتحدث في الكلام معنى التمني، ويدلّك على ذلك قولهم: إن عبد الله قائم وزيد، فترفع زيدا، كأنك قلت: عبد الله قائم وزيد، وتقول: لعل عبد الله قائم وزيدا، فتنصب مع (لعلّ) وترفع مع (إن) لما أحدثته (لعلّ) من معنى الشك في الكلام، ولأنّ (إنّ) لم تحدث شيئا. وكان الكسائي «1» يجيز: أن عبد الله وزيد قائمان، وإنّ عبد الله وزيد قائم. والبصريون يجيزونه، ويحكون: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ [الأحزاب: 56] وينشدون «2» :

فمن يك أمسى بالمدينة رحله ... فإنّي وقيّار بها لغريب

وقالوا في نصب (المقيمين) بأقاويل: قال بعضهم: أراد بما أنزل إليك وإلى المقيمين. وقال بعضهم: وما أنزل من قبلك ومن قبل المقيمين، وكان الكسائي يرده إلى قوله: يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ [البقرة: 4] أي: ويؤمنون بالمقيمين، واعتبره بقوله في موضع آخر: يُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ أي بالمؤمنين. وقال بعضهم: هو نصب على المدح. قال أبو عبيدة «1» : هو نصب على تطاول الكلام بالنّسق، وأنشد للخرنق بنت هفّان «2» :

لا يبعدن قومي الذين هم ... سمّ العداة وآفة الجزر

النازلين بكلّ معترك ... والطيّبون معاقد الأزر

ومما يشبه هذه الحروف- ولم يذكروه- قوله في سورة البقرة: وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذا عاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْساءِ وَالضَّرَّاءِ [البقرة: 177] . والقرّاء جميعا على نصب الصابرين إلا عاصما الجحدري فإنه كان يرفع الحرف إذا قرأه، وينصبه إذا كتبه، للعلّة التي تقدم ذكرها.

واعتل أصحاب النحو للحرف، فقال بعضهم: هو نصب على المدح، والعرب تنصب على المدح والذم، كأنهم ينوون إفراد الممدوح بمدح مجدّد غير متبع لأوّل. [ تأويل مشكل القرآن: 1/36-38 ]
فقد كتب في الإمام: إِنْ هذانِ لَساحِرانِ بحذف ألف التثنية.
[ تأويل مشكل القرآن: 1/42 ]

قال أبو إسحاق إبراهيم بن السري بن سهل الزجاج (ت: 311هـ):
وقوله عزَّ وجلَّ: (قَالُوا إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ يُرِيدَانِ أَنْ يُخْرِجَاكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِمَا وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلَى (63)


(إن هَذَانِ لَسَاحِرَانِ) (1).

يَعْنُونَ موسى وهارون. وهذا الحرف من كتاب اللَّه عزَّ وجلَّ مُشْكِل على

أهل اللغة، وقد كثر اختلافهم في تفسيره، ونحن نذكر جميع ما قاله النحويون ونخبر بما نظن أنه الصواب واللَّه أعلم، وقبل شرح إعرابه نخبر بقراءة القُراءِ

أما قراءة أهل المدينة والأكْمَهِ في القراءة فبتشديد (إنَّ) والرفع في

(هذان) وكذلك قرأ أهْلُ العِراق حمزةُ وعاصم - في رواية أبي بكر بن عياش والمدنيونَ.

ورُويِ عَنْ عاصم: إِنْ هذان بتخفيف (إنْ)، ويُصَدِّق ما قرأه عاصم

في هذه القراءة ما يُرْوى عَنْ أُبَيٍّ فَإنهُ قرأ: ما هذان إِلَّا سَاحِرَانِ، ورُوِيَ أيضاً

عنه أنه قرأ: إنْ هَذَان إِلا سَاحِرانِ، ورويت عن الخليل أيضاً: إنْ هذانْ

لَسَاحِرَان - بالتخفيف -.

والإجماع أنه لم يكن أحد بالنحو أعلم من الخليل.

وقرأ أبو عمرو وعيسى بن عمَر: إنَّ هَذَيْن لَسَاحرانِ، بتشديد " إِنَّ " ونصب هذين.

فهذه الرواية فيه.

فأمااحتجاج النحويين فاحتجاج أبي عمرو في مخالفته المصحف في

هذا أنهُ رُوِيَ أنه من غَلطِ الكاتب، وأن في الكتاب غَلَطاً سَتُقِيمُه العربُ

بألْسِنَتِها، يروى ذلك عَنْ عُثْمَانَ بنِ عفَانِ وَعَنْ عائشة - رحمهما اللَّه -.

وأما الاحتجاج في أنَّ هذان بتشديد أن ورفع هذانِ فحكى أبُو عُبَيْدَة عن

أبي الخطاب وهو رأس من رؤساء الرواة، أنها لغة لِكنَانَة، يجعلون ألف

الاثنين في الرفع والنَصْبِ والخفض على لفظ واحدٍ، يقولون أتاني الزيدان.

ورأيت الزيْدَانِ، ومررت بالزَيْدَانِ، وهؤلاء ينشدون:

فأَطْرَقَ إطْراقَ الشُّجاعِ ولو رَأَى. . . مَساغاً لِنابَاه الشُّجاعُ لَصَمَّما

وهؤلاء أيضاً يقولون: ضَرَبتُه بين أذُناه، ومن يشتري مني الخُفَّانِ

وكذلك روى أهل الكوفة أنها لغة لبني الحرث بن كعْبٍ.

قال النحويون القُدَمَاء: ههنا هاء مضمرة، المعنى إنهُ هذانِ لَسَاحِرَانِ،


وقالوا أيضاً أن معنى (إن) معنى (نَعَمْ)، المعنى نعم هَذان لساحِرَانِ.


وينشدون:

ويَقُلْنَ شَيْبٌ قدْ علَّا. . . كَ وقد كَبِرْتَ فقلتُ إنَّهْ

ويَحتحون بأن هذه اللامَ - أصْلُهَا - أن تقع في الابتداء، وأن وُقُوعَها في

الخبر جائز، وينشدون في ذلك:

خالي لأَنتَ ومَن جَريرٌ خالُه. . . يَنَلِ العَلاءَ ويُكْرِمِ الأَخْوالا

وأنشدوا أيضاً:

أُمُّ الحُلَيْسِ لَعَجُوزٌ شَهْرَبَهْ. . . تَرْضى من الشاةِ بِعَظْمِ الرَّقَبَهْ

قالوا: المعنى لأنت خالي، والمعنى لأم الحليس عجوز.

وقال الفراء فى هذا: إنهم زادوا فيها النون في التثنية وتركوا الألف على حالها في الرفع والنصب والجر كما فعلوا في الذي، فقالوا الَّذِينَ في الرفع والنصب والجر.

فهذا جميع ما احتج به النحويون.

والذي عندي - واللَّه أعلم - وكنت عرضته على عالِمَيْنَا - محمد بن يزيد

وعلى إسماعيل بن إسحاق بن حماد بن زيد القاضي فقبلاه وذكرا أنَّه أجود ما

سمعاه في هذا، وهو " أنَّ) قد وقعت موقع " نعم "، وأن اللام وقعت مَوْقِعَهَا، وأن المعنى هذان لَهما ساحِرَانِ.

والذي يلي هذه في الجودة مذهب بني كنانة في ترك ألف التثنية على

هيئة واحدة، لأن حق الألف أنْ تَدُل على الاثنين، وكان حقها ألا تتغيَّر كما لم تتغير ألف رحى وعضى، ولكن كان نقلها إلى الياء في النصْبِ والخفض

أبين وأفْضَلُ للتمييز بين المرفوع والمنصوب والمجرور.

فأمَّا قراءةَ عيسى بن عمر وأبي ععرو بن العلاء فلا أجيزها لأنها خلاف المصحف، وكل ما وجدته إلى موافقة المصحف أقرب لم أجِزْ مخَالفَتَه، لأن اتباعه سنة.

وما عليه أكثر القراء، ولكني أسْتَحسِنُ (إنْ هذان لساحران) بتخفيف (إنْ) وفيه إمامان: عاصمٌ والخليلُ، وموافقة أُبيٍّ في المعْنَى وأن خالفه اللفظ، ويستحسن أيضاً (إنَّ هذان) بالتشديد، لأنه مذهب أكثر القراء، وبه يقرأ وهو قوي في العربية.
[ معاني القرآن وإعرابه: 3/361-364 ]


قال أبو جعفر النحاس (ت:338 هـ):
الموضع الاول:
قُلْ لَوْ شاءَ اللَّهُ ما تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلا أَدْراكُمْ بِهِ أي لو شاء الله ما أرسلني إليكم فتلوت عليكم القرآن ولا أعلمكم به أي القرآن. قال أبو حاتم: سمعت الأصمعي يقول: سألت أبا عمرو بن العلاء عن قراءة الحسن ولا أدرأتكم به «1» أله وجه؟



قال: لا قال أبو عبيد: لا وجه لقراءة الحسن «ولا أدرأتكم به» إلّا على الغلط. معنى قول أبي عبيد إن شاء الله على الغلط أنه يقال: دريت أي علمت وأدريت غيري، ويقال: درأت أي دفعت فيقع الغلط بين دريت وأدريت ودرأت، وقال أبو حاتم: يريد الحسن فما أحسب ولا أدريتكم به
فأبدل من الياء ألفا على لغة بني الحارث بن كعب لأنهم يبدلون من الياء ألفا إذا انفتح ما قبلها مثل إِنْ هذانِ لَساحِرانِ [طه: 63] . قال أبو جعفر هذا غلط لأن الرواية عن الحسن ولا أدرأتكم به بالهمز وأبو حاتم تكلّم على أنه بغير همز ويجوز أن يكون من درأت إذا دفعت، أي: ولا أمرتكم أن تدفعوا وتتركوا الكفر بالقرآن. فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُراً مِنْ قَبْلِهِ في الكلام حذف والتقدير فقد لبثت فيكم عمرا من قبله تعرفوني بالصدق والأمانة لا أقرأ ولا أكتب ثم جئتكم بالمعجزات أَفَلا تَعْقِلُونَ أن هذا لا يكون إلّا من عند الله جلّ وعزّ.
[إعراب القرآن: 2/143]


الموضع الثاني:

فَتَنازَعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ وَأَسَرُّوا النَّجْوى (62) قالُوا إِنْ هذانِ لَساحِرانِ يُرِيدانِ أَنْ يُخْرِجاكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِما وَيَذْهَبا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلى (63)

قالُوا إِنْ هذانِ لَساحِرانِ فيه ست قراءات «5» قرأ المدنيون والكوفيون إنّ هذان

ساحران وقرأ أبو عمرو إنّ هذين لساحران وهذه القراءة مروية عن الحسن وسعيد بن جبير وإبراهيم النخعي وعيسى بن عمر وعاصم الجحدري، وقرأ الزهري وإسماعيل بن قسطنطين والخليل بن أحمد وعاصم في إحدى الروايتين إِنْ هذانِ لَساحِرانِ بتخفيف إن.

فهذه ثلاث قراءات، قد رواها الجماعة عن الأئمة. وروي عن عبد الله بن مسعود إن هذان إلّا ساحران وقال الكسائي: في قراءة عبد الله إن هذان ساحران بغير لام، وقال الفراء «1» : في حرف أبيّ إن ذان إلّا ساحران فهذه ثلاث قراءات أخرى، تحمل على التفسير، إلا أنها جائز أن يقرأ بها لمخالفتها المصحف. قال أبو جعفر: القراءة الأولى للعلماء فيها ستة أقوال: منها أن يكون إنّ بمعنى نعم، كما حكى الكسائي عن عاصم قال العرب:

تأتي بإنّ بمعنى نعم، وحكى سيبويه: أنّ «إنّ» تأتي بمعنى أجل. وإلى هذا القول كان محمد بن يزيد وإسماعيل بن إسحاق يذهبان. قال أبو جعفر: ورأيت أبا إسحاق وأبا الحسن علي بن سليمان يذهبان إليه. وحدّثنا علي بن سليمان قال: حدّثنا عبد الله بن أحمد بن عبد السّلام النيسابوري، ثمّ لقيت عبد الله بن أحمد هذا فحدّثني قال: حدّثنا عمير بن المتوكل قال: حدّثنا محمد بن موسى النوفلي من ولد حارث بن عبد المطلب قال: حدّثنا عمرو بن جميع الكوفي عن جعفر بن محمد عن أبيه عن علي وهو علي بن الحسين عن أبيه عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه. قال: لا أحصي كم سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على منبره يقول: «إنّ الحمد لله نحمده ونستعينه ثم يقول: أنا أفصح قريش كلّها وأفصحها بعدي أبان بن سعيد بن العاص» «2» قال أبو محمد: قال عمير: إعرابه عند أهل العربية في النحو إنّ الحمد لله بالنصب إلّا أن العرب تجعل «إنّ» في معنى نعم كأنه أراد: نعم الحمد لله، وذلك أن خطباء الجاهلية كانت تفتتح في خطبتها بنعم، وقال الشاعر في معنى نعم: [الكامل] 292-

قالوا: غدرت فقلت إنّ وربّما ... نال العلى وشفى الغليل الغادر «3»

وقال ابن قيس الرقيات «4» : [مجزوء الكامل] 293-

بكر العواذل في الصّبوح ... يلمنني وألومهنّه

ويقلن شيب قد علاك ... وقد كبرت، فقلت: إنّه

فعلى هذا جائز أن يكون قول الله عزّ وجلّ: إِنْ هذانِ لَساحِرانِ بمعنى نعم.
قال أبو جعفر: أنشدني داود بن الهيثم قال: أنشدني ثعلب: [الخفيف] 294-


ليت شعري هل للمحبّ شفاء ... من جوى حبّهنّ إنّ اللّقاء «1»

أي: نعم، فهذا قول. وقال أبو زيد والكسائي والأخفش والفراء: هذا على لغة بني الحارث بن كعب. قال الفراء: يقولون: رأيت الزّيدان، ومررت بالزّيدان وأنشد: [الطويل] 295-

فأطرق إطراق الشّجاع ولو يرى ... مساغا لناباه الشّجاع لصمّما «2»

وحكى أبو الخطاب أنّ هذه لغة بني كنانة، وللفراء قول آخر قال: وجدت الألف دعامة ليست بلام الفعل فزدت عليها نونا ولم أغيرها، كما قلت: الذي، ثم زدت عليها نونا فقلت: جاءني الذين عندك، ورأيت الذين عندك. قال أبو جعفر: وقيل: شبّهت الألف في قولك: هذان بالألف في يفعلان، فلم تغير. قال أبو إسحاق: النحويون القدماء يقولون: الهاء هاهنا مضمرة، والمعنى: إنّه هذان لساحران. فهذه خمسة أقوال، قال أبو جعفر: وسألت أبا الحسن بن كيسان عن هذه الآية فقال: إن شئت أجبتك بجواب النحويين، وإن شئت أجبتك بقولي فقلت: بقولك، فقال: سألني إسماعيل بن إسحاق عنها فقلت: القول عندي أنه لما كان يقال: هذا في موضع الرفع والنصب والخفض على حال واحدة، وكانت التثنية يجب أن لا يغيّر لها الواحد أجريت التثنية مجرى الواحد، فقال: ما أحسن هذا لو تقدّمك بالقول به حتى يؤنس به، فقلت: فيقول القاضي «به» حتى يؤنس به فتبسّم. قال أبو جعفر: القول الأول أحسن إلّا أنّ فيه شيئا لأنه إنما قال: إنما يقال: نعم زيد خارج، ولا يكاد يقع اللام هاهنا، وإن كان النحويون قد تكلّموا في ذلك فقالوا: اللّام ينوى بها التقديم. وقال أبو إسحاق: المعنى إنّ هذان لهما ساحران، ثمّ حذف المبتدأ كما قال: [الرجز] 296-

أمّ الحليس لعجوز شهربه «3»

والقول الثاني من أحسن ما حملت عليه الآية إذ كانت هذه اللّغة معروفة، وقد

حكاها من يرتضى علمه وصدقه وأمانته، منهم أبو زيد الأنصاري، وهو الذي يقول إذا قال سيبويه: حدّثني من أثق به فإنما يعنيني. وأبو الخطاب الأخفش، وهو رئيس من رؤساء أهل اللغة، روى عنه سيبويه وغيره. ومن بين ما في هذا قول سيبويه: واعلم أنّك إذا ثنّيت الواحد زدت عليه زائدتين، الأولى منهما حرف مدّ ولين، وهو حرف الإعراب. قال أبو جعفر: فقول سيبويه: وهو حرف الإعراب، يوجب أنّ الأصل أن لا يتغير إنّ هذان، جاء على أصله ليعلم ذلك وقد قال الله جلّ وعزّ: اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطانُ [المجادلة: 19] ولم يقل: استحاذ، فجاء على هذا ليدل على الأصل إذ كان الأئمة قد رووها وتبيّن أنها الأصل، وهذا بيّن جدا. وَيَذْهَبا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلى تأنيث أمثل، كما يقال: الأفضل والفضلى، وأنّثت الطريقة على اللفظ، وإن كان يراد بها الرجال، ويجوز أن يكون التأنيث على معنى الجماعة.



أراد الحبال. قال أبو إسحاق: من قرأ بالتاء جعل «أنّ» في موضع نصب أي تخيل إليه ذات سعي. قال: ويجوز أن تكون في موضع رفع على البدل، بدل الاشتمال، كما حكى سيبويه: ما لي بهم علم أمرهم. أي ما لي بأمرهم علم. قال: وأنشد: [الرجز] 297-

وذكرت تقتد برد مائها «1»

أي ذكر برد ماء تقتد.
[ إعراب القرآن: 3/30-31]



قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري(ت:370هـ):
وَأما قَول الله تَعَالَى: (إِن هَذَانِ لساحران) (طه: 63) فَإِن أَبَا إِسْحَاق النَّحوي اسْتَقصى مَا قَالَ فِيهِ النَّحويون، فحكيتُ كلامَه.


قَالَ: وَقَرَأَ المدنيون والكوفّيون، إلاّ عَاصِمًا: (إنّ هَذَانِ لساحران) .

ورَوى عَن عَاصِم أَنه قَرَأَ (إنْ هَذَانِ) بتَخْفِيف (إنْ) .

ورُوي عَن الْخَلِيل (إنْ هَذَا لساحران) .

قَالَ: وَقَرَأَ أَبُو عَمْرو: (إنّ هذَيْن لساحران) ، بتَشديد (أنّ) وَنصب (هذَيْن) قَالَ أبوإسحاق: والحجّة فِي (إنّ هَذَانِ لساحران) بِالتَّشْدِيدِ وَالرَّفْع، أَن أَبَا عُبيدة روى عَن أبي الخطّاب أَنه لُغة لِكنانة، يجْعَلُونَ ألف الِاثْنَيْنِ فِي الرّفْع وَالنّصب والخفض على لفظ وَاحِد، يَقُولُونَ: رَأَيْت الزيدان.

وروى أَهل الْكُوفَة وَالْكسَائِيّ والفَراء أَنَّهَا لُغة لبني الْحَارِث بن كَعْب.

قَالَ: وَقَالَ النحويّون القُدماء: هَاهُنَا هَاء مُضمرة، الْمَعْنى: إنّه هَذَانِ لساحران.

قَالَ: وَقَالَ بَعضهم: (إِن) فِي معنى (نعم) ، الْمَعْنى: نعم هَذَانِ لساحران؛ وَأنْشد:

ويَقُلْن شَيْبٌ قد عَلا

كَ وَقد كَبِرْت فَقلت إنَهْ

وَقَالَ الْفراء فِي هَذَا: إِنَّهُم زادوا فِيهَا النُّون فِي التَّثْنِيَة، وتركوها على حَالهَا فِي الرّفْع وَالنّصب والجر، كَمَا فعلوا فِي (الَّذين) فَقَالُوا: الَّذين، فِي الرَّفع والنَّصب والجر.

فَهَذَا جَمِيع مَا قَالَ النحويّون فِي الْآيَة.

قَالَ أَبُو إِسْحَاق: وأجودها عِنْدِي أَن، (أَن) وَقعت موقع (نعم) ، وَأَن اللَّام

وَقعت موقعها، وَأَن الْمَعْنى: نعم هَذَانِ لَهما ساحران.

وَالَّذِي يَلِي هَذَا فِي الْجَوْدَة مَذْهب بني كنَانَة وبَلْحارث بن كَعْب.

فأمّا قِرَاءَة أبي عَمْرو فَلَا أُجيزها، لِأَنَّهَا خلاف المُصْحف.

قَالَ: وأَستحسن قِرَاءَة عَاصِم والخليل: (إنْ هَذَانِ لساحران) .

وَقَالَ غَيره: العربُ تجْعَل الْكَلَام مُخْتَصرا مَا بَعْدَه على (إنّه) ، وَالْمرَاد: إِنَّه لكذلك، وإنّه على مَا تَقول.

فَأَما (إِن) الْخَفِيفَة، فَإِن المنذريّ رَوى عَن ابْن اليَزيدي، عَن أبي زيد، أَنه قَالَ: (إِن) تقع فِي مَوضِع من الْقُرْآن مَوْضِعَ (مَا) ، ضَرْبُ قَوْله تَعَالَى: {وَإِن مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلاَّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ} (النِّسَاء: 159) ، مَعْنَاهُ: مَا من أهل الْكتاب.

وَمثله: {لاَّتَّخَذْنَاهُ مِن لَّدُنَّآ إِن كُنَّا فَاعِلِينَ} (الْأَنْبِيَاء: 17) أَي: مَا كنّا فاعلين.

قَالَ: وتجيء (إِن) فِي مَوضِع (لقد) ، ضَرْبُ قَوْله تَعَالَى: {إِن كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولاً} (الْإِسْرَاء: 108) ، الْمَعْنى، لقد كَانَ من غير شكّ من الْقَوْم.

وَمثله: {وَإِن كَادُواْ لَيَفْتِنُونَكَ} (الْإِسْرَاء: 73) ، {وَإِن كَادُواْ لَيَسْتَفِزُّونَكَ} (الْإِسْرَاء: 76) .

وتجيء (إِن) بِمَعْنى (إِذْ) ، ضَرْبُ قَوْله تَعَالَى: {اتَّقُواْ اللَّهَ وَذَرُواْ مَا بَقِىَ مِنَ الرِّبَوااْ إِن كُنتُمْ مُّؤْمِنِينَ} (الْبَقَرَة: 278) الْمَعْنى: إِذْ كُنْتُم مُؤمنين.

وَكَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى: {فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} (النِّسَاء: 59) مَعْنَاهُ: إِذْ كُنْتُم.

قَالَ: و (أَن) بِفَتْح الْألف وتَخفيف النُّون، قد تكون فِي مَوضِع (إِذْ) أَيْضا.

و (إِن) بَخْفض الْألف تكون مَوضِع (إِذا) ، من ذَلِك قولُه تَعَالَى: {لاَ تَتَّخِذُو صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
[تهذيب اللغة: 15/406-407]




قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (المتوفى: 392هـ):
أخبرنا أبو علي أن أبا إسحاق ذهب في قوله تعالى: {إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ} [طه: 63] 3 إلى أن "إن" بمعنى نعم، وهذان مرفوع بالابتداء، وأن اللام في "لساحران" داخلة في موضعها على غير ضرورة، وأن تقديره: "نعم هذان لهما ساحران".


وحكي عن أبي إسحاق أنه قال: هذا الذي عندي فيه، والله أعلم، وكنت عرضته4 على عالمنا محمد بن يزيد، وعلى إسماعيل بن إسحاق؛ فقبلاه، وذكرا أنه أجود ما سمعاه.

واعلم أن هذا الذي رواه أبو إسحاق في هذه المسألة مدخول غير صحيح، وأنا أذكره لتقف منه على ما في قوله.

ووجه الخطأ فيه أن "هما" المحذوفة التي قدرها مرفوعة بالابتداء لم تحذف إلا بعد العلم بها والمعرفة بموضعها، وكذلك كل محذوف لا يحذف إلا مع العلم به، ولولا ذلك لكان في حذفه مع الجهل بمكانه ضرب من تكليف علم الغيب للمخاطب، وإذا كان معروفًا؛ فقد استغنى بمعرفته عن تأكيده باللام؛ ألا ترى أنه يقبح أن تأتي بالمؤكد وتترك المؤكد فلا تأتي به.

ألا ترى أن التوكيد من مواضع الإطناب والإسهاب، والحذف من مواضع الاكتفاء والاختصار؛ فهما إذن -كما ذكرت لك- ضدان لا يجوز أن يشتمل عليهما عقد كلام.

ويزيد ذلك وضوحًا امتناع أصحابنا من تأكيد المضمر المحذوف العائد على المبتدأ في نحو "زيد ضربت" في من أجازه؛ فلا يجيزون "زيد ضربت نفسه" على أن تجعل النفس توكيدًا للهاء المرادة في ضربته، لأن الحذف لا يكون إلا بعد التحقيق والعلم، وإذا كان ذلك كذلك؛ فقد استغني عن تأكيده.

ويؤكد عندك ما ذكرت لك أن أبا عثمان وغيره من النحويين حلموا قول الشاعر:

أم الحليس لعجوز شهربه1

على أن الشاعر أدخل اللام على الخبر ضرورة، ولو كان ما ذهب إليه أبو إسحاق وجهًا جائزًا؛ لما عدل عنه النحويون ولا حملوا على الاضطرار إذا وجدوا له وجهًا ظاهرًا قويًا، وحذف المبتدأ وإن كان شائعًا في مواضع كثيرة من كلامهم؛ فإنه إذا نقل عن أول الكلام قبح حذفه؛ ألا ترى إلى ضعف قراءة من قرأ: {تَمَاماً عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ} [الأنعام: 154] 2 قالوا: وقبحه أنه أراد: على الذي هو أحسن؛ فحذف المبتدأ في موضع الإيضاح والبيان، لأن الصلة لذلك وقعت في الكلام، وإذا كان ذلك موضع إكثار وإيضاح؛ فغير لائق به الحذف والاختصار.

فإن قلت: فقد حكى سيبويه في الكتاب: "لحق أنه ذاهب؛ فيضيفون، كأنه قال: ليقين ذلك أمرك، وليست في كلام كل العرب"3 فأمرك هو خبر يقين؛ لأنه قد أضافه إلى ذلك، وإذا أضافه إليه؛ لم يجز أن يكون خبرًا عنه.

قال سيبويه: "سمعنا فصحاء العرب يقولونه"4؛ فكيف جاز أن يحذف الخبر واللام في أول الكلام، وقد شرطت على نفسك أن الحذف لا يليق بالتوكيد؟

فالجواب أن هذه الكلمة ليس كل العرب يقولها كما قال سيبويه، وقال أيضًا أبو الحسن: "لم أسمع هذا من العرب؛ وإنما وجدته في الكتاب"1.

ووجه جوازه على قلته طول الكلام بما أضيف هذا المبتدأ إليه، وإذا طال الكلام؛ جاز فيه من الحذف ما لا يجوز فيه إذا قصر، ألا ترى إلى ما حكاه الخليل عنهم من قولهم: "ما أنا بالذي قائل لك شيئًا"2 ولو قلت: "ما أنا بالذي قائم لقبح".

فأما قول الشاعر3:

لم أر مثل الفتيان في غير الـ ... أيام ينسون ما عواقبها4

فالوجه أن تكون "ما" استفهامًا و"عواقبها" الخبر، كقوله تعالى ذكره: {وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحُطَمَةُ} [الهمزة: 5] 5 أي: ما أدراك أي شيء الحطمة؛ فكأنه قال: أي شيء عواقبها، على مذهب التعجب منها والاستعظام لها؛ فهذا أوجه من أن يحمل الكلام على أنه: ينسون الذي هو عواقبها، لقلة {تَمَاماً عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ} [الأنعام: 154] 6.

وقال أبو الحسن في هذا الفصل: "لو قلت: لعبد الله، وأضمرت الخبر لم يحسن"7؛ وإنما لم يحسن عنده لأن الكلام لم يطل ههنا كما طال في لحق أنه ذاهب. انقضى دخول اللام على الخبر.
واعلم أن لام الابتداء أحد الحرفين الموجبين اللذين يتلقى بهما القسم، وهما: اللام، وأن، وذلك قولك: والله لزيد عاقل، والله إن زيدًا عاقل؛ إلا أن هذه اللام قد تتعرى من معنى الجواب، وتخلص للابتداء؛ فهو لذلك أخص معنييها بها، وذلك قولك: لعمرك لأقومن، و:


................. ليمن الله ماندري1

فهذه اللام لام الابتداء معراة من معنى الجواب، وذلك أن قولك "لعمرك" قسم، ومحال أن يجاب القسم بالقسم؛ فلا يجوز إذن أن يكون التقدير: والله لعمرك لأقومن، كما يجوز إذا قلت: لزيد قائم، أن يكون تقديره: والله لزيد قائم، فاعرف ذلك إن شاء الله.
[ سر صناعة الإعراب: 2: 58- 61]



قال مكي بن أبي طالب: ( ت:437 هـ):
قَوْله {إِن هَذَانِ لساحران} من رفع هَذَانِ حمله على لُغَة لبني الْحَارِث بن كَعْب يأْتونَ بالمثنى بِالْألف على كل حَال قَالَ بَعضهم


... تزَود منا بَين أذنَاهُ طعنة ... دَعَتْهُ هابي التُّرَاب عقيم ...



وَقيل إِن بِمَعْنى نعم وَفِيه بعد لدُخُول اللَّام فِي الْخَبَر وَذَلِكَ لَا يكون الا فِي شعر كَقَوْلِه ... أم الْحُلَيْس لعجوز شهر بِهِ ... ترْضى من اللَّحْم بِعظم الرقبه ...



وَكَانَ وَجه الْكَلَام لأم الْحُلَيْس عَجُوز وَكَذَلِكَ كَانَ وَجه الْكَلَام فِي الْآيَة ان حملت ان على معنى نعم إِن لهذان ساحران كَمَا تَقول نعم لهذان ساحران وَنعم لمُحَمد رَسُول الله وَفِي تَأَخّر اللَّام مَعَ لفظ ان بعض الْقُوَّة على نعم وَقيل إِن الْمُبْهم لما لم يظْهر فِيهِ اعراب فِي الْوَاحِد وَلَا فِي الْجمع جرت التَّثْنِيَة على ذَلِك فَأتي بِالْألف على كل حَال وَقيل الْهَاء مضمرة مَعَ ان وَتَقْدِيره انه هَذَانِ لساحران كَمَا تَقول إِنَّه زيد منطلق وَهُوَ قَول حسن لَوْلَا أَن دُخُول اللَّام فِي الْخَبَر يبعده فَأَما من خفف إِن فَهِيَ قِرَاءَة حَسَنَة لِأَنَّهُ أصلح الاعراب وَلم يُخَالف الْخط لَكِن دُخُول اللَّام فِي الْخَبَر يَعْتَرِضهُ على مَذْهَب سِيبَوَيْهٍ لِأَنَّهُ يقدر أَنَّهَا المخففة من الثَّقِيلَة ارْتَفع مَا بعْدهَا بِالِابْتِدَاءِ وَالْخَبَر لنَقص بنائها فَرجع مَا بعْدهَا الى أَصله وَاللَّام لَا تدخل فِي خبر ابْتِدَاء أَتَى على أصلة إِلَّا فِي شعر على مَا ذكرنَا وَأما على مَذْهَب الْكُوفِيّين فَهُوَ من أحسن شَيْء لأَنهم يقدرُونَ إِن الْخَفِيفَة بِمَعْنى مَا وَاللَّام بِمَعْنى إِلَّا فتقدير الْكَلَام مَا هَذَانِ إِلَّا ساحران فَلَا خلل فِي هَذَا التَّقْدِير إِلَّا مَا ادعوهُ أَن اللَّام تَأتي بِمَعْنى إِلَّا.
[ مشكل إعراب القرآن: 2/466-468]



قال أبو القاسم الزمخشري (ت:538 هـ) :


قرأ أبو عمرو إِنْ هذانِ لَساحِرانِ على الجهة الظاهرة المكشوفة. وابن كثير وحفص: إن هذان لساحران، على قولك: إن زيد لمنطلق. واللام هي الفارقة بين إن النافية والمخففة من الثقيلة.

وقرأ أبىّ: إن ذان إلا ساحران. وقرأ ابن مسعود: أن هذان ساحران: بفتح أن وبغير لام، بدل من النجوى. وقيل في القراءة المشهورة إِنْ هذانِ لَساحِرانِ هي لغة بلحرث بن كعب، جعلوا الاسم المثنى نحو الأسماء التي آخرها ألف، كعصا وسعدى، فلم يقلبوها ياء في الجر والنصب. وقال بعضهم: إِنْ بمعنى نعم. ولَساحِرانِ خبر مبتدأ محذوف، واللام داخلة على الجملة تقديره: لهما ساحران. وقد أعجب به أبو إسحاق.
[ الكشاف: 3/72]



قال ابن منظور ( ت: 711 هـ):


أَخبر أَبو عَلِيٍّ أَن أَبا إسحق ذَهَبَ فِيهِ إِلَى أَنَّ إنَّ هُنَا بِمَعْنَى نَعَمْ، وَهَذَانِ مرفوعٌ بِالِابْتِدَاءِ، وأَنَّ اللامَ فِي لَساحران داخلةٌ عَلَى غَيْرِ ضَرُورَةٍ، وأَن تَقْدِيرَهُ نَعَمْ هَذَانِ هُمَا ساحِران، وَحُكِيَ عَنْ أَبي إسحق أَنه قَالَ: هَذَا هُوَ الَّذِي عِنْدِي فِيهِ، وَاللَّهُ أَعلم. قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَقَدْ بيَّن أَبو عليٍّ فسادَ ذَلِكَ فغَنِينا نَحْنُ عَنْ إِيضَاحِهِ هُنَا. وَفِي التَّهْذِيبِ: وأَما قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: إِنْ هذانِ لَساحِرانِ

، فإنَّ أبا إسحق النَّحْوِيَّ اسْتَقْصى مَا قَالَ فِيهِ النَّحْوِيُّونَ فحَكَيْت كَلَامَهُ. قَالَ: قرأَ المدنيُّون وَالْكُوفِيُّونَ إِلَّا عَاصِمًا: إنَّ هَذَانِ لَساحِران، وَرُوِيَ

عَنْ عَاصِمٍ أَنه قرأَ: إنْ هَذَانِ

، بِتَخْفِيفِ إنْ، وَرُوِيَ

عَنِ الْخَلِيلِ: إنْ هَذَانِ
، بِتَشْدِيدِ إِنَّ ونصْبِ هَذَيْنِ، قال أَبو إسحق: والحجةُ فِي إِنَّ هَذَانِ لساحِران، بِالتَّشْدِيدِ وَالرَّفْعِ، أَن أَبا عُبَيْدَةَ رَوَى عَنْ أَبي الْخَطَّابِ أَنه لغةٌ لكنانةَ، يَجْعَلُونَ أَلفَ الِاثْنَيْنِ فِي الرَّفْعِ وَالنَّصْبِ وَالْخَفْضِ عَلَى لَفْظٍ وَاحِدٍ، يَقُولُونَ: رأَيت الزَّيْدَانَ، وَرَوَى أَهلُ الْكُوفَةِ وَالْكِسَائِيُّ وَالْفَرَّاءُ: أَنها لغة لبني الحرث بْنِ كَعْبٍ، قَالَ: وَقَالَ النَّحْوِيُّونَ القُدَماء: هَاهُنَا هاءٌ مُضْمَرَةٌ، الْمَعْنَى: إِنَّهُ هذانِ لساحِران، قَالَ: وَقَالَ بَعْضُهُمْ إِنَّ فِي مَعْنَى نعَمْ كَمَا تَقَدَّمَ؛ وأَنشدوا لِابْنِ قَيْسِ الرُّقَيَّات:


بَكَرَتْ عليَّ عواذِلي ... يَلْحَيْنَنِي وأَلومُهُنَّهْ

ويَقُلْنَ: شَيْبٌ قدْ علّاكَ، ... وَقَدْ كَبِرْتَ، فقلتُ: إنَّهْ

. أَي إِنَّهُ قَدْ كَانَ كَمَا تَقُلْن؛ قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: وَهَذَا اختصارٌ مِنْ كَلَامِ الْعَرَبِ يُكتفى مِنْهُ بِالضَّمِيرِ لأَنه قَدْ عُلِم مَعْنَاهُ؛ وَقَالَ الْفَرَّاءُ فِي هَذَا: إِنَّهُمْ زَادُوا فِيهَا النونَ فِي التَّثْنِيَةِ وَتَرَكُوهَا عَلَى حَالِهَا فِي الرَّفْعِ وَالنَّصْبِ وَالْجَرِّ، كَمَا فعَلوا فِي الَّذِينَ فَقَالُوا الَّذِي، فِي الرَّفْعِ وَالنَّصْبِ وَالْجَرِّ، قَالَ: فَهَذَا جَمِيعُ مَا قَالَ النَّحْوِيُّونَ فِي الْآيَةِ؛ قال أَبو إسحق: وأَجودُها عِنْدِي أَن إِنَّ وَقَعَتْ مَوْقِعَ نَعَمْ، وأَن اللَّامَ وَقَعتْ موقِعَها، وأَنّ الْمَعْنَى نعَمْ هَذَانِ لَهُمَا سَاحِرَانِ، قَالَ: وَالَّذِي يَلِي هَذَا فِي الجَوْدَة مذهبُ بني كنانة وبَلْحَرِث بن كَعْبٍ، فأَما قراءةُ أَبي عَمْرٍو فَلَا أُجيزُها لأَنها خلافُ الْمُصْحَفِ، قَالَ: وأَستحسن قراءةَ عَاصِمٍ وَالْخَلِيلِ إنْ هَذَانِ لَساحِران. وَقَالَ غيرُه: الْعَرَبُ تَجْعَلُ الْكَلَامَ مُخْتَصَرًا مَا بعْدَه عَلَى إنَّه، وَالْمُرَادُ إِنَّهُ لَكَذَلِكَ، وَإِنَّهُ عَلَى مَا تَقُولُ، قَالَ: وأَما قَوْلُ الأَخفش إنَّه بِمَعْنَى نَعَمْ فَإِنَّمَا يُراد تأْويله لَيْسَ أَنه مَوْضُوعٌ فِي اللُّغَةِ لِذَلِكَ، قَالَ: وَهَذِهِ الْهَاءُ أُدْخِلت لِلسُّكُوتِ. وَفِي حَدِيثِ

فَضالة بْنِ شَريك: أَنه لقِيَ ابنَ الزُّبَيْرِ فَقَالَ: إِنَّ نَاقَتِي قَدْ نَقِبَ خفُّها فاحْمِلْني، فَقَالَ: ارْقَعْها بجِلدٍ واخْصِفْها بهُلْبٍ وسِرْ بِهَا البَرْدَين، فَقَالَ فَضالةُ: إِنَّمَا أَتَيْتُك مُسْتَحْمِلًا لَا مُسْتَوْصِفاً، لَا حَمَلَ اللَّهُ نَاقَةً حمَلتْني إِليك فَقَالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ: إِنَّ وراكِبَها

أَي نعَمْ مَعَ رَاكِبِهَا. وَفِي حَدِيثِ

لَقيط بْنِ عَامِرٍ: وَيَقُولُ رَبُّكَ عَزَّ وَجَلَّ وَإِنَّهُ

أَي وَإِنَّهُ كَذَلِكَ، أَو إِنَّهُ عَلَى مَا تَقُولُ، وَقِيلَ: إنَّ بِمَعْنَى نَعَمْ وَالْهَاءُ لِلْوَقْفِ، فأَما قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ

، وإِنَّا نَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ

، وَنَحْوُ ذَلِكَ فأَصله إنَّنا وَلَكِنْ حُذِفَت إِحْدَى النُّونَين مِنْ إنَّ تَخْفِيفًا، وَيَنْبَغِي أَن تكونَ الثانيةَ مِنْهُمَا لأَنها طرَفٌ، وَهِيَ أَضعف، وَمِنَ الْعَرَبِ مَنْ يُبْدِلُ هَمْزَتَها هَاءً مَعَ اللَّامِ كَمَا أَبدلوها فِي هَرَقْت، فَتَقُولُ: لَهِنَّك لَرَجُلُ صِدْقٍ، قَالَ سِيبَوَيْهِ: وَلَيْسَ كلُّ الْعَرَبِ تَتَكَلَّمُ بِهَا؛ قَالَ الشَّاعِرُ:

أَلا يَا سَنا بَرْقٍ عَلَى قُنَنِ الحِمَى، ... لَهِنّكَ مِنْ بَرْقٍ عليَّ كَرِيمُ

وحِكى ابْنُ الأَعرابي: هِنّك وواهِنّك، وَذَلِكَ عَلَى الْبَدَلِ أَيضاً. التَّهْذِيبُ فِي إِنَّمَا: قَالَ النَّحْوِيُّونَ أَصلها مَا مَنَعت إنَّ مِنَ الْعَمَلِ، وَمَعْنَى إِنَّمَا إثباتٌ لِمَا يُذْكَرُ بَعْدَهَا ونفيٌ لِمَا سِوَاهُ كَقَوْلِهِ:

وَإِنَّمَا يُدافعُ عَنْ أَحسابهم أَنا ومِثْلي

الْمَعْنَى: مَا يُدافع عَنْ أَحسابِهم إِلَّا أَنا أَو مَنْ هُوَ مِثْلي، وأَنَّ: كَإِنَّ فِي التأْكيد، إِلَّا أَنها تَقَعُ مَوْقِعَ الأَسماء وَلَا تُبْدَل همزتُها هَاءً، وَلِذَلِكَ قَالَ سِيبَوَيْهِ: وَلَيْسَ أَنَّ كإنَّ، إنَّ كالفِعْلِ، وأَنَ كالاسْمِ، وَلَا تَدْخُلُ اللامُ مَعَ الْمَفْتُوحَةِ؛ فأَما قِرَاءَةُ.
[ لسان العرب: 13/ 30-32]

وَإِنْ ثَنَّيْتَ ذَا قُلْتَ ذانِ لأَنه لَا يَصِحُّ اجْتِمَاعُهُمَا لِسُكُونِهِمَا فتَسْقُط إِحْدَى الأَلفين، فَمَنْ أَسقط أَلف ذَا قرأَ إنَّ هذَينِ لَساحِرانِ فأَعْرَبَ، وَمَنْ أَسقط أَلف التَّثْنِيَةِ قرأَ


إنَّ هذانِ لساحِرانِ

لأَن أَلف ذَا لَا يَقَعُ فِيهَا إِعْرَابٌ، وَقَدْ قِيلَ: إِنَّهَا على لغة بَلْحَرِثِ ابن كَعْبٍ، قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ عِنْدَ قَوْلِ الْجَوْهَرِيِّ: مَنْ أَسقط أَلف التَّثْنِيَةِ قرأَ

إنَّ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ

، قَالَ: هَذَا وَهْمٌ مِنَ الْجَوْهَرِيِّ لأَن أَلف التَّثْنِيَةِ حَرْفٌ زِيدَ لِمَعْنًى، فَلَا يَسْقُطُ وَتَبْقَى الأَلف الأَصلية كَمَا لَمْ يَسقُط التَّنْوِينُ فِي هَذَا قاضٍ وَتَبْقَى الْيَاءُ الأَصلية، لأَن التَّنْوِينَ زيدَ لِمَعْنًى فَلَا يَصِحُّ حَذْفُهُ، قَالَ: وَالْجَمْعُ أُولاء مِنْ غَيْرِ لَفْظِهِ، فَإِنْ خاطبْتَ جئْتَ بِالْكَافِ فَقُلْتَ ذاكَ وَذَلِكَ، فَاللَّامُ ائِدَةٌ وَالْكَافُ لِلْخِطَابِ، وَفِيهَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مَا يُومأُ إِليه بَعِيدٌ وَلَا مَوْضِعَ لَهَا مِنَ الإِعراب، وتُدْخِلُ الْهَاءَ عَلَى ذَاكَ فَتَقُولُ هَذَاكَ زَيدٌ، وَلَا تُدْخِلُها عَلَى ذَلِكَ وَلَا عَلَى أُولئك كَمَا لَمْ تَدْخُل عَلَى تلْكَ، وَلَا تَدْخُل الكافُ عَلَى ذِي لِلْمُؤَنَّثِ، وَإِنَّمَا تَدْخُلُ عَلَى تَا، تَقُولُ تِيكَ وتِلْك، وَلَا تَقُلْ ذِيك فإِنه خطأٌ، وَتَقُولُ فِي التَّثْنِيَةِ: رأَيت ذَيْنِكَ الرِّجُلين، وَجَاءَنِي ذانِكَ الرَّجُلانِ، قَالَ: وَرُبَّمَا قَالُوا ذانِّك، بِالتَّشْدِيدِ. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: مِنَ النَّحْوِيِّينَ مَنْ يَقُولُ ذانِّك، بِتَشْدِيدِ النُّونِ، تَثْنِيةَ ذَلِكَ قُلِبَتِ اللَّامُ نُونًا وأُدْغِمَت النُّونُ فِي النُّونِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ تشديدُ النُّونِ عِوضٌ مِنَ الأَلف الْمَحْذُوفَةِ مِنْ ذَا، وَكَذَلِكَ يَقُولُ فِي اللذانِّ إِنَّ تَشْدِيدَ النُّونِ عِوَضٌ مِنَ الْيَاءِ الْمَحْذُوفَةِ مِنَ الَّذِي، قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: وَإِنَّمَا شَدَّدُوا النُّونَ فِي ذَلِكَ تأْكيداً وَتَكْثِيرًا لِلِاسْمِ لأَنه بَقِيَ عَلَى حَرْفٍ وَاحِدٍ كَمَا أَدخلوا اللَّامَ عَلَى ذَلِكَ، وَإِنَّمَا يَفْعَلُونَ مِثْلَ هَذَا فِي الأَسماء المُبْهَمة لِنُقْصَانِهَا، وَتَقُولُ لِلْمُؤَنَّثِ تانِكَ وتانِّك أَيضاً، بِالتَّشْدِيدِ، وَالْجَمْعُ أُولئك، وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُ حُكْمِ الْكَافِ فِي تَا، وَتَصْغِيرُ ذَاكَ ذَيّاك وَتَصْغِيرُ ذَلِكَ ذَيّالِك؛ وَقَالَ بَعْضُ الْعَرَبِ وقَدِمَ مِنْ سَفَره فَوَجَدَ امرأَته قَدْ وَلَدَتْ غُلَامًا فأَنكره فَقَالَ لَهَا:

لَتَقْعُدِنَّ مَقْعَدَ القَصِيِّ ... مِنِّي ذِي القاذُورةِ المَقْلِيِ

أَو تَحْلِفِي برَبِّكِ العَلِيِّ ... أَنِّي أَبو ذَيّالِكِ الصَّبيِ

قَدْ رابَني بالنَّظَر التُّرْكِيِّ، ... ومُقْلةٍ كمُقْلَةِ الكُرْكِيِ

فَقَالَتْ:

لَا وَالَّذِي رَدَّكَ يَا صَفِيِّي، ... مَا مَسَّني بَعْدَك مِن إنْسِيِ

غيرِ غُلامٍ واحدٍ قَيْسِيِّ، ... بَعْدَ امرأَيْنِ مِنْ بَني عَدِيِ

وآخَرَيْنِ مِنْ بَني بَلِيِّ، ... وَخَمْسَةٍ كَانُوا عَلَى الطَّوِيِ

وسِتَّةٍ جاؤوا مَعَ العَشِيِّ، ... وغيرِ تُرْكِيٍّ وبَصْرَوِيِ

وَتَصْغِيرُ تِلْك تَيَّاكَ؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: صَوَابُهُ تَيّالِكَ، فأَما تَيّاك فَتَصْغِيرُ تِيك. وَقَالَ ابْنُ سِيدَهْ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: ذَا إِشارة إِلى الْمُذَكَّرِ، يُقَالُ ذَا وَذَاكَ، وَقَدْ تُزَادُ اللَّامُ فَيُقَالُ ذَلِكَ. وَقَوْلُهُ تَعَالَى: ذلِكَ الْكِتابُ

؛ قَالَ الزَّجَّاجُ: مَعْنَاهُ هَذا الكتابُ، وَقَدْ تَدْخُلُ عَلَى ذَا هَا الَّتِي للتَّنْبِيه فَيُقَالُ هَذا، قَالَ أَبو عَلِيٍّ: وأَصله ذَيْ فأَبدلوا يَاءَهُ أَلفاً، وَإِنْ كَانَتْ سَاكِنَةً، وَلَمْ يَقُولُوا ذَيْ لِئَلَّا يُشْبِهَ كَيْ وأَيْ، فأَبدلوا يَاءَهُ أَلفاً لِيلْحَقَ بِبَابِ مَتَى وَإِذْ أَو يَخْرُجَ مِنْ شَبَه الحَرْفِ بعضَ الخُروج. وَقَوْلُهُ تَعَالَى:

إنَّ هَذانِ لَساحِرانِ

؛ قَالَ الْفَرَّاءُ: أَراد يَاءَ النَّصْبِ ثُمَّ حَذَفَهَا لِسُكُونِهَا وَسُكُونِ الأَلف قَبْلَها، وَلَيْسَ ذَلِكَ بِالْقَوِيِّ، وذلِك أَن الْيَاءَ هِيَ الطَّارِئَةُ عَلَى الأَلف فَيَجِبُ أَن تُحْذَفَ الأَلف لِمَكَانِهَا، فأَما مَا أَنشده اللِّحْيَانِيُّ عَنِ الْكِسَائِيِّ لِجَمِيلٍ مِنْ قَوْلِهِ:

وأَتَى صَواحِبُها فَقُلْنَ: هَذَا الَّذي ... مَنَحَ المَوَدَّةَ غَيْرَنا وجَفانا

فإِنه أَراد أَذا الَّذِي، فأَبدل الْهَاءَ مِنَ الْهَمْزَةِ. وَقَدِ استُعْمِلت ذَا مَكَانَ الَّذِي كَقَوْلِهِ تعالى: وَيَسْئَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ

؛ أَي مَا الَّذِي يُنْفِقُونَ فِيمَنْ رَفَعَ الْجَوَابَ فَرَفْعُ العَفْوِ يَدُلُّ عَلَى أَن مَا مَرْفُوعَةٌ بِالِابْتِدَاءِ وَذَا خَبَرُهَا ويُنْفِقُون صِلةُ ذَا، وأَنه لَيْسَ مَا وَذَا جَمِيعًا كَالشَّيْءِ الْوَاحِدِ، هَذَا هُوَ الْوَجْهُ عِنْدَ سِيبَوَيْهِ، وإِن كَانَ قَدْ أَجاز الوجهَ الْآخَرَ مَعَ الرَّفْعِ. وَذِي، بِكَسْرِ الذَّالِ، لِلْمُؤَنَّثِ وَفِيهِ لُغاتٌ: ذِي وذِهْ، الْهَاءُ بَدَلٌ مِنَ الْيَاءِ، الدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُمْ فِي تَحْقِيرِ ذَا ذَيّا، وذِي إِنَّمَا هِيَ تأْنيث ذَا وَمِنْ لَفْظِهِ، فَكَمَا لَا تَجِب الْهَاءُ فِي الْمُذَكَّرِ أَصلًا فَكَذَلِكَ هِيَ أَيضاً فِي الْمُؤَنَّثِ بَدَلٌ غيرُ أَصْلٍ، وَلَيْسَتِ الْهَاءُ فِي هَذِه وَإِنِ اسْتُفِيدَ مِنْهَا التأْنيث بِمَنْزِلَةِ هَاءِ طَلْحَة وحَمْزَة لأَن الْهَاءَ فِي طَلْحَةَ وَحَمْزَةَ زَائِدَةٌ، وَالْهَاءُ فِي هَذا لَيْسَتْ بِزَائِدَةٍ إِنما هِيَ بَدَلٌ مِنَ الْيَاءِ الَّتِي هِيَ عَيْنُ الْفِعْلِ فِي هَذِي، وأَيضاً فإِنَّ الْهَاءَ فِي حَمْزَةَ نَجِدُهَا فِي الْوَصْلِ تَاءً وَالْهَاءُ فِي هَذِهِ ثابِتةٌ فِي الْوَصْلِ ثَباتَها فِي الْوَقْفِ. وَيُقَالُ: ذِهِي، الْيَاءُ لِبَيَانِ الْهَاءِ شَبَّهَهَا بِهَاءِ الإِضمار فِي بِهِي وهَذِي وهَذِهِي وهَذِهْ، الْهَاءُ فِي الْوَصْلِ وَالْوَقْفِ ساكنةٌ إِذا لَمْ يَلْقَهَا سَاكِنٌ، وَهَذِهِ كُلُّهَا فِي مَعْنَى ذِي؛ عَنِ ابْنِ الأَعرابي؛ وأَنشد:

قُلْتُ لَها: يَا هَذِهي هَذَا إِثِمْ، ... هَلْ لَكِ فِي قاضٍ إِلَيْهِ نَحْتَكِمْ؟

وَيُوصَلُ ذَلِكَ كُلُّهُ بِكَافِ الْمُخَاطَبَةِ. قَالَ ابْنُ جِنِّي: أَسماء الإِشارة هَذا وهذِه لَا يَصِحُّ تَثْنِيَةُ شَيْءٍ مِنْهَا مِنْ قِبَلِ أَنَّ التَّثْنِيَةَ لَا تَلْحَقُ إِلا النَّكِرَةَ، فَمَا لَا يَجُوزُ تَنْكِيرُهُ فَهُوَ بأَن لَا تَصِحَّ تَثْنِيَتُهُ أَجْدَرُ، فأَسْماء الإِشارة لَا يَجُوزُ أَن تُنَكَّر فَلَا يَجُوزُ أَن يُثَنَّى شَيْءٌ مِنْهَا، أَلا تَرَاهَا بَعْدَ التَّثْنِيَةِ عَلَى حَدِّ مَا كَانَتْ عَلَيْهِ قَبْلَ التَّثْنِيَةِ، وَذَلِكَ نَحْوَ قَوْلِكَ هَذانِ الزَّيْدانِ قائِمَيْن، فَنَصْبُ قائِمَيْن بِمَعْنَى الْفِعْلِ الَّذِي دَلَّتْ عَلَيْهِ الإِشارةُ والتنبيهُ، كَمَا كُنْتَ تَقُولُ فِي الْوَاحِدِ هَذَا زَيْدٌ قَائِمًا، فَتَجِدُ الْحَالَ وَاحِدَةً قَبْلَ التثنيةِ وَبَعْدَهَا، وَكَذَلِكَ قَوْلُكَ ضَرَبْتُ اللَّذَيْنِ قَامَا، تَعرَّفا بِالصِّلَةِ كَمَا يَتَعَرَّفُ بِهَا الْوَاحِدُ كَقَوْلِكَ ضَرَبْتُ الَّذِي قامَ، والأَمر فِي هَذِهِ الأَشياء بَعْدَ التَّثْنِيَةِ هُوَ الأَمر فِيهَا قَبْلَ التَّثْنِيَةِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ سائرُ الأَسماء الْمُثَنَّاةِ نَحْوَ زَيْدٍ وَعَمْرٍو، أَلا تَرَى أَن تَعْرِيفَ زَيْدٍ وَعَمْرٍو إِنما هُوَ بِالْوَضْعِ وَالْعَلَمِيَّةِ؟ فإِذا ثَنَّيْتَهُمَا تَنَكَّرَا فَقُلْتَ عِنْدِي عَمْرانِ عاقِلانِ، فإِن آثَرْتَ التَّعْرِيفَ بالإِضافة أَو بِاللَّامِ فَقُلْتَ الزَّيْدانِ والعَمْرانِ وزَيْداكَ وعَمْراكَ، فَقَدْ تَعَرَّفا بَعْدَ التَّثْنِيَةِ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ تَعَرُّفِهما قَبْلَهَا ولَحِقا بالأَجْناسِ وفارَقا مَا كَانَا عَلَيْهِ مِنْ تَعْرِيفِ العَلَمِيَّةِ والوَضْعِ، فإِذا صَحَّ ذَلِكَ فَيَنْبَغِي أَن تعلمَ أَنَّ هذانِ وهاتانِ إِنما هِيَ أَسماء مَوْضُوعَةٌ لِلتَّثْنِيَةِ مُخْتَرعة لَهَا، وَلَيْسَتْ تَثْنِيَةً لِلْوَاحِدِ عَلَى حَدِّ زَيْدٍ وزَيْدانِ، إِلا أَنها صِيغت عَلَى صُورَةِ مَا هُوَ مُثَنًّى عَلَى الْحَقِيقَةِ فَقِيلَ هذانِ وهاتانِ لِئَلَّا تَخْتَلِفَ التَّثْنِيَةُ، وَذَلِكَ أَنهم يُحافِظون عَلَيْهَا مَا لَا يُحافِظون عَلَى الْجَمْعِ، أَلا تَرَى أَنك تَجِدُ فِي الأَسماء الْمُتَمَكِّنَةِ أَلفاظَ الجُموع مِنْ غَيْرِ أَلفاظِ الْآحَادِ، وَذَلِكَ نَحْوَ رَجُلٍ ونَفَرٍ وامرأَةٍ ونِسْوة وبَعير وإِبلٍ وَوَاحِدٍ وجماعةٍ، وَلَا تَجِدُ فِي التَّثْنِيَةِ شَيْئًا مِنْ هَذَا، إِنَّمَا هِيَ مِنْ لَفْظِ الْوَاحِدِ نَحْوَ زَيْدٍ وَزَيْدَيْنِ وَرَجُلٍ وَرَجُلَيْنِ لَا يَخْتَلِفُ ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ أَيضاً كَثِيرٌ مِنَ الْمَبْنِيَّاتِ عَلَى أَنها أَحق بِذَلِكَ مِنَ الْمُتَمَكِّنَةِ، وَذَلِكَ نَحْوَ ذَا وأُولَى وأُلات وذُو وأُلُو، وَلَا تَجِدُ ذَلِكَ فِي تَثْنِيَتِهَا نَحْوَ ذَا وذانِ وذُو وذَوانِ، فَهَذَا يَدُلُّكَ عَلَى مُحَافَظَتِهِمْ عَلَى التَّثْنِيَةِ وَعِنَايَتِهِمْ بِهَا، أَعني أَن تَخْرُجَ عَلَى صُورَةٍ وَاحِدَةٍ لِئَلَّا تَخْتَلِفَ، وأَنهم بِهَا أَشدُّ عِناية مِنْهُمْ بِالْجَمْعِ، وَذَلِكَ لَمَّا صِيغَتْ لِلتَّثْنِيَةِ أَسْماء مُخْتَرَعة غَيْرُ مُثناة عَلَى الْحَقِيقَةِ كَانَتْ عَلَى أَلفاظ المُثناة تَثْنِيةً حَقِيقَةً، وَذَلِكَ ذانِ وتانِ، وَالْقَوْلُ فِي اللَّذانِ واللَّتانِ كَالْقَوْلِ فِي ذانِ وتانِ. قَالَ ابْنُ جِنِّي: فأَما قَوْلُهُمْ هذانِ وهاتانِ وَفَذَانِكَ فإِنما تُقْلَبُ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ لأَنهم عَوَّضوا مِنْ حَرْفٍ مَحْذُوفٍ، وأَما فِي هذانِ فَهِيَ عِوَضٌ مِنْ أَلف ذَا، وَهِيَ فِي ذانِك عِوَضٌ مِنْ لَامِ ذَلِكَ، وَقَدْ يَحْتَمِلُ أَيضاً أَن تَكُونَ عِوَضًا مِنْ أَلف ذَلِكَ، وَلِذَلِكَ كُتِبَتْ فِي التَّخْفِيفِ بِالتَّاءِ «2» لأَنها حِينَئِذٍ مُلْحَقَةٌ بدَعْد، وإِبدال التَّاءِ مِنَ الْيَاءِ قَلِيلٌ، إِنما جَاءَ فِي قَوْلِهِمْ كَيْتَ وكَيْتَ، وَفِي قَوْلِهِمْ ثِنْتَانِ، وَالْقَوْلُ فِيهِمَا كَالْقَوْلِ فِي كَيْتَ وَكَيْتَ، وَهُوَ مَذْكُورٌ فِي مَوْضِعِهِ. وَذَكَرَ الأَزهري فِي تَرْجَمَةِ حَبَّذا قَالَ: الأَصل حَبُبَ ذَا فأُدغمت إِحدى الباءَين فِي الأُخرى وشُدِّدت، وَذَا إِشارة إِلى مَا يَقْرُبُ مِنْكَ؛ وأَنشد بَعْضُهُمْ:

حَبَّذا رَجْعُها إِلَيْكَ يَدَيْها ... فِي يَدَيْ دِرْعِها تَحُلُّ الإِزارا

كأَنه قَالَ: حَبُبَ ذَا، ثُمَّ تَرْجَمَ عَنْ ذَا فَقَالَ: هُوَ رَجْعُها يَدَيْها إِلى حَلّ تِكَّتها أَي مَا أَحَبَّه، ويَدا دِرْعِها: كُمَّاها. وَفِي صِفَةِ الْمَهْدِيِّ: قُرَشِيٌّ يَمانٍ لَيْسَ مِن ذِي وَلَا ذُو أَي لَيْسَ نَسَبُه نَسَبَ أَذْواء الْيَمَنِ، وَهُمْ مُلوكُ حِمْيَرَ، مِنْهُمْ ذُو يَزَنَ وذُو رُعَيْنٍ؛ وَقَوْلُهُ: قرشيٌّ يَمانٍ أَي قُرَشِيُّ النَّسَب يَمانِي المَنْشإ؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: وَهَذِهِ الْكَلِمَةُ عَيْنُهَا وَاوٌ، وَقِيَاسُ لَامِهَا أَن تَكُونَ يَاءً لأَن بَابَ طَوَى أَكثر مِنْ بَابِ قَوِيَ؛ وَمِنْهُ حَدِيثُ

جَرِيرٍ: يَطْلُع عَلَيْكُمْ رَجل مِنْ ذِي يَمَنٍ عَلَى وجْهِه مَسْحة مِنْ ذِي مَلَكٍ

؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: كَذَا أَورده أَبو عُمَر الزَّاهِدُ وَقَالَ ذِي هَاهُنَا صِلة أَي زائدة.



تَفْسِيرُ ذَاكَ وَذَلِكَ

: التَّهْذِيبُ: قَالَ أَبو الْهَيْثَمِ إِذا بَعُدَ المُشارُ إِليه مِنَ المُخاطَب وَكَانَ المُخاطِبُ بَعِيداً مِمَّنْ يُشِيرُ إِليه زَادُوا كَافًا فَقَالُوا ذَاكَ أَخُوك، وَهَذِهِ الْكَافُ لَيْسَتْ فِي مَوْضِعِ خَفْضٍ وَلَا نَصْبٍ، إِنما أَشبهت كافَ قَوْلِكَ أَخاك وَعَصَاكَ فَتَوَهَّمَ السَّامِعُونَ أَن قَوْلَ الْقَائِلِ ذَاكَ أَخوك كأَنها فِي مَوْضِعِ خَفْضٍ لإِشْباهِها كافَ أَخاك، وَلَيْسَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، إِنما تِلْكَ كَافٌ ضُمت إِلى ذَا لبُعْد ذَا مِنَ الْمُخَاطَبِ، فَلَمَّا دَخَلَ فِيهَا هَذَا اللَّبْسُ زَادُوا فِيهَا لَامًا فَقَالُوا ذَلِكَ أَخُوك، وَفِي الْجَمَاعَةِ أُولئك إِخْوَتُك، فإِن اللَّامَ إِذا دَخَلَتْ ذَهَبَتْ بِمَعْنَى الإِضافة، وَيُقَالُ: هَذَا أَخُوك وَهَذَا أَخٌ لَكَ وَهَذَا لَكَ أَخٌ، فإِذا أَدخلت اللَّامَ فَلَا إِضافة. قَالَ أَبو الْهَيْثَمِ: وَقَدْ أَعلمتك أَنَّ الرَّفْعَ وَالنَّصْبَ وَالْخَفْضَ فِي قَوْلِهِ ذَا سَوَاءٌ، تَقُولُ: مَرَرْتُ بِذَا ورأَيت ذَا وَقَامَ ذَا، فَلَا يَكُونُ فِيهَا عَلَامَةُ رَفْعِ الإِعراب وَلَا خَفْضِهِ وَلَا نَصْبِهِ لأَنه غَيْرُ مُتَمَكِّنٍ، فَلَمَّا ثنَّوا زَادُوا فِي التَّثْنِيَةِ نُونًا وأَبْقَوُا الأَلف فَقَالُوا ذانِ أَخَواك وذانِك أَخَواك؛ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: فَذانِكَ بُرْهانانِ مِنْ رَبِّكَ؛ وَمِنَ الْعَرَبِ مَنْ يشدِّد هَذِهِ النُّونَ فَيَقُولُ ذانِّكَ أَخَواكَ، قَالَ: وَهُمُ الَّذِينَ يَزِيدُونَ اللَّامَ فِي ذَلِكَ فَيَقُولُونَ ذَلِكَ، فَجَعَلُوا هَذِهِ التَّشْدِيدَةَ بَدَلَ اللَّامِ؛ وأَنشد الْمُبَرِّدُ فِي بَابِ ذَا الَّذِي قَدْ مَرَّ آنِفاً:

أَمِنْ زَيْنَبَ ذِي النارُ، ... قُبَيْلَ الصُّبْحِ مَا تَخْبُو

إِذا مَا خَمَدَتْ يُلقى، ... عَلَيها، المَنْدَلُ الرَّطْبُ

قَالَ أَبو الْعَبَّاسِ: ذِي مَعْنَاهُ ذِهْ. يُقَالُ: ذَا عَبْدُ اللَّهِ وَذِي أَمَةُ اللهِ وذِهْ أَمَةُ اللهِ وتِهْ أَمَةُ اللَّهِ وَتَّا أَمَة اللهِ، قَالَ: وَيُقَالُ هَذي هِنْدُ وهاتِه هِندُ وَهَاتَا هِندُ، عَلَى زِيَادَةِ هَا التَّنْبيه، قَالَ: وإِذا صَغَّرْت ذِه قُلْتَ تَيّا تَصْغِيرَ تِه أَو تَا، وَلَا تُصَغَّر ذِهِ عَلَى لَفْظِهَا لأَنك إِذا صغرت ذا قلت ذَيّا، ولو صغرت

مَحْذُوفٍ، وأَما فِي هذانِ فَهِيَ عِوَضٌ مِنْ أَلف ذَا، وَهِيَ فِي ذانِك عِوَضٌ مِنْ لَامِ ذَلِكَ، وَقَدْ يَحْتَمِلُ أَيضاً أَن تَكُونَ عِوَضًا مِنْ أَلف ذَلِكَ، وَلِذَلِكَ كُتِبَتْ فِي التَّخْفِيفِ بِالتَّاءِ «2» لأَنها حِينَئِذٍ مُلْحَقَةٌ بدَعْد، وإِبدال التَّاءِ مِنَ الْيَاءِ قَلِيلٌ، إِنما جَاءَ فِي قَوْلِهِمْ كَيْتَ وكَيْتَ، وَفِي قَوْلِهِمْ ثِنْتَانِ، وَالْقَوْلُ فِيهِمَا كَالْقَوْلِ فِي كَيْتَ وَكَيْتَ، وَهُوَ مَذْكُورٌ فِي مَوْضِعِهِ. وَذَكَرَ الأَزهري فِي تَرْجَمَةِ حَبَّذا قَالَ: الأَصل حَبُبَ ذَا فأُدغمت إِحدى الباءَين فِي الأُخرى وشُدِّدت، وَذَا إِشارة إِلى مَا يَقْرُبُ مِنْكَ؛ وأَنشد بَعْضُهُمْ:

حَبَّذا رَجْعُها إِلَيْكَ يَدَيْها ... فِي يَدَيْ دِرْعِها تَحُلُّ الإِزارا

كأَنه قَالَ: حَبُبَ ذَا، ثُمَّ تَرْجَمَ عَنْ ذَا فَقَالَ: هُوَ رَجْعُها يَدَيْها إِلى حَلّ تِكَّتها أَي مَا أَحَبَّه، ويَدا دِرْعِها: كُمَّاها. وَفِي صِفَةِ الْمَهْدِيِّ: قُرَشِيٌّ يَمانٍ لَيْسَ مِن ذِي وَلَا ذُو أَي لَيْسَ نَسَبُه نَسَبَ أَذْواء الْيَمَنِ، وَهُمْ مُلوكُ حِمْيَرَ، مِنْهُمْ ذُو يَزَنَ وذُو رُعَيْنٍ؛ وَقَوْلُهُ: قرشيٌّ يَمانٍ أَي قُرَشِيُّ النَّسَب يَمانِي المَنْشإ؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: وَهَذِهِ الْكَلِمَةُ عَيْنُهَا وَاوٌ، وَقِيَاسُ لَامِهَا أَن تَكُونَ يَاءً لأَن بَابَ طَوَى أَكثر مِنْ بَابِ قَوِيَ؛ وَمِنْهُ حَدِيثُ

جَرِيرٍ: يَطْلُع عَلَيْكُمْ رَجل مِنْ ذِي يَمَنٍ عَلَى وجْهِه مَسْحة مِنْ ذِي مَلَكٍ

؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: كَذَا أَورده أَبو عُمَر الزَّاهِدُ وَقَالَ ذِي هَاهُنَا صِلة أَي زائدة.



تَفْسِيرُ ذَاكَ وَذَلِكَ

: التَّهْذِيبُ: قَالَ أَبو الْهَيْثَمِ إِذا بَعُدَ المُشارُ إِليه مِنَ المُخاطَب وَكَانَ المُخاطِبُ بَعِيداً مِمَّنْ يُشِيرُ إِليه زَادُوا كَافًا فَقَالُوا ذَاكَ أَخُوك، وَهَذِهِ الْكَافُ لَيْسَتْ فِي مَوْضِعِ خَفْضٍ وَلَا نَصْبٍ، إِنما أَشبهت كافَ قَوْلِكَ أَخاك وَعَصَاكَ فَتَوَهَّمَ السَّامِعُونَ أَن قَوْلَ الْقَائِلِ ذَاكَ أَخوك كأَنها فِي مَوْضِعِ خَفْضٍ لإِشْباهِها كافَ أَخاك، وَلَيْسَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، إِنما تِلْكَ كَافٌ ضُمت إِلى ذَا لبُعْد ذَا مِنَ الْمُخَاطَبِ، فَلَمَّا دَخَلَ فِيهَا هَذَا اللَّبْسُ زَادُوا فِيهَا لَامًا فَقَالُوا ذَلِكَ أَخُوك، وَفِي الْجَمَاعَةِ أُولئك إِخْوَتُك، فإِن اللَّامَ إِذا دَخَلَتْ ذَهَبَتْ بِمَعْنَى الإِضافة، وَيُقَالُ: هَذَا أَخُوك وَهَذَا أَخٌ لَكَ وَهَذَا لَكَ أَخٌ، فإِذا أَدخلت اللَّامَ فَلَا إِضافة. قَالَ أَبو الْهَيْثَمِ: وَقَدْ أَعلمتك أَنَّ الرَّفْعَ وَالنَّصْبَ وَالْخَفْضَ فِي قَوْلِهِ ذَا سَوَاءٌ، تَقُولُ: مَرَرْتُ بِذَا ورأَيت ذَا وَقَامَ ذَا، فَلَا يَكُونُ فِيهَا عَلَامَةُ رَفْعِ الإِعراب وَلَا خَفْضِهِ وَلَا نَصْبِهِ لأَنه غَيْرُ مُتَمَكِّنٍ، فَلَمَّا ثنَّوا زَادُوا فِي التَّثْنِيَةِ نُونًا وأَبْقَوُا الأَلف فَقَالُوا ذانِ أَخَواك وذانِك أَخَواك؛ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: فَذانِكَ بُرْهانانِ مِنْ رَبِّكَ؛ وَمِنَ الْعَرَبِ مَنْ يشدِّد هَذِهِ النُّونَ فَيَقُولُ ذانِّكَ أَخَواكَ، قَالَ: وَهُمُ الَّذِينَ يَزِيدُونَ اللَّامَ فِي ذَلِكَ فَيَقُولُونَ ذَلِكَ، فَجَعَلُوا هَذِهِ التَّشْدِيدَةَ بَدَلَ اللَّامِ؛ وأَنشد الْمُبَرِّدُ فِي بَابِ ذَا الَّذِي قَدْ مَرَّ آنِفاً:

أَمِنْ زَيْنَبَ ذِي النارُ، ... قُبَيْلَ الصُّبْحِ مَا تَخْبُو

إِذا مَا خَمَدَتْ يُلقى، ... عَلَيها، المَنْدَلُ الرَّطْبُ

قَالَ أَبو الْعَبَّاسِ: ذِي مَعْنَاهُ ذِهْ. يُقَالُ: ذَا عَبْدُ اللَّهِ وَذِي أَمَةُ اللهِ وذِهْ أَمَةُ اللهِ وتِهْ أَمَةُ اللَّهِ وَتَّا أَمَة اللهِ، قَالَ: وَيُقَالُ هَذي هِنْدُ وهاتِه هِندُ وَهَاتَا هِندُ، عَلَى زِيَادَةِ هَا التَّنْبيه، قَالَ: وإِذا صَغَّرْت ذِه قُلْتَ تَيّا تَصْغِيرَ تِه أَو تَا، وَلَا تُصَغَّر ذِهِ عَلَى لَفْظِهَا لأَنك إِذا صغرت ذا قلت ذَيّا، ولو صغرت

[ لسان العرب: 15/ 449-453]


قال شرف الدين الحسين بن عبد الله الطيبي (ت: 743 هـ):


قرأ أبو عمرو (إِنْ هذانِ لَساحِرانِ) على الجهة الظاهرة المكشوفة. وابن كثير وحفص: (إن هذان لساحران)، على قولك: إن زيد لمنطلق. واللام هي الفارقة بين (إن) النافية والمخففة من الثقيلة.

وقرأ أبىّ: (إن ذان إلا ساحران). وقرأ ابن مسعود: (أن هذان ساحران): بفتح (أن) وبغير لام، بدل من (النجوى). وقيل في القراءة المشهورة (إِنْ هذانِ لَساحِرانِ) هي لغة بلحارث بن كعب، جعلوا الاسم المثنى نحو الأسماء التي آخرها ألف، كعصا وسعدى، فلم يقلبوها ياء في الجر والنصب.
وقال بعضهم: "إِنْ" بمعنى نعم. و (ساحِرانِ) خبر مبتدأ محذوف، واللام داخلة على الجملة تقديره: لهما ساحران. وقد أعجب به أبو إسحاق.
[ حاشية الطيبي على الكشاف: 10/ 197-199]






قال أبو حيان محمد بن يوسف الأندلسي (ت: 745هـ):
وقَرَأ أبُو جَعْفَرٍ والحَسَنُ وشَيْبَةُ والأعْمَشُ وطَلْحَةُ وحُمَيْدٌ وأيُّوبُ وخَلَفٌ في اخْتِيارِهِ وأبُو عُبَيْدٍ وأبُو حاتِمٍ وابْنُ عِيسى الأصْبَهانِيُّ وابْنُ جَرِيرٍ وابْنُ جُبَيْرٍ الأنْطاكِيُّ والأخَوانِ والصّاحِبانِ مِنَ السَّبْعَةِ (إنَّ) بِتَشْدِيدِ النُّونِ (هَذانِ) بِألِفٍ ونُونٍ خَفِيفَةٍ ﴿لَساحِرانِ﴾ واخْتُلِفَ في تَخْرِيجِ هَذِهِ القِراءَةِ. فَقالَ القُدَماءُ مِنَ النُّحاةِ إنَّهُ عَلى حَذْفِ ضَمِيرِ الشَّأْنِ، والتَّقْدِيرُ إنَّهُ هَذانِ لَساحِرانِ، وخَبَرُ (إنَّ) الجُمْلَةُ مِن قَوْلِهِ (هَذانِ لَساحِرانِ) واللّامُ في ﴿لَساحِرانِ﴾ داخِلَةٌ عَلى خَبَرِ المُبْتَدَأِ، وضُعِّفَ هَذا القَوْلُ بِأنَّ حَذْفَ هَذا الضَّمِيرِ لا يَجِيءُ إلّا في الشِّعْرِ، وبِأنَّ دُخُولَ اللّامِ في الخَبَرِ شاذٌّ.
وقالَ الزَّجّاجُ: اللّامُ لَمْ تَدْخُلْ عَلى الخَبَرِ بَلِ التَّقْدِيرُ لَهُما ساحِرانِ فَدَخَلَتْ عَلى المُبْتَدَأِ المَحْذُوفِ، واسْتَحْسَنَ هَذا القَوْلَ شَيْخُهُ أبُو العَبّاسِ المُبَرِّدُ والقاضِي إسْماعِيلُ بْنُ إسْحاقَ بْنِ حَمّادِ بْنِ زَيْدٍ. وقِيلَ: (ها) ضَمِيرُ القِصَّةِ ولَيْسَ مَحْذُوفًا، وكانَ يُناسِبُ عَلى هَذا أنْ تَكُونَ مُتَّصِلَةً في الخَطِّ فَكانَتْ كِتابَتُها ﴿إنْ هَذانِ لَساحِرانِ﴾ وضُعِّفَ ذَلِكَ مِن جِهَةِ مُخالَفَتِهِ خَطَّ المُصْحَفِ. وقِيلَ (إنْ) بِمَعْنى نَعَمْ، وثَبَتَ ذَلِكَ في اللُّغَةِ فَتُحْمَلُ الآيَةُ عَلَيْهِ و﴿هَذانِ لَساحِرانِ﴾ مُبْتَدَأٌ وخَبَرٌ، واللّامُ في ﴿لَساحِرانِ﴾ عَلى ذَيْنَكِ التَّقْدِيرَيْنِ في هَذا التَّخْرِيجِ، والتَّخْرِيجُ الَّذِي قَبْلَهُ، وإلى هَذا ذَهَبَ المُبَرِّدُ وإسْماعِيلُ بْنُ إسْحاقَ وأبُو الحَسَنِ الأخْفَشُ الصَّغِيرُ، والَّذِي نَخْتارُهُ في تَخْرِيجِ هَذِهِ القِراءَةِ أنَّها جاءَتْ عَلى لُغَةِ بَعْضِ العَرَبِ مِن إجْراءِ المُثَنّى بِالألِفِ دائِمًا وهي لُغَةٌ لِكِنانَةَ، حَكى ذَلِكَ أبُو الخَطّابِ، ولِبَنِي الحارِثِ بْنِ كَعْبٍ، وخَثْعَمٍ وزُبَيْدٍ وأهْلِ تِلْكَ النّاحِيَةِ، حُكِيَ ذَلِكَ عَنِ الكِسائِيِّ، ولِبَنِي العَنْبَرِ وبَنِي الهُجَيْمِ ومُرادٍ وعُذْرَةَ. وقالَ أبُو زَيْدٍ: سَمِعْتُ مِنَ العَرَبِ مَن يَقْلِبُ كُلَّ ياءٍ يَنْفَتِحُ ما قَبْلَها ألِفًا.
وقَرَأ أبُو بَحْرِيَّةَ وأبُو حَيْوَةَ والزُّهْرِيُّ وابْنُ مُحَيْصِنٍ وحُمَيْدٌ وابْنُ سَعْدانَ وحَفْصٌ وابْنُ كَثِيرٍ (إنْ) بِتَخْفِيفِ النُّونِ هَذا بِالألِفِ، وشَدَّدَ نُونَ ﴿هَذانِ﴾ ابْنُ كَثِيرٍ، وتَخْرِيجُ هَذِهِ القِراءَةِ واضِحٌ وهو عَلى أنَّ (إنْ) هي المُخَفَّفَةُ مِنَ الثَّقِيلَةِ و(هَذانِ) مُبْتَدَأٌ و﴿لَساحِرانِ﴾ الخَبَرُ واللّامُ لِلْفَرْقِ بَيْنَ إنِ النّافِيَةِ وإنِ المُخَفِّفَةِ مِنَ الثَّقِيلَةِ عَلى رَأْيِ البَصْرِيِّينَ، والكُوفِيُّونَ يَزْعُمُونَ أنَّ: (إنْ) نافِيَةٌ واللّامُ بِمَعْنى إلّا. وقَرَأتْ فِرْقَةٌ: إنْ ذانِ لَساحِرانِ، وتَخْرِيجُها كَتَخْرِيجِ القِراءَةِ الَّتِي قَبْلَها، وقَرَأتْ عائِشَةُ والحَسَنُ والنَّخَعِيُّ والجَحْدَرِيُّ والأعْمَشُ وابْنُ جُبَيْرٍ وابْنُ عُبَيْدٍ وأبُو عَمْرٍو (إنَّ هَذَيْنِ) بِتَشْدِيدِ نُونِ إنَّ وبِالياءِ في هَذَيْنِ بَدَلَ الألِفِ، وإعْرابُ هَذا واضِحٌ إذْ جاءَ عَلى المَهْيَعِ المَعْرُوفِ في التَّثْنِيَةِ لِقَوْلِهِ ﴿فَذانِكَ بُرْهانانِ﴾ [القصص: ٣٢] ﴿إحْدى ابْنَتَيَّ هاتَيْنِ﴾ [القصص: ٢٧] بِالألِفِ رَفْعًا والياءِ نَصْبًا وجَرًّا. وقالَ الزَّجّاجُ: لا أُجِيزُ قِراءَةَ أبِي عَمْرٍو لِأنَّها خِلافُ المُصْحَفِ. وقالَ أبُو عُبَيْدٍ: رَأيْتُها في الإمامِ مُصْحَفِ عُثْمانَ هَذَنِ لَيْسَ فِيها ألِفٌ، وهَكَذا رَأيْتُ رَفْعَ الِاثْنَيْنِ في ذَلِكَ المُصْحَفِ بِإسْقاطِ الألِفِ، وإذا كَتَبُوا النَّصْبَ والخَفْضَ كَتَبُوهُ بِالياءِ ولا يُسْقِطُونَها، وقالَتْ جَماعَةٌ مِنهم عائِشَةُ وأبُو عَمْرٍو: هَذا مِمّا لَحَنَ الكاتِبُ فِيهِ وأُقِيمَ بِالصَّوابِ.
وقَرَأ عَبْدُ اللَّهِ (إنْ ذانِ إلّا ساحِرانِ) قالَهُ ابْنُ خالَوَيْهِ وعَزاها الزَّمَخْشَرِيُّ لِأُبَيٍّ. وقالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: (أنْ هَذانِ ساحِرانِ) بِفَتْحِ أنْ وبِغَيْرِ لامٍ بَدَلٌ مِنَ ﴿النَّجْوى﴾ انْتَهى. وقَرَأتْ فِرْقَةٌ (ما هَذا إلّا ساحِرانِ)، وقَوْلُهم ﴿يُرِيدانِ أنْ يُخْرِجاكم مِن أرْضِكم بِسِحْرِهِما﴾ تَبِعُوا فِيهِ مَقالَةَ فِرْعَوْنَ ﴿أجِئْتَنا لِتُخْرِجَنا مِن أرْضِنا بِسِحْرِكَ﴾ [طه: ٥٧] ونَسَبُوا السِّحْرَ أيْضًا لِهارُونَ لَمّا كانَ مَشْتَرِكًا مَعَهُ في الرِّسالَةِ وسالِكًا طَرِيقَتَهُ، وعَلَّقُوا الحُكْمَ عَلى الإرادَةِ وهم لا اطِّلاعَ لَهم عَلَيْها تَنْقِيصًا لَهُما وحَطًّا مِن قَدْرِهِما، وقَدْ كانَ ظَهَرَ لَهم مِن أمْرِ اليَدِ والعَصا ما يَدُلُّ عَلى صِدْقِهِما، وعَلِمُوا أنَّهُ لَيْسَ في قُدْرَةِ السّاحِرِ أنْ يَأْتِيَ بِمِثْلِ ذَلِكَ، والظّاهِرُ أنَّ الضَّمِيرَ في ﴿قالُوا﴾ عائِدٌ عَلى السَّحَرَةِ، خاطَبَ بَعْضُهم بَعْضًا. وقِيلَ: خاطَبُوا فِرْعَوْنَ مُخاطَبَةَ التَّعْظِيمِ، والطَّرِيقَةُ السِّيرَةُ والمَمْلَكَةُ والحالُ الَّتِي هم عَلَيْها مُخَالَفَتِهِ خَطَّ الْمُصْحَفِ. وَقِيلَ إِنْ بِمَعْنَى نَعَمْ، وَثَبَتَ ذَلِكَ فِي اللُّغَةِ فَتُحْمَلُ الآية عليه وهذانِ لَساحِرانِ مُبْتَدَأٌ وَخَبَرٌ وَاللَّامُ فِي لَساحِرانِ عَلَى ذَيْنَكِ التَّقْدِيرَيْنِ فِي هَذَا التَّخْرِيجِ، وَالتَّخْرِيجُ الَّذِي قَبْلَهُ وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ الْمُبَرِّدُ وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ وَأَبُو الْحَسَنِ الْأَخْفَشُ الصَّغِيرُ، وَالَّذِي نَخْتَارُهُ فِي تَخْرِيجِ هَذِهِ الْقِرَاءَةِ أَنَّهَا جَاءَتْ عَلَى لُغَةِ بَعْضِ الْعَرَبِ مِنْ إِجْرَاءِ الْمُثَنَّى بِالْأَلِفِ دَائِمًا وَهِيَ لُغَةٌ لِكِنَانَةَ حَكَى ذَلِكَ أَبُو الْخَطَّابِ، وَلِبَنِي الْحَارِثِ بْنِ كَعْبٍ وَخَثْعَمٍ وَزُبَيْدٍ وَأَهْلِ تِلْكَ النَّاحِيَةِ حُكِيَ ذَلِكَ عَنِ الْكِسَائِيِّ، وَلِبَنِي الْعَنْبَرِ وَبَنِي الْهُجَيْمِ وَمُرَادٍ وَعُذْرَةَ. وَقَالَ أَبُو زَيْدٍ: سَمِعْتُ مِنَ الْعَرَبِ مَنْ يَقْلِبُ كُلَّ يَاءٍ يَنْفَتِحُ مَا قَبْلَهَا أَلِفًا.


وَقَرَأَ أَبُو بَحْرِيَّةَ وَأَبُو حَيْوَةَ وَالزُّهْرِيُّ وَابْنُ مُحَيْصِنٍ وَحُمَيْدٌ وَابْنُ سَعْدَانَ وَحَفْصٌ وَابْنُ كَثِيرٍ إِنْ بِتَخْفِيفِ النُّونِ هَذَا بِالْأَلِفِ وَشَدَّدَ نُونَ هذانِ ابْنُ كَثِيرٍ، وَتَخْرِيجُ هَذِهِ الْقِرَاءَةِ وَاضِحٌ وَهُوَ عَلَى أَنَّ أَنْ هِيَ الْمُخَفَّفَةُ مِنَ الثقيلة وهذانِ مبتدأ ولَساحِرانِ الْخَبَرُ وَاللَّامُ لِلْفَرْقِ بَيْنَ إِنِ النَّافِيَةِ وَإِنِ الْمُخَفِّفَةِ من الثقيلة وهذانِ مبتدأ ولَساحِرانِ الْخَبَرُ وَاللَّامُ لِلْفَرْقِ بَيْنَ إِنِ النَّافِيَةِ وَإِنِ الْمُخَفِّفَةِ مِنَ الثَّقِيلَةِ عَلَى رَأْيِ البصريين والكوفيين، يَزْعُمُونَ أَنَّ إِنْ نَافِيَةً وَاللَّامُ بِمَعْنَى إِلَّا. وَقَرَأَتْ فِرْقَةٌ إِنْ ذَانِ لَسَاحِرَانِ وَتَخْرِيجُهَا كَتَخْرِيجِ الْقِرَاءَةِ الَّتِي قَبْلَهَا، وَقَرَأَتْ عَائِشَةُ وَالْحَسَنُ وَالنَّخَعِيُّ وَالْجَحْدَرِيُّ وَالْأَعْمَشُ وَابْنُ جُبَيْرٍ وَابْنُ عُبَيْدٍ وَأَبُو عَمْرٍو إِنَّ هَذَيْنِ بِتَشْدِيدِ نُونِ إِنَّ وَبِالْيَاءِ فِي هَذَيْنِ بَدَلَ الْأَلِفِ، وَإِعْرَابُ هَذَا وَاضِحٌ إِذْ جَاءَ عَلَى الْمَهْيَعِ الْمَعْرُوفِ فِي التَّثْنِيَةِ لِقَوْلِهِ فَذانِكَ بُرْهانانِ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هاتَيْنِ «1» بِالْأَلِفِ رَفْعًا وَالْيَاءِ نَصْبًا وَجَرًّا. وَقَالَ الزَّجَّاجُ: لَا أُجِيزُ قِرَاءَةَ أَبِي عَمْرٍو لِأَنَّهَا خِلَافُ الْمُصْحَفِ. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ:

رَأَيْتُهَا فِي الْإِمَامِ مُصْحَفِ عُثْمَانَ هَذَنِ لَيْسَ فِيهَا أَلِفٌ، وَهَكَذَا رَأَيْتُ رَفْعَ الِاثْنَيْنِ فِي ذَلِكَ الْمُصْحَفِ بِإِسْقَاطِ الْأَلِفِ، وَإِذَا كَتَبُوا النَّصْبَ وَالْخَفْضَ كَتَبُوهُ بِالْيَاءِ وَلَا يُسْقِطُونَهَا، وَقَالَتْ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ عَائِشَةُ وَأَبُو عَمْرٍو: هَذَا مِمَّا لَحَنَ الْكَاتِبُ فِيهِ وَأُقِيمَ بِالصَّوَابِ.

وَقَرَأَ عَبْدُ اللَّهِ إِنَّ ذَانِ إِلَّا سَاحِرَانِ قَالَهُ ابْنُ خَالَوَيْهِ وَعَزَاهَا الزَّمَخْشَرِيُّ لِأُبَيٍّ. وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: إِنَّ هَذَانِ سَاحِرَانِ بِفَتْحِ أَنْ وَبِغَيْرِ لَامٍ بَدَلٌ مِنَ النَّجْوى انْتَهَى.
[ البحر المحيط : 7:349-350]



قال أبو العباس شهاب الدين أحمد بن يوسف (السمين الحلبي) ( ت:756 هـ) :
إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصَارَى مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (69)




أبينُ هؤلاء المعدودين ضلالاً وأشدُّهم عتياً، وما سُمُّوا صابئين إلا أنهم صَبَؤوا على الأديان كلها أي: خَرَجوا، كما أن الشاعر قدَّم قولَه:» وأنتم «تنبيهاً على أن المخاطبين أوغل في الوصف بالبغي من قومِه، حيث عاجل به قبل الخبر الذي هو» بُغاةٌ «؛ لئلا يدخُلَ قومُه في البغي قبلهم مع كونِهم أوغَل فيه منهم وأثبت قدماً. فإن قلت: فلو قيل:» والصابئين وإياكم «لكانَ التقديمُ حاصلاً. قلت: لو قيل هكذا لم يَكُنْ من التقديم في شيء لأنه لا إزالةَ فيه عن موضعه، وإنما يُقال مقدمٌ ومؤخرٌ للمُزال لا للقارِّ في مكانه، وتجري هذه الجملة مَجْرى الاعتراض» .

الوجه الثاني: أن «إنَّ» بمعنى نعم فهي حرفُ جوابٍ، ولا محلَّ لها حينئذ، وعلى هذا فما بعدها مرفوعُ المحلِّ على الابتداء، وما بعده معطوفٌ عليه بالرفع، وخبرُ الجميع قوله: {مَنْ آمَنَ} إلى آخره، وكونُها بمعنى «نعم» قولٌ مرجوح، قال به بعضُ النحويين، وجَعَل من ذلك قول تعالى: {إِنْ هذان لَسَاحِرَانِ} [طه: 63] في قراءةِ مَنْ قرأه بالألف، وفي الآية كلامٌ طويل يأتي إنْ شاء الله تعالى في موضعِه، وجعل منه أيضاً قولَ عبد الله بن الزبير: «إنَّ وصاحبُها» جواباً لمن قال له: «لَعَن الله ناقة حملتني إليك» أي: نعم وصاحبُها، وجَعَلَ منه قولَ الآخر:

177 - 2- بَرَزَ الغواني في الشبا ... بِ يَلُمْنَني وألومُهُنَّهْ

ويَقُلْنَ شَيْبٌ قد عَلا ... كَ وقد كَبِرْتَ فقلتُ إنَّهْ
أي: نعم والهاءُ للسكت، وأُجيب بأنَّ الاسمَ والخبرَ محذوفان في قولِ ابن الزبير، وبقي المعطوفُ على الاسمِ دليلاً عليه، والتقدير: إنها وصاحبها معلونان، وتقدير البيت: إنه كذلك، وعلى تقديرِ أن تكونَ بمعنى «نعم» فلا يَصِحُّ هنا جَعْلُها بمعناها؛ لأنها لم يتقدَّمْها شيء تكون جواباً له، و «نعم» لا تقع ابتداءَ كلام، إنما تقع جواباً لسؤال فتكونُ تصديقاً له. ولقائل أن يقولَ: «يجوزُ أن يكونَ ثَمَّ سؤالٌ مقدر، وقد ذكروا ذلك في مواضع كثيرةٍ منها قولُه تعالى: {لاَ أُقْسِمُ} [القيامة: 1] {لاَ جَرَمَ} [هود: 22] ، قالوا: يُحتمل أن يكونَ رَدَّاً لقائلِ كيتَ وكيتَ.


[ الدر المصون: 4/-355-356]



قوله: {إِنْ هذان} : اختلف القُرَّاءُ في هذه الآيةِ الكريمة: فقرأ ابن كثيرٍ وحدَه «إنْ هذانِّ» بتخفيف إنْ، والألفِ، وتشديدِ النون. وحفصٌ كذلك إلاَّ أنه خَفَّف نونَ «هذانٍ» . وقرأ أبو عمرو «إنَّ» بالتشديد «هذين» بالياء وتخفيفِ النون. والباقون كذلك إلاَّ أنهم قَرَؤوا/ «هذان» بالألف.
فأَمَّا القراءةُ الأولى وهي قراءةُ ابنِ كثير وحفص فأوضحُ القراءاتِ معنىً ولفظاً وخَطَّاً؛ وذلك أنهما جعلا «إنْ» المخففةَ من الثقيلة فَأُهْمِلَتْ، ولَمَّا أُهْمِلَتْ كما هو الأفصحُ مِنْ وجهيها خِيْفَ التباسُها بالنافية فجيء باللامِ فارقةً في الخبر. ف «هذان» مبتدأٌ، و «لَساحران» خبرُه، ووافَقَتْ خَطَّ المصحفِ؛ فإن الرسم «هذن» بدونِ ألفٍ ولا ياءٍ وسيأتي بيانُ ذلك.
وأمَّا تشديدُ نونِ «هذان» فعلى ما تقدَّم في سورةِ النساءِ، وقد أَتْقَنتُ ذلك هناك.
وأمَّا الكوفيون فيزعمون أنَّ «إنْ» نافيةٌ بمعنى ما، واللامُ بمعنى إلاَّ، وهو خلافٌ مشهورٌ وقد وافقَ تخريجُهم هنا قراءةَ بعضِهم «ما هذانِ إلاَّ ساحران» .
وأمَّا قراءةُ أبي عمروٍ فواضحةٌ من حيث الإِعرابُ والمعنى. أمَّا الإِعرابُ ف «هذَيْن» اسمُ «إنَّ» وعلامةُ نصبِه الياءُ. و «لَساحِران» خبرُها، ودخَلَتِ اللام توكيداً. وأمَّا مِنْ حيث المعنى: فإنَّهم أَثْبتوا لهما السحرَ بطريق تأكيديٍّ من طرفيه، ولكنهم استشكلُوها من حيث خَطُّ المصحفِ؛ وذلك أنَّ رَسْمَه «هذن» بدونِ ألفٍ ولا ياءٍ، فإثباتُه بالياءِ زيادةٌ على خطِّ المصحفِ. قال أبو إسحاق: «لا أُجيز قراءةَ أبي عمرو لأنَّها خلافُ المصحفِ» . وقال أبو عبيد: «رأيتُهما في الإِمام مصحفِ عثمان» هذن «ليس فيها ألفٌ، وهكذا رأيتُ رفعَ الاثنين في ذلك المصحفِ بإسقاط الألفِ، وإذا كتبوا النصبَ والخفضَ كتبُوه بالياء، ولا يُسْقِطونها» .
قلت: وهذا لا ينبغي أَنْ يُرَدَّ به على أبي عمرو، وكم جاء في الرسم أشياءُ خارجةٌ عن القياسِ، وقد نَصُّوا هم أنه لا يجوزُ القراءةُ بها فليكنْ هذا منها، أعني ممَّا خَرَجَ عن القياس. فإن قلتَ: ما نَقَلْتَه عن أبي عبيد مشتركُ الإِلزامِ بين أبي عمروٍ وغيرِه، فإنهم كما اعترضوا عليه بزيادةِ الياء يُعْترض عليهم بزيادةِ الألفِ: فإنَّ الألفَ ثابتةٌ في قراءتِهم، ساقطةٌ من خَطِّ المصحفِ. فالجواب ما تقدَّم مِنْ قولِ أبي عبيدٍ أنهم رآهم يُسْقِطون الألفَ مِنْ رفع الاثنين، فإذا كتُبوا النصبَ والخفضَ كتبُوه بالياء.
وذهب جماعةٌ منهم عائشةُ رضي الله عنها وأبو عمروٍ إلى أن هذا ممّا لَحَنَ فيه الكاتبُ وأُقيم بالصواب.
يَعْنُون أنه كان مِنْ حقه أن يكتبَه بالياءِ فلم يفعلْ، فلم يقرَأْه الناسُ إلاَّ بالياءِ على الصوابِ.
وأمَّا قراءةُ الباقين ففيها أوجه، أحدُها: أن «إنَّ» بمعنى نَعَمْ، و «هذان» مبتدأٌ، و «لَساحران» خبرُه، وكَثُرَ ورودُ «إنَّ» بمعنى نعم وأنشدوا:
3297 -
بَكَرَ العَواذِلُ في المَشِيْ ... بِ يَلُمْنَني وأَلوْمُهُنَّهْ
ويَقلْن شَيْبٌ قد عَلا ... كَ وقد كَبِرْتَ فقلتُ إنَّهْ
أي: فقلت: نَعَمْ. والهاءُ للسَّكْتِ. وقال رجلٌ لابن الزبير: لَعَن اللهُ ناقةً حَمَلَتْني إليكَ. فقال: «إنَّ وصاحبَها» أي: نعم. ولَعَنَ صاحبَها. وهذا رأيُ المبردِ وعلي بن سليمان في آخرين. وهو مردودٌ من وجهين، أحدهما: عدمُ ثبوتِ «إنَّ» بمعنى نعم، وما أوردُه مُؤَوَّلٌ: أمَّا البيتُ فإنّ الهاءَ اسمُها، والخبرَ محذوفٌ لفهمِ المعنى تقديرُه: إنه كذلك. وأمَّا قولُ ابنِ الزبير فذلك مِنْ حَذْفِ المعطوفِ عليه وإبقاءِ المعطوف وحَذْفِ خبر «إنَّ» للدلالةِ عليه، تقديره: إنَّها وصاحَبها ملعونان، وفيه تكلُّفٌ لا يَخْفَى والثاني: دخولُ اللامِ على خبرِ المبتدأ غيرِ المؤكَّد ب «إنَّ» المكسورةِ، لأَنَّ مثلَه لا يقعُ إلاَّ ضرورةً كقولِه:
3298 -
أمُّ الحُلَيْسِ لَعَجُوْزٌ شَهْرَبَهْ ... تَرْضَى من اللحمِ بعظمِ الرَّقَبَهْ
وقد يُجاب عنه: بأنَّ «لَساحِران» يجوزُ أَنْ يكونَ خبرَ مبتدأ محذوفٍ دَخَلَتْ عليه هذه اللامُ تقديرُه: لهما ساحران. وقد فعل ذلك الزجاج كما ستأتي حكايتُه عنه.
الثاني: أنَّ اسمَها ضميرُ القصةِ وهو «ها» التي قبل «ذان» وليست ب «ها» التي للتنبيهِ الداخلةِ على أسماءِ الإِشارةِ، والتقدير: إنَّ القصةَ ذانِ لساحران. وقد رَدُّوا هذا من وجهين، أحدهما: من جهةِ الخَطِّ، وهو أنه لو كان كذلك لكان ينبغي أن تُكتبَ «إنها» فيصِلوا الضميرَ بالحرفِ قبلَه كقوله تعالى: {فَإِنَّهَا لاَ تَعْمَى الأبصار} [الحج: 46] فكَتْبُهم إياها مفصولةً من «إنَّ» متصلةً باسمِ الإِشارة يمنع كونَها ضميراً، وهو واضح. الثاني: أنَّه يؤدِّي إلى دخولِ لامِ الابتداءِ في الخبرِ غيرِ المنسوخِ. وقد يُجاب عنه بما تقدَّم.
الثالث: أنَّ اسمَها ضميرُ الشأنِ محذوفٌ، والجملةُ من المبتدأ والخبرِ بعدَه في محلِّ رفعٍ خبراً ل «إنَّ» ، التقديرُ: إنَّه، أي: الأمرُ والشأنُ. وقد ضُعِّفَ هذا بوجهين، أحدهما: حَذْفُ اسمِ «إن» ، وهو غيرُ جائزٍ إلاَّ في شعرٍ، بشرطِ أَنْ لا تباشرَ «إنَّ» فعلاً كقولِه:
3299 -
إنَّ مَنْ يَدْخُلِ الكنيسةَ يوماً ... يَلْقَ فيها جَآذراً وظِباءَ
/
والثاني: دخولُ اللام في الخبرِ.
وقد أجابَ الزجَّاج بأنها داخلةٌ على مبتدأ محذوفٍ تقديرُه: لهما ساحران. وهذا قد استحسنه شيخُه المبردُ، أعني جوابَه بذلك.
الرابع: أنَّ «هذان» اسمُها، و «لَساحران» خبرُها. وقد رُدَّ هذا بأنه كان ينبغي أَنْ يكونَ «هذين» بالياءِ كقراءةِ أبي عمرو.
وقد أُجيب عن ذلك: بأنه على لغةِ بني الحارثِ وبين الهُجَيْم وبني العَنْبر وزُبَيْد وعُذْرَة ومُراد وخَثْعَم. وحكى هذه اللغةَ الأئمةُ الكبارُ كأبي الخَطَّاب وأبي زيد الأنصاري والكسائي. قال أبو زيد: «سمعتُ من العربِ مَنْ يَقْلِبُ كلَّ ياءٍ ينفتح ما قبلها ألفاً» ، يجعلون المثنى كالمقصورِ فيُثْبِتون ألفاً في جميع أحواله، ويُقَدِّرون إعرابَه بالحركاتِ، وأنشدوا قولَه:
3300 -
فأَطْرَق إطْراقَ الشُّجاعِ ولو يرى ... مَسَاغاً لِناباه الشُّجاعُ لصَمَّما أي: لنابَيْه. وقولَه:
3301 -
إنَّ أباها وأبا أباها ... قد بَلَغا في المجدِ غايتاها
أي: غايتيهما، إلى غير ذلك من الشواهد.
وقرأ ابن مسعود: «أنْ هذان ساحِران» بفتح «أَنْ» وإسقاط اللامِ: على أنها وما في حَيِّزها بدلٌ من «النجوى» كذا قاله الزمخشري، وتبعه الشيخ ولم ينكره. وفيه نظرٌ: لأنَّ الاعتراضَ بالجملة القولية بين البدلِ والمبدلِ منه لا يَصِحُّ. وأيضاً فإنَّ الجملةَ القوليةَ مفسرةٌ للنجوى في قراءةِ العامَّة، وكذا قاله الزمخشريُّ أولاً فكيف يَصحُّ أَنْ يُجْعَلَ «أنْ هذان ساحران» بدلاً من «النجوى» ؟ .
قوله: {بِطَرِيقَتِكُمُ} الباءُ في «بطريقتكم» مُعَدِّيَةٌ كالهمزة. والمعنى: بأهلِ طريقتكم. وقيل: الطريقةُ عبارةُ عن السَّادة فلا حَذْفَ.
[الدر المصون: 8/63-68]




قال محمد الطاهر ابن عاشور (ت : 1393هـ):
فِي رِوَايَةِ يُونُسَ عَنِ الْعَرَبِ: بِرَفْعِ (النَّازِلُونَ) وَنَصْبِ (الطَّيِّبِينَ) ، لِتَكُونَ نَظِيرَ هَذِهِ الْآيَةِ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا مِمَّا يَجْرِي عَلَى قَصْدِ التَّفَنُّنِ عِنْدَ تَكَرُّرِ الْمُتَتَابِعَاتِ، وَلِذَلِكَ تَكَرَّرَ وُقُوعُهُ فِي الْقُرْآنِ فِي مَعْطُوفَاتٍ مُتَتَابِعَاتٍ كَمَا فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ وَفِي هَذِهِ الْآيَةِ، وَفِي قَوْله:


والصَّابِئُونَ فِي سُورَةِ الْمَائِدَةِ [69] .

وَرُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ وَأَبَانٍ بْنِ عُثْمَانَ أَنَّ نَصْبَ الْمُقِيمِينَ خَطَأٌ، مِنْ كَاتِبِ الْمُصْحَفِ وَقَدْ عَدَّتْ مِنَ الْخَطَأِ هَذِهِ الْآيَةَ. وَقَوْلِهِ: وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ- إِلَى قَوْلِهِ- وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْساءِ [الْبَقَرَة: 177] وَقَوْلِهِ: إِنْ هذانِ لَساحِرانِ [طه: 63] . وَقَوله: الصَّابِئُونَ فِي سُورَةِ الْمَائِدَةِ [69] . وَقَرَأَتْهَا عَائِشَةُ، وَعَبْدُ اللَّهُ بْنُ مَسْعُودٍ، وَأُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ، وَالْحَسَنُ، وَمَالِكُ بْنُ دِينَارٍ، وَالْجَحْدَرِيُّ، وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، وَعِيسَى بْنُ عُمَرَ، وَعَمْرُو بْنُ عُبَيْدٍ:

وَالْمُقِيمُونَ- بِالرَّفْعِ-. وَلَا تُرَدُّ قِرَاءَةُ الْجُمْهُورِ الْمُجْمَعِ عَلَيْهَا بِقِرَاءَةٍ شَاذَّةٍ.
[ التحرير والتنوير: 6/29]




وَمِنَ النَّاسِ مَنْ زَعَمَ أَنَّ نَصْبَ الْمُقِيمِينَ وَنَحْوَهُ هُوَ مَظْهَرُ تَأْوِيلِ قَوْلِ عُثْمَانَ لِكُتَّابِ الْمَصَاحِفِ حِينَ أَتَمُّوهَا وَقَرَأَهَا أَنَّهُ قَالَ لَهُمْ: «أَحْسَنْتُمْ وَأَجْمَلْتُمْ وَأَرَى لَحْنًا قَلِيلًا سَتُقِيمُهُ الْعَرَبُ بِأَلْسِنَتِهَا» . وَهَذِهِ أَوْهَامٌ وَأَخْبَارٌ لَمْ تَصِحَّ عَنِ الَّذِينَ نُسِبَتْ إِلَيْهِمْ. وَمِنَ الْبَعِيدِ جدّا أَن يخطىء كَاتِبُ الْمُصْحَفِ فِي كَلِمَةٍ بَيْنَ أَخَوَاتِهَا فَيُفْرِدَهَا بِالْخَطَأِ دُونَ سَابِقَتِهَا أَوْ تَابِعَتِهَا، وَأَبْعَدَ مِنْهُ أَنْ يَجِيءَ الْخَطَأُ فِي طَائِفَةٍ مُتَمَاثِلَةٍ مِنَ الْكَلِمَاتِ وَهِيَ الَّتِي إِعْرَابُهَا بِالْحُرُوفِ النَّائِبَةِ عَنْ حَرَكَاتِ الْإِعْرَابِ مِنَ الْمُثَنَّى وَالْجَمْعِ عَلَى حَدِّهِ. وَلَا أَحْسَبُ مَا رَوَاهُ عَنْ عَائِشَةَ وَأَبَانِ بْنِ عُثْمَانَ فِي ذَلِكَ صَحِيحًا. وَقَدْ عَلِمْتُ وَجْهَ عَرَبِيَّتِهِ فِي الْمُتَعَاطِفَاتِ، وَأَمَّا وَجْهُ عَرَبِيَّةِ إِنْ هذانِ لَساحِرانِ فَيَأْتِي عِنْدَ الْكَلَام فِي سُورَةِ طه [63] .
[ التحرير والتنوير: 6/30]


وَالظَّاهِرُ أَنَّ تَأْوِيلَ قَوْلِ عُثْمَانَ هُوَ مَا وَقَعَ فِي رَسْمِ الْمُصْحَفِ مِنْ نَحْوِ الْأَلِفَاتِ الْمَحْذُوفَةِ. قَالَ صَاحِبُ «الْكَشَّافِ» : «وَهُمْ كَانُوا أَبْعَدَ هِمَّةً فِي الْغَيْرَةِ عَلَى الْإِسْلَامِ وَذَبِّ الْمَطَاعِنِ عَنْهُ مِنْ أَنْ يَتْرُكُوا فِي كِتَابِ اللَّهِ ثُلْمَةً لِيَسُدَّهَا مَنْ بَعْدَهُمْ وَخَرْقًا يَرْفُوهُ مَنْ يَلْحَقُ بِهِمْ» .



وَاعْلَمْ أَنَّ جَمِيعَ الْقُرَّاء المعتبرين قرأوا بِإِثْبَاتِ الْأَلِفِ فِي اسْمِ الْإِشَارَةِ من قَوْله «هاذان» مَا عَدَا أَبَا عَمْرٍو مِنَ الْعَشَرَةِ وَمَا عَدَا الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ مِنَ الْأَرْبَعَةَ عَشَرَ. وَذَلِكَ يُوجِبُ الْيَقِينَ بِأَنَّ إِثْبَاتَ الْأَلِفِ فِي لَفْظِ (هَذَانِ) أَكْثَرُ تَوَاتُرًا بِقَطْعِ النَّظَرِ عَنْ كَيْفِيَّةِ النُّطْقِ بِكَلِمَةِ (إِنَّ) مُشَدَّدَةً أَوْ مُخَفَّفَةً، وَأَنَّ أَكْثَرَ مَشْهُورِ الْقِرَاءَاتِ الْمُتَوَاتِرَةِ قَرَأُوا- بِتَشْدِيدِ نُونِ- (أَنَّ) مَا عَدَا ابْنَ كَثِيرٍ وَحَفْصًا عَنْ عَاصِمٍ فَهُمَا قَرَءَا (أَنْ) - بِسُكُونِ النُّونِ- عَلَى أَنَّهَا مُخَفَّفَةٌ مِنَ الثَّقِيلَةِ.

وَإِنَّ الْمُصْحَفَ الْإِمَامَ مَا رَسَمُوهُ إِلَّا اتِّبَاعًا لِأَشْهَرِ الْقِرَاءَاتِ الْمَسْمُوعَةِ الْمَرْوِيَّةِ مِنْ زَمَنِ النَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقُرَّاءِ أَصْحَابِهِ، فَإِنَّ حِفْظَ الْقُرْآنِ فِي صُدُورِ الْقُرَّاءِ أَقْدَمُ مِنْ كِتَابَتِهِ فِي الْمَصَاحِفِ، وَمَا كُتِبَ فِي أُصُولِ الْمَصَاحِفِ إِلَّا مِنْ حِفْظِ الْكَاتِبِينَ، وَمَا كُتِبَ الْمُصْحَفُ الْإِمَامُ إِلَّا مِنْ مَجْمُوعِ مَحْفُوظِ الْحُفَّاظِ وَمَا كَتَبَهُ كُتَّابُ الْوَحْيِ فِي مُدَّةِ نُزُولِ الْوَحْيِ.

فَأَمَّا قِرَاءَةُ الْجُمْهُورِ إِنْ هذانِ لَساحِرانِ- بِتَشْدِيدِ نُونِ- (إِنَّ) وَبِالْأَلِفِ فِي هذانِ وَكَذَلِكَ فِي لَساحِرانِ، فَلِلْمُفَسِّرِينَ فِي تَوْجِيهِهَا آرَاءٌ بَلَغَتِ السِّتَّةَ. وَأَظْهَرُهَا أَنْ تَكُونَ (إِنَّ) حَرْفُ جَوَابٍ مِثْلَ: نَعَمْ وَأَجَلْ، وَهُوَ اسْتِعْمَالٌ مِنِ اسْتِعْمَالَاتِ (إِنَّ) ، أَيِ اتَّبَعُوا لَمَّا اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ أَمْرُهُمْ بَعْدَ النَّجْوَى كَقَوْلِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قَيْسِ الرُّقَيَّاتِ:

وَيَقُلْنَ شَيْبٌ قَدْ عَلَا ... كَ وَقَدْ كَبِرْتَ فَقُلْتُ إِنَّهُ

أَيْ أَجَلْ أَوْ نَعَمْ، وَالْهَاءُ فِي الْبَيْتِ هَاءُ السَّكْتِ، وَقَوْلِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ لِأَعْرَابِيٍّ اسْتَجْدَاهُ فَلَمْ يُعْطِهِ، فَقَالَ الْأَعْرَابِيُّ: لَعَنَ اللَّهُ نَاقَةً حَمَلَتْنِي إِلَيْكَ. قَالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ: إِنَّ وَرَاكِبَهَا. وَهَذَا التَّوْجِيهُ مِنْ مُبْتَكَرَاتِ أَبِي إِسْحَاقَ الزَّجَّاجِ ذَكَرَهُ فِي «تَفْسِيرِهِ» . وَقَالَ: عَرَضْتُهُ عَلَى عَالِمَيْنَا وَشَيْخَيْنَا وَأُسْتَاذَيْنَا مُحَمَّدِ بْنِ يَزِيدٍ (يَعْنِي الْمُبَرِّدَ) ، وَإِسْمَاعِيلَ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ حَمَّادٍ (يَعْنِي الْقَاضِيَ الشَّهِيرَ) فَقَبِلَاهُ وَذَكَرَا أَنَّهُ أَجْوَدُ مَا سَمِعَاهُ فِي هَذَا.

وَقُلْتُ: لَقَدْ صَدَقَا وَحَقَّقَا، وَمَا أَوْرَدَهُ ابْنُ جِنِّيٍّ عَلَيْهِ مِنَ الرَّدِّ فِيهِ نَظَرٌ.



وَفِي «التَّفْسِيرِ الْوَجِيزِ» لِلْوَاحِدِيِّ سَأَلَ إِسْمَاعِيلُ الْقَاضِي (هُوَ ابْنُ إِسْحَاقَ بْنِ حَمَّادٍ) ابْنَ كَيْسَانَ عَنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، فَقَالَ ابْنُ كَيْسَانَ: لَمَّا لَمْ يَظْهَرْ فِي الْمُبْهَمِ إِعْرَابٌ فِي الْوَاحِدِ وَلَا فِي الْجَمْعِ (أَيْ فِي قَوْلِهِمْ هَذَا وَهَؤُلَاءِ إِذْ هُمَا مَبْنِيَّانِ) جَرَتِ التَّثْنِيَةُ مَجْرَى الْوَاحِدِ إِذِ التَّثْنِيَةُ يَجِبُ أَنْ لَا تُغَيَّرَ. فَقَالَ لَهُ إِسْمَاعِيل: مَا حسن هَذَا لَوْ تَقَدَّمَكَ أَحَدٌ بِالْقَوْلِ فِيهِ حَتَّى يُؤْنَسَ بِهِ! فَقَالَ لَهُ ابْنُ كَيْسَانَ: فَلْيَقُلْ بِهِ الْقَاضِي حَتَّى يُؤْنَسَ بِهِ، فَتَبَسَّمَ.

وَعَلَى هَذَا التَّوْجِيهِ يَكُونُ قَوْلُهُ تَعَالَى: إِنْ هذانِ لَساحِرانِ حِكَايَةً لِمَقَالِ فَرِيقٍ مِنَ الْمُتَنَازِعِينَ، وَهُوَ الْفَرِيقُ الَّذِي قَبِلَ هَذَا الرَّأْيَ لِأَنَّ حَرْفَ الْجَوَابِ يَقْتَضِي كَلَامًا سَبَقَهُ.

وَدَخَلَتِ اللَّامُ عَلَى الْخَبَرِ: إِمَّا عَلَى تَقْدِيرِ كَوْنِ الْخَبَرِ جُمْلَةً حُذِفَ مُبْتَدَأُهَا وَهُوَ مَدْخُولُ اللَّامِ فِي التَّقْدِيرِ، وَوُجُود اللّام ينبىء بِأَنَّ الْجُمْلَةَ الَّتِي وَقَعَتْ خَبَرًا عَنِ اسْمِ الْإِشَارَةِ جُمْلَةٌ قَسَمِيَّةٌ وَإِمَّا عَلَى رَأْيِ مَنْ يُجِيزُ دُخُولَ اللَّامِ عَلَى خَبَرِ الْمُبْتَدَأِ فِي غَيْرِ الضَّرُورَةِ.

وَوُجِّهَتْ هَذِهِ الْقِرَاءَةُ أَيْضًا بِجَعْلِ (إِنَّ) حَرْفَ تَوْكِيدٍ وَإِعْرَابُ اسْمِهَا الْمُثَنَّى جَرَى عَلَى لُغَةِ كِنَانَةَ وَبِلْحَارِثِ بْنِ كَعْبٍ الَّذِينَ يَجْعَلُونَ عَلَامَةَ إِعْرَابِ الْمُثَنَّى الْأَلِفَ فِي أَحْوَالِ الْإِعْرَابِ كُلِّهَا، وَهِيَ لُغَةٌ مَشْهُورَةٌ فِي الْأَدَبِ الْعَرَبِيِّ وَلَهَا شَوَاهِدُ كَثِيرَةٌ مِنْهَا قَوْلُ الْمُتَلَمِّسِ:

فَأَطْرَقَ إِطْرَاقَ الشُّجَاعِ وَلَوْ دَرَى ... مَسَاغًا لِنَابَاهُ الشُّجَاعُ لَصَمَّمَا

وَقَرَأَهُ حَفْصٌ- بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَتَخْفِيفِ نُونِ (إِنْ) مُسَكَّنَةً- عَلَى أَنَّهَا مُخَفَّفَةُ (إِنَّ) الْمُشَدَّدَةِ. وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ اسْمُ (إِنِ) الْمُخَفَّفَةِ ضَمِيرَ شَأْنٍ مَحْذُوفًا عَلَى الْمَشْهُورِ.

وَتَكُونُ اللَّامُ فِي لَساحِرانِ اللَّامَ الْفَارِقَةَ بَيْنَ (إِنِ) الْمُخَفَّفَةِ وَبَيْنَ (إِنِ) النَّافِيَةِ.



وَقَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ- بِسُكُونِ نُونِ (إِنْ) - عَلَى أَنَّهَا مُخَفَّفَةٌ مِنَ الثَّقِيلَةِ وَبِإِثْبَاتِ الْأَلِفِ فِي «هَذَانِ» وَبِتَشْدِيدِ نُونِ (هَاذَانِّ) .

وَأَمَّا قِرَاءَةُ أَبِي عَمْرٍو وَحْدَهُ إِنَّ هَذَيْنِ- بِتَشْدِيدِ نُونِ (إِنَّ) وَبِالْيَاءِ بَعْدَ ذَالِ «هَذَيْنِ» .

فَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ: هِيَ مُخَالفَة للمصحف. وَأَقل: ذَلِكَ لَا يَطْعَنُ فِيهَا لِأَنَّهَا رِوَايَةٌ صَحِيحَةٌ وَوَافَقَتْ وَجْهًا مَقْبُولًا فِي الْعَرَبِيَّةِ.

وَنُزُولُ الْقُرْآنِ بِهَذِهِ الْوُجُوهِ الْفَصِيحَةِ فِي الِاسْتِعْمَالِ ضَرْبٌ مِنْ ضُرُوبِ إِعْجَازِهِ لِتَجْرِيَ تَرَاكِيبُهُ عَلَى أَفَانِينَ مُخْتَلِفَةِ الْمَعَانِي مُتَّحِدَةِ الْمَقْصُودِ. فَلَا الْتِفَاتَ إِلَى مَا رُوِيَ مِنِ ادِّعَاءِ أَنَّ كِتَابَةَ «إِنَّ هَاذَانِ» خَطَأٌ مِنْ كَاتِبِ الْمُصْحَفِ، وَرِوَايَتِهِمْ ذَلِكَ عَنْ أَبَانَ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ

عَنْ أَبِيهِ، وَعَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ، وَلَيْسَ فِي ذَلِكَ سَنَدٌ صَحِيحٌ. حَسِبُوا أَنَّ الْمُسْلِمِينَ أَخَذُوا قِرَاءَةَ الْقُرْآنِ مِنَ الْمَصَاحِفِ وَهَذَا تَغَفُّلٌ، فَإِنَّ الْمُصْحَفَ مَا كُتِبَ إِلَّا بَعْدَ أَنْ قَرَأَ الْمُسْلِمُونَ الْقُرْآنَ نَيِّفًا وَعِشْرِينَ سَنَةً فِي أَقْطَارِ الْإِسْلَامِ، وَمَا كُتِبَتِ الْمَصَاحِفُ إِلَّا مِنْ حِفْظِ الْحُفَّاظِ، وَمَا أَخَذَ الْمُسْلِمُونَ الْقُرْآنَ إِلَّا مِنْ أَفْوَاهِ حُفَّاظِهِ قَبْلَ أَنْ تُكْتَبَ الْمَصَاحِفُ، وَبَعْدَ ذَلِكَ إِلَى الْيَوْمِ فَلَوْ كَانَ فِي بَعْضِهَا خَطَأٌ فِي الْخَطِّ لَمَا تَبِعَهُ الْقُرَّاءُ، وَلَكَانَ بِمَنْزِلَةِ مَا تُرِكَ مِنَ الْأَلِفَاتِ فِي كَلِمَاتٍ كَثِيرَةٍ وَبِمَنْزِلَةِ كِتَابَةِ أَلِفِ الصَّلَاةِ، وَالزَّكَاةِ، وَالْحَيَاةِ، وَالرِّبَا- بِالْوَاوِ- فِي مَوْضِعِ الْألف وَمَا قرأوها إِلَّا بِأَلِفَاتِهَا.

[ التحرير والتنوير: 16/ 250-254]



ثالثا المراجع المتخصصة: وهى كتب القراءات ومعاني الحروف، ورسالة ابن تيمية في ( إن هذان لساحران).
وكتب القراءات هي: السبعة في القراءات لابن مجاهد البغدادي (ت: 324هـ)، والحجة القراءات السبع لابن خالوية (ت: 370هـ)، و معاني القراءات لأبي منصور الأزهري: ( ت: 370 هـ)، والحجة للقراء السبعة لأبي علي (ت: 377هـ)، والمبسوط في القراءات العشر لابن مهران النيسابوري ( ت: 381هـ ) ، وحجة القراءات لابن زنجلة ( ت: 403هـ)
أما مراجع معاني الحروف فهي : شرح أبي القاسم عبد الرحمن بن إسحاق الزجَّاجيُّ (ت: 340هـ)، قسم معاني الحروف من دليل"دراسات في أساليب القرآن"
للأستاذ محمد عبد الخالق عضيمة (1404ه)


قال أبو بكر بن مجاهد البغدادي (ت: 324هـ):
وَاخْتلفُوا فى قَوْله {إِن هَذَانِ لساحران} 63 فى تَشْدِيد النونين وتخفيفهما وفى الْألف وَالْيَاء
فَقَرَأَ نَافِع وَابْن عَامر وَحَمْزَة والكسائى {إِن} مُشَدّدَة النُّون / هذن / بِأَلف خَفِيفَة النُّون
وَقَرَأَ ابْن كثير / إِن هذن / بتَشْديد نون / هذن / وَتَخْفِيف نون {إِن}
وَاخْتلف عَن عَاصِم فروى أَبُو بكر / إِن هذن / نون {إِن} مُشَدّدَة / هذن / مثل حَمْزَة وروى حَفْص عَن عَاصِم {إِن} سَاكِنة النُّون وهى قِرَاءَة ابْن كثير و / هذن / خَفِيفَة
وَقَرَأَ أَبُو عَمْرو وَحده {إِن} مُشَدّدَة النُّون / هذَيْن / بِالْيَاءِ
[ السبعة في القراءات: 1/419]


قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد بن خالويه (ت: 370هـ):
قوله تعالى: وَالَّذانِ يَأْتِيانِها «2» مِنْكُمْ «3». يقرأ بتشديد النون وتخفيفها. وكذلك ما كان في القرآن من نون التثنية في مثل هذا. فالحجة لمن شدد: أنه جعل التشديد عوضا من الياء المحذوفة في «الذي» كما جعلها عوضا من الألف في إِنْ هذانِ لَساحِرانِ «4» ليفرّق بين ما قد سقط منه حرف، وبين ما قد بنى على لفظه وتمامه. والحجّة لمن خفف: أن العرب قد تحذف طلبا للتخفيف من غير تعويض، وتعوض طلبا للإتمام. وكلّ من ألفاظها ومستعمل في كلامها. فأما قوله: فَذانِكَ «5» فإن من شدّد النون جعله تثنية: (ذلك)، وتقديره:
(ذان لك) فقلب من اللام نونا وأدغم.
ومن خفف جعله تثنية (ذاك)، فأتى بالنون الخفيفة للاثنين. فأما دخول الكاف فيهما فلمعنى الخطاب ولا موضع لها من الإعراب. والدليل على ذلك أن النون لا تثبت مع الإضافة «6». وإنما كسرت اللام في (ذلك) لسكونها. وسكون الألف قبلها. واختير لها لئلا يلتبس بقولهم في الإشارة: (ذا لك) إذا أردت (هذا لك) ثم خزلت الهاء. فأما جمع ذلك: ف «أولئك». وأما جمع ذاك: ف «أولاك»، واللّام في ذلك زائدة لتراخي المشار إليه.
[ الحجة في القراءات السبع: 1/121]

قوله تعالى: إِنْ هذانِ لَساحِرانِ «3». أجمع القراء على تشديد نون «إنّ» إلّا (ابن كثير) و (حفصا) عن (عاصم) فإنهما خفّفاها. وأجمعوا على لفظ الألف في قوله:
(هذان) إلا (أبا عمرو) فإنه قرأها بالياء. وأجمعوا على تخفيف النون في التثنية إلّا ابن كثير فإنه شدّدها. فالحجة لمن شدّد النون في (إنّ) وأتى بألف في (هذان): أنه احتج بخبر (الضحاك) «4» عن (ابن عباس) «5»: أن الله تعالى أنزل هذا القرآن بلغة كل حيّ من أحياء العرب. وهذه اللفظة بلغة «بلحارث بن كعب» «6» خاصة، لأنهم يجعلون التثنية بالألف في كل وجه، لا يقلبونها لنصب ولا خفض. قال شاعرهم:
إن أباها وأبا أباها ... قد بلغا في المجد غايتاها
«7» فلما ثبتت هذه اللفظة في السّواد بالألف، وافقت هذه اللغة، فقرءوا بها، ولم يغيّروا ما ثبت في المصحف. والحجة لمن خفف النون: أنه جعلها خفيفة من الشديدة فأزال عملها، وردّ ما كان بعدها منصوبا إلى أصله، وهو المبتدأ، وخبره، فلم يغيّر اللفظ ولا لحن في موافقة الخطّ.
فإن قيل: إن اللام لا تدخل على خبر المبتدأ، لا يقال: زيد لقائم. فقل: من العرب من يفعل ذلك تأكيدا للخبر. وأنشد شاهدا لذلك:
خالي لأنت ومن جرير خاله ... ينل العلاء ويكرم الأخوالا
«1» والوجه الآخر: أن يكون (إن) هاهنا بمعنى «ما» واللام بمعنى «إلّا» كقوله تعالى:
إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْها حافِظٌ «2» معناه: والله أعلم: ما كل نفس إلّا عليها حافظ «3».
وقال: (أبو العباس المبرد) «4»: أولى الأمور بإن المشددة أن تكون هاهنا بمعنى «نعم» كما قال (ابن الزبير) «5» للأعرابي لما قال له: لعن الله ناقة حملتني إليك فقال له: (إنّ وراكبها) أراد: (نعم وراكبها) وأنشد:
بكر العواذل بالضّحى ... يلحينني وألومهنّه
ويقلن شيب قد علا ... ك وقد كبرت ت فقلت إنّه
«6» أراد فقلت: نعم، فوصلها بهاء السكت. فقيل له: إنّ اللام لا تدخل على خبرها إذا كانت بمعنى «نعم» فقال: إنما دخلت اللام على اللفظ لا على المعنى. والحجة لمن قرأها بالياء ما روي عن (عائشة) «7» و (يحيى بن يعمر) «8»: أنه لما رفع المصحف إلى (عثمان) «1» قال: أرى فيه لحنا، وستقيمه العرب بألسنها.
فإن قيل: فعثمان كان أولى بتغيير اللحن: فقل: ليس اللحن هاهنا أخطاء الصواب، وإنما هو خروج من لغة قريش إلى لغة غيرهم «2». والحجة لمن شدد النون في التثنية مذكورة في النساء «3».
[ الحجة في القراءات السبع: 1/242-244]

قال أبو منصور الأزهري: ( ت: 370 هـ):
وقوله جلَّ وعزَّ: (إِنَّ هذَانِ لَسَاحِرَانِ (63) قرأ ابن كثيرٍ (إِنْ) خفيفة، (هَذاَن) بالرفع وتشديد النون.
وقرأ حفص (إنْ هَذَانِ) بالرفع وتخفيف النون:
وقرأ أبو عمرو (إنَّ) مشددة، (هَذَين) نصبًا باللغة العالية.
وقرأ الباقون (إنَّ) بالتشدِيد، (هَذَانِ) بالرفع وتخفيف النون.
قال أبو منصور: أما قراءة أبي عمرو (إنَّ هَذَين) وهي اللغة العالية التي
يتكلم بها جَماهِير العرب إلا أنها مخالَفة لِلْمصحف، وكان أبو عمرو يذهب
في مُخَالفته المصحَفَ إلى قول عائشة وعثمان: إنه من غلط الكاتب فيه، وفي
حروف أخر.
وأما مَنْ قَرَأَ (إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ) بتخفيف (إِنْ) ، و (هَذَانِ) بالرفع فإنه ذهب
إلى أن (إنَّ) إذا خُفَفت رُفع ما بعدها، ولم يُنصَب بها، وتشديد النون من
(هذانِّ) لغة معروفة، وقُرِئ (فَذَانِّكَ بُرهَانَانِ) على هذه اللغة.
والمعنى في قراءة (إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ) : ما هذان إلا سَاحِرَان، بمعنى النفي، واللام في (لَسَاحِرَان) بمعنى: إلا وهذا صحيح في المعنى، وفي كلام العرب.
وأما قراءة العامّة (إِنَّ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ) ففى صحته في العربية وجوه كُلهَا
حجة، منها: أن الأخفش الكبير وغيره من قدماء النحويين قالوا: هى لغة
لِكِنَانة، يجعلون ألف الاثنين في الرفع والخفض على لفظ واحد، كقولك:
أتاني الزيدانِ، ورأيت الزيدان، وَمررت بالزيدانِ،
وقد أنشد الفراء بيتًا للمتلمِّس حجة لهذه اللغة:
فأَطْرَق إطْراقَ الشُّجاعِ ولو يرى ... مَسَاغاً لِناباه الشُّجاعُ لصَمَّما
وقال أبو عبيد: ويروي للكسائي يقول: هي لغة لِبَلْحارِث بن كعب،
وأنشد
تَزوَّدَ منَّا بَيْنَ أذناهُ ضَربةً ... دَعَتْهُ إلى هَابِي الترابِ عَقيم
وقال بعض النحويين في قوله (إِنَّ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ)
ها هنا هاء مضمرة،
المعنى: إنَّهُ هذَانِ لَسَاحِرَانِ.
وقال آخرون: (إنَّ) بمعنى: نَعَمْ هذان لسَاحِرَان، وقال ابن قيس الرقَيَّات:
ويَقُلْنَ شَيْبٌ قد عَلا ... كَ وقد كَبِرْتَ فقلتُ إنَّهْ.
وقال أبو إسحاق الزجاج: أجود ما سمعت في هذا: أن (إن) وقعت
موقع (نَعْم) ، وأن اللام وقعت موقعها، والمعنى: نعم هذانِ لهُما سَاحِران.
قال: والذي سلى هذا في الجودة مذهب بني كِنَانة في ترك ألف التثنية على
هيئة واحد.
قال: وأما قراءة أبي عمرو فإني لا أجيزُهَا لمخالفتها المصحف،
قال: ولما وجدت سَبيلاً إلى موافقة المصحف لم أَجِز مخالفتَه؛ لأن اتباعه
سُنَّة، سِيمَا وأكثر القراء على اتباعه، ولكني أَسْتَحْسِنُ
(إنْ هَذانِ لَسَاحِرَان) وفيه إمَامَانِ: عاصم، والخليل. وموافقة أُبيٍّ - رضي الله عنه.
[ معاني القراءات : 2/ 148-151]

قال الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ الأصل، أبو علي (ت: 377هـ):
ختلفوا في قوله تعالى: إن هذين [طه/ 63] في تشديد النون وتخفيفها.
فقرأ ابن عامر ونافع وحمزة والكسائي: (إنّ) مشدّدة النون.
هذان بألف خفيفة النون من هذان.
وقرأ ابن كثير (إن هذانّ) بتشديد نون (هذانّ) وتخفيف نون (إنّ).
واختلف عن عاصم فروى أبو بكر (إنّ هذان) نون إنّ مشدّدة، وروى حفص عن عاصم إن ساكنة النون وهي مثل قراءة ابن كثير، وهذان خفيفة.
وقرأ أبو عمرو وحده (إنّ) مشدّدة النون (هذين) بالياء.
قال قائلون: (إنّ) في قوله: (إنّ هذان لساحران) بمعنى: أجل، وأن تكون (إنّ) للتأكيد والناصبة للاسم أشبه بما قبل الكلام وما بعده، فأما قبل فقوله: فتنازعوا أمرهم بينهم وأسروا النجوى [طه/ 62] فالتنازع إنما هو في أمر موسى وهارون، هل هما ساحران على ما ظنوه من أمرهما، وقد تقدم من قولهم ما نسبوهما فيه إلى السحر، وهو قولهم: أجئتنا لتخرجنا من أرضنا بسحرك يا موسى فلنأتينك بسحر مثله [طه/ 57، 58] فهذا وإن لم يتقدمه سؤال عن سحرهم كما تقدم السّؤال مثل قوله: قالوا نعم وهو قوله: فهل وجدتم ما وعد ربكم حقا قالوا نعم [الأعراف/ 44] فقد تقدم أجئتنا لتخرجنا من أرضنا بسحرك يا موسى فلنأتينك بسحر مثله [طه/ 57، 58] فيكون نعم منصرفا إلى تصديق أنفسهم فيما ادّعوه من السحر و (إن) بمنزلة نعم.
وقال: قد قال سيبويه: نعم عدة وتصديق، وأن تصرف إلى الناصبة للاسم أولى. قال الجرميّ: هو قراءة أبي عمرو وعيسى وعمرو بن عبيد وقوله: يريدان أن يخرجاكم إلى آخر الكلام، أن يكون تأكيدا لأنهما ساحران أشبه بالكلام فإن حمله على التصديق ضرب من التأكيد فإن حملت (إنّ) على أنّه بمعنى نعم بقي الكلام: هذان لساحران، فتحصل لام الابتداء داخلة على خبر المبتدأ، وهذا قد قال النحويون فيه: إنّه يجوز في الشعر على الضرورة، فإن قلت: أقدر الابتداء محذوفا، فإن هذا لا يتجه «1» لأمرين: أحدهما: أن الذي حمله النحويون على الضرورة لا يمتنع من أن يستمر هذا التأويل فيه، ولم يحملوه مع ذلك عليه. والآخر: أن التأكيد باللام لا يليق به الحذف، ألا ترى أن الأوجه في الرتبة أن يتم الكلام ولا يحذف، ثم يؤكّد فأما أنيحذف ثم يؤكّد، فليس باللائق في التقدير، ووجه قول من قال: إن ذان، وإن هذان مخفف (إن): أنّ إنّ إذا خفّفت لم يكن النصب بها كثيرا، وكان الأوجه أن يرفع الاسم بعدها، والدليل على ذلك كثرة وقوع الفعل بعدها في نحو: إن كاد ليضلنا [الفرقان/ 42] وإن كانوا ليقولون [الصافات/ 167] وإن كنا عن دراستهم لغافلين [الأنعام/ 156]، وإذا كان الأوجه الرفع بعدها رفع هذان بعدها، وأدى مع ذلك خطّ المصحف، ومن زعم أنّ هذان في الآية الألف التي فيه الألف التي كانت في هذا، ليس إلا ألف التي جلبته التثنية، فإن الأمر لو كان على ما زعم لم تنقلب هذه الألف في تثنيته، كما أن الألف التي في هذا لا تنقلب على حال، وفي كون هذه الألف مرّة ياء، ومرة ألفا دلالة على أنه كسائر التثنية، ولا فصل بين هذا وبين غيره من الأسماء المعربة، وذلك أن هذه الأسماء في الانفراد إنما بنيت لمشابهتها الحروف، فإذا ثنيت زال بالثنية مشابهتها للحروف، من حيث لم تثنّ الحروف فتصير كسائر الأسماء المعربة، ويدلّ على أن هذه الألف للتثنية أن التي كانت في الواحد قد حذفت، كما حذفت الياء من التي والذي إذا قلت: اللتان واللذان، فالياء التي كانت في الاسم قد حذفت وجيء بالتي للتثنية. ومثل حذف هذه الألف حذف الألف من أولات ومن ذوات ومن هيهات، هذه كلّها حذفت فيها الألف والياء لقلة تمكّنها، فكذلك تحذف من قولهم: هذا، ألفه، وتلحق التي تكون علما للتثنية، ومن ثم انقلبت مرّة ياء ومرة ألفا، والتي تثبت في الواحد لا يتعاورها القلب، ولا تزول عن أن تكون ألفا، وقال أبو الحسن: إن هذان لساحران بتخفيف إن لأن الكتاب: هذان فيحملها على لغة من يخفّف إنّ فيرفع بها، وإن ثقلت فهي لغة لبني الحارث بن كعب يرفعون الاثنين في كل موضع قال: فأيّ التفسيرين فسرت فهو جيد.
[ الحجة للقراء السبعة: 5/229-232]

قال أبو بكر أحمد بن الحسين بن مِهْران النيسابورىّ (ت: 381هـ):
قرأ ابن كثير وحده {وَاللَّذَانِ} [16] مشددة النون. وكذلك {إِنْ هَذَانِ} [طه 63] وفي الحج {هَذَانِ} [19 الحج] و {إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ} [القصص 27] و {فَذَانِكَ بُرْهَانَانِ} [القصص 32] و {أَرِنَا اللَّذَيْنِ} [فصلت 29] مشددة النون في هذه الحروف.
[ المبسوط في القراءات العشر: 1/177]

قرأ أبو عمرو وحده {إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ} [63]. وقرأ ابن كثير، وحفص عن عاصم {إِنْ} ساكنة النون {هَذَانِ} بالألف. وابن كثير يشدد النون من {هَذَانِ} وقد مر ذكره. وقرأ الباقون {إِنْ} مشددة النون. {هَذَانِ} بالألف.
[ المبسوط في القراءات العشر: 1/296]



قال عبد الرحمن بن محمد، أبو زرعة ابن زنجلة (ت: 403هـ):

{قَالُوا إِن هَذَانِ لساحران} 63
قَرَأَ أَبُو عَمْرو / إِن هذَيْن / بِالْيَاءِ لِأَن تَثْنِيَة الْمَنْصُوب وَالْمَجْرُور بِالْيَاءِ فِي لُغَة فصحاء الْعَرَب وَأَبُو عَمْرو مستغن عَن إِقَامَة دَلِيل على صِحَّتهَا كَمَا أَن الْقَارئ فِي قَول الله جلّ وَعز {قَالَ رجلَانِ من الَّذين يخَافُونَ} مستغن عَن الِاحْتِجَاج على منازعه إِن نازعه فِي صِحَة قِرَاءَته
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {إِن هَذَانِ لساحران} بِالْألف وحجتهم أَنَّهَا مَكْتُوبَة هَكَذَا فِي الإِمَام مصحف عُثْمَان وَهَذَا الْحَرْف فِي كتاب الله مُشكل على أهل اللُّغَة وَقد كثر اخْتلَافهمْ فِي تَفْسِيره وَنحن نذْكر جَمِيع مَا قَالَ النحويون فَحكى أَبُو عُبَيْدَة عَن أبي الْخطاب وَهُوَ رَأس رُؤَسَاء الروَاة أَنَّهَا لُغَة كنَانَة يجْعَلُونَ ألف الِاثْنَيْنِ فِي الرّفْع وَالنّصب والخفض على لفظ وَاحِد يَقُولُونَ أَتَانِي الزيدان وَرَأَيْت الزيدان ومررت بالزيدان قَالَ الشَّاعِر
تزَود منا بَين أذنَاهُ ضَرْبَة ... دَعَتْهُ إِلَى هابي التُّرَاب عقيم
قَالَ الزّجاج وَقَالَ النحويون القدماء هَا هُنَا هَاء مضمرة وَالْمعْنَى إِنَّه هَذَانِ لساحران كَمَا تَقول إِنَّه زيد منطلق ثمَّ تَقول إِن زيد منطلق وَقَالَ الْمبرد أحسن مَا قيل فِي هَذَا أَن يَجْعَل إِن بِمَعْنى نعم الْمَعْنى نعم هَذَانِ لساحران فَيكون ابْتِدَاء وخبرا قَالَ الشَّاعِر ... وَيَقُلْنَ شيب قد علا ... ك وَقد كَبرت فَقلت إِنَّه ...
أَي نعم فَإِن قيل اللَّام لَا تدخل بَين الْمُبْتَدَأ وَخَبره لَا يُقَال زيد لقائم فَمَا وَجه هَذَانِ لساحران
الْجَواب فِي ذَلِك أَن من الْعَرَب من يدْخل لَام التوكيد فِي خبر الْمُبْتَدَأ فَيَقُول زيد لأخوك قَالَ الشَّاعِر ... خَالِي لأَنْت وَمن جرير خَاله ... ينل الْعَلَاء وَيكرم الأخوالا ...
وَقَالَ الزّجاج الْمَعْنى نعم هَذَانِ لساحران وَقَالَ قطرب يجوز أَن يكون الْمَعْنى أجل فَيكون الْمَعْنى وَالله أعلم {فتنازعوا أَمرهم بَينهم وأسروا النَّجْوَى} قَالُوا أجل تَصْدِيقًا من بَعضهم لبَعض ثمَّ قَالُوا {هَذَانِ لساحران} وَيجوز أَن يكون اللَّام دَاخِلَة فِي الْخَبَر على التوكيد وَقَالَ الْفراء فِي {هَذَانِ} إِنَّهُم زادوا فِيهَا النُّون فِي التَّثْنِيَة وتركوها على حَالهَا فِي الرّفْع وَالنّصب والجر كَمَا فعلوا فِي الَّذِي فَقَالُوا الَّذين فِي الرّفْع وَالنّصب والجر
وَقَرَأَ حَفْص {إِن هَذَانِ} بتخفف {إِن} جعل إِن بِمَعْنى مَا وَاللَّام بِمَعْنى إِلَّا التَّقْدِير مَا هَذَانِ إِلَّا ساحران
وَقَرَأَ ابْن كثير {إِن} بِالتَّخْفِيفِ {هَذَانِ} بِالتَّشْدِيدِ و {إِن} تكون أَيْضا بِمَعْنى مَا والأ فِي هَذَانِ هَذَا ان فَحذف الْألف وَجعل التَّشْدِيد عوضا من الْألف المحذوفة الَّتِي كَانَت فِي هَذَا وَمن الْعَرَب من إِذا حذف عوض وَمِنْهُم من إِذا حذف لم يعوض فَمن عوض آثر تَمام الْكَلِمَة وَمن لم يعوض آثر التَّخْفِيف وَمثل ذَلِك فِي تَصْغِير مغتسل مِنْهُم من يَقُول مغيسل فَلم يعوض وَمِنْهُم من يَقُول مغيسيل فعوض من التَّاء يَاء.
[حجة القراءات: 1/454_456]

-
قال أبو القاسم عبد الرحمن بن إسحاق الزجَّاجيُّ (ت: 340هـ): ( إن لها وجهان
تكون بمعنى نعم لا تعمل شيئا فتقول إنّ عبد الله قائم تريد عبد الله قائم
وإن قائم عبد الله على ذلك التّقدير
والوجه الثّاني تنصب الاسم وترفع الخبر تقول إن زيدا منطلق ومعناها التّأكيد). [حروف المعاني والصفات: 30]
إنّ المشدّدة المكسورة
قال أبو القاسم عبد الرحمن بن إسحاق الزجَّاجيُّ (ت: 340هـ): ( إنّ المشدّدة المكسورة لها موضعان تكون تحقيقا وصلة للقسم كقولك إن زيدا قائم
ووالله إن أخاك عالم
وتكون بمعنى أجل فلا تعمل شيئا كقول القائل لابن الزبير لعن الله ناقة حملتني إليك فقال إنّ وراكبها معناه أجل
كقول الشّاعر
(ويقلن شيب قد علاك ... وقد كبرت فقلت إنّه) [مجزوء الكامل] ). [حروف المعاني والصفات: 56]
تخفيف [إن]
أكثر العرب على إهمال [إن] المخففة. قال [سيبويه:1/238]:
«
وحدثنا من نثق به أنه سمع من العرب من يقول: إن عمرا لمنطلق، وأهل المدينة يقرءون: {وإن كلا لما ليوفينهم ربك أعمالهم}يخففون وينصبون وأما أكثرهم فأدخلوها في حروف الابتداء بالحذف؛ كما أدخلوها في حروف الابتداء حين ضموا إليها [ما]».
ومثله في [المقتضب:1/50، 2/363].
وعلى إهمالها لا يقدر فيها ضمير الشأن، ولكن الزمخشري قدر ضمير الشأن في بعض الآيات ورد عليه أبو حيان.
ويرى الكوفيون أن [إن] لا تخفف، وخرجوا جميع ذلك على أن [إن] نافية ؛ واللام الفارقة بمعنى [إلا].
جاء إعمال [إن] المخففة في السبعيات في قوله تعالى: {وإن كلا لما ليوفينهم ربك أعمالهم} [11: 111].
في هذه الآية أربع قراءات سبعية:تخفيف [إن[وتشديدها وتخفيف الميم من [لما] وتشديدها.
فقراءة تخفيف [إن] والميم من [لما] [إن] فيها مخففة عاملة، واللام هي الفارقة، و[ما] موصولة، أو زائدة.
وقراءة تشديد [إن] والميم من [لما] تكون [لما] هي الجازمة حذف مجزومها، أي لما يوافوا.
وقراءة تخفيف [إن] وتشديد [لما] لما بمعنى [إلا].

وقرئ في السبع بإهمال [إن] وبتخفيف الميم من [لما] وتشديدها في قوله تعالى:
1-{وإن كل لما جميع لدينا محضرون}[36: 32].
2-{وإن كل ذلك لما متاع الحياة الدنيا}[43: 35].
3- {إن كل نفس لما عليها حافظ} [86: 4].

كما قرئ في السبع بتخفيف [إن] وتشديدها في قوله تعالى:{إن هذان لساحران} [20: 63].


رد مع اقتباس
  #14  
قديم 6 رجب 1441هـ/29-02-2020م, 09:32 PM
إنشاد راجح إنشاد راجح غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Sep 2016
المشاركات: 732
افتراضي

بسم الله الرحمن الرحيم
مجلس أداء التطبيق الخامس من تطبيقات دورة مهارات التفسير:
إعراب {إن هذان لساحران}


نوع المسألة:
1.هذه المسألة تفسيرية لغوية تتعلق بالقراءات، والإعراب، ولذلك فإنّ البحث في كتب المرتبة الخامسة سيكون في كتب القراءات وحروف المعاني والكتب التي اعتنت بذكر لغات العرب إن تيسر ذلك.

2.بدأت بالنقل عن الكتب التي تعنى بجمع أقوال السلف في التفسير، ثم بحثت في كل مرتبة من المراتب التي هى مظنة المسألة.

3.النقول التي تحصّلت لي في هذه المسألة:
أ: أولا الأقوال من التفاسير التي تنقل أقوال السلف: جامع البيان لابن جرير، والكشف والبيان للثعلبي، والهداية لمكي بن أبي طالب، والنكت والعيون للماوردي، والمحرر الوجيز لابن عطية، وزاد المسير لابن الجوزي، وأحكام القرآن للقرطبي، وتفسير ابن كثير.
وقد وجدت فيها جميعا ذكرا للمسألة وكلاما مستفيضا فنقلته وأغلبه مما كان منقولا عن أهل اللغة.

ب: ثانياً: جمع أقوال اللغويين في هذه المسألة:
العين للخليل بن أحمد الفراهيدي (ت:170هـ)، ومعاني القرآن للفراء (ت:207 هـ)، ومجاز القرآن لأبي عبيدة (ت:210 هـ)، ومعاني القرآن للأخفش الأوسط (ت:215هـ)، مشكل تأويل القرآن لابن قتيبة (ت:276 هـ)، ومعاني القرآن للزجاج (ت:311 هـ)، ومعاني القرآن للنحاس ( ت: 338 هـ)، وتهذيب اللغة لأبي منصور الأزهري ( ت:370 هـ)، وسر صناعة الإعراب لابن جني (ت: 392هـ) ،ومشكل الإعراب لمكي بن أبي طالب (ت:437هـ)، والكشاف للزمخشري (ت: 538 هـ)، لسان العرب لابن منظور ( ت:711 هـ)، وحاشية الطيبي على الكشاف للطيبي (ت: 743 هـ)، والبحر المحيط لأبي حيان، والدر المصون للسمين الحلبي ( ت:756 هـ)، والتحرير والتنوير لابن عاشور، وقد وجدت فيها كلها ذكرا للمسألة، فنقلت ما وجدت.
- الكتب والمراجع المتخصصة في المسألة، وهى كتب القراءات، ومعاني الأحرف، رسالة ابن تيمية في قول الله تعالى: ( إن هذا لساحران).

أولاً: التعرّف على أقوال السلف في المسألة:

قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) :
{إن هذان لساحران يريدان أن يخرجاكم من أرضكم بسحرهما ويذهبا بطريقتكم المثلى} قالوا: إن هذان لساحران يعنون بقولهم: إن هذان موسى وهارون، لساحران يريدان أن يخرجاكم من أرضكم بسحرهما.
- كما حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {إن هذان لساحران يريدان أن يخرجاكم من أرضكم بسحرهما} يعنون موسى وهارون صلّى اللّه عليهما.
وقد اختلفت القرّاء في قراءة قوله: {إن هذان لساحران} فقرأته عامّة قرّاء الأمصار: ( إنّ هذان ) بتشديد إنّ وبالألف في هذان، وقالوا: قرأنا ذلك كذلك اتباعا لخط المصحف.
واختلف أهل العربية في وجه ذلك إذا قرئ كذلك فكان بعض أهل العربيّة من أهل البصرة يقول: " إن " خفيفةٌ في معنى ثقيلةٍ، وهي لغة لقومٍ يرفعون بها، ويدخلون اللاّم ليفرّقوا بينها وبين الّتي تكون في معنى ما.
وقال بعض نحويّي الكوفة: ذلك على وجهين: أحدهما على لغة بني الحارث بن كعبٍ ومن جاورهم، يجعلون الاثنين في رفعهما ونصبهما وخفضهما بالألف. وقال: أنشدني رجلٌ من الأسد عن بعض بني الحارث بن كعبٍ:
فأطرق إطراق الشّجاع ولو يرى = مساغًا لناباه الشّجاع لصّمما
قال: وحكي عنه أيضًا: هذا خطّ يدا أخي أعرفه، قال: وذلك وإن كان قليلاً أقيس، لأنّ العرب قالوا: مسلمون، فجعلوا الواو تابعةً للضّمّة، لأنّها لا تعرب، ثمّ قالوا رأيت المسلمين، فجعلوا الياء تابعةً لكسرة الميم، قالوا: فلمّا رأوا الياء من الاثنين لا يمكنهم كسر ما قبلها، وثبت مفتوحًا، تركوا الألف تتبعه، فقالوا: رجلان في كلّ حالٍ. قال: وقد اجتمعت العرب على إثبات الألف في كلا الرّجلين، في الرّفع والنّصب والخفض، وهما اثنان، إلاّ بني كنانة، فإنّهم يقولون: رأيت كلي الرّجلين، ومررت بكلي الرّجلين، وهي قبيحة قليلة مضوا على القياس.
قال: والوجه الآخر أن تقول: وجدت الألف من هذا دعامةً، وليست بلام " فعلى " فلمّا بنيت زدت عليها نونًا، ثمّ تركت الألف ثابتةً على حالها لا تزول فى كلّ حالٍ، كما قالت العرب الّذي، ثمّ زادوا نونًا تدلّ على الجمع، فقالوا: الّذين في رفعهم ونصبهم وخفضهم، كما تركوا هذان في رفعه ونصبه وخفضه. قال: وكنانه يقولوا: الذّون.
وقال آخر منهم: ذلك من الجزم المرسل، ولو نصب لخرج إلى الانبساط.
- وحدّثت عن أبي عبيدة معمر بن المثنّى، قال: قال أبو عمرٍو وعيسى بن عمر ويونس، إن هذين لساحران في اللّفظ، وكتب " هذان " كما يزيدون وينقصون فى الكتاب، واللّفظ صوابٌ
قال: وزعم أبو الخطّاب أنّه سمع قومًا من بني كنانة وغيرهم، يرفعون الاثنين في موضع الجرّ والنّصب قال: وقال بشر بن هلالٍ: إن بمعنى الابتداء والإيجاب. ألا ترى أنّها تعمل فيما يليها، ولا تعمل فيما بعد الّذي بعدها، فترفع الخبر ولا تنصبه، كما تنصب الاسم، فكان مجاز " إن هذان لساحران " مجاز كلامين، مخرجه: إنّه: إي نعم، ثمّ قلت: هذان ساحران، ألا ترى أنّهم يرفعون المشترك كقول ضابئٍ:
فمن يك أمسى بالمدينة رحله = فإنّي وقيّارٌ بها لغريب
وقوله:
إنّ السّيوف غدوّها ورواحها = تركت هوازن مثل قرن الأعضب
قال: ويقول بعضهم: إنّ اللّه وملائكته يصلّون على النّبيّ، فيرفعون على شركة الابتداء، ولا يعملون فيه إنّ. قال: وقد سمعت الفصحاء من المحرمين يقولون: إنّ الحمد والنّعمة لك والملك، لا شريك لك. قال: وقرأها قومٌ على تخفيف نون إنّ وإسكانها. قال: ويجوز، لأنّهم قد أدخلوا اللاّم في الابتداء وهي فصلٌ، قال:
أمّ الحليس لعجوزٌ شهربه
قال: وزعم قومٌ أنّه لا يجوز، لأنّه إذا خفّف نون " إنّ " فلا بدّ له من أن يدخل " إلاّ " فيقول: إن هذا إلاّ ساحران.
قال أبو جعفرٍ: والصّواب من القراءة في ذلك عندنا: " إنّ " بتشديد نونها، وهذان بالألف لإجماع الحجّة من القرّاء عليه، وأنّه كذلك هو في خطّ المصحف. ووجهه إذا قرئ كذلك مشابهته الّذين إذ زادوا على الّذي النّون، وأقرّ في جميع أحوال الإعراب على حالةٍ واحدةٍ، فكذلك {إن هذان} زيدت على هذا نونٌ وأقرّ في جميع أحوال الإعراب على حالٍ واحدةٍ، وهي لغة الحارث بن كعبٍ، وخثعمٍ، وزبيدٍ، ومن وليهم من قبائل اليمن).

[جامع البيان: 16/97-104]

قال أبو إسحاق أحمد بن محمد بن إبراهيم الثعلبي(ت:427هـ):
قالُوا إِنْ هذانِ لَساحِرانِ قرأ عبد الله: واسرّوا النجوى إن هذان ساحران(٦) بفتح الألف وجزم نونه ساحران بغير لام، وقرأ ابن كثير وحفص إِنْ بكسر الالف وجزم النون هذانِ بالألف على معنى ما هذان إلّا ساحران، نظيره: قوله وَإِنْ نَظُنُّكَ لَمِنَ الْكاذِبِينَ(٧)(٨) قال الشاعر:
ثكلتك أمّك إن قتلت لمسلما ... حلّت عليك عقوبة الرّحمن(٩)
يعني ما قتلت إلّا مسلما، يدل على صحة هذه القراءة قراءة أبي بن كعب: إن ذان إلّا ساحران(١٠) ، وقرأ عيسى بن عمر الثقفي وأبو عمر بن علاء(١١) : إن هذين لساحران بالياء على الأصل، قال أبو عمرو: واني لأستحي من الله أن أقرأ إنّ هذان، وقرأ الباقون: إنّ بالتشديد هذان بالألف واختلفوا فيه، فقال قوم بما أخبرنا أبو بكر بن عبدوس وعبد الله بن حامد قالا:
حدّثنا أبو العباس الأصم قال: حدّثنا محمد بن الجهم السمري قال: حدّثنا الفرّاء قال: حدّثني أبو معاوية عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أنها سئلت عن قوله سبحانه في النساء لكِنِ الرَّاسِخُونَ(١٢) وَالْمُقِيمِينَ(١٣) وعن قوله في المائدة إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا وَالصَّابِئُونَ(١٤) وعن قوله إِنْ هذانِ لَساحِرانِ(١٥) فقالت: يا بن أخي هذا خطأ من الكاتب.
وقال عثمان بن عفان: إنّ في المصحف لحنا وستقيمه العرب بألسنتهم.
وقال أبان: قرئت هذه الآية عند عثمان فقال: لحن وخطأ، فقيل له: ألم تغيّره فقال:
دعوه فإنّه لا يحلّ حراما ولا يحرّم حلالا، وقال آخرون: هذه لغة الحارث بن كعب وخثعم وزبيد وكنانة يجعلون الأسين في رفعهما ونصبهما وخفضهما بالألف.
قال الفرّاء: أنشدني رجل من بني الأسد وما رأيت افصح منه.
وأطرق إطراق الشجاع ولو ترى ... مساغا لناباه الشجاع لصمما(١٦)
ويقولون: كسرت يداه، وركبت علاه، بمعنى يديه وعليه. وقال الشاعر:
تزوّد منّا بين أذناه ضربة ... دعته إلى هابي التراب عقيم(١٧)
أراد بين أذنيه. وقال آخر:
أي قلوص راكب نراها ... طاروا علاهنّ فطر علاها(١٨)
أي عليهن وعليها. وقال آخر:
إنّ أباها وأبا أباها ... قد بلغا في المجد غايتاها(١٩)
وروي أنّ أعرابيا سأل ابن الزبير شيئا فحرّمه فقال: لعن الله ناقة حملتني إليك، فقال ابن الزبير: إن وصاحبها، يعني نعم. وقال الشاعر:
بكرت عليّ عواذلي يلحينني وألومهنّه ... ويقلن شيب قد علاك وقد كبرت فقلت إنّه(٢٠)
أي نعم، وقال الفرّاء: وفيه وجه آخر: وهو أن يقول: وجدت الألف دعامة من هذا على حالها لا تزول في كل حال، كما قالت العرب: الذي ثمّ زادوا نونا يدلّ على الجمع فقالوا:
الذين في رفعهم ونصبهم وخفضهم وكناية تقول: اللّذون.

[الكشف والبيان عن تفسير القرآن: 6/250]

قال مكي بن أبي طالب القيسي(ت:437هـ):
قال تعالى ذكره: ﴿قَالُوۤاْ إِنْ هَـٰذَانِ لَسَاحِرَانِ يُرِيدَانِ أَن يُخْرِجَاكُمْ مِّنْ أَرْضِكُمْ﴾.
أي: قالت السحرة في سرهم وتناجيهم: إن موسى وهارون ساحران يريدان أن يخرجاكم من أرضكم بسحرهما.
وفي حرف ابن مسعود "إن هذان إلا ساحران": أي: ما هذان يخفف "إن" يجعلها بمعنى ما.
ومن شدد "إن" ورفع "هذان"، فقد خرج العلماء فيها سبعة أقوال: فالأول: أن يكون بمعنى نعم. حكى سيبويه أن "إن" تأتي بمعنى أجل. واختار هذا القول المبرد وإسماعيل القاضي والزجاج وعلي بن سليمان.
واستبعد الزجاج قراءة أبي عمرو "إن هذين" لمخالفتها للمصحف.
وقال علي بن أبي طالب: لا أحصي كم سمعت رسول الله ﷺ على منبره يقول: إن الحمدُ لله نحمده ونستعينه، يعني يرفع الحمد يجعل "إن" بمعنى "أجل". ومعنى: أجل: نعم. ثم يقول: أنا أفصح قريش كلها، وأفصحها بعدي سعيد بن إبان بن العاصي. وكذلك كانت خطباء الجاهلية تفتتح خطبها بـ "نعم"، وكذلك وقعت في أشعارها. قال الشاعر:
قالت غدرت، فقلت: إن وربما ∗∗∗ نال العُلي وشقى الخليل الغادر
وقال ابن قيس الرقيات:

بكرت على عواذ لي ∗∗∗ يلحينني وألومهنه

ويقلن شيب قد علاك ∗∗∗ وقد كبرت فقلت إنه

وأنشد ثعلب:

ليت شعري هل للمحب شفاء ∗∗∗ من جوى حبهن إن اللقاء.

أي: نعم.

فهذا قول حسن لولا دخول اللام في الخبر.

وقد قيل: إن اللام يراد بها التقديم، وهو أيضاً بعيد، إنما يجوز التقديم في اللام وهي مؤخرة في الشعر.

لكن الزجاج قال: التقدير: نعم هذان لهما ساحران. فتكون اللام داخلة على الابتداء في المعنى، كما قال: أم الحليس لعجوز شهربة.

وقيل: إن اللام يراد بها التقديم.

وقيل: هي في موضعها، و "لعجوز" مبتدأ، وشهربة الخبر، والجملة خبر عن اللام.

والقول الثاني: ما حكاه أبو زيد والكسائي والأخفش والفراء أنها لغة لبني الحارث بن كعب، يقولون: رأيت الزيدان ومررت بالزيدان، وأنشدوا.



- فأطرق إطراق الشجاع ولو يرى ∗∗∗ مساغاً لنا باه الشجاع لصمماً

وأنشدوا أيضاً:

- تزود منا بين أذناه طعنة على ∗∗∗ رأسه تلقى العظام من الفم.

وحكى أبو الخطاب أنها لغة لبني كنانة.

وحكى غيره أنها لغة خثعم. وهذا القول قول، حسن، لا نطعن فيه لثقة الناقلين لهذه اللغة، وتواتر نقلهم واتفاقهم على ذلك، وقد نقلها أبو زيد، وكان سيبويه إذا قال حدثني من أثق به، فإياه يعني.

ورواه الأخفش، وهو ممن روى عنه سيبويه، وقول سيبويه في ألف التثنية أنها حرف الأعراب، يدل على أن حكمها لا تتغير عن لفظها، كما لا تتغير الدال من زيد، فجاءت في هذه الآية على الأصل، كما جاء "استحوذ" على الأصل.

والقول الثالث: قاله الفراء. قال: الألف في "هذان" دعامة، ليست بلام الفعل، فزدت عليها نوناً ولم أغيرها، كما قلت "الذي" ثم زدت عليه نوناً، ولم أغيرها، فقلت "الذين" في الرفع والنصب والجر.

والقول الرابع: يحكى عن بعض الكوفيين أن الألف في هذان مشبهة بألف يفعلان، فلم تغير كما لا يغير ألف يفعلان.

والقول الخامس: حكاه الزجاج. قال: القدماء يقولون: الهاء مضمرة ها هنا، والمعنى: أنه هذان لساحران، ويعترض هذا القول دخول اللام في الخبر.

والقول السادس: قاله ابن كيسان، قال: سألني إسماعيل ابن إسحاق عنها، فقلت: القول عندي، أنه لما كان يقال هذا في موضع الرفع والنصب والجر، وكانت التثنية يجب ألا تغير، أجريت التثنية مجرى الواحد. فقال إسماعيل: ما أحسن هذا، لو تقدمك أحد بالقول به، حتى تؤنس به. فقلت: فيقول القاضي به حتى يؤنس به، فتبسم.

والقول السابع: حكاه أبو عمرو وغيره، أنه من غلط الكاتب.

روي أن عثمان وعائشة رضي الله عنهما قالا: إن في الكتاب غلطاً ستقيمه العرب بألسنتها.

وعنهما: إن في الكتاب لحناً ستقيمه العرب بألسنتها. وهذا القول قد طعن فيه، لأن أصحاب النبي ﷺ قد أجمعوا على صحة ما بين اللوحين، فلا يمكن أن يجتمعوا على غلط.

فأما من خفف "إن" فإنه رفع ما بعدها، لنقصها عن وزن الفعل ويجوز أن يكون أعملها مخففة على الثقيلة، كما يعمل الفعل محذوفاً عمله وهو غير محذوف، إلا أنه أتى بـ "هذان"، على الوجوه التي ذكرنا، فأتى بالألف في النصب.

فأما من شدد نون "هذان"، فإنه جعل التشديد عوضاً مما حذف من هذا في التثنية.

وعن الكسائي والفراء في: "إن هذان" قولان تركنا ذكرهما لبعد تأويلهما في ذلك.

[الهداية إلى بلوغ النهاية: 7/4657]


قال علي بن محمد بن حبيب الماوردي(ت:450هـ):
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿قالُوا إنْ هَذانِ لَساحِرانِ﴾ هَذِهِ قِراءَةُ أبِي عَمْرٍو وهي مُوافِقَةٌ لِلْإعْرابِ مُخالِفَةٌ لِلْمُصْحَفِ.

وَقَرَأ الأكْثَرُونَ: إنْ هَذانَ السّاحِرانِ، فَوافَقُوا المُصْحَفَ فِيها، ثُمَّ اخْتَلَفُوا في تَشْدِيدِ إنَّ فَخَفَّفَها ابْنُ كَثِيرٍ وحَفْصٌ فَسَلِما بِتَخْفِيفِ إنَّ مِن مُخالَفَةِ المُصْحَفِ ومِن فَسادِ الإعْرابِ، ويَكُونُ مَعْناها: ما هَذانِ إلّا ساحِرانِ.
وَقَرَأ أُبَيٌّ: إنَّ ذانِ إلّا ساحِرانِ، وقَرَأ باقِي القُرّاءِ بِالتَّشْدِيدِ: إنَّ هَذانَ لَساحِرانِ.
فَوافَقُوا المُصْحَفَ وخالَفُوا ظاهِرَ الإعْرابِ.
واخْتَلَفَ مَن قَرَأ بِذَلِكَ في إعْرابِهِ عَلى أرْبَعَةِ أقاوِيلَ: أحَدُها: أنَّ هَذا عَلى لُغَةِ بِلْحارِثِ بْنِ كَعْبٍ وكِنانَةَ بْنِ زَيْدٍ يَجْعَلُونَ رَفْعَ الإثْنَيْنِ ونَصْبَهُ وخَفْضَهُ بِالألِفِ، ويُنْشِدُونَ:
فَأطْرَقَ إطْراقَ الشُّجاعِ ولَوْ رَأى ∗∗∗ مَساغًا لِناباهُ الشُّجاعِ لَصَمَّما
والوَجْهُ الثّانِي: لا يَجُوزُ أنْ يُحْمَلَ القُرْآنُ عَلى ما اعْتَلَّ مِنَ اللُّغاتِ ويُعْدَلُ بِهِ عَنْ أفْصَحِها وأصَحِّها، ولَكِنْ في (إنَّ) هاءٌ مُضْمَرَةٌ تَقْدِيرُها إنَّهُ هَذانِ لَساحِرانِ، وهو قَوْلُ مُتَقَدِّمِي النَّحْوِيِّينَ.
الثّالِثُ: أنَّهُ بَنى (هَذانِ) عَلى بِناءٍ لا يَتَغَيَّرُ في الإعْرابِ كَما بَنى الَّذِينَ عَلى هَذِهِ الصِّيغَةِ في النَّصْبِ والرَّفْعِ.
الرّابِعُ: أنَّ (إنَّ) المُشَدَّدَةَ في هَذا المَوْضِعِ بِمَعْنى نَعَمْ، كَما قالَ رَجُلٌ لِابْنِ الزُّبَيْرِ: لَعَنَ اللَّهُ ناقَةً حَمَلَتْنِي إلَيْكَ، فَقالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ: إنَّ وصاحِبَها.
وَقالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ قَيْسِ الرُّقُيّاتِ
بَكى العَواذِلُ في الصَّبا ∗∗∗ حِ يَلُمْنُنِي وألُومُهُنَّهْ ∗∗∗ ويَقُلْنَ شَيْبٌ قَدْ عَلا ∗∗∗ كَ وقَدْ كَبِرْتَ فَقُلْتُ إنَّهْ
أيْ نَعَمْ ﴿وَيَذْهَبا بِطَرِيقَتِكُمُ المُثْلى﴾ في قائِلِ هَذِهِ ثَلاثَةُ أقاوِيلَ: أحَدُها: أنَّهُ قَوْلُ السَّحَرَةِ.
الثّانِي: أنَّهُ قَوْلُ قَوْمِ فِرْعَوْنَ.
[النكت والعيون: 3/409-411]

قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ)

قَوْلُهُ تَعالى: ﴿إنْ هَذانِ لَساحِرانِ﴾ الآيَةُ. قَرَأ نافِعٌ، وابْنُ عامِرٍ، وحَمْزَةُ، والكِسائِيُّ: "إنَّ" مُشَدَّدَةَ النُونِ "هَذانَ" بِألِفٍ ونُونٍ مُخَفَّفَةٍ لِلتَّثْنِيَةِ، وقَرَأ أبُو عَمْرٍو وحْدَهُ: "إنَّ هَذَيْنِ لَساحِرانِ"، وقَرَأ ابْنُ كَثِيرٍ: "إنْ هَذانِّ لَساحِرانِ" بِتَخْفِيفِ نُونِ "إنْ" وتَشْدِيدِ نُونِ "هَذانِ لَسَحَرانِ"، وقَرَأ حَفْصٌ عن عاصِمْ: "إنْ" خَفِيفَةً "هَذانِ" خَفِيفَةً أيْضًا "لَساحِرانِ". وقَرَأتْ فِرْقَةٌ: "إنْ هَذانَ إلّا ساحِرانِ"، وقَرَأتْ فِرْقَةٌ: "إنْ ذانِ لَساحِرانِ"، وقَرَأتْ فَرِقَّةٌ: "ما هَذانِ إلّا ساحِرانِ"، وقَرَأتْ فِرْقَةٌ: "إنْ هَذانِّ" بِتَشْدِيدِ النُونِ مِن "هَذانِّ".
فَأمّا القِراءَةُ الأُولى، فَقالَتْ فِرْقَةٌ: "إنَّ" بِمَعْنى: نَعَمْ، كَما رُوِيَ «أنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قالَ في خُطْبَتِهِ: إنِ الحَمْدُ لِلَّه بِرَفْعِ "الحَمْدُ"،» وقالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ الزُبَيْرِ رَضِيَ اللهُ عنهُ: "إنْ وراكِبُها" حِينَ قالَ لَهُ الرَجُلُ: لَعَنَ اللهُ ناقَةً حَمَلَتْنِي إلَيْكَ، ويُدْخُلُ في هَذا التَأْوِيلِ أنَّ اللامَ لا تَدْخُلُ في خَبَرِ الِابْتِداءِ، وهو مِمّا يَجُوزُ في الشِعْرِ، ومِنهُ قَوْلُ الشاعِرِ:
أُمُ الحُلَيْسِ لَعَجُوزٌ شَهْرَبَهْ ∗∗∗ تَرْضى مِنَ اللَحْمِ بِعَظْمِ الرَقَبَهْ
وَذَهَبَتْ فِرْقَةٌ إلى أنَّ هَذِهِ الآيَةَ بِلُغَةِ بَنِي الحارِثِ بْنِ كَعْبٍ، وهو إبْقاءُ ألِفِ التَثْنِيَةِ في حالِ النَصْبِ والخَفْضِ، فَمِن ذَلِكَ قَوْلُ الشاعِرِ:
زَوَّدَ مِنها بَيْنَ أُذُناهُ طَعْنَةً ∗∗∗ دَعَتْهُ إلى هابِي التُرابِ عَقِيمُ
وقَوْلُ الآخَرِ:
أطْرَقَ إطْراقَ الشُجاعِ ولَوْ يَرى ∗∗∗ مَساغًا لَناباهُ الشُجاعِ لَصَمَّها
وَتُعْزى هَذِهِ اللُغَةُ لِكِنانَةَ، وتُعْزى لَخَثْعَمَ، وقالَ الفِراءُ: الألْفُ في "هَذانِ" دِعامَةٌ ولَيْسَتْ بِمَجْلُوبَةٍ لِلتَّثْنِيَةِ، وإنَّما هي ألِفُ "هَذا" تُرِكَتْ في حالِ التَثْنِيَةِ، كَما نَقُولُ: "الَّذِي" ثُمْ في الجَمْعِ نَزِيدُ نُونًا وتُتْرَكُ الياءُ في حالِ النَصْبِ والرَفْعِ والخَفْضِ، وقالَ الزُجاجَ: في الكَلامِ ضَمِيرٌ تَقْدِيرُهِ: إنَّهُ هَذانِ لَساحِرانِ.
قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللهُ:
وفِي هَذا التَأْوِيلِ دُخُولُ اللامِ في الخَبَرِ، وقالَ بَعْضُ النُحاةِ: ألِفُ "هَذانِ" مُشَبَّهَةٌ هُنا بِألِفِ تَفْعَلانِ، وقالَ ابْنُ كَيْسانَ: لِما كانَ "هَذا" بِحالٍ واحِدَةٍ في رَفْعِهِ ونَصْبِهِ وخَفْضِهِ تُرِكَتْ تَثْنِيَتُهُ هُنا كَذَلِكَ. وقالَتْ جَماعَةٌ - مِنهم عائِشَةُ رَضِيَ اللهُ عنها - وأبُو عَمْرٍو -: هَذا مِمّا لَحَنَ الكاتِبُ فِيهِ وأُقِيمَ بِالصَوابِ وهو تَخْفِيفُ النُونِ مِن "إنْ".
قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللهُ:
وهَذِهِ الأقْوالُ مُعْتَرِضَةٌ، إلّا ما قِيلَ مِن أنَّها لُغَةٌ، و"إنْ" بِمَعْنى: أجَلْ ونَعَمْ، أوَ "إنْ" في الكَلامِ ضَمِيرٌ.
وأمّا مِن قَرَأ: "إنْ" خَفِيفَةً، فَهي عن سِيبَوَيْهٍ المُخَفَّفَةُ مِنَ الثَقِيلَةِ ويَرْتَفِعُ بَعْدَها الِاسْمُ، ويَقُولُ الفِراءُ: هي بِمَعْنى "ما" واللامُ بِمَعْنى "إلّا" ووَجْهُ سائِرِ القِراءاتِ بَيِّنٌ.
[المحرر الوجيز :4/49-50]

قال أبو الفرج عبد الرحمن بن علي ابن الجوزي(ت:597هـ):
واخْتَلَفَ القُرّاءُ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿إنْ هَذانِ لَساحِرانِ﴾، فَقَرَأ أبُو عَمْرٍو بْنُ العَلاءِ: ( إنَّ هَذَيْنَ ) عَلى إعْمالِ ( إنَّ )، وقالَ: إنِّي لَأسْتَحْيِي مِنَ اللَّهِ أنْ أقْرَأ ( إنَّ هَذانِ ) . وقَرَأ ابْنُ كَثِيرٍ: ( إنْ ) خَفِيفَةً ( هَذانِّ ) بِتَشْدِيدِ النُّونِ. وقَرَأ عاصِمٌ في رِوايَةِ حَفْصٍ: ( إنْ ) خَفِيفَةً ( هَذانِ ) خَفِيفَةً أيْضًا. وقَرَأ نافِعٌ، وابْنُ عامِرٍ، وحَمْزَةُ، والكِسائِيُّ: ( إنَّ ) بِالتَّشْدِيدِ ( هاذانِ ) بِألِفٍ ونُونٍ خَفِيفَةٍ. فَأمّا قِراءَةُ أبِي عَمْرٍو فاحْتِجاجُهُ في مُخالَفَةِ المُصْحَفِ بِما رُوِيَ عَنْ عُثْمانَ وعائِشَةَ، أنَّ هَذا مِن غَلَطِ الكاتِبِ عَلى ما حَكَيْناهُ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿والمُقِيمِينَ الصَّلاةَ﴾ في سُورَةِ [ النِّساءِ: ١٦٢ ] . وأمّا قِراءَةُ عاصِمٍ فَمَعْناها: ما هَذانِ إلّا ساحِرانِ، كَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿وَإنْ نَظُنُّكَ لَمِنَ الكاذِبِينَ﴾ [ الشُّعَراء: ١٨٦ ]؛ أيْ: ما نَظُنُّكَ إلّا مِنَ الكاذِبِينَ، وأنْشَدُوا في ذَلِكَ:
ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ إنْ قَتَلْتَ لَمُسْلِمًا ∗∗∗ حَلَّتْ عَلَيْهِ عُقُوبَةُ المُتَعَمِّدِ
أيْ: ما قَتَلْتَ إلّا مُسْلِمًا. قالَ الزَّجّاجُ: ويَشْهَدُ لِهَذِهِ القِراءَةِ ما رُوِيَ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، أنَّهُ قَرَأ: ( ما هَذانِ إلّا ساحِرانِ )، ورُوِيَ عَنْهُ: ( إنْ هَذانِ إلّا ساحِرانِ )، ورُوِيَتْ عَنِ الخَلِيلِ: ( إنْ هَذانِ ) بِالتَّخْفِيفِ، والإجْماعُ عَلى أنَّهُ لَمْ يَكُنْ أحَدٌ أعْلَمَ بِالنَّحْوِ مِنَ الخَلِيلِ. فَأمّا قِراءَةُ الأكْثَرِينَ بِتَشْدِيدِ ( إنْ ) وإثْباتِ الألِفِ في قَوْلِهِ: ( هَذانِ )، فَرَوى عَطاءٌ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ أنَّهُ قالَ: هي لُغَةُ بَلْحارِثِ بْنِ كَعْبٍ. وقالَ ابْنُ الأنْبارِيِّ: هي لُغَةٌ لِبَنِي الحارِثِ بْنِ كَعْبٍ وافَقَتْها لُغَةُ قُرَيْشٍ. قالَ الزَّجّاجُ: وحَكى أبُو عُبَيْدَةَ عَنْ أبِي الخَطّابِ، وهو رَأْسٌ مِن رُؤُوسِ الرُّواةِ: أنَّها لُغَةٌ لِكِنانَةَ، يَجْعَلُونَ ألِفَ الِاثْنَيْنِ في الرَّفْعِ والنَّصْبِ والخَفْضِ عَلى لَفْظٍ واحِدٍ، يَقُولُونَ: أتانِي الزَّيْدانِ، ورَأيْتُ الزَّيْدانِ، ومَرَرْتُ بِالزَّيْدانِ، وأنْشَدُوا:

فَأطْرَقَ إطْراقَ الشُّجاعِ ولَوْ رَأى ∗∗∗ مَساغًا لَناباهُ الشُّجاعُ لَصَمَّما
وَيَقُولُ هَؤُلاءِ: ضَرَبْتُهُ بَيْنَ أُذُناهُ. وقالَ النَّحْوِيُّونَ القُدَماءُ: هاهُنا هاءٌ مُضْمَرَةٌ، المَعْنى: إنَّهُ هَذانِ لَساحِرانِ. وقالُوا أيْضًا: إنَّ مَعْنى ( إنْ ): نَعَمْ هَذانِ لَساحِرانِ، ويُنْشِدُونَ:
ويَقُلْنَ شَيْبٌ قَدْ عَلا ∗∗∗ كَ وقَدْ كَبِرْتَ فَقُلْتُ إنَّهْ
قالَ الزَّجّاجُ: والَّذِي عِنْدِي وكُنْتُ عَرَضْتُهُ عَلى عالِمِنا مُحَمَّدِ بْنِ يَزِيدَ، وعَلى إسْماعِيلَ بْنِ إسْحاقَ بْنِ حَمّادِ بْنِ زَيْدٍ، فَقَبِلاهُ وذَكَرا أنَّهُ أجْوَدُ ما سَمِعْناهُ في هَذا، وهو أنَّ ( إنْ ) قَدْ وقَعَتْ مَوْقِعَ ( نَعَمْ )، والمَعْنى: نَعَمْ هَذانِ لَهُما السّاحِرانِ، ويَلِي هَذا في الجَوْدَةِ مَذْهَبُ بَنِي كِنانَةَ، وأسْتَحْسِنُ هَذِهِ القِراءَةَ؛ لِأنَّها مَذْهَبُ أكْثَرِ القُرّاءِ وبِها يُقْرَأُ، وأسْتَحْسِنُ قِراءَةَ عاصِمٍ والخَلِيلِ؛ لِأنَّهُما إمامانِ ولِأنَّهُما وافَقا أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ في المَعْنى، ولا أُجِيزُ قِراءَةَ أبِي عَمْرٍو لِخِلافِ المُصْحَفِ. وحَكى ابْنُ الأنْبارِيِّ عَنِ الفَرّاءِ، قالَ: ألِفُ ( هَذانِ ) هي ألِفُ ( هَذا )، والنُّونُ فَرَّقَتْ بَيْنَ الواحِدِ والتَّثْنِيَةِ، كَما فَرَّقَتْ نُونُ ( الَّذِينَ ) بَيْنَ الواحِدِ والجَمْعِ.

[زاد المسير في علم التفسير: 3/162-164 ]

قال أبو عبد الله محمد بن أحمد بن أبي بكر القرطبي(ت:671هـ):

قوله تعالى: (إِنْ هذانِ لَساحِرانِ) [٢٠: ٦٣] قرأ أبو عمرو "إِنَّ هَذَيْنَ لَسَاحِرَانِ". وَرُوِيَتْ عَنْ عُثْمَانَ وَعَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَغَيْرِهِمَا مِنَ الصَّحَابَةِ، وَكَذَلِكَ قَرَأَ الْحَسَنُ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَإِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ وَغَيْرُهُمْ مِنَ التَّابِعِينَ، وَمِنَ الْقُرَّاءِ عِيسَى بْنُ عُمَرَ وَعَاصِمُ الْجَحْدَرِيُّ، فِيمَا ذَكَرَ النَّحَّاسُ. وَهَذِهِ الْقِرَاءَةُ مُوَافِقَةٌ لِلْإِعْرَابِ مُخَالِفَةٌ لِلْمُصْحَفِ. وَقَرَأَ الزُّهْرِيُّ وَالْخَلِيلُ بْنُ أَحْمَدَ وَالْمُفَضَّلُ وَأَبَانٌ وَابْنُ مُحَيْصِنٍ وَابْنُ كَثِيرٍ وَعَاصِمٌ: فِي رِوَايَةِ حَفْصٍ عَنْهُ" إِنْ هذانِ [٢٠: ٦٣] "بِتَخْفِيفِ" إِنْ" "لَساحِرانِ" وَابْنُ كَثِيرٍ يُشَدِّدُ نُونَ "هَذَانَ". وَهَذِهِ الْقِرَاءَةُ سَلِمَتْ مِنْ مُخَالَفَةِ الْمُصْحَفِ وَمِنْ فَسَادِ الْإِعْرَابِ، وَيَكُونُ مَعْنَاهَا مَا هَذَانَ إِلَّا سَاحِرَانِ. وَقَرَأَ الْمَدَنِيُّونَ وَالْكُوفِيُّونَ: "إِنَّ هَذَانِ" بِتَشْدِيدِ "إِنَّ"" لَساحِرانِ [٢٠: ٦٣] "فَوَافَقُوا الْمُصْحَفَ وَخَالَفُوا الْإِعْرَابَ. قَالَ النَّحَّاسُ: فَهَذِهِ ثَلَاثُ قِرَاءَاتٍ قَدْ رَوَاهَا الْجَمَاعَةُ عَنِ الْأَئِمَّةِ، وَرُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ قَرَأَ" إِنْ هَذَانِ إِلَّا سَاحِرَانِ "وَقَالَ الْكِسَائِيُّ فِي قِرَاءَةِ عَبْدِ اللَّهِ:" إِنْ هَذَانِ سَاحِرَانِ "بِغَيْرِ لَامٍ، وَقَالَ الْفَرَّاءُ فِي حَرْفِ أُبَيٍّ" إِنْ ذَانِ إِلَّا سَاحِرَانِ" فَهَذِهِ ثَلَاثُ قِرَاءَاتٍ أُخْرَى تُحْمَلُ عَلَى التَّفْسِيرِ لَا أَنَّهَا جَائِزٌ أَنْ يُقْرَأَ بِهَا لِمُخَالَفَتِهَا الْمُصْحَفَ. قُلْتُ: وَلِلْعُلَمَاءِ فِي قِرَاءَةِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَالْكُوفَةِ سِتَّةُ أَقْوَالٍ ذَكَرَهَا ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ فِي آخِرِ كِتَابِ الرَّدِّ لَهُ، وَالنَّحَّاسُ فِي إِعْرَابِهِ، وَالْمَهْدَوِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ، وَغَيْرُهُمْ أَدْخَلَ كَلَامَ بَعْضِهِمْ فِي بَعْضٍ. وَقَدْ خَطَّأَهَا قَوْمٌ حَتَّى قَالَ أَبُو عَمْرٍو: إِنِّي لَأَسْتَحِي مِنَ الله [تعالى(٢) أَنْ أَقْرَأَ" إِنْ هذانِ [٢٠: ٦٣]". وَرَوَى عُرْوَةُ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّهَا سُئِلَتْ عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى "لكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ"(٣) ثُمَّ قَالَ: "وَالْمُقِيمِينَ"(٤) وَفِي "الْمَائِدَةِ" ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا وَالصَّابِئُونَ﴾(٥) [المائدة: ٦٩] وَ" إِنْ هذانِ لَساحِرانِ [٢٠: ٦٣] "فَقَالَتْ: يَا ابْنَ أُخْتِي! هَذَا خَطَأٌ مِنَ الْكَاتِبِ. وَقَالَ عُثْمَانُ ابن عَفَّانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: فِي الْمُصْحَفِ لَحْنٌ وَسَتُقِيمُهُ الْعَرَبُ بِأَلْسِنَتِهِمْ. وَقَالَ أَبَانُ بْنُ عُثْمَانَ: قَرَأْتُ هَذِهِ الْآيَةَ عِنْدَ أَبِي عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ، فَقَالَ: لَحْنٌ وَخَطَأٌ، فَقَالَ لَهُ قَائِلٌ: أَلَا تُغَيِّرُوهُ؟ فَقَالَ: دَعُوهُ فَإِنَّهُ لَا يُحَرِّمُ حلالا ولا يحلل حرما. الْقَوْلُ الْأَوَّلُ مِنَ الْأَقْوَالِ السِّتَّةِ: أَنَّهَا لُغَةُ بنى الحرث بْنِ كَعْبٍ وَزُبَيْدٍ وَخَثْعَمَ. وَكِنَانَةَ بْنِ زَيْدٍ يجعلون رفع الاثنين ونصبه وخفضه بالألف، يَقُولُونَ: جَاءَ الزَّيْدَانِ وَرَأَيْتُ الزَّيْدَانِ وَمَرَرْتُ بِالزَّيْدَانِ، ومنه قوله تعالى:" وَلا أَدْراكُمْ بِهِ [١٠: ١٦]" [يونس: ١٦] عَلَى مَا تَقَدَّمَ(٦). وَأَنْشَدَ الْفَرَّاءُ لِرَجُلٍ مِنْ بَنِي أَسَدٍ(٧) - قَالَ: وَمَا رَأَيْتُ أَفْصَحَ مِنْهُ:
فَأَطْرَقَ إِطْرَاقَ الشُّجَاعِ وَلَوْ يَرَى ... مَسَاغًا لِنَابَاهُ الشُّجَاعُ لَصَمَّمَا(٨)
وَيَقُولُونَ: كَسَرْتُ يَدَاهُ وَرَكِبْتُ عَلَاهُ، بمعنى يديه وعليه، قال شاعرهم:(٩)
تَزَوَّدَ مِنَّا بَيْنَ أُذْنَاهُ ضَرْبَةً ... دَعَتْهُ إِلَى هابي التراب عقيم
وَقَالَ آخَرُ:(١٠)
طَارُوا عَلَاهُنَّ فَطِرْ عَلَاهَا
أَيْ عَلَيْهِنَّ وَعَلَيْهَا. وَقَالَ آخَرُ:(١١)
إِنَّ أَبَاهَا وَأَبَا أَبَاهَا ... قَدْ بَلَغَا فِي الْمَجْدِ غَايَتَاهَا
أَيْ إن أبا أبيها وغايتها. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ النَّحَّاسُ: وَهَذَا الْقَوْلُ مِنْ أَحْسَنِ مَا حُمِلَتْ عَلَيْهِ الْآيَةُ، إِذْ كَانَتْ هَذِهِ اللُّغَةُ مَعْرُوفَةً، وَقَدْ حَكَاهَا مَنْ يُرْتَضَى بِعِلْمِهِ وَأَمَانَتِهِ، مِنْهُمْ أَبُو زَيْدٍ الْأَنْصَارِيُّ، وَهُوَ الَّذِي يَقُولُ: إِذَا قَالَ سِيبَوَيْهِ حَدَّثَنِي مَنْ أَثِقُ بِهِ فَإِنَّمَا يَعْنِينِي، وَأَبُو الْخَطَّابِ الْأَخْفَشُ وَهُوَ رَئِيسٌ مِنْ رُؤَسَاءِ اللُّغَةِ، وَالْكِسَائِيُّ وَالْفَرَّاءُ كلهم قالوا هذا على لغة بني الحرث بْنِ كَعْبٍ. وَحَكَى أَبُو عُبَيْدَةَ عَنْ أَبِي الْخَطَّابِ أَنَّ هَذِهِ لُغَةُ بَنِي كِنَانَةَ. الْمَهْدَوِيُّ: وَحَكَى غَيْرُهُ أَنَّهَا لُغَةٌ لِخَثْعَمَ. قَالَ النَّحَّاسُ وَمِنْ أَبْيَنِ مَا فِي هَذَا قَوْلُ سِيبَوَيْهِ: وَاعْلَمْ أَنَّكَ إِذَا ثَنَّيْتَ الْوَاحِدَ زِدْتَ عَلَيْهِ زَائِدَتَيْنِ، الْأُولَى مِنْهُمَا حَرْفُ مَدٍّ وَلِينٍ وَهُوَ حَرْفُ الْإِعْرَابِ، قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ فَقَوْلُ سِيبَوَيْهِ: وَهُوَ حَرْفُ الْإِعْرَابِ، يُوجِبُ أَنَّ الْأَصْلَ أَلَّا يتغير، فيكون "إن هذان" جاء عَلَى أَصْلِهِ لِيُعْلَمَ ذَلِكَ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى ﴿اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطانُ﴾(١٢) [المجادلة: ١٩] وَلَمْ يَقُلِ اسْتَحَاذَ، فَجَاءَ هَذَا لِيَدُلَّ عَلَى الْأَصْلِ، وَكَذَلِكَ "إِنْ هَذَانِ" وَلَا يُفَكَّرُ فِي إنكار من أنكر هذه اللغة إذ كَانَ الْأَئِمَّةُ قَدْ رَوَوْهَا. الْقَوْلُ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ "إِنْ" بِمَعْنَى نَعَمْ، كَمَا حَكَى الْكِسَائِيُّ عَنْ عَاصِمٍ قَالَ: الْعَرَبُ تَأْتِي بِ"- إِنْ "بِمَعْنَى نَعَمْ، وَحَكَى سِيبَوَيْهِ أَنَّ" إِنْ" تَأْتِي بِمَعْنَى أَجَلْ، وَإِلَى هَذَا الْقَوْلِ كَانَ مُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ الْقَاضِي يَذْهَبَانِ، قَالَ النَّحَّاسُ: وَرَأَيْتُ أَبَا إِسْحَاقَ الزَّجَّاجَ وَعَلِيَّ بْنَ سُلَيْمَانَ يَذْهَبَانِ إِلَيْهِ. الزَّمَخْشَرِيُّ: وَقَدْ أُعْجِبَ بِهِ أَبُو إِسْحَاقَ. النَّحَّاسُ: وَحَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ السَّلَامِ النَّيْسَابُورِيُّ، ثُمَّ لَقِيتُ عَبْدَ الله بن أحمد [هذا(١٣) فَحَدَّثَنِي، قَالَ حَدَّثَنِي عُمَيْرُ بْنُ الْمُتَوَكِّلِ، قَالَ حدثنا محمد ابن موسى النوفلي من ولد حرث بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، قَالَ حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ جميع الكوفي عن جعفر ابن مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَلِيٍّ- وَهُوَ ابْنُ الْحُسَيْنِ- عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ، قَالَ: لَا أُحْصِي كَمْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ عَلَى مِنْبَرِهِ: "إِنَّ الْحَمْدُ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ" ثُمَّ يَقُولُ: "أَنَا أَفْصَحُ قريش كلها وأفصحها بعدي أبان ابن سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ" قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ الْخَفَّافُ قَالَ عُمَيْرٌ: إِعْرَابُهُ عِنْدَ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ وَالنَّحْوِ "إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ" بِالنَّصْبِ إِلَّا أَنَّ الْعَرَبَ تَجْعَلُ "إِنَّ" فِي مَعْنَى نَعَمْ كَأَنَّهُ أَرَادَ ﷺ نَعَمِ الْحَمْدُ لِلَّهِ، وذلك أن خطباء الجاهلية كانت تفتتح [في(١٤) خُطَبَهَا بِنَعَمْ. وَقَالَ الشَّاعِرُ فِي مَعْنَى نَعَمْ:
قَالُوا غَدَرْتَ فَقُلْتُ إِنَّ وَرُبَّمَا ... نَالَ الْعُلَا وَشَفَى الْغَلِيلَ الْغَادِرُ
وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ قَيْسُ الرُّقَيَّاتِ:
بَكَرَ الْعَوَاذِلُ فِي الصَّبَا ... حَ يَلُمْنَنِي وَأَلُومُهُنَّهْ
وَيَقُلْنَ شَيْبٌ قَدْ عَلَا ... كَ وَقَدْ كَبِرْتَ فَقُلْتُ إِنَّهْ
فَعَلَى هَذَا جَائِزٌ أَنْ يَكُونَ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: "إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ" بِمَعْنَى نَعَمْ وَلَا تُنْصَبُ. قَالَ النَّحَّاسُ: أَنْشَدَنِي دَاوُدُ بْنُ الْهَيْثَمِ، قَالَ أَنْشَدَنِي ثَعْلَبٌ:
لَيْتَ شِعْرِي هَلْ لِلْمُحِبِّ شِفَاءٌ ... مِنْ جوى حبهن إن اللقاء
قَالَ النَّحَّاسُ: وَهَذَا قَوْلٌ حَسَنٌ إِلَّا أَنَّ فِيهِ شَيْئًا لِأَنَّهُ إِنَّمَا يُقَالُ: نَعَمْ زَيْدٌ خارج، ولا تكاد تقع اللام ها هنا، وَإِنْ كَانَ النَّحْوِيُّونَ قَدْ تَكَلَّمُوا فِي ذَلِكَ فَقَالُوا: اللَّامُ يُنْوَى بِهَا التَّقْدِيمُ، كَمَا قَالَ:
خَالِي لَأَنْتَ وَمَنْ جَرِيرٌ خَالُهُ ... يَنَلِ الْعَلَاءَ وَيُكْرِمِ الْأَخْوَالَا
آخَرُ:
أُمُّ الْحُلَيْسِ لَعَجُوزٌ شَهْرَبَهْ ... تَرْضَى مِنَ الشَّاةِ بِعَظْمِ الرَّقَبَهْ
أَيْ لَخَالِي وَلَأُمِّ الْحُلَيْسِ، وَقَالَ الزَّجَّاجُ: وَالْمَعْنَى فِي الْآيَةِ إِنَّ هَذَانِ لَهُمَا سَاحِرَانِ ثُمَّ حَذَفَ الْمُبْتَدَأَ. الْمَهْدَوِيُّ: وَأَنْكَرَهُ أَبُو عَلِيٍّ وَأَبُو الْفَتْحِ بْنُ جِنِّيٍّ. قَالَ أَبُو الْفَتْحِ: "هُمَا" الْمَحْذُوفُ لَمْ يُحْذَفْ إِلَّا بَعْدَ أَنْ عُرِفَ، وَإِذَا كَانَ مَعْرُوفًا فَقَدِ اسْتُغْنِيَ بِمَعْرِفَتِهِ عَنْ تَأْكِيدِهِ بِاللَّامِ، وَيَقْبُحُ أَنْ تَحْذِفَ الْمُؤَكَّدَ وَتَتْرُكَ الْمُؤَكِّدَ. الْقَوْلُ الثالث: قاله الفراء أيضا [قال(١٥): وَجَدْتُ الْأَلِفَ دِعَامَةً لَيْسَتْ بِلَامِ الْفِعْلِ فَزِدْتُ عَلَيْهَا نُونًا وَلَمْ أُغَيِّرْهَا كَمَا قُلْتُ: "الَّذِي" ثُمَّ زِدْتُ عَلَيْهِ نُونًا فَقُلْتُ: جَاءَنِي الَّذِينَ عِنْدَكَ، وَرَأَيْتُ الَّذِينَ عِنْدَكَ، وَمَرَرْتُ بِالَّذِينَ عِنْدَكَ. الْقَوْلُ الرَّابِعُ: قَالَهُ بَعْضُ الْكُوفِيِّينَ قَالَ الْأَلِفُ فِي "هَذَانَ" مُشَبَّهَةٌ بِالْأَلِفِ فِي يَفْعَلَانِ فَلَمْ تُغَيَّرْ. الْقَوْلُ الْخَامِسُ: قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ: النَّحْوِيُّونَ القدماء يقولون الهاء ها هنا مُضْمَرَةٌ، وَالْمَعْنَى إِنَّهُ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ، قَالَ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ: فَأُضْمِرَتِ الْهَاءُ الَّتِي هِيَ مَنْصُوبُ "إِنْ" وَ" هذانِ [٢٠: ٦٣] "خَبَرُ" إِنْ "وَ" سَاحِرَانِ "يَرْفَعُهَا" هُمَا" الْمُضْمَرُ [وَالتَّقْدِيرُ(١٦) إِنَّهُ هَذَانَ لَهُمَا سَاحِرَانِ. وَالْأَشْبَهُ(١٧) عِنْدَ أَصْحَابِ أَهْلِ هَذَا الْجَوَابِ أَنَّ الْهَاءَ اسْمُ "إِنْ" وَ "هذانِ" رُفِعَ بِالِابْتِدَاءِ وَمَا بَعْدَهُ خَبَرُ الِابْتِدَاءِ. الْقَوْلُ السَّادِسُ: قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ النَّحَّاسُ وَسَأَلْتُ أَبَا الْحَسَنِ بْنَ كَيْسَانَ عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ، فَقَالَ: إِنْ شِئْتَ أَجَبْتُكَ بِجَوَابِ النَّحْوِيِّينَ، وَإِنْ شِئْتَ أَجَبْتُكَ بِقَوْلِي، فَقُلْتُ: بِقَوْلِكَ، فَقَالَ: سَأَلَنِي إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ عَنْهَا فَقُلْتُ: الْقَوْلُ عِنْدِي أَنَّهُ لَمَّا كَانَ يُقَالُ: "هَذَا" فِي مَوْضِعِ الرَّفْعِ وَالنَّصْبِ وَالْخَفْضِ عَلَى حَالٍ وَاحِدَةٍ، وَكَانَتِ التَّثْنِيَةُ يَجِبُ أَلَّا يغير لها الواحد أجريت التثنية مجرى الواحد فَقَالَ: مَا أَحْسَنَ هَذَا لَوْ تَقَدَّمَكَ أَحَدٌ بِالْقَوْلِ بِهِ حَتَّى يُؤْنَسَ بِهِ، قَالَ ابْنُ كَيْسَانَ: فَقُلْتُ لَهُ: فَيَقُولُ الْقَاضِي بِهِ حَتَّى يؤنس به، فتبسم.
[الجامع لأحكام القرآن:11/218]

قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ)
﴿قَالُوا إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ﴾ هَذِهِ لُغَةٌ لِبَعْضِ الْعَرَبِ، جَاءَتْ هَذِهِ الْقِرَاءَةُ عَلَى إِعْرَابِهَا، وَمِنْهُمْ مَنْ قَرَأَ: "إنْ هَذَينِ لَسَاحِرَانِ" وَهَذِهِ اللُّغَةُ الْمَشْهُورَةُ، وَقَدْ تَوَسَّعَ النُّحَاةُ فِي الْجَوَابِ عَنِ الْقِرَاءَةِ الْأَوْلَى بِمَا لَيْسَ هَذَا مَوْضِعُهُ.
[تفسير ابن كثير:5/301]

ثانياً: جمع أقوال اللغويين في هذه المسألة:
قال الخليل بن أحمد الفراهيدي(ت:170هـ):
وأمّا إِنْ هذانِ لَساحِرانِ فَمَنْ خفّف فهو بلغة الذين يخفِّفون ويرفعون، فذلك وَجْهٌ، ومنهم مَنْ يجعل اللاّم في موضع (إلاّ) ، ويجعل (إنْ) جَحْداً، على تفسير: ما هذان إلاّ ساحرانِ، وقال الشّاعر:
أَمْسَى أبانُ ذليلاً بَعْدَ عزّته ... وإن أبانُ لَمِنْ أَعْلاجِ سوراء «69»
ويقال: [تكون] (إنّ) في مَوْضع (أَجَلْ) فيكسِرونَ ويثقلون، فإِذا وقفوا في هذا المعنى قالوا: إنّهْ.. تكون الهاء صلةً في الوقوف، وتَسْقط [الهاء] إذا صرفوا «70» ...
وبلغنا عن عبدِ اللَّه بنِ الزُّبَيْر أن أعرابيّاً أتاه فسأله فحرمه، فقال: لعن اللَّه ناقةً حملتني إليك، فقال ابنُ الزُّبير: إنّ وراكِبَها
، أي: أَجَلْ. فأمّا تميم فإِنّهم يَجْعلونَ ألِفَ كلّ أنّ وأَنْ، منصوبة، من المُثَقَّل والمُخَفَّف: عيناً، كقولك: أريد عَنْ أكلمك، و [بلغني عنّك مقيم] . وأنّ الرّجل يَئنُّ: من الأنين، قال: «71»
تشكو الخشاش ومجرى النسعتين كما ... أن المريض إلى عُوّاده، الوَصِبُ
[العين:8/397-398]

قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ):
وفي قراءة عبد اللَّه «والمقيمون والمؤتون» وفي قراءة أَبِي «وَالْمُقِيمِينَ» ولم يجتمع فِي قراءتنا وفي قراءة أَبِي إلا على صوابٍ. والله أعلم.
حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ: قال: وقد حدّثنى أبو معاوية «3» الصرير عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا سُئِلَتْ عَنْ قوله: «إِنْ هذانِ لَساحِرانِ» «4» وَعَنْ قوله:
«إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا وَالصَّابِئُونَ» «5» وعن قوله: «وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاةَ وَالْمُؤْتُونَ الزَّكاةَ» فقالت: يا بن أخى «6» هذا كان خطأ من الكاتب. وقال فِيهِ الكسائي «وَالْمُقِيمِينَ» موضعه خفض يرد على قوله: «بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ» : ويؤمنون بالمقيمين الصلاة هُمْ والمؤتون الزكاة.
قال: وهو بمنزلة قوله: «يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ» «1» وكان النحويّون يقولون «الْمُقِيمِينَ» مردودة على «بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ- إلى الْمُقِيمِينَ» وبعضهم «لكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ» ومن «الْمُقِيمِينَ» وبعضهم «مِنْ قَبْلِكَ» ومن قبل «الْمُقِيمِينَ» .
وإنما امتنع من مذهب المدح- يعني الكسائي- الَّذِي فسرت لك، لأنه قال: لا ينصب الممدوح إلا عند تمام الكلام، ولم «2» يتمم الكلام فى سورة النساء.
ألا ترى أنك حين قلت «لكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ- إلى قوله «وَالْمُقِيمِينَ- والْمُؤْتُونَ» كأنك منتظر لخبره «3» ، وخبره فِي قوله «أُولئِكَ سَنُؤْتِيهِمْ أَجْراً عَظِيماً» والكلام أكثره على ما وصف الكسائي. ولكن العرب إذا تطاولت الصفة جعلوا الكلام فِي الناقص وفي التام كالواحد ألا ترى أنهم قَالُوا فِي الشعر:
حَتَّى إذا قملت «4» بطونكم ... ورأيتم أبناءكم شبوا
وقلبتم ظهر المجن لنا ... إن اللئيم العاجز الخب
فجعل جواب (حَتَّى إذا) بالواو، وكان ينبغي ألا يكون فِيهِ واو، فاجتزئ بالاتباع ولا خبر بعد ذلك. وهذا أشدّ مما وصفت لك.
وقوله: فَتَنازَعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ [62] يعني السَّحَرة قَالَ بَعضهم لبعض: إن غَلَبَنَا موسى اتَّبعناهُ وأسرُّوها من فرعون وأصحابه.
وقوله: إِنْ هذانِ لَساحِرانِ [83] قد اختلف فِيهِ القراء فقال بعضهم: هُوَ لحن ولكنا نمضي عَلَيْهِ لئلا نُخالف الكتاب. حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو مُعَاوِيَةَ الضَّرِيرُ «2» عَنْ هَاشِمِ بْنِ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا سُئِلَتْ عَنْ قوله فِي النِّسَاءِ (لكِنِ «3» الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ.... وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاةَ) وَعَنْ قوله فِي الْمَائِدَةِ (إِنَّ الَّذِينَ «4» آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا وَالصَّابِئُونَ) وعن قوله ( «5» إِنْ هذانِ لَساحِرانِ) فقالت: يا ابن أَخِي هَذَا كَانَ «6» خَطَأً مِنَ الْكَاتِبِ. وقرأ أَبُو عمرو (إِنَّ هَذَيْنِ لساحران) واحتج أَنَّهُ بلغه عَن «7» بعض أصحاب مُحَمَّد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: إن فِي المصحف لحنًا وستقيمه العرب.
قَالَ الفراء: ولست أشتهي عَلَى (أن أخالف «8» الكتاب وقرأ بعضهم «9» (إِنْ هذان لساحران)
خفيفة «1» وَفِي قراءة عبد الله: (وأسروا النجوى أن هذان ساحران) وَفِي قراءة أُبَيّ (إنْ ذان إلا ساحران) فقراءتنا «2» بتشديد (إنّ) وبالألف عَلَى جهتين.
إحداهما عَلَى لغة بني الحارث بن كعب: يجعلونَ الاثنين فِي رفعهما ونصبهما وخفضهما بالألف.
وأنشدني رجلٌ من الأسد عنهم. يريد بني الحارث:
فأَطرق إطراق الشجاع ولو يرى ... مسَاغًا لِناباه الشجاعُ لصَمّما «3»
قَالَ: وما رأيت أفصح من هَذَا الأسدي وحكى هَذَا الرجل عنهم: هَذَا خطُّ يَدَا أخي بعينه.
وَذَلِكَ- وإن كَانَ قليلًا- أقيس لأن العرب قالوا: مسلمون فجعلوا الواو تابعة للضمة (لأن الواو «4» لا تُعرب) ثُمَّ قالوا: رأيت المسلمين فجعلوا الياء تابعة لكسرة الميم. فلمّا رأوا أن «5» الياء من الاثنين لا يمكنهم كسر ما قبلها، وثبت مفتوحًا: تركوا الألف تتبعه، فقالوا: رجلانِ فِي كل حَالٍ.
وقد اجتمعت العرب عَلَى إثبات الألف فِي كِلا الرجلين فِي الرفع والنصب والخفض وهما اثنان، إلا بنى كنانة فإنهم يقولون: رأيت كلى الرجلين ومررت بكلَيِ الرجلين. وهي قبيحة قليلة، مَضَوْا عَلَى القياس.
والوجهُ الآخر أن تَقُولُ: وجدت الألف (من «6» هَذَا دِعامة وليست بلام فعل، فلمّا ثنّيت زدتُ عليها نونًا ثُمَّ تركت الألف) ثابتة عَلَى حالِها لا تزول عَلَى «7» كل حال كما قالت العرب (الَّذِي) ثُمَّ زادوا نونًا تدل عَلَى الجماع، فقالوا: الَّذِينَ فِي رفعهم ونصبهم وخفضهم كما تركوا (هذان) فِي رفعه ونصبه وخفضه. وكنانة يقولون (اللّذون) .
[معاني القرآن: 2/183-184]

قال أبو عبيدة معمر بن المثنى التيمى البصري (المتوفى: 210هـ):
ومن مجاز ما جاء من مذاهب وجوه الإعراب، قال: «سُورَةٌ أَنْزَلْناها» (24/ 1) رفع ونصب، وقال: «وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما» (5/ 41) رفع ونصب، وقال: «الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما مِائَةَ جَلْدَةٍ» (24/ 2) رفع ونصب.
ومجاز المتحمل من وجوه الإعراب كما قال: «إِنْ هذانِ لَساحِرانِ» (20/ 63) .
قال: «1» وكل هذا جائز معروف قد يتكلمون به.

«إِنْ هذانِ لَساحِرانِ» (63) قال أبو عمرو وعيسى ويونس «إنّ هذين لساحران» فى اللفظ وكتب «هذان» كما يزيدون وينقصون فى الكتاب واللفظ صواب. وزعم أبو الخطّاب أنه سمع قوما من بنى كنانة وغيرهم يرفعون الاثنين فى موضع الجر والنصب، قال بشر بن هلال «إِنْ» بمعنى الابتداء والإيجاب، ألا ترى أنها تعمل فيما يليها ولا تعمل فيما بعد الذي بعدها فترفع الخبر ولا تنصبه كما تنصب الاسم فكان مجاز«إِنْ هذانِ لَساحِرانِ» «1» مجاز كلامين، مخرجه: إنه أي نعم، ثم قلت: هذان ساحران، ألا ترى أنهم يرفعون المشرك كقوله:
فمن يك أمسى بالمدينة رحله ... فإنّى وقيّار بها لغريب
(207) وقوله:
إنَّ شَرخ الشَّباب والشّعر الأسود ... ما لم يعاص كان جنونا
(291) وقوله:
إنّ السيوف غدوّها ورواحها ... تركت هوازن مثل قرن الأعضب
«2» «3» [545] ويقول بعضهم «إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ» (33/ 56) فيرفعون ملائكته على شركة الابتداء ولا يعملون فيها «إن» ، وقال سمعت الفصحاء من المحرمين يقولون: إنّ الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك.
وقرأها قوم على تخفيف نون «إن» وإسكانها وهو يجوز لأنهم قد أدخلوا اللام فى الابتداء وهى فضل، قال:
«أم الحليس لعجوز شهربه»
وزعم قوم أنه لا يجوز لأنه إذا خفّف نون «إن» فلا بد له من أن يدخل إلّا فيقول: إن هذان إلّا ساحران.
[مجاز القرآن: 2/23:21]

قال أبو الحسن الأخفش (215 هـ)
قَالُواْ إِنْ هَاذَانِ لَسَاحِرَانِ يُرِيدَانِ أَن يُخْرِجَاكُمْ مِّنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِمَا وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلَى}
وقال {إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ} خفيفة في معنى ثقيلة. وهي لغة لقوم يرفعون ويدخلون اللام ليفرقوا بينها وبين التي تكون في معنى "ما" ونقرؤها ثقيلة وهي لغة لبني الحارث بن كعب.
[ معاني القرآن: 2/443-444]

قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (
فقالوا: في قوله سبحانه: إِنْ هذانِ لَساحِرانِ [طه: 63] وهي لغة بلحرث بن كعب يقولون: مررت برجلان، وقبضت منه درهمان، وجلست بين يداه، وركبت علاه. وأنشدوا «2» :
تزوّد منّا بين أذناه ضربة ... دعته إلى هابي التّراب عقيم
أي موضع كثير التراب لا ينبت.
وأنشدوا «3» :
أيّ قلوص راكب تراها ... طاروا علاهنّ فطر علاها
على أن القراء قد اختلفوا في قراءة هذا الحرف: فقرأه أبو عمرو بن العلاء «1» ، وعيسى بن عمر «2» : «إنّ هذين لساحران» وذهبا إلى أنه غلط من الكاتب كما قالت عائشة.
وكان عاصم الجحدريّ «3» يكتب هذه الأحرف الثلاثة في مصحفه على مثالها في الإمام، فإذا قرأها، قرأ: «إنّ هذين لساحران» ، وقرأ المقيمون الصلاة [النساء: 162] ، وقرأ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا وَالصَّابِئِينَ [الحج: 17] .
وكان يقرأ أيضا في سورة البقرة: والصابرون فى البأساء والضراء [البقرة: 177] ويكتبها: الصابرين.
وإنما فرق بين القراءة والكتاب لقول عثمان رحمة الله: أرى فيه لحنا وستقيمه العرب بألسنتها فأقامه بلسانه، وترك الرسم على حاله.
وكان الحجاج «4» وكّل عاصما «5» وناجية بن رمح وعليّ بن أصمع بتتبّع المصاحف، وأمرهم أن يقطعوا كل مصحف وجدوه مخالفا لمصحف عثمان، ويعطوا صاحبه ستين درهما.
خبّرني بذلك أبو حاتم «6» عن الأصمعي «7» قال: وفي ذلك يقول الشاعر:
وإلا رسوم الدّار قفرا كأنّها ... كتاب محاه الباهليّ بن أصمعا
وقرأ بعضهم: إِنْ هذانِ لَساحِرانِ [طه: 63] اعتبارا بقراءة أبيّ لأنها في مصحفه:
«إن ذان إلا ساحران» وفي مصحف عبد الله: (وأسرّوا النّجوى أن هذان ساحران) منصوبة بالألف يجعل إِنْ هذانِ تبيينا للنجوى.
وقالوا في قوله تبارك وتعالى: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا وَالصَّابِئُونَ [المائدة:
69] رفع (الصابئين) لأنه ردّ على موضع إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وموضعه رفع، لأن (إنّ) مبتدأة وليست تحدث في الكلام معنى كما تحدث أخواتها. ألا ترى أنك تقول: زيد قائم، ثم تقول: إن زيدا قائم، ولا يكون بين الكلامين فرق في المعنى. وتقول: زيد قائم، ثم تقول: ليت زيدا قائم، فتحدث في الكلام معنى الشك. وتقول: زيد قائم، ثم تقول: ليت زيدا قائم، فتحدث في الكلام معنى التمني، ويدلّك على ذلك قولهم: إن عبد الله قائم وزيد، فترفع زيدا، كأنك قلت: عبد الله قائم وزيد، وتقول: لعل عبد الله قائم وزيدا، فتنصب مع (لعلّ) وترفع مع (إن) لما أحدثته (لعلّ) من معنى الشك في الكلام، ولأنّ (إنّ) لم تحدث شيئا. وكان الكسائي «1» يجيز: أن عبد الله وزيد قائمان، وإنّ عبد الله وزيد قائم. والبصريون يجيزونه، ويحكون: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ [الأحزاب: 56] وينشدون «2» :
فمن يك أمسى بالمدينة رحله ... فإنّي وقيّار بها لغريب
وقالوا في نصب (المقيمين) بأقاويل: قال بعضهم: أراد بما أنزل إليك وإلى المقيمين. وقال بعضهم: وما أنزل من قبلك ومن قبل المقيمين، وكان الكسائي يرده إلى قوله: يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ [البقرة: 4] أي: ويؤمنون بالمقيمين، واعتبره بقوله في موضع آخر: يُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ أي بالمؤمنين. وقال بعضهم: هو نصب على المدح. قال أبو عبيدة «1» : هو نصب على تطاول الكلام بالنّسق، وأنشد للخرنق بنت هفّان «2» :
لا يبعدن قومي الذين هم ... سمّ العداة وآفة الجزر
النازلين بكلّ معترك ... والطيّبون معاقد الأزر
ومما يشبه هذه الحروف- ولم يذكروه- قوله في سورة البقرة: وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذا عاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْساءِ وَالضَّرَّاءِ [البقرة: 177] . والقرّاء جميعا على نصب الصابرين إلا عاصما الجحدري فإنه كان يرفع الحرف إذا قرأه، وينصبه إذا كتبه، للعلّة التي تقدم ذكرها.
واعتل أصحاب النحو للحرف، فقال بعضهم: هو نصب على المدح، والعرب تنصب على المدح والذم، كأنهم ينوون إفراد الممدوح بمدح مجدّد غير متبع لأوّل. [ تأويل مشكل القرآن: 1/36-38 ]
فقد كتب في الإمام: إِنْ هذانِ لَساحِرانِ بحذف ألف التثنية.
[ تأويل مشكل القرآن: 1/42 ]

قال أبو إسحاق إبراهيم بن السري بن سهل الزجاج (ت: 311هـ):
وقوله عزَّ وجلَّ: (قَالُوا إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ يُرِيدَانِ أَنْ يُخْرِجَاكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِمَا وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلَى (63)
(إن هَذَانِ لَسَاحِرَانِ) (1).
يَعْنُونَ موسى وهارون. وهذا الحرف من كتاب اللَّه عزَّ وجلَّ مُشْكِل على
أهل اللغة، وقد كثر اختلافهم في تفسيره، ونحن نذكر جميع ما قاله النحويون ونخبر بما نظن أنه الصواب واللَّه أعلم، وقبل شرح إعرابه نخبر بقراءة القُراءِ
أما قراءة أهل المدينة والأكْمَهِ في القراءة فبتشديد (إنَّ) والرفع في
(هذان) وكذلك قرأ أهْلُ العِراق حمزةُ وعاصم - في رواية أبي بكر بن عياش والمدنيونَ.
ورُويِ عَنْ عاصم: إِنْ هذان بتخفيف (إنْ)، ويُصَدِّق ما قرأه عاصم
في هذه القراءة ما يُرْوى عَنْ أُبَيٍّ فَإنهُ قرأ: ما هذان إِلَّا سَاحِرَانِ، ورُوِيَ أيضاً
عنه أنه قرأ: إنْ هَذَان إِلا سَاحِرانِ، ورويت عن الخليل أيضاً: إنْ هذانْ
لَسَاحِرَان - بالتخفيف -.
والإجماع أنه لم يكن أحد بالنحو أعلم من الخليل.
وقرأ أبو عمرو وعيسى بن عمَر: إنَّ هَذَيْن لَسَاحرانِ، بتشديد " إِنَّ " ونصب هذين.
فهذه الرواية فيه.
فأمااحتجاج النحويين فاحتجاج أبي عمرو في مخالفته المصحف في
هذا أنهُ رُوِيَ أنه من غَلطِ الكاتب، وأن في الكتاب غَلَطاً سَتُقِيمُه العربُ
بألْسِنَتِها، يروى ذلك عَنْ عُثْمَانَ بنِ عفَانِ وَعَنْ عائشة - رحمهما اللَّه -.
وأما الاحتجاج في أنَّ هذان بتشديد أن ورفع هذانِ فحكى أبُو عُبَيْدَة عن
أبي الخطاب وهو رأس من رؤساء الرواة، أنها لغة لِكنَانَة، يجعلون ألف
الاثنين في الرفع والنَصْبِ والخفض على لفظ واحدٍ، يقولون أتاني الزيدان.
ورأيت الزيْدَانِ، ومررت بالزَيْدَانِ، وهؤلاء ينشدون:
فأَطْرَقَ إطْراقَ الشُّجاعِ ولو رَأَى. . . مَساغاً لِنابَاه الشُّجاعُ لَصَمَّما
وهؤلاء أيضاً يقولون: ضَرَبتُه بين أذُناه، ومن يشتري مني الخُفَّانِ
وكذلك روى أهل الكوفة أنها لغة لبني الحرث بن كعْبٍ.
قال النحويون القُدَمَاء: ههنا هاء مضمرة، المعنى إنهُ هذانِ لَسَاحِرَانِ،

وقالوا أيضاً أن معنى (إن) معنى (نَعَمْ)، المعنى نعم هَذان لساحِرَانِ.
وينشدون:
ويَقُلْنَ شَيْبٌ قدْ علَّا. . . كَ وقد كَبِرْتَ فقلتُ إنَّهْ
ويَحتحون بأن هذه اللامَ - أصْلُهَا - أن تقع في الابتداء، وأن وُقُوعَها في
الخبر جائز، وينشدون في ذلك:
خالي لأَنتَ ومَن جَريرٌ خالُه. . . يَنَلِ العَلاءَ ويُكْرِمِ الأَخْوالا
وأنشدوا أيضاً:
أُمُّ الحُلَيْسِ لَعَجُوزٌ شَهْرَبَهْ. . . تَرْضى من الشاةِ بِعَظْمِ الرَّقَبَهْ
قالوا: المعنى لأنت خالي، والمعنى لأم الحليس عجوز.
وقال الفراء فى هذا: إنهم زادوا فيها النون في التثنية وتركوا الألف على حالها في الرفع والنصب والجر كما فعلوا في الذي، فقالوا الَّذِينَ في الرفع والنصب والجر.
فهذا جميع ما احتج به النحويون.
والذي عندي - واللَّه أعلم - وكنت عرضته على عالِمَيْنَا - محمد بن يزيد
وعلى إسماعيل بن إسحاق بن حماد بن زيد القاضي فقبلاه وذكرا أنَّه أجود ما
سمعاه في هذا، وهو " أنَّ) قد وقعت موقع " نعم "، وأن اللام وقعت مَوْقِعَهَا، وأن المعنى هذان لَهما ساحِرَانِ.
والذي يلي هذه في الجودة مذهب بني كنانة في ترك ألف التثنية على
هيئة واحدة، لأن حق الألف أنْ تَدُل على الاثنين، وكان حقها ألا تتغيَّر كما لم تتغير ألف رحى وعضى، ولكن كان نقلها إلى الياء في النصْبِ والخفض
أبين وأفْضَلُ للتمييز بين المرفوع والمنصوب والمجرور.
فأمَّا قراءةَ عيسى بن عمر وأبي ععرو بن العلاء فلا أجيزها لأنها خلاف المصحف، وكل ما وجدته إلى موافقة المصحف أقرب لم أجِزْ مخَالفَتَه، لأن اتباعه سنة.
وما عليه أكثر القراء، ولكني أسْتَحسِنُ (إنْ هذان لساحران) بتخفيف (إنْ) وفيه إمامان: عاصمٌ والخليلُ، وموافقة أُبيٍّ في المعْنَى وأن خالفه اللفظ، ويستحسن أيضاً (إنَّ هذان) بالتشديد، لأنه مذهب أكثر القراء، وبه يقرأ وهو قوي في العربية.
[ معاني القرآن وإعرابه: 3/361-364 ]


قال أبو جعفر النحاس (ت:338 هـ):
الموضع الاول:
قُلْ لَوْ شاءَ اللَّهُ ما تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلا أَدْراكُمْ بِهِ أي لو شاء الله ما أرسلني إليكم فتلوت عليكم القرآن ولا أعلمكم به أي القرآن. قال أبو حاتم: سمعت الأصمعي يقول: سألت أبا عمرو بن العلاء عن قراءة الحسن ولا أدرأتكم به «1» أله وجه؟

قال: لا قال أبو عبيد: لا وجه لقراءة الحسن «ولا أدرأتكم به» إلّا على الغلط. معنى قول أبي عبيد إن شاء الله على الغلط أنه يقال: دريت أي علمت وأدريت غيري، ويقال: درأت أي دفعت فيقع الغلط بين دريت وأدريت ودرأت، وقال أبو حاتم: يريد الحسن فما أحسب ولا أدريتكم به فأبدل من الياء ألفا على لغة بني الحارث بن كعب لأنهم يبدلون من الياء ألفا إذا انفتح ما قبلها مثل إِنْ هذانِ لَساحِرانِ [طه: 63] . قال أبو جعفر هذا غلط لأن الرواية عن الحسن ولا أدرأتكم به بالهمز وأبو حاتم تكلّم على أنه بغير همز ويجوز أن يكون من درأت إذا دفعت، أي: ولا أمرتكم أن تدفعوا وتتركوا الكفر بالقرآن. فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُراً مِنْ قَبْلِهِ في الكلام حذف والتقدير فقد لبثت فيكم عمرا من قبله تعرفوني بالصدق والأمانة لا أقرأ ولا أكتب ثم جئتكم بالمعجزات أَفَلا تَعْقِلُونَ أن هذا لا يكون إلّا من عند الله جلّ وعزّ.
[إعراب القرآن: 2/143]
الموضع الثاني:
فَتَنازَعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ وَأَسَرُّوا النَّجْوى (62) قالُوا إِنْ هذانِ لَساحِرانِ يُرِيدانِ أَنْ يُخْرِجاكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِما وَيَذْهَبا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلى (63)
قالُوا إِنْ هذانِ لَساحِرانِ فيه ست قراءات «5» قرأ المدنيون والكوفيون إنّ هذان
ساحران وقرأ أبو عمرو إنّ هذين لساحران وهذه القراءة مروية عن الحسن وسعيد بن جبير وإبراهيم النخعي وعيسى بن عمر وعاصم الجحدري، وقرأ الزهري وإسماعيل بن قسطنطين والخليل بن أحمد وعاصم في إحدى الروايتين إِنْ هذانِ لَساحِرانِ بتخفيف إن.
فهذه ثلاث قراءات، قد رواها الجماعة عن الأئمة. وروي عن عبد الله بن مسعود إن هذان إلّا ساحران وقال الكسائي: في قراءة عبد الله إن هذان ساحران بغير لام، وقال الفراء «1» : في حرف أبيّ إن ذان إلّا ساحران فهذه ثلاث قراءات أخرى، تحمل على التفسير، إلا أنها جائز أن يقرأ بها لمخالفتها المصحف. قال أبو جعفر: القراءة الأولى للعلماء فيها ستة أقوال: منها أن يكون إنّ بمعنى نعم، كما حكى الكسائي عن عاصم قال العرب:
تأتي بإنّ بمعنى نعم، وحكى سيبويه: أنّ «إنّ» تأتي بمعنى أجل. وإلى هذا القول كان محمد بن يزيد وإسماعيل بن إسحاق يذهبان. قال أبو جعفر: ورأيت أبا إسحاق وأبا الحسن علي بن سليمان يذهبان إليه. وحدّثنا علي بن سليمان قال: حدّثنا عبد الله بن أحمد بن عبد السّلام النيسابوري، ثمّ لقيت عبد الله بن أحمد هذا فحدّثني قال: حدّثنا عمير بن المتوكل قال: حدّثنا محمد بن موسى النوفلي من ولد حارث بن عبد المطلب قال: حدّثنا عمرو بن جميع الكوفي عن جعفر بن محمد عن أبيه عن علي وهو علي بن الحسين عن أبيه عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه. قال: لا أحصي كم سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على منبره يقول: «إنّ الحمد لله نحمده ونستعينه ثم يقول: أنا أفصح قريش كلّها وأفصحها بعدي أبان بن سعيد بن العاص» «2» قال أبو محمد: قال عمير: إعرابه عند أهل العربية في النحو إنّ الحمد لله بالنصب إلّا أن العرب تجعل «إنّ» في معنى نعم كأنه أراد: نعم الحمد لله، وذلك أن خطباء الجاهلية كانت تفتتح في خطبتها بنعم، وقال الشاعر في معنى نعم: [الكامل] 292-
قالوا: غدرت فقلت إنّ وربّما ... نال العلى وشفى الغليل الغادر «3»
وقال ابن قيس الرقيات «4» : [مجزوء الكامل] 293-
بكر العواذل في الصّبوح ... يلمنني وألومهنّه
ويقلن شيب قد علاك ... وقد كبرت، فقلت: إنّه
فعلى هذا جائز أن يكون قول الله عزّ وجلّ: إِنْ هذانِ لَساحِرانِ بمعنى نعم.
قال أبو جعفر: أنشدني داود بن الهيثم قال: أنشدني ثعلب: [الخفيف] 294-
ليت شعري هل للمحبّ شفاء ... من جوى حبّهنّ إنّ اللّقاء «1»
أي: نعم، فهذا قول. وقال أبو زيد والكسائي والأخفش والفراء: هذا على لغة بني الحارث بن كعب. قال الفراء: يقولون: رأيت الزّيدان، ومررت بالزّيدان وأنشد: [الطويل] 295-
فأطرق إطراق الشّجاع ولو يرى ... مساغا لناباه الشّجاع لصمّما «2»
وحكى أبو الخطاب أنّ هذه لغة بني كنانة، وللفراء قول آخر قال: وجدت الألف دعامة ليست بلام الفعل فزدت عليها نونا ولم أغيرها، كما قلت: الذي، ثم زدت عليها نونا فقلت: جاءني الذين عندك، ورأيت الذين عندك. قال أبو جعفر: وقيل: شبّهت الألف في قولك: هذان بالألف في يفعلان، فلم تغير. قال أبو إسحاق: النحويون القدماء يقولون: الهاء هاهنا مضمرة، والمعنى: إنّه هذان لساحران. فهذه خمسة أقوال، قال أبو جعفر: وسألت أبا الحسن بن كيسان عن هذه الآية فقال: إن شئت أجبتك بجواب النحويين، وإن شئت أجبتك بقولي فقلت: بقولك، فقال: سألني إسماعيل بن إسحاق عنها فقلت: القول عندي أنه لما كان يقال: هذا في موضع الرفع والنصب والخفض على حال واحدة، وكانت التثنية يجب أن لا يغيّر لها الواحد أجريت التثنية مجرى الواحد، فقال: ما أحسن هذا لو تقدّمك بالقول به حتى يؤنس به، فقلت: فيقول القاضي «به» حتى يؤنس به فتبسّم. قال أبو جعفر: القول الأول أحسن إلّا أنّ فيه شيئا لأنه إنما قال: إنما يقال: نعم زيد خارج، ولا يكاد يقع اللام هاهنا، وإن كان النحويون قد تكلّموا في ذلك فقالوا: اللّام ينوى بها التقديم. وقال أبو إسحاق: المعنى إنّ هذان لهما ساحران، ثمّ حذف المبتدأ كما قال: [الرجز] 296-
أمّ الحليس لعجوز شهربه «3»
والقول الثاني من أحسن ما حملت عليه الآية إذ كانت هذه اللّغة معروفة، وقد
حكاها من يرتضى علمه وصدقه وأمانته، منهم أبو زيد الأنصاري، وهو الذي يقول إذا قال سيبويه: حدّثني من أثق به فإنما يعنيني. وأبو الخطاب الأخفش، وهو رئيس من رؤساء أهل اللغة، روى عنه سيبويه وغيره. ومن بين ما في هذا قول سيبويه: واعلم أنّك إذا ثنّيت الواحد زدت عليه زائدتين، الأولى منهما حرف مدّ ولين، وهو حرف الإعراب. قال أبو جعفر: فقول سيبويه: وهو حرف الإعراب، يوجب أنّ الأصل أن لا يتغير إنّ هذان، جاء على أصله ليعلم ذلك وقد قال الله جلّ وعزّ: اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطانُ [المجادلة: 19] ولم يقل: استحاذ، فجاء على هذا ليدل على الأصل إذ كان الأئمة قد رووها وتبيّن أنها الأصل، وهذا بيّن جدا. وَيَذْهَبا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلى تأنيث أمثل، كما يقال: الأفضل والفضلى، وأنّثت الطريقة على اللفظ، وإن كان يراد بها الرجال، ويجوز أن يكون التأنيث على معنى الجماعة.
أراد الحبال. قال أبو إسحاق: من قرأ بالتاء جعل «أنّ» في موضع نصب أي تخيل إليه ذات سعي. قال: ويجوز أن تكون في موضع رفع على البدل، بدل الاشتمال، كما حكى سيبويه: ما لي بهم علم أمرهم. أي ما لي بأمرهم علم. قال: وأنشد: [الرجز] 297-
وذكرت تقتد برد مائها «1»
أي ذكر برد ماء تقتد.
[ إعراب القرآن: 3/30-31]

قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري(ت:370هـ):
وَأما قَول الله تَعَالَى: (إِن هَذَانِ لساحران) (طه: 63) فَإِن أَبَا إِسْحَاق النَّحوي اسْتَقصى مَا قَالَ فِيهِ النَّحويون، فحكيتُ كلامَه.
قَالَ: وَقَرَأَ المدنيون والكوفّيون، إلاّ عَاصِمًا: (إنّ هَذَانِ لساحران) .
ورَوى عَن عَاصِم أَنه قَرَأَ (إنْ هَذَانِ) بتَخْفِيف (إنْ) .
ورُوي عَن الْخَلِيل (إنْ هَذَا لساحران) .
قَالَ: وَقَرَأَ أَبُو عَمْرو: (إنّ هذَيْن لساحران) ، بتَشديد (أنّ) وَنصب (هذَيْن) قَالَ أبوإسحاق: والحجّة فِي (إنّ هَذَانِ لساحران) بِالتَّشْدِيدِ وَالرَّفْع، أَن أَبَا عُبيدة روى عَن أبي الخطّاب أَنه لُغة لِكنانة، يجْعَلُونَ ألف الِاثْنَيْنِ فِي الرّفْع وَالنّصب والخفض على لفظ وَاحِد، يَقُولُونَ: رَأَيْت الزيدان.
وروى أَهل الْكُوفَة وَالْكسَائِيّ والفَراء أَنَّهَا لُغة لبني الْحَارِث بن كَعْب.
قَالَ: وَقَالَ النحويّون القُدماء: هَاهُنَا هَاء مُضمرة، الْمَعْنى: إنّه هَذَانِ لساحران.
قَالَ: وَقَالَ بَعضهم: (إِن) فِي معنى (نعم) ، الْمَعْنى: نعم هَذَانِ لساحران؛ وَأنْشد:
ويَقُلْن شَيْبٌ قد عَلا
كَ وَقد كَبِرْت فَقلت إنَهْ
وَقَالَ الْفراء فِي هَذَا: إِنَّهُم زادوا فِيهَا النُّون فِي التَّثْنِيَة، وتركوها على حَالهَا فِي الرّفْع وَالنّصب والجر، كَمَا فعلوا فِي (الَّذين) فَقَالُوا: الَّذين، فِي الرَّفع والنَّصب والجر.
فَهَذَا جَمِيع مَا قَالَ النحويّون فِي الْآيَة.
قَالَ أَبُو إِسْحَاق: وأجودها عِنْدِي أَن، (أَن) وَقعت موقع (نعم) ، وَأَن اللَّام
وَقعت موقعها، وَأَن الْمَعْنى: نعم هَذَانِ لَهما ساحران.
وَالَّذِي يَلِي هَذَا فِي الْجَوْدَة مَذْهب بني كنَانَة وبَلْحارث بن كَعْب.
فأمّا قِرَاءَة أبي عَمْرو فَلَا أُجيزها، لِأَنَّهَا خلاف المُصْحف.
قَالَ: وأَستحسن قِرَاءَة عَاصِم والخليل: (إنْ هَذَانِ لساحران) .
وَقَالَ غَيره: العربُ تجْعَل الْكَلَام مُخْتَصرا مَا بَعْدَه على (إنّه) ، وَالْمرَاد: إِنَّه لكذلك، وإنّه على مَا تَقول.
فَأَما (إِن) الْخَفِيفَة، فَإِن المنذريّ رَوى عَن ابْن اليَزيدي، عَن أبي زيد، أَنه قَالَ: (إِن) تقع فِي مَوضِع من الْقُرْآن مَوْضِعَ (مَا) ، ضَرْبُ قَوْله تَعَالَى: {وَإِن مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلاَّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ} (النِّسَاء: 159) ، مَعْنَاهُ: مَا من أهل الْكتاب.
وَمثله: {لاَّتَّخَذْنَاهُ مِن لَّدُنَّآ إِن كُنَّا فَاعِلِينَ} (الْأَنْبِيَاء: 17) أَي: مَا كنّا فاعلين.
قَالَ: وتجيء (إِن) فِي مَوضِع (لقد) ، ضَرْبُ قَوْله تَعَالَى: {إِن كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولاً} (الْإِسْرَاء: 108) ، الْمَعْنى، لقد كَانَ من غير شكّ من الْقَوْم.
وَمثله: {وَإِن كَادُواْ لَيَفْتِنُونَكَ} (الْإِسْرَاء: 73) ، {وَإِن كَادُواْ لَيَسْتَفِزُّونَكَ} (الْإِسْرَاء: 76) .
وتجيء (إِن) بِمَعْنى (إِذْ) ، ضَرْبُ قَوْله تَعَالَى: {اتَّقُواْ اللَّهَ وَذَرُواْ مَا بَقِىَ مِنَ الرِّبَوااْ إِن كُنتُمْ مُّؤْمِنِينَ} (الْبَقَرَة: 278) الْمَعْنى: إِذْ كُنْتُم مُؤمنين.
وَكَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى: {فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} (النِّسَاء: 59) مَعْنَاهُ: إِذْ كُنْتُم.
قَالَ: و (أَن) بِفَتْح الْألف وتَخفيف النُّون، قد تكون فِي مَوضِع (إِذْ) أَيْضا.
و (إِن) بَخْفض الْألف تكون مَوضِع (إِذا) ، من ذَلِك قولُه تَعَالَى: {لاَ تَتَّخِذُو صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
[تهذيب اللغة: 15/406-407]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (المتوفى: 392هـ):
أخبرنا أبو علي أن أبا إسحاق ذهب في قوله تعالى: {إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ} [طه: 63] 3 إلى أن "إن" بمعنى نعم، وهذان مرفوع بالابتداء، وأن اللام في "لساحران" داخلة في موضعها على غير ضرورة، وأن تقديره: "نعم هذان لهما ساحران".
وحكي عن أبي إسحاق أنه قال: هذا الذي عندي فيه، والله أعلم، وكنت عرضته4 على عالمنا محمد بن يزيد، وعلى إسماعيل بن إسحاق؛ فقبلاه، وذكرا أنه أجود ما سمعاه.
واعلم أن هذا الذي رواه أبو إسحاق في هذه المسألة مدخول غير صحيح، وأنا أذكره لتقف منه على ما في قوله.
ووجه الخطأ فيه أن "هما" المحذوفة التي قدرها مرفوعة بالابتداء لم تحذف إلا بعد العلم بها والمعرفة بموضعها، وكذلك كل محذوف لا يحذف إلا مع العلم به، ولولا ذلك لكان في حذفه مع الجهل بمكانه ضرب من تكليف علم الغيب للمخاطب، وإذا كان معروفًا؛ فقد استغنى بمعرفته عن تأكيده باللام؛ ألا ترى أنه يقبح أن تأتي بالمؤكد وتترك المؤكد فلا تأتي به.
ألا ترى أن التوكيد من مواضع الإطناب والإسهاب، والحذف من مواضع الاكتفاء والاختصار؛ فهما إذن -كما ذكرت لك- ضدان لا يجوز أن يشتمل عليهما عقد كلام.
ويزيد ذلك وضوحًا امتناع أصحابنا من تأكيد المضمر المحذوف العائد على المبتدأ في نحو "زيد ضربت" في من أجازه؛ فلا يجيزون "زيد ضربت نفسه" على أن تجعل النفس توكيدًا للهاء المرادة في ضربته، لأن الحذف لا يكون إلا بعد التحقيق والعلم، وإذا كان ذلك كذلك؛ فقد استغني عن تأكيده.
ويؤكد عندك ما ذكرت لك أن أبا عثمان وغيره من النحويين حلموا قول الشاعر:
أم الحليس لعجوز شهربه1
على أن الشاعر أدخل اللام على الخبر ضرورة، ولو كان ما ذهب إليه أبو إسحاق وجهًا جائزًا؛ لما عدل عنه النحويون ولا حملوا على الاضطرار إذا وجدوا له وجهًا ظاهرًا قويًا، وحذف المبتدأ وإن كان شائعًا في مواضع كثيرة من كلامهم؛ فإنه إذا نقل عن أول الكلام قبح حذفه؛ ألا ترى إلى ضعف قراءة من قرأ: {تَمَاماً عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ} [الأنعام: 154] 2 قالوا: وقبحه أنه أراد: على الذي هو أحسن؛ فحذف المبتدأ في موضع الإيضاح والبيان، لأن الصلة لذلك وقعت في الكلام، وإذا كان ذلك موضع إكثار وإيضاح؛ فغير لائق به الحذف والاختصار.
فإن قلت: فقد حكى سيبويه في الكتاب: "لحق أنه ذاهب؛ فيضيفون، كأنه قال: ليقين ذلك أمرك، وليست في كلام كل العرب"3 فأمرك هو خبر يقين؛ لأنه قد أضافه إلى ذلك، وإذا أضافه إليه؛ لم يجز أن يكون خبرًا عنه.
قال سيبويه: "سمعنا فصحاء العرب يقولونه"4؛ فكيف جاز أن يحذف الخبر واللام في أول الكلام، وقد شرطت على نفسك أن الحذف لا يليق بالتوكيد؟
فالجواب أن هذه الكلمة ليس كل العرب يقولها كما قال سيبويه، وقال أيضًا أبو الحسن: "لم أسمع هذا من العرب؛ وإنما وجدته في الكتاب"1.
ووجه جوازه على قلته طول الكلام بما أضيف هذا المبتدأ إليه، وإذا طال الكلام؛ جاز فيه من الحذف ما لا يجوز فيه إذا قصر، ألا ترى إلى ما حكاه الخليل عنهم من قولهم: "ما أنا بالذي قائل لك شيئًا"2 ولو قلت: "ما أنا بالذي قائم لقبح".
فأما قول الشاعر3:
لم أر مثل الفتيان في غير الـ ... أيام ينسون ما عواقبها4
فالوجه أن تكون "ما" استفهامًا و"عواقبها" الخبر، كقوله تعالى ذكره: {وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحُطَمَةُ} [الهمزة: 5] 5 أي: ما أدراك أي شيء الحطمة؛ فكأنه قال: أي شيء عواقبها، على مذهب التعجب منها والاستعظام لها؛ فهذا أوجه من أن يحمل الكلام على أنه: ينسون الذي هو عواقبها، لقلة {تَمَاماً عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ} [الأنعام: 154] 6.
وقال أبو الحسن في هذا الفصل: "لو قلت: لعبد الله، وأضمرت الخبر لم يحسن"7؛ وإنما لم يحسن عنده لأن الكلام لم يطل ههنا كما طال في لحق أنه ذاهب. انقضى دخول اللام على الخبر.
واعلم أن لام الابتداء أحد الحرفين الموجبين اللذين يتلقى بهما القسم، وهما: اللام، وأن، وذلك قولك: والله لزيد عاقل، والله إن زيدًا عاقل؛ إلا أن هذه اللام قد تتعرى من معنى الجواب، وتخلص للابتداء؛ فهو لذلك أخص معنييها بها، وذلك قولك: لعمرك لأقومن، و:
................. ليمن الله ماندري1
فهذه اللام لام الابتداء معراة من معنى الجواب، وذلك أن قولك "لعمرك" قسم، ومحال أن يجاب القسم بالقسم؛ فلا يجوز إذن أن يكون التقدير: والله لعمرك لأقومن، كما يجوز إذا قلت: لزيد قائم، أن يكون تقديره: والله لزيد قائم، فاعرف ذلك إن شاء الله.
[ سر صناعة الإعراب: 2: 58- 61]

قال مكي بن أبي طالب: ( ت:437 هـ):
قَوْله {إِن هَذَانِ لساحران} من رفع هَذَانِ حمله على لُغَة لبني الْحَارِث بن كَعْب يأْتونَ بالمثنى بِالْألف على كل حَال قَالَ بَعضهم
... تزَود منا بَين أذنَاهُ طعنة ... دَعَتْهُ هابي التُّرَاب عقيم ...
وَقيل إِن بِمَعْنى نعم وَفِيه بعد لدُخُول اللَّام فِي الْخَبَر وَذَلِكَ لَا يكون الا فِي شعر كَقَوْلِه ... أم الْحُلَيْس لعجوز شهر بِهِ ... ترْضى من اللَّحْم بِعظم الرقبه ...
وَكَانَ وَجه الْكَلَام لأم الْحُلَيْس عَجُوز وَكَذَلِكَ كَانَ وَجه الْكَلَام فِي الْآيَة ان حملت ان على معنى نعم إِن لهذان ساحران كَمَا تَقول نعم لهذان ساحران وَنعم لمُحَمد رَسُول الله وَفِي تَأَخّر اللَّام مَعَ لفظ ان بعض الْقُوَّة على نعم وَقيل إِن الْمُبْهم لما لم يظْهر فِيهِ اعراب فِي الْوَاحِد وَلَا فِي الْجمع جرت التَّثْنِيَة على ذَلِك فَأتي بِالْألف على كل حَال وَقيل الْهَاء مضمرة مَعَ ان وَتَقْدِيره انه هَذَانِ لساحران كَمَا تَقول إِنَّه زيد منطلق وَهُوَ قَول حسن لَوْلَا أَن دُخُول اللَّام فِي الْخَبَر يبعده فَأَما من خفف إِن فَهِيَ قِرَاءَة حَسَنَة لِأَنَّهُ أصلح الاعراب وَلم يُخَالف الْخط لَكِن دُخُول اللَّام فِي الْخَبَر يَعْتَرِضهُ على مَذْهَب سِيبَوَيْهٍ لِأَنَّهُ يقدر أَنَّهَا المخففة من الثَّقِيلَة ارْتَفع مَا بعْدهَا بِالِابْتِدَاءِ وَالْخَبَر لنَقص بنائها فَرجع مَا بعْدهَا الى أَصله وَاللَّام لَا تدخل فِي خبر ابْتِدَاء أَتَى على أصلة إِلَّا فِي شعر على مَا ذكرنَا وَأما على مَذْهَب الْكُوفِيّين فَهُوَ من أحسن شَيْء لأَنهم يقدرُونَ إِن الْخَفِيفَة بِمَعْنى مَا وَاللَّام بِمَعْنى إِلَّا فتقدير الْكَلَام مَا هَذَانِ إِلَّا ساحران فَلَا خلل فِي هَذَا التَّقْدِير إِلَّا مَا ادعوهُ أَن اللَّام تَأتي بِمَعْنى إِلَّا.
[ مشكل إعراب القرآن: 2/466-468]

قال أبو القاسم الزمخشري (ت:538 هـ) :
قرأ أبو عمرو إِنْ هذانِ لَساحِرانِ على الجهة الظاهرة المكشوفة. وابن كثير وحفص: إن هذان لساحران، على قولك: إن زيد لمنطلق. واللام هي الفارقة بين إن النافية والمخففة من الثقيلة.
وقرأ أبىّ: إن ذان إلا ساحران. وقرأ ابن مسعود: أن هذان ساحران: بفتح أن وبغير لام، بدل من النجوى. وقيل في القراءة المشهورة إِنْ هذانِ لَساحِرانِ هي لغة بلحرث بن كعب، جعلوا الاسم المثنى نحو الأسماء التي آخرها ألف، كعصا وسعدى، فلم يقلبوها ياء في الجر والنصب. وقال بعضهم: إِنْ بمعنى نعم. ولَساحِرانِ خبر مبتدأ محذوف، واللام داخلة على الجملة تقديره: لهما ساحران. وقد أعجب به أبو إسحاق.
[ الكشاف: 3/72]


قال ابن منظور ( ت: 711 هـ):
أَخبر أَبو عَلِيٍّ أَن أَبا إسحق ذَهَبَ فِيهِ إِلَى أَنَّ إنَّ هُنَا بِمَعْنَى نَعَمْ، وَهَذَانِ مرفوعٌ بِالِابْتِدَاءِ، وأَنَّ اللامَ فِي لَساحران داخلةٌ عَلَى غَيْرِ ضَرُورَةٍ، وأَن تَقْدِيرَهُ نَعَمْ هَذَانِ هُمَا ساحِران، وَحُكِيَ عَنْ أَبي إسحق أَنه قَالَ: هَذَا هُوَ الَّذِي عِنْدِي فِيهِ، وَاللَّهُ أَعلم. قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَقَدْ بيَّن أَبو عليٍّ فسادَ ذَلِكَ فغَنِينا نَحْنُ عَنْ إِيضَاحِهِ هُنَا. وَفِي التَّهْذِيبِ: وأَما قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: إِنْ هذانِ لَساحِرانِ
، فإنَّ أبا إسحق النَّحْوِيَّ اسْتَقْصى مَا قَالَ فِيهِ النَّحْوِيُّونَ فحَكَيْت كَلَامَهُ. قَالَ: قرأَ المدنيُّون وَالْكُوفِيُّونَ إِلَّا عَاصِمًا: إنَّ هَذَانِ لَساحِران، وَرُوِيَ
عَنْ عَاصِمٍ أَنه قرأَ: إنْ هَذَانِ
، بِتَخْفِيفِ إنْ، وَرُوِيَ
عَنِ الْخَلِيلِ: إنْ هَذَانِ
، بِتَشْدِيدِ إِنَّ ونصْبِ هَذَيْنِ، قال أَبو إسحق: والحجةُ فِي إِنَّ هَذَانِ لساحِران، بِالتَّشْدِيدِ وَالرَّفْعِ، أَن أَبا عُبَيْدَةَ رَوَى عَنْ أَبي الْخَطَّابِ أَنه لغةٌ لكنانةَ، يَجْعَلُونَ أَلفَ الِاثْنَيْنِ فِي الرَّفْعِ وَالنَّصْبِ وَالْخَفْضِ عَلَى لَفْظٍ وَاحِدٍ، يَقُولُونَ: رأَيت الزَّيْدَانَ، وَرَوَى أَهلُ الْكُوفَةِ وَالْكِسَائِيُّ وَالْفَرَّاءُ: أَنها لغة لبني الحرث بْنِ كَعْبٍ، قَالَ: وَقَالَ النَّحْوِيُّونَ القُدَماء: هَاهُنَا هاءٌ مُضْمَرَةٌ، الْمَعْنَى: إِنَّهُ هذانِ لساحِران، قَالَ: وَقَالَ بَعْضُهُمْ إِنَّ فِي مَعْنَى نعَمْ كَمَا تَقَدَّمَ؛ وأَنشدوا لِابْنِ قَيْسِ الرُّقَيَّات:
بَكَرَتْ عليَّ عواذِلي ... يَلْحَيْنَنِي وأَلومُهُنَّهْ
ويَقُلْنَ: شَيْبٌ قدْ علّاكَ، ... وَقَدْ كَبِرْتَ، فقلتُ: إنَّهْ
. أَي إِنَّهُ قَدْ كَانَ كَمَا تَقُلْن؛ قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: وَهَذَا اختصارٌ مِنْ كَلَامِ الْعَرَبِ يُكتفى مِنْهُ بِالضَّمِيرِ لأَنه قَدْ عُلِم مَعْنَاهُ؛ وَقَالَ الْفَرَّاءُ فِي هَذَا: إِنَّهُمْ زَادُوا فِيهَا النونَ فِي التَّثْنِيَةِ وَتَرَكُوهَا عَلَى حَالِهَا فِي الرَّفْعِ وَالنَّصْبِ وَالْجَرِّ، كَمَا فعَلوا فِي الَّذِينَ فَقَالُوا الَّذِي، فِي الرَّفْعِ وَالنَّصْبِ وَالْجَرِّ، قَالَ: فَهَذَا جَمِيعُ مَا قَالَ النَّحْوِيُّونَ فِي الْآيَةِ؛ قال أَبو إسحق: وأَجودُها عِنْدِي أَن إِنَّ وَقَعَتْ مَوْقِعَ نَعَمْ، وأَن اللَّامَ وَقَعتْ موقِعَها، وأَنّ الْمَعْنَى نعَمْ هَذَانِ لَهُمَا سَاحِرَانِ، قَالَ: وَالَّذِي يَلِي هَذَا فِي الجَوْدَة مذهبُ بني كنانة وبَلْحَرِث بن كَعْبٍ، فأَما قراءةُ أَبي عَمْرٍو فَلَا أُجيزُها لأَنها خلافُ الْمُصْحَفِ، قَالَ: وأَستحسن قراءةَ عَاصِمٍ وَالْخَلِيلِ إنْ هَذَانِ لَساحِران. وَقَالَ غيرُه: الْعَرَبُ تَجْعَلُ الْكَلَامَ مُخْتَصَرًا مَا بعْدَه عَلَى إنَّه، وَالْمُرَادُ إِنَّهُ لَكَذَلِكَ، وَإِنَّهُ عَلَى مَا تَقُولُ، قَالَ: وأَما قَوْلُ الأَخفش إنَّه بِمَعْنَى نَعَمْ فَإِنَّمَا يُراد تأْويله لَيْسَ أَنه مَوْضُوعٌ فِي اللُّغَةِ لِذَلِكَ، قَالَ: وَهَذِهِ الْهَاءُ أُدْخِلت لِلسُّكُوتِ. وَفِي حَدِيثِ
فَضالة بْنِ شَريك: أَنه لقِيَ ابنَ الزُّبَيْرِ فَقَالَ: إِنَّ نَاقَتِي قَدْ نَقِبَ خفُّها فاحْمِلْني، فَقَالَ: ارْقَعْها بجِلدٍ واخْصِفْها بهُلْبٍ وسِرْ بِهَا البَرْدَين، فَقَالَ فَضالةُ: إِنَّمَا أَتَيْتُك مُسْتَحْمِلًا لَا مُسْتَوْصِفاً، لَا حَمَلَ اللَّهُ نَاقَةً حمَلتْني إِليك فَقَالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ: إِنَّ وراكِبَها
أَي نعَمْ مَعَ رَاكِبِهَا. وَفِي حَدِيثِ
لَقيط بْنِ عَامِرٍ: وَيَقُولُ رَبُّكَ عَزَّ وَجَلَّ وَإِنَّهُ
أَي وَإِنَّهُ كَذَلِكَ، أَو إِنَّهُ عَلَى مَا تَقُولُ، وَقِيلَ: إنَّ بِمَعْنَى نَعَمْ وَالْهَاءُ لِلْوَقْفِ، فأَما قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ
، وإِنَّا نَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ
، وَنَحْوُ ذَلِكَ فأَصله إنَّنا وَلَكِنْ حُذِفَت إِحْدَى النُّونَين مِنْ إنَّ تَخْفِيفًا، وَيَنْبَغِي أَن تكونَ الثانيةَ مِنْهُمَا لأَنها طرَفٌ، وَهِيَ أَضعف، وَمِنَ الْعَرَبِ مَنْ يُبْدِلُ هَمْزَتَها هَاءً مَعَ اللَّامِ كَمَا أَبدلوها فِي هَرَقْت، فَتَقُولُ: لَهِنَّك لَرَجُلُ صِدْقٍ، قَالَ سِيبَوَيْهِ: وَلَيْسَ كلُّ الْعَرَبِ تَتَكَلَّمُ بِهَا؛ قَالَ الشَّاعِرُ:
أَلا يَا سَنا بَرْقٍ عَلَى قُنَنِ الحِمَى، ... لَهِنّكَ مِنْ بَرْقٍ عليَّ كَرِيمُ
وحِكى ابْنُ الأَعرابي: هِنّك وواهِنّك، وَذَلِكَ عَلَى الْبَدَلِ أَيضاً. التَّهْذِيبُ فِي إِنَّمَا: قَالَ النَّحْوِيُّونَ أَصلها مَا مَنَعت إنَّ مِنَ الْعَمَلِ، وَمَعْنَى إِنَّمَا إثباتٌ لِمَا يُذْكَرُ بَعْدَهَا ونفيٌ لِمَا سِوَاهُ كَقَوْلِهِ:
وَإِنَّمَا يُدافعُ عَنْ أَحسابهم أَنا ومِثْلي
الْمَعْنَى: مَا يُدافع عَنْ أَحسابِهم إِلَّا أَنا أَو مَنْ هُوَ مِثْلي، وأَنَّ: كَإِنَّ فِي التأْكيد، إِلَّا أَنها تَقَعُ مَوْقِعَ الأَسماء وَلَا تُبْدَل همزتُها هَاءً، وَلِذَلِكَ قَالَ سِيبَوَيْهِ: وَلَيْسَ أَنَّ كإنَّ، إنَّ كالفِعْلِ، وأَنَ كالاسْمِ، وَلَا تَدْخُلُ اللامُ مَعَ الْمَفْتُوحَةِ؛ فأَما قِرَاءَةُ.
[ لسان العرب: 13/ 30-32]

وَإِنْ ثَنَّيْتَ ذَا قُلْتَ ذانِ لأَنه لَا يَصِحُّ اجْتِمَاعُهُمَا لِسُكُونِهِمَا فتَسْقُط إِحْدَى الأَلفين، فَمَنْ أَسقط أَلف ذَا قرأَ إنَّ هذَينِ لَساحِرانِ فأَعْرَبَ، وَمَنْ أَسقط أَلف التَّثْنِيَةِ قرأَ
إنَّ هذانِ لساحِرانِ
لأَن أَلف ذَا لَا يَقَعُ فِيهَا إِعْرَابٌ، وَقَدْ قِيلَ: إِنَّهَا على لغة بَلْحَرِثِ ابن كَعْبٍ، قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ عِنْدَ قَوْلِ الْجَوْهَرِيِّ: مَنْ أَسقط أَلف التَّثْنِيَةِ قرأَ
إنَّ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ
، قَالَ: هَذَا وَهْمٌ مِنَ الْجَوْهَرِيِّ لأَن أَلف التَّثْنِيَةِ حَرْفٌ زِيدَ لِمَعْنًى، فَلَا يَسْقُطُ وَتَبْقَى الأَلف الأَصلية كَمَا لَمْ يَسقُط التَّنْوِينُ فِي هَذَا قاضٍ وَتَبْقَى الْيَاءُ الأَصلية، لأَن التَّنْوِينَ زيدَ لِمَعْنًى فَلَا يَصِحُّ حَذْفُهُ، قَالَ: وَالْجَمْعُ أُولاء مِنْ غَيْرِ لَفْظِهِ، فَإِنْ خاطبْتَ جئْتَ بِالْكَافِ فَقُلْتَ ذاكَ وَذَلِكَ، فَاللَّامُ ائِدَةٌ وَالْكَافُ لِلْخِطَابِ، وَفِيهَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مَا يُومأُ إِليه بَعِيدٌ وَلَا مَوْضِعَ لَهَا مِنَ الإِعراب، وتُدْخِلُ الْهَاءَ عَلَى ذَاكَ فَتَقُولُ هَذَاكَ زَيدٌ، وَلَا تُدْخِلُها عَلَى ذَلِكَ وَلَا عَلَى أُولئك كَمَا لَمْ تَدْخُل عَلَى تلْكَ، وَلَا تَدْخُل الكافُ عَلَى ذِي لِلْمُؤَنَّثِ، وَإِنَّمَا تَدْخُلُ عَلَى تَا، تَقُولُ تِيكَ وتِلْك، وَلَا تَقُلْ ذِيك فإِنه خطأٌ، وَتَقُولُ فِي التَّثْنِيَةِ: رأَيت ذَيْنِكَ الرِّجُلين، وَجَاءَنِي ذانِكَ الرَّجُلانِ، قَالَ: وَرُبَّمَا قَالُوا ذانِّك، بِالتَّشْدِيدِ. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: مِنَ النَّحْوِيِّينَ مَنْ يَقُولُ ذانِّك، بِتَشْدِيدِ النُّونِ، تَثْنِيةَ ذَلِكَ قُلِبَتِ اللَّامُ نُونًا وأُدْغِمَت النُّونُ فِي النُّونِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ تشديدُ النُّونِ عِوضٌ مِنَ الأَلف الْمَحْذُوفَةِ مِنْ ذَا، وَكَذَلِكَ يَقُولُ فِي اللذانِّ إِنَّ تَشْدِيدَ النُّونِ عِوَضٌ مِنَ الْيَاءِ الْمَحْذُوفَةِ مِنَ الَّذِي، قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: وَإِنَّمَا شَدَّدُوا النُّونَ فِي ذَلِكَ تأْكيداً وَتَكْثِيرًا لِلِاسْمِ لأَنه بَقِيَ عَلَى حَرْفٍ وَاحِدٍ كَمَا أَدخلوا اللَّامَ عَلَى ذَلِكَ، وَإِنَّمَا يَفْعَلُونَ مِثْلَ هَذَا فِي الأَسماء المُبْهَمة لِنُقْصَانِهَا، وَتَقُولُ لِلْمُؤَنَّثِ تانِكَ وتانِّك أَيضاً، بِالتَّشْدِيدِ، وَالْجَمْعُ أُولئك، وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُ حُكْمِ الْكَافِ فِي تَا، وَتَصْغِيرُ ذَاكَ ذَيّاك وَتَصْغِيرُ ذَلِكَ ذَيّالِك؛ وَقَالَ بَعْضُ الْعَرَبِ وقَدِمَ مِنْ سَفَره فَوَجَدَ امرأَته قَدْ وَلَدَتْ غُلَامًا فأَنكره فَقَالَ لَهَا:
لَتَقْعُدِنَّ مَقْعَدَ القَصِيِّ ... مِنِّي ذِي القاذُورةِ المَقْلِيِ
أَو تَحْلِفِي برَبِّكِ العَلِيِّ ... أَنِّي أَبو ذَيّالِكِ الصَّبيِ
قَدْ رابَني بالنَّظَر التُّرْكِيِّ، ... ومُقْلةٍ كمُقْلَةِ الكُرْكِيِ
فَقَالَتْ:
لَا وَالَّذِي رَدَّكَ يَا صَفِيِّي، ... مَا مَسَّني بَعْدَك مِن إنْسِيِ
غيرِ غُلامٍ واحدٍ قَيْسِيِّ، ... بَعْدَ امرأَيْنِ مِنْ بَني عَدِيِ
وآخَرَيْنِ مِنْ بَني بَلِيِّ، ... وَخَمْسَةٍ كَانُوا عَلَى الطَّوِيِ
وسِتَّةٍ جاؤوا مَعَ العَشِيِّ، ... وغيرِ تُرْكِيٍّ وبَصْرَوِيِ
وَتَصْغِيرُ تِلْك تَيَّاكَ؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: صَوَابُهُ تَيّالِكَ، فأَما تَيّاك فَتَصْغِيرُ تِيك. وَقَالَ ابْنُ سِيدَهْ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: ذَا إِشارة إِلى الْمُذَكَّرِ، يُقَالُ ذَا وَذَاكَ، وَقَدْ تُزَادُ اللَّامُ فَيُقَالُ ذَلِكَ. وَقَوْلُهُ تَعَالَى: ذلِكَ الْكِتابُ
؛ قَالَ الزَّجَّاجُ: مَعْنَاهُ هَذا الكتابُ، وَقَدْ تَدْخُلُ عَلَى ذَا هَا الَّتِي للتَّنْبِيه فَيُقَالُ هَذا، قَالَ أَبو عَلِيٍّ: وأَصله ذَيْ فأَبدلوا يَاءَهُ أَلفاً، وَإِنْ كَانَتْ سَاكِنَةً، وَلَمْ يَقُولُوا ذَيْ لِئَلَّا يُشْبِهَ كَيْ وأَيْ، فأَبدلوا يَاءَهُ أَلفاً لِيلْحَقَ بِبَابِ مَتَى وَإِذْ أَو يَخْرُجَ مِنْ شَبَه الحَرْفِ بعضَ الخُروج. وَقَوْلُهُ تَعَالَى:
إنَّ هَذانِ لَساحِرانِ
؛ قَالَ الْفَرَّاءُ: أَراد يَاءَ النَّصْبِ ثُمَّ حَذَفَهَا لِسُكُونِهَا وَسُكُونِ الأَلف قَبْلَها، وَلَيْسَ ذَلِكَ بِالْقَوِيِّ، وذلِك أَن الْيَاءَ هِيَ الطَّارِئَةُ عَلَى الأَلف فَيَجِبُ أَن تُحْذَفَ الأَلف لِمَكَانِهَا، فأَما مَا أَنشده اللِّحْيَانِيُّ عَنِ الْكِسَائِيِّ لِجَمِيلٍ مِنْ قَوْلِهِ:
وأَتَى صَواحِبُها فَقُلْنَ: هَذَا الَّذي ... مَنَحَ المَوَدَّةَ غَيْرَنا وجَفانا
فإِنه أَراد أَذا الَّذِي، فأَبدل الْهَاءَ مِنَ الْهَمْزَةِ. وَقَدِ استُعْمِلت ذَا مَكَانَ الَّذِي كَقَوْلِهِ تعالى: وَيَسْئَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ
؛ أَي مَا الَّذِي يُنْفِقُونَ فِيمَنْ رَفَعَ الْجَوَابَ فَرَفْعُ العَفْوِ يَدُلُّ عَلَى أَن مَا مَرْفُوعَةٌ بِالِابْتِدَاءِ وَذَا خَبَرُهَا ويُنْفِقُون صِلةُ ذَا، وأَنه لَيْسَ مَا وَذَا جَمِيعًا كَالشَّيْءِ الْوَاحِدِ، هَذَا هُوَ الْوَجْهُ عِنْدَ سِيبَوَيْهِ، وإِن كَانَ قَدْ أَجاز الوجهَ الْآخَرَ مَعَ الرَّفْعِ. وَذِي، بِكَسْرِ الذَّالِ، لِلْمُؤَنَّثِ وَفِيهِ لُغاتٌ: ذِي وذِهْ، الْهَاءُ بَدَلٌ مِنَ الْيَاءِ، الدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُمْ فِي تَحْقِيرِ ذَا ذَيّا، وذِي إِنَّمَا هِيَ تأْنيث ذَا وَمِنْ لَفْظِهِ، فَكَمَا لَا تَجِب الْهَاءُ فِي الْمُذَكَّرِ أَصلًا فَكَذَلِكَ هِيَ أَيضاً فِي الْمُؤَنَّثِ بَدَلٌ غيرُ أَصْلٍ، وَلَيْسَتِ الْهَاءُ فِي هَذِه وَإِنِ اسْتُفِيدَ مِنْهَا التأْنيث بِمَنْزِلَةِ هَاءِ طَلْحَة وحَمْزَة لأَن الْهَاءَ فِي طَلْحَةَ وَحَمْزَةَ زَائِدَةٌ، وَالْهَاءُ فِي هَذا لَيْسَتْ بِزَائِدَةٍ إِنما هِيَ بَدَلٌ مِنَ الْيَاءِ الَّتِي هِيَ عَيْنُ الْفِعْلِ فِي هَذِي، وأَيضاً فإِنَّ الْهَاءَ فِي حَمْزَةَ نَجِدُهَا فِي الْوَصْلِ تَاءً وَالْهَاءُ فِي هَذِهِ ثابِتةٌ فِي الْوَصْلِ ثَباتَها فِي الْوَقْفِ. وَيُقَالُ: ذِهِي، الْيَاءُ لِبَيَانِ الْهَاءِ شَبَّهَهَا بِهَاءِ الإِضمار فِي بِهِي وهَذِي وهَذِهِي وهَذِهْ، الْهَاءُ فِي الْوَصْلِ وَالْوَقْفِ ساكنةٌ إِذا لَمْ يَلْقَهَا سَاكِنٌ، وَهَذِهِ كُلُّهَا فِي مَعْنَى ذِي؛ عَنِ ابْنِ الأَعرابي؛ وأَنشد:
قُلْتُ لَها: يَا هَذِهي هَذَا إِثِمْ، ... هَلْ لَكِ فِي قاضٍ إِلَيْهِ نَحْتَكِمْ؟
وَيُوصَلُ ذَلِكَ كُلُّهُ بِكَافِ الْمُخَاطَبَةِ. قَالَ ابْنُ جِنِّي: أَسماء الإِشارة هَذا وهذِه لَا يَصِحُّ تَثْنِيَةُ شَيْءٍ مِنْهَا مِنْ قِبَلِ أَنَّ التَّثْنِيَةَ لَا تَلْحَقُ إِلا النَّكِرَةَ، فَمَا لَا يَجُوزُ تَنْكِيرُهُ فَهُوَ بأَن لَا تَصِحَّ تَثْنِيَتُهُ أَجْدَرُ، فأَسْماء الإِشارة لَا يَجُوزُ أَن تُنَكَّر فَلَا يَجُوزُ أَن يُثَنَّى شَيْءٌ مِنْهَا، أَلا تَرَاهَا بَعْدَ التَّثْنِيَةِ عَلَى حَدِّ مَا كَانَتْ عَلَيْهِ قَبْلَ التَّثْنِيَةِ، وَذَلِكَ نَحْوَ قَوْلِكَ هَذانِ الزَّيْدانِ قائِمَيْن، فَنَصْبُ قائِمَيْن بِمَعْنَى الْفِعْلِ الَّذِي دَلَّتْ عَلَيْهِ الإِشارةُ والتنبيهُ، كَمَا كُنْتَ تَقُولُ فِي الْوَاحِدِ هَذَا زَيْدٌ قَائِمًا، فَتَجِدُ الْحَالَ وَاحِدَةً قَبْلَ التثنيةِ وَبَعْدَهَا، وَكَذَلِكَ قَوْلُكَ ضَرَبْتُ اللَّذَيْنِ قَامَا، تَعرَّفا بِالصِّلَةِ كَمَا يَتَعَرَّفُ بِهَا الْوَاحِدُ كَقَوْلِكَ ضَرَبْتُ الَّذِي قامَ، والأَمر فِي هَذِهِ الأَشياء بَعْدَ التَّثْنِيَةِ هُوَ الأَمر فِيهَا قَبْلَ التَّثْنِيَةِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ سائرُ الأَسماء الْمُثَنَّاةِ نَحْوَ زَيْدٍ وَعَمْرٍو، أَلا تَرَى أَن تَعْرِيفَ زَيْدٍ وَعَمْرٍو إِنما هُوَ بِالْوَضْعِ وَالْعَلَمِيَّةِ؟ فإِذا ثَنَّيْتَهُمَا تَنَكَّرَا فَقُلْتَ عِنْدِي عَمْرانِ عاقِلانِ، فإِن آثَرْتَ التَّعْرِيفَ بالإِضافة أَو بِاللَّامِ فَقُلْتَ الزَّيْدانِ والعَمْرانِ وزَيْداكَ وعَمْراكَ، فَقَدْ تَعَرَّفا بَعْدَ التَّثْنِيَةِ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ تَعَرُّفِهما قَبْلَهَا ولَحِقا بالأَجْناسِ وفارَقا مَا كَانَا عَلَيْهِ مِنْ تَعْرِيفِ العَلَمِيَّةِ والوَضْعِ، فإِذا صَحَّ ذَلِكَ فَيَنْبَغِي أَن تعلمَ أَنَّ هذانِ وهاتانِ إِنما هِيَ أَسماء مَوْضُوعَةٌ لِلتَّثْنِيَةِ مُخْتَرعة لَهَا، وَلَيْسَتْ تَثْنِيَةً لِلْوَاحِدِ عَلَى حَدِّ زَيْدٍ وزَيْدانِ، إِلا أَنها صِيغت عَلَى صُورَةِ مَا هُوَ مُثَنًّى عَلَى الْحَقِيقَةِ فَقِيلَ هذانِ وهاتانِ لِئَلَّا تَخْتَلِفَ التَّثْنِيَةُ، وَذَلِكَ أَنهم يُحافِظون عَلَيْهَا مَا لَا يُحافِظون عَلَى الْجَمْعِ، أَلا تَرَى أَنك تَجِدُ فِي الأَسماء الْمُتَمَكِّنَةِ أَلفاظَ الجُموع مِنْ غَيْرِ أَلفاظِ الْآحَادِ، وَذَلِكَ نَحْوَ رَجُلٍ ونَفَرٍ وامرأَةٍ ونِسْوة وبَعير وإِبلٍ وَوَاحِدٍ وجماعةٍ، وَلَا تَجِدُ فِي التَّثْنِيَةِ شَيْئًا مِنْ هَذَا، إِنَّمَا هِيَ مِنْ لَفْظِ الْوَاحِدِ نَحْوَ زَيْدٍ وَزَيْدَيْنِ وَرَجُلٍ وَرَجُلَيْنِ لَا يَخْتَلِفُ ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ أَيضاً كَثِيرٌ مِنَ الْمَبْنِيَّاتِ عَلَى أَنها أَحق بِذَلِكَ مِنَ الْمُتَمَكِّنَةِ، وَذَلِكَ نَحْوَ ذَا وأُولَى وأُلات وذُو وأُلُو، وَلَا تَجِدُ ذَلِكَ فِي تَثْنِيَتِهَا نَحْوَ ذَا وذانِ وذُو وذَوانِ، فَهَذَا يَدُلُّكَ عَلَى مُحَافَظَتِهِمْ عَلَى التَّثْنِيَةِ وَعِنَايَتِهِمْ بِهَا، أَعني أَن تَخْرُجَ عَلَى صُورَةٍ وَاحِدَةٍ لِئَلَّا تَخْتَلِفَ، وأَنهم بِهَا أَشدُّ عِناية مِنْهُمْ بِالْجَمْعِ، وَذَلِكَ لَمَّا صِيغَتْ لِلتَّثْنِيَةِ أَسْماء مُخْتَرَعة غَيْرُ مُثناة عَلَى الْحَقِيقَةِ كَانَتْ عَلَى أَلفاظ المُثناة تَثْنِيةً حَقِيقَةً، وَذَلِكَ ذانِ وتانِ، وَالْقَوْلُ فِي اللَّذانِ واللَّتانِ كَالْقَوْلِ فِي ذانِ وتانِ. قَالَ ابْنُ جِنِّي: فأَما قَوْلُهُمْ هذانِ وهاتانِ وَفَذَانِكَ فإِنما تُقْلَبُ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ لأَنهم عَوَّضوا مِنْ حَرْفٍ مَحْذُوفٍ، وأَما فِي هذانِ فَهِيَ عِوَضٌ مِنْ أَلف ذَا، وَهِيَ فِي ذانِك عِوَضٌ مِنْ لَامِ ذَلِكَ، وَقَدْ يَحْتَمِلُ أَيضاً أَن تَكُونَ عِوَضًا مِنْ أَلف ذَلِكَ، وَلِذَلِكَ كُتِبَتْ فِي التَّخْفِيفِ بِالتَّاءِ «2» لأَنها حِينَئِذٍ مُلْحَقَةٌ بدَعْد، وإِبدال التَّاءِ مِنَ الْيَاءِ قَلِيلٌ، إِنما جَاءَ فِي قَوْلِهِمْ كَيْتَ وكَيْتَ، وَفِي قَوْلِهِمْ ثِنْتَانِ، وَالْقَوْلُ فِيهِمَا كَالْقَوْلِ فِي كَيْتَ وَكَيْتَ، وَهُوَ مَذْكُورٌ فِي مَوْضِعِهِ. وَذَكَرَ الأَزهري فِي تَرْجَمَةِ حَبَّذا قَالَ: الأَصل حَبُبَ ذَا فأُدغمت إِحدى الباءَين فِي الأُخرى وشُدِّدت، وَذَا إِشارة إِلى مَا يَقْرُبُ مِنْكَ؛ وأَنشد بَعْضُهُمْ:
حَبَّذا رَجْعُها إِلَيْكَ يَدَيْها ... فِي يَدَيْ دِرْعِها تَحُلُّ الإِزارا
كأَنه قَالَ: حَبُبَ ذَا، ثُمَّ تَرْجَمَ عَنْ ذَا فَقَالَ: هُوَ رَجْعُها يَدَيْها إِلى حَلّ تِكَّتها أَي مَا أَحَبَّه، ويَدا دِرْعِها: كُمَّاها. وَفِي صِفَةِ الْمَهْدِيِّ: قُرَشِيٌّ يَمانٍ لَيْسَ مِن ذِي وَلَا ذُو أَي لَيْسَ نَسَبُه نَسَبَ أَذْواء الْيَمَنِ، وَهُمْ مُلوكُ حِمْيَرَ، مِنْهُمْ ذُو يَزَنَ وذُو رُعَيْنٍ؛ وَقَوْلُهُ: قرشيٌّ يَمانٍ أَي قُرَشِيُّ النَّسَب يَمانِي المَنْشإ؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: وَهَذِهِ الْكَلِمَةُ عَيْنُهَا وَاوٌ، وَقِيَاسُ لَامِهَا أَن تَكُونَ يَاءً لأَن بَابَ طَوَى أَكثر مِنْ بَابِ قَوِيَ؛ وَمِنْهُ حَدِيثُ
جَرِيرٍ: يَطْلُع عَلَيْكُمْ رَجل مِنْ ذِي يَمَنٍ عَلَى وجْهِه مَسْحة مِنْ ذِي مَلَكٍ
؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: كَذَا أَورده أَبو عُمَر الزَّاهِدُ وَقَالَ ذِي هَاهُنَا صِلة أَي زائدة.
تَفْسِيرُ ذَاكَ وَذَلِكَ
: التَّهْذِيبُ: قَالَ أَبو الْهَيْثَمِ إِذا بَعُدَ المُشارُ إِليه مِنَ المُخاطَب وَكَانَ المُخاطِبُ بَعِيداً مِمَّنْ يُشِيرُ إِليه زَادُوا كَافًا فَقَالُوا ذَاكَ أَخُوك، وَهَذِهِ الْكَافُ لَيْسَتْ فِي مَوْضِعِ خَفْضٍ وَلَا نَصْبٍ، إِنما أَشبهت كافَ قَوْلِكَ أَخاك وَعَصَاكَ فَتَوَهَّمَ السَّامِعُونَ أَن قَوْلَ الْقَائِلِ ذَاكَ أَخوك كأَنها فِي مَوْضِعِ خَفْضٍ لإِشْباهِها كافَ أَخاك، وَلَيْسَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، إِنما تِلْكَ كَافٌ ضُمت إِلى ذَا لبُعْد ذَا مِنَ الْمُخَاطَبِ، فَلَمَّا دَخَلَ فِيهَا هَذَا اللَّبْسُ زَادُوا فِيهَا لَامًا فَقَالُوا ذَلِكَ أَخُوك، وَفِي الْجَمَاعَةِ أُولئك إِخْوَتُك، فإِن اللَّامَ إِذا دَخَلَتْ ذَهَبَتْ بِمَعْنَى الإِضافة، وَيُقَالُ: هَذَا أَخُوك وَهَذَا أَخٌ لَكَ وَهَذَا لَكَ أَخٌ، فإِذا أَدخلت اللَّامَ فَلَا إِضافة. قَالَ أَبو الْهَيْثَمِ: وَقَدْ أَعلمتك أَنَّ الرَّفْعَ وَالنَّصْبَ وَالْخَفْضَ فِي قَوْلِهِ ذَا سَوَاءٌ، تَقُولُ: مَرَرْتُ بِذَا ورأَيت ذَا وَقَامَ ذَا، فَلَا يَكُونُ فِيهَا عَلَامَةُ رَفْعِ الإِعراب وَلَا خَفْضِهِ وَلَا نَصْبِهِ لأَنه غَيْرُ مُتَمَكِّنٍ، فَلَمَّا ثنَّوا زَادُوا فِي التَّثْنِيَةِ نُونًا وأَبْقَوُا الأَلف فَقَالُوا ذانِ أَخَواك وذانِك أَخَواك؛ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: فَذانِكَ بُرْهانانِ مِنْ رَبِّكَ؛ وَمِنَ الْعَرَبِ مَنْ يشدِّد هَذِهِ النُّونَ فَيَقُولُ ذانِّكَ أَخَواكَ، قَالَ: وَهُمُ الَّذِينَ يَزِيدُونَ اللَّامَ فِي ذَلِكَ فَيَقُولُونَ ذَلِكَ، فَجَعَلُوا هَذِهِ التَّشْدِيدَةَ بَدَلَ اللَّامِ؛ وأَنشد الْمُبَرِّدُ فِي بَابِ ذَا الَّذِي قَدْ مَرَّ آنِفاً:
أَمِنْ زَيْنَبَ ذِي النارُ، ... قُبَيْلَ الصُّبْحِ مَا تَخْبُو
إِذا مَا خَمَدَتْ يُلقى، ... عَلَيها، المَنْدَلُ الرَّطْبُ
قَالَ أَبو الْعَبَّاسِ: ذِي مَعْنَاهُ ذِهْ. يُقَالُ: ذَا عَبْدُ اللَّهِ وَذِي أَمَةُ اللهِ وذِهْ أَمَةُ اللهِ وتِهْ أَمَةُ اللَّهِ وَتَّا أَمَة اللهِ، قَالَ: وَيُقَالُ هَذي هِنْدُ وهاتِه هِندُ وَهَاتَا هِندُ، عَلَى زِيَادَةِ هَا التَّنْبيه، قَالَ: وإِذا صَغَّرْت ذِه قُلْتَ تَيّا تَصْغِيرَ تِه أَو تَا، وَلَا تُصَغَّر ذِهِ عَلَى لَفْظِهَا لأَنك إِذا صغرت ذا قلت ذَيّا، ولو صغرت
مَحْذُوفٍ، وأَما فِي هذانِ فَهِيَ عِوَضٌ مِنْ أَلف ذَا، وَهِيَ فِي ذانِك عِوَضٌ مِنْ لَامِ ذَلِكَ، وَقَدْ يَحْتَمِلُ أَيضاً أَن تَكُونَ عِوَضًا مِنْ أَلف ذَلِكَ، وَلِذَلِكَ كُتِبَتْ فِي التَّخْفِيفِ بِالتَّاءِ «2» لأَنها حِينَئِذٍ مُلْحَقَةٌ بدَعْد، وإِبدال التَّاءِ مِنَ الْيَاءِ قَلِيلٌ، إِنما جَاءَ فِي قَوْلِهِمْ كَيْتَ وكَيْتَ، وَفِي قَوْلِهِمْ ثِنْتَانِ، وَالْقَوْلُ فِيهِمَا كَالْقَوْلِ فِي كَيْتَ وَكَيْتَ، وَهُوَ مَذْكُورٌ فِي مَوْضِعِهِ.
[ لسان العرب: 15/ 449-453]

قال شرف الدين الحسين بن عبد الله الطيبي (ت: 743 هـ):
قرأ أبو عمرو (إِنْ هذانِ لَساحِرانِ) على الجهة الظاهرة المكشوفة. وابن كثير وحفص: (إن هذان لساحران)، على قولك: إن زيد لمنطلق. واللام هي الفارقة بين (إن) النافية والمخففة من الثقيلة.
وقرأ أبىّ: (إن ذان إلا ساحران). وقرأ ابن مسعود: (أن هذان ساحران): بفتح (أن) وبغير لام، بدل من (النجوى). وقيل في القراءة المشهورة (إِنْ هذانِ لَساحِرانِ) هي لغة بلحارث بن كعب، جعلوا الاسم المثنى نحو الأسماء التي آخرها ألف، كعصا وسعدى، فلم يقلبوها ياء في الجر والنصب.
وقال بعضهم: "إِنْ" بمعنى نعم. و (ساحِرانِ) خبر مبتدأ محذوف، واللام داخلة على الجملة تقديره: لهما ساحران. وقد أعجب به أبو إسحاق.

[ حاشية الطيبي على الكشاف: 10/ 197-199]


قال أبو حيان محمد بن يوسف الأندلسي (ت: 745هـ):
وقَرَأ أبُو جَعْفَرٍ والحَسَنُ وشَيْبَةُ والأعْمَشُ وطَلْحَةُ وحُمَيْدٌ وأيُّوبُ وخَلَفٌ في اخْتِيارِهِ وأبُو عُبَيْدٍ وأبُو حاتِمٍ وابْنُ عِيسى الأصْبَهانِيُّ وابْنُ جَرِيرٍ وابْنُ جُبَيْرٍ الأنْطاكِيُّ والأخَوانِ والصّاحِبانِ مِنَ السَّبْعَةِ (إنَّ) بِتَشْدِيدِ النُّونِ (هَذانِ) بِألِفٍ ونُونٍ خَفِيفَةٍ ﴿لَساحِرانِ﴾ واخْتُلِفَ في تَخْرِيجِ هَذِهِ القِراءَةِ. فَقالَ القُدَماءُ مِنَ النُّحاةِ إنَّهُ عَلى حَذْفِ ضَمِيرِ الشَّأْنِ، والتَّقْدِيرُ إنَّهُ هَذانِ لَساحِرانِ، وخَبَرُ (إنَّ) الجُمْلَةُ مِن قَوْلِهِ (هَذانِ لَساحِرانِ) واللّامُ في ﴿لَساحِرانِ﴾ داخِلَةٌ عَلى خَبَرِ المُبْتَدَأِ، وضُعِّفَ هَذا القَوْلُ بِأنَّ حَذْفَ هَذا الضَّمِيرِ لا يَجِيءُ إلّا في الشِّعْرِ، وبِأنَّ دُخُولَ اللّامِ في الخَبَرِ شاذٌّ.
وقالَ الزَّجّاجُ: اللّامُ لَمْ تَدْخُلْ عَلى الخَبَرِ بَلِ التَّقْدِيرُ لَهُما ساحِرانِ فَدَخَلَتْ عَلى المُبْتَدَأِ المَحْذُوفِ، واسْتَحْسَنَ هَذا القَوْلَ شَيْخُهُ أبُو العَبّاسِ المُبَرِّدُ والقاضِي إسْماعِيلُ بْنُ إسْحاقَ بْنِ حَمّادِ بْنِ زَيْدٍ. وقِيلَ: (ها) ضَمِيرُ القِصَّةِ ولَيْسَ مَحْذُوفًا، وكانَ يُناسِبُ عَلى هَذا أنْ تَكُونَ مُتَّصِلَةً في الخَطِّ فَكانَتْ كِتابَتُها ﴿إنْ هَذانِ لَساحِرانِ﴾ وضُعِّفَ ذَلِكَ مِن جِهَةِ مُخالَفَتِهِ خَطَّ المُصْحَفِ. وقِيلَ (إنْ) بِمَعْنى نَعَمْ، وثَبَتَ ذَلِكَ في اللُّغَةِ فَتُحْمَلُ الآيَةُ عَلَيْهِ و﴿هَذانِ لَساحِرانِ﴾ مُبْتَدَأٌ وخَبَرٌ، واللّامُ في ﴿لَساحِرانِ﴾ عَلى ذَيْنَكِ التَّقْدِيرَيْنِ في هَذا التَّخْرِيجِ، والتَّخْرِيجُ الَّذِي قَبْلَهُ، وإلى هَذا ذَهَبَ المُبَرِّدُ وإسْماعِيلُ بْنُ إسْحاقَ وأبُو الحَسَنِ الأخْفَشُ الصَّغِيرُ، والَّذِي نَخْتارُهُ في تَخْرِيجِ هَذِهِ القِراءَةِ أنَّها جاءَتْ عَلى لُغَةِ بَعْضِ العَرَبِ مِن إجْراءِ المُثَنّى بِالألِفِ دائِمًا وهي لُغَةٌ لِكِنانَةَ، حَكى ذَلِكَ أبُو الخَطّابِ، ولِبَنِي الحارِثِ بْنِ كَعْبٍ، وخَثْعَمٍ وزُبَيْدٍ وأهْلِ تِلْكَ النّاحِيَةِ، حُكِيَ ذَلِكَ عَنِ الكِسائِيِّ، ولِبَنِي العَنْبَرِ وبَنِي الهُجَيْمِ ومُرادٍ وعُذْرَةَ. وقالَ أبُو زَيْدٍ: سَمِعْتُ مِنَ العَرَبِ مَن يَقْلِبُ كُلَّ ياءٍ يَنْفَتِحُ ما قَبْلَها ألِفًا.
وقَرَأ أبُو بَحْرِيَّةَ وأبُو حَيْوَةَ والزُّهْرِيُّ وابْنُ مُحَيْصِنٍ وحُمَيْدٌ وابْنُ سَعْدانَ وحَفْصٌ وابْنُ كَثِيرٍ (إنْ) بِتَخْفِيفِ النُّونِ هَذا بِالألِفِ، وشَدَّدَ نُونَ ﴿هَذانِ﴾ ابْنُ كَثِيرٍ، وتَخْرِيجُ هَذِهِ القِراءَةِ واضِحٌ وهو عَلى أنَّ (إنْ) هي المُخَفَّفَةُ مِنَ الثَّقِيلَةِ و(هَذانِ) مُبْتَدَأٌ و﴿لَساحِرانِ﴾ الخَبَرُ واللّامُ لِلْفَرْقِ بَيْنَ إنِ النّافِيَةِ وإنِ المُخَفِّفَةِ مِنَ الثَّقِيلَةِ عَلى رَأْيِ البَصْرِيِّينَ، والكُوفِيُّونَ يَزْعُمُونَ أنَّ: (إنْ) نافِيَةٌ واللّامُ بِمَعْنى إلّا. وقَرَأتْ فِرْقَةٌ: إنْ ذانِ لَساحِرانِ، وتَخْرِيجُها كَتَخْرِيجِ القِراءَةِ الَّتِي قَبْلَها، وقَرَأتْ عائِشَةُ والحَسَنُ والنَّخَعِيُّ والجَحْدَرِيُّ والأعْمَشُ وابْنُ جُبَيْرٍ وابْنُ عُبَيْدٍ وأبُو عَمْرٍو (إنَّ هَذَيْنِ) بِتَشْدِيدِ نُونِ إنَّ وبِالياءِ في هَذَيْنِ بَدَلَ الألِفِ، وإعْرابُ هَذا واضِحٌ إذْ جاءَ عَلى المَهْيَعِ المَعْرُوفِ في التَّثْنِيَةِ لِقَوْلِهِ ﴿فَذانِكَ بُرْهانانِ﴾ [القصص: ٣٢] ﴿إحْدى ابْنَتَيَّ هاتَيْنِ﴾ [القصص: ٢٧] بِالألِفِ رَفْعًا والياءِ نَصْبًا وجَرًّا. وقالَ الزَّجّاجُ: لا أُجِيزُ قِراءَةَ أبِي عَمْرٍو لِأنَّها خِلافُ المُصْحَفِ. وقالَ أبُو عُبَيْدٍ: رَأيْتُها في الإمامِ مُصْحَفِ عُثْمانَ هَذَنِ لَيْسَ فِيها ألِفٌ، وهَكَذا رَأيْتُ رَفْعَ الِاثْنَيْنِ في ذَلِكَ المُصْحَفِ بِإسْقاطِ الألِفِ، وإذا كَتَبُوا النَّصْبَ والخَفْضَ كَتَبُوهُ بِالياءِ ولا يُسْقِطُونَها، وقالَتْ جَماعَةٌ مِنهم عائِشَةُ وأبُو عَمْرٍو: هَذا مِمّا لَحَنَ الكاتِبُ فِيهِ وأُقِيمَ بِالصَّوابِ.
وقَرَأ عَبْدُ اللَّهِ (إنْ ذانِ إلّا ساحِرانِ) قالَهُ ابْنُ خالَوَيْهِ وعَزاها الزَّمَخْشَرِيُّ لِأُبَيٍّ. وقالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: (أنْ هَذانِ ساحِرانِ) بِفَتْحِ أنْ وبِغَيْرِ لامٍ بَدَلٌ مِنَ ﴿النَّجْوى﴾ انْتَهى. وقَرَأتْ فِرْقَةٌ (ما هَذا إلّا ساحِرانِ)، وقَوْلُهم ﴿يُرِيدانِ أنْ يُخْرِجاكم مِن أرْضِكم بِسِحْرِهِما﴾ تَبِعُوا فِيهِ مَقالَةَ فِرْعَوْنَ ﴿أجِئْتَنا لِتُخْرِجَنا مِن أرْضِنا بِسِحْرِكَ﴾ [طه: ٥٧] ونَسَبُوا السِّحْرَ أيْضًا لِهارُونَ لَمّا كانَ مَشْتَرِكًا مَعَهُ في الرِّسالَةِ وسالِكًا طَرِيقَتَهُ، وعَلَّقُوا الحُكْمَ عَلى الإرادَةِ وهم لا اطِّلاعَ لَهم عَلَيْها تَنْقِيصًا لَهُما وحَطًّا مِن قَدْرِهِما، وقَدْ كانَ ظَهَرَ لَهم مِن أمْرِ اليَدِ والعَصا ما يَدُلُّ عَلى صِدْقِهِما، وعَلِمُوا أنَّهُ لَيْسَ في قُدْرَةِ السّاحِرِ أنْ يَأْتِيَ بِمِثْلِ ذَلِكَ، والظّاهِرُ أنَّ الضَّمِيرَ في ﴿قالُوا﴾ عائِدٌ عَلى السَّحَرَةِ، خاطَبَ بَعْضُهم بَعْضًا. وقِيلَ: خاطَبُوا فِرْعَوْنَ مُخاطَبَةَ التَّعْظِيمِ، والطَّرِيقَةُ السِّيرَةُ والمَمْلَكَةُ والحالُ الَّتِي هم عَلَيْها مُخَالَفَتِهِ خَطَّ الْمُصْحَفِ. وَقِيلَ إِنْ بِمَعْنَى نَعَمْ، وَثَبَتَ ذَلِكَ فِي اللُّغَةِ فَتُحْمَلُ الآية عليه وهذانِ لَساحِرانِ مُبْتَدَأٌ وَخَبَرٌ وَاللَّامُ فِي لَساحِرانِ عَلَى ذَيْنَكِ التَّقْدِيرَيْنِ فِي هَذَا التَّخْرِيجِ، وَالتَّخْرِيجُ الَّذِي قَبْلَهُ وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ الْمُبَرِّدُ وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ وَأَبُو الْحَسَنِ الْأَخْفَشُ الصَّغِيرُ، وَالَّذِي نَخْتَارُهُ فِي تَخْرِيجِ هَذِهِ الْقِرَاءَةِ أَنَّهَا جَاءَتْ عَلَى لُغَةِ بَعْضِ الْعَرَبِ مِنْ إِجْرَاءِ الْمُثَنَّى بِالْأَلِفِ دَائِمًا وَهِيَ لُغَةٌ لِكِنَانَةَ حَكَى ذَلِكَ أَبُو الْخَطَّابِ، وَلِبَنِي الْحَارِثِ بْنِ كَعْبٍ وَخَثْعَمٍ وَزُبَيْدٍ وَأَهْلِ تِلْكَ النَّاحِيَةِ حُكِيَ ذَلِكَ عَنِ الْكِسَائِيِّ، وَلِبَنِي الْعَنْبَرِ وَبَنِي الْهُجَيْمِ وَمُرَادٍ وَعُذْرَةَ. وَقَالَ أَبُو زَيْدٍ: سَمِعْتُ مِنَ الْعَرَبِ مَنْ يَقْلِبُ كُلَّ يَاءٍ يَنْفَتِحُ مَا قَبْلَهَا أَلِفًا.
وَقَرَأَ أَبُو بَحْرِيَّةَ وَأَبُو حَيْوَةَ وَالزُّهْرِيُّ وَابْنُ مُحَيْصِنٍ وَحُمَيْدٌ وَابْنُ سَعْدَانَ وَحَفْصٌ وَابْنُ كَثِيرٍ إِنْ بِتَخْفِيفِ النُّونِ هَذَا بِالْأَلِفِ وَشَدَّدَ نُونَ هذانِ ابْنُ كَثِيرٍ، وَتَخْرِيجُ هَذِهِ الْقِرَاءَةِ وَاضِحٌ وَهُوَ عَلَى أَنَّ أَنْ هِيَ الْمُخَفَّفَةُ مِنَ الثقيلة وهذانِ مبتدأ ولَساحِرانِ الْخَبَرُ وَاللَّامُ لِلْفَرْقِ بَيْنَ إِنِ النَّافِيَةِ وَإِنِ الْمُخَفِّفَةِ من الثقيلة وهذانِ مبتدأ ولَساحِرانِ الْخَبَرُ وَاللَّامُ لِلْفَرْقِ بَيْنَ إِنِ النَّافِيَةِ وَإِنِ الْمُخَفِّفَةِ مِنَ الثَّقِيلَةِ عَلَى رَأْيِ البصريين والكوفيين، يَزْعُمُونَ أَنَّ إِنْ نَافِيَةً وَاللَّامُ بِمَعْنَى إِلَّا. وَقَرَأَتْ فِرْقَةٌ إِنْ ذَانِ لَسَاحِرَانِ وَتَخْرِيجُهَا كَتَخْرِيجِ الْقِرَاءَةِ الَّتِي قَبْلَهَا، وَقَرَأَتْ عَائِشَةُ وَالْحَسَنُ وَالنَّخَعِيُّ وَالْجَحْدَرِيُّ وَالْأَعْمَشُ وَابْنُ جُبَيْرٍ وَابْنُ عُبَيْدٍ وَأَبُو عَمْرٍو إِنَّ هَذَيْنِ بِتَشْدِيدِ نُونِ إِنَّ وَبِالْيَاءِ فِي هَذَيْنِ بَدَلَ الْأَلِفِ، وَإِعْرَابُ هَذَا وَاضِحٌ إِذْ جَاءَ عَلَى الْمَهْيَعِ الْمَعْرُوفِ فِي التَّثْنِيَةِ لِقَوْلِهِ فَذانِكَ بُرْهانانِ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هاتَيْنِ «1» بِالْأَلِفِ رَفْعًا وَالْيَاءِ نَصْبًا وَجَرًّا. وَقَالَ الزَّجَّاجُ: لَا أُجِيزُ قِرَاءَةَ أَبِي عَمْرٍو لِأَنَّهَا خِلَافُ الْمُصْحَفِ. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ:
رَأَيْتُهَا فِي الْإِمَامِ مُصْحَفِ عُثْمَانَ هَذَنِ لَيْسَ فِيهَا أَلِفٌ، وَهَكَذَا رَأَيْتُ رَفْعَ الِاثْنَيْنِ فِي ذَلِكَ الْمُصْحَفِ بِإِسْقَاطِ الْأَلِفِ، وَإِذَا كَتَبُوا النَّصْبَ وَالْخَفْضَ كَتَبُوهُ بِالْيَاءِ وَلَا يُسْقِطُونَهَا، وَقَالَتْ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ عَائِشَةُ وَأَبُو عَمْرٍو: هَذَا مِمَّا لَحَنَ الْكَاتِبُ فِيهِ وَأُقِيمَ بِالصَّوَابِ.
وَقَرَأَ عَبْدُ اللَّهِ إِنَّ ذَانِ إِلَّا سَاحِرَانِ قَالَهُ ابْنُ خَالَوَيْهِ وَعَزَاهَا الزَّمَخْشَرِيُّ لِأُبَيٍّ. وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: إِنَّ هَذَانِ سَاحِرَانِ بِفَتْحِ أَنْ وَبِغَيْرِ لَامٍ بَدَلٌ مِنَ النَّجْوى انْتَهَى.
[ البحر المحيط : 7:349-350]

قال أبو العباس شهاب الدين أحمد بن يوسف (السمين الحلبي) ( ت:756 هـ) :
إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصَارَى مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (69)
أبينُ هؤلاء المعدودين ضلالاً وأشدُّهم عتياً، وما سُمُّوا صابئين إلا أنهم صَبَؤوا على الأديان كلها أي: خَرَجوا، كما أن الشاعر قدَّم قولَه:» وأنتم «تنبيهاً على أن المخاطبين أوغل في الوصف بالبغي من قومِه، حيث عاجل به قبل الخبر الذي هو» بُغاةٌ «؛ لئلا يدخُلَ قومُه في البغي قبلهم مع كونِهم أوغَل فيه منهم وأثبت قدماً. فإن قلت: فلو قيل:» والصابئين وإياكم «لكانَ التقديمُ حاصلاً. قلت: لو قيل هكذا لم يَكُنْ من التقديم في شيء لأنه لا إزالةَ فيه عن موضعه، وإنما يُقال مقدمٌ ومؤخرٌ للمُزال لا للقارِّ في مكانه، وتجري هذه الجملة مَجْرى الاعتراض» .
الوجه الثاني: أن «إنَّ» بمعنى نعم فهي حرفُ جوابٍ، ولا محلَّ لها حينئذ، وعلى هذا فما بعدها مرفوعُ المحلِّ على الابتداء، وما بعده معطوفٌ عليه بالرفع، وخبرُ الجميع قوله: {مَنْ آمَنَ} إلى آخره، وكونُها بمعنى «نعم» قولٌ مرجوح، قال به بعضُ النحويين، وجَعَل من ذلك قول تعالى: {إِنْ هذان لَسَاحِرَانِ} [طه: 63] في قراءةِ مَنْ قرأه بالألف، وفي الآية كلامٌ طويل يأتي إنْ شاء الله تعالى في موضعِه، وجعل منه أيضاً قولَ عبد الله بن الزبير: «إنَّ وصاحبُها» جواباً لمن قال له: «لَعَن الله ناقة حملتني إليك» أي: نعم وصاحبُها، وجَعَلَ منه قولَ الآخر:
177 - 2- بَرَزَ الغواني في الشبا ... بِ يَلُمْنَني وألومُهُنَّهْ
ويَقُلْنَ شَيْبٌ قد عَلا ... كَ وقد كَبِرْتَ فقلتُ إنَّهْ
أي: نعم والهاءُ للسكت، وأُجيب بأنَّ الاسمَ والخبرَ محذوفان في قولِ ابن الزبير، وبقي المعطوفُ على الاسمِ دليلاً عليه، والتقدير: إنها وصاحبها معلونان، وتقدير البيت: إنه كذلك، وعلى تقديرِ أن تكونَ بمعنى «نعم» فلا يَصِحُّ هنا جَعْلُها بمعناها؛ لأنها لم يتقدَّمْها شيء تكون جواباً له، و «نعم» لا تقع ابتداءَ كلام، إنما تقع جواباً لسؤال فتكونُ تصديقاً له. ولقائل أن يقولَ: «يجوزُ أن يكونَ ثَمَّ سؤالٌ مقدر، وقد ذكروا ذلك في مواضع كثيرةٍ منها قولُه تعالى: {لاَ أُقْسِمُ} [القيامة: 1] {لاَ جَرَمَ} [هود: 22] ، قالوا: يُحتمل أن يكونَ رَدَّاً لقائلِ كيتَ وكيتَ.
[ الدر المصون: 4/-355-356]
قوله: {إِنْ هذان} : اختلف القُرَّاءُ في هذه الآيةِ الكريمة: فقرأ ابن كثيرٍ وحدَه «إنْ هذانِّ» بتخفيف إنْ، والألفِ، وتشديدِ النون. وحفصٌ كذلك إلاَّ أنه خَفَّف نونَ «هذانٍ» . وقرأ أبو عمرو «إنَّ» بالتشديد «هذين» بالياء وتخفيفِ النون. والباقون كذلك إلاَّ أنهم قَرَؤوا/ «هذان» بالألف.
فأَمَّا القراءةُ الأولى وهي قراءةُ ابنِ كثير وحفص فأوضحُ القراءاتِ معنىً ولفظاً وخَطَّاً؛ وذلك أنهما جعلا «إنْ» المخففةَ من الثقيلة فَأُهْمِلَتْ، ولَمَّا أُهْمِلَتْ كما هو الأفصحُ مِنْ وجهيها خِيْفَ التباسُها بالنافية فجيء باللامِ فارقةً في الخبر. ف «هذان» مبتدأٌ، و «لَساحران» خبرُه، ووافَقَتْ خَطَّ المصحفِ؛ فإن الرسم «هذن» بدونِ ألفٍ ولا ياءٍ وسيأتي بيانُ ذلك.
وأمَّا تشديدُ نونِ «هذان» فعلى ما تقدَّم في سورةِ النساءِ، وقد أَتْقَنتُ ذلك هناك.
وأمَّا الكوفيون فيزعمون أنَّ «إنْ» نافيةٌ بمعنى ما، واللامُ بمعنى إلاَّ، وهو خلافٌ مشهورٌ وقد وافقَ تخريجُهم هنا قراءةَ بعضِهم «ما هذانِ إلاَّ ساحران» .
وأمَّا قراءةُ أبي عمروٍ فواضحةٌ من حيث الإِعرابُ والمعنى. أمَّا الإِعرابُ ف «هذَيْن» اسمُ «إنَّ» وعلامةُ نصبِه الياءُ. و «لَساحِران» خبرُها، ودخَلَتِ اللام توكيداً. وأمَّا مِنْ حيث المعنى: فإنَّهم أَثْبتوا لهما السحرَ بطريق تأكيديٍّ من طرفيه، ولكنهم استشكلُوها من حيث خَطُّ المصحفِ؛ وذلك أنَّ رَسْمَه «هذن» بدونِ ألفٍ ولا ياءٍ، فإثباتُه بالياءِ زيادةٌ على خطِّ المصحفِ. قال أبو إسحاق: «لا أُجيز قراءةَ أبي عمرو لأنَّها خلافُ المصحفِ» . وقال أبو عبيد: «رأيتُهما في الإِمام مصحفِ عثمان» هذن «ليس فيها ألفٌ، وهكذا رأيتُ رفعَ الاثنين في ذلك المصحفِ بإسقاط الألفِ، وإذا كتبوا النصبَ والخفضَ كتبُوه بالياء، ولا يُسْقِطونها» .
قلت: وهذا لا ينبغي أَنْ يُرَدَّ به على أبي عمرو، وكم جاء في الرسم أشياءُ خارجةٌ عن القياسِ، وقد نَصُّوا هم أنه لا يجوزُ القراءةُ بها فليكنْ هذا منها، أعني ممَّا خَرَجَ عن القياس. فإن قلتَ: ما نَقَلْتَه عن أبي عبيد مشتركُ الإِلزامِ بين أبي عمروٍ وغيرِه، فإنهم كما اعترضوا عليه بزيادةِ الياء يُعْترض عليهم بزيادةِ الألفِ: فإنَّ الألفَ ثابتةٌ في قراءتِهم، ساقطةٌ من خَطِّ المصحفِ. فالجواب ما تقدَّم مِنْ قولِ أبي عبيدٍ أنهم رآهم يُسْقِطون الألفَ مِنْ رفع الاثنين، فإذا كتُبوا النصبَ والخفضَ كتبُوه بالياء.
وذهب جماعةٌ منهم عائشةُ رضي الله عنها وأبو عمروٍ إلى أن هذا ممّا لَحَنَ فيه الكاتبُ وأُقيم بالصواب.
يَعْنُون أنه كان مِنْ حقه أن يكتبَه بالياءِ فلم يفعلْ، فلم يقرَأْه الناسُ إلاَّ بالياءِ على الصوابِ.
وأمَّا قراءةُ الباقين ففيها أوجه، أحدُها: أن «إنَّ» بمعنى نَعَمْ، و «هذان» مبتدأٌ، و «لَساحران» خبرُه، وكَثُرَ ورودُ «إنَّ» بمعنى نعم وأنشدوا:
3297 -
بَكَرَ العَواذِلُ في المَشِيْ ... بِ يَلُمْنَني وأَلوْمُهُنَّهْ
ويَقلْن شَيْبٌ قد عَلا ... كَ وقد كَبِرْتَ فقلتُ إنَّهْ
أي: فقلت: نَعَمْ. والهاءُ للسَّكْتِ. وقال رجلٌ لابن الزبير: لَعَن اللهُ ناقةً حَمَلَتْني إليكَ. فقال: «إنَّ وصاحبَها» أي: نعم. ولَعَنَ صاحبَها. وهذا رأيُ المبردِ وعلي بن سليمان في آخرين. وهو مردودٌ من وجهين، أحدهما: عدمُ ثبوتِ «إنَّ» بمعنى نعم، وما أوردُه مُؤَوَّلٌ: أمَّا البيتُ فإنّ الهاءَ اسمُها، والخبرَ محذوفٌ لفهمِ المعنى تقديرُه: إنه كذلك. وأمَّا قولُ ابنِ الزبير فذلك مِنْ حَذْفِ المعطوفِ عليه وإبقاءِ المعطوف وحَذْفِ خبر «إنَّ» للدلالةِ عليه، تقديره: إنَّها وصاحَبها ملعونان، وفيه تكلُّفٌ لا يَخْفَى والثاني: دخولُ اللامِ على خبرِ المبتدأ غيرِ المؤكَّد ب «إنَّ» المكسورةِ، لأَنَّ مثلَه لا يقعُ إلاَّ ضرورةً كقولِه:
3298 -
أمُّ الحُلَيْسِ لَعَجُوْزٌ شَهْرَبَهْ ... تَرْضَى من اللحمِ بعظمِ الرَّقَبَهْ
وقد يُجاب عنه: بأنَّ «لَساحِران» يجوزُ أَنْ يكونَ خبرَ مبتدأ محذوفٍ دَخَلَتْ عليه هذه اللامُ تقديرُه: لهما ساحران. وقد فعل ذلك الزجاج كما ستأتي حكايتُه عنه.
الثاني: أنَّ اسمَها ضميرُ القصةِ وهو «ها» التي قبل «ذان» وليست ب «ها» التي للتنبيهِ الداخلةِ على أسماءِ الإِشارةِ، والتقدير: إنَّ القصةَ ذانِ لساحران. وقد رَدُّوا هذا من وجهين، أحدهما: من جهةِ الخَطِّ، وهو أنه لو كان كذلك لكان ينبغي أن تُكتبَ «إنها» فيصِلوا الضميرَ بالحرفِ قبلَه كقوله تعالى: {فَإِنَّهَا لاَ تَعْمَى الأبصار} [الحج: 46] فكَتْبُهم إياها مفصولةً من «إنَّ» متصلةً باسمِ الإِشارة يمنع كونَها ضميراً، وهو واضح. الثاني: أنَّه يؤدِّي إلى دخولِ لامِ الابتداءِ في الخبرِ غيرِ المنسوخِ. وقد يُجاب عنه بما تقدَّم.
الثالث: أنَّ اسمَها ضميرُ الشأنِ محذوفٌ، والجملةُ من المبتدأ والخبرِ بعدَه في محلِّ رفعٍ خبراً ل «إنَّ» ، التقديرُ: إنَّه، أي: الأمرُ والشأنُ. وقد ضُعِّفَ هذا بوجهين، أحدهما: حَذْفُ اسمِ «إن» ، وهو غيرُ جائزٍ إلاَّ في شعرٍ، بشرطِ أَنْ لا تباشرَ «إنَّ» فعلاً كقولِه:
3299 -
إنَّ مَنْ يَدْخُلِ الكنيسةَ يوماً ... يَلْقَ فيها جَآذراً وظِباءَ
/
والثاني: دخولُ اللام في الخبرِ.
وقد أجابَ الزجَّاج بأنها داخلةٌ على مبتدأ محذوفٍ تقديرُه: لهما ساحران. وهذا قد استحسنه شيخُه المبردُ، أعني جوابَه بذلك.
الرابع: أنَّ «هذان» اسمُها، و «لَساحران» خبرُها. وقد رُدَّ هذا بأنه كان ينبغي أَنْ يكونَ «هذين» بالياءِ كقراءةِ أبي عمرو.
وقد أُجيب عن ذلك: بأنه على لغةِ بني الحارثِ وبين الهُجَيْم وبني العَنْبر وزُبَيْد وعُذْرَة ومُراد وخَثْعَم. وحكى هذه اللغةَ الأئمةُ الكبارُ كأبي الخَطَّاب وأبي زيد الأنصاري والكسائي. قال أبو زيد: «سمعتُ من العربِ مَنْ يَقْلِبُ كلَّ ياءٍ ينفتح ما قبلها ألفاً» ، يجعلون المثنى كالمقصورِ فيُثْبِتون ألفاً في جميع أحواله، ويُقَدِّرون إعرابَه بالحركاتِ، وأنشدوا قولَه:
3300 -
فأَطْرَق إطْراقَ الشُّجاعِ ولو يرى ... مَسَاغاً لِناباه الشُّجاعُ لصَمَّما أي: لنابَيْه. وقولَه:
3301 -
إنَّ أباها وأبا أباها ... قد بَلَغا في المجدِ غايتاها
أي: غايتيهما، إلى غير ذلك من الشواهد.
وقرأ ابن مسعود: «أنْ هذان ساحِران» بفتح «أَنْ» وإسقاط اللامِ: على أنها وما في حَيِّزها بدلٌ من «النجوى» كذا قاله الزمخشري، وتبعه الشيخ ولم ينكره. وفيه نظرٌ: لأنَّ الاعتراضَ بالجملة القولية بين البدلِ والمبدلِ منه لا يَصِحُّ. وأيضاً فإنَّ الجملةَ القوليةَ مفسرةٌ للنجوى في قراءةِ العامَّة، وكذا قاله الزمخشريُّ أولاً فكيف يَصحُّ أَنْ يُجْعَلَ «أنْ هذان ساحران» بدلاً من «النجوى» ؟ .
قوله: {بِطَرِيقَتِكُمُ} الباءُ في «بطريقتكم» مُعَدِّيَةٌ كالهمزة. والمعنى: بأهلِ طريقتكم. وقيل: الطريقةُ عبارةُ عن السَّادة فلا حَذْفَ.
[الدر المصون: 8/63-68]


قال محمد الطاهر ابن عاشور (ت : 1393هـ):
فِي رِوَايَةِ يُونُسَ عَنِ الْعَرَبِ: بِرَفْعِ (النَّازِلُونَ) وَنَصْبِ (الطَّيِّبِينَ) ، لِتَكُونَ نَظِيرَ هَذِهِ الْآيَةِ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا مِمَّا يَجْرِي عَلَى قَصْدِ التَّفَنُّنِ عِنْدَ تَكَرُّرِ الْمُتَتَابِعَاتِ، وَلِذَلِكَ تَكَرَّرَ وُقُوعُهُ فِي الْقُرْآنِ فِي مَعْطُوفَاتٍ مُتَتَابِعَاتٍ كَمَا فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ وَفِي هَذِهِ الْآيَةِ، وَفِي قَوْله:
والصَّابِئُونَ فِي سُورَةِ الْمَائِدَةِ [69] .
وَرُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ وَأَبَانٍ بْنِ عُثْمَانَ أَنَّ نَصْبَ الْمُقِيمِينَ خَطَأٌ، مِنْ كَاتِبِ الْمُصْحَفِ وَقَدْ عَدَّتْ مِنَ الْخَطَأِ هَذِهِ الْآيَةَ. وَقَوْلِهِ: وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ- إِلَى قَوْلِهِ- وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْساءِ [الْبَقَرَة: 177] وَقَوْلِهِ: إِنْ هذانِ لَساحِرانِ [طه: 63] . وَقَوله: الصَّابِئُونَ فِي سُورَةِ الْمَائِدَةِ [69] . وَقَرَأَتْهَا عَائِشَةُ، وَعَبْدُ اللَّهُ بْنُ مَسْعُودٍ، وَأُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ، وَالْحَسَنُ، وَمَالِكُ بْنُ دِينَارٍ، وَالْجَحْدَرِيُّ، وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، وَعِيسَى بْنُ عُمَرَ، وَعَمْرُو بْنُ عُبَيْدٍ:
وَالْمُقِيمُونَ- بِالرَّفْعِ-. وَلَا تُرَدُّ قِرَاءَةُ الْجُمْهُورِ الْمُجْمَعِ عَلَيْهَا بِقِرَاءَةٍ شَاذَّةٍ.
[ التحرير والتنوير: 6/29]


وَمِنَ النَّاسِ مَنْ زَعَمَ أَنَّ نَصْبَ الْمُقِيمِينَ وَنَحْوَهُ هُوَ مَظْهَرُ تَأْوِيلِ قَوْلِ عُثْمَانَ لِكُتَّابِ الْمَصَاحِفِ حِينَ أَتَمُّوهَا وَقَرَأَهَا أَنَّهُ قَالَ لَهُمْ: «أَحْسَنْتُمْ وَأَجْمَلْتُمْ وَأَرَى لَحْنًا قَلِيلًا سَتُقِيمُهُ الْعَرَبُ بِأَلْسِنَتِهَا» . وَهَذِهِ أَوْهَامٌ وَأَخْبَارٌ لَمْ تَصِحَّ عَنِ الَّذِينَ نُسِبَتْ إِلَيْهِمْ. وَمِنَ الْبَعِيدِ جدّا أَن يخطىء كَاتِبُ الْمُصْحَفِ فِي كَلِمَةٍ بَيْنَ أَخَوَاتِهَا فَيُفْرِدَهَا بِالْخَطَأِ دُونَ سَابِقَتِهَا أَوْ تَابِعَتِهَا، وَأَبْعَدَ مِنْهُ أَنْ يَجِيءَ الْخَطَأُ فِي طَائِفَةٍ مُتَمَاثِلَةٍ مِنَ الْكَلِمَاتِ وَهِيَ الَّتِي إِعْرَابُهَا بِالْحُرُوفِ النَّائِبَةِ عَنْ حَرَكَاتِ الْإِعْرَابِ مِنَ الْمُثَنَّى وَالْجَمْعِ عَلَى حَدِّهِ. وَلَا أَحْسَبُ مَا رَوَاهُ عَنْ عَائِشَةَ وَأَبَانِ بْنِ عُثْمَانَ فِي ذَلِكَ صَحِيحًا. وَقَدْ عَلِمْتُ وَجْهَ عَرَبِيَّتِهِ فِي الْمُتَعَاطِفَاتِ، وَأَمَّا وَجْهُ عَرَبِيَّةِ إِنْ هذانِ لَساحِرانِ فَيَأْتِي عِنْدَ الْكَلَام فِي سُورَةِ طه [63] .
[ التحرير والتنوير: 6/30]
وَالظَّاهِرُ أَنَّ تَأْوِيلَ قَوْلِ عُثْمَانَ هُوَ مَا وَقَعَ فِي رَسْمِ الْمُصْحَفِ مِنْ نَحْوِ الْأَلِفَاتِ الْمَحْذُوفَةِ. قَالَ صَاحِبُ «الْكَشَّافِ» : «وَهُمْ كَانُوا أَبْعَدَ هِمَّةً فِي الْغَيْرَةِ عَلَى الْإِسْلَامِ وَذَبِّ الْمَطَاعِنِ عَنْهُ مِنْ أَنْ يَتْرُكُوا فِي كِتَابِ اللَّهِ ثُلْمَةً لِيَسُدَّهَا مَنْ بَعْدَهُمْ وَخَرْقًا يَرْفُوهُ مَنْ يَلْحَقُ بِهِمْ» .
وَاعْلَمْ أَنَّ جَمِيعَ الْقُرَّاء المعتبرين قرأوا بِإِثْبَاتِ الْأَلِفِ فِي اسْمِ الْإِشَارَةِ من قَوْله «هاذان» مَا عَدَا أَبَا عَمْرٍو مِنَ الْعَشَرَةِ وَمَا عَدَا الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ مِنَ الْأَرْبَعَةَ عَشَرَ. وَذَلِكَ يُوجِبُ الْيَقِينَ بِأَنَّ إِثْبَاتَ الْأَلِفِ فِي لَفْظِ (هَذَانِ) أَكْثَرُ تَوَاتُرًا بِقَطْعِ النَّظَرِ عَنْ كَيْفِيَّةِ النُّطْقِ بِكَلِمَةِ (إِنَّ) مُشَدَّدَةً أَوْ مُخَفَّفَةً، وَأَنَّ أَكْثَرَ مَشْهُورِ الْقِرَاءَاتِ الْمُتَوَاتِرَةِ قَرَأُوا- بِتَشْدِيدِ نُونِ- (أَنَّ) مَا عَدَا ابْنَ كَثِيرٍ وَحَفْصًا عَنْ عَاصِمٍ فَهُمَا قَرَءَا (أَنْ) - بِسُكُونِ النُّونِ- عَلَى أَنَّهَا مُخَفَّفَةٌ مِنَ الثَّقِيلَةِ.
وَإِنَّ الْمُصْحَفَ الْإِمَامَ مَا رَسَمُوهُ إِلَّا اتِّبَاعًا لِأَشْهَرِ الْقِرَاءَاتِ الْمَسْمُوعَةِ الْمَرْوِيَّةِ مِنْ زَمَنِ النَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقُرَّاءِ أَصْحَابِهِ، فَإِنَّ حِفْظَ الْقُرْآنِ فِي صُدُورِ الْقُرَّاءِ أَقْدَمُ مِنْ كِتَابَتِهِ فِي الْمَصَاحِفِ، وَمَا كُتِبَ فِي أُصُولِ الْمَصَاحِفِ إِلَّا مِنْ حِفْظِ الْكَاتِبِينَ، وَمَا كُتِبَ الْمُصْحَفُ الْإِمَامُ إِلَّا مِنْ مَجْمُوعِ مَحْفُوظِ الْحُفَّاظِ وَمَا كَتَبَهُ كُتَّابُ الْوَحْيِ فِي مُدَّةِ نُزُولِ الْوَحْيِ.
فَأَمَّا قِرَاءَةُ الْجُمْهُورِ إِنْ هذانِ لَساحِرانِ- بِتَشْدِيدِ نُونِ- (إِنَّ) وَبِالْأَلِفِ فِي هذانِ وَكَذَلِكَ فِي لَساحِرانِ، فَلِلْمُفَسِّرِينَ فِي تَوْجِيهِهَا آرَاءٌ بَلَغَتِ السِّتَّةَ. وَأَظْهَرُهَا أَنْ تَكُونَ (إِنَّ) حَرْفُ جَوَابٍ مِثْلَ: نَعَمْ وَأَجَلْ، وَهُوَ اسْتِعْمَالٌ مِنِ اسْتِعْمَالَاتِ (إِنَّ) ، أَيِ اتَّبَعُوا لَمَّا اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ أَمْرُهُمْ بَعْدَ النَّجْوَى كَقَوْلِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قَيْسِ الرُّقَيَّاتِ:
وَيَقُلْنَ شَيْبٌ قَدْ عَلَا ... كَ وَقَدْ كَبِرْتَ فَقُلْتُ إِنَّهُ
أَيْ أَجَلْ أَوْ نَعَمْ، وَالْهَاءُ فِي الْبَيْتِ هَاءُ السَّكْتِ، وَقَوْلِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ لِأَعْرَابِيٍّ اسْتَجْدَاهُ فَلَمْ يُعْطِهِ، فَقَالَ الْأَعْرَابِيُّ: لَعَنَ اللَّهُ نَاقَةً حَمَلَتْنِي إِلَيْكَ. قَالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ: إِنَّ وَرَاكِبَهَا. وَهَذَا التَّوْجِيهُ مِنْ مُبْتَكَرَاتِ أَبِي إِسْحَاقَ الزَّجَّاجِ ذَكَرَهُ فِي «تَفْسِيرِهِ» . وَقَالَ: عَرَضْتُهُ عَلَى عَالِمَيْنَا وَشَيْخَيْنَا وَأُسْتَاذَيْنَا مُحَمَّدِ بْنِ يَزِيدٍ (يَعْنِي الْمُبَرِّدَ) ، وَإِسْمَاعِيلَ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ حَمَّادٍ (يَعْنِي الْقَاضِيَ الشَّهِيرَ) فَقَبِلَاهُ وَذَكَرَا أَنَّهُ أَجْوَدُ مَا سَمِعَاهُ فِي هَذَا.
وَقُلْتُ: لَقَدْ صَدَقَا وَحَقَّقَا، وَمَا أَوْرَدَهُ ابْنُ جِنِّيٍّ عَلَيْهِ مِنَ الرَّدِّ فِيهِ نَظَرٌ.

وَفِي «التَّفْسِيرِ الْوَجِيزِ» لِلْوَاحِدِيِّ سَأَلَ إِسْمَاعِيلُ الْقَاضِي (هُوَ ابْنُ إِسْحَاقَ بْنِ حَمَّادٍ) ابْنَ كَيْسَانَ عَنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، فَقَالَ ابْنُ كَيْسَانَ: لَمَّا لَمْ يَظْهَرْ فِي الْمُبْهَمِ إِعْرَابٌ فِي الْوَاحِدِ وَلَا فِي الْجَمْعِ (أَيْ فِي قَوْلِهِمْ هَذَا وَهَؤُلَاءِ إِذْ هُمَا مَبْنِيَّانِ) جَرَتِ التَّثْنِيَةُ مَجْرَى الْوَاحِدِ إِذِ التَّثْنِيَةُ يَجِبُ أَنْ لَا تُغَيَّرَ. فَقَالَ لَهُ إِسْمَاعِيل: مَا حسن هَذَا لَوْ تَقَدَّمَكَ أَحَدٌ بِالْقَوْلِ فِيهِ حَتَّى يُؤْنَسَ بِهِ! فَقَالَ لَهُ ابْنُ كَيْسَانَ: فَلْيَقُلْ بِهِ الْقَاضِي حَتَّى يُؤْنَسَ بِهِ، فَتَبَسَّمَ.
وَعَلَى هَذَا التَّوْجِيهِ يَكُونُ قَوْلُهُ تَعَالَى: إِنْ هذانِ لَساحِرانِ حِكَايَةً لِمَقَالِ فَرِيقٍ مِنَ الْمُتَنَازِعِينَ، وَهُوَ الْفَرِيقُ الَّذِي قَبِلَ هَذَا الرَّأْيَ لِأَنَّ حَرْفَ الْجَوَابِ يَقْتَضِي كَلَامًا سَبَقَهُ.
وَدَخَلَتِ اللَّامُ عَلَى الْخَبَرِ: إِمَّا عَلَى تَقْدِيرِ كَوْنِ الْخَبَرِ جُمْلَةً حُذِفَ مُبْتَدَأُهَا وَهُوَ مَدْخُولُ اللَّامِ فِي التَّقْدِيرِ، وَوُجُود اللّام ينبىء بِأَنَّ الْجُمْلَةَ الَّتِي وَقَعَتْ خَبَرًا عَنِ اسْمِ الْإِشَارَةِ جُمْلَةٌ قَسَمِيَّةٌ وَإِمَّا عَلَى رَأْيِ مَنْ يُجِيزُ دُخُولَ اللَّامِ عَلَى خَبَرِ الْمُبْتَدَأِ فِي غَيْرِ الضَّرُورَةِ.
وَوُجِّهَتْ هَذِهِ الْقِرَاءَةُ أَيْضًا بِجَعْلِ (إِنَّ) حَرْفَ تَوْكِيدٍ وَإِعْرَابُ اسْمِهَا الْمُثَنَّى جَرَى عَلَى لُغَةِ كِنَانَةَ وَبِلْحَارِثِ بْنِ كَعْبٍ الَّذِينَ يَجْعَلُونَ عَلَامَةَ إِعْرَابِ الْمُثَنَّى الْأَلِفَ فِي أَحْوَالِ الْإِعْرَابِ كُلِّهَا، وَهِيَ لُغَةٌ مَشْهُورَةٌ فِي الْأَدَبِ الْعَرَبِيِّ وَلَهَا شَوَاهِدُ كَثِيرَةٌ مِنْهَا قَوْلُ الْمُتَلَمِّسِ:
فَأَطْرَقَ إِطْرَاقَ الشُّجَاعِ وَلَوْ دَرَى ... مَسَاغًا لِنَابَاهُ الشُّجَاعُ لَصَمَّمَا
وَقَرَأَهُ حَفْصٌ- بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَتَخْفِيفِ نُونِ (إِنْ) مُسَكَّنَةً- عَلَى أَنَّهَا مُخَفَّفَةُ (إِنَّ) الْمُشَدَّدَةِ. وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ اسْمُ (إِنِ) الْمُخَفَّفَةِ ضَمِيرَ شَأْنٍ مَحْذُوفًا عَلَى الْمَشْهُورِ.
وَتَكُونُ اللَّامُ فِي لَساحِرانِ اللَّامَ الْفَارِقَةَ بَيْنَ (إِنِ) الْمُخَفَّفَةِ وَبَيْنَ (إِنِ) النَّافِيَةِ.
وَقَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ- بِسُكُونِ نُونِ (إِنْ) - عَلَى أَنَّهَا مُخَفَّفَةٌ مِنَ الثَّقِيلَةِ وَبِإِثْبَاتِ الْأَلِفِ فِي «هَذَانِ» وَبِتَشْدِيدِ نُونِ (هَاذَانِّ) .
وَأَمَّا قِرَاءَةُ أَبِي عَمْرٍو وَحْدَهُ إِنَّ هَذَيْنِ- بِتَشْدِيدِ نُونِ (إِنَّ) وَبِالْيَاءِ بَعْدَ ذَالِ «هَذَيْنِ» .
فَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ: هِيَ مُخَالفَة للمصحف. وَأَقل: ذَلِكَ لَا يَطْعَنُ فِيهَا لِأَنَّهَا رِوَايَةٌ صَحِيحَةٌ وَوَافَقَتْ وَجْهًا مَقْبُولًا فِي الْعَرَبِيَّةِ.
وَنُزُولُ الْقُرْآنِ بِهَذِهِ الْوُجُوهِ الْفَصِيحَةِ فِي الِاسْتِعْمَالِ ضَرْبٌ مِنْ ضُرُوبِ إِعْجَازِهِ لِتَجْرِيَ تَرَاكِيبُهُ عَلَى أَفَانِينَ مُخْتَلِفَةِ الْمَعَانِي مُتَّحِدَةِ الْمَقْصُودِ. فَلَا الْتِفَاتَ إِلَى مَا رُوِيَ مِنِ ادِّعَاءِ أَنَّ كِتَابَةَ «إِنَّ هَاذَانِ» خَطَأٌ مِنْ كَاتِبِ الْمُصْحَفِ، وَرِوَايَتِهِمْ ذَلِكَ عَنْ أَبَانَ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ
عَنْ أَبِيهِ، وَعَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ، وَلَيْسَ فِي ذَلِكَ سَنَدٌ صَحِيحٌ. حَسِبُوا أَنَّ الْمُسْلِمِينَ أَخَذُوا قِرَاءَةَ الْقُرْآنِ مِنَ الْمَصَاحِفِ وَهَذَا تَغَفُّلٌ، فَإِنَّ الْمُصْحَفَ مَا كُتِبَ إِلَّا بَعْدَ أَنْ قَرَأَ الْمُسْلِمُونَ الْقُرْآنَ نَيِّفًا وَعِشْرِينَ سَنَةً فِي أَقْطَارِ الْإِسْلَامِ، وَمَا كُتِبَتِ الْمَصَاحِفُ إِلَّا مِنْ حِفْظِ الْحُفَّاظِ، وَمَا أَخَذَ الْمُسْلِمُونَ الْقُرْآنَ إِلَّا مِنْ أَفْوَاهِ حُفَّاظِهِ قَبْلَ أَنْ تُكْتَبَ الْمَصَاحِفُ، وَبَعْدَ ذَلِكَ إِلَى الْيَوْمِ فَلَوْ كَانَ فِي بَعْضِهَا خَطَأٌ فِي الْخَطِّ لَمَا تَبِعَهُ الْقُرَّاءُ، وَلَكَانَ بِمَنْزِلَةِ مَا تُرِكَ مِنَ الْأَلِفَاتِ فِي كَلِمَاتٍ كَثِيرَةٍ وَبِمَنْزِلَةِ كِتَابَةِ أَلِفِ الصَّلَاةِ، وَالزَّكَاةِ، وَالْحَيَاةِ، وَالرِّبَا- بِالْوَاوِ- فِي مَوْضِعِ الْألف وَمَا قرأوها إِلَّا بِأَلِفَاتِهَا.
[ التحرير والتنوير: 16/ 250-254]
ثالثا المراجع المتخصصة: وهى كتب القراءات ومعاني الحروف، ورسالة ابن تيمية في ( إن هذان لساحران).
وكتب القراءات هي: السبعة في القراءات لابن مجاهد البغدادي (ت: 324هـ)، والحجة القراءات السبع لابن خالوية (ت: 370هـ)، و معاني القراءات لأبي منصور الأزهري: ( ت: 370 هـ)، والحجة للقراء السبعة لأبي علي (ت: 377هـ)، والمبسوط في القراءات العشر لابن مهران النيسابوري ( ت: 381هـ ) ، وحجة القراءات لابن زنجلة ( ت: 403هـ)
أما مراجع معاني الحروف فهي : شرح أبي القاسم عبد الرحمن بن إسحاق الزجَّاجيُّ (ت: 340هـ)، قسم معاني الحروف من دليل"دراسات في أساليب القرآن"
للأستاذ محمد عبد الخالق عضيمة (1404ه)


قال أبو بكر بن مجاهد البغدادي (ت: 324هـ):
وَاخْتلفُوا فى قَوْله {إِن هَذَانِ لساحران} 63 فى تَشْدِيد النونين وتخفيفهما وفى الْألف وَالْيَاء

فَقَرَأَ نَافِع وَابْن عَامر وَحَمْزَة والكسائى {إِن} مُشَدّدَة النُّون / هذن / بِأَلف خَفِيفَة النُّون
وَقَرَأَ ابْن كثير / إِن هذن / بتَشْديد نون / هذن / وَتَخْفِيف نون {إِن}
وَاخْتلف عَن عَاصِم فروى أَبُو بكر / إِن هذن / نون {إِن} مُشَدّدَة / هذن / مثل حَمْزَة وروى حَفْص عَن عَاصِم {إِن} سَاكِنة النُّون وهى قِرَاءَة ابْن كثير و / هذن / خَفِيفَة
وَقَرَأَ أَبُو عَمْرو وَحده {إِن} مُشَدّدَة النُّون / هذَيْن / بِالْيَاءِ
[ السبعة في القراءات: 1/419]



قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد بن خالويه (ت: 370هـ):
قوله تعالى: وَالَّذانِ يَأْتِيانِها «2» مِنْكُمْ «3». يقرأ بتشديد النون وتخفيفها. وكذلك ما كان في القرآن من نون التثنية في مثل هذا. فالحجة لمن شدد: أنه جعل التشديد عوضا من الياء المحذوفة في «الذي» كما جعلها عوضا من الألف في إِنْ هذانِ لَساحِرانِ «4» ليفرّق بين ما قد سقط منه حرف، وبين ما قد بنى على لفظه وتمامه. والحجّة لمن خفف: أن العرب قد تحذف طلبا للتخفيف من غير تعويض، وتعوض طلبا للإتمام. وكلّ من ألفاظها ومستعمل في كلامها. فأما قوله: فَذانِكَ «5» فإن من شدّد النون جعله تثنية: (ذلك)، وتقديره:

(ذان لك) فقلب من اللام نونا وأدغم.
ومن خفف جعله تثنية (ذاك)، فأتى بالنون الخفيفة للاثنين. فأما دخول الكاف فيهما فلمعنى الخطاب ولا موضع لها من الإعراب. والدليل على ذلك أن النون لا تثبت مع الإضافة «6». وإنما كسرت اللام في (ذلك) لسكونها. وسكون الألف قبلها. واختير لها لئلا يلتبس بقولهم في الإشارة: (ذا لك) إذا أردت (هذا لك) ثم خزلت الهاء. فأما جمع ذلك: ف «أولئك». وأما جمع ذاك: ف «أولاك»، واللّام في ذلك زائدة لتراخي المشار إليه.
[ الحجة في القراءات السبع: 1/121]

قوله تعالى: إِنْ هذانِ لَساحِرانِ «3». أجمع القراء على تشديد نون «إنّ» إلّا (ابن كثير) و (حفصا) عن (عاصم) فإنهما خفّفاها. وأجمعوا على لفظ الألف في قوله:

(هذان) إلا (أبا عمرو) فإنه قرأها بالياء. وأجمعوا على تخفيف النون في التثنية إلّا ابن كثير فإنه شدّدها. فالحجة لمن شدّد النون في (إنّ) وأتى بألف في (هذان): أنه احتج بخبر (الضحاك) «4» عن (ابن عباس) «5»: أن الله تعالى أنزل هذا القرآن بلغة كل حيّ من أحياء العرب. وهذه اللفظة بلغة «بلحارث بن كعب» «6» خاصة، لأنهم يجعلون التثنية بالألف في كل وجه، لا يقلبونها لنصب ولا خفض. قال شاعرهم:
إن أباها وأبا أباها ... قد بلغا في المجد غايتاها
«7» فلما ثبتت هذه اللفظة في السّواد بالألف، وافقت هذه اللغة، فقرءوا بها، ولم يغيّروا ما ثبت في المصحف. والحجة لمن خفف النون: أنه جعلها خفيفة من الشديدة فأزال عملها، وردّ ما كان بعدها منصوبا إلى أصله، وهو المبتدأ، وخبره، فلم يغيّر اللفظ ولا لحن في موافقة الخطّ.
فإن قيل: إن اللام لا تدخل على خبر المبتدأ، لا يقال: زيد لقائم. فقل: من العرب من يفعل ذلك تأكيدا للخبر. وأنشد شاهدا لذلك:
خالي لأنت ومن جرير خاله ... ينل العلاء ويكرم الأخوالا
«1» والوجه الآخر: أن يكون (إن) هاهنا بمعنى «ما» واللام بمعنى «إلّا» كقوله تعالى:
إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْها حافِظٌ «2» معناه: والله أعلم: ما كل نفس إلّا عليها حافظ «3».
وقال: (أبو العباس المبرد) «4»: أولى الأمور بإن المشددة أن تكون هاهنا بمعنى «نعم» كما قال (ابن الزبير) «5» للأعرابي لما قال له: لعن الله ناقة حملتني إليك فقال له: (إنّ وراكبها) أراد: (نعم وراكبها) وأنشد:
بكر العواذل بالضّحى ... يلحينني وألومهنّه
ويقلن شيب قد علا ... ك وقد كبرت ت فقلت إنّه
«6» أراد فقلت: نعم، فوصلها بهاء السكت. فقيل له: إنّ اللام لا تدخل على خبرها إذا كانت بمعنى «نعم» فقال: إنما دخلت اللام على اللفظ لا على المعنى. والحجة لمن قرأها بالياء ما روي عن (عائشة) «7» و (يحيى بن يعمر) «8»: أنه لما رفع المصحف إلى (عثمان) «1» قال: أرى فيه لحنا، وستقيمه العرب بألسنها.
فإن قيل: فعثمان كان أولى بتغيير اللحن: فقل: ليس اللحن هاهنا أخطاء الصواب، وإنما هو خروج من لغة قريش إلى لغة غيرهم «2». والحجة لمن شدد النون في التثنية مذكورة في النساء «3».
[ الحجة في القراءات السبع: 1/242-244]

قال أبو منصور الأزهري: ( ت: 370 هـ):
وقوله جلَّ وعزَّ: (إِنَّ هذَانِ لَسَاحِرَانِ (63) قرأ ابن كثيرٍ (إِنْ) خفيفة، (هَذاَن) بالرفع وتشديد النون.

وقرأ حفص (إنْ هَذَانِ) بالرفع وتخفيف النون:
وقرأ أبو عمرو (إنَّ) مشددة، (هَذَين) نصبًا باللغة العالية.
وقرأ الباقون (إنَّ) بالتشدِيد، (هَذَانِ) بالرفع وتخفيف النون.
قال أبو منصور: أما قراءة أبي عمرو (إنَّ هَذَين) وهي اللغة العالية التي
يتكلم بها جَماهِير العرب إلا أنها مخالَفة لِلْمصحف، وكان أبو عمرو يذهب
في مُخَالفته المصحَفَ إلى قول عائشة وعثمان: إنه من غلط الكاتب فيه، وفي
حروف أخر.
وأما مَنْ قَرَأَ (إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ) بتخفيف (إِنْ) ، و (هَذَانِ) بالرفع فإنه ذهب
إلى أن (إنَّ) إذا خُفَفت رُفع ما بعدها، ولم يُنصَب بها، وتشديد النون من
(هذانِّ) لغة معروفة، وقُرِئ (فَذَانِّكَ بُرهَانَانِ) على هذه اللغة.
والمعنى في قراءة (إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ) : ما هذان إلا سَاحِرَان، بمعنى النفي، واللام في (لَسَاحِرَان) بمعنى: إلا وهذا صحيح في المعنى، وفي كلام العرب.
وأما قراءة العامّة (إِنَّ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ) ففى صحته في العربية وجوه كُلهَا

حجة، منها: أن الأخفش الكبير وغيره من قدماء النحويين قالوا: هى لغة
لِكِنَانة، يجعلون ألف الاثنين في الرفع والخفض على لفظ واحد، كقولك:
أتاني الزيدانِ، ورأيت الزيدان، وَمررت بالزيدانِ،
وقد أنشد الفراء بيتًا للمتلمِّس حجة لهذه اللغة:
فأَطْرَق إطْراقَ الشُّجاعِ ولو يرى ... مَسَاغاً لِناباه الشُّجاعُ لصَمَّما
وقال أبو عبيد: ويروي للكسائي يقول: هي لغة لِبَلْحارِث بن كعب،
وأنشد
تَزوَّدَ منَّا بَيْنَ أذناهُ ضَربةً ... دَعَتْهُ إلى هَابِي الترابِ عَقيم
وقال بعض النحويين في قوله (إِنَّ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ)
ها هنا هاء مضمرة،
المعنى: إنَّهُ هذَانِ لَسَاحِرَانِ.
وقال آخرون: (إنَّ) بمعنى: نَعَمْ هذان لسَاحِرَان، وقال ابن قيس الرقَيَّات:
ويَقُلْنَ شَيْبٌ قد عَلا ... كَ وقد كَبِرْتَ فقلتُ إنَّهْ.
وقال أبو إسحاق الزجاج: أجود ما سمعت في هذا: أن (إن) وقعت
موقع (نَعْم) ، وأن اللام وقعت موقعها، والمعنى: نعم هذانِ لهُما سَاحِران.
قال: والذي سلى هذا في الجودة مذهب بني كِنَانة في ترك ألف التثنية على
هيئة واحد.
قال: وأما قراءة أبي عمرو فإني لا أجيزُهَا لمخالفتها المصحف،
قال: ولما وجدت سَبيلاً إلى موافقة المصحف لم أَجِز مخالفتَه؛ لأن اتباعه
سُنَّة، سِيمَا وأكثر القراء على اتباعه، ولكني أَسْتَحْسِنُ
(إنْ هَذانِ لَسَاحِرَان) وفيه إمَامَانِ: عاصم، والخليل. وموافقة أُبيٍّ - رضي الله عنه.
[ معاني القراءات : 2/ 148-151]

قال الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ الأصل، أبو علي (ت: 377هـ):
ختلفوا في قوله تعالى: إن هذين [طه/ 63] في تشديد النون وتخفيفها.

فقرأ ابن عامر ونافع وحمزة والكسائي: (إنّ) مشدّدة النون.
هذان بألف خفيفة النون من هذان.
وقرأ ابن كثير (إن هذانّ) بتشديد نون (هذانّ) وتخفيف نون (إنّ).
واختلف عن عاصم فروى أبو بكر (إنّ هذان) نون إنّ مشدّدة، وروى حفص عن عاصم إن ساكنة النون وهي مثل قراءة ابن كثير، وهذان خفيفة.
وقرأ أبو عمرو وحده (إنّ) مشدّدة النون (هذين) بالياء.
قال قائلون: (إنّ) في قوله: (إنّ هذان لساحران) بمعنى: أجل، وأن تكون (إنّ) للتأكيد والناصبة للاسم أشبه بما قبل الكلام وما بعده، فأما قبل فقوله: فتنازعوا أمرهم بينهم وأسروا النجوى [طه/ 62] فالتنازع إنما هو في أمر موسى وهارون، هل هما ساحران على ما ظنوه من أمرهما، وقد تقدم من قولهم ما نسبوهما فيه إلى السحر، وهو قولهم: أجئتنا لتخرجنا من أرضنا بسحرك يا موسى فلنأتينك بسحر مثله [طه/ 57، 58] فهذا وإن لم يتقدمه سؤال عن سحرهم كما تقدم السّؤال مثل قوله: قالوا نعم وهو قوله: فهل وجدتم ما وعد ربكم حقا قالوا نعم [الأعراف/ 44] فقد تقدم أجئتنا لتخرجنا من أرضنا بسحرك يا موسى فلنأتينك بسحر مثله [طه/ 57، 58] فيكون نعم منصرفا إلى تصديق أنفسهم فيما ادّعوه من السحر و (إن) بمنزلة نعم.
وقال: قد قال سيبويه: نعم عدة وتصديق، وأن تصرف إلى الناصبة للاسم أولى. قال الجرميّ: هو قراءة أبي عمرو وعيسى وعمرو بن عبيد وقوله: يريدان أن يخرجاكم إلى آخر الكلام، أن يكون تأكيدا لأنهما ساحران أشبه بالكلام فإن حمله على التصديق ضرب من التأكيد فإن حملت (إنّ) على أنّه بمعنى نعم بقي الكلام: هذان لساحران، فتحصل لام الابتداء داخلة على خبر المبتدأ، وهذا قد قال النحويون فيه: إنّه يجوز في الشعر على الضرورة، فإن قلت: أقدر الابتداء محذوفا، فإن هذا لا يتجه «1» لأمرين: أحدهما: أن الذي حمله النحويون على الضرورة لا يمتنع من أن يستمر هذا التأويل فيه، ولم يحملوه مع ذلك عليه. والآخر: أن التأكيد باللام لا يليق به الحذف، ألا ترى أن الأوجه في الرتبة أن يتم الكلام ولا يحذف، ثم يؤكّد فأما أنيحذف ثم يؤكّد، فليس باللائق في التقدير، ووجه قول من قال: إن ذان، وإن هذان مخفف (إن): أنّ إنّ إذا خفّفت لم يكن النصب بها كثيرا، وكان الأوجه أن يرفع الاسم بعدها، والدليل على ذلك كثرة وقوع الفعل بعدها في نحو: إن كاد ليضلنا [الفرقان/ 42] وإن كانوا ليقولون [الصافات/ 167] وإن كنا عن دراستهم لغافلين [الأنعام/ 156]، وإذا كان الأوجه الرفع بعدها رفع هذان بعدها، وأدى مع ذلك خطّ المصحف، ومن زعم أنّ هذان في الآية الألف التي فيه الألف التي كانت في هذا، ليس إلا ألف التي جلبته التثنية، فإن الأمر لو كان على ما زعم لم تنقلب هذه الألف في تثنيته، كما أن الألف التي في هذا لا تنقلب على حال، وفي كون هذه الألف مرّة ياء، ومرة ألفا دلالة على أنه كسائر التثنية، ولا فصل بين هذا وبين غيره من الأسماء المعربة، وذلك أن هذه الأسماء في الانفراد إنما بنيت لمشابهتها الحروف، فإذا ثنيت زال بالثنية مشابهتها للحروف، من حيث لم تثنّ الحروف فتصير كسائر الأسماء المعربة، ويدلّ على أن هذه الألف للتثنية أن التي كانت في الواحد قد حذفت، كما حذفت الياء من التي والذي إذا قلت: اللتان واللذان، فالياء التي كانت في الاسم قد حذفت وجيء بالتي للتثنية. ومثل حذف هذه الألف حذف الألف من أولات ومن ذوات ومن هيهات، هذه كلّها حذفت فيها الألف والياء لقلة تمكّنها، فكذلك تحذف من قولهم: هذا، ألفه، وتلحق التي تكون علما للتثنية، ومن ثم انقلبت مرّة ياء ومرة ألفا، والتي تثبت في الواحد لا يتعاورها القلب، ولا تزول عن أن تكون ألفا، وقال أبو الحسن: إن هذان لساحران بتخفيف إن لأن الكتاب: هذان فيحملها على لغة من يخفّف إنّ فيرفع بها، وإن ثقلت فهي لغة لبني الحارث بن كعب يرفعون الاثنين في كل موضع قال: فأيّ التفسيرين فسرت فهو جيد.
[ الحجة للقراء السبعة: 5/229-232]

قال أبو بكر أحمد بن الحسين بن مِهْران النيسابورىّ (ت: 381هـ):
قرأ ابن كثير وحده {وَاللَّذَانِ} [16] مشددة النون. وكذلك {إِنْ هَذَانِ} [طه 63] وفي الحج {هَذَانِ} [19 الحج] و {إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ} [القصص 27] و {فَذَانِكَ بُرْهَانَانِ} [القصص 32] و {أَرِنَا اللَّذَيْنِ} [فصلت 29] مشددة النون في هذه الحروف.
[ المبسوط في القراءات العشر: 1/177]

قرأ أبو عمرو وحده {إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ} [63]. وقرأ ابن كثير، وحفص عن عاصم {إِنْ} ساكنة النون {هَذَانِ} بالألف. وابن كثير يشدد النون من {هَذَانِ} وقد مر ذكره. وقرأ الباقون {إِنْ} مشددة النون. {هَذَانِ} بالألف.
[ المبسوط في القراءات العشر: 1/296]




قال عبد الرحمن بن محمد، أبو زرعة ابن زنجلة (ت: 403هـ):


{قَالُوا إِن هَذَانِ لساحران} 63
قَرَأَ أَبُو عَمْرو / إِن هذَيْن / بِالْيَاءِ لِأَن تَثْنِيَة الْمَنْصُوب وَالْمَجْرُور بِالْيَاءِ فِي لُغَة فصحاء الْعَرَب وَأَبُو عَمْرو مستغن عَن إِقَامَة دَلِيل على صِحَّتهَا كَمَا أَن الْقَارئ فِي قَول الله جلّ وَعز {قَالَ رجلَانِ من الَّذين يخَافُونَ} مستغن عَن الِاحْتِجَاج على منازعه إِن نازعه فِي صِحَة قِرَاءَته
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {إِن هَذَانِ لساحران} بِالْألف وحجتهم أَنَّهَا مَكْتُوبَة هَكَذَا فِي الإِمَام مصحف عُثْمَان وَهَذَا الْحَرْف فِي كتاب الله مُشكل على أهل اللُّغَة وَقد كثر اخْتلَافهمْ فِي تَفْسِيره وَنحن نذْكر جَمِيع مَا قَالَ النحويون فَحكى أَبُو عُبَيْدَة عَن أبي الْخطاب وَهُوَ رَأس رُؤَسَاء الروَاة أَنَّهَا لُغَة كنَانَة يجْعَلُونَ ألف الِاثْنَيْنِ فِي الرّفْع وَالنّصب والخفض على لفظ وَاحِد يَقُولُونَ أَتَانِي الزيدان وَرَأَيْت الزيدان ومررت بالزيدان قَالَ الشَّاعِر
تزَود منا بَين أذنَاهُ ضَرْبَة ... دَعَتْهُ إِلَى هابي التُّرَاب عقيم
قَالَ الزّجاج وَقَالَ النحويون القدماء هَا هُنَا هَاء مضمرة وَالْمعْنَى إِنَّه هَذَانِ لساحران كَمَا تَقول إِنَّه زيد منطلق ثمَّ تَقول إِن زيد منطلق وَقَالَ الْمبرد أحسن مَا قيل فِي هَذَا أَن يَجْعَل إِن بِمَعْنى نعم الْمَعْنى نعم هَذَانِ لساحران فَيكون ابْتِدَاء وخبرا قَالَ الشَّاعِر ... وَيَقُلْنَ شيب قد علا ... ك وَقد كَبرت فَقلت إِنَّه ...

أَي نعم فَإِن قيل اللَّام لَا تدخل بَين الْمُبْتَدَأ وَخَبره لَا يُقَال زيد لقائم فَمَا وَجه هَذَانِ لساحران
الْجَواب فِي ذَلِك أَن من الْعَرَب من يدْخل لَام التوكيد فِي خبر الْمُبْتَدَأ فَيَقُول زيد لأخوك قَالَ الشَّاعِر ... خَالِي لأَنْت وَمن جرير خَاله ... ينل الْعَلَاء وَيكرم الأخوالا ...
وَقَالَ الزّجاج الْمَعْنى نعم هَذَانِ لساحران وَقَالَ قطرب يجوز أَن يكون الْمَعْنى أجل فَيكون الْمَعْنى وَالله أعلم {فتنازعوا أَمرهم بَينهم وأسروا النَّجْوَى} قَالُوا أجل تَصْدِيقًا من بَعضهم لبَعض ثمَّ قَالُوا {هَذَانِ لساحران} وَيجوز أَن يكون اللَّام دَاخِلَة فِي الْخَبَر على التوكيد وَقَالَ الْفراء فِي {هَذَانِ} إِنَّهُم زادوا فِيهَا النُّون فِي التَّثْنِيَة وتركوها على حَالهَا فِي الرّفْع وَالنّصب والجر كَمَا فعلوا فِي الَّذِي فَقَالُوا الَّذين فِي الرّفْع وَالنّصب والجر
وَقَرَأَ حَفْص {إِن هَذَانِ} بتخفف {إِن} جعل إِن بِمَعْنى مَا وَاللَّام بِمَعْنى إِلَّا التَّقْدِير مَا هَذَانِ إِلَّا ساحران
وَقَرَأَ ابْن كثير {إِن} بِالتَّخْفِيفِ {هَذَانِ} بِالتَّشْدِيدِ و {إِن} تكون أَيْضا بِمَعْنى مَا والأ فِي هَذَانِ هَذَا ان فَحذف الْألف وَجعل التَّشْدِيد عوضا من الْألف المحذوفة الَّتِي كَانَت فِي هَذَا وَمن الْعَرَب من إِذا حذف عوض وَمِنْهُم من إِذا حذف لم يعوض فَمن عوض آثر تَمام الْكَلِمَة وَمن لم يعوض آثر التَّخْفِيف وَمثل ذَلِك فِي تَصْغِير مغتسل مِنْهُم من يَقُول مغيسل فَلم يعوض وَمِنْهُم من يَقُول مغيسيل فعوض من التَّاء يَاء.
[حجة القراءات: 1/454_456]

-
قال أبو القاسم عبد الرحمن بن إسحاق الزجَّاجيُّ (ت: 340هـ): ( إن لها وجهان

تكون بمعنى نعم لا تعمل شيئا فتقول إنّ عبد الله قائم تريد عبد الله قائم
وإن قائم عبد الله على ذلك التّقدير
والوجه الثّاني تنصب الاسم وترفع الخبر تقول إن زيدا منطلق ومعناها التّأكيد). [حروف المعاني والصفات: 30]
إنّ المشدّدة المكسورة
قال أبو القاسم عبد الرحمن بن إسحاق الزجَّاجيُّ (ت: 340هـ): ( إنّ المشدّدة المكسورة لها موضعان تكون تحقيقا وصلة للقسم كقولك إن زيدا قائم
ووالله إن أخاك عالم
وتكون بمعنى أجل فلا تعمل شيئا كقول القائل لابن الزبير لعن الله ناقة حملتني إليك فقال إنّ وراكبها معناه أجل
كقول الشّاعر
(ويقلن شيب قد علاك ... وقد كبرت فقلت إنّه) [مجزوء الكامل] ). [حروف المعاني والصفات: 56]
تخفيف [إن]
أكثر العرب على إهمال [إن] المخففة. قال [سيبويه:1/238]:
«
وحدثنا من نثق به أنه سمع من العرب من يقول: إن عمرا لمنطلق، وأهل المدينة يقرءون: {وإن كلا لما ليوفينهم ربك أعمالهم}يخففون وينصبون وأما أكثرهم فأدخلوها في حروف الابتداء بالحذف؛ كما أدخلوها في حروف الابتداء حين ضموا إليها [ما]».
ومثله في [المقتضب:1/50، 2/363].
وعلى إهمالها لا يقدر فيها ضمير الشأن، ولكن الزمخشري قدر ضمير الشأن في بعض الآيات ورد عليه أبو حيان.
ويرى الكوفيون أن [إن] لا تخفف، وخرجوا جميع ذلك على أن [إن] نافية ؛ واللام الفارقة بمعنى [إلا].
جاء إعمال [إن] المخففة في السبعيات في قوله تعالى: {وإن كلا لما ليوفينهم ربك أعمالهم} [11: 111].
في هذه الآية أربع قراءات سبعية:تخفيف [إن[وتشديدها وتخفيف الميم من [لما] وتشديدها.
فقراءة تخفيف [إن] والميم من [لما] [إن] فيها مخففة عاملة، واللام هي الفارقة، و[ما] موصولة، أو زائدة.
وقراءة تشديد [إن] والميم من [لما] تكون [لما] هي الجازمة حذف مجزومها، أي لما يوافوا.
وقراءة تخفيف [إن] وتشديد [لما] لما بمعنى [إلا].

وقرئ في السبع بإهمال [إن] وبتخفيف الميم من [لما] وتشديدها في قوله تعالى:
1-{وإن كل لما جميع لدينا محضرون}[36: 32].
2-{وإن كل ذلك لما متاع الحياة الدنيا}[43: 35].
3- {إن كل نفس لما عليها حافظ} [86: 4].

كما قرئ في السبع بتخفيف [إن] وتشديدها في قوله تعالى:{إن هذان لساحران} [20: 63].

رد مع اقتباس
  #15  
قديم 6 رجب 1441هـ/29-02-2020م, 09:40 PM
إنشاد راجح إنشاد راجح غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Sep 2016
المشاركات: 732
افتراضي

آمل من هيئة التصحيح اعتماد التطبيق للعمل على التطبيق القادم، بوركتم وجزاكم الله خيرا

رد مع اقتباس
  #16  
قديم 13 رجب 1441هـ/7-03-2020م, 12:56 AM
هيئة التصحيح 11 هيئة التصحيح 11 غير متواجد حالياً
هيئة التصحيح
 
تاريخ التسجيل: Jan 2016
المشاركات: 2,525
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة إنشاد راجح مشاهدة المشاركة
بسم الله الرحمن الرحيم
مجلس أداء التطبيق الخامس من تطبيقات دورة مهارات التفسير:
إعراب {إن هذان لساحران}


نوع المسألة:
1.هذه المسألة تفسيرية لغوية تتعلق بالقراءات، والإعراب، ولذلك فإنّ البحث في كتب المرتبة الخامسة سيكون في كتب القراءات وحروف المعاني [ومعاني الحروف] والكتب التي اعتنت بذكر لغات العرب إن تيسر ذلك.

2.بدأت بالنقل عن الكتب التي تعنى بجمع أقوال السلف في التفسير، ثم بحثت في كل مرتبة من المراتب التي هى مظنة المسألة.

3.النقول التي تحصّلت لي في هذه المسألة:
أ: أولا الأقوال من التفاسير التي تنقل أقوال السلف: جامع البيان لابن جرير، والكشف والبيان للثعلبي، والهداية لمكي بن أبي طالب، والنكت والعيون للماوردي، والمحرر الوجيز لابن عطية، وزاد المسير لابن الجوزي، وأحكام القرآن للقرطبي، وتفسير ابن كثير.
وقد وجدت فيها جميعا ذكرا للمسألة وكلاما مستفيضا فنقلته وأغلبه مما كان منقولا عن أهل اللغة.

ب: ثانياً: جمع أقوال اللغويين في هذه المسألة:
العين للخليل بن أحمد الفراهيدي (ت:170هـ)، ومعاني القرآن للفراء (ت:207 هـ)، ومجاز القرآن لأبي عبيدة (ت:210 هـ)، ومعاني القرآن للأخفش الأوسط (ت:215هـ)، مشكل تأويل القرآن لابن قتيبة (ت:276 هـ)، ومعاني القرآن للزجاج (ت:311 هـ)، ومعاني القرآن للنحاس ( ت: 338 هـ)، وتهذيب اللغة لأبي منصور الأزهري ( ت:370 هـ)، وسر صناعة الإعراب لابن جني (ت: 392هـ) ،ومشكل الإعراب لمكي بن أبي طالب (ت:437هـ)، والكشاف للزمخشري (ت: 538 هـ)، لسان العرب لابن منظور ( ت:711 هـ)، وحاشية الطيبي على الكشاف للطيبي (ت: 743 هـ)، والبحر المحيط لأبي حيان، والدر المصون للسمين الحلبي ( ت:756 هـ)، والتحرير والتنوير لابن عاشور، وقد وجدت فيها كلها ذكرا للمسألة، فنقلت ما وجدت.
- الكتب والمراجع المتخصصة في المسألة، وهى كتب القراءات، ومعاني الأحرف، رسالة ابن تيمية في قول الله تعالى: ( إن هذا لساحران).

أولاً: التعرّف على أقوال السلف في المسألة:

قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) :
{إن هذان لساحران يريدان أن يخرجاكم من أرضكم بسحرهما ويذهبا بطريقتكم المثلى} قالوا: إن هذان لساحران يعنون بقولهم: إن هذان موسى وهارون، لساحران يريدان أن يخرجاكم من أرضكم بسحرهما.
- كما حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {إن هذان لساحران يريدان أن يخرجاكم من أرضكم بسحرهما} يعنون موسى وهارون صلّى اللّه عليهما.
وقد اختلفت القرّاء في قراءة قوله: {إن هذان لساحران} فقرأته عامّة قرّاء الأمصار: ( إنّ هذان ) بتشديد إنّ وبالألف في هذان، وقالوا: قرأنا ذلك كذلك اتباعا لخط المصحف.
واختلف أهل العربية في وجه ذلك إذا قرئ كذلك فكان بعض أهل العربيّة من أهل البصرة يقول: " إن " خفيفةٌ في معنى ثقيلةٍ، وهي لغة لقومٍ يرفعون بها، ويدخلون اللاّم ليفرّقوا بينها وبين الّتي تكون في معنى ما.
وقال بعض نحويّي الكوفة: ذلك على وجهين: أحدهما على لغة بني الحارث بن كعبٍ ومن جاورهم، يجعلون الاثنين في رفعهما ونصبهما وخفضهما بالألف. وقال: أنشدني رجلٌ من الأسد عن بعض بني الحارث بن كعبٍ:
فأطرق إطراق الشّجاع ولو يرى = مساغًا لناباه الشّجاع لصّمما
قال: وحكي عنه أيضًا: هذا خطّ يدا أخي أعرفه، قال: وذلك وإن كان قليلاً أقيس، لأنّ العرب قالوا: مسلمون، فجعلوا الواو تابعةً للضّمّة، لأنّها لا تعرب، ثمّ قالوا رأيت المسلمين، فجعلوا الياء تابعةً لكسرة الميم، قالوا: فلمّا رأوا الياء من الاثنين لا يمكنهم كسر ما قبلها، وثبت مفتوحًا، تركوا الألف تتبعه، فقالوا: رجلان في كلّ حالٍ. قال: وقد اجتمعت العرب على إثبات الألف في كلا الرّجلين، في الرّفع والنّصب والخفض، وهما اثنان، إلاّ بني كنانة، فإنّهم يقولون: رأيت كلي الرّجلين، ومررت بكلي الرّجلين، وهي قبيحة قليلة مضوا على القياس.
قال: والوجه الآخر أن تقول: وجدت الألف من هذا دعامةً، وليست بلام " فعلى " فلمّا بنيت زدت عليها نونًا، ثمّ تركت الألف ثابتةً على حالها لا تزول فى كلّ حالٍ، كما قالت العرب الّذي، ثمّ زادوا نونًا تدلّ على الجمع، فقالوا: الّذين في رفعهم ونصبهم وخفضهم، كما تركوا هذان في رفعه ونصبه وخفضه. قال: وكنانه يقولوا: الذّون.
وقال آخر منهم: ذلك من الجزم المرسل، ولو نصب لخرج إلى الانبساط.
- وحدّثت عن أبي عبيدة معمر بن المثنّى، قال: قال أبو عمرٍو وعيسى بن عمر ويونس، إن هذين لساحران في اللّفظ، وكتب " هذان " كما يزيدون وينقصون فى الكتاب، واللّفظ صوابٌ
قال: وزعم أبو الخطّاب أنّه سمع قومًا من بني كنانة وغيرهم، يرفعون الاثنين في موضع الجرّ والنّصب قال: وقال بشر بن هلالٍ: إن بمعنى الابتداء والإيجاب. ألا ترى أنّها تعمل فيما يليها، ولا تعمل فيما بعد الّذي بعدها، فترفع الخبر ولا تنصبه، كما تنصب الاسم، فكان مجاز " إن هذان لساحران " مجاز كلامين، مخرجه: إنّه: إي نعم، ثمّ قلت: هذان ساحران، ألا ترى أنّهم يرفعون المشترك كقول ضابئٍ:
فمن يك أمسى بالمدينة رحله = فإنّي وقيّارٌ بها لغريب
وقوله:
إنّ السّيوف غدوّها ورواحها = تركت هوازن مثل قرن الأعضب
قال: ويقول بعضهم: إنّ اللّه وملائكته يصلّون على النّبيّ، فيرفعون على شركة الابتداء، ولا يعملون فيه إنّ. قال: وقد سمعت الفصحاء من المحرمين يقولون: إنّ الحمد والنّعمة لك والملك، لا شريك لك. قال: وقرأها قومٌ على تخفيف نون إنّ وإسكانها. قال: ويجوز، لأنّهم قد أدخلوا اللاّم في الابتداء وهي فصلٌ، قال:
أمّ الحليس لعجوزٌ شهربه
قال: وزعم قومٌ أنّه لا يجوز، لأنّه إذا خفّف نون " إنّ " فلا بدّ له من أن يدخل " إلاّ " فيقول: إن هذا إلاّ ساحران.
قال أبو جعفرٍ: والصّواب من القراءة في ذلك عندنا: " إنّ " بتشديد نونها، وهذان بالألف لإجماع الحجّة من القرّاء عليه، وأنّه كذلك هو في خطّ المصحف. ووجهه إذا قرئ كذلك مشابهته الّذين إذ زادوا على الّذي النّون، وأقرّ في جميع أحوال الإعراب على حالةٍ واحدةٍ، فكذلك {إن هذان} زيدت على هذا نونٌ وأقرّ في جميع أحوال الإعراب على حالٍ واحدةٍ، وهي لغة الحارث بن كعبٍ، وخثعمٍ، وزبيدٍ، ومن وليهم من قبائل اليمن).

[جامع البيان: 16/97-104]

قال أبو إسحاق أحمد بن محمد بن إبراهيم الثعلبي(ت:427هـ):
قالُوا إِنْ هذانِ لَساحِرانِ قرأ عبد الله: واسرّوا النجوى إن هذان ساحران(٦) بفتح الألف وجزم نونه ساحران بغير لام، وقرأ ابن كثير وحفص إِنْ بكسر الالف وجزم النون هذانِ بالألف على معنى ما هذان إلّا ساحران، نظيره: قوله وَإِنْ نَظُنُّكَ لَمِنَ الْكاذِبِينَ(٧)(٨) قال الشاعر:
ثكلتك أمّك إن قتلت لمسلما ... حلّت عليك عقوبة الرّحمن(٩)
يعني ما قتلت إلّا مسلما، يدل على صحة هذه القراءة قراءة أبي بن كعب: إن ذان إلّا ساحران(١٠) ، وقرأ عيسى بن عمر الثقفي وأبو عمر بن علاء(١١) : إن هذين لساحران بالياء على الأصل، قال أبو عمرو: واني لأستحي من الله أن أقرأ إنّ هذان، وقرأ الباقون: إنّ بالتشديد هذان بالألف واختلفوا فيه، فقال قوم بما أخبرنا أبو بكر بن عبدوس وعبد الله بن حامد قالا:
حدّثنا أبو العباس الأصم قال: حدّثنا محمد بن الجهم السمري قال: حدّثنا الفرّاء قال: حدّثني أبو معاوية عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أنها سئلت عن قوله سبحانه في النساء لكِنِ الرَّاسِخُونَ(١٢) وَالْمُقِيمِينَ(١٣) وعن قوله في المائدة إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا وَالصَّابِئُونَ(١٤) وعن قوله إِنْ هذانِ لَساحِرانِ(١٥) فقالت: يا بن أخي هذا خطأ من الكاتب.
وقال عثمان بن عفان: إنّ في المصحف لحنا وستقيمه العرب بألسنتهم.
وقال أبان: قرئت هذه الآية عند عثمان فقال: لحن وخطأ، فقيل له: ألم تغيّره فقال:
دعوه فإنّه لا يحلّ حراما ولا يحرّم حلالا، وقال آخرون: هذه لغة الحارث بن كعب وخثعم وزبيد وكنانة يجعلون الأسين في رفعهما ونصبهما وخفضهما بالألف.
قال الفرّاء: أنشدني رجل من بني الأسد وما رأيت افصح منه.
وأطرق إطراق الشجاع ولو ترى ... مساغا لناباه الشجاع لصمما(١٦)
ويقولون: كسرت يداه، وركبت علاه، بمعنى يديه وعليه. وقال الشاعر:
تزوّد منّا بين أذناه ضربة ... دعته إلى هابي التراب عقيم(١٧)
أراد بين أذنيه. وقال آخر:
أي قلوص راكب نراها ... طاروا علاهنّ فطر علاها(١٨)
أي عليهن وعليها. وقال آخر:
إنّ أباها وأبا أباها ... قد بلغا في المجد غايتاها(١٩)
وروي أنّ أعرابيا سأل ابن الزبير شيئا فحرّمه فقال: لعن الله ناقة حملتني إليك، فقال ابن الزبير: إن وصاحبها، يعني نعم. وقال الشاعر:
بكرت عليّ عواذلي يلحينني وألومهنّه ... ويقلن شيب قد علاك وقد كبرت فقلت إنّه(٢٠)
أي نعم، وقال الفرّاء: وفيه وجه آخر: وهو أن يقول: وجدت الألف دعامة من هذا على حالها لا تزول في كل حال، كما قالت العرب: الذي ثمّ زادوا نونا يدلّ على الجمع فقالوا:
الذين في رفعهم ونصبهم وخفضهم وكناية تقول: اللّذون.

[الكشف والبيان عن تفسير القرآن: 6/250]

قال مكي بن أبي طالب القيسي(ت:437هـ):
قال تعالى ذكره: ﴿قَالُوۤاْ إِنْ هَـٰذَانِ لَسَاحِرَانِ يُرِيدَانِ أَن يُخْرِجَاكُمْ مِّنْ أَرْضِكُمْ﴾.
أي: قالت السحرة في سرهم وتناجيهم: إن موسى وهارون ساحران يريدان أن يخرجاكم من أرضكم بسحرهما.
وفي حرف ابن مسعود "إن هذان إلا ساحران": أي: ما هذان يخفف "إن" يجعلها بمعنى ما.
ومن شدد "إن" ورفع "هذان"، فقد خرج العلماء فيها سبعة أقوال: فالأول: أن يكون بمعنى نعم. حكى سيبويه أن "إن" تأتي بمعنى أجل. واختار هذا القول المبرد وإسماعيل القاضي والزجاج وعلي بن سليمان.
واستبعد الزجاج قراءة أبي عمرو "إن هذين" لمخالفتها للمصحف.
وقال علي بن أبي طالب: لا أحصي كم سمعت رسول الله ﷺ على منبره يقول: إن الحمدُ لله نحمده ونستعينه، يعني يرفع الحمد يجعل "إن" بمعنى "أجل". ومعنى: أجل: نعم. ثم يقول: أنا أفصح قريش كلها، وأفصحها بعدي سعيد بن إبان بن العاصي. وكذلك كانت خطباء الجاهلية تفتتح خطبها بـ "نعم"، وكذلك وقعت في أشعارها. قال الشاعر:
قالت غدرت، فقلت: إن وربما ∗∗∗ نال العُلي وشقى الخليل الغادر
وقال ابن قيس الرقيات:

بكرت على عواذ لي ∗∗∗ يلحينني وألومهنه

ويقلن شيب قد علاك ∗∗∗ وقد كبرت فقلت إنه

وأنشد ثعلب:

ليت شعري هل للمحب شفاء ∗∗∗ من جوى حبهن إن اللقاء.

أي: نعم.

فهذا قول حسن لولا دخول اللام في الخبر.

وقد قيل: إن اللام يراد بها التقديم، وهو أيضاً بعيد، إنما يجوز التقديم في اللام وهي مؤخرة في الشعر.

لكن الزجاج قال: التقدير: نعم هذان لهما ساحران. فتكون اللام داخلة على الابتداء في المعنى، كما قال: أم الحليس لعجوز شهربة.

وقيل: إن اللام يراد بها التقديم.

وقيل: هي في موضعها، و "لعجوز" مبتدأ، وشهربة الخبر، والجملة خبر عن اللام.

والقول الثاني: ما حكاه أبو زيد والكسائي والأخفش والفراء أنها لغة لبني الحارث بن كعب، يقولون: رأيت الزيدان ومررت بالزيدان، وأنشدوا.



- فأطرق إطراق الشجاع ولو يرى ∗∗∗ مساغاً لنا باه الشجاع لصمماً

وأنشدوا أيضاً:

- تزود منا بين أذناه طعنة على ∗∗∗ رأسه تلقى العظام من الفم.

وحكى أبو الخطاب أنها لغة لبني كنانة.

وحكى غيره أنها لغة خثعم. وهذا القول قول، حسن، لا نطعن فيه لثقة الناقلين لهذه اللغة، وتواتر نقلهم واتفاقهم على ذلك، وقد نقلها أبو زيد، وكان سيبويه إذا قال حدثني من أثق به، فإياه يعني.

ورواه الأخفش، وهو ممن روى عنه سيبويه، وقول سيبويه في ألف التثنية أنها حرف الأعراب، يدل على أن حكمها لا تتغير عن لفظها، كما لا تتغير الدال من زيد، فجاءت في هذه الآية على الأصل، كما جاء "استحوذ" على الأصل.

والقول الثالث: قاله الفراء. قال: الألف في "هذان" دعامة، ليست بلام الفعل، فزدت عليها نوناً ولم أغيرها، كما قلت "الذي" ثم زدت عليه نوناً، ولم أغيرها، فقلت "الذين" في الرفع والنصب والجر.

والقول الرابع: يحكى عن بعض الكوفيين أن الألف في هذان مشبهة بألف يفعلان، فلم تغير كما لا يغير ألف يفعلان.

والقول الخامس: حكاه الزجاج. قال: القدماء يقولون: الهاء مضمرة ها هنا، والمعنى: أنه هذان لساحران، ويعترض هذا القول دخول اللام في الخبر.

والقول السادس: قاله ابن كيسان، قال: سألني إسماعيل ابن إسحاق عنها، فقلت: القول عندي، أنه لما كان يقال هذا في موضع الرفع والنصب والجر، وكانت التثنية يجب ألا تغير، أجريت التثنية مجرى الواحد. فقال إسماعيل: ما أحسن هذا، لو تقدمك أحد بالقول به، حتى تؤنس به. فقلت: فيقول القاضي به حتى يؤنس به، فتبسم.

والقول السابع: حكاه أبو عمرو وغيره، أنه من غلط الكاتب.

روي أن عثمان وعائشة رضي الله عنهما قالا: إن في الكتاب غلطاً ستقيمه العرب بألسنتها.

وعنهما: إن في الكتاب لحناً ستقيمه العرب بألسنتها. وهذا القول قد طعن فيه، لأن أصحاب النبي ﷺ قد أجمعوا على صحة ما بين اللوحين، فلا يمكن أن يجتمعوا على غلط.

فأما من خفف "إن" فإنه رفع ما بعدها، لنقصها عن وزن الفعل ويجوز أن يكون أعملها مخففة على الثقيلة، كما يعمل الفعل محذوفاً عمله وهو غير محذوف، إلا أنه أتى بـ "هذان"، على الوجوه التي ذكرنا، فأتى بالألف في النصب.

فأما من شدد نون "هذان"، فإنه جعل التشديد عوضاً مما حذف من هذا في التثنية.

وعن الكسائي والفراء في: "إن هذان" قولان تركنا ذكرهما لبعد تأويلهما في ذلك.

[الهداية إلى بلوغ النهاية: 7/4657]


قال علي بن محمد بن حبيب الماوردي(ت:450هـ):
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿قالُوا إنْ هَذانِ لَساحِرانِ﴾ هَذِهِ قِراءَةُ أبِي عَمْرٍو وهي مُوافِقَةٌ لِلْإعْرابِ مُخالِفَةٌ لِلْمُصْحَفِ.

وَقَرَأ الأكْثَرُونَ: إنْ هَذانَ السّاحِرانِ، فَوافَقُوا المُصْحَفَ فِيها، ثُمَّ اخْتَلَفُوا في تَشْدِيدِ إنَّ فَخَفَّفَها ابْنُ كَثِيرٍ وحَفْصٌ فَسَلِما بِتَخْفِيفِ إنَّ مِن مُخالَفَةِ المُصْحَفِ ومِن فَسادِ الإعْرابِ، ويَكُونُ مَعْناها: ما هَذانِ إلّا ساحِرانِ.
وَقَرَأ أُبَيٌّ: إنَّ ذانِ إلّا ساحِرانِ، وقَرَأ باقِي القُرّاءِ بِالتَّشْدِيدِ: إنَّ هَذانَ لَساحِرانِ.
فَوافَقُوا المُصْحَفَ وخالَفُوا ظاهِرَ الإعْرابِ.
واخْتَلَفَ مَن قَرَأ بِذَلِكَ في إعْرابِهِ عَلى أرْبَعَةِ أقاوِيلَ: أحَدُها: أنَّ هَذا عَلى لُغَةِ بِلْحارِثِ بْنِ كَعْبٍ وكِنانَةَ بْنِ زَيْدٍ يَجْعَلُونَ رَفْعَ الإثْنَيْنِ ونَصْبَهُ وخَفْضَهُ بِالألِفِ، ويُنْشِدُونَ:
فَأطْرَقَ إطْراقَ الشُّجاعِ ولَوْ رَأى ∗∗∗ مَساغًا لِناباهُ الشُّجاعِ لَصَمَّما
والوَجْهُ الثّانِي: لا يَجُوزُ أنْ يُحْمَلَ القُرْآنُ عَلى ما اعْتَلَّ مِنَ اللُّغاتِ ويُعْدَلُ بِهِ عَنْ أفْصَحِها وأصَحِّها، ولَكِنْ في (إنَّ) هاءٌ مُضْمَرَةٌ تَقْدِيرُها إنَّهُ هَذانِ لَساحِرانِ، وهو قَوْلُ مُتَقَدِّمِي النَّحْوِيِّينَ.
الثّالِثُ: أنَّهُ بَنى (هَذانِ) عَلى بِناءٍ لا يَتَغَيَّرُ في الإعْرابِ كَما بَنى الَّذِينَ عَلى هَذِهِ الصِّيغَةِ في النَّصْبِ والرَّفْعِ.
الرّابِعُ: أنَّ (إنَّ) المُشَدَّدَةَ في هَذا المَوْضِعِ بِمَعْنى نَعَمْ، كَما قالَ رَجُلٌ لِابْنِ الزُّبَيْرِ: لَعَنَ اللَّهُ ناقَةً حَمَلَتْنِي إلَيْكَ، فَقالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ: إنَّ وصاحِبَها.
وَقالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ قَيْسِ الرُّقُيّاتِ
بَكى العَواذِلُ في الصَّبا ∗∗∗ حِ يَلُمْنُنِي وألُومُهُنَّهْ ∗∗∗ ويَقُلْنَ شَيْبٌ قَدْ عَلا ∗∗∗ كَ وقَدْ كَبِرْتَ فَقُلْتُ إنَّهْ
أيْ نَعَمْ ﴿وَيَذْهَبا بِطَرِيقَتِكُمُ المُثْلى﴾ في قائِلِ هَذِهِ ثَلاثَةُ أقاوِيلَ: أحَدُها: أنَّهُ قَوْلُ السَّحَرَةِ.
الثّانِي: أنَّهُ قَوْلُ قَوْمِ فِرْعَوْنَ.
[النكت والعيون: 3/409-411]

قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ)

قَوْلُهُ تَعالى: ﴿إنْ هَذانِ لَساحِرانِ﴾ الآيَةُ. قَرَأ نافِعٌ، وابْنُ عامِرٍ، وحَمْزَةُ، والكِسائِيُّ: "إنَّ" مُشَدَّدَةَ النُونِ "هَذانَ" بِألِفٍ ونُونٍ مُخَفَّفَةٍ لِلتَّثْنِيَةِ، وقَرَأ أبُو عَمْرٍو وحْدَهُ: "إنَّ هَذَيْنِ لَساحِرانِ"، وقَرَأ ابْنُ كَثِيرٍ: "إنْ هَذانِّ لَساحِرانِ" بِتَخْفِيفِ نُونِ "إنْ" وتَشْدِيدِ نُونِ "هَذانِ لَسَحَرانِ"، وقَرَأ حَفْصٌ عن عاصِمْ: "إنْ" خَفِيفَةً "هَذانِ" خَفِيفَةً أيْضًا "لَساحِرانِ". وقَرَأتْ فِرْقَةٌ: "إنْ هَذانَ إلّا ساحِرانِ"، وقَرَأتْ فِرْقَةٌ: "إنْ ذانِ لَساحِرانِ"، وقَرَأتْ فَرِقَّةٌ: "ما هَذانِ إلّا ساحِرانِ"، وقَرَأتْ فِرْقَةٌ: "إنْ هَذانِّ" بِتَشْدِيدِ النُونِ مِن "هَذانِّ".
فَأمّا القِراءَةُ الأُولى، فَقالَتْ فِرْقَةٌ: "إنَّ" بِمَعْنى: نَعَمْ، كَما رُوِيَ «أنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قالَ في خُطْبَتِهِ: إنِ الحَمْدُ لِلَّه بِرَفْعِ "الحَمْدُ"،» وقالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ الزُبَيْرِ رَضِيَ اللهُ عنهُ: "إنْ وراكِبُها" حِينَ قالَ لَهُ الرَجُلُ: لَعَنَ اللهُ ناقَةً حَمَلَتْنِي إلَيْكَ، ويُدْخُلُ في هَذا التَأْوِيلِ أنَّ اللامَ لا تَدْخُلُ في خَبَرِ الِابْتِداءِ، وهو مِمّا يَجُوزُ في الشِعْرِ، ومِنهُ قَوْلُ الشاعِرِ:
أُمُ الحُلَيْسِ لَعَجُوزٌ شَهْرَبَهْ ∗∗∗ تَرْضى مِنَ اللَحْمِ بِعَظْمِ الرَقَبَهْ
وَذَهَبَتْ فِرْقَةٌ إلى أنَّ هَذِهِ الآيَةَ بِلُغَةِ بَنِي الحارِثِ بْنِ كَعْبٍ، وهو إبْقاءُ ألِفِ التَثْنِيَةِ في حالِ النَصْبِ والخَفْضِ، فَمِن ذَلِكَ قَوْلُ الشاعِرِ:
زَوَّدَ مِنها بَيْنَ أُذُناهُ طَعْنَةً ∗∗∗ دَعَتْهُ إلى هابِي التُرابِ عَقِيمُ
وقَوْلُ الآخَرِ:
أطْرَقَ إطْراقَ الشُجاعِ ولَوْ يَرى ∗∗∗ مَساغًا لَناباهُ الشُجاعِ لَصَمَّها
وَتُعْزى هَذِهِ اللُغَةُ لِكِنانَةَ، وتُعْزى لَخَثْعَمَ، وقالَ الفِراءُ: الألْفُ في "هَذانِ" دِعامَةٌ ولَيْسَتْ بِمَجْلُوبَةٍ لِلتَّثْنِيَةِ، وإنَّما هي ألِفُ "هَذا" تُرِكَتْ في حالِ التَثْنِيَةِ، كَما نَقُولُ: "الَّذِي" ثُمْ في الجَمْعِ نَزِيدُ نُونًا وتُتْرَكُ الياءُ في حالِ النَصْبِ والرَفْعِ والخَفْضِ، وقالَ الزُجاجَ: في الكَلامِ ضَمِيرٌ تَقْدِيرُهِ: إنَّهُ هَذانِ لَساحِرانِ.
قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللهُ:
وفِي هَذا التَأْوِيلِ دُخُولُ اللامِ في الخَبَرِ، وقالَ بَعْضُ النُحاةِ: ألِفُ "هَذانِ" مُشَبَّهَةٌ هُنا بِألِفِ تَفْعَلانِ، وقالَ ابْنُ كَيْسانَ: لِما كانَ "هَذا" بِحالٍ واحِدَةٍ في رَفْعِهِ ونَصْبِهِ وخَفْضِهِ تُرِكَتْ تَثْنِيَتُهُ هُنا كَذَلِكَ. وقالَتْ جَماعَةٌ - مِنهم عائِشَةُ رَضِيَ اللهُ عنها - وأبُو عَمْرٍو -: هَذا مِمّا لَحَنَ الكاتِبُ فِيهِ وأُقِيمَ بِالصَوابِ وهو تَخْفِيفُ النُونِ مِن "إنْ".
قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللهُ:
وهَذِهِ الأقْوالُ مُعْتَرِضَةٌ، إلّا ما قِيلَ مِن أنَّها لُغَةٌ، و"إنْ" بِمَعْنى: أجَلْ ونَعَمْ، أوَ "إنْ" في الكَلامِ ضَمِيرٌ.
وأمّا مِن قَرَأ: "إنْ" خَفِيفَةً، فَهي عن سِيبَوَيْهٍ المُخَفَّفَةُ مِنَ الثَقِيلَةِ ويَرْتَفِعُ بَعْدَها الِاسْمُ، ويَقُولُ الفِراءُ: هي بِمَعْنى "ما" واللامُ بِمَعْنى "إلّا" ووَجْهُ سائِرِ القِراءاتِ بَيِّنٌ.
[المحرر الوجيز :4/49-50]

قال أبو الفرج عبد الرحمن بن علي ابن الجوزي(ت:597هـ):
واخْتَلَفَ القُرّاءُ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿إنْ هَذانِ لَساحِرانِ﴾، فَقَرَأ أبُو عَمْرٍو بْنُ العَلاءِ: ( إنَّ هَذَيْنَ ) عَلى إعْمالِ ( إنَّ )، وقالَ: إنِّي لَأسْتَحْيِي مِنَ اللَّهِ أنْ أقْرَأ ( إنَّ هَذانِ ) . وقَرَأ ابْنُ كَثِيرٍ: ( إنْ ) خَفِيفَةً ( هَذانِّ ) بِتَشْدِيدِ النُّونِ. وقَرَأ عاصِمٌ في رِوايَةِ حَفْصٍ: ( إنْ ) خَفِيفَةً ( هَذانِ ) خَفِيفَةً أيْضًا. وقَرَأ نافِعٌ، وابْنُ عامِرٍ، وحَمْزَةُ، والكِسائِيُّ: ( إنَّ ) بِالتَّشْدِيدِ ( هاذانِ ) بِألِفٍ ونُونٍ خَفِيفَةٍ. فَأمّا قِراءَةُ أبِي عَمْرٍو فاحْتِجاجُهُ في مُخالَفَةِ المُصْحَفِ بِما رُوِيَ عَنْ عُثْمانَ وعائِشَةَ، أنَّ هَذا مِن غَلَطِ الكاتِبِ عَلى ما حَكَيْناهُ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿والمُقِيمِينَ الصَّلاةَ﴾ في سُورَةِ [ النِّساءِ: ١٦٢ ] . وأمّا قِراءَةُ عاصِمٍ فَمَعْناها: ما هَذانِ إلّا ساحِرانِ، كَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿وَإنْ نَظُنُّكَ لَمِنَ الكاذِبِينَ﴾ [ الشُّعَراء: ١٨٦ ]؛ أيْ: ما نَظُنُّكَ إلّا مِنَ الكاذِبِينَ، وأنْشَدُوا في ذَلِكَ:
ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ إنْ قَتَلْتَ لَمُسْلِمًا ∗∗∗ حَلَّتْ عَلَيْهِ عُقُوبَةُ المُتَعَمِّدِ
أيْ: ما قَتَلْتَ إلّا مُسْلِمًا. قالَ الزَّجّاجُ: ويَشْهَدُ لِهَذِهِ القِراءَةِ ما رُوِيَ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، أنَّهُ قَرَأ: ( ما هَذانِ إلّا ساحِرانِ )، ورُوِيَ عَنْهُ: ( إنْ هَذانِ إلّا ساحِرانِ )، ورُوِيَتْ عَنِ الخَلِيلِ: ( إنْ هَذانِ ) بِالتَّخْفِيفِ، والإجْماعُ عَلى أنَّهُ لَمْ يَكُنْ أحَدٌ أعْلَمَ بِالنَّحْوِ مِنَ الخَلِيلِ. فَأمّا قِراءَةُ الأكْثَرِينَ بِتَشْدِيدِ ( إنْ ) وإثْباتِ الألِفِ في قَوْلِهِ: ( هَذانِ )، فَرَوى عَطاءٌ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ أنَّهُ قالَ: هي لُغَةُ بَلْحارِثِ بْنِ كَعْبٍ. وقالَ ابْنُ الأنْبارِيِّ: هي لُغَةٌ لِبَنِي الحارِثِ بْنِ كَعْبٍ وافَقَتْها لُغَةُ قُرَيْشٍ. قالَ الزَّجّاجُ: وحَكى أبُو عُبَيْدَةَ عَنْ أبِي الخَطّابِ، وهو رَأْسٌ مِن رُؤُوسِ الرُّواةِ: أنَّها لُغَةٌ لِكِنانَةَ، يَجْعَلُونَ ألِفَ الِاثْنَيْنِ في الرَّفْعِ والنَّصْبِ والخَفْضِ عَلى لَفْظٍ واحِدٍ، يَقُولُونَ: أتانِي الزَّيْدانِ، ورَأيْتُ الزَّيْدانِ، ومَرَرْتُ بِالزَّيْدانِ، وأنْشَدُوا:

فَأطْرَقَ إطْراقَ الشُّجاعِ ولَوْ رَأى ∗∗∗ مَساغًا لَناباهُ الشُّجاعُ لَصَمَّما
وَيَقُولُ هَؤُلاءِ: ضَرَبْتُهُ بَيْنَ أُذُناهُ. وقالَ النَّحْوِيُّونَ القُدَماءُ: هاهُنا هاءٌ مُضْمَرَةٌ، المَعْنى: إنَّهُ هَذانِ لَساحِرانِ. وقالُوا أيْضًا: إنَّ مَعْنى ( إنْ ): نَعَمْ هَذانِ لَساحِرانِ، ويُنْشِدُونَ:
ويَقُلْنَ شَيْبٌ قَدْ عَلا ∗∗∗ كَ وقَدْ كَبِرْتَ فَقُلْتُ إنَّهْ
قالَ الزَّجّاجُ: والَّذِي عِنْدِي وكُنْتُ عَرَضْتُهُ عَلى عالِمِنا مُحَمَّدِ بْنِ يَزِيدَ، وعَلى إسْماعِيلَ بْنِ إسْحاقَ بْنِ حَمّادِ بْنِ زَيْدٍ، فَقَبِلاهُ وذَكَرا أنَّهُ أجْوَدُ ما سَمِعْناهُ في هَذا، وهو أنَّ ( إنْ ) قَدْ وقَعَتْ مَوْقِعَ ( نَعَمْ )، والمَعْنى: نَعَمْ هَذانِ لَهُما السّاحِرانِ، ويَلِي هَذا في الجَوْدَةِ مَذْهَبُ بَنِي كِنانَةَ، وأسْتَحْسِنُ هَذِهِ القِراءَةَ؛ لِأنَّها مَذْهَبُ أكْثَرِ القُرّاءِ وبِها يُقْرَأُ، وأسْتَحْسِنُ قِراءَةَ عاصِمٍ والخَلِيلِ؛ لِأنَّهُما إمامانِ ولِأنَّهُما وافَقا أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ في المَعْنى، ولا أُجِيزُ قِراءَةَ أبِي عَمْرٍو لِخِلافِ المُصْحَفِ. وحَكى ابْنُ الأنْبارِيِّ عَنِ الفَرّاءِ، قالَ: ألِفُ ( هَذانِ ) هي ألِفُ ( هَذا )، والنُّونُ فَرَّقَتْ بَيْنَ الواحِدِ والتَّثْنِيَةِ، كَما فَرَّقَتْ نُونُ ( الَّذِينَ ) بَيْنَ الواحِدِ والجَمْعِ.

[زاد المسير في علم التفسير: 3/162-164 ]

قال أبو عبد الله محمد بن أحمد بن أبي بكر القرطبي(ت:671هـ):

قوله تعالى: (إِنْ هذانِ لَساحِرانِ) [٢٠: ٦٣] قرأ أبو عمرو "إِنَّ هَذَيْنَ لَسَاحِرَانِ". وَرُوِيَتْ عَنْ عُثْمَانَ وَعَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَغَيْرِهِمَا مِنَ الصَّحَابَةِ، وَكَذَلِكَ قَرَأَ الْحَسَنُ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَإِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ وَغَيْرُهُمْ مِنَ التَّابِعِينَ، وَمِنَ الْقُرَّاءِ عِيسَى بْنُ عُمَرَ وَعَاصِمُ الْجَحْدَرِيُّ، فِيمَا ذَكَرَ النَّحَّاسُ. وَهَذِهِ الْقِرَاءَةُ مُوَافِقَةٌ لِلْإِعْرَابِ مُخَالِفَةٌ لِلْمُصْحَفِ. وَقَرَأَ الزُّهْرِيُّ وَالْخَلِيلُ بْنُ أَحْمَدَ وَالْمُفَضَّلُ وَأَبَانٌ وَابْنُ مُحَيْصِنٍ وَابْنُ كَثِيرٍ وَعَاصِمٌ: فِي رِوَايَةِ حَفْصٍ عَنْهُ" إِنْ هذانِ [٢٠: ٦٣] "بِتَخْفِيفِ" إِنْ" "لَساحِرانِ" وَابْنُ كَثِيرٍ يُشَدِّدُ نُونَ "هَذَانَ". وَهَذِهِ الْقِرَاءَةُ سَلِمَتْ مِنْ مُخَالَفَةِ الْمُصْحَفِ وَمِنْ فَسَادِ الْإِعْرَابِ، وَيَكُونُ مَعْنَاهَا مَا هَذَانَ إِلَّا سَاحِرَانِ. وَقَرَأَ الْمَدَنِيُّونَ وَالْكُوفِيُّونَ: "إِنَّ هَذَانِ" بِتَشْدِيدِ "إِنَّ"" لَساحِرانِ [٢٠: ٦٣] "فَوَافَقُوا الْمُصْحَفَ وَخَالَفُوا الْإِعْرَابَ. قَالَ النَّحَّاسُ: فَهَذِهِ ثَلَاثُ قِرَاءَاتٍ قَدْ رَوَاهَا الْجَمَاعَةُ عَنِ الْأَئِمَّةِ، وَرُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ قَرَأَ" إِنْ هَذَانِ إِلَّا سَاحِرَانِ "وَقَالَ الْكِسَائِيُّ فِي قِرَاءَةِ عَبْدِ اللَّهِ:" إِنْ هَذَانِ سَاحِرَانِ "بِغَيْرِ لَامٍ، وَقَالَ الْفَرَّاءُ فِي حَرْفِ أُبَيٍّ" إِنْ ذَانِ إِلَّا سَاحِرَانِ" فَهَذِهِ ثَلَاثُ قِرَاءَاتٍ أُخْرَى تُحْمَلُ عَلَى التَّفْسِيرِ لَا أَنَّهَا جَائِزٌ أَنْ يُقْرَأَ بِهَا لِمُخَالَفَتِهَا الْمُصْحَفَ. قُلْتُ: وَلِلْعُلَمَاءِ فِي قِرَاءَةِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَالْكُوفَةِ سِتَّةُ أَقْوَالٍ ذَكَرَهَا ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ فِي آخِرِ كِتَابِ الرَّدِّ لَهُ، وَالنَّحَّاسُ فِي إِعْرَابِهِ، وَالْمَهْدَوِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ، وَغَيْرُهُمْ أَدْخَلَ كَلَامَ بَعْضِهِمْ فِي بَعْضٍ. وَقَدْ خَطَّأَهَا قَوْمٌ حَتَّى قَالَ أَبُو عَمْرٍو: إِنِّي لَأَسْتَحِي مِنَ الله [تعالى(٢) أَنْ أَقْرَأَ" إِنْ هذانِ [٢٠: ٦٣]". وَرَوَى عُرْوَةُ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّهَا سُئِلَتْ عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى "لكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ"(٣) ثُمَّ قَالَ: "وَالْمُقِيمِينَ"(٤) وَفِي "الْمَائِدَةِ" ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا وَالصَّابِئُونَ﴾(٥) [المائدة: ٦٩] وَ" إِنْ هذانِ لَساحِرانِ [٢٠: ٦٣] "فَقَالَتْ: يَا ابْنَ أُخْتِي! هَذَا خَطَأٌ مِنَ الْكَاتِبِ. وَقَالَ عُثْمَانُ ابن عَفَّانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: فِي الْمُصْحَفِ لَحْنٌ وَسَتُقِيمُهُ الْعَرَبُ بِأَلْسِنَتِهِمْ. وَقَالَ أَبَانُ بْنُ عُثْمَانَ: قَرَأْتُ هَذِهِ الْآيَةَ عِنْدَ أَبِي عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ، فَقَالَ: لَحْنٌ وَخَطَأٌ، فَقَالَ لَهُ قَائِلٌ: أَلَا تُغَيِّرُوهُ؟ فَقَالَ: دَعُوهُ فَإِنَّهُ لَا يُحَرِّمُ حلالا ولا يحلل حرما. الْقَوْلُ الْأَوَّلُ مِنَ الْأَقْوَالِ السِّتَّةِ: أَنَّهَا لُغَةُ بنى الحرث بْنِ كَعْبٍ وَزُبَيْدٍ وَخَثْعَمَ. وَكِنَانَةَ بْنِ زَيْدٍ يجعلون رفع الاثنين ونصبه وخفضه بالألف، يَقُولُونَ: جَاءَ الزَّيْدَانِ وَرَأَيْتُ الزَّيْدَانِ وَمَرَرْتُ بِالزَّيْدَانِ، ومنه قوله تعالى:" وَلا أَدْراكُمْ بِهِ [١٠: ١٦]" [يونس: ١٦] عَلَى مَا تَقَدَّمَ(٦). وَأَنْشَدَ الْفَرَّاءُ لِرَجُلٍ مِنْ بَنِي أَسَدٍ(٧) - قَالَ: وَمَا رَأَيْتُ أَفْصَحَ مِنْهُ:
فَأَطْرَقَ إِطْرَاقَ الشُّجَاعِ وَلَوْ يَرَى ... مَسَاغًا لِنَابَاهُ الشُّجَاعُ لَصَمَّمَا(٨)
وَيَقُولُونَ: كَسَرْتُ يَدَاهُ وَرَكِبْتُ عَلَاهُ، بمعنى يديه وعليه، قال شاعرهم:(٩)
تَزَوَّدَ مِنَّا بَيْنَ أُذْنَاهُ ضَرْبَةً ... دَعَتْهُ إِلَى هابي التراب عقيم
وَقَالَ آخَرُ:(١٠)
طَارُوا عَلَاهُنَّ فَطِرْ عَلَاهَا
أَيْ عَلَيْهِنَّ وَعَلَيْهَا. وَقَالَ آخَرُ:(١١)
إِنَّ أَبَاهَا وَأَبَا أَبَاهَا ... قَدْ بَلَغَا فِي الْمَجْدِ غَايَتَاهَا
أَيْ إن أبا أبيها وغايتها. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ النَّحَّاسُ: وَهَذَا الْقَوْلُ مِنْ أَحْسَنِ مَا حُمِلَتْ عَلَيْهِ الْآيَةُ، إِذْ كَانَتْ هَذِهِ اللُّغَةُ مَعْرُوفَةً، وَقَدْ حَكَاهَا مَنْ يُرْتَضَى بِعِلْمِهِ وَأَمَانَتِهِ، مِنْهُمْ أَبُو زَيْدٍ الْأَنْصَارِيُّ، وَهُوَ الَّذِي يَقُولُ: إِذَا قَالَ سِيبَوَيْهِ حَدَّثَنِي مَنْ أَثِقُ بِهِ فَإِنَّمَا يَعْنِينِي، وَأَبُو الْخَطَّابِ الْأَخْفَشُ وَهُوَ رَئِيسٌ مِنْ رُؤَسَاءِ اللُّغَةِ، وَالْكِسَائِيُّ وَالْفَرَّاءُ كلهم قالوا هذا على لغة بني الحرث بْنِ كَعْبٍ. وَحَكَى أَبُو عُبَيْدَةَ عَنْ أَبِي الْخَطَّابِ أَنَّ هَذِهِ لُغَةُ بَنِي كِنَانَةَ. الْمَهْدَوِيُّ: وَحَكَى غَيْرُهُ أَنَّهَا لُغَةٌ لِخَثْعَمَ. قَالَ النَّحَّاسُ وَمِنْ أَبْيَنِ مَا فِي هَذَا قَوْلُ سِيبَوَيْهِ: وَاعْلَمْ أَنَّكَ إِذَا ثَنَّيْتَ الْوَاحِدَ زِدْتَ عَلَيْهِ زَائِدَتَيْنِ، الْأُولَى مِنْهُمَا حَرْفُ مَدٍّ وَلِينٍ وَهُوَ حَرْفُ الْإِعْرَابِ، قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ فَقَوْلُ سِيبَوَيْهِ: وَهُوَ حَرْفُ الْإِعْرَابِ، يُوجِبُ أَنَّ الْأَصْلَ أَلَّا يتغير، فيكون "إن هذان" جاء عَلَى أَصْلِهِ لِيُعْلَمَ ذَلِكَ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى ﴿اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطانُ﴾(١٢) [المجادلة: ١٩] وَلَمْ يَقُلِ اسْتَحَاذَ، فَجَاءَ هَذَا لِيَدُلَّ عَلَى الْأَصْلِ، وَكَذَلِكَ "إِنْ هَذَانِ" وَلَا يُفَكَّرُ فِي إنكار من أنكر هذه اللغة إذ كَانَ الْأَئِمَّةُ قَدْ رَوَوْهَا. الْقَوْلُ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ "إِنْ" بِمَعْنَى نَعَمْ، كَمَا حَكَى الْكِسَائِيُّ عَنْ عَاصِمٍ قَالَ: الْعَرَبُ تَأْتِي بِ"- إِنْ "بِمَعْنَى نَعَمْ، وَحَكَى سِيبَوَيْهِ أَنَّ" إِنْ" تَأْتِي بِمَعْنَى أَجَلْ، وَإِلَى هَذَا الْقَوْلِ كَانَ مُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ الْقَاضِي يَذْهَبَانِ، قَالَ النَّحَّاسُ: وَرَأَيْتُ أَبَا إِسْحَاقَ الزَّجَّاجَ وَعَلِيَّ بْنَ سُلَيْمَانَ يَذْهَبَانِ إِلَيْهِ. الزَّمَخْشَرِيُّ: وَقَدْ أُعْجِبَ بِهِ أَبُو إِسْحَاقَ. النَّحَّاسُ: وَحَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ السَّلَامِ النَّيْسَابُورِيُّ، ثُمَّ لَقِيتُ عَبْدَ الله بن أحمد [هذا(١٣) فَحَدَّثَنِي، قَالَ حَدَّثَنِي عُمَيْرُ بْنُ الْمُتَوَكِّلِ، قَالَ حدثنا محمد ابن موسى النوفلي من ولد حرث بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، قَالَ حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ جميع الكوفي عن جعفر ابن مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَلِيٍّ- وَهُوَ ابْنُ الْحُسَيْنِ- عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ، قَالَ: لَا أُحْصِي كَمْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ عَلَى مِنْبَرِهِ: "إِنَّ الْحَمْدُ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ" ثُمَّ يَقُولُ: "أَنَا أَفْصَحُ قريش كلها وأفصحها بعدي أبان ابن سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ" قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ الْخَفَّافُ قَالَ عُمَيْرٌ: إِعْرَابُهُ عِنْدَ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ وَالنَّحْوِ "إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ" بِالنَّصْبِ إِلَّا أَنَّ الْعَرَبَ تَجْعَلُ "إِنَّ" فِي مَعْنَى نَعَمْ كَأَنَّهُ أَرَادَ ﷺ نَعَمِ الْحَمْدُ لِلَّهِ، وذلك أن خطباء الجاهلية كانت تفتتح [في(١٤) خُطَبَهَا بِنَعَمْ. وَقَالَ الشَّاعِرُ فِي مَعْنَى نَعَمْ:
قَالُوا غَدَرْتَ فَقُلْتُ إِنَّ وَرُبَّمَا ... نَالَ الْعُلَا وَشَفَى الْغَلِيلَ الْغَادِرُ
وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ قَيْسُ الرُّقَيَّاتِ:
بَكَرَ الْعَوَاذِلُ فِي الصَّبَا ... حَ يَلُمْنَنِي وَأَلُومُهُنَّهْ
وَيَقُلْنَ شَيْبٌ قَدْ عَلَا ... كَ وَقَدْ كَبِرْتَ فَقُلْتُ إِنَّهْ
فَعَلَى هَذَا جَائِزٌ أَنْ يَكُونَ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: "إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ" بِمَعْنَى نَعَمْ وَلَا تُنْصَبُ. قَالَ النَّحَّاسُ: أَنْشَدَنِي دَاوُدُ بْنُ الْهَيْثَمِ، قَالَ أَنْشَدَنِي ثَعْلَبٌ:
لَيْتَ شِعْرِي هَلْ لِلْمُحِبِّ شِفَاءٌ ... مِنْ جوى حبهن إن اللقاء
قَالَ النَّحَّاسُ: وَهَذَا قَوْلٌ حَسَنٌ إِلَّا أَنَّ فِيهِ شَيْئًا لِأَنَّهُ إِنَّمَا يُقَالُ: نَعَمْ زَيْدٌ خارج، ولا تكاد تقع اللام ها هنا، وَإِنْ كَانَ النَّحْوِيُّونَ قَدْ تَكَلَّمُوا فِي ذَلِكَ فَقَالُوا: اللَّامُ يُنْوَى بِهَا التَّقْدِيمُ، كَمَا قَالَ:
خَالِي لَأَنْتَ وَمَنْ جَرِيرٌ خَالُهُ ... يَنَلِ الْعَلَاءَ وَيُكْرِمِ الْأَخْوَالَا
آخَرُ:
أُمُّ الْحُلَيْسِ لَعَجُوزٌ شَهْرَبَهْ ... تَرْضَى مِنَ الشَّاةِ بِعَظْمِ الرَّقَبَهْ
أَيْ لَخَالِي وَلَأُمِّ الْحُلَيْسِ، وَقَالَ الزَّجَّاجُ: وَالْمَعْنَى فِي الْآيَةِ إِنَّ هَذَانِ لَهُمَا سَاحِرَانِ ثُمَّ حَذَفَ الْمُبْتَدَأَ. الْمَهْدَوِيُّ: وَأَنْكَرَهُ أَبُو عَلِيٍّ وَأَبُو الْفَتْحِ بْنُ جِنِّيٍّ. قَالَ أَبُو الْفَتْحِ: "هُمَا" الْمَحْذُوفُ لَمْ يُحْذَفْ إِلَّا بَعْدَ أَنْ عُرِفَ، وَإِذَا كَانَ مَعْرُوفًا فَقَدِ اسْتُغْنِيَ بِمَعْرِفَتِهِ عَنْ تَأْكِيدِهِ بِاللَّامِ، وَيَقْبُحُ أَنْ تَحْذِفَ الْمُؤَكَّدَ وَتَتْرُكَ الْمُؤَكِّدَ. الْقَوْلُ الثالث: قاله الفراء أيضا [قال(١٥): وَجَدْتُ الْأَلِفَ دِعَامَةً لَيْسَتْ بِلَامِ الْفِعْلِ فَزِدْتُ عَلَيْهَا نُونًا وَلَمْ أُغَيِّرْهَا كَمَا قُلْتُ: "الَّذِي" ثُمَّ زِدْتُ عَلَيْهِ نُونًا فَقُلْتُ: جَاءَنِي الَّذِينَ عِنْدَكَ، وَرَأَيْتُ الَّذِينَ عِنْدَكَ، وَمَرَرْتُ بِالَّذِينَ عِنْدَكَ. الْقَوْلُ الرَّابِعُ: قَالَهُ بَعْضُ الْكُوفِيِّينَ قَالَ الْأَلِفُ فِي "هَذَانَ" مُشَبَّهَةٌ بِالْأَلِفِ فِي يَفْعَلَانِ فَلَمْ تُغَيَّرْ. الْقَوْلُ الْخَامِسُ: قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ: النَّحْوِيُّونَ القدماء يقولون الهاء ها هنا مُضْمَرَةٌ، وَالْمَعْنَى إِنَّهُ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ، قَالَ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ: فَأُضْمِرَتِ الْهَاءُ الَّتِي هِيَ مَنْصُوبُ "إِنْ" وَ" هذانِ [٢٠: ٦٣] "خَبَرُ" إِنْ "وَ" سَاحِرَانِ "يَرْفَعُهَا" هُمَا" الْمُضْمَرُ [وَالتَّقْدِيرُ(١٦) إِنَّهُ هَذَانَ لَهُمَا سَاحِرَانِ. وَالْأَشْبَهُ(١٧) عِنْدَ أَصْحَابِ أَهْلِ هَذَا الْجَوَابِ أَنَّ الْهَاءَ اسْمُ "إِنْ" وَ "هذانِ" رُفِعَ بِالِابْتِدَاءِ وَمَا بَعْدَهُ خَبَرُ الِابْتِدَاءِ. الْقَوْلُ السَّادِسُ: قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ النَّحَّاسُ وَسَأَلْتُ أَبَا الْحَسَنِ بْنَ كَيْسَانَ عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ، فَقَالَ: إِنْ شِئْتَ أَجَبْتُكَ بِجَوَابِ النَّحْوِيِّينَ، وَإِنْ شِئْتَ أَجَبْتُكَ بِقَوْلِي، فَقُلْتُ: بِقَوْلِكَ، فَقَالَ: سَأَلَنِي إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ عَنْهَا فَقُلْتُ: الْقَوْلُ عِنْدِي أَنَّهُ لَمَّا كَانَ يُقَالُ: "هَذَا" فِي مَوْضِعِ الرَّفْعِ وَالنَّصْبِ وَالْخَفْضِ عَلَى حَالٍ وَاحِدَةٍ، وَكَانَتِ التَّثْنِيَةُ يَجِبُ أَلَّا يغير لها الواحد أجريت التثنية مجرى الواحد فَقَالَ: مَا أَحْسَنَ هَذَا لَوْ تَقَدَّمَكَ أَحَدٌ بِالْقَوْلِ بِهِ حَتَّى يُؤْنَسَ بِهِ، قَالَ ابْنُ كَيْسَانَ: فَقُلْتُ لَهُ: فَيَقُولُ الْقَاضِي بِهِ حَتَّى يؤنس به، فتبسم.
[الجامع لأحكام القرآن:11/218]

قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ)
﴿قَالُوا إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ﴾ هَذِهِ لُغَةٌ لِبَعْضِ الْعَرَبِ، جَاءَتْ هَذِهِ الْقِرَاءَةُ عَلَى إِعْرَابِهَا، وَمِنْهُمْ مَنْ قَرَأَ: "إنْ هَذَينِ لَسَاحِرَانِ" وَهَذِهِ اللُّغَةُ الْمَشْهُورَةُ، وَقَدْ تَوَسَّعَ النُّحَاةُ فِي الْجَوَابِ عَنِ الْقِرَاءَةِ الْأَوْلَى بِمَا لَيْسَ هَذَا مَوْضِعُهُ.
[تفسير ابن كثير:5/301]

ثانياً: جمع أقوال اللغويين في هذه المسألة:
قال الخليل بن أحمد الفراهيدي(ت:170هـ):
وأمّا إِنْ هذانِ لَساحِرانِ فَمَنْ خفّف فهو بلغة الذين يخفِّفون ويرفعون، فذلك وَجْهٌ، ومنهم مَنْ يجعل اللاّم في موضع (إلاّ) ، ويجعل (إنْ) جَحْداً، على تفسير: ما هذان إلاّ ساحرانِ، وقال الشّاعر:
أَمْسَى أبانُ ذليلاً بَعْدَ عزّته ... وإن أبانُ لَمِنْ أَعْلاجِ سوراء «69»
ويقال: [تكون] (إنّ) في مَوْضع (أَجَلْ) فيكسِرونَ ويثقلون، فإِذا وقفوا في هذا المعنى قالوا: إنّهْ.. تكون الهاء صلةً في الوقوف، وتَسْقط [الهاء] إذا صرفوا «70» ...
وبلغنا عن عبدِ اللَّه بنِ الزُّبَيْر أن أعرابيّاً أتاه فسأله فحرمه، فقال: لعن اللَّه ناقةً حملتني إليك، فقال ابنُ الزُّبير: إنّ وراكِبَها
، أي: أَجَلْ. فأمّا تميم فإِنّهم يَجْعلونَ ألِفَ كلّ أنّ وأَنْ، منصوبة، من المُثَقَّل والمُخَفَّف: عيناً، كقولك: أريد عَنْ أكلمك، و [بلغني عنّك مقيم] . وأنّ الرّجل يَئنُّ: من الأنين، قال: «71»
تشكو الخشاش ومجرى النسعتين كما ... أن المريض إلى عُوّاده، الوَصِبُ
[العين:8/397-398]

قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ):
وفي قراءة عبد اللَّه «والمقيمون والمؤتون» وفي قراءة أَبِي «وَالْمُقِيمِينَ» ولم يجتمع فِي قراءتنا وفي قراءة أَبِي إلا على صوابٍ. والله أعلم.
حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ: قال: وقد حدّثنى أبو معاوية «3» الصرير عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا سُئِلَتْ عَنْ قوله: «إِنْ هذانِ لَساحِرانِ» «4» وَعَنْ قوله:
«إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا وَالصَّابِئُونَ» «5» وعن قوله: «وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاةَ وَالْمُؤْتُونَ الزَّكاةَ» فقالت: يا بن أخى «6» هذا كان خطأ من الكاتب. وقال فِيهِ الكسائي «وَالْمُقِيمِينَ» موضعه خفض يرد على قوله: «بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ» : ويؤمنون بالمقيمين الصلاة هُمْ والمؤتون الزكاة.
قال: وهو بمنزلة قوله: «يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ» «1» وكان النحويّون يقولون «الْمُقِيمِينَ» مردودة على «بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ- إلى الْمُقِيمِينَ» وبعضهم «لكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ» ومن «الْمُقِيمِينَ» وبعضهم «مِنْ قَبْلِكَ» ومن قبل «الْمُقِيمِينَ» .
وإنما امتنع من مذهب المدح- يعني الكسائي- الَّذِي فسرت لك، لأنه قال: لا ينصب الممدوح إلا عند تمام الكلام، ولم «2» يتمم الكلام فى سورة النساء.
ألا ترى أنك حين قلت «لكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ- إلى قوله «وَالْمُقِيمِينَ- والْمُؤْتُونَ» كأنك منتظر لخبره «3» ، وخبره فِي قوله «أُولئِكَ سَنُؤْتِيهِمْ أَجْراً عَظِيماً» والكلام أكثره على ما وصف الكسائي. ولكن العرب إذا تطاولت الصفة جعلوا الكلام فِي الناقص وفي التام كالواحد ألا ترى أنهم قَالُوا فِي الشعر:
حَتَّى إذا قملت «4» بطونكم ... ورأيتم أبناءكم شبوا
وقلبتم ظهر المجن لنا ... إن اللئيم العاجز الخب
فجعل جواب (حَتَّى إذا) بالواو، وكان ينبغي ألا يكون فِيهِ واو، فاجتزئ بالاتباع ولا خبر بعد ذلك. وهذا أشدّ مما وصفت لك.
وقوله: فَتَنازَعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ [62] يعني السَّحَرة قَالَ بَعضهم لبعض: إن غَلَبَنَا موسى اتَّبعناهُ وأسرُّوها من فرعون وأصحابه.
وقوله: إِنْ هذانِ لَساحِرانِ [83] قد اختلف فِيهِ القراء فقال بعضهم: هُوَ لحن ولكنا نمضي عَلَيْهِ لئلا نُخالف الكتاب. حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو مُعَاوِيَةَ الضَّرِيرُ «2» عَنْ هَاشِمِ بْنِ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا سُئِلَتْ عَنْ قوله فِي النِّسَاءِ (لكِنِ «3» الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ.... وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاةَ) وَعَنْ قوله فِي الْمَائِدَةِ (إِنَّ الَّذِينَ «4» آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا وَالصَّابِئُونَ) وعن قوله ( «5» إِنْ هذانِ لَساحِرانِ) فقالت: يا ابن أَخِي هَذَا كَانَ «6» خَطَأً مِنَ الْكَاتِبِ. وقرأ أَبُو عمرو (إِنَّ هَذَيْنِ لساحران) واحتج أَنَّهُ بلغه عَن «7» بعض أصحاب مُحَمَّد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: إن فِي المصحف لحنًا وستقيمه العرب.
قَالَ الفراء: ولست أشتهي عَلَى (أن أخالف «8» الكتاب وقرأ بعضهم «9» (إِنْ هذان لساحران)
خفيفة «1» وَفِي قراءة عبد الله: (وأسروا النجوى أن هذان ساحران) وَفِي قراءة أُبَيّ (إنْ ذان إلا ساحران) فقراءتنا «2» بتشديد (إنّ) وبالألف عَلَى جهتين.
إحداهما عَلَى لغة بني الحارث بن كعب: يجعلونَ الاثنين فِي رفعهما ونصبهما وخفضهما بالألف.
وأنشدني رجلٌ من الأسد عنهم. يريد بني الحارث:
فأَطرق إطراق الشجاع ولو يرى ... مسَاغًا لِناباه الشجاعُ لصَمّما «3»
قَالَ: وما رأيت أفصح من هَذَا الأسدي وحكى هَذَا الرجل عنهم: هَذَا خطُّ يَدَا أخي بعينه.
وَذَلِكَ- وإن كَانَ قليلًا- أقيس لأن العرب قالوا: مسلمون فجعلوا الواو تابعة للضمة (لأن الواو «4» لا تُعرب) ثُمَّ قالوا: رأيت المسلمين فجعلوا الياء تابعة لكسرة الميم. فلمّا رأوا أن «5» الياء من الاثنين لا يمكنهم كسر ما قبلها، وثبت مفتوحًا: تركوا الألف تتبعه، فقالوا: رجلانِ فِي كل حَالٍ.
وقد اجتمعت العرب عَلَى إثبات الألف فِي كِلا الرجلين فِي الرفع والنصب والخفض وهما اثنان، إلا بنى كنانة فإنهم يقولون: رأيت كلى الرجلين ومررت بكلَيِ الرجلين. وهي قبيحة قليلة، مَضَوْا عَلَى القياس.
والوجهُ الآخر أن تَقُولُ: وجدت الألف (من «6» هَذَا دِعامة وليست بلام فعل، فلمّا ثنّيت زدتُ عليها نونًا ثُمَّ تركت الألف) ثابتة عَلَى حالِها لا تزول عَلَى «7» كل حال كما قالت العرب (الَّذِي) ثُمَّ زادوا نونًا تدل عَلَى الجماع، فقالوا: الَّذِينَ فِي رفعهم ونصبهم وخفضهم كما تركوا (هذان) فِي رفعه ونصبه وخفضه. وكنانة يقولون (اللّذون) .
[معاني القرآن: 2/183-184]

قال أبو عبيدة معمر بن المثنى التيمى البصري (المتوفى: 210هـ):
ومن مجاز ما جاء من مذاهب وجوه الإعراب، قال: «سُورَةٌ أَنْزَلْناها» (24/ 1) رفع ونصب، وقال: «وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما» (5/ 41) رفع ونصب، وقال: «الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما مِائَةَ جَلْدَةٍ» (24/ 2) رفع ونصب.
ومجاز المتحمل من وجوه الإعراب كما قال: «إِنْ هذانِ لَساحِرانِ» (20/ 63) .
قال: «1» وكل هذا جائز معروف قد يتكلمون به.

«إِنْ هذانِ لَساحِرانِ» (63) قال أبو عمرو وعيسى ويونس «إنّ هذين لساحران» فى اللفظ وكتب «هذان» كما يزيدون وينقصون فى الكتاب واللفظ صواب. وزعم أبو الخطّاب أنه سمع قوما من بنى كنانة وغيرهم يرفعون الاثنين فى موضع الجر والنصب، قال بشر بن هلال «إِنْ» بمعنى الابتداء والإيجاب، ألا ترى أنها تعمل فيما يليها ولا تعمل فيما بعد الذي بعدها فترفع الخبر ولا تنصبه كما تنصب الاسم فكان مجاز«إِنْ هذانِ لَساحِرانِ» «1» مجاز كلامين، مخرجه: إنه أي نعم، ثم قلت: هذان ساحران، ألا ترى أنهم يرفعون المشرك كقوله:
فمن يك أمسى بالمدينة رحله ... فإنّى وقيّار بها لغريب
(207) وقوله:
إنَّ شَرخ الشَّباب والشّعر الأسود ... ما لم يعاص كان جنونا
(291) وقوله:
إنّ السيوف غدوّها ورواحها ... تركت هوازن مثل قرن الأعضب
«2» «3» [545] ويقول بعضهم «إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ» (33/ 56) فيرفعون ملائكته على شركة الابتداء ولا يعملون فيها «إن» ، وقال سمعت الفصحاء من المحرمين يقولون: إنّ الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك.
وقرأها قوم على تخفيف نون «إن» وإسكانها وهو يجوز لأنهم قد أدخلوا اللام فى الابتداء وهى فضل، قال:
«أم الحليس لعجوز شهربه»
وزعم قوم أنه لا يجوز لأنه إذا خفّف نون «إن» فلا بد له من أن يدخل إلّا فيقول: إن هذان إلّا ساحران.
[مجاز القرآن: 2/23:21]

قال أبو الحسن الأخفش (215 هـ)
قَالُواْ إِنْ هَاذَانِ لَسَاحِرَانِ يُرِيدَانِ أَن يُخْرِجَاكُمْ مِّنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِمَا وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلَى}
وقال {إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ} خفيفة في معنى ثقيلة. وهي لغة لقوم يرفعون ويدخلون اللام ليفرقوا بينها وبين التي تكون في معنى "ما" ونقرؤها ثقيلة وهي لغة لبني الحارث بن كعب.
[ معاني القرآن: 2/443-444]

قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (
فقالوا: في قوله سبحانه: إِنْ هذانِ لَساحِرانِ [طه: 63] وهي لغة بلحرث بن كعب يقولون: مررت برجلان، وقبضت منه درهمان، وجلست بين يداه، وركبت علاه. وأنشدوا «2» :
تزوّد منّا بين أذناه ضربة ... دعته إلى هابي التّراب عقيم
أي موضع كثير التراب لا ينبت.
وأنشدوا «3» :
أيّ قلوص راكب تراها ... طاروا علاهنّ فطر علاها
على أن القراء قد اختلفوا في قراءة هذا الحرف: فقرأه أبو عمرو بن العلاء «1» ، وعيسى بن عمر «2» : «إنّ هذين لساحران» وذهبا إلى أنه غلط من الكاتب كما قالت عائشة.
وكان عاصم الجحدريّ «3» يكتب هذه الأحرف الثلاثة في مصحفه على مثالها في الإمام، فإذا قرأها، قرأ: «إنّ هذين لساحران» ، وقرأ المقيمون الصلاة [النساء: 162] ، وقرأ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا وَالصَّابِئِينَ [الحج: 17] .
وكان يقرأ أيضا في سورة البقرة: والصابرون فى البأساء والضراء [البقرة: 177] ويكتبها: الصابرين.
وإنما فرق بين القراءة والكتاب لقول عثمان رحمة الله: أرى فيه لحنا وستقيمه العرب بألسنتها فأقامه بلسانه، وترك الرسم على حاله.
وكان الحجاج «4» وكّل عاصما «5» وناجية بن رمح وعليّ بن أصمع بتتبّع المصاحف، وأمرهم أن يقطعوا كل مصحف وجدوه مخالفا لمصحف عثمان، ويعطوا صاحبه ستين درهما.
خبّرني بذلك أبو حاتم «6» عن الأصمعي «7» قال: وفي ذلك يقول الشاعر:
وإلا رسوم الدّار قفرا كأنّها ... كتاب محاه الباهليّ بن أصمعا
وقرأ بعضهم: إِنْ هذانِ لَساحِرانِ [طه: 63] اعتبارا بقراءة أبيّ لأنها في مصحفه:
«إن ذان إلا ساحران» وفي مصحف عبد الله: (وأسرّوا النّجوى أن هذان ساحران) منصوبة بالألف يجعل إِنْ هذانِ تبيينا للنجوى.
وقالوا في قوله تبارك وتعالى: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا وَالصَّابِئُونَ [المائدة:
69] رفع (الصابئين) لأنه ردّ على موضع إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وموضعه رفع، لأن (إنّ) مبتدأة وليست تحدث في الكلام معنى كما تحدث أخواتها. ألا ترى أنك تقول: زيد قائم، ثم تقول: إن زيدا قائم، ولا يكون بين الكلامين فرق في المعنى. وتقول: زيد قائم، ثم تقول: ليت زيدا قائم، فتحدث في الكلام معنى الشك. وتقول: زيد قائم، ثم تقول: ليت زيدا قائم، فتحدث في الكلام معنى التمني، ويدلّك على ذلك قولهم: إن عبد الله قائم وزيد، فترفع زيدا، كأنك قلت: عبد الله قائم وزيد، وتقول: لعل عبد الله قائم وزيدا، فتنصب مع (لعلّ) وترفع مع (إن) لما أحدثته (لعلّ) من معنى الشك في الكلام، ولأنّ (إنّ) لم تحدث شيئا. وكان الكسائي «1» يجيز: أن عبد الله وزيد قائمان، وإنّ عبد الله وزيد قائم. والبصريون يجيزونه، ويحكون: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ [الأحزاب: 56] وينشدون «2» :
فمن يك أمسى بالمدينة رحله ... فإنّي وقيّار بها لغريب
وقالوا في نصب (المقيمين) بأقاويل: قال بعضهم: أراد بما أنزل إليك وإلى المقيمين. وقال بعضهم: وما أنزل من قبلك ومن قبل المقيمين، وكان الكسائي يرده إلى قوله: يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ [البقرة: 4] أي: ويؤمنون بالمقيمين، واعتبره بقوله في موضع آخر: يُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ أي بالمؤمنين. وقال بعضهم: هو نصب على المدح. قال أبو عبيدة «1» : هو نصب على تطاول الكلام بالنّسق، وأنشد للخرنق بنت هفّان «2» :
لا يبعدن قومي الذين هم ... سمّ العداة وآفة الجزر
النازلين بكلّ معترك ... والطيّبون معاقد الأزر
ومما يشبه هذه الحروف- ولم يذكروه- قوله في سورة البقرة: وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذا عاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْساءِ وَالضَّرَّاءِ [البقرة: 177] . والقرّاء جميعا على نصب الصابرين إلا عاصما الجحدري فإنه كان يرفع الحرف إذا قرأه، وينصبه إذا كتبه، للعلّة التي تقدم ذكرها.
واعتل أصحاب النحو للحرف، فقال بعضهم: هو نصب على المدح، والعرب تنصب على المدح والذم، كأنهم ينوون إفراد الممدوح بمدح مجدّد غير متبع لأوّل. [ تأويل مشكل القرآن: 1/36-38 ]
فقد كتب في الإمام: إِنْ هذانِ لَساحِرانِ بحذف ألف التثنية.
[ تأويل مشكل القرآن: 1/42 ]

قال أبو إسحاق إبراهيم بن السري بن سهل الزجاج (ت: 311هـ):
وقوله عزَّ وجلَّ: (قَالُوا إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ يُرِيدَانِ أَنْ يُخْرِجَاكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِمَا وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلَى (63)
(إن هَذَانِ لَسَاحِرَانِ) (1).
يَعْنُونَ موسى وهارون. وهذا الحرف من كتاب اللَّه عزَّ وجلَّ مُشْكِل على
أهل اللغة، وقد كثر اختلافهم في تفسيره، ونحن نذكر جميع ما قاله النحويون ونخبر بما نظن أنه الصواب واللَّه أعلم، وقبل شرح إعرابه نخبر بقراءة القُراءِ
أما قراءة أهل المدينة والأكْمَهِ في القراءة فبتشديد (إنَّ) والرفع في
(هذان) وكذلك قرأ أهْلُ العِراق حمزةُ وعاصم - في رواية أبي بكر بن عياش والمدنيونَ.
ورُويِ عَنْ عاصم: إِنْ هذان بتخفيف (إنْ)، ويُصَدِّق ما قرأه عاصم
في هذه القراءة ما يُرْوى عَنْ أُبَيٍّ فَإنهُ قرأ: ما هذان إِلَّا سَاحِرَانِ، ورُوِيَ أيضاً
عنه أنه قرأ: إنْ هَذَان إِلا سَاحِرانِ، ورويت عن الخليل أيضاً: إنْ هذانْ
لَسَاحِرَان - بالتخفيف -.
والإجماع أنه لم يكن أحد بالنحو أعلم من الخليل.
وقرأ أبو عمرو وعيسى بن عمَر: إنَّ هَذَيْن لَسَاحرانِ، بتشديد " إِنَّ " ونصب هذين.
فهذه الرواية فيه.
فأمااحتجاج النحويين فاحتجاج أبي عمرو في مخالفته المصحف في
هذا أنهُ رُوِيَ أنه من غَلطِ الكاتب، وأن في الكتاب غَلَطاً سَتُقِيمُه العربُ
بألْسِنَتِها، يروى ذلك عَنْ عُثْمَانَ بنِ عفَانِ وَعَنْ عائشة - رحمهما اللَّه -.
وأما الاحتجاج في أنَّ هذان بتشديد أن ورفع هذانِ فحكى أبُو عُبَيْدَة عن
أبي الخطاب وهو رأس من رؤساء الرواة، أنها لغة لِكنَانَة، يجعلون ألف
الاثنين في الرفع والنَصْبِ والخفض على لفظ واحدٍ، يقولون أتاني الزيدان.
ورأيت الزيْدَانِ، ومررت بالزَيْدَانِ، وهؤلاء ينشدون:
فأَطْرَقَ إطْراقَ الشُّجاعِ ولو رَأَى. . . مَساغاً لِنابَاه الشُّجاعُ لَصَمَّما
وهؤلاء أيضاً يقولون: ضَرَبتُه بين أذُناه، ومن يشتري مني الخُفَّانِ
وكذلك روى أهل الكوفة أنها لغة لبني الحرث بن كعْبٍ.
قال النحويون القُدَمَاء: ههنا هاء مضمرة، المعنى إنهُ هذانِ لَسَاحِرَانِ،

وقالوا أيضاً أن معنى (إن) معنى (نَعَمْ)، المعنى نعم هَذان لساحِرَانِ.
وينشدون:
ويَقُلْنَ شَيْبٌ قدْ علَّا. . . كَ وقد كَبِرْتَ فقلتُ إنَّهْ
ويَحتحون بأن هذه اللامَ - أصْلُهَا - أن تقع في الابتداء، وأن وُقُوعَها في
الخبر جائز، وينشدون في ذلك:
خالي لأَنتَ ومَن جَريرٌ خالُه. . . يَنَلِ العَلاءَ ويُكْرِمِ الأَخْوالا
وأنشدوا أيضاً:
أُمُّ الحُلَيْسِ لَعَجُوزٌ شَهْرَبَهْ. . . تَرْضى من الشاةِ بِعَظْمِ الرَّقَبَهْ
قالوا: المعنى لأنت خالي، والمعنى لأم الحليس عجوز.
وقال الفراء فى هذا: إنهم زادوا فيها النون في التثنية وتركوا الألف على حالها في الرفع والنصب والجر كما فعلوا في الذي، فقالوا الَّذِينَ في الرفع والنصب والجر.
فهذا جميع ما احتج به النحويون.
والذي عندي - واللَّه أعلم - وكنت عرضته على عالِمَيْنَا - محمد بن يزيد
وعلى إسماعيل بن إسحاق بن حماد بن زيد القاضي فقبلاه وذكرا أنَّه أجود ما
سمعاه في هذا، وهو " أنَّ) قد وقعت موقع " نعم "، وأن اللام وقعت مَوْقِعَهَا، وأن المعنى هذان لَهما ساحِرَانِ.
والذي يلي هذه في الجودة مذهب بني كنانة في ترك ألف التثنية على
هيئة واحدة، لأن حق الألف أنْ تَدُل على الاثنين، وكان حقها ألا تتغيَّر كما لم تتغير ألف رحى وعضى، ولكن كان نقلها إلى الياء في النصْبِ والخفض
أبين وأفْضَلُ للتمييز بين المرفوع والمنصوب والمجرور.
فأمَّا قراءةَ عيسى بن عمر وأبي ععرو بن العلاء فلا أجيزها لأنها خلاف المصحف، وكل ما وجدته إلى موافقة المصحف أقرب لم أجِزْ مخَالفَتَه، لأن اتباعه سنة.
وما عليه أكثر القراء، ولكني أسْتَحسِنُ (إنْ هذان لساحران) بتخفيف (إنْ) وفيه إمامان: عاصمٌ والخليلُ، وموافقة أُبيٍّ في المعْنَى وأن خالفه اللفظ، ويستحسن أيضاً (إنَّ هذان) بالتشديد، لأنه مذهب أكثر القراء، وبه يقرأ وهو قوي في العربية.
[ معاني القرآن وإعرابه: 3/361-364 ]


قال أبو جعفر النحاس (ت:338 هـ):
الموضع الاول:
قُلْ لَوْ شاءَ اللَّهُ ما تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلا أَدْراكُمْ بِهِ أي لو شاء الله ما أرسلني إليكم فتلوت عليكم القرآن ولا أعلمكم به أي القرآن. قال أبو حاتم: سمعت الأصمعي يقول: سألت أبا عمرو بن العلاء عن قراءة الحسن ولا أدرأتكم به «1» أله وجه؟

قال: لا قال أبو عبيد: لا وجه لقراءة الحسن «ولا أدرأتكم به» إلّا على الغلط. معنى قول أبي عبيد إن شاء الله على الغلط أنه يقال: دريت أي علمت وأدريت غيري، ويقال: درأت أي دفعت فيقع الغلط بين دريت وأدريت ودرأت، وقال أبو حاتم: يريد الحسن فما أحسب ولا أدريتكم به فأبدل من الياء ألفا على لغة بني الحارث بن كعب لأنهم يبدلون من الياء ألفا إذا انفتح ما قبلها مثل إِنْ هذانِ لَساحِرانِ [طه: 63] . قال أبو جعفر هذا غلط لأن الرواية عن الحسن ولا أدرأتكم به بالهمز وأبو حاتم تكلّم على أنه بغير همز ويجوز أن يكون من درأت إذا دفعت، أي: ولا أمرتكم أن تدفعوا وتتركوا الكفر بالقرآن. فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُراً مِنْ قَبْلِهِ في الكلام حذف والتقدير فقد لبثت فيكم عمرا من قبله تعرفوني بالصدق والأمانة لا أقرأ ولا أكتب ثم جئتكم بالمعجزات أَفَلا تَعْقِلُونَ أن هذا لا يكون إلّا من عند الله جلّ وعزّ.
[إعراب القرآن: 2/143]
الموضع الثاني:
فَتَنازَعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ وَأَسَرُّوا النَّجْوى (62) قالُوا إِنْ هذانِ لَساحِرانِ يُرِيدانِ أَنْ يُخْرِجاكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِما وَيَذْهَبا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلى (63)
قالُوا إِنْ هذانِ لَساحِرانِ فيه ست قراءات «5» قرأ المدنيون والكوفيون إنّ هذان
ساحران وقرأ أبو عمرو إنّ هذين لساحران وهذه القراءة مروية عن الحسن وسعيد بن جبير وإبراهيم النخعي وعيسى بن عمر وعاصم الجحدري، وقرأ الزهري وإسماعيل بن قسطنطين والخليل بن أحمد وعاصم في إحدى الروايتين إِنْ هذانِ لَساحِرانِ بتخفيف إن.
فهذه ثلاث قراءات، قد رواها الجماعة عن الأئمة. وروي عن عبد الله بن مسعود إن هذان إلّا ساحران وقال الكسائي: في قراءة عبد الله إن هذان ساحران بغير لام، وقال الفراء «1» : في حرف أبيّ إن ذان إلّا ساحران فهذه ثلاث قراءات أخرى، تحمل على التفسير، إلا أنها جائز أن يقرأ بها لمخالفتها المصحف. قال أبو جعفر: القراءة الأولى للعلماء فيها ستة أقوال: منها أن يكون إنّ بمعنى نعم، كما حكى الكسائي عن عاصم قال العرب:
تأتي بإنّ بمعنى نعم، وحكى سيبويه: أنّ «إنّ» تأتي بمعنى أجل. وإلى هذا القول كان محمد بن يزيد وإسماعيل بن إسحاق يذهبان. قال أبو جعفر: ورأيت أبا إسحاق وأبا الحسن علي بن سليمان يذهبان إليه. وحدّثنا علي بن سليمان قال: حدّثنا عبد الله بن أحمد بن عبد السّلام النيسابوري، ثمّ لقيت عبد الله بن أحمد هذا فحدّثني قال: حدّثنا عمير بن المتوكل قال: حدّثنا محمد بن موسى النوفلي من ولد حارث بن عبد المطلب قال: حدّثنا عمرو بن جميع الكوفي عن جعفر بن محمد عن أبيه عن علي وهو علي بن الحسين عن أبيه عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه. قال: لا أحصي كم سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على منبره يقول: «إنّ الحمد لله نحمده ونستعينه ثم يقول: أنا أفصح قريش كلّها وأفصحها بعدي أبان بن سعيد بن العاص» «2» قال أبو محمد: قال عمير: إعرابه عند أهل العربية في النحو إنّ الحمد لله بالنصب إلّا أن العرب تجعل «إنّ» في معنى نعم كأنه أراد: نعم الحمد لله، وذلك أن خطباء الجاهلية كانت تفتتح في خطبتها بنعم، وقال الشاعر في معنى نعم: [الكامل] 292-
قالوا: غدرت فقلت إنّ وربّما ... نال العلى وشفى الغليل الغادر «3»
وقال ابن قيس الرقيات «4» : [مجزوء الكامل] 293-
بكر العواذل في الصّبوح ... يلمنني وألومهنّه
ويقلن شيب قد علاك ... وقد كبرت، فقلت: إنّه
فعلى هذا جائز أن يكون قول الله عزّ وجلّ: إِنْ هذانِ لَساحِرانِ بمعنى نعم.
قال أبو جعفر: أنشدني داود بن الهيثم قال: أنشدني ثعلب: [الخفيف] 294-
ليت شعري هل للمحبّ شفاء ... من جوى حبّهنّ إنّ اللّقاء «1»
أي: نعم، فهذا قول. وقال أبو زيد والكسائي والأخفش والفراء: هذا على لغة بني الحارث بن كعب. قال الفراء: يقولون: رأيت الزّيدان، ومررت بالزّيدان وأنشد: [الطويل] 295-
فأطرق إطراق الشّجاع ولو يرى ... مساغا لناباه الشّجاع لصمّما «2»
وحكى أبو الخطاب أنّ هذه لغة بني كنانة، وللفراء قول آخر قال: وجدت الألف دعامة ليست بلام الفعل فزدت عليها نونا ولم أغيرها، كما قلت: الذي، ثم زدت عليها نونا فقلت: جاءني الذين عندك، ورأيت الذين عندك. قال أبو جعفر: وقيل: شبّهت الألف في قولك: هذان بالألف في يفعلان، فلم تغير. قال أبو إسحاق: النحويون القدماء يقولون: الهاء هاهنا مضمرة، والمعنى: إنّه هذان لساحران. فهذه خمسة أقوال، قال أبو جعفر: وسألت أبا الحسن بن كيسان عن هذه الآية فقال: إن شئت أجبتك بجواب النحويين، وإن شئت أجبتك بقولي فقلت: بقولك، فقال: سألني إسماعيل بن إسحاق عنها فقلت: القول عندي أنه لما كان يقال: هذا في موضع الرفع والنصب والخفض على حال واحدة، وكانت التثنية يجب أن لا يغيّر لها الواحد أجريت التثنية مجرى الواحد، فقال: ما أحسن هذا لو تقدّمك بالقول به حتى يؤنس به، فقلت: فيقول القاضي «به» حتى يؤنس به فتبسّم. قال أبو جعفر: القول الأول أحسن إلّا أنّ فيه شيئا لأنه إنما قال: إنما يقال: نعم زيد خارج، ولا يكاد يقع اللام هاهنا، وإن كان النحويون قد تكلّموا في ذلك فقالوا: اللّام ينوى بها التقديم. وقال أبو إسحاق: المعنى إنّ هذان لهما ساحران، ثمّ حذف المبتدأ كما قال: [الرجز] 296-
أمّ الحليس لعجوز شهربه «3»
والقول الثاني من أحسن ما حملت عليه الآية إذ كانت هذه اللّغة معروفة، وقد
حكاها من يرتضى علمه وصدقه وأمانته، منهم أبو زيد الأنصاري، وهو الذي يقول إذا قال سيبويه: حدّثني من أثق به فإنما يعنيني. وأبو الخطاب الأخفش، وهو رئيس من رؤساء أهل اللغة، روى عنه سيبويه وغيره. ومن بين ما في هذا قول سيبويه: واعلم أنّك إذا ثنّيت الواحد زدت عليه زائدتين، الأولى منهما حرف مدّ ولين، وهو حرف الإعراب. قال أبو جعفر: فقول سيبويه: وهو حرف الإعراب، يوجب أنّ الأصل أن لا يتغير إنّ هذان، جاء على أصله ليعلم ذلك وقد قال الله جلّ وعزّ: اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطانُ [المجادلة: 19] ولم يقل: استحاذ، فجاء على هذا ليدل على الأصل إذ كان الأئمة قد رووها وتبيّن أنها الأصل، وهذا بيّن جدا. وَيَذْهَبا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلى تأنيث أمثل، كما يقال: الأفضل والفضلى، وأنّثت الطريقة على اللفظ، وإن كان يراد بها الرجال، ويجوز أن يكون التأنيث على معنى الجماعة.
أراد الحبال. قال أبو إسحاق: من قرأ بالتاء جعل «أنّ» في موضع نصب أي تخيل إليه ذات سعي. قال: ويجوز أن تكون في موضع رفع على البدل، بدل الاشتمال، كما حكى سيبويه: ما لي بهم علم أمرهم. أي ما لي بأمرهم علم. قال: وأنشد: [الرجز] 297-
وذكرت تقتد برد مائها «1»
أي ذكر برد ماء تقتد.
[ إعراب القرآن: 3/30-31]

قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري(ت:370هـ):
وَأما قَول الله تَعَالَى: (إِن هَذَانِ لساحران) (طه: 63) فَإِن أَبَا إِسْحَاق النَّحوي اسْتَقصى مَا قَالَ فِيهِ النَّحويون، فحكيتُ كلامَه.
قَالَ: وَقَرَأَ المدنيون والكوفّيون، إلاّ عَاصِمًا: (إنّ هَذَانِ لساحران) .
ورَوى عَن عَاصِم أَنه قَرَأَ (إنْ هَذَانِ) بتَخْفِيف (إنْ) .
ورُوي عَن الْخَلِيل (إنْ هَذَا لساحران) .
قَالَ: وَقَرَأَ أَبُو عَمْرو: (إنّ هذَيْن لساحران) ، بتَشديد (أنّ) وَنصب (هذَيْن) قَالَ أبوإسحاق: والحجّة فِي (إنّ هَذَانِ لساحران) بِالتَّشْدِيدِ وَالرَّفْع، أَن أَبَا عُبيدة روى عَن أبي الخطّاب أَنه لُغة لِكنانة، يجْعَلُونَ ألف الِاثْنَيْنِ فِي الرّفْع وَالنّصب والخفض على لفظ وَاحِد، يَقُولُونَ: رَأَيْت الزيدان.
وروى أَهل الْكُوفَة وَالْكسَائِيّ والفَراء أَنَّهَا لُغة لبني الْحَارِث بن كَعْب.
قَالَ: وَقَالَ النحويّون القُدماء: هَاهُنَا هَاء مُضمرة، الْمَعْنى: إنّه هَذَانِ لساحران.
قَالَ: وَقَالَ بَعضهم: (إِن) فِي معنى (نعم) ، الْمَعْنى: نعم هَذَانِ لساحران؛ وَأنْشد:
ويَقُلْن شَيْبٌ قد عَلا
كَ وَقد كَبِرْت فَقلت إنَهْ
وَقَالَ الْفراء فِي هَذَا: إِنَّهُم زادوا فِيهَا النُّون فِي التَّثْنِيَة، وتركوها على حَالهَا فِي الرّفْع وَالنّصب والجر، كَمَا فعلوا فِي (الَّذين) فَقَالُوا: الَّذين، فِي الرَّفع والنَّصب والجر.
فَهَذَا جَمِيع مَا قَالَ النحويّون فِي الْآيَة.
قَالَ أَبُو إِسْحَاق: وأجودها عِنْدِي أَن، (أَن) وَقعت موقع (نعم) ، وَأَن اللَّام
وَقعت موقعها، وَأَن الْمَعْنى: نعم هَذَانِ لَهما ساحران.
وَالَّذِي يَلِي هَذَا فِي الْجَوْدَة مَذْهب بني كنَانَة وبَلْحارث بن كَعْب.
فأمّا قِرَاءَة أبي عَمْرو فَلَا أُجيزها، لِأَنَّهَا خلاف المُصْحف.
قَالَ: وأَستحسن قِرَاءَة عَاصِم والخليل: (إنْ هَذَانِ لساحران) .
وَقَالَ غَيره: العربُ تجْعَل الْكَلَام مُخْتَصرا مَا بَعْدَه على (إنّه) ، وَالْمرَاد: إِنَّه لكذلك، وإنّه على مَا تَقول.
فَأَما (إِن) الْخَفِيفَة، فَإِن المنذريّ رَوى عَن ابْن اليَزيدي، عَن أبي زيد، أَنه قَالَ: (إِن) تقع فِي مَوضِع من الْقُرْآن مَوْضِعَ (مَا) ، ضَرْبُ قَوْله تَعَالَى: {وَإِن مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلاَّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ} (النِّسَاء: 159) ، مَعْنَاهُ: مَا من أهل الْكتاب.
وَمثله: {لاَّتَّخَذْنَاهُ مِن لَّدُنَّآ إِن كُنَّا فَاعِلِينَ} (الْأَنْبِيَاء: 17) أَي: مَا كنّا فاعلين.
قَالَ: وتجيء (إِن) فِي مَوضِع (لقد) ، ضَرْبُ قَوْله تَعَالَى: {إِن كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولاً} (الْإِسْرَاء: 108) ، الْمَعْنى، لقد كَانَ من غير شكّ من الْقَوْم.
وَمثله: {وَإِن كَادُواْ لَيَفْتِنُونَكَ} (الْإِسْرَاء: 73) ، {وَإِن كَادُواْ لَيَسْتَفِزُّونَكَ} (الْإِسْرَاء: 76) .
وتجيء (إِن) بِمَعْنى (إِذْ) ، ضَرْبُ قَوْله تَعَالَى: {اتَّقُواْ اللَّهَ وَذَرُواْ مَا بَقِىَ مِنَ الرِّبَوااْ إِن كُنتُمْ مُّؤْمِنِينَ} (الْبَقَرَة: 278) الْمَعْنى: إِذْ كُنْتُم مُؤمنين.
وَكَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى: {فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} (النِّسَاء: 59) مَعْنَاهُ: إِذْ كُنْتُم.
قَالَ: و (أَن) بِفَتْح الْألف وتَخفيف النُّون، قد تكون فِي مَوضِع (إِذْ) أَيْضا.
و (إِن) بَخْفض الْألف تكون مَوضِع (إِذا) ، من ذَلِك قولُه تَعَالَى: {لاَ تَتَّخِذُو صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
[تهذيب اللغة: 15/406-407]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (المتوفى: 392هـ):
أخبرنا أبو علي أن أبا إسحاق ذهب في قوله تعالى: {إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ} [طه: 63] 3 إلى أن "إن" بمعنى نعم، وهذان مرفوع بالابتداء، وأن اللام في "لساحران" داخلة في موضعها على غير ضرورة، وأن تقديره: "نعم هذان لهما ساحران".
وحكي عن أبي إسحاق أنه قال: هذا الذي عندي فيه، والله أعلم، وكنت عرضته4 على عالمنا محمد بن يزيد، وعلى إسماعيل بن إسحاق؛ فقبلاه، وذكرا أنه أجود ما سمعاه.
واعلم أن هذا الذي رواه أبو إسحاق في هذه المسألة مدخول غير صحيح، وأنا أذكره لتقف منه على ما في قوله.
ووجه الخطأ فيه أن "هما" المحذوفة التي قدرها مرفوعة بالابتداء لم تحذف إلا بعد العلم بها والمعرفة بموضعها، وكذلك كل محذوف لا يحذف إلا مع العلم به، ولولا ذلك لكان في حذفه مع الجهل بمكانه ضرب من تكليف علم الغيب للمخاطب، وإذا كان معروفًا؛ فقد استغنى بمعرفته عن تأكيده باللام؛ ألا ترى أنه يقبح أن تأتي بالمؤكد وتترك المؤكد فلا تأتي به.
ألا ترى أن التوكيد من مواضع الإطناب والإسهاب، والحذف من مواضع الاكتفاء والاختصار؛ فهما إذن -كما ذكرت لك- ضدان لا يجوز أن يشتمل عليهما عقد كلام.
ويزيد ذلك وضوحًا امتناع أصحابنا من تأكيد المضمر المحذوف العائد على المبتدأ في نحو "زيد ضربت" في من أجازه؛ فلا يجيزون "زيد ضربت نفسه" على أن تجعل النفس توكيدًا للهاء المرادة في ضربته، لأن الحذف لا يكون إلا بعد التحقيق والعلم، وإذا كان ذلك كذلك؛ فقد استغني عن تأكيده.
ويؤكد عندك ما ذكرت لك أن أبا عثمان وغيره من النحويين حلموا قول الشاعر:
أم الحليس لعجوز شهربه1
على أن الشاعر أدخل اللام على الخبر ضرورة، ولو كان ما ذهب إليه أبو إسحاق وجهًا جائزًا؛ لما عدل عنه النحويون ولا حملوا على الاضطرار إذا وجدوا له وجهًا ظاهرًا قويًا، وحذف المبتدأ وإن كان شائعًا في مواضع كثيرة من كلامهم؛ فإنه إذا نقل عن أول الكلام قبح حذفه؛ ألا ترى إلى ضعف قراءة من قرأ: {تَمَاماً عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ} [الأنعام: 154] 2 قالوا: وقبحه أنه أراد: على الذي هو أحسن؛ فحذف المبتدأ في موضع الإيضاح والبيان، لأن الصلة لذلك وقعت في الكلام، وإذا كان ذلك موضع إكثار وإيضاح؛ فغير لائق به الحذف والاختصار.
فإن قلت: فقد حكى سيبويه في الكتاب: "لحق أنه ذاهب؛ فيضيفون، كأنه قال: ليقين ذلك أمرك، وليست في كلام كل العرب"3 فأمرك هو خبر يقين؛ لأنه قد أضافه إلى ذلك، وإذا أضافه إليه؛ لم يجز أن يكون خبرًا عنه.
قال سيبويه: "سمعنا فصحاء العرب يقولونه"4؛ فكيف جاز أن يحذف الخبر واللام في أول الكلام، وقد شرطت على نفسك أن الحذف لا يليق بالتوكيد؟
فالجواب أن هذه الكلمة ليس كل العرب يقولها كما قال سيبويه، وقال أيضًا أبو الحسن: "لم أسمع هذا من العرب؛ وإنما وجدته في الكتاب"1.
ووجه جوازه على قلته طول الكلام بما أضيف هذا المبتدأ إليه، وإذا طال الكلام؛ جاز فيه من الحذف ما لا يجوز فيه إذا قصر، ألا ترى إلى ما حكاه الخليل عنهم من قولهم: "ما أنا بالذي قائل لك شيئًا"2 ولو قلت: "ما أنا بالذي قائم لقبح".
فأما قول الشاعر3:
لم أر مثل الفتيان في غير الـ ... أيام ينسون ما عواقبها4
فالوجه أن تكون "ما" استفهامًا و"عواقبها" الخبر، كقوله تعالى ذكره: {وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحُطَمَةُ} [الهمزة: 5] 5 أي: ما أدراك أي شيء الحطمة؛ فكأنه قال: أي شيء عواقبها، على مذهب التعجب منها والاستعظام لها؛ فهذا أوجه من أن يحمل الكلام على أنه: ينسون الذي هو عواقبها، لقلة {تَمَاماً عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ} [الأنعام: 154] 6.
وقال أبو الحسن في هذا الفصل: "لو قلت: لعبد الله، وأضمرت الخبر لم يحسن"7؛ وإنما لم يحسن عنده لأن الكلام لم يطل ههنا كما طال في لحق أنه ذاهب. انقضى دخول اللام على الخبر.
واعلم أن لام الابتداء أحد الحرفين الموجبين اللذين يتلقى بهما القسم، وهما: اللام، وأن، وذلك قولك: والله لزيد عاقل، والله إن زيدًا عاقل؛ إلا أن هذه اللام قد تتعرى من معنى الجواب، وتخلص للابتداء؛ فهو لذلك أخص معنييها بها، وذلك قولك: لعمرك لأقومن، و:
................. ليمن الله ماندري1
فهذه اللام لام الابتداء معراة من معنى الجواب، وذلك أن قولك "لعمرك" قسم، ومحال أن يجاب القسم بالقسم؛ فلا يجوز إذن أن يكون التقدير: والله لعمرك لأقومن، كما يجوز إذا قلت: لزيد قائم، أن يكون تقديره: والله لزيد قائم، فاعرف ذلك إن شاء الله.
[ سر صناعة الإعراب: 2: 58- 61]

قال مكي بن أبي طالب: ( ت:437 هـ):
قَوْله {إِن هَذَانِ لساحران} من رفع هَذَانِ حمله على لُغَة لبني الْحَارِث بن كَعْب يأْتونَ بالمثنى بِالْألف على كل حَال قَالَ بَعضهم
... تزَود منا بَين أذنَاهُ طعنة ... دَعَتْهُ هابي التُّرَاب عقيم ...
وَقيل إِن بِمَعْنى نعم وَفِيه بعد لدُخُول اللَّام فِي الْخَبَر وَذَلِكَ لَا يكون الا فِي شعر كَقَوْلِه ... أم الْحُلَيْس لعجوز شهر بِهِ ... ترْضى من اللَّحْم بِعظم الرقبه ...
وَكَانَ وَجه الْكَلَام لأم الْحُلَيْس عَجُوز وَكَذَلِكَ كَانَ وَجه الْكَلَام فِي الْآيَة ان حملت ان على معنى نعم إِن لهذان ساحران كَمَا تَقول نعم لهذان ساحران وَنعم لمُحَمد رَسُول الله وَفِي تَأَخّر اللَّام مَعَ لفظ ان بعض الْقُوَّة على نعم وَقيل إِن الْمُبْهم لما لم يظْهر فِيهِ اعراب فِي الْوَاحِد وَلَا فِي الْجمع جرت التَّثْنِيَة على ذَلِك فَأتي بِالْألف على كل حَال وَقيل الْهَاء مضمرة مَعَ ان وَتَقْدِيره انه هَذَانِ لساحران كَمَا تَقول إِنَّه زيد منطلق وَهُوَ قَول حسن لَوْلَا أَن دُخُول اللَّام فِي الْخَبَر يبعده فَأَما من خفف إِن فَهِيَ قِرَاءَة حَسَنَة لِأَنَّهُ أصلح الاعراب وَلم يُخَالف الْخط لَكِن دُخُول اللَّام فِي الْخَبَر يَعْتَرِضهُ على مَذْهَب سِيبَوَيْهٍ لِأَنَّهُ يقدر أَنَّهَا المخففة من الثَّقِيلَة ارْتَفع مَا بعْدهَا بِالِابْتِدَاءِ وَالْخَبَر لنَقص بنائها فَرجع مَا بعْدهَا الى أَصله وَاللَّام لَا تدخل فِي خبر ابْتِدَاء أَتَى على أصلة إِلَّا فِي شعر على مَا ذكرنَا وَأما على مَذْهَب الْكُوفِيّين فَهُوَ من أحسن شَيْء لأَنهم يقدرُونَ إِن الْخَفِيفَة بِمَعْنى مَا وَاللَّام بِمَعْنى إِلَّا فتقدير الْكَلَام مَا هَذَانِ إِلَّا ساحران فَلَا خلل فِي هَذَا التَّقْدِير إِلَّا مَا ادعوهُ أَن اللَّام تَأتي بِمَعْنى إِلَّا.
[ مشكل إعراب القرآن: 2/466-468]

قال أبو القاسم الزمخشري (ت:538 هـ) :
قرأ أبو عمرو إِنْ هذانِ لَساحِرانِ على الجهة الظاهرة المكشوفة. وابن كثير وحفص: إن هذان لساحران، على قولك: إن زيد لمنطلق. واللام هي الفارقة بين إن النافية والمخففة من الثقيلة.
وقرأ أبىّ: إن ذان إلا ساحران. وقرأ ابن مسعود: أن هذان ساحران: بفتح أن وبغير لام، بدل من النجوى. وقيل في القراءة المشهورة إِنْ هذانِ لَساحِرانِ هي لغة بلحرث بن كعب، جعلوا الاسم المثنى نحو الأسماء التي آخرها ألف، كعصا وسعدى، فلم يقلبوها ياء في الجر والنصب. وقال بعضهم: إِنْ بمعنى نعم. ولَساحِرانِ خبر مبتدأ محذوف، واللام داخلة على الجملة تقديره: لهما ساحران. وقد أعجب به أبو إسحاق.
[ الكشاف: 3/72]


قال ابن منظور ( ت: 711 هـ):
أَخبر أَبو عَلِيٍّ أَن أَبا إسحق ذَهَبَ فِيهِ إِلَى أَنَّ إنَّ هُنَا بِمَعْنَى نَعَمْ، وَهَذَانِ مرفوعٌ بِالِابْتِدَاءِ، وأَنَّ اللامَ فِي لَساحران داخلةٌ عَلَى غَيْرِ ضَرُورَةٍ، وأَن تَقْدِيرَهُ نَعَمْ هَذَانِ هُمَا ساحِران، وَحُكِيَ عَنْ أَبي إسحق أَنه قَالَ: هَذَا هُوَ الَّذِي عِنْدِي فِيهِ، وَاللَّهُ أَعلم. قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَقَدْ بيَّن أَبو عليٍّ فسادَ ذَلِكَ فغَنِينا نَحْنُ عَنْ إِيضَاحِهِ هُنَا. وَفِي التَّهْذِيبِ: وأَما قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: إِنْ هذانِ لَساحِرانِ
، فإنَّ أبا إسحق النَّحْوِيَّ اسْتَقْصى مَا قَالَ فِيهِ النَّحْوِيُّونَ فحَكَيْت كَلَامَهُ. قَالَ: قرأَ المدنيُّون وَالْكُوفِيُّونَ إِلَّا عَاصِمًا: إنَّ هَذَانِ لَساحِران، وَرُوِيَ
عَنْ عَاصِمٍ أَنه قرأَ: إنْ هَذَانِ
، بِتَخْفِيفِ إنْ، وَرُوِيَ
عَنِ الْخَلِيلِ: إنْ هَذَانِ
، بِتَشْدِيدِ إِنَّ ونصْبِ هَذَيْنِ، قال أَبو إسحق: والحجةُ فِي إِنَّ هَذَانِ لساحِران، بِالتَّشْدِيدِ وَالرَّفْعِ، أَن أَبا عُبَيْدَةَ رَوَى عَنْ أَبي الْخَطَّابِ أَنه لغةٌ لكنانةَ، يَجْعَلُونَ أَلفَ الِاثْنَيْنِ فِي الرَّفْعِ وَالنَّصْبِ وَالْخَفْضِ عَلَى لَفْظٍ وَاحِدٍ، يَقُولُونَ: رأَيت الزَّيْدَانَ، وَرَوَى أَهلُ الْكُوفَةِ وَالْكِسَائِيُّ وَالْفَرَّاءُ: أَنها لغة لبني الحرث بْنِ كَعْبٍ، قَالَ: وَقَالَ النَّحْوِيُّونَ القُدَماء: هَاهُنَا هاءٌ مُضْمَرَةٌ، الْمَعْنَى: إِنَّهُ هذانِ لساحِران، قَالَ: وَقَالَ بَعْضُهُمْ إِنَّ فِي مَعْنَى نعَمْ كَمَا تَقَدَّمَ؛ وأَنشدوا لِابْنِ قَيْسِ الرُّقَيَّات:
بَكَرَتْ عليَّ عواذِلي ... يَلْحَيْنَنِي وأَلومُهُنَّهْ
ويَقُلْنَ: شَيْبٌ قدْ علّاكَ، ... وَقَدْ كَبِرْتَ، فقلتُ: إنَّهْ
. أَي إِنَّهُ قَدْ كَانَ كَمَا تَقُلْن؛ قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: وَهَذَا اختصارٌ مِنْ كَلَامِ الْعَرَبِ يُكتفى مِنْهُ بِالضَّمِيرِ لأَنه قَدْ عُلِم مَعْنَاهُ؛ وَقَالَ الْفَرَّاءُ فِي هَذَا: إِنَّهُمْ زَادُوا فِيهَا النونَ فِي التَّثْنِيَةِ وَتَرَكُوهَا عَلَى حَالِهَا فِي الرَّفْعِ وَالنَّصْبِ وَالْجَرِّ، كَمَا فعَلوا فِي الَّذِينَ فَقَالُوا الَّذِي، فِي الرَّفْعِ وَالنَّصْبِ وَالْجَرِّ، قَالَ: فَهَذَا جَمِيعُ مَا قَالَ النَّحْوِيُّونَ فِي الْآيَةِ؛ قال أَبو إسحق: وأَجودُها عِنْدِي أَن إِنَّ وَقَعَتْ مَوْقِعَ نَعَمْ، وأَن اللَّامَ وَقَعتْ موقِعَها، وأَنّ الْمَعْنَى نعَمْ هَذَانِ لَهُمَا سَاحِرَانِ، قَالَ: وَالَّذِي يَلِي هَذَا فِي الجَوْدَة مذهبُ بني كنانة وبَلْحَرِث بن كَعْبٍ، فأَما قراءةُ أَبي عَمْرٍو فَلَا أُجيزُها لأَنها خلافُ الْمُصْحَفِ، قَالَ: وأَستحسن قراءةَ عَاصِمٍ وَالْخَلِيلِ إنْ هَذَانِ لَساحِران. وَقَالَ غيرُه: الْعَرَبُ تَجْعَلُ الْكَلَامَ مُخْتَصَرًا مَا بعْدَه عَلَى إنَّه، وَالْمُرَادُ إِنَّهُ لَكَذَلِكَ، وَإِنَّهُ عَلَى مَا تَقُولُ، قَالَ: وأَما قَوْلُ الأَخفش إنَّه بِمَعْنَى نَعَمْ فَإِنَّمَا يُراد تأْويله لَيْسَ أَنه مَوْضُوعٌ فِي اللُّغَةِ لِذَلِكَ، قَالَ: وَهَذِهِ الْهَاءُ أُدْخِلت لِلسُّكُوتِ. وَفِي حَدِيثِ
فَضالة بْنِ شَريك: أَنه لقِيَ ابنَ الزُّبَيْرِ فَقَالَ: إِنَّ نَاقَتِي قَدْ نَقِبَ خفُّها فاحْمِلْني، فَقَالَ: ارْقَعْها بجِلدٍ واخْصِفْها بهُلْبٍ وسِرْ بِهَا البَرْدَين، فَقَالَ فَضالةُ: إِنَّمَا أَتَيْتُك مُسْتَحْمِلًا لَا مُسْتَوْصِفاً، لَا حَمَلَ اللَّهُ نَاقَةً حمَلتْني إِليك فَقَالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ: إِنَّ وراكِبَها
أَي نعَمْ مَعَ رَاكِبِهَا. وَفِي حَدِيثِ
لَقيط بْنِ عَامِرٍ: وَيَقُولُ رَبُّكَ عَزَّ وَجَلَّ وَإِنَّهُ
أَي وَإِنَّهُ كَذَلِكَ، أَو إِنَّهُ عَلَى مَا تَقُولُ، وَقِيلَ: إنَّ بِمَعْنَى نَعَمْ وَالْهَاءُ لِلْوَقْفِ، فأَما قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ
، وإِنَّا نَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ
، وَنَحْوُ ذَلِكَ فأَصله إنَّنا وَلَكِنْ حُذِفَت إِحْدَى النُّونَين مِنْ إنَّ تَخْفِيفًا، وَيَنْبَغِي أَن تكونَ الثانيةَ مِنْهُمَا لأَنها طرَفٌ، وَهِيَ أَضعف، وَمِنَ الْعَرَبِ مَنْ يُبْدِلُ هَمْزَتَها هَاءً مَعَ اللَّامِ كَمَا أَبدلوها فِي هَرَقْت، فَتَقُولُ: لَهِنَّك لَرَجُلُ صِدْقٍ، قَالَ سِيبَوَيْهِ: وَلَيْسَ كلُّ الْعَرَبِ تَتَكَلَّمُ بِهَا؛ قَالَ الشَّاعِرُ:
أَلا يَا سَنا بَرْقٍ عَلَى قُنَنِ الحِمَى، ... لَهِنّكَ مِنْ بَرْقٍ عليَّ كَرِيمُ
وحِكى ابْنُ الأَعرابي: هِنّك وواهِنّك، وَذَلِكَ عَلَى الْبَدَلِ أَيضاً. التَّهْذِيبُ فِي إِنَّمَا: قَالَ النَّحْوِيُّونَ أَصلها مَا مَنَعت إنَّ مِنَ الْعَمَلِ، وَمَعْنَى إِنَّمَا إثباتٌ لِمَا يُذْكَرُ بَعْدَهَا ونفيٌ لِمَا سِوَاهُ كَقَوْلِهِ:
وَإِنَّمَا يُدافعُ عَنْ أَحسابهم أَنا ومِثْلي
الْمَعْنَى: مَا يُدافع عَنْ أَحسابِهم إِلَّا أَنا أَو مَنْ هُوَ مِثْلي، وأَنَّ: كَإِنَّ فِي التأْكيد، إِلَّا أَنها تَقَعُ مَوْقِعَ الأَسماء وَلَا تُبْدَل همزتُها هَاءً، وَلِذَلِكَ قَالَ سِيبَوَيْهِ: وَلَيْسَ أَنَّ كإنَّ، إنَّ كالفِعْلِ، وأَنَ كالاسْمِ، وَلَا تَدْخُلُ اللامُ مَعَ الْمَفْتُوحَةِ؛ فأَما قِرَاءَةُ.
[ لسان العرب: 13/ 30-32]

وَإِنْ ثَنَّيْتَ ذَا قُلْتَ ذانِ لأَنه لَا يَصِحُّ اجْتِمَاعُهُمَا لِسُكُونِهِمَا فتَسْقُط إِحْدَى الأَلفين، فَمَنْ أَسقط أَلف ذَا قرأَ إنَّ هذَينِ لَساحِرانِ فأَعْرَبَ، وَمَنْ أَسقط أَلف التَّثْنِيَةِ قرأَ
إنَّ هذانِ لساحِرانِ
لأَن أَلف ذَا لَا يَقَعُ فِيهَا إِعْرَابٌ، وَقَدْ قِيلَ: إِنَّهَا على لغة بَلْحَرِثِ ابن كَعْبٍ، قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ عِنْدَ قَوْلِ الْجَوْهَرِيِّ: مَنْ أَسقط أَلف التَّثْنِيَةِ قرأَ
إنَّ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ
، قَالَ: هَذَا وَهْمٌ مِنَ الْجَوْهَرِيِّ لأَن أَلف التَّثْنِيَةِ حَرْفٌ زِيدَ لِمَعْنًى، فَلَا يَسْقُطُ وَتَبْقَى الأَلف الأَصلية كَمَا لَمْ يَسقُط التَّنْوِينُ فِي هَذَا قاضٍ وَتَبْقَى الْيَاءُ الأَصلية، لأَن التَّنْوِينَ زيدَ لِمَعْنًى فَلَا يَصِحُّ حَذْفُهُ، قَالَ: وَالْجَمْعُ أُولاء مِنْ غَيْرِ لَفْظِهِ، فَإِنْ خاطبْتَ جئْتَ بِالْكَافِ فَقُلْتَ ذاكَ وَذَلِكَ، فَاللَّامُ ائِدَةٌ وَالْكَافُ لِلْخِطَابِ، وَفِيهَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مَا يُومأُ إِليه بَعِيدٌ وَلَا مَوْضِعَ لَهَا مِنَ الإِعراب، وتُدْخِلُ الْهَاءَ عَلَى ذَاكَ فَتَقُولُ هَذَاكَ زَيدٌ، وَلَا تُدْخِلُها عَلَى ذَلِكَ وَلَا عَلَى أُولئك كَمَا لَمْ تَدْخُل عَلَى تلْكَ، وَلَا تَدْخُل الكافُ عَلَى ذِي لِلْمُؤَنَّثِ، وَإِنَّمَا تَدْخُلُ عَلَى تَا، تَقُولُ تِيكَ وتِلْك، وَلَا تَقُلْ ذِيك فإِنه خطأٌ، وَتَقُولُ فِي التَّثْنِيَةِ: رأَيت ذَيْنِكَ الرِّجُلين، وَجَاءَنِي ذانِكَ الرَّجُلانِ، قَالَ: وَرُبَّمَا قَالُوا ذانِّك، بِالتَّشْدِيدِ. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: مِنَ النَّحْوِيِّينَ مَنْ يَقُولُ ذانِّك، بِتَشْدِيدِ النُّونِ، تَثْنِيةَ ذَلِكَ قُلِبَتِ اللَّامُ نُونًا وأُدْغِمَت النُّونُ فِي النُّونِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ تشديدُ النُّونِ عِوضٌ مِنَ الأَلف الْمَحْذُوفَةِ مِنْ ذَا، وَكَذَلِكَ يَقُولُ فِي اللذانِّ إِنَّ تَشْدِيدَ النُّونِ عِوَضٌ مِنَ الْيَاءِ الْمَحْذُوفَةِ مِنَ الَّذِي، قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: وَإِنَّمَا شَدَّدُوا النُّونَ فِي ذَلِكَ تأْكيداً وَتَكْثِيرًا لِلِاسْمِ لأَنه بَقِيَ عَلَى حَرْفٍ وَاحِدٍ كَمَا أَدخلوا اللَّامَ عَلَى ذَلِكَ، وَإِنَّمَا يَفْعَلُونَ مِثْلَ هَذَا فِي الأَسماء المُبْهَمة لِنُقْصَانِهَا، وَتَقُولُ لِلْمُؤَنَّثِ تانِكَ وتانِّك أَيضاً، بِالتَّشْدِيدِ، وَالْجَمْعُ أُولئك، وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُ حُكْمِ الْكَافِ فِي تَا، وَتَصْغِيرُ ذَاكَ ذَيّاك وَتَصْغِيرُ ذَلِكَ ذَيّالِك؛ وَقَالَ بَعْضُ الْعَرَبِ وقَدِمَ مِنْ سَفَره فَوَجَدَ امرأَته قَدْ وَلَدَتْ غُلَامًا فأَنكره فَقَالَ لَهَا:
لَتَقْعُدِنَّ مَقْعَدَ القَصِيِّ ... مِنِّي ذِي القاذُورةِ المَقْلِيِ
أَو تَحْلِفِي برَبِّكِ العَلِيِّ ... أَنِّي أَبو ذَيّالِكِ الصَّبيِ
قَدْ رابَني بالنَّظَر التُّرْكِيِّ، ... ومُقْلةٍ كمُقْلَةِ الكُرْكِيِ
فَقَالَتْ:
لَا وَالَّذِي رَدَّكَ يَا صَفِيِّي، ... مَا مَسَّني بَعْدَك مِن إنْسِيِ
غيرِ غُلامٍ واحدٍ قَيْسِيِّ، ... بَعْدَ امرأَيْنِ مِنْ بَني عَدِيِ
وآخَرَيْنِ مِنْ بَني بَلِيِّ، ... وَخَمْسَةٍ كَانُوا عَلَى الطَّوِيِ
وسِتَّةٍ جاؤوا مَعَ العَشِيِّ، ... وغيرِ تُرْكِيٍّ وبَصْرَوِيِ
وَتَصْغِيرُ تِلْك تَيَّاكَ؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: صَوَابُهُ تَيّالِكَ، فأَما تَيّاك فَتَصْغِيرُ تِيك. وَقَالَ ابْنُ سِيدَهْ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: ذَا إِشارة إِلى الْمُذَكَّرِ، يُقَالُ ذَا وَذَاكَ، وَقَدْ تُزَادُ اللَّامُ فَيُقَالُ ذَلِكَ. وَقَوْلُهُ تَعَالَى: ذلِكَ الْكِتابُ
؛ قَالَ الزَّجَّاجُ: مَعْنَاهُ هَذا الكتابُ، وَقَدْ تَدْخُلُ عَلَى ذَا هَا الَّتِي للتَّنْبِيه فَيُقَالُ هَذا، قَالَ أَبو عَلِيٍّ: وأَصله ذَيْ فأَبدلوا يَاءَهُ أَلفاً، وَإِنْ كَانَتْ سَاكِنَةً، وَلَمْ يَقُولُوا ذَيْ لِئَلَّا يُشْبِهَ كَيْ وأَيْ، فأَبدلوا يَاءَهُ أَلفاً لِيلْحَقَ بِبَابِ مَتَى وَإِذْ أَو يَخْرُجَ مِنْ شَبَه الحَرْفِ بعضَ الخُروج. وَقَوْلُهُ تَعَالَى:
إنَّ هَذانِ لَساحِرانِ
؛ قَالَ الْفَرَّاءُ: أَراد يَاءَ النَّصْبِ ثُمَّ حَذَفَهَا لِسُكُونِهَا وَسُكُونِ الأَلف قَبْلَها، وَلَيْسَ ذَلِكَ بِالْقَوِيِّ، وذلِك أَن الْيَاءَ هِيَ الطَّارِئَةُ عَلَى الأَلف فَيَجِبُ أَن تُحْذَفَ الأَلف لِمَكَانِهَا، فأَما مَا أَنشده اللِّحْيَانِيُّ عَنِ الْكِسَائِيِّ لِجَمِيلٍ مِنْ قَوْلِهِ:
وأَتَى صَواحِبُها فَقُلْنَ: هَذَا الَّذي ... مَنَحَ المَوَدَّةَ غَيْرَنا وجَفانا
فإِنه أَراد أَذا الَّذِي، فأَبدل الْهَاءَ مِنَ الْهَمْزَةِ. وَقَدِ استُعْمِلت ذَا مَكَانَ الَّذِي كَقَوْلِهِ تعالى: وَيَسْئَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ
؛ أَي مَا الَّذِي يُنْفِقُونَ فِيمَنْ رَفَعَ الْجَوَابَ فَرَفْعُ العَفْوِ يَدُلُّ عَلَى أَن مَا مَرْفُوعَةٌ بِالِابْتِدَاءِ وَذَا خَبَرُهَا ويُنْفِقُون صِلةُ ذَا، وأَنه لَيْسَ مَا وَذَا جَمِيعًا كَالشَّيْءِ الْوَاحِدِ، هَذَا هُوَ الْوَجْهُ عِنْدَ سِيبَوَيْهِ، وإِن كَانَ قَدْ أَجاز الوجهَ الْآخَرَ مَعَ الرَّفْعِ. وَذِي، بِكَسْرِ الذَّالِ، لِلْمُؤَنَّثِ وَفِيهِ لُغاتٌ: ذِي وذِهْ، الْهَاءُ بَدَلٌ مِنَ الْيَاءِ، الدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُمْ فِي تَحْقِيرِ ذَا ذَيّا، وذِي إِنَّمَا هِيَ تأْنيث ذَا وَمِنْ لَفْظِهِ، فَكَمَا لَا تَجِب الْهَاءُ فِي الْمُذَكَّرِ أَصلًا فَكَذَلِكَ هِيَ أَيضاً فِي الْمُؤَنَّثِ بَدَلٌ غيرُ أَصْلٍ، وَلَيْسَتِ الْهَاءُ فِي هَذِه وَإِنِ اسْتُفِيدَ مِنْهَا التأْنيث بِمَنْزِلَةِ هَاءِ طَلْحَة وحَمْزَة لأَن الْهَاءَ فِي طَلْحَةَ وَحَمْزَةَ زَائِدَةٌ، وَالْهَاءُ فِي هَذا لَيْسَتْ بِزَائِدَةٍ إِنما هِيَ بَدَلٌ مِنَ الْيَاءِ الَّتِي هِيَ عَيْنُ الْفِعْلِ فِي هَذِي، وأَيضاً فإِنَّ الْهَاءَ فِي حَمْزَةَ نَجِدُهَا فِي الْوَصْلِ تَاءً وَالْهَاءُ فِي هَذِهِ ثابِتةٌ فِي الْوَصْلِ ثَباتَها فِي الْوَقْفِ. وَيُقَالُ: ذِهِي، الْيَاءُ لِبَيَانِ الْهَاءِ شَبَّهَهَا بِهَاءِ الإِضمار فِي بِهِي وهَذِي وهَذِهِي وهَذِهْ، الْهَاءُ فِي الْوَصْلِ وَالْوَقْفِ ساكنةٌ إِذا لَمْ يَلْقَهَا سَاكِنٌ، وَهَذِهِ كُلُّهَا فِي مَعْنَى ذِي؛ عَنِ ابْنِ الأَعرابي؛ وأَنشد:
قُلْتُ لَها: يَا هَذِهي هَذَا إِثِمْ، ... هَلْ لَكِ فِي قاضٍ إِلَيْهِ نَحْتَكِمْ؟
وَيُوصَلُ ذَلِكَ كُلُّهُ بِكَافِ الْمُخَاطَبَةِ. قَالَ ابْنُ جِنِّي: أَسماء الإِشارة هَذا وهذِه لَا يَصِحُّ تَثْنِيَةُ شَيْءٍ مِنْهَا مِنْ قِبَلِ أَنَّ التَّثْنِيَةَ لَا تَلْحَقُ إِلا النَّكِرَةَ، فَمَا لَا يَجُوزُ تَنْكِيرُهُ فَهُوَ بأَن لَا تَصِحَّ تَثْنِيَتُهُ أَجْدَرُ، فأَسْماء الإِشارة لَا يَجُوزُ أَن تُنَكَّر فَلَا يَجُوزُ أَن يُثَنَّى شَيْءٌ مِنْهَا، أَلا تَرَاهَا بَعْدَ التَّثْنِيَةِ عَلَى حَدِّ مَا كَانَتْ عَلَيْهِ قَبْلَ التَّثْنِيَةِ، وَذَلِكَ نَحْوَ قَوْلِكَ هَذانِ الزَّيْدانِ قائِمَيْن، فَنَصْبُ قائِمَيْن بِمَعْنَى الْفِعْلِ الَّذِي دَلَّتْ عَلَيْهِ الإِشارةُ والتنبيهُ، كَمَا كُنْتَ تَقُولُ فِي الْوَاحِدِ هَذَا زَيْدٌ قَائِمًا، فَتَجِدُ الْحَالَ وَاحِدَةً قَبْلَ التثنيةِ وَبَعْدَهَا، وَكَذَلِكَ قَوْلُكَ ضَرَبْتُ اللَّذَيْنِ قَامَا، تَعرَّفا بِالصِّلَةِ كَمَا يَتَعَرَّفُ بِهَا الْوَاحِدُ كَقَوْلِكَ ضَرَبْتُ الَّذِي قامَ، والأَمر فِي هَذِهِ الأَشياء بَعْدَ التَّثْنِيَةِ هُوَ الأَمر فِيهَا قَبْلَ التَّثْنِيَةِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ سائرُ الأَسماء الْمُثَنَّاةِ نَحْوَ زَيْدٍ وَعَمْرٍو، أَلا تَرَى أَن تَعْرِيفَ زَيْدٍ وَعَمْرٍو إِنما هُوَ بِالْوَضْعِ وَالْعَلَمِيَّةِ؟ فإِذا ثَنَّيْتَهُمَا تَنَكَّرَا فَقُلْتَ عِنْدِي عَمْرانِ عاقِلانِ، فإِن آثَرْتَ التَّعْرِيفَ بالإِضافة أَو بِاللَّامِ فَقُلْتَ الزَّيْدانِ والعَمْرانِ وزَيْداكَ وعَمْراكَ، فَقَدْ تَعَرَّفا بَعْدَ التَّثْنِيَةِ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ تَعَرُّفِهما قَبْلَهَا ولَحِقا بالأَجْناسِ وفارَقا مَا كَانَا عَلَيْهِ مِنْ تَعْرِيفِ العَلَمِيَّةِ والوَضْعِ، فإِذا صَحَّ ذَلِكَ فَيَنْبَغِي أَن تعلمَ أَنَّ هذانِ وهاتانِ إِنما هِيَ أَسماء مَوْضُوعَةٌ لِلتَّثْنِيَةِ مُخْتَرعة لَهَا، وَلَيْسَتْ تَثْنِيَةً لِلْوَاحِدِ عَلَى حَدِّ زَيْدٍ وزَيْدانِ، إِلا أَنها صِيغت عَلَى صُورَةِ مَا هُوَ مُثَنًّى عَلَى الْحَقِيقَةِ فَقِيلَ هذانِ وهاتانِ لِئَلَّا تَخْتَلِفَ التَّثْنِيَةُ، وَذَلِكَ أَنهم يُحافِظون عَلَيْهَا مَا لَا يُحافِظون عَلَى الْجَمْعِ، أَلا تَرَى أَنك تَجِدُ فِي الأَسماء الْمُتَمَكِّنَةِ أَلفاظَ الجُموع مِنْ غَيْرِ أَلفاظِ الْآحَادِ، وَذَلِكَ نَحْوَ رَجُلٍ ونَفَرٍ وامرأَةٍ ونِسْوة وبَعير وإِبلٍ وَوَاحِدٍ وجماعةٍ، وَلَا تَجِدُ فِي التَّثْنِيَةِ شَيْئًا مِنْ هَذَا، إِنَّمَا هِيَ مِنْ لَفْظِ الْوَاحِدِ نَحْوَ زَيْدٍ وَزَيْدَيْنِ وَرَجُلٍ وَرَجُلَيْنِ لَا يَخْتَلِفُ ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ أَيضاً كَثِيرٌ مِنَ الْمَبْنِيَّاتِ عَلَى أَنها أَحق بِذَلِكَ مِنَ الْمُتَمَكِّنَةِ، وَذَلِكَ نَحْوَ ذَا وأُولَى وأُلات وذُو وأُلُو، وَلَا تَجِدُ ذَلِكَ فِي تَثْنِيَتِهَا نَحْوَ ذَا وذانِ وذُو وذَوانِ، فَهَذَا يَدُلُّكَ عَلَى مُحَافَظَتِهِمْ عَلَى التَّثْنِيَةِ وَعِنَايَتِهِمْ بِهَا، أَعني أَن تَخْرُجَ عَلَى صُورَةٍ وَاحِدَةٍ لِئَلَّا تَخْتَلِفَ، وأَنهم بِهَا أَشدُّ عِناية مِنْهُمْ بِالْجَمْعِ، وَذَلِكَ لَمَّا صِيغَتْ لِلتَّثْنِيَةِ أَسْماء مُخْتَرَعة غَيْرُ مُثناة عَلَى الْحَقِيقَةِ كَانَتْ عَلَى أَلفاظ المُثناة تَثْنِيةً حَقِيقَةً، وَذَلِكَ ذانِ وتانِ، وَالْقَوْلُ فِي اللَّذانِ واللَّتانِ كَالْقَوْلِ فِي ذانِ وتانِ. قَالَ ابْنُ جِنِّي: فأَما قَوْلُهُمْ هذانِ وهاتانِ وَفَذَانِكَ فإِنما تُقْلَبُ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ لأَنهم عَوَّضوا مِنْ حَرْفٍ مَحْذُوفٍ، وأَما فِي هذانِ فَهِيَ عِوَضٌ مِنْ أَلف ذَا، وَهِيَ فِي ذانِك عِوَضٌ مِنْ لَامِ ذَلِكَ، وَقَدْ يَحْتَمِلُ أَيضاً أَن تَكُونَ عِوَضًا مِنْ أَلف ذَلِكَ، وَلِذَلِكَ كُتِبَتْ فِي التَّخْفِيفِ بِالتَّاءِ «2» لأَنها حِينَئِذٍ مُلْحَقَةٌ بدَعْد، وإِبدال التَّاءِ مِنَ الْيَاءِ قَلِيلٌ، إِنما جَاءَ فِي قَوْلِهِمْ كَيْتَ وكَيْتَ، وَفِي قَوْلِهِمْ ثِنْتَانِ، وَالْقَوْلُ فِيهِمَا كَالْقَوْلِ فِي كَيْتَ وَكَيْتَ، وَهُوَ مَذْكُورٌ فِي مَوْضِعِهِ. وَذَكَرَ الأَزهري فِي تَرْجَمَةِ حَبَّذا قَالَ: الأَصل حَبُبَ ذَا فأُدغمت إِحدى الباءَين فِي الأُخرى وشُدِّدت، وَذَا إِشارة إِلى مَا يَقْرُبُ مِنْكَ؛ وأَنشد بَعْضُهُمْ:
حَبَّذا رَجْعُها إِلَيْكَ يَدَيْها ... فِي يَدَيْ دِرْعِها تَحُلُّ الإِزارا
كأَنه قَالَ: حَبُبَ ذَا، ثُمَّ تَرْجَمَ عَنْ ذَا فَقَالَ: هُوَ رَجْعُها يَدَيْها إِلى حَلّ تِكَّتها أَي مَا أَحَبَّه، ويَدا دِرْعِها: كُمَّاها. وَفِي صِفَةِ الْمَهْدِيِّ: قُرَشِيٌّ يَمانٍ لَيْسَ مِن ذِي وَلَا ذُو أَي لَيْسَ نَسَبُه نَسَبَ أَذْواء الْيَمَنِ، وَهُمْ مُلوكُ حِمْيَرَ، مِنْهُمْ ذُو يَزَنَ وذُو رُعَيْنٍ؛ وَقَوْلُهُ: قرشيٌّ يَمانٍ أَي قُرَشِيُّ النَّسَب يَمانِي المَنْشإ؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: وَهَذِهِ الْكَلِمَةُ عَيْنُهَا وَاوٌ، وَقِيَاسُ لَامِهَا أَن تَكُونَ يَاءً لأَن بَابَ طَوَى أَكثر مِنْ بَابِ قَوِيَ؛ وَمِنْهُ حَدِيثُ
جَرِيرٍ: يَطْلُع عَلَيْكُمْ رَجل مِنْ ذِي يَمَنٍ عَلَى وجْهِه مَسْحة مِنْ ذِي مَلَكٍ
؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: كَذَا أَورده أَبو عُمَر الزَّاهِدُ وَقَالَ ذِي هَاهُنَا صِلة أَي زائدة.
تَفْسِيرُ ذَاكَ وَذَلِكَ
: التَّهْذِيبُ: قَالَ أَبو الْهَيْثَمِ إِذا بَعُدَ المُشارُ إِليه مِنَ المُخاطَب وَكَانَ المُخاطِبُ بَعِيداً مِمَّنْ يُشِيرُ إِليه زَادُوا كَافًا فَقَالُوا ذَاكَ أَخُوك، وَهَذِهِ الْكَافُ لَيْسَتْ فِي مَوْضِعِ خَفْضٍ وَلَا نَصْبٍ، إِنما أَشبهت كافَ قَوْلِكَ أَخاك وَعَصَاكَ فَتَوَهَّمَ السَّامِعُونَ أَن قَوْلَ الْقَائِلِ ذَاكَ أَخوك كأَنها فِي مَوْضِعِ خَفْضٍ لإِشْباهِها كافَ أَخاك، وَلَيْسَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، إِنما تِلْكَ كَافٌ ضُمت إِلى ذَا لبُعْد ذَا مِنَ الْمُخَاطَبِ، فَلَمَّا دَخَلَ فِيهَا هَذَا اللَّبْسُ زَادُوا فِيهَا لَامًا فَقَالُوا ذَلِكَ أَخُوك، وَفِي الْجَمَاعَةِ أُولئك إِخْوَتُك، فإِن اللَّامَ إِذا دَخَلَتْ ذَهَبَتْ بِمَعْنَى الإِضافة، وَيُقَالُ: هَذَا أَخُوك وَهَذَا أَخٌ لَكَ وَهَذَا لَكَ أَخٌ، فإِذا أَدخلت اللَّامَ فَلَا إِضافة. قَالَ أَبو الْهَيْثَمِ: وَقَدْ أَعلمتك أَنَّ الرَّفْعَ وَالنَّصْبَ وَالْخَفْضَ فِي قَوْلِهِ ذَا سَوَاءٌ، تَقُولُ: مَرَرْتُ بِذَا ورأَيت ذَا وَقَامَ ذَا، فَلَا يَكُونُ فِيهَا عَلَامَةُ رَفْعِ الإِعراب وَلَا خَفْضِهِ وَلَا نَصْبِهِ لأَنه غَيْرُ مُتَمَكِّنٍ، فَلَمَّا ثنَّوا زَادُوا فِي التَّثْنِيَةِ نُونًا وأَبْقَوُا الأَلف فَقَالُوا ذانِ أَخَواك وذانِك أَخَواك؛ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: فَذانِكَ بُرْهانانِ مِنْ رَبِّكَ؛ وَمِنَ الْعَرَبِ مَنْ يشدِّد هَذِهِ النُّونَ فَيَقُولُ ذانِّكَ أَخَواكَ، قَالَ: وَهُمُ الَّذِينَ يَزِيدُونَ اللَّامَ فِي ذَلِكَ فَيَقُولُونَ ذَلِكَ، فَجَعَلُوا هَذِهِ التَّشْدِيدَةَ بَدَلَ اللَّامِ؛ وأَنشد الْمُبَرِّدُ فِي بَابِ ذَا الَّذِي قَدْ مَرَّ آنِفاً:
أَمِنْ زَيْنَبَ ذِي النارُ، ... قُبَيْلَ الصُّبْحِ مَا تَخْبُو
إِذا مَا خَمَدَتْ يُلقى، ... عَلَيها، المَنْدَلُ الرَّطْبُ
قَالَ أَبو الْعَبَّاسِ: ذِي مَعْنَاهُ ذِهْ. يُقَالُ: ذَا عَبْدُ اللَّهِ وَذِي أَمَةُ اللهِ وذِهْ أَمَةُ اللهِ وتِهْ أَمَةُ اللَّهِ وَتَّا أَمَة اللهِ، قَالَ: وَيُقَالُ هَذي هِنْدُ وهاتِه هِندُ وَهَاتَا هِندُ، عَلَى زِيَادَةِ هَا التَّنْبيه، قَالَ: وإِذا صَغَّرْت ذِه قُلْتَ تَيّا تَصْغِيرَ تِه أَو تَا، وَلَا تُصَغَّر ذِهِ عَلَى لَفْظِهَا لأَنك إِذا صغرت ذا قلت ذَيّا، ولو صغرت
مَحْذُوفٍ، وأَما فِي هذانِ فَهِيَ عِوَضٌ مِنْ أَلف ذَا، وَهِيَ فِي ذانِك عِوَضٌ مِنْ لَامِ ذَلِكَ، وَقَدْ يَحْتَمِلُ أَيضاً أَن تَكُونَ عِوَضًا مِنْ أَلف ذَلِكَ، وَلِذَلِكَ كُتِبَتْ فِي التَّخْفِيفِ بِالتَّاءِ «2» لأَنها حِينَئِذٍ مُلْحَقَةٌ بدَعْد، وإِبدال التَّاءِ مِنَ الْيَاءِ قَلِيلٌ، إِنما جَاءَ فِي قَوْلِهِمْ كَيْتَ وكَيْتَ، وَفِي قَوْلِهِمْ ثِنْتَانِ، وَالْقَوْلُ فِيهِمَا كَالْقَوْلِ فِي كَيْتَ وَكَيْتَ، وَهُوَ مَذْكُورٌ فِي مَوْضِعِهِ.
[ لسان العرب: 15/ 449-453]

قال شرف الدين الحسين بن عبد الله الطيبي (ت: 743 هـ):
قرأ أبو عمرو (إِنْ هذانِ لَساحِرانِ) على الجهة الظاهرة المكشوفة. وابن كثير وحفص: (إن هذان لساحران)، على قولك: إن زيد لمنطلق. واللام هي الفارقة بين (إن) النافية والمخففة من الثقيلة.
وقرأ أبىّ: (إن ذان إلا ساحران). وقرأ ابن مسعود: (أن هذان ساحران): بفتح (أن) وبغير لام، بدل من (النجوى). وقيل في القراءة المشهورة (إِنْ هذانِ لَساحِرانِ) هي لغة بلحارث بن كعب، جعلوا الاسم المثنى نحو الأسماء التي آخرها ألف، كعصا وسعدى، فلم يقلبوها ياء في الجر والنصب.
وقال بعضهم: "إِنْ" بمعنى نعم. و (ساحِرانِ) خبر مبتدأ محذوف، واللام داخلة على الجملة تقديره: لهما ساحران. وقد أعجب به أبو إسحاق.

[ حاشية الطيبي على الكشاف: 10/ 197-199]


قال أبو حيان محمد بن يوسف الأندلسي (ت: 745هـ):
وقَرَأ أبُو جَعْفَرٍ والحَسَنُ وشَيْبَةُ والأعْمَشُ وطَلْحَةُ وحُمَيْدٌ وأيُّوبُ وخَلَفٌ في اخْتِيارِهِ وأبُو عُبَيْدٍ وأبُو حاتِمٍ وابْنُ عِيسى الأصْبَهانِيُّ وابْنُ جَرِيرٍ وابْنُ جُبَيْرٍ الأنْطاكِيُّ والأخَوانِ والصّاحِبانِ مِنَ السَّبْعَةِ (إنَّ) بِتَشْدِيدِ النُّونِ (هَذانِ) بِألِفٍ ونُونٍ خَفِيفَةٍ ﴿لَساحِرانِ﴾ واخْتُلِفَ في تَخْرِيجِ هَذِهِ القِراءَةِ. فَقالَ القُدَماءُ مِنَ النُّحاةِ إنَّهُ عَلى حَذْفِ ضَمِيرِ الشَّأْنِ، والتَّقْدِيرُ إنَّهُ هَذانِ لَساحِرانِ، وخَبَرُ (إنَّ) الجُمْلَةُ مِن قَوْلِهِ (هَذانِ لَساحِرانِ) واللّامُ في ﴿لَساحِرانِ﴾ داخِلَةٌ عَلى خَبَرِ المُبْتَدَأِ، وضُعِّفَ هَذا القَوْلُ بِأنَّ حَذْفَ هَذا الضَّمِيرِ لا يَجِيءُ إلّا في الشِّعْرِ، وبِأنَّ دُخُولَ اللّامِ في الخَبَرِ شاذٌّ.
وقالَ الزَّجّاجُ: اللّامُ لَمْ تَدْخُلْ عَلى الخَبَرِ بَلِ التَّقْدِيرُ لَهُما ساحِرانِ فَدَخَلَتْ عَلى المُبْتَدَأِ المَحْذُوفِ، واسْتَحْسَنَ هَذا القَوْلَ شَيْخُهُ أبُو العَبّاسِ المُبَرِّدُ والقاضِي إسْماعِيلُ بْنُ إسْحاقَ بْنِ حَمّادِ بْنِ زَيْدٍ. وقِيلَ: (ها) ضَمِيرُ القِصَّةِ ولَيْسَ مَحْذُوفًا، وكانَ يُناسِبُ عَلى هَذا أنْ تَكُونَ مُتَّصِلَةً في الخَطِّ فَكانَتْ كِتابَتُها ﴿إنْ هَذانِ لَساحِرانِ﴾ وضُعِّفَ ذَلِكَ مِن جِهَةِ مُخالَفَتِهِ خَطَّ المُصْحَفِ. وقِيلَ (إنْ) بِمَعْنى نَعَمْ، وثَبَتَ ذَلِكَ في اللُّغَةِ فَتُحْمَلُ الآيَةُ عَلَيْهِ و﴿هَذانِ لَساحِرانِ﴾ مُبْتَدَأٌ وخَبَرٌ، واللّامُ في ﴿لَساحِرانِ﴾ عَلى ذَيْنَكِ التَّقْدِيرَيْنِ في هَذا التَّخْرِيجِ، والتَّخْرِيجُ الَّذِي قَبْلَهُ، وإلى هَذا ذَهَبَ المُبَرِّدُ وإسْماعِيلُ بْنُ إسْحاقَ وأبُو الحَسَنِ الأخْفَشُ الصَّغِيرُ، والَّذِي نَخْتارُهُ في تَخْرِيجِ هَذِهِ القِراءَةِ أنَّها جاءَتْ عَلى لُغَةِ بَعْضِ العَرَبِ مِن إجْراءِ المُثَنّى بِالألِفِ دائِمًا وهي لُغَةٌ لِكِنانَةَ، حَكى ذَلِكَ أبُو الخَطّابِ، ولِبَنِي الحارِثِ بْنِ كَعْبٍ، وخَثْعَمٍ وزُبَيْدٍ وأهْلِ تِلْكَ النّاحِيَةِ، حُكِيَ ذَلِكَ عَنِ الكِسائِيِّ، ولِبَنِي العَنْبَرِ وبَنِي الهُجَيْمِ ومُرادٍ وعُذْرَةَ. وقالَ أبُو زَيْدٍ: سَمِعْتُ مِنَ العَرَبِ مَن يَقْلِبُ كُلَّ ياءٍ يَنْفَتِحُ ما قَبْلَها ألِفًا.
وقَرَأ أبُو بَحْرِيَّةَ وأبُو حَيْوَةَ والزُّهْرِيُّ وابْنُ مُحَيْصِنٍ وحُمَيْدٌ وابْنُ سَعْدانَ وحَفْصٌ وابْنُ كَثِيرٍ (إنْ) بِتَخْفِيفِ النُّونِ هَذا بِالألِفِ، وشَدَّدَ نُونَ ﴿هَذانِ﴾ ابْنُ كَثِيرٍ، وتَخْرِيجُ هَذِهِ القِراءَةِ واضِحٌ وهو عَلى أنَّ (إنْ) هي المُخَفَّفَةُ مِنَ الثَّقِيلَةِ و(هَذانِ) مُبْتَدَأٌ و﴿لَساحِرانِ﴾ الخَبَرُ واللّامُ لِلْفَرْقِ بَيْنَ إنِ النّافِيَةِ وإنِ المُخَفِّفَةِ مِنَ الثَّقِيلَةِ عَلى رَأْيِ البَصْرِيِّينَ، والكُوفِيُّونَ يَزْعُمُونَ أنَّ: (إنْ) نافِيَةٌ واللّامُ بِمَعْنى إلّا. وقَرَأتْ فِرْقَةٌ: إنْ ذانِ لَساحِرانِ، وتَخْرِيجُها كَتَخْرِيجِ القِراءَةِ الَّتِي قَبْلَها، وقَرَأتْ عائِشَةُ والحَسَنُ والنَّخَعِيُّ والجَحْدَرِيُّ والأعْمَشُ وابْنُ جُبَيْرٍ وابْنُ عُبَيْدٍ وأبُو عَمْرٍو (إنَّ هَذَيْنِ) بِتَشْدِيدِ نُونِ إنَّ وبِالياءِ في هَذَيْنِ بَدَلَ الألِفِ، وإعْرابُ هَذا واضِحٌ إذْ جاءَ عَلى المَهْيَعِ المَعْرُوفِ في التَّثْنِيَةِ لِقَوْلِهِ ﴿فَذانِكَ بُرْهانانِ﴾ [القصص: ٣٢] ﴿إحْدى ابْنَتَيَّ هاتَيْنِ﴾ [القصص: ٢٧] بِالألِفِ رَفْعًا والياءِ نَصْبًا وجَرًّا. وقالَ الزَّجّاجُ: لا أُجِيزُ قِراءَةَ أبِي عَمْرٍو لِأنَّها خِلافُ المُصْحَفِ. وقالَ أبُو عُبَيْدٍ: رَأيْتُها في الإمامِ مُصْحَفِ عُثْمانَ هَذَنِ لَيْسَ فِيها ألِفٌ، وهَكَذا رَأيْتُ رَفْعَ الِاثْنَيْنِ في ذَلِكَ المُصْحَفِ بِإسْقاطِ الألِفِ، وإذا كَتَبُوا النَّصْبَ والخَفْضَ كَتَبُوهُ بِالياءِ ولا يُسْقِطُونَها، وقالَتْ جَماعَةٌ مِنهم عائِشَةُ وأبُو عَمْرٍو: هَذا مِمّا لَحَنَ الكاتِبُ فِيهِ وأُقِيمَ بِالصَّوابِ.
وقَرَأ عَبْدُ اللَّهِ (إنْ ذانِ إلّا ساحِرانِ) قالَهُ ابْنُ خالَوَيْهِ وعَزاها الزَّمَخْشَرِيُّ لِأُبَيٍّ. وقالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: (أنْ هَذانِ ساحِرانِ) بِفَتْحِ أنْ وبِغَيْرِ لامٍ بَدَلٌ مِنَ ﴿النَّجْوى﴾ انْتَهى. وقَرَأتْ فِرْقَةٌ (ما هَذا إلّا ساحِرانِ)، وقَوْلُهم ﴿يُرِيدانِ أنْ يُخْرِجاكم مِن أرْضِكم بِسِحْرِهِما﴾ تَبِعُوا فِيهِ مَقالَةَ فِرْعَوْنَ ﴿أجِئْتَنا لِتُخْرِجَنا مِن أرْضِنا بِسِحْرِكَ﴾ [طه: ٥٧] ونَسَبُوا السِّحْرَ أيْضًا لِهارُونَ لَمّا كانَ مَشْتَرِكًا مَعَهُ في الرِّسالَةِ وسالِكًا طَرِيقَتَهُ، وعَلَّقُوا الحُكْمَ عَلى الإرادَةِ وهم لا اطِّلاعَ لَهم عَلَيْها تَنْقِيصًا لَهُما وحَطًّا مِن قَدْرِهِما، وقَدْ كانَ ظَهَرَ لَهم مِن أمْرِ اليَدِ والعَصا ما يَدُلُّ عَلى صِدْقِهِما، وعَلِمُوا أنَّهُ لَيْسَ في قُدْرَةِ السّاحِرِ أنْ يَأْتِيَ بِمِثْلِ ذَلِكَ، والظّاهِرُ أنَّ الضَّمِيرَ في ﴿قالُوا﴾ عائِدٌ عَلى السَّحَرَةِ، خاطَبَ بَعْضُهم بَعْضًا. وقِيلَ: خاطَبُوا فِرْعَوْنَ مُخاطَبَةَ التَّعْظِيمِ، والطَّرِيقَةُ السِّيرَةُ والمَمْلَكَةُ والحالُ الَّتِي هم عَلَيْها مُخَالَفَتِهِ خَطَّ الْمُصْحَفِ. وَقِيلَ إِنْ بِمَعْنَى نَعَمْ، وَثَبَتَ ذَلِكَ فِي اللُّغَةِ فَتُحْمَلُ الآية عليه وهذانِ لَساحِرانِ مُبْتَدَأٌ وَخَبَرٌ وَاللَّامُ فِي لَساحِرانِ عَلَى ذَيْنَكِ التَّقْدِيرَيْنِ فِي هَذَا التَّخْرِيجِ، وَالتَّخْرِيجُ الَّذِي قَبْلَهُ وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ الْمُبَرِّدُ وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ وَأَبُو الْحَسَنِ الْأَخْفَشُ الصَّغِيرُ، وَالَّذِي نَخْتَارُهُ فِي تَخْرِيجِ هَذِهِ الْقِرَاءَةِ أَنَّهَا جَاءَتْ عَلَى لُغَةِ بَعْضِ الْعَرَبِ مِنْ إِجْرَاءِ الْمُثَنَّى بِالْأَلِفِ دَائِمًا وَهِيَ لُغَةٌ لِكِنَانَةَ حَكَى ذَلِكَ أَبُو الْخَطَّابِ، وَلِبَنِي الْحَارِثِ بْنِ كَعْبٍ وَخَثْعَمٍ وَزُبَيْدٍ وَأَهْلِ تِلْكَ النَّاحِيَةِ حُكِيَ ذَلِكَ عَنِ الْكِسَائِيِّ، وَلِبَنِي الْعَنْبَرِ وَبَنِي الْهُجَيْمِ وَمُرَادٍ وَعُذْرَةَ. وَقَالَ أَبُو زَيْدٍ: سَمِعْتُ مِنَ الْعَرَبِ مَنْ يَقْلِبُ كُلَّ يَاءٍ يَنْفَتِحُ مَا قَبْلَهَا أَلِفًا.
وَقَرَأَ أَبُو بَحْرِيَّةَ وَأَبُو حَيْوَةَ وَالزُّهْرِيُّ وَابْنُ مُحَيْصِنٍ وَحُمَيْدٌ وَابْنُ سَعْدَانَ وَحَفْصٌ وَابْنُ كَثِيرٍ إِنْ بِتَخْفِيفِ النُّونِ هَذَا بِالْأَلِفِ وَشَدَّدَ نُونَ هذانِ ابْنُ كَثِيرٍ، وَتَخْرِيجُ هَذِهِ الْقِرَاءَةِ وَاضِحٌ وَهُوَ عَلَى أَنَّ أَنْ هِيَ الْمُخَفَّفَةُ مِنَ الثقيلة وهذانِ مبتدأ ولَساحِرانِ الْخَبَرُ وَاللَّامُ لِلْفَرْقِ بَيْنَ إِنِ النَّافِيَةِ وَإِنِ الْمُخَفِّفَةِ من الثقيلة وهذانِ مبتدأ ولَساحِرانِ الْخَبَرُ وَاللَّامُ لِلْفَرْقِ بَيْنَ إِنِ النَّافِيَةِ وَإِنِ الْمُخَفِّفَةِ مِنَ الثَّقِيلَةِ عَلَى رَأْيِ البصريين والكوفيين، يَزْعُمُونَ أَنَّ إِنْ نَافِيَةً وَاللَّامُ بِمَعْنَى إِلَّا. وَقَرَأَتْ فِرْقَةٌ إِنْ ذَانِ لَسَاحِرَانِ وَتَخْرِيجُهَا كَتَخْرِيجِ الْقِرَاءَةِ الَّتِي قَبْلَهَا، وَقَرَأَتْ عَائِشَةُ وَالْحَسَنُ وَالنَّخَعِيُّ وَالْجَحْدَرِيُّ وَالْأَعْمَشُ وَابْنُ جُبَيْرٍ وَابْنُ عُبَيْدٍ وَأَبُو عَمْرٍو إِنَّ هَذَيْنِ بِتَشْدِيدِ نُونِ إِنَّ وَبِالْيَاءِ فِي هَذَيْنِ بَدَلَ الْأَلِفِ، وَإِعْرَابُ هَذَا وَاضِحٌ إِذْ جَاءَ عَلَى الْمَهْيَعِ الْمَعْرُوفِ فِي التَّثْنِيَةِ لِقَوْلِهِ فَذانِكَ بُرْهانانِ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هاتَيْنِ «1» بِالْأَلِفِ رَفْعًا وَالْيَاءِ نَصْبًا وَجَرًّا. وَقَالَ الزَّجَّاجُ: لَا أُجِيزُ قِرَاءَةَ أَبِي عَمْرٍو لِأَنَّهَا خِلَافُ الْمُصْحَفِ. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ:
رَأَيْتُهَا فِي الْإِمَامِ مُصْحَفِ عُثْمَانَ هَذَنِ لَيْسَ فِيهَا أَلِفٌ، وَهَكَذَا رَأَيْتُ رَفْعَ الِاثْنَيْنِ فِي ذَلِكَ الْمُصْحَفِ بِإِسْقَاطِ الْأَلِفِ، وَإِذَا كَتَبُوا النَّصْبَ وَالْخَفْضَ كَتَبُوهُ بِالْيَاءِ وَلَا يُسْقِطُونَهَا، وَقَالَتْ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ عَائِشَةُ وَأَبُو عَمْرٍو: هَذَا مِمَّا لَحَنَ الْكَاتِبُ فِيهِ وَأُقِيمَ بِالصَّوَابِ.
وَقَرَأَ عَبْدُ اللَّهِ إِنَّ ذَانِ إِلَّا سَاحِرَانِ قَالَهُ ابْنُ خَالَوَيْهِ وَعَزَاهَا الزَّمَخْشَرِيُّ لِأُبَيٍّ. وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: إِنَّ هَذَانِ سَاحِرَانِ بِفَتْحِ أَنْ وَبِغَيْرِ لَامٍ بَدَلٌ مِنَ النَّجْوى انْتَهَى.
[ البحر المحيط : 7:349-350]

قال أبو العباس شهاب الدين أحمد بن يوسف (السمين الحلبي) ( ت:756 هـ) :
إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصَارَى مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (69)
أبينُ هؤلاء المعدودين ضلالاً وأشدُّهم عتياً، وما سُمُّوا صابئين إلا أنهم صَبَؤوا على الأديان كلها أي: خَرَجوا، كما أن الشاعر قدَّم قولَه:» وأنتم «تنبيهاً على أن المخاطبين أوغل في الوصف بالبغي من قومِه، حيث عاجل به قبل الخبر الذي هو» بُغاةٌ «؛ لئلا يدخُلَ قومُه في البغي قبلهم مع كونِهم أوغَل فيه منهم وأثبت قدماً. فإن قلت: فلو قيل:» والصابئين وإياكم «لكانَ التقديمُ حاصلاً. قلت: لو قيل هكذا لم يَكُنْ من التقديم في شيء لأنه لا إزالةَ فيه عن موضعه، وإنما يُقال مقدمٌ ومؤخرٌ للمُزال لا للقارِّ في مكانه، وتجري هذه الجملة مَجْرى الاعتراض» .
الوجه الثاني: أن «إنَّ» بمعنى نعم فهي حرفُ جوابٍ، ولا محلَّ لها حينئذ، وعلى هذا فما بعدها مرفوعُ المحلِّ على الابتداء، وما بعده معطوفٌ عليه بالرفع، وخبرُ الجميع قوله: {مَنْ آمَنَ} إلى آخره، وكونُها بمعنى «نعم» قولٌ مرجوح، قال به بعضُ النحويين، وجَعَل من ذلك قول تعالى: {إِنْ هذان لَسَاحِرَانِ} [طه: 63] في قراءةِ مَنْ قرأه بالألف، وفي الآية كلامٌ طويل يأتي إنْ شاء الله تعالى في موضعِه، وجعل منه أيضاً قولَ عبد الله بن الزبير: «إنَّ وصاحبُها» جواباً لمن قال له: «لَعَن الله ناقة حملتني إليك» أي: نعم وصاحبُها، وجَعَلَ منه قولَ الآخر:
177 - 2- بَرَزَ الغواني في الشبا ... بِ يَلُمْنَني وألومُهُنَّهْ
ويَقُلْنَ شَيْبٌ قد عَلا ... كَ وقد كَبِرْتَ فقلتُ إنَّهْ
أي: نعم والهاءُ للسكت، وأُجيب بأنَّ الاسمَ والخبرَ محذوفان في قولِ ابن الزبير، وبقي المعطوفُ على الاسمِ دليلاً عليه، والتقدير: إنها وصاحبها معلونان، وتقدير البيت: إنه كذلك، وعلى تقديرِ أن تكونَ بمعنى «نعم» فلا يَصِحُّ هنا جَعْلُها بمعناها؛ لأنها لم يتقدَّمْها شيء تكون جواباً له، و «نعم» لا تقع ابتداءَ كلام، إنما تقع جواباً لسؤال فتكونُ تصديقاً له. ولقائل أن يقولَ: «يجوزُ أن يكونَ ثَمَّ سؤالٌ مقدر، وقد ذكروا ذلك في مواضع كثيرةٍ منها قولُه تعالى: {لاَ أُقْسِمُ} [القيامة: 1] {لاَ جَرَمَ} [هود: 22] ، قالوا: يُحتمل أن يكونَ رَدَّاً لقائلِ كيتَ وكيتَ.
[ الدر المصون: 4/-355-356]
قوله: {إِنْ هذان} : اختلف القُرَّاءُ في هذه الآيةِ الكريمة: فقرأ ابن كثيرٍ وحدَه «إنْ هذانِّ» بتخفيف إنْ، والألفِ، وتشديدِ النون. وحفصٌ كذلك إلاَّ أنه خَفَّف نونَ «هذانٍ» . وقرأ أبو عمرو «إنَّ» بالتشديد «هذين» بالياء وتخفيفِ النون. والباقون كذلك إلاَّ أنهم قَرَؤوا/ «هذان» بالألف.
فأَمَّا القراءةُ الأولى وهي قراءةُ ابنِ كثير وحفص فأوضحُ القراءاتِ معنىً ولفظاً وخَطَّاً؛ وذلك أنهما جعلا «إنْ» المخففةَ من الثقيلة فَأُهْمِلَتْ، ولَمَّا أُهْمِلَتْ كما هو الأفصحُ مِنْ وجهيها خِيْفَ التباسُها بالنافية فجيء باللامِ فارقةً في الخبر. ف «هذان» مبتدأٌ، و «لَساحران» خبرُه، ووافَقَتْ خَطَّ المصحفِ؛ فإن الرسم «هذن» بدونِ ألفٍ ولا ياءٍ وسيأتي بيانُ ذلك.
وأمَّا تشديدُ نونِ «هذان» فعلى ما تقدَّم في سورةِ النساءِ، وقد أَتْقَنتُ ذلك هناك.
وأمَّا الكوفيون فيزعمون أنَّ «إنْ» نافيةٌ بمعنى ما، واللامُ بمعنى إلاَّ، وهو خلافٌ مشهورٌ وقد وافقَ تخريجُهم هنا قراءةَ بعضِهم «ما هذانِ إلاَّ ساحران» .
وأمَّا قراءةُ أبي عمروٍ فواضحةٌ من حيث الإِعرابُ والمعنى. أمَّا الإِعرابُ ف «هذَيْن» اسمُ «إنَّ» وعلامةُ نصبِه الياءُ. و «لَساحِران» خبرُها، ودخَلَتِ اللام توكيداً. وأمَّا مِنْ حيث المعنى: فإنَّهم أَثْبتوا لهما السحرَ بطريق تأكيديٍّ من طرفيه، ولكنهم استشكلُوها من حيث خَطُّ المصحفِ؛ وذلك أنَّ رَسْمَه «هذن» بدونِ ألفٍ ولا ياءٍ، فإثباتُه بالياءِ زيادةٌ على خطِّ المصحفِ. قال أبو إسحاق: «لا أُجيز قراءةَ أبي عمرو لأنَّها خلافُ المصحفِ» . وقال أبو عبيد: «رأيتُهما في الإِمام مصحفِ عثمان» هذن «ليس فيها ألفٌ، وهكذا رأيتُ رفعَ الاثنين في ذلك المصحفِ بإسقاط الألفِ، وإذا كتبوا النصبَ والخفضَ كتبُوه بالياء، ولا يُسْقِطونها» .
قلت: وهذا لا ينبغي أَنْ يُرَدَّ به على أبي عمرو، وكم جاء في الرسم أشياءُ خارجةٌ عن القياسِ، وقد نَصُّوا هم أنه لا يجوزُ القراءةُ بها فليكنْ هذا منها، أعني ممَّا خَرَجَ عن القياس. فإن قلتَ: ما نَقَلْتَه عن أبي عبيد مشتركُ الإِلزامِ بين أبي عمروٍ وغيرِه، فإنهم كما اعترضوا عليه بزيادةِ الياء يُعْترض عليهم بزيادةِ الألفِ: فإنَّ الألفَ ثابتةٌ في قراءتِهم، ساقطةٌ من خَطِّ المصحفِ. فالجواب ما تقدَّم مِنْ قولِ أبي عبيدٍ أنهم رآهم يُسْقِطون الألفَ مِنْ رفع الاثنين، فإذا كتُبوا النصبَ والخفضَ كتبُوه بالياء.
وذهب جماعةٌ منهم عائشةُ رضي الله عنها وأبو عمروٍ إلى أن هذا ممّا لَحَنَ فيه الكاتبُ وأُقيم بالصواب.
يَعْنُون أنه كان مِنْ حقه أن يكتبَه بالياءِ فلم يفعلْ، فلم يقرَأْه الناسُ إلاَّ بالياءِ على الصوابِ.
وأمَّا قراءةُ الباقين ففيها أوجه، أحدُها: أن «إنَّ» بمعنى نَعَمْ، و «هذان» مبتدأٌ، و «لَساحران» خبرُه، وكَثُرَ ورودُ «إنَّ» بمعنى نعم وأنشدوا:
3297 -
بَكَرَ العَواذِلُ في المَشِيْ ... بِ يَلُمْنَني وأَلوْمُهُنَّهْ
ويَقلْن شَيْبٌ قد عَلا ... كَ وقد كَبِرْتَ فقلتُ إنَّهْ
أي: فقلت: نَعَمْ. والهاءُ للسَّكْتِ. وقال رجلٌ لابن الزبير: لَعَن اللهُ ناقةً حَمَلَتْني إليكَ. فقال: «إنَّ وصاحبَها» أي: نعم. ولَعَنَ صاحبَها. وهذا رأيُ المبردِ وعلي بن سليمان في آخرين. وهو مردودٌ من وجهين، أحدهما: عدمُ ثبوتِ «إنَّ» بمعنى نعم، وما أوردُه مُؤَوَّلٌ: أمَّا البيتُ فإنّ الهاءَ اسمُها، والخبرَ محذوفٌ لفهمِ المعنى تقديرُه: إنه كذلك. وأمَّا قولُ ابنِ الزبير فذلك مِنْ حَذْفِ المعطوفِ عليه وإبقاءِ المعطوف وحَذْفِ خبر «إنَّ» للدلالةِ عليه، تقديره: إنَّها وصاحَبها ملعونان، وفيه تكلُّفٌ لا يَخْفَى والثاني: دخولُ اللامِ على خبرِ المبتدأ غيرِ المؤكَّد ب «إنَّ» المكسورةِ، لأَنَّ مثلَه لا يقعُ إلاَّ ضرورةً كقولِه:
3298 -
أمُّ الحُلَيْسِ لَعَجُوْزٌ شَهْرَبَهْ ... تَرْضَى من اللحمِ بعظمِ الرَّقَبَهْ
وقد يُجاب عنه: بأنَّ «لَساحِران» يجوزُ أَنْ يكونَ خبرَ مبتدأ محذوفٍ دَخَلَتْ عليه هذه اللامُ تقديرُه: لهما ساحران. وقد فعل ذلك الزجاج كما ستأتي حكايتُه عنه.
الثاني: أنَّ اسمَها ضميرُ القصةِ وهو «ها» التي قبل «ذان» وليست ب «ها» التي للتنبيهِ الداخلةِ على أسماءِ الإِشارةِ، والتقدير: إنَّ القصةَ ذانِ لساحران. وقد رَدُّوا هذا من وجهين، أحدهما: من جهةِ الخَطِّ، وهو أنه لو كان كذلك لكان ينبغي أن تُكتبَ «إنها» فيصِلوا الضميرَ بالحرفِ قبلَه كقوله تعالى: {فَإِنَّهَا لاَ تَعْمَى الأبصار} [الحج: 46] فكَتْبُهم إياها مفصولةً من «إنَّ» متصلةً باسمِ الإِشارة يمنع كونَها ضميراً، وهو واضح. الثاني: أنَّه يؤدِّي إلى دخولِ لامِ الابتداءِ في الخبرِ غيرِ المنسوخِ. وقد يُجاب عنه بما تقدَّم.
الثالث: أنَّ اسمَها ضميرُ الشأنِ محذوفٌ، والجملةُ من المبتدأ والخبرِ بعدَه في محلِّ رفعٍ خبراً ل «إنَّ» ، التقديرُ: إنَّه، أي: الأمرُ والشأنُ. وقد ضُعِّفَ هذا بوجهين، أحدهما: حَذْفُ اسمِ «إن» ، وهو غيرُ جائزٍ إلاَّ في شعرٍ، بشرطِ أَنْ لا تباشرَ «إنَّ» فعلاً كقولِه:
3299 -
إنَّ مَنْ يَدْخُلِ الكنيسةَ يوماً ... يَلْقَ فيها جَآذراً وظِباءَ
/
والثاني: دخولُ اللام في الخبرِ.
وقد أجابَ الزجَّاج بأنها داخلةٌ على مبتدأ محذوفٍ تقديرُه: لهما ساحران. وهذا قد استحسنه شيخُه المبردُ، أعني جوابَه بذلك.
الرابع: أنَّ «هذان» اسمُها، و «لَساحران» خبرُها. وقد رُدَّ هذا بأنه كان ينبغي أَنْ يكونَ «هذين» بالياءِ كقراءةِ أبي عمرو.
وقد أُجيب عن ذلك: بأنه على لغةِ بني الحارثِ وبين الهُجَيْم وبني العَنْبر وزُبَيْد وعُذْرَة ومُراد وخَثْعَم. وحكى هذه اللغةَ الأئمةُ الكبارُ كأبي الخَطَّاب وأبي زيد الأنصاري والكسائي. قال أبو زيد: «سمعتُ من العربِ مَنْ يَقْلِبُ كلَّ ياءٍ ينفتح ما قبلها ألفاً» ، يجعلون المثنى كالمقصورِ فيُثْبِتون ألفاً في جميع أحواله، ويُقَدِّرون إعرابَه بالحركاتِ، وأنشدوا قولَه:
3300 -
فأَطْرَق إطْراقَ الشُّجاعِ ولو يرى ... مَسَاغاً لِناباه الشُّجاعُ لصَمَّما أي: لنابَيْه. وقولَه:
3301 -
إنَّ أباها وأبا أباها ... قد بَلَغا في المجدِ غايتاها
أي: غايتيهما، إلى غير ذلك من الشواهد.
وقرأ ابن مسعود: «أنْ هذان ساحِران» بفتح «أَنْ» وإسقاط اللامِ: على أنها وما في حَيِّزها بدلٌ من «النجوى» كذا قاله الزمخشري، وتبعه الشيخ ولم ينكره. وفيه نظرٌ: لأنَّ الاعتراضَ بالجملة القولية بين البدلِ والمبدلِ منه لا يَصِحُّ. وأيضاً فإنَّ الجملةَ القوليةَ مفسرةٌ للنجوى في قراءةِ العامَّة، وكذا قاله الزمخشريُّ أولاً فكيف يَصحُّ أَنْ يُجْعَلَ «أنْ هذان ساحران» بدلاً من «النجوى» ؟ .
قوله: {بِطَرِيقَتِكُمُ} الباءُ في «بطريقتكم» مُعَدِّيَةٌ كالهمزة. والمعنى: بأهلِ طريقتكم. وقيل: الطريقةُ عبارةُ عن السَّادة فلا حَذْفَ.
[الدر المصون: 8/63-68]


قال محمد الطاهر ابن عاشور (ت : 1393هـ):
فِي رِوَايَةِ يُونُسَ عَنِ الْعَرَبِ: بِرَفْعِ (النَّازِلُونَ) وَنَصْبِ (الطَّيِّبِينَ) ، لِتَكُونَ نَظِيرَ هَذِهِ الْآيَةِ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا مِمَّا يَجْرِي عَلَى قَصْدِ التَّفَنُّنِ عِنْدَ تَكَرُّرِ الْمُتَتَابِعَاتِ، وَلِذَلِكَ تَكَرَّرَ وُقُوعُهُ فِي الْقُرْآنِ فِي مَعْطُوفَاتٍ مُتَتَابِعَاتٍ كَمَا فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ وَفِي هَذِهِ الْآيَةِ، وَفِي قَوْله:
والصَّابِئُونَ فِي سُورَةِ الْمَائِدَةِ [69] .
وَرُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ وَأَبَانٍ بْنِ عُثْمَانَ أَنَّ نَصْبَ الْمُقِيمِينَ خَطَأٌ، مِنْ كَاتِبِ الْمُصْحَفِ وَقَدْ عَدَّتْ مِنَ الْخَطَأِ هَذِهِ الْآيَةَ. وَقَوْلِهِ: وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ- إِلَى قَوْلِهِ- وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْساءِ [الْبَقَرَة: 177] وَقَوْلِهِ: إِنْ هذانِ لَساحِرانِ [طه: 63] . وَقَوله: الصَّابِئُونَ فِي سُورَةِ الْمَائِدَةِ [69] . وَقَرَأَتْهَا عَائِشَةُ، وَعَبْدُ اللَّهُ بْنُ مَسْعُودٍ، وَأُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ، وَالْحَسَنُ، وَمَالِكُ بْنُ دِينَارٍ، وَالْجَحْدَرِيُّ، وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، وَعِيسَى بْنُ عُمَرَ، وَعَمْرُو بْنُ عُبَيْدٍ:
وَالْمُقِيمُونَ- بِالرَّفْعِ-. وَلَا تُرَدُّ قِرَاءَةُ الْجُمْهُورِ الْمُجْمَعِ عَلَيْهَا بِقِرَاءَةٍ شَاذَّةٍ.
[ التحرير والتنوير: 6/29]


وَمِنَ النَّاسِ مَنْ زَعَمَ أَنَّ نَصْبَ الْمُقِيمِينَ وَنَحْوَهُ هُوَ مَظْهَرُ تَأْوِيلِ قَوْلِ عُثْمَانَ لِكُتَّابِ الْمَصَاحِفِ حِينَ أَتَمُّوهَا وَقَرَأَهَا أَنَّهُ قَالَ لَهُمْ: «أَحْسَنْتُمْ وَأَجْمَلْتُمْ وَأَرَى لَحْنًا قَلِيلًا سَتُقِيمُهُ الْعَرَبُ بِأَلْسِنَتِهَا» . وَهَذِهِ أَوْهَامٌ وَأَخْبَارٌ لَمْ تَصِحَّ عَنِ الَّذِينَ نُسِبَتْ إِلَيْهِمْ. وَمِنَ الْبَعِيدِ جدّا أَن يخطىء كَاتِبُ الْمُصْحَفِ فِي كَلِمَةٍ بَيْنَ أَخَوَاتِهَا فَيُفْرِدَهَا بِالْخَطَأِ دُونَ سَابِقَتِهَا أَوْ تَابِعَتِهَا، وَأَبْعَدَ مِنْهُ أَنْ يَجِيءَ الْخَطَأُ فِي طَائِفَةٍ مُتَمَاثِلَةٍ مِنَ الْكَلِمَاتِ وَهِيَ الَّتِي إِعْرَابُهَا بِالْحُرُوفِ النَّائِبَةِ عَنْ حَرَكَاتِ الْإِعْرَابِ مِنَ الْمُثَنَّى وَالْجَمْعِ عَلَى حَدِّهِ. وَلَا أَحْسَبُ مَا رَوَاهُ عَنْ عَائِشَةَ وَأَبَانِ بْنِ عُثْمَانَ فِي ذَلِكَ صَحِيحًا. وَقَدْ عَلِمْتُ وَجْهَ عَرَبِيَّتِهِ فِي الْمُتَعَاطِفَاتِ، وَأَمَّا وَجْهُ عَرَبِيَّةِ إِنْ هذانِ لَساحِرانِ فَيَأْتِي عِنْدَ الْكَلَام فِي سُورَةِ طه [63] .
[ التحرير والتنوير: 6/30]
وَالظَّاهِرُ أَنَّ تَأْوِيلَ قَوْلِ عُثْمَانَ هُوَ مَا وَقَعَ فِي رَسْمِ الْمُصْحَفِ مِنْ نَحْوِ الْأَلِفَاتِ الْمَحْذُوفَةِ. قَالَ صَاحِبُ «الْكَشَّافِ» : «وَهُمْ كَانُوا أَبْعَدَ هِمَّةً فِي الْغَيْرَةِ عَلَى الْإِسْلَامِ وَذَبِّ الْمَطَاعِنِ عَنْهُ مِنْ أَنْ يَتْرُكُوا فِي كِتَابِ اللَّهِ ثُلْمَةً لِيَسُدَّهَا مَنْ بَعْدَهُمْ وَخَرْقًا يَرْفُوهُ مَنْ يَلْحَقُ بِهِمْ» .
وَاعْلَمْ أَنَّ جَمِيعَ الْقُرَّاء المعتبرين قرأوا بِإِثْبَاتِ الْأَلِفِ فِي اسْمِ الْإِشَارَةِ من قَوْله «هاذان» مَا عَدَا أَبَا عَمْرٍو مِنَ الْعَشَرَةِ وَمَا عَدَا الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ مِنَ الْأَرْبَعَةَ عَشَرَ. وَذَلِكَ يُوجِبُ الْيَقِينَ بِأَنَّ إِثْبَاتَ الْأَلِفِ فِي لَفْظِ (هَذَانِ) أَكْثَرُ تَوَاتُرًا بِقَطْعِ النَّظَرِ عَنْ كَيْفِيَّةِ النُّطْقِ بِكَلِمَةِ (إِنَّ) مُشَدَّدَةً أَوْ مُخَفَّفَةً، وَأَنَّ أَكْثَرَ مَشْهُورِ الْقِرَاءَاتِ الْمُتَوَاتِرَةِ قَرَأُوا- بِتَشْدِيدِ نُونِ- (أَنَّ) مَا عَدَا ابْنَ كَثِيرٍ وَحَفْصًا عَنْ عَاصِمٍ فَهُمَا قَرَءَا (أَنْ) - بِسُكُونِ النُّونِ- عَلَى أَنَّهَا مُخَفَّفَةٌ مِنَ الثَّقِيلَةِ.
وَإِنَّ الْمُصْحَفَ الْإِمَامَ مَا رَسَمُوهُ إِلَّا اتِّبَاعًا لِأَشْهَرِ الْقِرَاءَاتِ الْمَسْمُوعَةِ الْمَرْوِيَّةِ مِنْ زَمَنِ النَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقُرَّاءِ أَصْحَابِهِ، فَإِنَّ حِفْظَ الْقُرْآنِ فِي صُدُورِ الْقُرَّاءِ أَقْدَمُ مِنْ كِتَابَتِهِ فِي الْمَصَاحِفِ، وَمَا كُتِبَ فِي أُصُولِ الْمَصَاحِفِ إِلَّا مِنْ حِفْظِ الْكَاتِبِينَ، وَمَا كُتِبَ الْمُصْحَفُ الْإِمَامُ إِلَّا مِنْ مَجْمُوعِ مَحْفُوظِ الْحُفَّاظِ وَمَا كَتَبَهُ كُتَّابُ الْوَحْيِ فِي مُدَّةِ نُزُولِ الْوَحْيِ.
فَأَمَّا قِرَاءَةُ الْجُمْهُورِ إِنْ هذانِ لَساحِرانِ- بِتَشْدِيدِ نُونِ- (إِنَّ) وَبِالْأَلِفِ فِي هذانِ وَكَذَلِكَ فِي لَساحِرانِ، فَلِلْمُفَسِّرِينَ فِي تَوْجِيهِهَا آرَاءٌ بَلَغَتِ السِّتَّةَ. وَأَظْهَرُهَا أَنْ تَكُونَ (إِنَّ) حَرْفُ جَوَابٍ مِثْلَ: نَعَمْ وَأَجَلْ، وَهُوَ اسْتِعْمَالٌ مِنِ اسْتِعْمَالَاتِ (إِنَّ) ، أَيِ اتَّبَعُوا لَمَّا اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ أَمْرُهُمْ بَعْدَ النَّجْوَى كَقَوْلِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قَيْسِ الرُّقَيَّاتِ:
وَيَقُلْنَ شَيْبٌ قَدْ عَلَا ... كَ وَقَدْ كَبِرْتَ فَقُلْتُ إِنَّهُ
أَيْ أَجَلْ أَوْ نَعَمْ، وَالْهَاءُ فِي الْبَيْتِ هَاءُ السَّكْتِ، وَقَوْلِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ لِأَعْرَابِيٍّ اسْتَجْدَاهُ فَلَمْ يُعْطِهِ، فَقَالَ الْأَعْرَابِيُّ: لَعَنَ اللَّهُ نَاقَةً حَمَلَتْنِي إِلَيْكَ. قَالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ: إِنَّ وَرَاكِبَهَا. وَهَذَا التَّوْجِيهُ مِنْ مُبْتَكَرَاتِ أَبِي إِسْحَاقَ الزَّجَّاجِ ذَكَرَهُ فِي «تَفْسِيرِهِ» . وَقَالَ: عَرَضْتُهُ عَلَى عَالِمَيْنَا وَشَيْخَيْنَا وَأُسْتَاذَيْنَا مُحَمَّدِ بْنِ يَزِيدٍ (يَعْنِي الْمُبَرِّدَ) ، وَإِسْمَاعِيلَ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ حَمَّادٍ (يَعْنِي الْقَاضِيَ الشَّهِيرَ) فَقَبِلَاهُ وَذَكَرَا أَنَّهُ أَجْوَدُ مَا سَمِعَاهُ فِي هَذَا.
وَقُلْتُ: لَقَدْ صَدَقَا وَحَقَّقَا، وَمَا أَوْرَدَهُ ابْنُ جِنِّيٍّ عَلَيْهِ مِنَ الرَّدِّ فِيهِ نَظَرٌ.

وَفِي «التَّفْسِيرِ الْوَجِيزِ» لِلْوَاحِدِيِّ سَأَلَ إِسْمَاعِيلُ الْقَاضِي (هُوَ ابْنُ إِسْحَاقَ بْنِ حَمَّادٍ) ابْنَ كَيْسَانَ عَنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، فَقَالَ ابْنُ كَيْسَانَ: لَمَّا لَمْ يَظْهَرْ فِي الْمُبْهَمِ إِعْرَابٌ فِي الْوَاحِدِ وَلَا فِي الْجَمْعِ (أَيْ فِي قَوْلِهِمْ هَذَا وَهَؤُلَاءِ إِذْ هُمَا مَبْنِيَّانِ) جَرَتِ التَّثْنِيَةُ مَجْرَى الْوَاحِدِ إِذِ التَّثْنِيَةُ يَجِبُ أَنْ لَا تُغَيَّرَ. فَقَالَ لَهُ إِسْمَاعِيل: مَا حسن هَذَا لَوْ تَقَدَّمَكَ أَحَدٌ بِالْقَوْلِ فِيهِ حَتَّى يُؤْنَسَ بِهِ! فَقَالَ لَهُ ابْنُ كَيْسَانَ: فَلْيَقُلْ بِهِ الْقَاضِي حَتَّى يُؤْنَسَ بِهِ، فَتَبَسَّمَ.
وَعَلَى هَذَا التَّوْجِيهِ يَكُونُ قَوْلُهُ تَعَالَى: إِنْ هذانِ لَساحِرانِ حِكَايَةً لِمَقَالِ فَرِيقٍ مِنَ الْمُتَنَازِعِينَ، وَهُوَ الْفَرِيقُ الَّذِي قَبِلَ هَذَا الرَّأْيَ لِأَنَّ حَرْفَ الْجَوَابِ يَقْتَضِي كَلَامًا سَبَقَهُ.
وَدَخَلَتِ اللَّامُ عَلَى الْخَبَرِ: إِمَّا عَلَى تَقْدِيرِ كَوْنِ الْخَبَرِ جُمْلَةً حُذِفَ مُبْتَدَأُهَا وَهُوَ مَدْخُولُ اللَّامِ فِي التَّقْدِيرِ، وَوُجُود اللّام ينبىء بِأَنَّ الْجُمْلَةَ الَّتِي وَقَعَتْ خَبَرًا عَنِ اسْمِ الْإِشَارَةِ جُمْلَةٌ قَسَمِيَّةٌ وَإِمَّا عَلَى رَأْيِ مَنْ يُجِيزُ دُخُولَ اللَّامِ عَلَى خَبَرِ الْمُبْتَدَأِ فِي غَيْرِ الضَّرُورَةِ.
وَوُجِّهَتْ هَذِهِ الْقِرَاءَةُ أَيْضًا بِجَعْلِ (إِنَّ) حَرْفَ تَوْكِيدٍ وَإِعْرَابُ اسْمِهَا الْمُثَنَّى جَرَى عَلَى لُغَةِ كِنَانَةَ وَبِلْحَارِثِ بْنِ كَعْبٍ الَّذِينَ يَجْعَلُونَ عَلَامَةَ إِعْرَابِ الْمُثَنَّى الْأَلِفَ فِي أَحْوَالِ الْإِعْرَابِ كُلِّهَا، وَهِيَ لُغَةٌ مَشْهُورَةٌ فِي الْأَدَبِ الْعَرَبِيِّ وَلَهَا شَوَاهِدُ كَثِيرَةٌ مِنْهَا قَوْلُ الْمُتَلَمِّسِ:
فَأَطْرَقَ إِطْرَاقَ الشُّجَاعِ وَلَوْ دَرَى ... مَسَاغًا لِنَابَاهُ الشُّجَاعُ لَصَمَّمَا
وَقَرَأَهُ حَفْصٌ- بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَتَخْفِيفِ نُونِ (إِنْ) مُسَكَّنَةً- عَلَى أَنَّهَا مُخَفَّفَةُ (إِنَّ) الْمُشَدَّدَةِ. وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ اسْمُ (إِنِ) الْمُخَفَّفَةِ ضَمِيرَ شَأْنٍ مَحْذُوفًا عَلَى الْمَشْهُورِ.
وَتَكُونُ اللَّامُ فِي لَساحِرانِ اللَّامَ الْفَارِقَةَ بَيْنَ (إِنِ) الْمُخَفَّفَةِ وَبَيْنَ (إِنِ) النَّافِيَةِ.
وَقَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ- بِسُكُونِ نُونِ (إِنْ) - عَلَى أَنَّهَا مُخَفَّفَةٌ مِنَ الثَّقِيلَةِ وَبِإِثْبَاتِ الْأَلِفِ فِي «هَذَانِ» وَبِتَشْدِيدِ نُونِ (هَاذَانِّ) .
وَأَمَّا قِرَاءَةُ أَبِي عَمْرٍو وَحْدَهُ إِنَّ هَذَيْنِ- بِتَشْدِيدِ نُونِ (إِنَّ) وَبِالْيَاءِ بَعْدَ ذَالِ «هَذَيْنِ» .
فَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ: هِيَ مُخَالفَة للمصحف. وَأَقل: ذَلِكَ لَا يَطْعَنُ فِيهَا لِأَنَّهَا رِوَايَةٌ صَحِيحَةٌ وَوَافَقَتْ وَجْهًا مَقْبُولًا فِي الْعَرَبِيَّةِ.
وَنُزُولُ الْقُرْآنِ بِهَذِهِ الْوُجُوهِ الْفَصِيحَةِ فِي الِاسْتِعْمَالِ ضَرْبٌ مِنْ ضُرُوبِ إِعْجَازِهِ لِتَجْرِيَ تَرَاكِيبُهُ عَلَى أَفَانِينَ مُخْتَلِفَةِ الْمَعَانِي مُتَّحِدَةِ الْمَقْصُودِ. فَلَا الْتِفَاتَ إِلَى مَا رُوِيَ مِنِ ادِّعَاءِ أَنَّ كِتَابَةَ «إِنَّ هَاذَانِ» خَطَأٌ مِنْ كَاتِبِ الْمُصْحَفِ، وَرِوَايَتِهِمْ ذَلِكَ عَنْ أَبَانَ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ
عَنْ أَبِيهِ، وَعَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ، وَلَيْسَ فِي ذَلِكَ سَنَدٌ صَحِيحٌ. حَسِبُوا أَنَّ الْمُسْلِمِينَ أَخَذُوا قِرَاءَةَ الْقُرْآنِ مِنَ الْمَصَاحِفِ وَهَذَا تَغَفُّلٌ، فَإِنَّ الْمُصْحَفَ مَا كُتِبَ إِلَّا بَعْدَ أَنْ قَرَأَ الْمُسْلِمُونَ الْقُرْآنَ نَيِّفًا وَعِشْرِينَ سَنَةً فِي أَقْطَارِ الْإِسْلَامِ، وَمَا كُتِبَتِ الْمَصَاحِفُ إِلَّا مِنْ حِفْظِ الْحُفَّاظِ، وَمَا أَخَذَ الْمُسْلِمُونَ الْقُرْآنَ إِلَّا مِنْ أَفْوَاهِ حُفَّاظِهِ قَبْلَ أَنْ تُكْتَبَ الْمَصَاحِفُ، وَبَعْدَ ذَلِكَ إِلَى الْيَوْمِ فَلَوْ كَانَ فِي بَعْضِهَا خَطَأٌ فِي الْخَطِّ لَمَا تَبِعَهُ الْقُرَّاءُ، وَلَكَانَ بِمَنْزِلَةِ مَا تُرِكَ مِنَ الْأَلِفَاتِ فِي كَلِمَاتٍ كَثِيرَةٍ وَبِمَنْزِلَةِ كِتَابَةِ أَلِفِ الصَّلَاةِ، وَالزَّكَاةِ، وَالْحَيَاةِ، وَالرِّبَا- بِالْوَاوِ- فِي مَوْضِعِ الْألف وَمَا قرأوها إِلَّا بِأَلِفَاتِهَا.
[ التحرير والتنوير: 16/ 250-254]
ثالثا المراجع المتخصصة: وهى كتب القراءات ومعاني الحروف، ورسالة ابن تيمية في ( إن هذان لساحران).
وكتب القراءات هي: السبعة في القراءات لابن مجاهد البغدادي (ت: 324هـ)، والحجة القراءات السبع لابن خالوية (ت: 370هـ)، و معاني القراءات لأبي منصور الأزهري: ( ت: 370 هـ)، والحجة للقراء السبعة لأبي علي (ت: 377هـ)، والمبسوط في القراءات العشر لابن مهران النيسابوري ( ت: 381هـ ) ، وحجة القراءات لابن زنجلة ( ت: 403هـ)
أما مراجع معاني الحروف فهي : شرح أبي القاسم عبد الرحمن بن إسحاق الزجَّاجيُّ (ت: 340هـ)، قسم معاني الحروف من دليل"دراسات في أساليب القرآن"
للأستاذ محمد عبد الخالق عضيمة (1404ه)


قال أبو بكر بن مجاهد البغدادي (ت: 324هـ):
وَاخْتلفُوا فى قَوْله {إِن هَذَانِ لساحران} 63 فى تَشْدِيد النونين وتخفيفهما وفى الْألف وَالْيَاء

فَقَرَأَ نَافِع وَابْن عَامر وَحَمْزَة والكسائى {إِن} مُشَدّدَة النُّون / هذن / بِأَلف خَفِيفَة النُّون
وَقَرَأَ ابْن كثير / إِن هذن / بتَشْديد نون / هذن / وَتَخْفِيف نون {إِن}
وَاخْتلف عَن عَاصِم فروى أَبُو بكر / إِن هذن / نون {إِن} مُشَدّدَة / هذن / مثل حَمْزَة وروى حَفْص عَن عَاصِم {إِن} سَاكِنة النُّون وهى قِرَاءَة ابْن كثير و / هذن / خَفِيفَة
وَقَرَأَ أَبُو عَمْرو وَحده {إِن} مُشَدّدَة النُّون / هذَيْن / بِالْيَاءِ
[ السبعة في القراءات: 1/419]



قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد بن خالويه (ت: 370هـ):
قوله تعالى: وَالَّذانِ يَأْتِيانِها «2» مِنْكُمْ «3». يقرأ بتشديد النون وتخفيفها. وكذلك ما كان في القرآن من نون التثنية في مثل هذا. فالحجة لمن شدد: أنه جعل التشديد عوضا من الياء المحذوفة في «الذي» كما جعلها عوضا من الألف في إِنْ هذانِ لَساحِرانِ «4» ليفرّق بين ما قد سقط منه حرف، وبين ما قد بنى على لفظه وتمامه. والحجّة لمن خفف: أن العرب قد تحذف طلبا للتخفيف من غير تعويض، وتعوض طلبا للإتمام. وكلّ من ألفاظها ومستعمل في كلامها. فأما قوله: فَذانِكَ «5» فإن من شدّد النون جعله تثنية: (ذلك)، وتقديره:

(ذان لك) فقلب من اللام نونا وأدغم.
ومن خفف جعله تثنية (ذاك)، فأتى بالنون الخفيفة للاثنين. فأما دخول الكاف فيهما فلمعنى الخطاب ولا موضع لها من الإعراب. والدليل على ذلك أن النون لا تثبت مع الإضافة «6». وإنما كسرت اللام في (ذلك) لسكونها. وسكون الألف قبلها. واختير لها لئلا يلتبس بقولهم في الإشارة: (ذا لك) إذا أردت (هذا لك) ثم خزلت الهاء. فأما جمع ذلك: ف «أولئك». وأما جمع ذاك: ف «أولاك»، واللّام في ذلك زائدة لتراخي المشار إليه.
[ الحجة في القراءات السبع: 1/121]

قوله تعالى: إِنْ هذانِ لَساحِرانِ «3». أجمع القراء على تشديد نون «إنّ» إلّا (ابن كثير) و (حفصا) عن (عاصم) فإنهما خفّفاها. وأجمعوا على لفظ الألف في قوله:

(هذان) إلا (أبا عمرو) فإنه قرأها بالياء. وأجمعوا على تخفيف النون في التثنية إلّا ابن كثير فإنه شدّدها. فالحجة لمن شدّد النون في (إنّ) وأتى بألف في (هذان): أنه احتج بخبر (الضحاك) «4» عن (ابن عباس) «5»: أن الله تعالى أنزل هذا القرآن بلغة كل حيّ من أحياء العرب. وهذه اللفظة بلغة «بلحارث بن كعب» «6» خاصة، لأنهم يجعلون التثنية بالألف في كل وجه، لا يقلبونها لنصب ولا خفض. قال شاعرهم:
إن أباها وأبا أباها ... قد بلغا في المجد غايتاها
«7» فلما ثبتت هذه اللفظة في السّواد بالألف، وافقت هذه اللغة، فقرءوا بها، ولم يغيّروا ما ثبت في المصحف. والحجة لمن خفف النون: أنه جعلها خفيفة من الشديدة فأزال عملها، وردّ ما كان بعدها منصوبا إلى أصله، وهو المبتدأ، وخبره، فلم يغيّر اللفظ ولا لحن في موافقة الخطّ.
فإن قيل: إن اللام لا تدخل على خبر المبتدأ، لا يقال: زيد لقائم. فقل: من العرب من يفعل ذلك تأكيدا للخبر. وأنشد شاهدا لذلك:
خالي لأنت ومن جرير خاله ... ينل العلاء ويكرم الأخوالا
«1» والوجه الآخر: أن يكون (إن) هاهنا بمعنى «ما» واللام بمعنى «إلّا» كقوله تعالى:
إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْها حافِظٌ «2» معناه: والله أعلم: ما كل نفس إلّا عليها حافظ «3».
وقال: (أبو العباس المبرد) «4»: أولى الأمور بإن المشددة أن تكون هاهنا بمعنى «نعم» كما قال (ابن الزبير) «5» للأعرابي لما قال له: لعن الله ناقة حملتني إليك فقال له: (إنّ وراكبها) أراد: (نعم وراكبها) وأنشد:
بكر العواذل بالضّحى ... يلحينني وألومهنّه
ويقلن شيب قد علا ... ك وقد كبرت ت فقلت إنّه
«6» أراد فقلت: نعم، فوصلها بهاء السكت. فقيل له: إنّ اللام لا تدخل على خبرها إذا كانت بمعنى «نعم» فقال: إنما دخلت اللام على اللفظ لا على المعنى. والحجة لمن قرأها بالياء ما روي عن (عائشة) «7» و (يحيى بن يعمر) «8»: أنه لما رفع المصحف إلى (عثمان) «1» قال: أرى فيه لحنا، وستقيمه العرب بألسنها.
فإن قيل: فعثمان كان أولى بتغيير اللحن: فقل: ليس اللحن هاهنا أخطاء الصواب، وإنما هو خروج من لغة قريش إلى لغة غيرهم «2». والحجة لمن شدد النون في التثنية مذكورة في النساء «3».
[ الحجة في القراءات السبع: 1/242-244]

قال أبو منصور الأزهري: ( ت: 370 هـ):
وقوله جلَّ وعزَّ: (إِنَّ هذَانِ لَسَاحِرَانِ (63) قرأ ابن كثيرٍ (إِنْ) خفيفة، (هَذاَن) بالرفع وتشديد النون.

وقرأ حفص (إنْ هَذَانِ) بالرفع وتخفيف النون:
وقرأ أبو عمرو (إنَّ) مشددة، (هَذَين) نصبًا باللغة العالية.
وقرأ الباقون (إنَّ) بالتشدِيد، (هَذَانِ) بالرفع وتخفيف النون.
قال أبو منصور: أما قراءة أبي عمرو (إنَّ هَذَين) وهي اللغة العالية التي
يتكلم بها جَماهِير العرب إلا أنها مخالَفة لِلْمصحف، وكان أبو عمرو يذهب
في مُخَالفته المصحَفَ إلى قول عائشة وعثمان: إنه من غلط الكاتب فيه، وفي
حروف أخر.
وأما مَنْ قَرَأَ (إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ) بتخفيف (إِنْ) ، و (هَذَانِ) بالرفع فإنه ذهب
إلى أن (إنَّ) إذا خُفَفت رُفع ما بعدها، ولم يُنصَب بها، وتشديد النون من
(هذانِّ) لغة معروفة، وقُرِئ (فَذَانِّكَ بُرهَانَانِ) على هذه اللغة.
والمعنى في قراءة (إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ) : ما هذان إلا سَاحِرَان، بمعنى النفي، واللام في (لَسَاحِرَان) بمعنى: إلا وهذا صحيح في المعنى، وفي كلام العرب.
وأما قراءة العامّة (إِنَّ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ) ففى صحته في العربية وجوه كُلهَا

حجة، منها: أن الأخفش الكبير وغيره من قدماء النحويين قالوا: هى لغة
لِكِنَانة، يجعلون ألف الاثنين في الرفع والخفض على لفظ واحد، كقولك:
أتاني الزيدانِ، ورأيت الزيدان، وَمررت بالزيدانِ،
وقد أنشد الفراء بيتًا للمتلمِّس حجة لهذه اللغة:
فأَطْرَق إطْراقَ الشُّجاعِ ولو يرى ... مَسَاغاً لِناباه الشُّجاعُ لصَمَّما
وقال أبو عبيد: ويروي للكسائي يقول: هي لغة لِبَلْحارِث بن كعب،
وأنشد
تَزوَّدَ منَّا بَيْنَ أذناهُ ضَربةً ... دَعَتْهُ إلى هَابِي الترابِ عَقيم
وقال بعض النحويين في قوله (إِنَّ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ)
ها هنا هاء مضمرة،
المعنى: إنَّهُ هذَانِ لَسَاحِرَانِ.
وقال آخرون: (إنَّ) بمعنى: نَعَمْ هذان لسَاحِرَان، وقال ابن قيس الرقَيَّات:
ويَقُلْنَ شَيْبٌ قد عَلا ... كَ وقد كَبِرْتَ فقلتُ إنَّهْ.
وقال أبو إسحاق الزجاج: أجود ما سمعت في هذا: أن (إن) وقعت
موقع (نَعْم) ، وأن اللام وقعت موقعها، والمعنى: نعم هذانِ لهُما سَاحِران.
قال: والذي سلى هذا في الجودة مذهب بني كِنَانة في ترك ألف التثنية على
هيئة واحد.
قال: وأما قراءة أبي عمرو فإني لا أجيزُهَا لمخالفتها المصحف،
قال: ولما وجدت سَبيلاً إلى موافقة المصحف لم أَجِز مخالفتَه؛ لأن اتباعه
سُنَّة، سِيمَا وأكثر القراء على اتباعه، ولكني أَسْتَحْسِنُ
(إنْ هَذانِ لَسَاحِرَان) وفيه إمَامَانِ: عاصم، والخليل. وموافقة أُبيٍّ - رضي الله عنه.
[ معاني القراءات : 2/ 148-151]

قال الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ الأصل، أبو علي (ت: 377هـ):
ختلفوا في قوله تعالى: إن هذين [طه/ 63] في تشديد النون وتخفيفها.

فقرأ ابن عامر ونافع وحمزة والكسائي: (إنّ) مشدّدة النون.
هذان بألف خفيفة النون من هذان.
وقرأ ابن كثير (إن هذانّ) بتشديد نون (هذانّ) وتخفيف نون (إنّ).
واختلف عن عاصم فروى أبو بكر (إنّ هذان) نون إنّ مشدّدة، وروى حفص عن عاصم إن ساكنة النون وهي مثل قراءة ابن كثير، وهذان خفيفة.
وقرأ أبو عمرو وحده (إنّ) مشدّدة النون (هذين) بالياء.
قال قائلون: (إنّ) في قوله: (إنّ هذان لساحران) بمعنى: أجل، وأن تكون (إنّ) للتأكيد والناصبة للاسم أشبه بما قبل الكلام وما بعده، فأما قبل فقوله: فتنازعوا أمرهم بينهم وأسروا النجوى [طه/ 62] فالتنازع إنما هو في أمر موسى وهارون، هل هما ساحران على ما ظنوه من أمرهما، وقد تقدم من قولهم ما نسبوهما فيه إلى السحر، وهو قولهم: أجئتنا لتخرجنا من أرضنا بسحرك يا موسى فلنأتينك بسحر مثله [طه/ 57، 58] فهذا وإن لم يتقدمه سؤال عن سحرهم كما تقدم السّؤال مثل قوله: قالوا نعم وهو قوله: فهل وجدتم ما وعد ربكم حقا قالوا نعم [الأعراف/ 44] فقد تقدم أجئتنا لتخرجنا من أرضنا بسحرك يا موسى فلنأتينك بسحر مثله [طه/ 57، 58] فيكون نعم منصرفا إلى تصديق أنفسهم فيما ادّعوه من السحر و (إن) بمنزلة نعم.
وقال: قد قال سيبويه: نعم عدة وتصديق، وأن تصرف إلى الناصبة للاسم أولى. قال الجرميّ: هو قراءة أبي عمرو وعيسى وعمرو بن عبيد وقوله: يريدان أن يخرجاكم إلى آخر الكلام، أن يكون تأكيدا لأنهما ساحران أشبه بالكلام فإن حمله على التصديق ضرب من التأكيد فإن حملت (إنّ) على أنّه بمعنى نعم بقي الكلام: هذان لساحران، فتحصل لام الابتداء داخلة على خبر المبتدأ، وهذا قد قال النحويون فيه: إنّه يجوز في الشعر على الضرورة، فإن قلت: أقدر الابتداء محذوفا، فإن هذا لا يتجه «1» لأمرين: أحدهما: أن الذي حمله النحويون على الضرورة لا يمتنع من أن يستمر هذا التأويل فيه، ولم يحملوه مع ذلك عليه. والآخر: أن التأكيد باللام لا يليق به الحذف، ألا ترى أن الأوجه في الرتبة أن يتم الكلام ولا يحذف، ثم يؤكّد فأما أنيحذف ثم يؤكّد، فليس باللائق في التقدير، ووجه قول من قال: إن ذان، وإن هذان مخفف (إن): أنّ إنّ إذا خفّفت لم يكن النصب بها كثيرا، وكان الأوجه أن يرفع الاسم بعدها، والدليل على ذلك كثرة وقوع الفعل بعدها في نحو: إن كاد ليضلنا [الفرقان/ 42] وإن كانوا ليقولون [الصافات/ 167] وإن كنا عن دراستهم لغافلين [الأنعام/ 156]، وإذا كان الأوجه الرفع بعدها رفع هذان بعدها، وأدى مع ذلك خطّ المصحف، ومن زعم أنّ هذان في الآية الألف التي فيه الألف التي كانت في هذا، ليس إلا ألف التي جلبته التثنية، فإن الأمر لو كان على ما زعم لم تنقلب هذه الألف في تثنيته، كما أن الألف التي في هذا لا تنقلب على حال، وفي كون هذه الألف مرّة ياء، ومرة ألفا دلالة على أنه كسائر التثنية، ولا فصل بين هذا وبين غيره من الأسماء المعربة، وذلك أن هذه الأسماء في الانفراد إنما بنيت لمشابهتها الحروف، فإذا ثنيت زال بالثنية مشابهتها للحروف، من حيث لم تثنّ الحروف فتصير كسائر الأسماء المعربة، ويدلّ على أن هذه الألف للتثنية أن التي كانت في الواحد قد حذفت، كما حذفت الياء من التي والذي إذا قلت: اللتان واللذان، فالياء التي كانت في الاسم قد حذفت وجيء بالتي للتثنية. ومثل حذف هذه الألف حذف الألف من أولات ومن ذوات ومن هيهات، هذه كلّها حذفت فيها الألف والياء لقلة تمكّنها، فكذلك تحذف من قولهم: هذا، ألفه، وتلحق التي تكون علما للتثنية، ومن ثم انقلبت مرّة ياء ومرة ألفا، والتي تثبت في الواحد لا يتعاورها القلب، ولا تزول عن أن تكون ألفا، وقال أبو الحسن: إن هذان لساحران بتخفيف إن لأن الكتاب: هذان فيحملها على لغة من يخفّف إنّ فيرفع بها، وإن ثقلت فهي لغة لبني الحارث بن كعب يرفعون الاثنين في كل موضع قال: فأيّ التفسيرين فسرت فهو جيد.
[ الحجة للقراء السبعة: 5/229-232]

قال أبو بكر أحمد بن الحسين بن مِهْران النيسابورىّ (ت: 381هـ):
قرأ ابن كثير وحده {وَاللَّذَانِ} [16] مشددة النون. وكذلك {إِنْ هَذَانِ} [طه 63] وفي الحج {هَذَانِ} [19 الحج] و {إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ} [القصص 27] و {فَذَانِكَ بُرْهَانَانِ} [القصص 32] و {أَرِنَا اللَّذَيْنِ} [فصلت 29] مشددة النون في هذه الحروف.
[ المبسوط في القراءات العشر: 1/177]

قرأ أبو عمرو وحده {إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ} [63]. وقرأ ابن كثير، وحفص عن عاصم {إِنْ} ساكنة النون {هَذَانِ} بالألف. وابن كثير يشدد النون من {هَذَانِ} وقد مر ذكره. وقرأ الباقون {إِنْ} مشددة النون. {هَذَانِ} بالألف.
[ المبسوط في القراءات العشر: 1/296]




قال عبد الرحمن بن محمد، أبو زرعة ابن زنجلة (ت: 403هـ):


{قَالُوا إِن هَذَانِ لساحران} 63
قَرَأَ أَبُو عَمْرو / إِن هذَيْن / بِالْيَاءِ لِأَن تَثْنِيَة الْمَنْصُوب وَالْمَجْرُور بِالْيَاءِ فِي لُغَة فصحاء الْعَرَب وَأَبُو عَمْرو مستغن عَن إِقَامَة دَلِيل على صِحَّتهَا كَمَا أَن الْقَارئ فِي قَول الله جلّ وَعز {قَالَ رجلَانِ من الَّذين يخَافُونَ} مستغن عَن الِاحْتِجَاج على منازعه إِن نازعه فِي صِحَة قِرَاءَته
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {إِن هَذَانِ لساحران} بِالْألف وحجتهم أَنَّهَا مَكْتُوبَة هَكَذَا فِي الإِمَام مصحف عُثْمَان وَهَذَا الْحَرْف فِي كتاب الله مُشكل على أهل اللُّغَة وَقد كثر اخْتلَافهمْ فِي تَفْسِيره وَنحن نذْكر جَمِيع مَا قَالَ النحويون فَحكى أَبُو عُبَيْدَة عَن أبي الْخطاب وَهُوَ رَأس رُؤَسَاء الروَاة أَنَّهَا لُغَة كنَانَة يجْعَلُونَ ألف الِاثْنَيْنِ فِي الرّفْع وَالنّصب والخفض على لفظ وَاحِد يَقُولُونَ أَتَانِي الزيدان وَرَأَيْت الزيدان ومررت بالزيدان قَالَ الشَّاعِر
تزَود منا بَين أذنَاهُ ضَرْبَة ... دَعَتْهُ إِلَى هابي التُّرَاب عقيم
قَالَ الزّجاج وَقَالَ النحويون القدماء هَا هُنَا هَاء مضمرة وَالْمعْنَى إِنَّه هَذَانِ لساحران كَمَا تَقول إِنَّه زيد منطلق ثمَّ تَقول إِن زيد منطلق وَقَالَ الْمبرد أحسن مَا قيل فِي هَذَا أَن يَجْعَل إِن بِمَعْنى نعم الْمَعْنى نعم هَذَانِ لساحران فَيكون ابْتِدَاء وخبرا قَالَ الشَّاعِر ... وَيَقُلْنَ شيب قد علا ... ك وَقد كَبرت فَقلت إِنَّه ...

أَي نعم فَإِن قيل اللَّام لَا تدخل بَين الْمُبْتَدَأ وَخَبره لَا يُقَال زيد لقائم فَمَا وَجه هَذَانِ لساحران
الْجَواب فِي ذَلِك أَن من الْعَرَب من يدْخل لَام التوكيد فِي خبر الْمُبْتَدَأ فَيَقُول زيد لأخوك قَالَ الشَّاعِر ... خَالِي لأَنْت وَمن جرير خَاله ... ينل الْعَلَاء وَيكرم الأخوالا ...
وَقَالَ الزّجاج الْمَعْنى نعم هَذَانِ لساحران وَقَالَ قطرب يجوز أَن يكون الْمَعْنى أجل فَيكون الْمَعْنى وَالله أعلم {فتنازعوا أَمرهم بَينهم وأسروا النَّجْوَى} قَالُوا أجل تَصْدِيقًا من بَعضهم لبَعض ثمَّ قَالُوا {هَذَانِ لساحران} وَيجوز أَن يكون اللَّام دَاخِلَة فِي الْخَبَر على التوكيد وَقَالَ الْفراء فِي {هَذَانِ} إِنَّهُم زادوا فِيهَا النُّون فِي التَّثْنِيَة وتركوها على حَالهَا فِي الرّفْع وَالنّصب والجر كَمَا فعلوا فِي الَّذِي فَقَالُوا الَّذين فِي الرّفْع وَالنّصب والجر
وَقَرَأَ حَفْص {إِن هَذَانِ} بتخفف {إِن} جعل إِن بِمَعْنى مَا وَاللَّام بِمَعْنى إِلَّا التَّقْدِير مَا هَذَانِ إِلَّا ساحران
وَقَرَأَ ابْن كثير {إِن} بِالتَّخْفِيفِ {هَذَانِ} بِالتَّشْدِيدِ و {إِن} تكون أَيْضا بِمَعْنى مَا والأ فِي هَذَانِ هَذَا ان فَحذف الْألف وَجعل التَّشْدِيد عوضا من الْألف المحذوفة الَّتِي كَانَت فِي هَذَا وَمن الْعَرَب من إِذا حذف عوض وَمِنْهُم من إِذا حذف لم يعوض فَمن عوض آثر تَمام الْكَلِمَة وَمن لم يعوض آثر التَّخْفِيف وَمثل ذَلِك فِي تَصْغِير مغتسل مِنْهُم من يَقُول مغيسل فَلم يعوض وَمِنْهُم من يَقُول مغيسيل فعوض من التَّاء يَاء.
[حجة القراءات: 1/454_456]

-
قال أبو القاسم عبد الرحمن بن إسحاق الزجَّاجيُّ (ت: 340هـ): ( إن لها وجهان

تكون بمعنى نعم لا تعمل شيئا فتقول إنّ عبد الله قائم تريد عبد الله قائم
وإن قائم عبد الله على ذلك التّقدير
والوجه الثّاني تنصب الاسم وترفع الخبر تقول إن زيدا منطلق ومعناها التّأكيد). [حروف المعاني والصفات: 30]
إنّ المشدّدة المكسورة
قال أبو القاسم عبد الرحمن بن إسحاق الزجَّاجيُّ (ت: 340هـ): ( إنّ المشدّدة المكسورة لها موضعان تكون تحقيقا وصلة للقسم كقولك إن زيدا قائم
ووالله إن أخاك عالم
وتكون بمعنى أجل فلا تعمل شيئا كقول القائل لابن الزبير لعن الله ناقة حملتني إليك فقال إنّ وراكبها معناه أجل
كقول الشّاعر
(ويقلن شيب قد علاك ... وقد كبرت فقلت إنّه) [مجزوء الكامل] ). [حروف المعاني والصفات: 56]
تخفيف [إن]
أكثر العرب على إهمال [إن] المخففة. قال [سيبويه:1/238]:
«
وحدثنا من نثق به أنه سمع من العرب من يقول: إن عمرا لمنطلق، وأهل المدينة يقرءون: {وإن كلا لما ليوفينهم ربك أعمالهم}يخففون وينصبون وأما أكثرهم فأدخلوها في حروف الابتداء بالحذف؛ كما أدخلوها في حروف الابتداء حين ضموا إليها [ما]».
ومثله في [المقتضب:1/50، 2/363].
وعلى إهمالها لا يقدر فيها ضمير الشأن، ولكن الزمخشري قدر ضمير الشأن في بعض الآيات ورد عليه أبو حيان.
ويرى الكوفيون أن [إن] لا تخفف، وخرجوا جميع ذلك على أن [إن] نافية ؛ واللام الفارقة بمعنى [إلا].
جاء إعمال [إن] المخففة في السبعيات في قوله تعالى: {وإن كلا لما ليوفينهم ربك أعمالهم} [11: 111].
في هذه الآية أربع قراءات سبعية:تخفيف [إن[وتشديدها وتخفيف الميم من [لما] وتشديدها.
فقراءة تخفيف [إن] والميم من [لما] [إن] فيها مخففة عاملة، واللام هي الفارقة، و[ما] موصولة، أو زائدة.
وقراءة تشديد [إن] والميم من [لما] تكون [لما] هي الجازمة حذف مجزومها، أي لما يوافوا.
وقراءة تخفيف [إن] وتشديد [لما] لما بمعنى [إلا].

وقرئ في السبع بإهمال [إن] وبتخفيف الميم من [لما] وتشديدها في قوله تعالى:
1-{وإن كل لما جميع لدينا محضرون}[36: 32].
2-{وإن كل ذلك لما متاع الحياة الدنيا}[43: 35].
3- {إن كل نفس لما عليها حافظ} [86: 4].

كما قرئ في السبع بتخفيف [إن] وتشديدها في قوله تعالى:{إن هذان لساحران} [20: 63].

التقويم: أ+
أحسنتِ، وتميزتِ، بارك الله فيكِ ونفع بكِ، ووفقكِ لتحرير هذه المسألة وسددكِ.

رد مع اقتباس
  #17  
قديم 6 صفر 1442هـ/23-09-2020م, 12:10 AM
إنشاد راجح إنشاد راجح غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Sep 2016
المشاركات: 732
افتراضي

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أثناء دراستي لقول الله تعالى: ( إن هذان لساحران) رأيت أنه من النافع إضافة بعض المراجع التي تثري البحث وتوضح بعض ما ذكره أهل اللغة والتفسير،
فكانت هذه الإضافة من موقع جمهرة العلوم: ( توجيه القراءات في الآية).

والمراجع كالتالي:
1. معاني القراءات وعللها لأبي
أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ)
2. إعراب القراءات السبع وعللها لأبي
عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ)
3.الحجة للقراء السبعة
لأبي علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ)
4. حجة القراءات
لأبي زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ)
5. الكشف عن وجوه القراءات السبع
لمكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ)
6.
الموضح لنصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ)


قوله تعالى: {قَالُوا إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ يُرِيدَانِ أَنْ يُخْرِجَاكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِمَا وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلَى (63)}

قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (إنّ هذان لساحران (63)
[معاني القراءات وعللها: 2/148]
قرأ ابن كثيرٍ (إن) خفيفة، (هذان) بالرفع وتشديد النون.
وقرأ حفص (إن هذان) بالرفع وتخفيف النون:
وقرأ أبو عمرو (إنّ) مشددة، (هذين) نصبًا باللغة العالية.
وقرأ الباقون (إنّ) بالتشديد، (هذان) بالرفع وتخفيف النون.
قال أبو منصور: أما قراءة أبي عمرو (إنّ هذين) وهي اللغة العالية التي يتكلم بها جماهير العرب إلا أنها مخالفة للمصحف، وكان أبو عمرو يذهب في مخالفته المصحف إلى قول عائشة وعثمان: إنه من غلط الكاتب فيه، وفي حروف أخر.
وأما من قرأ (إن هذان لساحران) بتخفيف (إن)، و(هذان) بالرفع فإنه ذهب إلى أن (إنّ) إذا خففت رفع ما بعدها، ولم ينصب بها، وتشديد النون من (هذانّ) لغة معروفة، وقرئ (فذانّك برهانان) على هذه اللغة.
والمعنى في قراءة (إن هذان لساحران): ما هذان إلا ساحران، بمعنى النفي، واللام في (لساحران) بمعنى: إلا وهذا صحيح في المعنى، وفي كلام العرب.
[معاني القراءات وعللها: 2/149]
وأما قراءة العامّة (إنّ هذان لساحران) ففي صحته في العربية وجوه كلها حجة، منها: أن الأخفش الكبير وغيره من قدماء النحويين قالوا: هي لغة لكنانة، يجعلون ألف الاثنين في الرفع والخفض على لفظ واحد، كقولك: أتاني الزيدان، ورأيت الزيدان، ومررت بالزيدان، وقد أنشد الفراء بيتًا للمتلمّس حجة لهذه اللغة:
فأطرق إطراق الشّجاع ولو يرى... مساغاً لناباه الشّجاع لصمّما
وقال أبو عبيد: ويروي للكسائي يقول: هي لغة لبلحارث بن كعب، وأنشد
تزوّد منّا بين أذناه ضربةً... دعته إلى هابي التراب عقيم
وقال بعض النحويين في قوله (إنّ هذان لساحران) ها هنا هاء مضمرة، المعنى: إنّه هذان لساحران.
[معاني القراءات وعللها: 2/150]
وقال آخرون: (إنّ) بمعنى: نعم هذان لساحران، وقال ابن قيس الرقيّات:
ويقلن شيبٌ قد علا... ك وقد كبرت فقلت إنّه.
وقال أبو إسحاق الزجاج: أجود ما سمعت في هذا: أن (إن) وقعت موقع (نعم)، وأن اللام وقعت موقعها، والمعنى: نعم هذان لهما ساحران.
قال: والذي سلى هذا في الجودة مذهب بني كنانة في ترك ألف التثنية على هيئة واحد.
قال: وأما قراءة أبي عمرو فإني لا أجيزها لمخالفتها المصحف، قال: ولما وجدت سبيلاً إلى موافقة المصحف لم أجز مخالفته؛ لأن اتباعه سنّة، سيما وأكثر القراء على اتباعه، ولكني أستحسن (إن هذان لساحران) وفيه إمامان: عاصم، والخليل. وموافقة أبيٍّ - رضي الله عنه). [معاني القراءات وعللها: 2/151]

قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (10- وقوله تعالى: {إن هذان لسحرن} [63].
فيه ست قراءاتٍ:
قرأ أبو عمرو وحدة {إن هذين} بالياء؛ لأن تثنية المنصوب، والمجرور بالياء في لغة فصحاء العرب، وأما من جعل تثنية المجرور والمنصوب بالألف فقالوا: جلست بين يداه، وأعطيت درهمان. فلغة شاذة، لا تدخل في القرآن، وهي لغة بلحرث بن كعب. قال الشاعر:
تزود منا بين أذناه ضربة = دعته إلى هابي التراب عقيم
وقال أخر:
[إعراب القراءات السبع وعللها: 2/36]
طاروا علاهن فطر علاها
واشدد بمتني حقب حقواها
إن أباها وأبا أباها
قد بلغا في المجد غايتاها
ناجية وناجيًا أباها
فلما كانت الكتابة في المصحف بالألف (إن هذان) حمله بعضهم على هذه اللغة.
وقال المبرد، وإسماعيل القاضي: أحسن ما قيل في هذا: أن يجعل «إن» بمعنى: «نعم»، والتقدير: نعم هذان لساحران. فيكون ابتداءً وخيرًا. قال الشاعر:
بكر العواذل بالضحي يلحينني والومهنة
ويقلن شيب قد علاك وقد كبرت فقلت إنه
وقرأ {إن هذان} عاصم في رواية أبي بكر، ونافع، وحمزة والكسائي وابن عامرٍ اتباعًا للمصحف. واحتجوا بما قدمت ذكره.
ولأبي عمرو حجة أخرى: وذلك أنه سمع حديث عثمان، وعائشة إنا
[إعراب القراءات السبع وعللها: 2/37]
لنجد في مصاحفكم لحنًا، وستقيمه العرب بالسنتها.
فإن سأل سائل: كيف جاز لعثمان، وهو إمام أن يرى لحنًا في المصحف فلا يغيره؟
فالجواب: في ذلك:
أن اللحن على ثلاثة أودجه:-
فأحد ذلك أن تنصب الفاعل، وترفع المفعول، ونحو ذلك، فذلك لا يجوز في كلامٍ ولا قرآن، ولا غيره.
والوجه الثاني: أن يكون اللحن خروجًا من لغة إلى لغةٍ. فقول عثمان: نجد في مصاحفكم لحنًا، لم يرد اللحن الذي لا يجوز البتة، ولكنه أراد الخروج من لغةٍ إلى لغةٍ؛ لأن القرآن نزل بلغة قريش، لا بلغة بلحرث بن كعب. ألم تسمع أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه بلغه أن ابن مسعودٍ يقرئ الناس بلغة هذيل {عتى حين} بالعين فكتب إليه: أما بعد، فإذا ورد عليك كتابي
[إعراب القراءات السبع وعللها: 2/38]
فأقرئ الناس بلغة هذا الحي من قريش. وكل قد ذهب مذهبًا، والحمد لله واجتهدوا.
والوجه الثالث: أن اللحن الفطنة، وقد فسر في غير هذا الموضع.
والقراءة الثالثة: {إن هذان لسحرن} بتخفيف «أن» قرأ بذلك حفص عن عاصمٍ. جعل «إن» جحدًا، ما هذان لساحران.
والقراءة الرابعة {إن هذان} بتخفيف «إن»، وتشديد نون التثنية، وهي قراءة ابن كثيرٍ وحفص وقد ذكرت علة تشديد النون في (النساء).
والقراءة الخامسة: أن أبيا قرأ: (إن ذان إلا ساحران) وهذا يقوى قراءة حفص وابن كثيرٍ.
والقراءة السادسة: أن ابن مسعودٍ قرأ: {إن هذان سحرن} بغير
فإن سأل سائل فقال: قد أجزت أن تجعل «إن» بمعنى «نعم».
ولا يدخل اللام بين المبتدأ وخبره. ولا يقال: زيد لقائم. فما وجه قوله:
{إن هذان}.
فالجواب في ذلك: أن من العرب من يدخل لام التأكيد في خبر المبتدأ.
[إعراب القراءات السبع وعللها: 2/39]
فيقول زيد لأخوك. وهي لغة مستقيمة، قال الشاعر:-
خالي لأنت ومن جرير خاله = ينل العلاء ويكرم الأخوالا
وقال آخر:
أم الحليس لعجوز شهربه = ترضي من اللحم بعظم الرقبه
وفيه وجه أحسن من هذا كله، وذلك: أن جعفر بن محمد سئل عن {إن هذان}. فقال: إن فرعون كان لحنة قبطيا. فقال: إن هذان فحكي الله لفظه. ويخطئ هذا التوجيه أن فرعون لم يتكلم العربية... وكيف يغيب هذا عن شيخنا؟!). [إعراب القراءات السبع وعللها: 2/40]

قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في قوله تعالى: إن هذين [طه/ 63] في تشديد النون وتخفيفها.
فقرأ ابن عامر ونافع وحمزة والكسائي: (إنّ) مشدّدة النون.
هذان بألف خفيفة النون من هذان.
وقرأ ابن كثير (إن هذانّ) بتشديد نون (هذانّ) وتخفيف نون (إنّ).
واختلف عن عاصم فروى أبو بكر (إنّ هذان) نون إنّ مشدّدة، وروى حفص عن عاصم إن ساكنة النون وهي مثل قراءة ابن كثير، وهذان خفيفة.
وقرأ أبو عمرو وحده (إنّ) مشدّدة النون (هذين) بالياء.
[الحجة للقراء السبعة: 5/229]
قال قائلون: (إنّ) في قوله: (إنّ هذان لساحران) بمعنى: أجل، وأن تكون (إنّ) للتأكيد والناصبة للاسم أشبه بما قبل الكلام وما بعده، فأما قبل فقوله: فتنازعوا أمرهم بينهم وأسروا النجوى [طه/ 62] فالتنازع إنما هو في أمر موسى وهارون، هل هما ساحران على ما ظنوه من أمرهما، وقد تقدم من قولهم ما نسبوهما فيه إلى السحر، وهو قولهم: أجئتنا لتخرجنا من أرضنا بسحرك يا موسى فلنأتينك بسحر مثله [طه/ 57، 58] فهذا وإن لم يتقدمه سؤال عن سحرهم كما تقدم السّؤال مثل قوله: قالوا نعم وهو قوله: فهل وجدتم ما وعد ربكم حقا قالوا نعم [الأعراف/ 44] فقد تقدم أجئتنا لتخرجنا من أرضنا بسحرك يا موسى فلنأتينك بسحر مثله [طه/ 57، 58] فيكون نعم منصرفا إلى تصديق أنفسهم فيما ادّعوه من السحر و (إن) بمنزلة نعم.
وقال: قد قال سيبويه: نعم عدة وتصديق، وأن تصرف إلى الناصبة للاسم أولى. قال الجرميّ: هو قراءة أبي عمرو وعيسى وعمرو بن عبيد وقوله: يريدان أن يخرجاكم إلى آخر الكلام، أن يكون تأكيدا لأنهما ساحران أشبه بالكلام فإن حمله على التصديق ضرب من التأكيد فإن حملت (إنّ) على أنّه بمعنى نعم بقي الكلام: هذان لساحران، فتحصل لام الابتداء داخلة على خبر المبتدأ، وهذا قد قال النحويون فيه: إنّه يجوز في الشعر على الضرورة، فإن قلت: أقدر الابتداء محذوفا، فإن هذا لا يتجه لأمرين: أحدهما: أن الذي حمله النحويون على الضرورة لا يمتنع من أن يستمر هذا التأويل فيه، ولم يحملوه مع ذلك عليه. والآخر: أن التأكيد باللام لا يليق به الحذف، ألا ترى أن الأوجه في الرتبة أن يتم الكلام ولا يحذف، ثم يؤكّد فأما أن
[الحجة للقراء السبعة: 5/230]
يحذف ثم يؤكّد، فليس باللائق في التقدير، ووجه قول من قال: إن ذان، وإن هذان مخفف (إن): أنّ إنّ إذا خفّفت لم يكن النصب بها كثيرا، وكان الأوجه أن يرفع الاسم بعدها، والدليل على ذلك كثرة وقوع الفعل بعدها في نحو: إن كاد ليضلنا [الفرقان/ 42] وإن كانوا ليقولون [الصافات/ 167] وإن كنا عن دراستهم لغافلين [الأنعام/ 156]، وإذا كان الأوجه الرفع بعدها رفع هذان بعدها، وأدى مع ذلك خطّ المصحف، ومن زعم أنّ هذان في الآية الألف التي فيه الألف التي كانت في هذا، ليس إلا ألف التي جلبته التثنية، فإن الأمر لو كان على ما زعم لم تنقلب هذه الألف في تثنيته، كما أن الألف التي في هذا لا تنقلب على حال، وفي كون هذه الألف مرّة ياء، ومرة ألفا دلالة على أنه كسائر التثنية، ولا فصل بين هذا وبين غيره من الأسماء المعربة، وذلك أن هذه الأسماء في الانفراد إنما بنيت لمشابهتها الحروف، فإذا ثنيت زال بالثنية مشابهتها للحروف، من حيث لم تثنّ الحروف فتصير كسائر الأسماء المعربة، ويدلّ على أن هذه الألف للتثنية أن التي كانت في الواحد قد حذفت، كما حذفت الياء من التي والذي إذا قلت: اللتان واللذان، فالياء التي كانت في الاسم قد حذفت وجيء بالتي للتثنية. ومثل حذف هذه الألف حذف الألف من أولات ومن ذوات ومن هيهات، هذه كلّها حذفت فيها الألف والياء لقلة تمكّنها، فكذلك تحذف من قولهم: هذا، ألفه، وتلحق التي تكون علما للتثنية، ومن ثم انقلبت مرّة ياء ومرة ألفا، والتي تثبت في الواحد لا يتعاورها القلب، ولا تزول عن أن تكون ألفا، وقال أبو الحسن: إن هذان لساحران بتخفيف إن لأن الكتاب: هذان فيحملها على لغة من يخفّف إنّ فيرفع بها، وإن ثقلت فهي لغة لبني الحارث بن كعب
[الحجة للقراء السبعة: 5/231]
يرفعون الاثنين في كل موضع قال: فأيّ التفسيرين فسرت فهو جيد). [الحجة للقراء السبعة: 5/232]

قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({قالوا إن هذان لساحران} 63
قرأ أبو عمرو (إن هذين) بالياء لأن تثنية المنصوب والمجرور بالياء في لغة فصحاء العرب وأبو عمرو مستغن عن إقامة دليل على صحّتها كما أن القارئ في قول الله جلّ وعز {قال رجلان من الّذين يخافون} مستغن عن الاحتجاج على منازعه إن نازعه في صحة قراءته
وقرأ الباقون {إن هذان لساحران} بالألف وحجتهم أنّها مكتوبة هكذا في الإمام مصحف عثمان وهذا الحرف في كتاب الله مشكل على أهل اللّغة وقد كثر اختلافهم في تفسيره ونحن نذكر جميع ما قال النحويون فحكى أبو عبيدة عن أبي الخطاب وهو رأس رؤساء الرواة أنّها لغة كنانة يجعلون ألف الاثنين في الرّفع والنّصب والخفض على لفظ واحد يقولون أتاني الزيدان ورأيت الزيدان ومررت بالزيدان قال الشّاعر
تزود منا بين أذناه ضربة ... دعته إلى هابي التّراب عقيم
[حجة القراءات: 454]
قال الزّجاج وقال النحويون القدماء ها هنا هاء مضمرة والمعنى إنّه هذان لساحران كما تقول إنّه زيد منطلق ثمّ تقول إن زيد منطلق وقال المبرد أحسن ما قيل في هذا أن يجعل إن بمعنى نعم المعنى نعم هذان لساحران فيكون ابتداء وخبرا قال الشّاعر:
ويقلن شيب قد علا ... ك وقد كبرت فقلت إنّه
أي نعم فإن قيل اللّام لا تدخل بين المبتدأ وخبره لا يقال زيد لقائم فما وجه هذان لساحران
الجواب في ذلك أن من العرب من يدخل لام التوكيد في خبر المبتدأ فيقول زيد لأخوك قال الشّاعر:
خالي لأنت ومن جرير خاله ... ينل العلاء ويكرم الأخوالا
وقال الزّجاج المعنى نعم هذان لساحران وقال قطرب يجوز أن يكون المعنى أجل فيكون المعنى والله أعلم {فتنازعوا أمرهم بينهم وأسروا النّجوى} قالوا أجل تصديقًا من بعضهم لبعض ثمّ قالوا {هذان لساحران} ويجوز أن يكون اللّام داخلة في الخبر على التوكيد
[حجة القراءات: 455]
وقال الفراء في {هذان} إنّهم زادوا فيها النّون في التّثنية وتركوها على حالها في الرّفع والنّصب والجر كما فعلوا في الّذي فقالوا الّذين في الرّفع والنّصب والجر
وقرأ حفص {إن هذان} بتخفف {إن} جعل إن بمعنى ما واللّام بمعنى إلّا التّقدير ما هذان إلّا ساحران
وقرأ ابن كثير {إن} بالتّخفيف {هذان} بالتّشديد و{إن} تكون أيضا بمعنى ما والأصل في هذان: هذا ان فحذف الألف وجعل التّشديد عوضا من الألف المحذوفة الّتي كانت في هذا ومن العرب من إذا حذف عوض ومنهم من إذا حذف لم يعوض فمن عوض آثر تمام الكلمة ومن لم يعوض آثر التّخفيف ومثل ذلك في تصغير مغتسل منهم من يقول مغيسل فلم يعوض ومنهم من يقول مغيسيل فعوض من التّاء ياء). [حجة القراءات: 456]

قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (12- قوله: {قالوا إن هذان} قرأ ابن كثير وحفص: {قالوا إن} بتخفيف {إن}، وشدد الباقون، وقرأ أبو عمرو «هذين» بالياء، وقرأ الباقون بالألف.
وحجة من خفف أنه لما رأى القراءة وخط المصحف في {هذان} بالألف أراد أن يحتاط بالإعراب، فخفف {إن} ليحسن الرفع بعدها على الابتداء؛ لأن {إن} إذا خففت حسن رفع ما بعدها على الابتداء لنقصها عن شبه الفعل، ولأنها لم تقو قوة الفعل، فتعمل ناقصة، كما يعمل الفعل ناقصًا، في نحو: لم يك زيد أخانا، ومنهم من يعملها، وهي مخففة، عملها وهي مشددة، فالذي خفف {إن} اجتمع له في قراءته موافقة الخط وصحة الإعراب في {هذان}.
13- وحجة من شدده أنه أتى بها على أصلها، فوافق الخط، وتأول في رفع {هذان} مما نذكره.
14- وحجة من قرأ {هذان} بألف مع تشديد {إن} أنه اتبع خط المصحف، وأجرى {هذان} في النصب بألف على لغة لبني الحارث بن كعب، يلفظون بالمثنى بألف على كل حال، وأنشد النحويون في ذلك قول الشاعر:
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/99]
= تزود منا بين أذناه طعنة =
فأتى بالألف في موضع الخفض، وقد قيل: إنما أتى {هذان} بألف على لغة من جعل {إن} بمعنى «نعم» فيرتفع ما بعدها بالابتداء، واستبعد ذلك بعض النحويين لدخول اللام في {لساحران} واللام إنما حقها أن تدخل في الابتداء دون الخبر، وإنما تدخل في الخبر إذا علمت {إن} في الاسم لما لم يظهر فيه الإعراب في الواحد والجمع أجريت التثنية على ذلك، فأتى بالألف على كل وجه من الإعراب، كما كان في الواحد والجمع.
15- وحجة من قرأ بالياء أنه أعمل {إن} في {هذان} فنصبته، وهي اللغة المشهورة المستعملة، لكنه خالف الخلط فضعف لذلك، وقد ذكرنا أن ابن كثير يشدد النون من {هذان} وذكرنا علته). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/100]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (10- {إنْ}بتشديد النون {هَذَينِ}بالياء [آية/ 63]:
قرأها أبو عمرو وحده.
والوجه فيها بين، وهو أن {إنْ}هي المؤكدة الناصبة للاسم، الرافعة للخبر، و{هَذَينِ}اسمها، و{لَسَاحِرَانِ}خبرها، واللام هي لام التأكيد التي تدخل على خبر إن، وهي التي تسمى لام الابتداء.
وقرأ الباقون إلا ابن كثير و- ص- عن عاصم {إنْ}بتشديد النون، {هَذَانِ}بالألف وبتخفيف النون.
والوجه في ألف {هَذَانِ}قد ذكر فيها أقوال:
أحدها: أن يكون على لغة بني الحارث بن كعب؛ وذلك أن التثنية عندهم في الأحوال الثلاثة بالألف، يقولون: هذان أخواك ورأيت أخواك ومررت بأخواك، قال الشاعر:
89- كأن صريف ناباه إذا ما= أمرهما ترنم أخطبان
[الموضح: 836]
أراد: نابيه واخطبين، وقال آخر:
90- تزود منا بين أذناه ضربة =دعته إلى هابي التراب عقيم
أراد أذنيه، وقال الآخر:
91- إن أباها وأبا أباها= قد بلغا في المجد غايتاها
أراد غايتيها، وأما: أباها فإنه أجراها مجرى عصاها.
فقوله {هَذَانِ}ههنا في موضع نصب؛ لأن اسم {إنْ} و{لَسَاحِرَانِ}خبره، وحسن دخول اللام؛ لأنه في خبر إن.
والثاني: أن يكون {إنْ}بمعنى نعم، كما قال الشاعر:
[الموضح: 837]
92- بكر العواذل في الصبو= ح يلمنني وألومهنه
ويقلن شيب قد علا = ك وقد كبرت فقلت إنه
أراد: نعم، فيكون {هَذَانِ}على هذا مبتدأ و{لَسَاحِرَانِ}خبره. ويضعف هذا الوجه من جهة دخول اللام في خبر المبتدأ، وهو إنما جاء في الشعر، قال:
93- خالي لأنت ومن جرير خاله =ينل العلاء ويكرم الأخوالا
أي: خالي أنت، فزاد اللام.
والثالث: أن يكون على إضمار الأمر أو الشأن، والتقدير: إنه هذان لساحران، أي إن الأمر أو الشأن هذان ساحران، فأضمر الأمر، كما أضمره الشاعر في قوله:
94- إن من لام في بني بنت حسا= ن ألمه وأعصه في الخطوب
أي: إن الأمر.
[الموضح: 838]
وعلى هذا يكون الأمر اسم {إنْ} و{هَذَانِ لَسَاحِرَانِ}مبتدأٌ وخبره، وهما خبر {إنْ}.
وقد دخلت اللام ههنا أيضًا على خبر المبتدأ، وفيه من البعد ما ذكرناه.
والرابع: ما ذكره الزجاج وهو أنه على إضمار الأمر كما سبق، إلا أن فيه إضماراً آخر، وهو أن التقدير: إن هذان لهما ساحران، فأضمر الشأن، كأنه قال: إنه هذان، فحذف الهاء، ثم أضمر مبتدأ، وهو: هما، فقال: لهما ساحران، فيكون اسم {إنْ}مضمراً وهو الأمر أو الشأن، و{هَذَانِ}مبتدأ، ولهما مبتدأ ثان، و{سَاحِرَانِ}خبر المبتدأ الثاني، والجملة أعني: لهما وساحران خبر المبتدأ الأول، وهو {هَذَانِ}، والكل خبر {إنْ}، واللام في هذا التقدير داخلة على المبتدأ، لا على الخبر، لكنه لما حذف المبتدأ الذي هو هما انتقل اللام إلى خبره وهو ساحران.
وهذا الوجه لم يرتضه أبو علي، وقال: اللام يدل على التأكيد، والمؤكد لا يليق به الحذف؛ لأن الحذف ضد التأكيد.
والخامس: أن يكون ألف {هَذَانِ}ألف الأصل، أعني ألف هذا، وحذفت ألف التثنية؛ لأنها اجتمعت مع ألف هذا، فحذفت لالتقاء الساكنين، وإنما حذفت ألف التثنية؛ لأن النون ههنا لازم لا يسقط، فصار دليل التثنية، ودخول اللام في {لَسَاحِرَانِ}على هذا حسنٌ؛ لأنها دخلت على خبر {إنْ}، وزيف أبو علي هذا الوجه، وقال: لما ثنيت هذا، صارت وإن كانت مبنية كالأسماء المعربة، فينبغي أن يكون تثنية هذا كتثنيتها، لا فرق؛ لأنها ثنيت زالت مشابهتها للحروف؛ لأن الحروف لا تثنى.
[الموضح: 839]
والسادس: أن تكون ها من قوله {إنْ هَذَانِ}ليست للتنبيه، بل هي ضمير القصة، وهي منفصلة من: ذان، ومتصلة بأن، والتقدير: إنها ذان لساحران، أي أن القصة ذان لساحران، فيكون الضمير ضمير القصة، وهو اسم إن، وذان مبتدأ، ولساحران خبره، وهما جميعًا خبر إن، والقول في اللام على ما سبق من الزيادة.
وهذا الوجه ضعيف؛ لأنه خلاف المصحف.
قرأ ابن كثير و- ص- عن عاصم {إنْ}بالتخفيف {هَذَانِ}بالألف والنون، وخفف- ص- النون من {هَذَانِ}، وشددها ابن كثير.
ووجه تخفيف النون من {إنْ}أن {إنْ}هي المخففة من الثقيلة، وهي إذا خففت أضمر الشأن أو الأمر بعدها في الأغلب، ولهذا يكون ما بعدها رفعًا، وقلما تعمل إن مخففة إلا في شعر.
والوجه في تشديد ابن كثير نون {هَذَانِ}هو أنه جعل التشديد عوضًا من ألف هذا التي حذفت لالتقائها مع ألف التثنية، فلما حذفت عوض منها نون فأدغمت في نون التثنية، وقد سبق ذلك في سورة النساء.
وأما وجه تخفيف نون {هَذَانِ}فظاهر؛ لأنه نون التثنية). [الموضح: 840]

رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
مجلس, أداء

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
إبحث في الموضوع:

البحث المتقدم
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 11:27 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir