دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > برنامج إعداد المفسر > خطة التأهيل العالي للمفسر > منتدى الامتياز

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 8 شعبان 1441هـ/1-04-2020م, 02:56 AM
هيئة الإشراف هيئة الإشراف غير متواجد حالياً
معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
المشاركات: 8,790
افتراضي المجلس السابع عشر: مجلس مذاكرة القسم السابع من تفسير سورة النساء

مجلس مذاكرة القسم السابع من تفسير سورة النساء من الآية 44 إلى الآية 50

- لخص أحد الدروس التالية مطبقا ما درسته سابقا في دورة المهارات الأساسية والمهارات المتقدمة في التفسير .


- تفسير سورة النساء [ من الآية (44) إلى الآية (46) ]
- تفسير سورة النساء [ من الآية (47) إلى الآية (48) ]
- تفسير سورة النساء [ من الآية (49) إلى الآية (50) ]



- ثم صحح أحد تلخيصات زملائك.


قواعد مجالس مذاكرة سورة النساء:

١. يفتح المجلس في بداية كل أسبوع بإذن الله.
٢. ‏يختار كل طالب أحد الموضوعات المقررة في مقرر الأسبوع، ويمنع التكرار حتى تستوعب كل الدروس.
٣. يعمل الطالب على تلخيص الدرس من خلال تطبيق المهارات التي تعلمها في المهارات الأساسية والمتقدمة في التفسير، وطلاب مستوى الامتياز يجدر بهم تقديم عمل جيد يناسب مستواهم وما مارسوه من تطبيقات سابقة.
٤. يحبذ تسليم التلخيص يوم الخميس من كل أسبوع كحد أقصى.
٥. يومي الجمعة والسبت:
يختار الطالب أحد تلخيصات زملائه ويعمل على تصحيحه، مبينا ما فاته من مسائل وما قصر فيه من أدوات التحرير العلمي و الصياغة والعرض ونحو هذا؛ وحتى يحقق هذا المطلوب سيحتاج الطالب قراءة جيدة للدرس ربما تفوق قراءته الشخصية لعمل واجبه، وهذا المطلوب سينمي لديكم عدة مهارات منها التصحيح، والتفطن لمواضع الخطأ ومن ثم تجنبها فيما يستقبل من أعمالكم، والتوسع في فهم بعض المسائل حتى تتمكنوا من شرحها للآخرين.
٦. تقوم هيئة التصحيح بتصحيح جميع أعمالكم في الأسبوع التالي بإذن الله، بما فيها إرشادات على تصحيحكم على نماذج زملائكم.
٧. في النهاية يفتح كل منكم ملفا في حاسوبه، يحتفظ فيه بتلخيص كامل دروس القسم ويفضل تعديل التلخيص وفق ملحوظات التصحيح، ليكتمل له في نهاية هذا المقرر بإذن الله أصلا علميا في تفسير سورة النساء.


وبهذا فإن المطلوب الأسبوعي منكم باختصار:
١. دراسة مقرر كل أسبوع.
٢. تلخيص أحد الدروس.
٣. تصحيح عمل واحد من أعمال زملائكم.
- يمنع التكرار في كل الأحوال حتى تستوعب جميع الأعمال.
زادكم الله توفيقًا وسدادًا ونفع بكم الإسلام والمسلمين.


رد مع اقتباس
  #2  
قديم 8 شعبان 1441هـ/1-04-2020م, 09:06 AM
عقيلة زيان عقيلة زيان غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - الامتياز
 
تاريخ التسجيل: May 2011
المشاركات: 700
افتراضي

ان شاء الله اختار الآيات

من الآية (47) إلى الآية (48)

رد مع اقتباس
  #3  
قديم 8 شعبان 1441هـ/1-04-2020م, 09:10 AM
هناء محمد علي هناء محمد علي غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - الامتياز
 
تاريخ التسجيل: Aug 2015
المشاركات: 439
افتراضي

أختار الآيات 49 - 50 بإذن الله

رد مع اقتباس
  #4  
قديم 8 شعبان 1441هـ/1-04-2020م, 10:07 PM
علاء عبد الفتاح محمد علاء عبد الفتاح محمد غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - الامتياز
 
تاريخ التسجيل: Jan 2015
المشاركات: 599
افتراضي السلام عليكم

تفسير قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنفُسَهُمْ بَلِ اللّهُ يُزَكِّي مَن يَشَاء وَلاَ يُظْلَمُونَ فَتِيلاً (49) انظُرْ كَيفَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللّهِ الكَذِبَ وَكَفَى بِهِ إِثْمًا مُّبِينًا (50)}

تفسير قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنفُسَهُمْ بَلِ اللّهُ يُزَكِّي مَن يَشَاء وَلاَ يُظْلَمُونَ فَتِيلاً (49)}
==سبب نزول هذه الآية
قيل في سبب نزولها عدة أقوال منها:
-أنها نزلت في اليهود حين قالوا: {نحن أبناء اللّه وأحبّاؤه}
قاله الحسن وقتادة.
وقد رواه عنهما ابن جرير الطبري في تفسيره، وروى قول الحسن أيضا عبد الرزاق وابن أبي حاتم كلاهما عن معمر عنه، وذكره ابن كثير.
-أنها نزلت في اليهود حين قالوا: {نحن أبناء الله وأحبّاؤه} [المائدة:18]، وفي قولهم: {وقالوا لن يدخل الجنّة إلا من كان هودًا أو نصارى} [البقرة:111].
قاله ابن زيدٍ.
وقد رواه ابن جرير الطبري في تفسيره عن يونس عن وهب عنه، وذكره ابن كثير.
-أنها نزلت بسبب اليهود الذين كانوا يقدّمون الصّبيان أمامهم في الدّعاء والصّلاة يؤمّونهم، ويزعمون أنّهم لا ذنب لهم.
قاله ابن عباس في أحد الروايات عنه، ومجاهد وعكرمة، وأبو مالكٍ.
روى ذلك عنهم ابن جريرٍ، وذكره ابن كثير.
فرواه عن مجاهد الطبري وابن المنذر كلاهما عن ابن ابي نجيح عنه.
ورواه الطبري عن حصين عن أبي مالك.
ورواه عن أبي مكين عن عكرمة.
ورواه عن قتادة أيضا ابن المنذر في تفسيره عن سعيد عنه.
وأما رواية ابن عباس فرواها ابن أبي حاتم في تفسيره عن عكرمة عنه، ثم قال:
وروي عن مجاهدٍ، وأبي مالكٍ، والسّدّيّ، وعكرمة، والضّحّاك -نحو ذلك.
وروايته عن الضحاك قد رواها ابن أبي حاتم في تفسيره عن علي بن الحكم عنه، وهي مهمة لأنها توضح وجه هذا القول وهو أنهم أرادوا بقولهم هذا المساواة بينهم وبين أبنائهم فكما أنهم لا ذنوب لهم فهم كذلك لا ذنوب لهم.
عَنِ الضَّحَّاكِ: أَمَّا قَوْلُهُ: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أنفسهم فَإِنَّ اليَهُودَ قَالُوا: لَيْسَ لَنَا ذُنُوبٌ كَمَا أَنَّهُ لَيْسَ لآبَائِنَا ذُنُوبٌ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى ذَلِكَ فِيهِمْ.
-أنها نزلت لأنّ اليهود قالوا: إنّ أبناءنا توفّوا وهم لنا قربةٌ، وسيشفعون لنا ويزكّوننا، فأنزل اللّه على محمّدٍ [صلّى اللّه عليه وسلّم] {ألم تر إلى الّذين يزكّون أنفسهم بل اللّه يزكّي من يشاء ولا يظلمون فتيلا}
هذا القول روي عن ابن عباس.
فقد رواه ابن جرير الطبري عن محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس
ورواه ابن أبي حاتم عن عكرمة عنه، وذكرهما ابن كثير.
-وقيل: نزلت في ذمّ التّمادح والتّزكية.
ودليل هذا هو الأصل العام بالنهي عن المدح والتزكية للنفس أو الغير بما يتجاوز الحق وأدلته كثيرة منها:
*ما جاء في الحديث الصّحيح عند مسلمٍ، عن المقداد بن الأسود قال: أمرنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أن نحثو في وجوه المدّاحين التّراب.
*وفي الحديث الآخر في الصّحيحين من طريق خالدٍ الحذاء، عن عبد الرّحمن بن أبي بكرة، عن أبيه: أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم سمع رجلًا يثني على رجلٍ، فقال: "ويحك. قطعت عنق صاحبك". ثمّ قال: "إن كان أحدكم مادحًا صاحبه لا محالة، فليقل: أحسبه كذا ولا يزكّي على اللّه أحدًا".
*وما رواه أحمد وابن مردويه، عن عمر أنّه قال: إن أخوف ما أخاف عليكم إعجاب المرء برأيه، فمن قال: إنّه مؤمنٌ، فهو كافرٌ، ومن قال: إنّه عالمٌ فهو جاهلٌ، ومن قال: إنّه في الجنّة، فهو في النّار.
*وروى ابن جريرٍ: عن طارق بن شهابٍ قال: قال عبد اللّه بن مسعودٍ: إنّ الرّجل ليغدو بدينه، ثمّ يرجع وما معه منه شيءٌ، يلقى الرّجل ليس يملك له نفعًا ولا ضرًّا فيقول له: واللّه إنّك كيت وكيت فلعلّه أن يرجع ولم يحلّ من حاجته بشيءٍ وقد أسخط اللّه. ثمّ قرأ {ألم تر إلى الّذين يزكّون أنفسهم} الآية.
وسيأتي بعد قليل الكلام على هذه الأقوال

==القراءات الواردة في الآية
- قرأت طائفة «ولا تظلمون» بالتاء على الخطاب. ذكره ابن عطية.

==معنى السؤال في قوله تعالى (ألم تر)
معناه كما ذكر أهل اللغة: ألم تعلم
وتأويله سؤال فيه معنى الإعلام، أي أعلم قصتهم وعلى مجرى اللغة ألم ينته علمك إلى هؤلاء المدعون.

==ومعنى قوله تعالى: : {يزكون أنفسهم}
أي: تزعمون أنهم أزكياء.

==معنى الزكاء
زكاء الشيء في اللغة: نماؤه في الصلاح. قاله الزجاج في تفسيره

==مرجع الضمير في قوله "أنفسهم"
قال الزجاج عند هذا الموضع:
(وهذا أيضا يعني به اليهود، وكانوا جاؤوا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - بأطفالهم فقالوا: يا محمد أعلى هؤلاء ذنوب؟ فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - ((لا))، فقالوا كذا نحن، ما نعمل بالليل يغفر بالليل، وما نعمل بالنهار يغفر بالنهار) انتهى
ومع هذا فإن اللفظ عام كما ذكر ابن عطية عند هذا الموضع.

==الأمر الذي زكوا به أنفسهم
اختلف فيه على أقوال تقدم ذكرها جميعا في المسألة الأولى وهي "سبب النزول" ويمكن تلخيصها في أمرين:
-أحدها: أنهم ادعوا أنهم أبناء الله وأحباؤه، وأنهم قالوا لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى.
قال به قتادة والحسن وغيرهما كما سبق.
-وثانيها: أنه قولهم: لا ذنوب لنا وما فعلناه نهارا غفر ليلا، وما فعلناه ليلا غفر نهارا، ونحن كالأطفال في عدم الذنوب، أو أن لهم أبناء ماتوا وسيشفعوا لهم ما وقع منهم.
قال به الضحاك والسدي وغيرهما كما تقدم.

**مناقشة القولين
بالنظر لهذين القولين نجد أنهما يجمعهما أصل كلي وهو أنهم يزكون أنفسهم إما من قبل أنفسهم في الدنيا بادعاء أنهم أبناء الله وأحباؤه، أو من قبل غيرهم وهم أبناؤهم في الآخرة بشفاعتهم لهم.
ويؤيده ما ذكره ابن عطية عن عبد الله بن مسعود: ذلك ثناء بعضهم على بعض، ومدحهم لهم وتزكيتهم لهم.

وقد أورد ابن عطية قولا آخر وهو: تقديمهم أولادهم الصغار للصلاة لأنهم لا ذنوب لهم، ثم قال عنه أنه بعيد عن مقصد الآية.
وقال الطبري عنه " وأما الذين قالوا: معنى ذلك: "تقديمهم أطفالهم للصلاة"، فتأويل لا تدرك صحته إلا بخبر حجة يوجب العلم.

والذي يظهر لي أن استبعاد هذا القول منهما هو على سبيل استقلاله بأنه المراد، فيكون بعيدا
وأما إذا جمعناه مع القول المروي عن ابن عباس فإنه يتضح الأمر ويكون وجه هذا القول ظاهر، فإنهم لما جعلوا أبناءهم لا ذنوب لهم ترتب على ذلك منهم أمرين :
أحدهما: تقديمهم لهم في الصلاة.
والآخر: أنهم سيشفعون لهم في الآخرة.
وهذا الأمر هو الذي يبين وجه هذا القول وعلاقته بالآية وهو مروي عن ابن عباس وغيره كما تقدم. والله أعلم.

وقد قال أبو جعفر الطبري بعد ذكر الأقوال: (وأولى هذه الأقوال بالصواب، قول من قال: معنى "تزكية القوم"، الذين وصفهم الله بأنهم يزكون أنفسهم، وَصفهم إياها بأنها لا ذنوب لها ولا خطايا، وأنهم لله أبناء وأحبّاء، كما أخبر الله عنهم أنهم كانوا يقولونه. لأن ذلك هو أظهر معانيه، لإخبار الله عنهم أنهم إنما كانوا يزكون أنفسهم دون غيرها.)
وهذا القول منه يندرج فيه كلا القولين

== قوله تعالى: {بل اللّه يزكّي من يشاء}
أي: يجعل من يشاء زاكيا، لأنّه عالمٌ بحقائق الأمور وغوامضها سبحانه وتعالى.

== {ولا يظلمون فتيلا}
أي أن الله تبارك وتعالى لا يظلمهم مقدار الفتيل.

==معنى "فتيلا"
قيل في معناه هنا قولان:
-قيل "الفتيل" ما تفتله بين إصبعيك من الوسخ.
قاله ابن عباس في أحد الروايتين عنه وأبو مالك والسدي. وقد ذكره ابن عطية وابن كثير.
وقول ابن عباس رواه ابن المنذر النيسابوري في تفسيره عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ التَّمِيمِيِّ، قَالَ: سُئِلَ ابْنُ عَبَّاسٍ عَنْ قوله جَلَّ ثَنَاؤُهُ " {وَلا يُظْلَمُونَ فَتِيلا} ، قَالَ: هُوَ الَّذِي يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الأَصَابِعِ " وكذا ورواه ابن أبي حاتم في تفسيره عن مجاهد عنه. ثم قال :
وَرُوِيَ عَنْ مُجَاهِدٍ فِي إِحْدَى الرِّوَايَاتِ- وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَأَبِي مَالِكٍ، وَالسُّدِّيِّ نَحْوُ ذَلِكَ.
ورواه الطبري في تفسيره عن قابوس عن أبيه، وعن أبي إسحاق الهمداني، عن التيمي، وعن أبي العالية ومجاهد كلهم عن ابن عباس بألفاظ متقاربة.
وقول أبي مالك رواه الطبري في تفسيره عن حصين عنه.
وقول السدي رواه الطبري في تفسيره عن أسباط عنه.

-وقيل: "الفتيل" الخيط الذي في شق نواة التمرة
قاله ابن عباس وعطاء ومجاهد وغيرهم
فعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: " النَّقِيرُ النَّقْرَةُ تَكُونُ فِي النَّوَاةِ الَّتِي تَنْبُتُ مِنْهَا النَّخْلَةُ، وَالْفَتِيلُ: الَّذِي يَكُونُ فِي شَقِّ النَّوَاةِ، وَالْقِطْمِيرُ: الْقِشْرُ الَّذِي يَكُونُ عَلَى النَّوَاةِ "
رواه ابن المنذر في تفسيره عن عكرمة عنه، وابن أبي حاتم والطبري كلاهما عن علي بن أبي طلحة عنه.
وأما قول عطاء فرواه ابن أبي حاتم والطبري كلاهما في تفسيره عن وكيع عن طلحة بن عمرو عنه.
وأما قول مجاهد فقد رواه الطبري وابن المنذر كلاهما في تفسيره عن ابن جريج عنه.
وقال الزجاج: هو ما كان في باطن النّواة من لحائها، قالوا في التفسير: ما كان في ظهرها وهو الذي تنبت منه النخلة.
-ممن ذكر هذين المعنيين الزجاج في تفسيره، وابن عطية، وابن كثير
وقال ابن عطية: "وهذا كله يرجع إلى الكناية عن تحقير الشيء وتصغيره، وأن الله لا يظلمه، ولا شيء دونه في الصغر" وقال ابن كثير عن القولين أنهما متقاربان.


======================================================================================================================
تفسير قوله تعالى: {انظُرْ كَيفَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللّهِ الكَذِبَ وَكَفَى بِهِ إِثْمًا مُّبِينًا (50)}

==قوله تعالى: {انظر كيف يفترون}
-أي: يفعلونه ويختلقونه.
يقال: قد فرى الرجل يفري إذا عمل،
وروي عن ابن عباس قَوْلَهُ: يَفْتَرُونَ قَالَ: يَكْذِبُونَ.
وهذا القول رواه ابن أبي حاتم في تفسيره عن أبي روق عن الضحاك عنه.
-وقيل يشركون
قال به قتادة
وقد رواه ابن ابي حاتم في تفسيره عن يزيد بن زريع عن سعيد عنه.
-وقيل: ادعائهم شفاعة آلهتهم الباطلة يوم القيامة
عَنْ عِكْرِمَةَ: قَالَ النَّضْرُ وَهُوَ مِنْ بَنِي عَبْدِ الدَّارِ: إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ شَفَعَتْ لِي اللاتُ وَالْعُزَّى فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً
رواه عنه ابن أبي حاتم في تفسيره.
وهو يفسر القول الذي يسبقه من أن المراد "يشركون" .

==وقوله تعالى: { على اللّه الكذب}
أي ما يختلقونه هو محض كذب، والمقصود به تزكيتهم أنفسهم فهو مجرد فرية منهم.
من قولهم ودعواهم أنّهم أبناء اللّه وأحبّاؤه وقولهم: {لن يدخل الجنّة إلا من كان هودًا أو نصارى} [البقرة:111] وقولهم: {لن تمسّنا النّار إلا أيّامًا معدودةً} [البقرة:80]
ولن يجزي عنهم أبناؤهم كما لن يجزي عنهم آباؤهم فكل يحاسب بما كسب كما قال تعالى: {تلك أمةٌ قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ولا تسألون عمّا كانوا يعملون} [البقرة:141].

==وقوله تعالى: {وكفى به إثما مبينا}
هذا خبر وهو متضمن التعجب ولذلك دخلت الباء لتدل على معنى الأمر بالتعجب،
والمعنى أنه يكفي من الإثم هذا الكذب ولا يطلب لهم غيره، فهو موبق ومهلك لهم.


والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 9 شعبان 1441هـ/2-04-2020م, 08:40 AM
نورة الأمير نورة الأمير غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - الامتياز - مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2014
المشاركات: 749
افتراضي

تصحيحي لتطبيق علاء:
أحسنت بارك الله فيك، هذه بعض الملاحظات:
-كان بإمكانك تقسيم مسألة سبب النزول لمسألتين : متعلق سبب النزول، وذلك ليتبين إجماع كثير من الأقوال على أنهم اليهود، وسبب النزول ذاته، أي القصة التي بسببها نزلت الآية.
-يلاحظ عليك ذكر بعض الأقوال بدون نسبتها لقائلها.
-كذلك ذكرك للآيات هكذا دون تعيين المسألة أسلوب خاطئ ولم تكن هذه الطريقة مما درسناه في هذا المعهد.

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 9 شعبان 1441هـ/2-04-2020م, 11:35 AM
نورة الأمير نورة الأمير غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - الامتياز - مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2014
المشاركات: 749
افتراضي

تلخيص مسائل تفسير قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُواْ نَصِيبًا مِّنَ الْكِتَابِ يَشْتَرُونَ الضَّلاَلَةَ وَيُرِيدُونَ أَن تَضِلُّواْ السَّبِيلَ (44) وَاللّهُ أَعْلَمُ بِأَعْدَائِكُمْ وَكَفَى بِاللّهِ وَلِيًّا وَكَفَى بِاللّهِ نَصِيرًا (45) مِّنَ الَّذِينَ هَادُواْ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَرَاعِنَا لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْنًا فِي الدِّينِ وَلَوْ أَنَّهُمْ قَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاسْمَعْ وَانظُرْنَا لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ وَأَقْوَمَ وَلَكِن لَّعَنَهُمُ اللّهُ بِكُفْرِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُونَ إِلاَّ قَلِيلاً (46)}.

تفسير قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُواْ نَصِيبًا مِّنَ الْكِتَابِ يَشْتَرُونَ الضَّلاَلَةَ وَيُرِيدُونَ أَن تَضِلُّواْ السَّبِيلَ (44)}.
القراءات في الآية:
-قرأ النخعي، «وتريدون أن تضلوا»، بالتاء منقوطة من فوق في تريدون. ذكره ابن عطية.
معنى "ألم تر" في الآية:
-ألم تخبر. ذكره الزجاج وابن عطية.
-ألم تعلم. والمعنى: ألم ينته علمك إلى هؤلاء. والرؤية هنا قلبية. قاله أهل اللغة وذكره الزجاج وابن عطية, وبين تقارب القولين ولم يرجح بينهما.
المراد بـ"الذين":
-علماء أهل الكتاب. ذكره الزجاج.
-اليهود. قاله قتادة وغيره, وذكره ابن كثير وابن عطية وبين أن اللفظ يتناول النصارى بعدهم.
تخريج قول قتادة: رواه الطبري عن بشر بن معاذٍ، عن يزيد، عن سعيدٌ، عنه.
-وقيل: المراد: رفاعة بن زيد بن التابوت اليهودي. قاله ابن عباس. وذكره ابن عطية.
تخريج قول ابن عباس: رواه الطبري عن أبي كريبٍ عن يونس بن بكيرٍ، عن ابن إسحاق، عن محمّد بن أبي محمّدٍ مولى زيد بن ثابتٍ عن سعيد بن جبيرٍ أو عكرمة، عنه.
ورواه الطبري وابن أبي حاتم من طريق سلمة، عن ابن إسحاق بإسناده عن ابن عبّاسٍ، مثله.
والأقوال متظافرة, فقد تكون خصت بشخص أو فئة لكن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب كما تقول القاعدة الشهيرة.
معنى "أوتوا":
-أعطوا. ذكره الزجاج وابن عطية.
معنى "نصيبا":
-حظا. ذكره ابن عطية.
المراد بالكتاب:
-التوراة والإنجيل. ذكره الزجاج وابن كثير وابن عطية وعلل: وإنما جعل المعطى نصيبا في حق كل واحد منفرد، لأنه لا يحصر علم الكتاب واحد بوجه.
المقصود بالنصيب من الكتاب:
-علم نبوة النبي - صلى الله عليه وسلم - أنّه عندهم مكتوب في التوراة والإنجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر. ذكره الزجاج وابن كثير.
المراد بالشراء هنا:
-إيثارهم الكفر وتركهم الإيمان. قاله جماعة. وذكره ابن عطية.
-وقيل: الذين كانوا يعطون أموالهم للأحبار على إقامة شرعهم فهذا شراء على وجهه. ذكره ابن عطية.
-وقيل: إيثارهم التكذيب بأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - ليأخذوا على ذلك الرشا ويثبت لهم رياسة. ذكره الزجاج.
-الإعراض عما أنزل الله على رسوله وما في أيديهم من صفته في الكتاب ليشتروا به حظا من الدنيا. ذكره ابن كثير.
والأقوال جميعا تتكاتف, فالأول أعم, وما بعده أخص, وكل الأقوال تندرج تحت الأول, فكلها صور من الكفر وترك الإيمان, وإن اختلف سبب إعراضهم وإيثارهم.
معنى السبيل في اللغة:
-الطريق. ذكره الزجاج.
المراد بضلال السبيل في الآية:
-تضييع طريق الهدى. كما ذكر الزجاج. أو الكفر. كما عبر عنه ابن عطية وابن كثير صراحة.
-تركهم الصواب باجتناب اليهود, وحسبانهم أنهم غير أعداء. قاله به ابن عطية.
والقولان يصبان في معنى واحد, لكن أحببت ذكرهما للفروق الدقيقة بينهما, فالأول فيه عمومية, والثاني فيه خصوصية ضيقها ابن عطية في نطاق التحذير من عدم اتخاذ اليهود أعداء, وهو ما يقتضيه المعنى.
ما الذي تقتضيه هذه الآية وما بعدها من الآيات؟
-تقتضي توبيخا للمؤمنين على استنامة قوم منهم إلى أحبار اليهود، في سؤال عن دين، أو في موالاة أو ما أشبه ذلك. ذكره ابن عطية.

تفسير قوله تعالى: {وَاللّهُ أَعْلَمُ بِأَعْدَائِكُمْ وَكَفَى بِاللّهِ وَلِيًّا وَكَفَى بِاللّهِ نَصِيرًا (45)}.
ما معنى "والله أعلم بأعدائكم"؟
-أي: هو أعرف بهم فهو يعلمكم ما هم عليه. ذكره الزجاج وابن كثير.
ما تفيده الصياغة في الآية:
-تفيد الإخبار على وجه التحذير. ذكره ابن عطية.
ما تفيده الباء في "بالله":
التوكيد وتبيين معنى الأمر في لفظ الخبر. ذكره الزجاج وابن عطية.
ما يفيده قوله "وكفى بالله وليا وكفى بالله نصيرا":
-أي: ناصركم عليهم. ذكره الزجاج.
وذكر هذا المعنى ابن كثير مع الاحتراز بأن المقصود بأنه ولي وناصر لمن لجأ إليه.
مقتضى الآية:
-الأمر بالاكتفاء بالله. ذكره الزجاج وابن عطية.

تفسير قوله تعالى: {مِّنَ الَّذِينَ هَادُواْ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَرَاعِنَا لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْنًا فِي الدِّينِ وَلَوْ أَنَّهُمْ قَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاسْمَعْ وَانظُرْنَا لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ وَأَقْوَمَ وَلَكِن لَّعَنَهُمُ اللّهُ بِكُفْرِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُونَ إِلاَّ قَلِيلاً (46)}.
القراءات في الآية:
-قرأ النخعي وأبو رجاء: يحرفون الكلام بالألف، ومن جعل «من» متعلقة «بنصيرا» جعل «يحرفون» في موضع الحال، ومن جعلها منقطعة جعل «يحرفون» صفة. ذكره ابن عطية.
-"راعنا" في مصحف ابن مسعود «راعونا». ذكره ابن عطية.
المراد بـ"من" في الآية:
- جائز أن تكون: من صلة الذين أوتوا الكتاب. والمعنى: ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب من الذين هادوا. ذكره الزجاج وابن عطية.
-ويجوز أن يكون: من الذين هادوا قوم يحرفون الكلم, ويكون {يحرفون} صفة، والموصوف محذوف. فتكون من التبعيضية. وهو قول الفراء وسيبويه. وذكره الزجاج وابن عطية ورجحه, لأن إضمار الموصول ثقيل كما في القول الأول.
-وقالت طائفة، هي متعلقة بـ"نصيراً" والمعنى ينصركم من الذين هادوا. ذكره ابن عطية.
-وقالت فرقة: هي لابتداء الكلام، وفيه إضمار تقديره قوم يحرفون، هذا مذهب أبي علي, وذكره ابن عطية.
-وقال ابن كثير: أنها لبيان الجنس.
ولعل أصح الأقوال ما رجحه ابن عطية وهو قول الفراء وسيبويه, لأن أهل اللغة في ذلك أخبر -والله أعلم-, مع بيان عدم تعارض الأقوال, فكلها تصب في معنى صحيح.
معنى "هادوا":
-قيل: مأخوذ من هاد إذا تاب.
-أو من يهود بن يعقوب.
-أو من التهود وهو الرويد من المشي واللين في القول.
ذكر هذه الأقوال كلها الخليل، ونقلها ابن عطية.
أوجه "تحريف الكلم" في الآية:
-إما بتغيير اللفظ، وقد فعلوا ذلك في الأقل. ذكره ابن عطية.
-وإما بتغيير التأويل، وقد فعلوا ذلك في الأكثر، وإليه ذهب الطبري، وابن كثير, وهذا كله في التوراة على قول الجمهور. كما ذكر ذلك ابن عطية.
المراد بـ"الكلم":
-قالت طائفة: هو كلم القرآن. ذكره ابن عطية.
-وقال مكي: كلام النبي محمد عليه السلام، فلا يكون التحريف على هذا إلا في التأويل. ذكره ابن عطية.
معنى "سمعنا وعصينا":
- أي يقولون سمعنا ما قلته يا محمّد ولا نطيعك فيه. هكذا فسّره مجاهدٌ وابن زيدٍ، وهو المراد، كما ذكره ابن كثير.
تخريج قول مجاهد: رواه الرملي والطبري وابن أبي حاتم من طريق ابن أبي نجيحٍ، عنه.
ورواه الطبري عن ابن حميدٍ، عن حكّامٌ، عن عنبسة، عن محمّد بن عبد الرّحمن، عن القاسم بن أبي بزّة، عنه.
تخريج قول ابن زيد: رواه الطبري عن يونس، عن ابن وهبٍ، عنه.
ما يفيده قولهم :"سمعنا وعصينا":
-يبين ذلك مدى عتوهم وطغيانهم, وذلك أنّهم يتولّون عن كتاب اللّه بعد ما عقلوه، وهم يعلمون ما عليهم في ذلك من الإثم والعقوبة. ذكره ابن عطية.
معنى "واسمع غير مسمع":
يتخرج فيه معنيان:
-أحدهما غير مأمور وغير صاغر، كأنه قال: غير أن تسمع مأمورا بذلك. رواه الضّحّاك عن ابن عبّاسٍ. وذكره ابن عطية وابن كثير, ونقل ترجيح الطبري له.
-والآخر على جهة الدعاء، أي لا سمعت. ذكره الزجاج وابن كثير وابن عطية, وبين أن التصريف لا يساعد هذا المعنى (مما يجعلني أرجح القول الأول). وذكر أن الطبري حكاه عن الحسن ومجاهد.
فكانت اليهود إذا خاطبت النبي بغير مسمع، أرادت في الباطن الدعاء عليه، وأرت ظاهرا أنها تريد تعظيمه، قال نحوه ابن عباس وغيره. وذكره ابن عطية.
تخريج قول ابن عباس: رواه الطبري وابن أبي حاتم من طريق المنجاب عن بشر بن عمارة، عن أبي روقٍ، عن الضّحّاك، عنه.
تخريج قول الحسن: رواه الطبري وابن أبي حاتم من طريق الحسن بن يحيى، عن عبد الرّزّاق، عن معمرٌ، عنه.
تخريج قول مجاهد: رواه الطبري عن ابن حميد عن حكام عن عنبسة عن محمد بن عبد الرحمن عن القاسم بن أبى بزة عنه.
ورواه عن القاسم، عن الحسين، عن حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عنه.
ورواه الطبري وابن أبي حاتم من طريق ابن أبي نجيحٍ، عنه.
معنى "راعنا" المراد في الآية:
هذه كلمة كانت تجري بين اليهود على حد السّخرية والهزؤ. واختلفوا في معناها:
-فقال بعضهم: كانوا يسبّون النبي - صلى الله عليه وسلم - بهذه الكلمة. ذكره الزجاج.
-وقال بعضهم: كانوا يقولونها كبرا، كأنّهم يقولون: ارعنا سمعك، أي: اجعل كلامك لسمعنا مرعى. حكاه مكي وذكره الزجاج وابن عطية.
-وقيل: كانوا يريدون منه في نفوسهم معنى الرعونة. ذكره ابن عطية وابن كثير.
ويظهرون منه معنى المراعاة، فهذا معنى «ليّ اللسان». كما ذكره ابن عطية.
وهذا مما لا تخاطب به الأنبياء - (صلوات الله عليهم) - إنما يخاطبون بالإجلال والإعظام. كما ذكر الزجاج.
ولعل الأقوال جميعا صحيحة, فقول اليهود كان من باب الباب والغطرسة أيا كان معنى "راعنا" في الآية.
معنى "ليا بألسنتهم":
-ليًّا أصله لويا، قلبت الواو ياء وأدغمت. والمعنى: يفعلون ذلك معاندة للحق. ذكره الزجاج. وبين ابن عطية المعنى بذكر الصور السابقة له "اسمع غير مسمع", "سمعنا وعصينا" "راعنا", فهذا كله تفسير لمعنى "ليا بألسنتهم".
معنى "طعناً في الدّين":
-أي: توهينا له وإظهارا للاستخفاف به. ذكره ابن عطية. وخصص ابن كثير الطعن بأنه سبهم للنبي.
معنى "انظرنا":
-انتظرنا، بمعنى: أفهمنا وتمهل علينا حتى نفهم عنك ونعي قولك. قاله مجاهد وعكرمة وغيرهما. وذكره ابن عطية.
تخريج قول عكرمة ومجاهد: رواه الطبري عن القاسم، عن الحسين، عن أبي تميلة، عن أبي حمزة، عن جابرٍ، عنهما.
-انظر إلينا، فكأنه استدعاء اهتبال وتحف. ذكره ابن عطية.
معنى "أقوم":
-أعدل وأصوب. ذكره ابن عطية.
معنى اللعن:
-الإبعاد. ذكره ابن عطية.
المراد باللعن في الآية:
-الإبعاد والطرد من الهدى والخير والإيمان. حاصل ما ذكره ابن عطية وابن كثير.
متعلق القلة في قوله: "فلا يؤمنون إلا قليلا":
- الإيمان. أي: فلا يؤمنون إلّا إيمانا قليلا، لا يجب به أن يسمّوا المؤمنين. قال به سيبويه وذكره الزجاج وابن عطية وابن كثير, ويبدو هو الأرجح.
- الأفراد. أي: إلا قليلا منهم، فإنهم آمنوا. ذكره الزجاج وابن عطية, وقال: فيه نظر.

رد مع اقتباس
  #7  
قديم 10 شعبان 1441هـ/3-04-2020م, 02:41 AM
علاء عبد الفتاح محمد علاء عبد الفتاح محمد غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - الامتياز
 
تاريخ التسجيل: Jan 2015
المشاركات: 599
افتراضي السلام عليكم

القسم السابع من سورة النساء(49-50) بعد مراجعة الملاحظات التي ذكرتها الأستاذة نورة بعد التصحيح
تفسير قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنفُسَهُمْ بَلِ اللّهُ يُزَكِّي مَن يَشَاء وَلاَ يُظْلَمُونَ فَتِيلاً (49) انظُرْ كَيفَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللّهِ الكَذِبَ وَكَفَى بِهِ إِثْمًا مُّبِينًا (50)}

تفسير قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنفُسَهُمْ بَلِ اللّهُ يُزَكِّي مَن يَشَاء وَلاَ يُظْلَمُونَ فَتِيلاً (49)}
==متعلق نزول الآية.
هذه الآية نزلت في اليهود، وسيأتي في المسألة التالية بيان الأقوال الواردة عن السلف بالتفصيل.

==سبب نزول هذه الآية
قيل في سبب نزولها عدة أقوال منها:
-الأول: أنها نزلت في اليهود حين قالوا: {نحن أبناء اللّه وأحبّاؤه}
قاله الحسن وقتادة.
وقد رواه عنهما ابن جرير الطبري في تفسيره، وروى قول الحسن أيضا عبد الرزاق وابن أبي حاتم كلاهما عن معمر عنه، وذكره ابن كثير.
-الثاني: أنها نزلت في اليهود حين قالوا: {نحن أبناء الله وأحبّاؤه} [المائدة:18]، وفي قولهم: {وقالوا لن يدخل الجنّة إلا من كان هودًا أو نصارى} [البقرة:111].
قاله ابن زيدٍ.
وقد رواه ابن جرير الطبري في تفسيره عن يونس عن وهب عنه، وذكره ابن كثير.
-الثالث: أنها نزلت بسبب اليهود الذين كانوا يقدّمون الصّبيان أمامهم في الدّعاء والصّلاة يؤمّونهم، ويزعمون أنّهم لا ذنب لهم.
قاله ابن عباس في أحد الروايات عنه، ومجاهد وعكرمة، وأبو مالكٍ، وقتادة، وأبي مكين، والضحاك
روى ذلك عنهم ابن جريرٍ، وذكره ابن كثير.
أما قول مجاهد فرواه الطبري وابن المنذر كلاهما عن ابن ابي نجيح عنه.
وروى الطبري هذا القول عن حصين عن أبي مالك.
ورواه عن أبي مكين عن عكرمة.
ورواه عن قتادة أيضا ابن المنذر في تفسيره عن سعيد عنه.
وأما رواية ابن عباس فرواها ابن أبي حاتم في تفسيره عن عكرمة عنه، ثم قال:
وروي عن مجاهدٍ، وأبي مالكٍ، والسّدّيّ، وعكرمة، والضّحّاك -نحو ذلك.
وروايته عن الضحاك قد رواها ابن أبي حاتم في تفسيره عن علي بن الحكم عنه، وهي مهمة لأنها توضح وجه هذا القول وهو أنهم أرادوا بقولهم هذا المساواة بينهم وبين أبنائهم فكما أنهم لا ذنوب لهم فهم كذلك لا ذنوب لهم.
عَنِ الضَّحَّاكِ: أَمَّا قَوْلُهُ: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أنفسهم فَإِنَّ اليَهُودَ قَالُوا: لَيْسَ لَنَا ذُنُوبٌ كَمَا أَنَّهُ لَيْسَ لآبَائِنَا ذُنُوبٌ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى ذَلِكَ فِيهِمْ.
-الرابع: أنها نزلت لأنّ اليهود قالوا: إنّ أبناءنا توفّوا وهم لنا قربةٌ، وسيشفعون لنا ويزكّوننا، فأنزل اللّه على محمّدٍ [صلّى اللّه عليه وسلّم] {ألم تر إلى الّذين يزكّون أنفسهم بل اللّه يزكّي من يشاء ولا يظلمون فتيلا}
هذا القول روي عن ابن عباس.
فقد رواه ابن جرير الطبري عن محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس
ورواه ابن أبي حاتم عن عكرمة عنه، وذكرهما ابن كثير.
-الخامس: قيل نزلت في ذمّ التّمادح والتّزكية.
ودليل هذا هو الأصل العام بالنهي عن المدح والتزكية للنفس أو الغير بما يتجاوز الحق وأدلته كثيرة منها:
*ما جاء في الحديث الصّحيح عند مسلمٍ، عن المقداد بن الأسود قال: أمرنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أن نحثو في وجوه المدّاحين التّراب.
*وفي الحديث الآخر في الصّحيحين من طريق خالدٍ الحذاء، عن عبد الرّحمن بن أبي بكرة، عن أبيه: أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم سمع رجلًا يثني على رجلٍ، فقال: "ويحك. قطعت عنق صاحبك". ثمّ قال: "إن كان أحدكم مادحًا صاحبه لا محالة، فليقل: أحسبه كذا ولا يزكّي على اللّه أحدًا".
*وما رواه أحمد وابن مردويه، عن عمر أنّه قال: إن أخوف ما أخاف عليكم إعجاب المرء برأيه، فمن قال: إنّه مؤمنٌ، فهو كافرٌ، ومن قال: إنّه عالمٌ فهو جاهلٌ، ومن قال: إنّه في الجنّة، فهو في النّار.
*وروى ابن جريرٍ: عن طارق بن شهابٍ قال: قال عبد اللّه بن مسعودٍ: إنّ الرّجل ليغدو بدينه، ثمّ يرجع وما معه منه شيءٌ، يلقى الرّجل ليس يملك له نفعًا ولا ضرًّا فيقول له: واللّه إنّك كيت وكيت فلعلّه أن يرجع ولم يحلّ من حاجته بشيءٍ وقد أسخط اللّه. ثمّ قرأ {ألم تر إلى الّذين يزكّون أنفسهم} الآية.
وسيأتي بعد قليل الكلام على هذه الأقوال.

==القراءات الواردة في الآية
- قرأت طائفة «ولا تظلمون» بالتاء على الخطاب. ذكره ابن عطية.

==معنى السؤال في قوله تعالى (ألم تر)
معناه كما ذكر أهل اللغة: ألم تعلم
وتأويله سؤال فيه معنى الإعلام، أي أعلم قصتهم وعلى مجرى اللغة ألم ينته علمك إلى هؤلاء المدعون.
هذا حاصل ما ذكره الزجاج وابن عطية.

==ومعنى قوله تعالى: : {يزكون أنفسهم}
أي: يزعمون أنهم أزكياء. ذكره الزجاج وابن عطية.

==معنى الزكاء
زكاء الشيء في اللغة: نماؤه في الصلاح. قاله الزجاج في تفسيره

==مرجع الضمير في قوله "أنفسهم"
قال الزجاج عند هذا الموضع:
(وهذا أيضا يعني به اليهود، وكانوا جاؤوا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - بأطفالهم فقالوا: يا محمد أعلى هؤلاء ذنوب؟ فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - ((لا))، فقالوا كذا نحن، ما نعمل بالليل يغفر بالليل، وما نعمل بالنهار يغفر بالنهار) انتهى
ومع هذا فإن اللفظ عام كما ذكر ابن عطية عند هذا الموضع.

==الأمر الذي زكوا به أنفسهم
اختلف فيه على أقوال تقدم ذكرها جميعا في المسألة الأولى وهي "سبب النزول" ويمكن تلخيصها في أمرين:
-أحدها: أنهم ادعوا أنهم أبناء الله وأحباؤه، وأنهم قالوا لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى.
قال به قتادة والحسن وغيرهما وسبق ذكر وتخريج هذه الأقوال عند سبب النزول.
-وثانيها: أنه قولهم: لا ذنوب لنا وما فعلناه نهارا غفر ليلا، وما فعلناه ليلا غفر نهارا، ونحن كالأطفال في عدم الذنوب، أو أن لهم أبناء ماتوا وسيشفعوا لهم ما وقع منهم.
قال به الضحاك والسدي وغيرهما وسبق ذكر وتخريج هذه الأقوال عند سبب النزول.

**مناقشة القولين
بالنظر لهذين القولين نجد أنهما يجمعهما أصل كلي وهو أنهم يزكون أنفسهم إما من قبل أنفسهم في الدنيا بادعاء أنهم أبناء الله وأحباؤه، أو من قبل غيرهم وهم أبناؤهم في الآخرة بشفاعتهم لهم.
ويؤيده ما ذكره ابن عطية عن عبد الله بن مسعود: ذلك ثناء بعضهم على بعض، ومدحهم لهم وتزكيتهم لهم.

وقد أورد ابن عطية قولا آخر وهو: تقديمهم أولادهم الصغار للصلاة لأنهم لا ذنوب لهم، ثم قال عنه أنه بعيد عن مقصد الآية.
وقال الطبري عنه " وأما الذين قالوا: معنى ذلك: "تقديمهم أطفالهم للصلاة"، فتأويل لا تدرك صحته إلا بخبر حجة يوجب العلم.

والذي يظهر لي أن استبعاد هذا القول منهما هو على سبيل استقلاله بأنه المراد، فيكون بعيدا
وأما إذا جمعناه مع القول المروي عن ابن عباس فإنه يتضح الأمر ويكون وجه هذا القول ظاهر، فإنهم لما جعلوا أبناءهم لا ذنوب لهم ترتب على ذلك منهم أمرين :
أحدهما: تقديمهم لهم في الصلاة.
والآخر: أنهم سيشفعون لهم في الآخرة.
وهذا الأمر هو الذي يبين وجه هذا القول وعلاقته بالآية وهو مروي عن ابن عباس وغيره كما تقدم. والله أعلم.

وقد قال أبو جعفر الطبري بعد ذكر الأقوال: (وأولى هذه الأقوال بالصواب، قول من قال: معنى "تزكية القوم"، الذين وصفهم الله بأنهم يزكون أنفسهم، وَصفهم إياها بأنها لا ذنوب لها ولا خطايا، وأنهم لله أبناء وأحبّاء، كما أخبر الله عنهم أنهم كانوا يقولونه. لأن ذلك هو أظهر معانيه، لإخبار الله عنهم أنهم إنما كانوا يزكون أنفسهم دون غيرها.)
وهذا القول منه يندرج فيه كلا القولين

== قوله تعالى: {بل اللّه يزكّي من يشاء}
أي: يجعل من يشاء زاكيا، لأنّه عالمٌ بحقائق الأمور وغوامضها سبحانه وتعالى. حاصل ما ذكره الزجاج وابن عطية وابن كثير.

== {ولا يظلمون فتيلا}
أي أن الله تبارك وتعالى لا يظلمهم مقدار الفتيل. حاصل ما ذكره الزجاج وابن عطية وابن كثير.

==معنى "فتيلا"
قيل في معناه هنا قولان:
-قيل "الفتيل" ما تفتله بين إصبعيك من الوسخ.
قاله ابن عباس في أحد الروايتين عنه وأبو مالك والسدي. وقد ذكره ابن عطية وابن كثير.
وقول ابن عباس رواه ابن المنذر النيسابوري في تفسيره عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ التَّمِيمِيِّ، قَالَ: سُئِلَ ابْنُ عَبَّاسٍ عَنْ قوله جَلَّ ثَنَاؤُهُ " {وَلا يُظْلَمُونَ فَتِيلا} ، قَالَ: هُوَ الَّذِي يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الأَصَابِعِ " وكذا ورواه ابن أبي حاتم في تفسيره عن مجاهد عنه. ثم قال :
وَرُوِيَ عَنْ مُجَاهِدٍ فِي إِحْدَى الرِّوَايَاتِ- وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَأَبِي مَالِكٍ، وَالسُّدِّيِّ نَحْوُ ذَلِكَ.
ورواه الطبري في تفسيره عن قابوس عن أبيه، وعن أبي إسحاق الهمداني، عن التيمي، وعن أبي العالية ومجاهد كلهم عن ابن عباس بألفاظ متقاربة.
وقول أبي مالك رواه الطبري في تفسيره عن حصين عنه.
وقول السدي رواه الطبري في تفسيره عن أسباط عنه.

-وقيل: "الفتيل" الخيط الذي في شق نواة التمرة
قاله ابن عباس وعطاء ومجاهد وغيرهم
فعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: " النَّقِيرُ النَّقْرَةُ تَكُونُ فِي النَّوَاةِ الَّتِي تَنْبُتُ مِنْهَا النَّخْلَةُ، وَالْفَتِيلُ: الَّذِي يَكُونُ فِي شَقِّ النَّوَاةِ، وَالْقِطْمِيرُ: الْقِشْرُ الَّذِي يَكُونُ عَلَى النَّوَاةِ "
رواه ابن المنذر في تفسيره عن عكرمة عنه، وابن أبي حاتم والطبري كلاهما عن علي بن أبي طلحة عنه.
وأما قول عطاء فرواه ابن أبي حاتم والطبري كلاهما في تفسيره عن وكيع عن طلحة بن عمرو عنه.
وأما قول مجاهد فقد رواه الطبري وابن المنذر كلاهما في تفسيره عن ابن جريج عنه.
وقال الزجاج: هو ما كان في باطن النّواة من لحائها، قالوا في التفسير: ما كان في ظهرها وهو الذي تنبت منه النخلة.
-ممن ذكر هذين المعنيين الزجاج في تفسيره، وابن عطية، وابن كثير
وقال ابن عطية: "وهذا كله يرجع إلى الكناية عن تحقير الشيء وتصغيره، وأن الله لا يظلمه، ولا شيء دونه في الصغر" وقال ابن كثير عن القولين أنهما متقاربان.


======================================================================================================================
تفسير قوله تعالى: {انظُرْ كَيفَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللّهِ الكَذِبَ وَكَفَى بِهِ إِثْمًا مُّبِينًا (50)}

==معنى "يفترون"
-أي: يفعلونه ويختلقونه.
يقال: قد فرى الرجل يفري إذا عمل، قاله الزجاج.

==المراد بالكذب الذي افتروه.
-قيل إنه الكذب في التزكية المتقدمة في الآية السابقة، مثل قولهم ودعواهم أنّهم أبناء اللّه وأحبّاؤه وقولهم: {لن يدخل الجنّة إلا من كان هودًا أو نصارى} [البقرة:111] وقولهم: {لن تمسّنا النّار إلا أيّامًا معدودةً} [البقرة:80]، وغير ذلك مما تقدم بيانه.
فقد روي عن ابن عباس قَوْلَهُ: يَفْتَرُونَ قَالَ: يَكْذِبُونَ.
وهذا القول رواه ابن أبي حاتم في تفسيره عن أبي روق عن الضحاك عنه.
-وقيل يشركون
قال به قتادة
وقد رواه ابن ابي حاتم في تفسيره عن يزيد بن زريع عن سعيد عنه.
-وقيل: ادعائهم شفاعة آلهتهم الباطلة يوم القيامة
قاله عكرمه
فقد روي عنه أنه قال: قَالَ النَّضْرُ وَهُوَ مِنْ بَنِي عَبْدِ الدَّارِ: إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ شَفَعَتْ لِي اللاتُ وَالْعُزَّى فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً
رواه عنه ابن أبي حاتم في تفسيره.
وهو يفسر القول الذي يسبقه من أن المراد "يشركون"، فالمذكور هنا من الشرك، وهو أيضا راجع للقول الأول فهو كذب فلا إله إلا الله سبحانه وتعالى، ولا شفاعة إلا لمن رضي الله وأذن له ولا تكون إلا لأهل التوحيد، فلن تكون هناك شفاعة للآلهة المزعومة لأن الله لا يرضى عنها، وكذا الكفار لأن الله لا يرضى عنهم ولا يأذن لهم.

==فائدة دخول الباء في قوله تعالى: {وكفى به إثما مبينا}

دخلت الباء لتدل على معنى الأمر بالتعجب، فهو خبر وهو متضمن التعجب.

==معنى قوله تعالى "وكفى به إثما"
المعنى أنه يكفي من الإثم هذا الكذب ولا يطلب لهم غيره، فهو موبق ومهلك لهم.


والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

رد مع اقتباس
  #8  
قديم 11 شعبان 1441هـ/4-04-2020م, 01:47 AM
علاء عبد الفتاح محمد علاء عبد الفتاح محمد غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - الامتياز
 
تاريخ التسجيل: Jan 2015
المشاركات: 599
افتراضي السلام عليكم

تصحيحي لتطبيق الاستاذة نورة:
أحسنت بارك الله فيك ونفع بك.
وهذه بعض الملاحظات وهي في الغالب زيادات لتتمة الفائدة أو زيادة ايضاح -سوى مسألة أو مسألتين- حتى يكون تلخيصا للسورة أفضل، ولذا فقد كتبت كل ما يراد كتابته توفيرا للجهد والوقت فإن رأت هيئة التصحيح الصواب فيما علقت به اعتمدناه دون الحاجة لرجوعك إلى البحث مرة ثانية -وهذه وجهة نظري-


تلخيص مسائل تفسير قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُواْ نَصِيبًا مِّنَ الْكِتَابِ يَشْتَرُونَ الضَّلاَلَةَ وَيُرِيدُونَ أَن تَضِلُّواْ السَّبِيلَ (44) وَاللّهُ أَعْلَمُ بِأَعْدَائِكُمْ وَكَفَى بِاللّهِ وَلِيًّا وَكَفَى بِاللّهِ نَصِيرًا (45) مِّنَ الَّذِينَ هَادُواْ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَرَاعِنَا لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْنًا فِي الدِّينِ وَلَوْ أَنَّهُمْ قَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاسْمَعْ وَانظُرْنَا لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ وَأَقْوَمَ وَلَكِن لَّعَنَهُمُ اللّهُ بِكُفْرِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُونَ إِلاَّ قَلِيلاً (46)}.

تفسير قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُواْ نَصِيبًا مِّنَ الْكِتَابِ يَشْتَرُونَ الضَّلاَلَةَ وَيُرِيدُونَ أَن تَضِلُّواْ السَّبِيلَ (44)}.
القراءات في الآية:
-قرأ النخعي، «وتريدون أن تضلوا»، بالتاء منقوطة من فوق في تريدون. ذكره ابن عطية.
معنى "ألم تر" في الآية:
-ألم تخبر. ذكره الزجاج وابن عطية.
-ألم تعلم. والمعنى: ألم ينته علمك إلى هؤلاء. والرؤية هنا قلبية. قاله أهل اللغة وذكره الزجاج وابن عطية, وبين تقارب القولين ولم يرجح بينهما.
المراد بـ"الذين":
-علماء أهل الكتاب. ذكره الزجاج.
-اليهود. قاله قتادة وغيره, وذكره ابن كثير وابن عطية وبين أن اللفظ يتناول النصارى بعدهم.
تخريج قول قتادة: رواه الطبري عن بشر بن معاذٍ، عن يزيد، عن سعيدٌ، عنه.
-وقيل: المراد: رفاعة بن زيد بن التابوت اليهودي. قاله ابن عباس. وذكره ابن عطية.
تخريج قول ابن عباس: رواه الطبري عن أبي كريبٍ عن يونس بن بكيرٍ، عن ابن إسحاق، عن محمّد بن أبي محمّدٍ مولى زيد بن ثابتٍ عن سعيد بن جبيرٍ أو عكرمة، عنه.[لو ذكر أثر ابن عباس هنا مع تخريجه لزيادة الفائدة]
ورواه الطبري وابن أبي حاتم من طريق سلمة، عن ابن إسحاق بإسناده عن ابن عبّاسٍ، مثله.
والأقوال متظافرة, فقد تكون خصت بشخص أو فئة لكن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب كما تقول القاعدة الشهيرة.
معنى "أوتوا":
-أعطوا. ذكره الزجاج وابن عطية.
معنى "نصيبا":
-حظا. ذكره ابن عطية.
المراد بالكتاب:
-التوراة والإنجيل. ذكره الزجاج وابن كثير وابن عطية وعلل: وإنما جعل المعطى نصيبا في حق كل واحد منفرد، لأنه لا يحصر علم الكتاب واحد بوجه.
المقصود بالنصيب من الكتاب:
-علم نبوة النبي - صلى الله عليه وسلم - أنّه عندهم مكتوب في التوراة والإنجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر. ذكره الزجاج وابن كثير.
المراد بالشراء هنا: [لو قيل متعلق الشراء كان أنسب للأقوال لأن كلمة "المراد" هنا يترتب عليها أن يكون المراد به الشراء أو البيع يعني الأخذ أو الإعطاء كما ذكره ابن عطية، وتجعل مسألة منفصلة، ثم بعدها مسألة متعلق الشراء]
-إيثارهم الكفر وتركهم الإيمان. قاله جماعة. وذكره ابن عطية.
-وقيل: الذين كانوا يعطون أموالهم للأحبار على إقامة شرعهم فهذا شراء على وجهه. ذكره ابن عطية.
-وقيل: إيثارهم التكذيب بأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - ليأخذوا على ذلك الرشا ويثبت لهم رياسة. ذكره الزجاج.
-الإعراض عما أنزل الله على رسوله وما في أيديهم من صفته في الكتاب ليشتروا به حظا من الدنيا. ذكره ابن كثير.
والأقوال جميعا تتكاتف, فالأول أعم, وما بعده أخص, وكل الأقوال تندرج تحت الأول, فكلها صور من الكفر وترك الإيمان, وإن اختلف سبب إعراضهم وإيثارهم. [ويمكن أن يقال بعد سرد الأقوال الأربعة أنها تنقسم إلى أمرين: أحدهما: الإعراض عن أحكام كتابهم لغرض الدنيا، ويندرج تحت هذا القول القولين الأوليين، والآخر: الإعراض عن دين الإسلام وأوصاف نبيه صلى الله عليه وسلم لغرض الدنيا ، ويندرج تحت هذا القول القولين الآخيرين]
معنى السبيل في اللغة:
-الطريق. ذكره الزجاج.
المراد بضلال السبيل في الآية:
-تضييع طريق الهدى. كما ذكر الزجاج. أو الكفر. كما عبر عنه ابن عطية وابن كثير صراحة.
-تركهم الصواب باجتناب اليهود, وحسبانهم أنهم غير أعداء. قاله به ابن عطية.
والقولان يصبان في معنى واحد, لكن أحببت ذكرهما للفروق الدقيقة بينهما, فالأول فيه عمومية, والثاني فيه خصوصية ضيقها ابن عطية في نطاق التحذير من عدم اتخاذ اليهود أعداء, وهو ما يقتضيه المعنى.
ما الذي تقتضيه هذه الآية وما بعدها من الآيات؟
-تقتضي توبيخا للمؤمنين على استنامة قوم منهم إلى أحبار اليهود، في سؤال عن دين، أو في موالاة أو ما أشبه ذلك. ذكره ابن عطية.

تفسير قوله تعالى: {وَاللّهُ أَعْلَمُ بِأَعْدَائِكُمْ وَكَفَى بِاللّهِ وَلِيًّا وَكَفَى بِاللّهِ نَصِيرًا (45)}.
ما معنى "والله أعلم بأعدائكم"؟
-أي: هو أعرف بهم فهو يعلمكم ما هم عليه. ذكره الزجاج وابن كثير.
ما تفيده الصياغة في الآية:
-تفيد الإخبار على وجه التحذير. ذكره ابن عطية.
ما تفيده الباء في "بالله":
التوكيد وتبيين معنى الأمر في لفظ الخبر. ذكره الزجاج وابن عطية.
ما يفيده قوله "وكفى بالله وليا وكفى بالله نصيرا":
-أي: ناصركم عليهم. ذكره الزجاج.
وذكر هذا المعنى ابن كثير مع الاحتراز بأن المقصود بأنه ولي وناصر لمن لجأ إليه. [لو يقيد بالإيمان ليخرج بذلك أهل الكفر ممن لم يتبع رسالة محمد صلى الله عليه وسلم، فهؤلاء لا تنالهم ولاية الله وإن لجأو إليه طالما يكذبون رسوله]
مقتضى الآية:
-الأمر بالاكتفاء بالله. ذكره الزجاج وابن عطية.

تفسير قوله تعالى: {مِّنَ الَّذِينَ هَادُواْ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَرَاعِنَا لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْنًا فِي الدِّينِ وَلَوْ أَنَّهُمْ قَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاسْمَعْ وَانظُرْنَا لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ وَأَقْوَمَ وَلَكِن لَّعَنَهُمُ اللّهُ بِكُفْرِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُونَ إِلاَّ قَلِيلاً (46)}.
القراءات في الآية:
-قرأ النخعي وأبو رجاء: يحرفون الكلام بالألف، ومن جعل «من» متعلقة «بنصيرا» جعل «يحرفون» في موضع الحال، ومن جعلها منقطعة جعل «يحرفون» صفة. ذكره ابن عطية.
-"راعنا" في مصحف ابن مسعود «راعونا». ذكره ابن عطية.
المراد بـ"من" في الآية:
- جائز أن تكون: من صلة الذين أوتوا الكتاب. والمعنى: ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب من الذين هادوا. ذكره الزجاج وابن عطية.
-ويجوز أن يكون: من الذين هادوا قوم يحرفون الكلم, ويكون {يحرفون} صفة، والموصوف محذوف. فتكون من التبعيضية. وهو قول الفراء وسيبويه. وذكره الزجاج وابن عطية ورجحه, لأن إضمار الموصول ثقيل كما في القول الأول.
-وقالت طائفة، هي متعلقة بـ"نصيراً" والمعنى ينصركم من الذين هادوا. ذكره ابن عطية.
-وقالت فرقة: هي لابتداء الكلام، وفيه إضمار تقديره قوم يحرفون، هذا مذهب أبي علي, وذكره ابن عطية.
-وقال ابن كثير: أنها لبيان الجنس.
ولعل أصح الأقوال ما رجحه ابن عطية وهو قول الفراء وسيبويه, لأن أهل اللغة في ذلك أخبر -والله أعلم-, مع بيان عدم تعارض الأقوال, فكلها تصب في معنى صحيح.
معنى "هادوا":
-قيل: مأخوذ من هاد إذا تاب.
-أو من يهود بن يعقوب.
-أو من التهود وهو الرويد من المشي واللين في القول.
ذكر هذه الأقوال كلها الخليل، ونقلها ابن عطية.
أوجه "تحريف الكلم" في الآية:
-إما بتغيير اللفظ، وقد فعلوا ذلك في الأقل. ذكره ابن عطية.
-وإما بتغيير التأويل، وقد فعلوا ذلك في الأكثر، وإليه ذهب الطبري، وابن كثير, وهذا كله في التوراة على قول الجمهور. كما ذكر ذلك ابن عطية.
المراد بـ"الكلم":
-قالت طائفة: هو كلم القرآن. ذكره ابن عطية.
-وقال مكي: كلام النبي محمد عليه السلام، فلا يكون التحريف على هذا إلا في التأويل. ذكره ابن عطية. [هذان القولان هما قول واحد وهو الذي ذكره المفسرون الثلاثة، وهناك قول ثان في المسألة وهو أن المراد التوراة وقد ذكره الطبري عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قوله:"يحرفون الكلم عن مواضعه"، تبديل اليهود التوراة. وإنما نبهت عليه لأنه المروي عن السلف وأما القول الأول فلم يرو فيه الطبري أي شيء عن السلف وعليه فيكون هذا القول مهم ذكره]
معنى "سمعنا وعصينا":
- أي يقولون سمعنا ما قلته يا محمّد ولا نطيعك فيه. هكذا فسّره مجاهدٌ وابن زيدٍ، وهو المراد، كما ذكره ابن كثير.
تخريج قول مجاهد: رواه الرملي والطبري وابن أبي حاتم من طريق ابن أبي نجيحٍ، عنه.
ورواه الطبري عن ابن حميدٍ، عن حكّامٌ، عن عنبسة، عن محمّد بن عبد الرّحمن، عن القاسم بن أبي بزّة، عنه.
تخريج قول ابن زيد: رواه الطبري عن يونس، عن ابن وهبٍ، عنه.
ما يفيده قولهم :"سمعنا وعصينا":
-يبين ذلك مدى عتوهم وطغيانهم, وذلك أنّهم يتولّون عن كتاب اللّه بعد ما عقلوه، وهم يعلمون ما عليهم في ذلك من الإثم والعقوبة. ذكره ابن عطية.
معنى "واسمع غير مسمع":
يتخرج فيه معنيان:
-أحدهما غير مأمور وغير صاغر، كأنه قال: غير أن تسمع مأمورا بذلك. رواه الضّحّاك عن ابن عبّاسٍ. وذكره ابن عطية وابن كثير, ونقل ترجيح الطبري له.
-والآخر على جهة الدعاء، أي لا سمعت. ذكره الزجاج وابن كثير وابن عطية, وبين أن التصريف لا يساعد هذا المعنى (مما يجعلني أرجح القول الأول). وذكر أن الطبري حكاه عن الحسن ومجاهد.
[تحرير هذه المسألة وقع فيه شيء من الخلط وبيانها أن يقال:
أن في المعنى المراد قولين:
-أحدهما: أن المعنى: غير مقبول منك [أي لا نسمع ولا نقبل منك أقوالك والحق الذي عندك] وهذا القول مروي عن مجاهدٌ والحسن
-والآخر: أن المعنى: اسمع غير مأمور بذلك [وهذا ظاهر الكلام وهو تعظيم] ومرادهم لا سمعت [وهو دعاء عليه] وهذا القول مروي عن ابن عباس كما ذكرتيه، وهو الذي رجحه الطبري، ويقوي ترجيحه أن هذا من عادتهم اطلاق الألفاظ وإبطان الشر كما في الآية نفسها في قوله "راعنا" فالظاهر أرعنا سمعك والباطن من الرعونة كما بينتيه فيما بعد، ويقويه أيضا قوله تعالى بعد ذلك "ليا بألسنتهم" فهذا مثال عليه]

فكانت اليهود إذا خاطبت النبي بغير مسمع، أرادت في الباطن الدعاء عليه، وأرت ظاهرا أنها تريد تعظيمه، قال نحوه ابن عباس وغيره. وذكره ابن عطية.
تخريج قول ابن عباس: رواه الطبري وابن أبي حاتم من طريق المنجاب عن بشر بن عمارة، عن أبي روقٍ، عن الضّحّاك، عنه.
تخريج قول الحسن: رواه الطبري وابن أبي حاتم من طريق الحسن بن يحيى، عن عبد الرّزّاق، عن معمرٌ، عنه.
تخريج قول مجاهد: رواه الطبري عن ابن حميد عن حكام عن عنبسة عن محمد بن عبد الرحمن عن القاسم بن أبى بزة عنه.
ورواه عن القاسم، عن الحسين، عن حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عنه.
ورواه الطبري وابن أبي حاتم من طريق ابن أبي نجيحٍ، عنه.
معنى "راعنا" المراد في الآية:
هذه كلمة كانت تجري بين اليهود على حد السّخرية والهزؤ. واختلفوا في معناها:
-فقال بعضهم: كانوا يسبّون النبي - صلى الله عليه وسلم - بهذه الكلمة. ذكره الزجاج.
-وقال بعضهم: كانوا يقولونها كبرا، كأنّهم يقولون: ارعنا سمعك، أي: اجعل كلامك لسمعنا مرعى. حكاه مكي وذكره الزجاج وابن عطية.
-وقيل: كانوا يريدون منه في نفوسهم معنى الرعونة. ذكره ابن عطية وابن كثير.
ويظهرون منه معنى المراعاة، فهذا معنى «ليّ اللسان». كما ذكره ابن عطية.
وهذا مما لا تخاطب به الأنبياء - (صلوات الله عليهم) - إنما يخاطبون بالإجلال والإعظام. كما ذكر الزجاج.
ولعل الأقوال جميعا صحيحة, فقول اليهود كان من باب الباب والغطرسة أيا كان معنى "راعنا" في الآية.
معنى "ليا بألسنتهم":
-ليًّا أصله لويا، قلبت الواو ياء وأدغمت. والمعنى: يفعلون ذلك معاندة للحق. ذكره الزجاج. وبين ابن عطية المعنى بذكر الصور السابقة له "اسمع غير مسمع", "سمعنا وعصينا" "راعنا", فهذا كله تفسير لمعنى "ليا بألسنتهم".
معنى "طعناً في الدّين":
-أي: توهينا له وإظهارا للاستخفاف به. ذكره ابن عطية. وخصص ابن كثير الطعن بأنه سبهم للنبي.
معنى "انظرنا":
-انتظرنا، بمعنى: أفهمنا وتمهل علينا حتى نفهم عنك ونعي قولك. قاله مجاهد وعكرمة وغيرهما. وذكره ابن عطية.
تخريج قول عكرمة ومجاهد: رواه الطبري عن القاسم، عن الحسين، عن أبي تميلة، عن أبي حمزة، عن جابرٍ، عنهما.
-انظر إلينا، فكأنه استدعاء اهتبال وتحف. ذكره ابن عطية.
معنى "أقوم":
-أعدل وأصوب. ذكره ابن عطية.
معنى اللعن:
-الإبعاد. ذكره ابن عطية.
المراد باللعن في الآية:
-الإبعاد والطرد من الهدى والخير والإيمان. حاصل ما ذكره ابن عطية وابن كثير.
متعلق القلة في قوله: "فلا يؤمنون إلا قليلا":
- الإيمان. أي: فلا يؤمنون إلّا إيمانا قليلا، لا يجب به أن يسمّوا المؤمنين. قال به سيبويه وذكره الزجاج وابن عطية وابن كثير, ويبدو هو الأرجح.
- الأفراد. أي: إلا قليلا منهم، فإنهم آمنوا. ذكره الزجاج وابن عطية, وقال: فيه نظر.[/quote]

رد مع اقتباس
  #9  
قديم 12 شعبان 1441هـ/5-04-2020م, 10:58 AM
عقيلة زيان عقيلة زيان غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - الامتياز
 
تاريخ التسجيل: May 2011
المشاركات: 700
افتراضي

قال الله تعالى( يَأَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ آمِنُوا بِمَا نَزَّلْنَا مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهًا فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَمَا لَعَنَّا أَصْحَابَ السَّبْتِ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولا) [النساء : 47]
نزول الآية
- عن ابن عباس ، قال : كلم رسول الله صلى الله عليه وسلم رؤساء من أحبار يهود ، منهم عبد الله بن صوريا وكعب بن أسد ، فقال لهم : «يا مَعْشَرَ يهود اتّقُوا الله وأسْلِمُوا ! فوالله إنكم لَتَعْلَمُونَ أنّ الّذي جِئْتُكُمْ به لحقّ » فقالوا : ما نعرف ذلك يا محمد . وجحدوا ما عرفوا ، وأصرّوا على الكفر ، فأنزل الله فيهم : { يا أيّها الّذينَ أُوتُوا الكِتابَ آمِنُوا بمَا نَزّلْنا مُصَدّقا لمَا مَعَكُمْ مِنْ قَبْلِ أنْ نَطْمِسَ وُجُوها فَنَرُدّها على أدْبارِها } . . . الاَية
المراد بالذين أوتوا الكتاب
في ذلك قولان:
1-اليهود والنصارى ذكره ابن عطية وعليه يكون المراد بالكتاب التوراة والإنجيل
2-اليهود وهو قول ابن جرير . ويكون المراد بالكتاب التوراة
و القول الثاني أجود لدلالة سبب النزول على ذلك و لموافقته السياق وختام الآية
-فقد ورد في سبب النزول أنها نزلت في اليهود.
-وسياق الآية و سباقها في اليهود ؛جاء قبل هذه الآية قوله تعالى :" مِنَ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ.." ..وجاء بعدها قوله تعالى : أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ.." والمعلوم أن اليهود هم الذين حسدوا النبي صلى الله عليه وسلم على نعمة النبوة والرسالة
وكذا ختام الآية فقوله :" أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَمَا لَعَنَّا أَصْحَابَ السَّبْتِ " فالمراد بهم اليهود ، نلعن هؤلاء كما لعنا الذين لعنا منهم من أصحاب السبت .

المراد ب "لِما مَعَكُمْ"
والمراد ب "ما معكم" هو التوراة التي أنزلها الله على موسى بن عمران
قال ابن عطية :" لِما مَعَكُمْ معناه من شرع وملة، لا لما كان معهم من مبدل ومغير" اهـ
معنى الطمس
طَمَسَ يَطْمِسُ طُمُوساً دَرَسَ وامَّحَى أَثَرُه ؛ والطمس اسئتصال أثر الشيء ؛ ويأتي لازم ومتعد
يقال :"طمست الريح الأثر أي محتها" ؛ و طمس الموضعُ إذا عفا ودرس.
قال ابن فارس :" (طَمَسَ) الطَّاءُ وَالْمِيمُ وَالسِّينُ أَصْلٌ يَدُلُّ عَلَى مَحْوِ الشَّيْءِ وَمَسْحِهِ. يُقَالُ: طَمَسْتُ الْخَطَّ، وَطَمَسْتُ الْأَثَرَ. وَالشَّيْءُ طَامِسٌ أَيْضًا. وَقَدْ طَمَسَ هُوَ بِنَفْسِهِ.اهـ.
وقال الراغب في المفردات :( الطمس إزالة الأثر بالمحو ، قال تعالى : { فإذا النجوم طمست( 8 ) })اهـ
وَيُقَال: طَمَس الله على بصَرِه يطمس. وطمَسَ طُمُوساً: إِذا ذَهَب بَصَرُه.
ورجل مطموس وطميس: وهو الأعمى الذي تعفي الشق الذي بين جفني عينيه
وقد أضاف ابن جرير رحمه الله قيدا لمعنى الطمس وهو التسوية بالأرض ؛ أي محو واندراس مع تسوية بالأرض
قال رحمه الله :" وأما"الطمس"، فهو العُفُوّ والدثور في استواء. منه يقال:"طمست أعلام الطريق تطمِسُ طُموسًا"، إذا دثرت وتعفَّت، فاندفنت واستوت بالأرض، كما قال كعب بن زهير:
مِنْ كُلِّ نَضَّاحَةِ الذِّفْرَى إذَا عَرقَتْ ... عُرْضَتُهَا طَامِسُ الأعْلام مَجْهُولُ .
يعني:"طامس الأعلام"، دائر الأعلام مندفنها. ..اهـ
واستعير لفظ الطمس للمعاني؛ فيطلق على إبطال خصائص الشيء المألوفة فيه ؛فيقال طمس القلوب أي إبطال آثار التميّز والمعرفة منها ؛ فيقال؛ رجل طامس القلب: ميته لا يعي شيئاً.
معنى الوجوه:
وجْهُ كل شَيْء: مستقبله.
والوَجْه: المُححَيَّا، وَالْجمع أوْجُهٌ ووُجُوهٌ.التي هي خلاف"الأقفاء".
ووَجْهُ الْفرس: مَا أقبل عَلَيْك من الرَّأْس من دون منابت شعر الرَّأْس.
ويستعار الوجه في المعاني فيقال : هذا وجه الثّوب. ووجه القوم، وهؤلاء وجوه البلد، ورجل وجيه: بيّن الوجاهة. وله جاه وحرمة.

المراد " نَطْمِسَ وُجُوهًا فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا".
اختلف أهل العلم في ذلك ويمكن بيان مرجع الخلاف إلى اختلافهم في المراد بالوجه
المراد ب "وجوها"
اختلف أهل العلم في المراد بالوجوه على أقوال :
1- الوجه : العضو المعروف . فالحمل على الحقيقة
و اختُلف في المراد " نَطْمِسَ وُجُوهًا فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا" على قولين :
-أ- جعل الوجه كالقفا
ثم اختلفوا في وجه المشابهة
*** قيل أن يجعل الوجه كالقفا خاليا من الحواس ؛ ليس فيها فم ، ولا حاجب ، ولا عين .
فيكون معنى طمس الوجه أن تعفى أثر الحواس فيها وتمحى؛ وتزال الخلقة منه فيرجع كسائر الأعضاء في الخلو من أعضاء الحواس. .
ويكون معنى" فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا" أي تعود كأقفائهما خالية من الحواس قال ابن عطية :" فيكون أرد على «الأدبار» في هذا الموضع بالمعنى، أي خلوه من الحواس دبرا لكونه عامرا بها.." ذكره الزجاج ابن عطية وابن كثير وهو قول أبي عبيدة ابن قتيبة .
قال ابن عباس: يجعلها كخفّ البعير أو كحافر الدابة . ذكره العلبي
قال ابن قتيبة :نَطْمِسَ وُجُوهاً أي نمحو ما فيها من عينين وأنف وحاجب وفم.
فَنَرُدَّها عَلى أَدْبارِها أي نصيرها كأقفائهم ."اهـ
توجيه الأقوال
أن الطمس معناه المحو يقال الريح طمَست آثارنا أي محتها ، وطَمَس الكتابَ : محاه ؛ويقال : ، ويقال : طُمِست عينُه ..فيكون معنى طمس الوجه محو أثر الحواس فيه و تسويتها حتى تصير مثل القفا
***وقيل أن يجعل الوجه منبتا للشعر كالقفا هو منبت الشعر ؛ وهذا هو معنى رده على دبره لأن منابت شعر الآدميين فِي أدبارهم، ذكره ابن عطية ولم ينسبه إلى أحد وهو اختيار الفراء
قال الفراء رحمه الله :"أن يجعل الوجه منبتا للشعر كما كان وجه القرد كذلك" اهـ
توجيه القول
احتج الفراء لهذا القول بدلالة العقل والسياق.. قال الفراء :" ..(وهذا) أشبه بالصواب لقوله أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَما لَعَنَّا أَصْحابَ السَّبْتِ يقول: أو نسلخهم قردة..."اهـ
-لما أخبر الله تعالى أنه مسخ وجوهم قردة ؛ وأنه جعلها كالقفا كان الوصف الجامع المشترك بين القفا ووجه القردة نمو الشعر وكثافته وكثرته .
أو يقال أن الشيء الذي يتميز به مقدم الرأس و مؤخره هو الشعر ؛ فلما أخبر الله أنه جعل الوجوه كالقفا فهم منه أنه جعل فيها الشعر؛ وقال ابن سيده :" ووَجْهُ الْفرس: مَا أقبل عَلَيْك من الرَّأْس من دون منابت شعر الرَّأْس.اهـ
لهذا يجعل الفقهاء منابت الشعر حدا الوجه
وقد رد ابن جرير قول الفراء لأنه مخالف للفهم السلف للآية قال رحمه الله :"فقول لقول أهل التأويل مخالف ، وكفى بخروجه عن قول أهل العلم من الصحابة والتابعين فمن بعدهم من الخالفين على خطئه شاهدا .اهـ
-ب- تحويل الوجه إلى القفا أي قِبل ظهورهم ؛فيمشي الواحد منهم القهقري؛ وهو معنى الرد على الدبر هو قول وهو ابن عباس(68) وقتادة (104)وعطية العوفي ( 111)
فيكون معنى طمس الوجه محو الحواس فلا يبقى أثرها
ومعنى الرد على الأدبار تحويلها قبل القفا
قال قتادة :{ فَنَرُدّها عَلى أدْبارِها } قال : نحوّل وجوهها قبل ظهورها .
قال ابن كثير :" وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ: مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهًا فَلَا يَبْقَى لَهَا سَمْعٌ وَلَا بَصَرٌ وَلَا أَثَرٌ، وَنَرُدَّهَا مَعَ ذَلِكَ إِلَى نَاحِيَةِ الْأَدْبَارِ.اهـ
-وقيل هو خاص بالعين فقط ؛ تطمس العينين وتمحى الأبصار؛ و تزال العينين من الوجه وترد على القفا فيمشي القهقري وهو قول ابن عباس
قال ابن عباس :" أن نجعل وجوههم من قبل أقفيتهم فيمشون القهقري ونجعل لأحدهم عينين في قفاه ." اهـ
تخريج الأقوال:
تخريج قول ابن عباس أخرجه ابن جرير و ابن أبي حاتم من طريق العوفي عنه
تخريج قول قتادة أخرجه ابن المنذر من طريق فضيل بن مرزوق عنه
وأخرجه عبد الرزاق و ابن جرير من طريق معمر عنه
تخريج قول عطية العوفي أخرجه ابن جرير من طريق فضيل بن مرزوق عنه
توجيه القول
معنى رد الوجه على القفا هو تحويله نحو القفا والمشي القهقري ولا يكون كذلك إلا بوجود العنيين في جهة القفا
وهذا ما فهمه كعب أول ما سمع الآية قال مالك : كان أول إسلام كعب أنه مر برجل من الليل وهو يقرأ : { يا أيها الذين أوتوا الكتاب آمنوا }. فوضع كعب يده على وجهه ورجع القهقرى إلى بيته فأسلم مكانه وقال : والله لقد خفت ألا أبلغ بيتي حتى يطمس وجهي .
2- الوجه استعارة ؛ وفي ذلك قولان
-أ- استعارة للهدى و الرشد والبصيرة وهو قول مجاهد (104)؛ والضحاك(105) والحسن 110) والسدي (127) . ومقاتل (150)
ويكون معنى " نِّطْمِسَ وُجُوهاً " أي نطمسها عن الهدى ؛ ومعنى " فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِها"، أي نردها في ضلالها.
قال ابن عطية:" تفسير ابن عطية وطمسها حتم الإضلال والصد عنها والتصيير إلى الكفر، وهو الرد على الأدبار.اهـ
قال مقاتل :" يقول : نحول الملة عن الهدى والبصيرة التي كانوا عليها من إيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم قبل أن يبعث ، { فنردها على أدبارها } بعد الهدى الذي كانوا عليه كفارا ضلالا.اهـ
تخريج الأقوال
تخريج قول مجاهد أخرجه ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد و أخرجه عبد بن حميد كما عند السيوطي
قال مجاهد :" { أنْ نَطْمِسَ وُجُوها } عن صراط الحقّ ، { فَنَرُدّها عَلى أدْبارِهَا } في الضلالة
تخريج قول الضحاك أخرجه ابن المنذر من طريق جويبر عن الضحاك. قال : الطمس أن يرتدوا كفارا ، فلا يهتدوا أبدا .
تخريج قول الحسن أخرجه عبد الرزاق و ابن جرير وابن أبي حاتم من طريق معمر عن الحسن قال: نطمسها عن الحقّ ، { فَنَرُدّها عَلى أدْبارِها } : على ضلالتها .
تخريج قول السدي أخرجه ابن جرير وابن أبي حاتم- مع اختلاف يسير في العبارة -من طريق أسباط عن السدي قال : فنعميها عن الحقّ ، ونرجعها كفارا .
توجيه القول
-كما أن للبدن وجه كذا للنفس وجه؛ ووجه النفس وهو ما تتوجه إليه من المقاصد ومنه { أسلمت وجهي لله } وقوله : { ومن يسلم وجهه إلى الله } ؛وقوله : { فأقم وجهك للدين حنيفا } .
والمراد بالارتداد على الأدبار معنويا وهو الزيغ والضلالة كقوله تعالى: { إن الذين ارتدوا على أدبارهم من بعد ما تبين لهم الهدى الشيطان سول لهم وأملى لهم} .
ورد ابن جرير هذا القول لأن لفظ الرد لا تساعده في ذلك؛ فمعنى "الرد الشيء" هو رجوعه إلى ما كان عليه قبل؛ وهؤلاء لم يحصل لهم إيمان ولا اهتداء حتى يقال لهم سنردكم إلى غيكم وضلالكم
قال رحمه الله :" فما وجه ردّ من هو في الضلالة فيها ؟ وإنما يرد في الشيء من كان خارجا منه ، فأما من هو فيه فلا وجه لأن يقال : يردّه فيه . وإذ كان ذلك كذلك ، وكان صحيحا أن الله قد تهدّد الذين ذكرهم في هذه الاَية بردّه وجوههم على أدبارهم ، كان بينا فساد تأويل من قال : معنى ذلك يهدّدهم بردّهم في ضلالتهم .اهـ
-ب- استعارة للمواضع التي هم فيها أو لوجاهة اليهود في بلاد العرب
ومعنى طمس الوجوه :: إزالة آثارهم عن بلاد العرب ومحو أحوالهم عنها ، أو الطمس بمعنى المذلة و الإهانة و زوال وجاهة اليهود في بلاد العرب ، بعد أن كانوا فيها أعزّة ذوي مال وعدّة
والمراد بالرد على الأدبار: هو رجوعهم إلى الشام من حيث أتوا أولا. وهو قول زيد بن أسلم (137) وابنه عبد الرحمان (182) وذكره الزجاج وابن عطية و ابن كثير
.قال ابن عاشور:" والكلام وعيد ، والوعيدُ حاصل ، فقد رماهم الله بالذلّ ، ثم أجلاهم النبي صلى الله عليه وسلم وأجلاهم عمر بن الخطاب إلى أذرعات .اهـ
تخريج الأقوال
تخريج قول زيد ابن أسلم أخرجه ابن جرير من طريق ابن وهب عنه قال" فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا" إلى الشام
تخريج قول عبد الرحمان ابن زيد أخرجه ابن أبي حاتم من طريق ابن وهب عنه قال" فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا" من حيث جاءت أدبارها أي رجعت إلى الشام من حيث جاءوا ردوا إليه
توجيه القول:
من جهة اللغة
هو من قولهم" وَلَّى مُدْبِراً ": وَلَّى عَلَى عَقِبِهِ ؛ وكذا قولهم "ارتدَّ على دُبُره" : رجع منسحبًا من حيث أتى.
و من جهة الواقع فقد حصل إجلاء اليهود من جزيرة العرب
ورد ابن جرير هذا القول لأنه مخالف للمعهود من استعمال العرب للفظ الوجوه ؛ فالمعهود المعروف عند العرب أن لفظ الوجوه تطلق على خلاف الأقفاء؛ ويجب حمل القران على المشهور المعهود من كلام العرب قال ابن جرير:"..وكتاب الله يوجه تأويله إلى الأغلب في كلام من نزل بلسانه حتى يدلّ على أنه معنيّ به غير ذلك من الوجوه التي ذكرت دليل يجب التسليم له .اهـ
وتعقب أيضا الألوسي هذا القول بأنه لا يناسب مقام التشديد الوعيد الوارد في الآية؛ كما أنه لم يوافق تعميم التهديد للجميع ؛ فالتهديد في الآية عام والذين تم إجلاؤهم طائفة من اليهود
الترجيح
رجح ابن جرير قول ابن عباس قال رحمه الله :" : وأولى الأقوال في ذلك بالصواب قول من قال : معنى قوله : { مِنْ قَبْلِ أنْ نَطْمِسَ وُجُوها } : من قبل أن نطمس أبصارها ونمحو آثارها فنسوّيها كالأقفاء ، فنردّها على أدبارها ، فنجعل أبصارها في أدبارها ، يعني بذلك : فنجعل الوجوه في أدبار الوجوه ، فيكون معناه : فنحوّل الوجوه أقفاء ، والأقفاء وجوها ، فيمشون القهقري ، كما قال ابن عباس وعطية ومن قال ذلك ...
وحجته في ذلك رحمه الله تعالى السياق ؛ فسياق الآية في اليهود قال رحمه الله :" وإنما قلنا ذلك أولى بالصواب ، لأن الله جلّ ثناؤه خاطب بهذه الاَية اليهود الذين وصف صفتهم بقوله : { ألَمْ تَرَ إلَى الّذِينَ أُوتُوا نَصِيبا مِنَ الكِتابِ يَشْتَرُونَ الضّلالَةَ } ثم حذّرهم جلّ ثناؤه بقوله : { يا أيّها الّذِينَ أُوتُوا الكِتابَ آمِنُوا بمَا نَزّلْنا مُصَدّقا لِمَا مَعَكُمْ مِنْ قَبْلِ أنْ نَطْمِسَ وُجُوها فَنَرُدّها على أدْبارِها } . . . الاَية ، بأَسه وسطوَتَه ، وتعجيل عقابه لهم إن هم لم يؤمنوا بما أمرهم بالإيمان به ، ولا شكّ أنهم كانوا لما أمرهم بالإيمان به يومئذ كفارا.اهـ
وقال ابن كثير في ترجحه بعد ان ذكر قول ابن عباس وعطية العوفي قال :" وَهَذَا أَبْلَغُ فِي الْعُقُوبَةِ وَالنَّكَالِ، وَهَذَا مَثَلٌ ضَرَبَهُ اللَّهُ لَهُمْ فِي صَرْفِهِمْ عَنِ الْحَقِّ وَرَدِّهِمْ إِلَى الْبَاطِلِ وَرُجُوعِهِمْ عَنِ الْمَحَجَّةِ الْبَيْضَاءِ إِلَى سُبُلِ الضَّلَالَةِ يَهْرَعُونَ وَيَمْشُونَ الْقَهْقَرَى عَلَى أَدْبَارِهِمْ، وَهَذَا كَمَا قَالَ بَعْضُهُمْ فِي قَوْلِهِ: {إِنَّا جَعَلْنَا فِي أَعْنَاقِهِمْ أَغْلالا فَهِيَ إِلَى الأذْقَانِ فَهُمْ مُقْمَحُونَ. وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا **وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ } . إِنَّ هَذَا مَثَلُ سُوءٍ ضَرَبَهُ اللَّهُ لَهُمْ فِي ضَلَالِهِمْ وَمَنْعِهِمْ عَنِ الْهُدَى." اهـ
المراد "بأصحاب السبت"
- هم أهل أيلة الذين اعتدوا في السبت في الصيد. ذكره ابن عطية
- المراد باللعنة
في ذلك قولان
-القول الأول-المراد باللعنة هو مسخهم وهو قول الحسن (110) و قتادة (117) والسدي (127)..وهو قول السلف قاطبة ؛ ولم يُذكر لهم قول غيره
تخريج الأقوال:
تخريج قول الحسن أخرجه عبد الرزاق و ابن جرير وابن وأبي حاتم من طريق معمر عنه
تخريج قول قتادة أخرجه عبد الرزاق و ابن جرير و ابن المنذر من طريق معمر عنه
تخريج قول السدي أخرجه ابن جرير من طريق أسباط عنه
توجيه القول :
ما ورد في قوله تعالى :" {قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللَّهِ مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ} فالآية بينت أن لعن اليهود بأن جعل منهم.قردة وخنازير
فيحمل معنى آية المائدة على آية النساء
القول الثاني- اللعنة الطرد والإبعاد من رحمة الله والمراد به ما يحصل لهم من الذلة والمهانة
واليهود مازالت اللعنة تتبعهم والناس يلعنونهم في كل زمان ومكان ذكره الألوسي وابن عاشور
قال الألوسي :" ملعونون بكل لسان وفي كل زمان ، فاللعن بمعناه الظاهر ؛ والمراد من التشبيه بلعن أصحاب السبت الإغراق في وصفه "اهـ
توجيه القول
ما جاء في سورة المائدة في قوله تعالى :" مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِير.."} فالآية عطفت المسخ على اللعنة والعطف الأصل فيه المغايرة؛ فدل ذلك أن اللعن غير المسخ؛ فوجب المغايرة بين المسخ واللعنة في سورة النساء...فإن حمل الطمس على المسخ يحمل اللعن على معناه الظاهر ؛و إن حمل الطمس على الذل والإهانة يحمل اللعن على المسخ
قال ابن عاشور:"وقوله : { أو نلعنهم كما لعنا أصحاب السبت } أريد باللعن هنا الخزي ، فهو غير الطمس ، فإن كان الطمس مراداً به المسخ فاللعن مراد به الذلّ ، وإن كان الطمس مراداً به الذلّ فاللعن مراد به المسخ .اهـ
وقد يرد هذا القول :أنه لا يصح الإكتفاء به لأنه مخالف لإجماع السلف من أن المراد باللعن هو المسخ..؛فلابد من جمع القولين معا
وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولا
المراد بأمر الله ؛ فيه قولان
1- الأمر في الآية واحد الأمور لا واحد الأوامر ؛ ذكره ابن عطية
والمراد به ما يحل به في الآية عباده من عذاب ولعنة.
{ مَفْعُولاً } نافذاً واقعاً في الحال أو كائناً في المستقبل لا محالة
2- الأمر في الآية المأمور ؛ مصدرا وقع موقع المفعول ؛ وسمي المأمور أمر الله لأنه عن أمره كان وبأمره ، ذكره ابن جرير
والمراد به هنا أمر التكوين لا الأمر الشرعي. والمعنى : وكان ما أمر الله مفعولاً . والمعنى أنه متى أراده كان كقوله { إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون } .
نظير الآية
-و مما يشبه هذه الآية ، في وعيديها ، بآية يس . أعني قوله تعالى : ( ولو نشاء لطمسنا على أعينهم فاستبقوا الصراط فأنى يبصرون * ولو نشاء لمسخناهم على مكانتهم فما استطاعوا مضيا ولا يرجعون )

قال الله تعالى: ( إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا) [النساء : 48]

نزول الآية
-عن عبد الله بن عمر ، أنه قال : لما نزلت : { يا عِبادِيَ الّذِينَ أسْرَفُوا على أنْفُسهِمْ } . . . الاَية ، قام رجل فقال : والشرك يا نبيّ الله . فكره ذلك النبيّ صلى الله عليه وسلم ، فقال : { إنّ اللّهِ لا يَغْفِرُ أنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ باللّهِ فَقَدِ افْتَرَى إثما عَظِيما } . رواه ابن جرير وابن أبي حاتم
-منصور بن عمران البرجمي ، قال : سمعت أبا مجلز يقول لما نزلت هذه الآية : { قال يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم } الآية ، قام النبي صلى الله عليه وسلم على المنبر فتلاها على الناس ، فقام إليه رجل فقال : والشرك بالله ، فسكت ، ثم قام إليه فقال : يا رسول الله والشرك بالله ، فسكت مرتين ، أو ثلاثا ، قال : فنزلت هذه الآية : { إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء } قال : فأثبتت هذه في الزمر ، وأثبتت هذه في النساء/ . رواه ابن المنذر
المعنى الجملي للآية
ذكر الله في هذه الآية الكريمة أنه تعالى لا يغفر الإشراك به وأنه يغفر غير ذلك لمن يشاء وأن من أشرك به فقد افترى إثمًا عظيمًا .
مناسبة الآية لما قبلها
ورد في ذلك أقوال أن الآية جاءت
-أن هذه الآية متعلقة بما قبلها وفي بيان تلك العلاقة أقوال
-- جيء بها كالتعليل للتهديد والوعيد السابق ذكره وهو طمس الوجوه والرد على الأدبار واللعنة .. والمعنى :آمنوا بالقرآن من قبل أن ينزل بكم العذاب ، لأنّ الله يغفر ما دون الإشراك به. ذكره ابن عاشور
-- أن في هذه الآية فتح لباب المغفرة التي كتبها الله على نفسه لعباده ؛ لأنه كتب على نفسه الرحمة ، ودعوة لأهل الكتاب للتوبة وترك الكفر والشرك الذي هم عليه ؛ فإن فعلوا ذلك فإن الله يفغر لهم باق الذنوب جميعا .ذكره أبو زهرة
-** الآية جاءت لبيان حال أهل الكتاب؛ وأنهم قد وقعوا في الشرك فلا يستهولنكم تسميتهم بأهل الكتاب الذي يدخل فيه الإيمان بالله والأنبياء ..قال رشيد رضا:" كأنه يقول لا يغرنكم انتماؤكم إلى الكتب والأنبياء وقد هدمتم أساس دينهم بالشرك الذي لا يغفره الله بحال من الأحوال ."
--
وقيل الآية استئناف لكلام جديد فهي جملة اعتراضية ؛ وقعت اعتراضا بين قوارع أهل الكتاب ومواعظهم ؛ وهى كالتمهيد لما بعدها لتشنيع حال من فضل الشرك على الإيمان في قوله تعالى :" أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلَاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلًا." ذكره ابن عاشور

تفسير الآية
:" إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ "
ظاهر الآية أنها عامة في كل مشرك ؛ سواء مات على شركه أم تاب عنه ؛ فإن الله لا يغفره ؛ لكن قد ورد من النصوص ما يبين ويفسر محل كونه لا يغفر الإشراك به؛ أن ذلك إذا لم يتب المشرك من شركه ، فإن تاب غفر له كقوله تعالى :" {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ } إلى قوله {... إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا } وقال تعالى : { قُل لِلَّذِينَ كَفَرُواْ إِن يَنتَهُواْ يُغْفَرْ لَهُمْ مَّا قَدْ سَلَفَ }
وأجمع أهل العلم أن المشرك إذا مات على شركه لم يكن من أهل المغفرة التي تفضل الله بها على غير أهل الشرك حسبما تقتضيه مشيئته..
وأن المشرك إذا تاب من شركه وأناب إلى ربه ومات على توبته مغفور له بإجماع. لأنه لا خلاف في أن التوبة تسقط الذنوب قال تعالى :" {وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى} [طه: 82] ؛ وقوله :{فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا} [نوح: 10]

فهذا الجزء من الآية "
:" إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ " مجمع عليه بين طوائف أهل الإسلام.
-إذن فقوله ":" إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ "؛ المراد به من مات وهو مشرك؛فهذا لا يغفر الله له بإجماع أهل العلم والجنة محرمة عليه وهو مخلد في النار ولا خلاف في ذلك كما قال تعالى: { إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ }
- وأما التائب إذا مات على توبته فهو عند أهل السنة وجمهور فقهاء الأمة من أهل الجنة مغفور له لقوله تعالى " {إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (70) وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا }
وكذا من باب أولى من كان محسن بإيمانه مات على ذلك ولم يقترف ذنبا فهذا في الجنة محتوم عليه حسب الخبر من الله تعالى بإجماع.
-روى جابر بن عبد الله أنه قال : سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الموجبتين ، فقال : " من مات لا يشرك بالله شيئاً دخل الجنة ، ومن مات يشرك بالله دخل النار "
-ويدخل في قوله "أن يشرك "
ويدخل في قوله "أن يشرك به" المشرك وكذا الكافر؛ وأهل الكتاب على حد السواء .
وقوله " وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ "
حكي عن علي رضي الله عنه أن هذه الآية أرجى آية في القرآن قوله : { ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء } ذكره البغوي
مرجع اسم الإشارة "ذلك"
يرجع إلى الشرك والمعنى يغفر ما دون الشرك لمن يشاء
والمعنى أن الذنوب التي دون الشرك داخلة تحت المشيئة .
وقوله " ما دون ذلك" فيه قدر من الإجمال ؛يدخل فيه كبائر الآثام ؛ وصغائرها .
فُحتاج في تبينه إلى نصوص أخرى من الكتاب والسنة
حكم من مات على ذنبه ولم يتب منه
المذنب إذا مات قبل توبته، فهذا موضع الخلاف، بين طوائف أهل الإسلام
وهذا المذنب الذي لم يتب له حالان: إما يكون صاحب كبائر؛ أو صاحب صغائر.
فالراجح من أقوال أهل السنة أن صحاب الصغار مغفور له ؛ وأما صحاب الكبيرة فهو داخل تحت المشيئة الله ؛ إن شاء غفر الله له وإن شاء عذبه بحسب ذنبه؛ ومشيئة الله تابعة لحكمته ؛ قال تعالى "{إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا } [النساء: 31].
وقال تعالى :{وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى (31) الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ }
وصاحب الكبيرة إن عذب وأدخل النار فهو لا يخلد فيه بل يعذب بقدر ذنبه و يخرج منها ويدخل الجنة
-وقالت المرجئة: هو في الجنة بإيمانه ولا تضره سيئاته.
وحجتهم في ذلك أن الإيمان عندهم شيء واحد ؛ ومحله القلب وهو التصديق ؛ فالمعاصي و الذنوب والآثام لا تبطل التصديق ولا تنافيه ؛ فالإيمان عندهم لا يزيد ولا ينقص ؛ فالعاصي عندهم باق على إيمانه بل هو كامل الإيمان؛ وبنوا هذه المقالة على أن جعلوا آيات الوعيد كلها مخصصة في الكفار، وآيات الوعد عامة في المؤمنين، تقيّهم وعاصيهم.
وحملت المرجئة قوله تعالى " وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ " على من يشاء الإيمان ؛ فالمشيئة عندهم معلقة بالإيمان ممن يؤمن؛ لا بغفران الله لمن يغفر له
ولا وجه لما ذهبوا إليه لأنه يلزم عليه لوازم باطلة ؛من ذلك أنه يلزم يكون قوله { ويغفر ما دون ذلك } عام في كافر ومؤمن ، فإذا خصص المؤمنون بقوله { لمن يشاء } وجب أن الكافرين لا يغفر لهم ما دون ذلك ، ويجازون به
قال القاضي أبو محمد : وذلك وإن كان مما قد قيل - فهو مما لم يقصد بالآية على تأويل أحد من العلماء ، ويرد على هذا المنزع بطول التقسيم ، لأن الشرك مغفور أيضاً لمن شاء الله أن يؤمن .
-قالت المعتزلة: من مات وهو صاحب كبيرة فهو في النار ولا بد.وحجتهم في ذلك أن الإيمان كله واحد لا يتجزأ لا يقبل التبعض ؛ إذا ذهب بعضه ذهب كله، وهم يرون أن الذنوب منها كبائر ومنها صغائر
واحتجوا لقولهم بقوله تعالى :"ومن يقتل مؤمناً متعمداً فجزاؤه جهنم خالداً فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذاباً عظيماً }
وجه الدلالة: أن قتل النفس كبيرة من الكبائر و الله حكم على مرتكب الكبير أنه في النار خالدا فيها ؛ فهذا دليل أن صاحب الكبيرة مخلد في النار
-وتعقب :أنه لا وجه لما ذهبوا إليه لأنه يمكن تخريج الآية على وجوه:
-أن المراد بقوله "متعمدا" مستحلاوإذا استحل أحد ما حرم الله عليه فقد كفر ، ويدل على ما قال ابن عباس : إنّا نجد الله تعالى في أمر القتل إذا ذكر القصاص لم يذكر الوعيد ، وإذا ذكر الوعيد بالنار لم يذكر القصاص ، فيظهر أن القصاص للقاتل المؤمن العاصي ، والوعيد للمستحل الذي في حكم الكافر ،
- أن الخلود إذا لم يقرن بقوله «أبداً » فجائز أن يراد به الزمن المتطاول ، إذ ذلك معهود في كلام العرب
قال الشاعر : وَهَلْ يَعِمَنْ إلاّ سعيدٌ مُخَلَّدٌ . . . قَليلُ الهمومِ ما يَبِيتُ بِأَوْجَالِ.
-أن الله أخبر أنه يغفر الذنوب جميعا :" { قل يا عبادي الذي أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله ، إن الله يغفر الذنوب جميعاً } فيجب حمل آية القتل على آية الزمر و آية " إن الله لا يغفر أن يشرك به"
-وتقويةً لمذهبهم حملت المعتزلة قوله تعالى :" وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ" على التائب أي من يشاء أن يتوب.
ولا وجه لما ذهبوا إليه لأنه يلزم من قولهم أن التائب من الشرك لا يغفر الله له؛ وهذا لا زم باطل لا قائل به فدل على بطلان قولهم
-قالت الخوارج: من مات وهو صاحب كبيرة أو صغيرة فهو في النار مخلد ولا إيمان له، والحجة في ذلك أن الإيمان كله واحد لا يتجزأ لا يقبل التبعض ؛إذا ذهب بعضه ذهب كله، وأن الذنوب عندهم كلها كبائر
وبنوا هذه المقالة على أن جعلوا آيات الوعد كلها مخصصة في المؤمن المحسن الذي لم يعص قط، والمؤمن التائب، وجعلوا آيات الوعيد عامة في العصاة كفارا أو مؤمنين.
والحق أن يقال: آيات الوعد ظاهرة العموم، والمراد بها الخصوص في المؤمن المحسن، وفي التائب، وفيمن سبق في علمه تعالى العفو عنه دون تعذيب من العصاة.
وأن آيات الوعيد لفظها عموم، والمراد بها الخصوص في الكفرة وفيمن سبق في علمه تعالى أنه يعذبه من العصاة.
آية سورة النساء الفيصل بين الفرق المتنازعة
- قوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ، وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ " نص في موضع النزاع
ذلك أن:
- قوله تعالى:" إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ" فصل مجمع عليه.
-وقوله: "وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ" رد قاطع لا محيد عنه على المعتزلة ،فما دون الشرك مغفور ومنه الكبائر الذنوب.
-وقوله "لمن يشاء" رد قاطع على المرجئة ؛ فموجب الغفران " ما دون الشرك "إنما هو لقوم دون قوم، بخلاف ما زعموه من أنه مغفور لكل مؤمن.
قوله : ( وَمَنْ يُّشْرِكْ بِاللَّهِ )
والآية كالتعليل للحكم السابق وهو عدم مغفرة الشرك...فإن قال قائل لماذا الله لا يغفر الشرك يجاب لأن مشرك فقد افترى إثما عظيما على الله عزوجل .

معنى افترى
افترى اختلق ؛ وأصل الفري القطع
قال الراغب : الفرى قطع الجلد للخرز والإصلاح ، والإفراء للإفساد ، والافتراء فيهما ، وفي الإفساد أكثر وكذلك استعمل في القرآن في الكذب والشّرك والظّلم."اهـ.
قال ابن عطية :" والفرية : أشد مراتب الكذب قبحاً ، وهو الاختلاق للعصبية".

رد مع اقتباس
  #10  
قديم 13 شعبان 1441هـ/6-04-2020م, 01:57 AM
هناء محمد علي هناء محمد علي غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - الامتياز
 
تاريخ التسجيل: Aug 2015
المشاركات: 439
افتراضي

مجلس مذاكرة القسم السابع من تفسير سورة النساء

تلخيص تفسير قوله تعالى:
{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنفُسَهُمْ بَلِ اللّهُ يُزَكِّي مَن يَشَاء وَلاَ يُظْلَمُونَ فَتِيلاً (49) انظُرْ كَيفَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللّهِ الكَذِبَ وَكَفَى بِهِ إِثْمًا مُّبِينًا (50)}

🔸{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنفُسَهُمْ بَلِ اللّهُ يُزَكِّي مَن يَشَاء وَلاَ يُظْلَمُونَ فَتِيلاً (49)}

علوم الآية :
🔹مقصد الآية : الذم والتحذير من مدح النفس وتزكيتها ، وبيان أن الله هو وحده من يزكي من يشاء .

🔹نزول الآية :
1⃣ قيل نزلت في اليهود ؛ ذكر ذلك الزجاج وابن عطية وابن كثير ؛ وذكروا أن سبب ذلك :
- قال الزجاج : وكانوا جاؤوا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - بأطفالهم فقالوا: يا محمد أعلى هؤلاء ذنوب؟ فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - ((لا))، فقالوا كذا نحن، ما نعمل بالليل يغفر بالليل، وما نعمل بالنهار يغفر بالنهار.

- قال ابن عباس : وذلك أن اليهود قالوا: إنّ أبناءنا توفّوا وهم لنا قربةٌ، وسيشفعون لنا ويزكّوننا، فأنزل اللّه على محمّدٍ [صلّى اللّه عليه وسلّم] {ألم تر إلى الّذين يزكّون أنفسهم بل اللّه يزكّي من يشاء ولا يظلمون فتيلا} رواه ابن جريرٍ. ذكره ابن كثير

- وعن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ قال: كانت اليهود يقدّمون صبيانهم يصلّون بهم، ويقرّبون قربانهم ويزعمون أنّهم لا خطايا لهم ولا ذنوب. وكذبوا. قال اللّه [تعالى] إنّي لا أطهّر ذا ذنبٍ بآخر لا ذنب له" وأنزل اللّه: {ألم تر إلى الّذين يزكّون أنفسهم} رواه ابن ابي حاتم ثمّ قال: وروي عن مجاهدٍ، وأبي مالكٍ، والسّدّيّ، وعكرمة، والضّحّاك -نحو ذلك. ذكر ذلك ابن كثير

- وقال الضّحّاك: قالوا: ليس لنا ذنوبٌ، كما ليس لأبنائنا ذنوبٌ. فأنزل اللّه ذلك فيهم.
ذكره ابن كثير .

2⃣ وقيل نزلت في اليهود والنصارى …
- قال قتادة والحسن نزلت في قولهم : ( نحن أبناء الله وأحباؤه )
- وقال ابن زيد : نزلت في قولهم : ( نحن أبناء الله وأحباؤه ) ؛ وفي قولهم ( وقالوا لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى ) ذكرذلك ابن كثير

▪وسيأتي تخريج الأقوال ونسبتها وتفصيلها في موضعها من تفسير الآية بإذن الله

🔹القراءات :
يُظلمون : قرئت بتاء الخطاب: تُظلمون … ذكره ابن عطية

المسائل التفسيرية :
🔹أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنفُسَهُمْ
ألم تر : أي ألم تعلم يا محمد أو تخبر أو ينته علمك إلى هؤلاء
وهو استفهام في معنى الإخبار والإعلام ؛ أي اعلم يا محمد … ذكر المعنى الزجاج

معنى التزكية :
زكاء الشيء في اللغة نماؤه في الصلاح … ذكره الزجاج
المراد بتزكية النفس : اي ادعاء صلاحها وطهارتها من الذنوب والآثام

المراد ( بالذين يزكون أنفسهم )
1⃣ قيل أن المراد بالذين يزكون أنفسهم هنا هو اليهودذكره الزجاج وابن عطية وابن كثير
وقال ابن عطية أنه لم يختلف على كون المراد هم اليهود
وذكر أن ممن قال بذلك ابن عباس و قتادة والحسن والضحاك والسدي ومجاهد وعكرمة وأبو مالك … وسيأتي تخريج ذلك عند بيان معنى تزكيتهم أنفسهم

2⃣ وقيل المراد هم اليهود والنصارى جميعا ذكره ابن كثير
- روى ابن جرير بسنده عن ابن جريج قال هم اليهود والنصارى

3⃣ وقيل الآية عامة وهي في ذم التمادح والتزكيةذكره ابن كثير ؛
وقال ابن عطية لفظ الآية عام في ظاهره

🔸ولا تعارض في كونها نزلت في اليهود وحدهم أم فيهم مع النصارى إذ كلاهما زكى نفسه كما ورد في القرآن …
و لا يتعارض كونها نزلت في أناس مخصوصين أن تكون عامة المعنى ؛ إذ العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب ؛ فيكون فيها ذم لكل من فعل فعل هؤلاء من تزكية أنفسهم ومدحها إذ المزكي هو الله ولا زاكي إلا من زكاه سبحانه …


المعنى الذي كان المذكورون يزكون به نفسهم :
اختلف في المعنى الذي به زكى اليهود او أهل الكتاب أنفسهم على أقوال :
1⃣ قيل أن تزكيتهم أنفسهم هو قولهم نحن ابناء الله وأحباؤه ذكر هذا القول ابن عطية عن قتادة والحسن في اليهود ؛ وذكره ابن كثير عنهما وعن ابن زيد في اليهود والنصارى

🔺تخريج الأقوال :
الحسن :
- رواه عنه عبدالرزاق الصنعاني ، ورواه ابن جرير عن الصنعاني، وابن ابي حاتم كلهم عن معمر عنه قال هم اليهود والنصارى قالوا ( نحن أبناء الله وأحباؤه ) وقالوا ( وقالوا لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى )

قول ابن زيد :
قال هم أهل الكتاب حين زعموا أهم يدخلون الجنة وأنهم ابناء الله وأحباؤه وأهل طاعته
- رواه عنه ابن جرير عن يونس عن ابن وهب عنه

قول قتادة :
- رواه عنه ابن جرير عن سعيد عنه قال هم أعداء الله اليهود زكوا أنفسهم بأمر لم يبلغوه فقالوا : نحن ابناء الله وأحباؤه ، وقالوا :لا ذنوب لنا .

2⃣ وقيل أن تزكيتهم أنفسهم هو تقديمهم أطفالهم لإمامتهم في الصلاة لأنهم لا ذنوب لهم : ذكر هذا القول ابن عطية وابن كثير عن عكرمة وأبي مالك ومجاهد وذكره ابن كثير عن ابن عباس برواية ابن ابي حاتم

🔺تخريج الأقوال :
قول ابن عباس :
- رواه عنه ابن ابي حاتم من طريقه عن عكرمة عنه بتقديمهم ابناءهم للصلاة ؛أي اليهود ،قال ابن عباس : وكذبوا. قال اللّه إنّي لا أطهّر ذا ذنبٍ بآخر لا ذنب له"
- ورواه عنه الهمداني عن ابن ابي نجيح عنه بذلك

قول مجاهد :
- رواه عنه الرملي من رواية مسلم بن خالد الزنجي عن ابن أبي نجيح عنه أنهم ( أي اليهود )يقدمون أطفالهم ليؤمونهم في الصلاة يزعمون انهم لا ذنوب لهم فتلك التزكية
- كما رواه عنه ابن جرير من طريق ابي عاصم عن عيسى ومن طريق أبي حذيفة عن شبل كلاهما عن ابن ابي نجيح عن مجاهد
- كما رواه عنه من طريق ابن جريج عن الأعرج عن مجاهد … قال ابن جريج هم اليهود والنصارى
- ورواه عنه عبد ابن حميد كما ذكر السيوطي

قول عكرمة :
- رواه عنه ابن جرير من طريق ابن ابي مكين عنه في اليهود والنصارى .

قول أبي مالك :
- رواه عنه ابن جرير من طريق سفيان عن حصين عنه في اليهود

🔺وذكر ابن ابي حاتم أن عكرمة وأبا مالك والسدي والضحاك قالوا بقول ابن عباس ولم يخرج قولهم

3⃣ وقيل بل تزكيتهم أنفسهم قولهم أن أبناءهم يشفعون لهمذكره ابن عطية وابن كثير عن ابن عباس
🔺تخريج قول ابن عباس :
- رواه عنه ابن جرير عن محمد بن سعد بطريقه عن ابن عباس أن ابيه أنهم قالوا إن أبناءنا توفوا وهم لنا قربة عند الله ويستشفعون لنا ويزكوننا

4⃣ وقيل أنه قولهم أنهم ليس لهم ذنوب كما ليس لأبنائهم ذنوبذكره ابن عطية عن الضحاك والسدي وابن كثير عن الضحاك كلاهما في اليهود

🔺تخريج الأقوال :
قول الضحاك :
ورد قول الضحاك بذكر ( أبنائنا ) في رواية ابن جرير ، وبقوله ( آبائنا ) في رواية ابن ابي حاتم ؛ والمعنى الأصح هو في كونه في الابناء لا الآباء والله اعلم
- رواه عنه ابن جرير من طريق عبيد بن سليمان عنه بقوله قالت يهود: ليست لنا ذنوبٌ إلاّ كذنوب أولادنا يوم يولدون، فإن كانت لهم ذنوبٌ، فإنّ لنا ذنوبًا، فإنّما نحن مثلهم

- وقول الضحاك رواه عنه ابن ابي حاتم عن ابي الازهر النيسابوري بطريقه عن علي بن الحكم عنه قال :فَإِنَّ اليَهُودَ قَالُوا: لَيْسَ لَنَا ذُنُوبٌ كَمَا أَنَّهُ لَيْسَ لآبَائِنَا ذُنُوبٌ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى ذَلِكَ فِيهِمْ.”

قول السدي :
- رواه عنه ابن جرير من طريق أحمد بن المفضل عن أسباط عنه قال : قالت اليهود: إنّا نعلّم أبناءنا التّوراة صغارًا فلا تكون لهم ذنوبٌ، وذنوبنا مثل ذنوب أبنائنا، ما عملنا بالنّهار كفّر عنّا باللّيل.…

5⃣ وقيل بل هو مدحهم وتزكيتهم بعضهم بعضاذكره ابن عطية عن ابن مسعود
🔺تخريج قول ابن مسعود :
رواه ابن جرير من طريقه عن طارق بن شهاب عن عبد الله بن مسعود قال :
إنّ الرّجل ليغدو بدينه، ثمّ يرجع وما معه منه شيءٌ. يلقى الرّجل ليس يملك له نفعًا ولا ضرًّا، فيقول: واللّه إنّك لذيت وذيت، فلعلّه أن يرجع، ولم يحلّ عن حاجته بشيءٍ، وقد أسخط اللّه عليه. ثمّ قرأ: {ألم تر إلى الّذين يزكّون أنفسهم} الآية.

وقول ابن مسعود هذا عام في ذم التمادح والتزكية لا يخص قوما … وهو على عموم معنى الآية

🔸ورجح ابن عطية وابن جرير قبله أن قولهم نحن أبناء الله وأحباؤه هو المراد بتزكيتهم أنفسهم
- قال ابن جرير : لأنّ ذلك هو أظهر معانيه لإخبار اللّه عنهم أنّها إنّما كانوا يزكّون أنفسهم دون غيرها ؛ وأمّا الّذين قالوا: معنى ذلك: تقديمهم أطفالهم للصّلاة، فتأويلٌ لا تدرك صحّته إلاّ بخبرٍ حجّةٍ يوجب العلم.


- وقال ابن عطية في تقديمهم أولادهم للصلاة : وهذا يبعد من مقصد الآية ؛
- وقال عند قوله تعالى ( انظر كيف يفترون على الله الكذب ): ويقوي أن التزكية كانت بقولهم نحن أبناء اللّه وأحبّاؤه ، إذ الافتراء في هذه المقالة أمكن .


والظاهر كما دلت الآيات في اليهود هو ترجيح ما رجح ابن جرير وابن عطية من أن التزكية المقصودة هي تزكيتهم أنفسهم بقولهم : ( نحن أبناء الله وأحباؤه ) وقولهم ( وقالوا لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى ) … وأن الآية تترجح في كونها نزلت في اليهود وان كانت تشمل أهل الكتاب كذلك
وأن المعنى في الآية عام وإن كانت قد نزلت لسبب مخصوص ؛إذ العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب كما مر … فهي في ذم تزكية النفس ومدحها ؛وذم التمادح بين الناس بعضهم بعضا …


🔹بَلِ اللّهُ يُزَكِّي مَن يَشَاء :
أي الله وحده هو يجعل من يشاء زاكيا ، فالمزكى من زكاه الله وحسنت أفعاله ، وهو وحده العالم بأحوال النفوس وبواطنها …حاصل ما ذكره ابن عطية وابن كثير
فهو تكذيب من الله لادعائهم ؛أي ليس الأمر كما زعمتم أنكم مطهرون مبرؤون من الخطايا بل أنتم تفترون على الله الكذب في ذلك … إذ لا يعلم الزاكي ولا يطهر النفوس الا هو ؛ فهو وحده من يزكيها … وليس المزكى من ادعى لنفسه ذلك بل من شهدت أفعاله في مرضاة الله بذلك .

🔹وَلاَ يُظْلَمُونَ فَتِيلاً
المعنى أي لا يظلمكم الله مقدار فتيل … ذكره الزجاج ؛
وقال ابن كثير :لا يترك من أجوركم مقدار ما يوزن الفتيل …

يظلمون :
الضمير في ( يظلمون ) عائد على المذكورين ممن زكى نفسه وممن زكاه الله ؛ ذكره ابن عطية
وذكر أن غير المذكورين هنا قد ورد في غير هذه الآية أنهم لا يظلمون
وعلى القراءة بتاء الخطاب أي أنتم يا من تزكون أنفسكم ومن يزكيهم الله لا تظلمون

فتيلا :
معنى الفتيل :ما فتل ، وهو على وزن فعيل بمعنى المفعول :أي المفتول الذي فتل …ذكره ابن عطية
ونصب لكونه مفعولا به ثانيا ليظلمون

المراد بالفتيل :
1⃣ قيل ما تفتله بين أصابعك من الوسخ ؛ذكره الزجاج ؛وذكره ابن عطية عن ابن عباس وأبي مالك والسدي ، كما ذكره ابن كثير من قول ابن عباس ؛ وذكره الفراء في معاني القرآن

🔺تخريج الأقوال :
قول ابن عباس :
- رواه عنه ابن جرير بطرق مختلفة أورد في تفسيره خمسا منها بأن الفتيل ما فتلت بين إصبعيك
ورواه ابن ابي حاتم بطريقه عن مجاهد عنه
ورواه عنه عبد بن حميد كما ذكر السيوطي

قول أبي مالك :
- رواه عنه ابن جرير من طريق حصين عنه قال الفتيل هو الوسخ الذي يخرج من بين الكفين

قول السدي :
رواه عنه ابن جرير من طريق أسباط عنه بذلك

🔺و ذكر ابن ابي حاتم أنه روي عن مجاهد وسعيد بن جبير وابي مالك والسدي بمثل ذلك ولم يخرجه

2⃣ وقيل بل هو ما كان في نواة التمر ؛ … ذكره الزجاج وابن عطية وابن كثير
فقيل ما كان في باطن النواة ؛وقيل ما كان من شق النواة ؛وقيل من ظهرها ؛ …

أ - ما كان في باطن النواة من لحائها …. ذكره الزجاج ولم ينسب القول ؛
وقد ورد هذا القول لعطاء وابن زيد والعوفي
🔺تخريج الأقوال :
▪قول عطاء :
رواه ابن وهب المصري وابن جرير عنه وابن ابي حاتم كلهم عن طلحة بن عمرو عن عطاء به

قول ابن زيد :
رواه عنه ابن جرير من طريق ابن وهب قال بذلك

وروى ابن جرير بطريقه عن عن قرة عن عطية قال الفتيل الذي في بطن النواة
وذكر اين أبي حاتم أه روي عن الحسن وعكرمة ومجاهد والضحاك وعطية العوفي وخصيف وقتادة بمثل ذلك ولم يخرجه
وذكره الفراء

ب - وقيل هو الخيط الذي في شق نواة التمر ذكره ابن عطية من قول ابن عباس ومجاهد وعطاء ، كما ذكر ابن كثير مثله وزاد أن ممن قال به الحسن وقتادة وعكرمة وذكره معمر بن المثنى ويحيى اليزيدي
🔺تخريج الأقوال :
قول ابن عباس :
رواه عنه ابن جرير وابن ابي حاتم كلاهما من طريق معاوية بن صالح عن علي بن ابي طلحة عنه بذلك

قول قتادة :
- رواه عبد الرزاق عن معمر عن قتادة قال به .
- كما رواه ابن جرير عن عبد الرزاق عنه

قول مجاهد :
- رواه عنه ابن جرير من طريقه عن ابن جريح عن ابن كثير انه سمع مجاهدا يقول بذلك
- كما رواه ابن جرير من طريق سفيان بن سعيد عن منصور عنه

قول الضحاك :
- رواه عنه ابن جرير بطريقه عن عبيد بن سليمان أنه سمع الضحاك قال انه شق النواة
- كما رواه بطريق اخر عن جويبر عن الضحاك بمثله

قول عطاء : وهوما ورد من قوله أن الفتيل ما يكون في بطن النواة .

ج - وقيل بل ما كان في ظهر النواة وهو الذي تنبت منه النخلة ذكره الزجاج ولم ينسبه

وكلها في نواة التمر مع اختلاف التعبير عنها بين ظهرها أو شقها أو بطنها ؛ والمراد التعبير عن الحقارة والصغر …

الغرض من ذكر الفتيل :
ذكر الفتيل كناية عن تحقير الشيء وتصغيره ؛ وفي ذلك تأكيد لعدل الله ؛فإن كان لا يظلم مقدار الفتيل ولا ما دونه في الصغر فكيف بما هو فوقه … ذكره ابن عطية …تعالى سبحانه عن الظلم علوا كبيرا

🔹ذم تزكية النفس :
هذه الآية كما مر تنهى عن تزكية النفس ومدحها ، وترجع الأمر كله لله فهو الذي يعلم ما تخفي الصدور ، وقد ورد في السنة والأثر النهي عن تزكية النفس أو مدح المرء أخاه المسلم في وجهه
وقد ذكر بعض هذه الآثار ابن كثير في تفسيره ، منها :
نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن مدح المرء اخاه :
- عن المقداد بن الأسود قال: أمرنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أن نحثو في وجوه المدّاحين التّراب. رواه مسلم

- عن عبد الرّحمن بن أبي بكرة، عن أبيه: أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم سمع رجلًا يثني على رجلٍ، فقال: "ويحك. قطعت عنق صاحبك". ثمّ قال: "إن كان أحدكم مادحًا صاحبه لا محالة، فليقل: أحسبه كذا ولا يزكّي على اللّه أحدًا". البخاري ومسلم

- وما روى معبد الجهني من حديث معاوية عن رسول الله قوله في حديث جاء في آخره ( وإيّاكم والتّمادح فإنّه الذّبح".رواه احمد ، وروى ابن ماجه هذا الجزء منه عن ابي بكر بن شيبة عن غندرٍ، عن شعبة به.

ما روي عن عمر في النهي عن تزكية المرء نفسه
عن نعيم بن أبي هندٍ قال: قال عمر بن الخطّاب: من قال: أنا مؤمنٌ، فهو كافرٌ. ومن قال: هو عالمٌ، فهو جاهلٌ. ومن قال: هو في الجنّة، فهو في النار … رواه احمد
- ورواه ابن مردويه، من طريق موسى بن عبيدة، عن طلحة بن عبيد اللّه بن كريزٍ، عن عمر أنّه قال: إن أخوف ما أخاف عليكم إعجاب المرء برأيه، فمن قال: إنّه مؤمنٌ، فهو كافرٌ، ومن قال: إنّه عالمٌ فهو جاهلٌ، ومن قال: إنّه في الجنّة، فهو في النّار.

ما ورد عن ابن مسعود في النهي عن التزكية للنفس :
عن طارق بن شهابٍ قال: قال عبد اللّه بن مسعودٍ: إنّ الرّجل ليغدو بدينه، ثمّ يرجع وما معه منه شيءٌ، يلقى الرّجل ليس يملك له نفعًا ولا ضرًّا فيقول له: واللّه إنّك كيت وكيت فلعلّه أن يرجع ولم يحلّ من حاجته بشيءٍ وقد أسخط اللّه. ثمّ قرأ {ألم تر إلى الّذين يزكّون أنفسهم} الآية.رواه ابن جرير

🔺وفي هذه الآثار بيان لخطورة مدح المرء نفسه لما فيه من اغترار بها واطمئنان مع التقصير مما قد يقعد المرء عن الاستكثار من العمل اذ يظن انه بلغ الغاية ؛ مع ان عبادته وان اجتهد في جنب نعم الله لا تساوي شيئا ؛ قال تعالى ( ولا تمنن تستكثر )
كما فيها بيان خطر ان يمدح المرء أخاه في وجهه إذ يغرره بنفسه ؛ والأصل ان المسلم مرآة أخيه يبصره بنفسه ليعينه على إصلاحها


🔸 انظُرْ كَيفَ يَفْتَرُونَ عَلَى الله الكَذِبَ وَكَفَى بِهِ إِثْمًا مُّبِينًا
المعنى الإجمالي للآية :
أي العجب كل العجب من هؤلاء الذين زكوا أنفسهم من عند أنفسهم افتراء وجرأة على الله ؛ وكفى بصنيعهم هذا إثما ظاهرا بينا إذ ليس بعده إثم ولا يطلب لهم سواه لعظمه … حاصل ما ذكره ابن عطية وابن كثير

🔹انظُرْ كَيفَ يَفْتَرُونَ عَلَى الله الكَذِبَ
أي انظر يا محمد إلى صنيعهم هذا

كيف : في موضع نصب ب( يفترون ) ؛ ويصح أن تكون مرفوعة على الابتداء خبرها يفترون …ذكره ابن عطية
يفترون :
أ. معنى الافتراء :
من فرى يفري ؛ يقال فرى الرجل يفري إذا عمل ، وإذا قطع زمن هذا فريت جلده …ذكره الزجاج

ب. المراد بالافتراء هنا :
تزكيتهم أنفسهم بما ورد من أقوال كادعائهم أنهم أبناء الله وأحباؤه ، وادعائهم أن لهم الجنة ، وأن النار لن تمسهم إلا أياما معدودة ، وأنهم مغفورة ذنوبهم بصلاح آبائهم وهو افتراء وكذب
حاصل ما ذكره الزجاج وابن عطية وابن كثير

ورجح ابن عطية أن يكون المقصود بالتزكية هو ادعاؤهم أنهم أبناء الله لأن الفرية والكذب على الله في هذا الادعاء أمكن من غيرها
وذكر ابن كثير بطلان ظنهم أن صلاح الآباء يجزئ عن الأبناء بقوله تعالى ( تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم )

🔹وَكَفَى بِهِ إِثْمًا مُّبِينًا :
كفى :أي اكتف بذلك ، وهي للتعجب من عظيم فعلهم
به :الباء لتدل على معنى الأمر التعجب
إثما : منصوب على التمييز …. ذكره الزجاج وابن عطية
مبينا : ظاهرا واضحا ذكره ابن كثير

أي كفى بصنيعهم هذا إثما ظاهرا بينا إذ ليس بعده إثم ولا يطلب لهم سواه لعظمه …

رد مع اقتباس
  #11  
قديم 4 ذو الحجة 1441هـ/24-07-2020م, 11:20 PM
هيئة التصحيح 11 هيئة التصحيح 11 غير متواجد حالياً
هيئة التصحيح
 
تاريخ التسجيل: Jan 2016
المشاركات: 2,525
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة نورة الأمير مشاهدة المشاركة
تلخيص مسائل تفسير قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُواْ نَصِيبًا مِّنَ الْكِتَابِ يَشْتَرُونَ الضَّلاَلَةَ وَيُرِيدُونَ أَن تَضِلُّواْ السَّبِيلَ (44) وَاللّهُ أَعْلَمُ بِأَعْدَائِكُمْ وَكَفَى بِاللّهِ وَلِيًّا وَكَفَى بِاللّهِ نَصِيرًا (45) مِّنَ الَّذِينَ هَادُواْ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَرَاعِنَا لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْنًا فِي الدِّينِ وَلَوْ أَنَّهُمْ قَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاسْمَعْ وَانظُرْنَا لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ وَأَقْوَمَ وَلَكِن لَّعَنَهُمُ اللّهُ بِكُفْرِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُونَ إِلاَّ قَلِيلاً (46)}.

تفسير قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُواْ نَصِيبًا مِّنَ الْكِتَابِ يَشْتَرُونَ الضَّلاَلَةَ وَيُرِيدُونَ أَن تَضِلُّواْ السَّبِيلَ (44)}.
القراءات في الآية:
-قرأ النخعي، «وتريدون أن تضلوا»، بالتاء منقوطة من فوق في تريدون. ذكره ابن عطية.
معنى "ألم تر" في الآية:
-ألم تخبر. ذكره الزجاج وابن عطية.
-ألم تعلم. والمعنى: ألم ينته علمك إلى هؤلاء. والرؤية هنا قلبية [قدمي هذه العبارة، ثم اذكري الأقوال، فالمقصود التفريق بين رؤية العين، ورؤية القلب التي تأتي بمعنى العلم أو الإخبار ونحو ذلك]. قاله أهل اللغة وذكره الزجاج وابن عطية, وبين تقارب القولين ولم يرجح بينهما.
المراد بـ"الذين":
-علماء أهل الكتاب. ذكره الزجاج.
-اليهود. قاله قتادة وغيره, وذكره ابن كثير وابن عطية وبين أن اللفظ يتناول النصارى بعدهم.
تخريج قول قتادة: رواه الطبري عن بشر بن معاذٍ، عن يزيد، عن سعيدٌ، عنه.
-وقيل: المراد: رفاعة بن زيد بن التابوت اليهودي. قاله ابن عباس. وذكره ابن عطية.
تخريج قول ابن عباس: رواه الطبري عن أبي كريبٍ عن يونس بن بكيرٍ، عن ابن إسحاق، عن محمّد بن أبي محمّدٍ مولى زيد بن ثابتٍ عن سعيد بن جبيرٍ أو عكرمة، عنه.
ورواه الطبري وابن أبي حاتم من طريق سلمة، عن ابن إسحاق بإسناده عن ابن عبّاسٍ، مثله.
والأقوال متظافرة, فقد تكون خصت بشخص أو فئة لكن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب كما تقول القاعدة الشهيرة.
معنى "أوتوا":
-أعطوا. ذكره الزجاج وابن عطية.
معنى "نصيبا":
-حظا. ذكره ابن عطية.
المراد بالكتاب:
-التوراة والإنجيل. ذكره الزجاج وابن كثير وابن عطية وعلل: وإنما جعل المعطى نصيبا في حق كل واحد منفرد، لأنه لا يحصر علم الكتاب واحد بوجه. [هذه العبارة تدخل تحت المسألة التالية، والمراد من قول ابن عطية هو علة التعبير بـ " نصيبًا من الكتاب " وليس الكتاب كله، ابن كثير ذكر أن المقصود به صفة النبي صلى الله عليه وسلم فقط، وابن عطية ذكر أن السبب أنه لا أحد يحصر علم الكتاب كله]
المقصود بالنصيب من الكتاب:
-علم نبوة النبي - صلى الله عليه وسلم - أنّه عندهم مكتوب في التوراة والإنجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر. ذكره الزجاج وابن كثير.
المراد بالشراء هنا: [أؤكد على ملحوظة أستاذ علاء هنا، فالمراد بالشراء هو الإيثار، وإنما ما ذكرتيه أدناه هو متعلق الشراء، أو المراد بالضلالة]
-إيثارهم الكفر وتركهم الإيمان. قاله جماعة. وذكره ابن عطية.
-وقيل: الذين كانوا يعطون أموالهم للأحبار على إقامة شرعهم فهذا شراء على وجهه. ذكره ابن عطية.
-وقيل: إيثارهم التكذيب بأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - ليأخذوا على ذلك الرشا ويثبت لهم رياسة. ذكره الزجاج.
-الإعراض عما أنزل الله على رسوله وما في أيديهم من صفته في الكتاب ليشتروا به حظا من الدنيا. ذكره ابن كثير.
والأقوال جميعا تتكاتف, فالأول أعم, وما بعده أخص, وكل الأقوال تندرج تحت الأول, فكلها صور من الكفر وترك الإيمان, وإن اختلف سبب إعراضهم وإيثارهم.
[ومعنى يريديون: يودون]
معنى السبيل في اللغة:
-الطريق. ذكره الزجاج.
المراد بضلال السبيل في الآية:
-تضييع طريق الهدى. كما ذكر الزجاج. أو الكفر. كما عبر عنه ابن عطية وابن كثير صراحة.
-تركهم الصواب باجتناب اليهود, وحسبانهم أنهم غير أعداء. قاله به ابن عطية.
والقولان يصبان في معنى واحد, لكن أحببت ذكرهما للفروق الدقيقة بينهما, فالأول فيه عمومية, والثاني فيه خصوصية ضيقها ابن عطية في نطاق التحذير من عدم اتخاذ اليهود أعداء, وهو ما يقتضيه المعنى.
ما الذي تقتضيه هذه الآية وما بعدها من الآيات؟
-تقتضي توبيخا للمؤمنين على استنامة قوم منهم إلى أحبار اليهود، في سؤال عن دين، أو في موالاة أو ما أشبه ذلك. ذكره ابن عطية.

تفسير قوله تعالى: {وَاللّهُ أَعْلَمُ بِأَعْدَائِكُمْ وَكَفَى بِاللّهِ وَلِيًّا وَكَفَى بِاللّهِ نَصِيرًا (45)}.
ما معنى "والله أعلم بأعدائكم"؟
-أي: هو أعرف بهم فهو يعلمكم ما هم عليه. ذكره الزجاج وابن كثير.
ما تفيده الصياغة في الآية:
-تفيد الإخبار على وجه التحذير. ذكره ابن عطية.
ما تفيده الباء في "بالله":
التوكيد وتبيين معنى الأمر في لفظ الخبر. ذكره الزجاج وابن عطية.
ما يفيده قوله "وكفى بالله وليا وكفى بالله نصيرا":
-أي: ناصركم عليهم. ذكره الزجاج.
وذكر هذا المعنى ابن كثير مع الاحتراز بأن المقصود بأنه ولي وناصر لمن لجأ إليه.
مقتضى الآية:
-الأمر بالاكتفاء بالله. ذكره الزجاج وابن عطية.

تفسير قوله تعالى: {مِّنَ الَّذِينَ هَادُواْ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَرَاعِنَا لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْنًا فِي الدِّينِ وَلَوْ أَنَّهُمْ قَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاسْمَعْ وَانظُرْنَا لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ وَأَقْوَمَ وَلَكِن لَّعَنَهُمُ اللّهُ بِكُفْرِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُونَ إِلاَّ قَلِيلاً (46)}.
القراءات في الآية:
-قرأ النخعي وأبو رجاء: يحرفون الكلام بالألف، ومن جعل «من» متعلقة «بنصيرا» جعل «يحرفون» في موضع الحال، ومن جعلها منقطعة جعل «يحرفون» صفة. ذكره ابن عطية.
-"راعنا" في مصحف ابن مسعود «راعونا». ذكره ابن عطية.
المراد بـ"من" في الآية: [متعلق الجار والمجرور {من الذين هادوا}]
- جائز أن تكون: من صلة الذين أوتوا الكتاب. والمعنى: ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب من الذين هادوا. ذكره الزجاج وابن عطية.
-ويجوز أن يكون: من الذين هادوا قوم يحرفون الكلم, ويكون {يحرفون} صفة، والموصوف محذوف. فتكون من التبعيضية. وهو قول الفراء وسيبويه. وذكره الزجاج وابن عطية ورجحه, لأن إضمار الموصول ثقيل كما في القول الأول.
-وقالت طائفة، هي متعلقة بـ"نصيراً" والمعنى ينصركم من الذين هادوا. ذكره ابن عطية.
-وقالت فرقة: هي لابتداء الكلام، وفيه إضمار تقديره قوم يحرفون، هذا مذهب أبي علي, وذكره ابن عطية.
-وقال ابن كثير: أنها لبيان الجنس.
ولعل أصح الأقوال ما رجحه ابن عطية وهو قول الفراء وسيبويه, لأن أهل اللغة في ذلك أخبر -والله أعلم-, مع بيان عدم تعارض الأقوال, فكلها تصب في معنى صحيح.
معنى "هادوا":
-قيل: مأخوذ من هاد إذا تاب.
-أو من يهود بن يعقوب.
-أو من التهود وهو الرويد من المشي واللين في القول.
ذكر هذه الأقوال كلها الخليل، ونقلها ابن عطية.
أوجه "تحريف الكلم" في الآية:
-إما بتغيير اللفظ، وقد فعلوا ذلك في الأقل. ذكره ابن عطية.
-وإما بتغيير التأويل، وقد فعلوا ذلك في الأكثر، وإليه ذهب الطبري، وابن كثير, وهذا كله في التوراة على قول الجمهور. كما ذكر ذلك ابن عطية.
المراد بـ"الكلم":
-قالت طائفة: هو كلم القرآن. ذكره ابن عطية.
-وقال مكي: كلام النبي محمد عليه السلام، فلا يكون التحريف على هذا إلا في التأويل. ذكره ابن عطية. [حبذا لو قدمتِ هذه الملحوظة، وأؤكد على ملحوظة أستاذ علاء]
معنى "سمعنا وعصينا": [متعلق السماع والعصيان]
- أي يقولون سمعنا ما قلته يا محمّد ولا نطيعك فيه. هكذا فسّره مجاهدٌ وابن زيدٍ، وهو المراد، كما ذكره ابن كثير.
تخريج قول مجاهد: رواه الرملي والطبري وابن أبي حاتم من طريق ابن أبي نجيحٍ، عنه. [الرملي راوي كتب، وإنما ننسب إلى الجزء الذي رواه مثلا: جزء تفسير مسلم بن خالد الزنجي]
ورواه الطبري عن ابن حميدٍ، عن حكّامٌ، عن عنبسة، عن محمّد بن عبد الرّحمن، عن القاسم بن أبي بزّة، عنه.
تخريج قول ابن زيد: رواه الطبري عن يونس، عن ابن وهبٍ، عنه.
ما يفيده قولهم :"سمعنا وعصينا":
-يبين ذلك مدى عتوهم وطغيانهم, وذلك أنّهم يتولّون عن كتاب اللّه بعد ما عقلوه، وهم يعلمون ما عليهم في ذلك من الإثم والعقوبة. ذكره ابن عطية.
معنى "واسمع غير مسمع":
يتخرج فيه معنيان:
-أحدهما غير مأمور وغير صاغر، كأنه قال: غير أن تسمع مأمورا بذلك. رواه الضّحّاك عن ابن عبّاسٍ. وذكره ابن عطية وابن كثير, ونقل ترجيح الطبري له. [الضحاك عن ابن عباس: لاسمعت، بمعنى الدعاء]
-والآخر على جهة الدعاء، أي لا سمعت. ذكره الزجاج وابن كثير وابن عطية, وبين أن التصريف لا يساعد هذا المعنى (مما يجعلني أرجح القول الأول). وذكر أن الطبري حكاه عن الحسن ومجاهد. [قول الحسن ومجاهد: غير مقبول منك، وهو الذي قال فيه ابن عطية لا يساعده التصريف، فلديكِ خلطٌ في هذه المسألة]
فكانت اليهود إذا خاطبت النبي بغير مسمع، أرادت في الباطن الدعاء عليه، وأرت ظاهرا أنها تريد تعظيمه، قال نحوه ابن عباس وغيره. وذكره ابن عطية.
تخريج قول ابن عباس: رواه الطبري وابن أبي حاتم من طريق المنجاب عن بشر بن عمارة، عن أبي روقٍ، عن الضّحّاك، عنه.
تخريج قول الحسن: رواه الطبري وابن أبي حاتم من طريق الحسن بن يحيى، عن عبد الرّزّاق، عن معمرٌ، عنه.
تخريج قول مجاهد: رواه الطبري عن ابن حميد عن حكام عن عنبسة عن محمد بن عبد الرحمن عن القاسم بن أبى بزة عنه.
ورواه عن القاسم، عن الحسين، عن حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عنه.
ورواه الطبري وابن أبي حاتم من طريق ابن أبي نجيحٍ، عنه.
معنى "راعنا" المراد في الآية:
هذه كلمة كانت تجري بين اليهود على حد السّخرية والهزؤ. واختلفوا في معناها:
-فقال بعضهم: كانوا يسبّون النبي - صلى الله عليه وسلم - بهذه الكلمة. ذكره الزجاج.
-وقال بعضهم: كانوا يقولونها كبرا، كأنّهم يقولون: ارعنا سمعك، أي: اجعل كلامك لسمعنا مرعى. حكاه مكي وذكره الزجاج وابن عطية.
-وقيل: كانوا يريدون منه في نفوسهم معنى الرعونة. ذكره ابن عطية وابن كثير.
ويظهرون منه معنى المراعاة، فهذا معنى «ليّ اللسان». كما ذكره ابن عطية.
وهذا مما لا تخاطب به الأنبياء - (صلوات الله عليهم) - إنما يخاطبون بالإجلال والإعظام. كما ذكر الزجاج.
ولعل الأقوال جميعا صحيحة, فقول اليهود كان من باب الباب والغطرسة أيا كان معنى "راعنا" في الآية.
[فرقي بين معنى الكلمة، ومراد اليهود من قولها]
معنى "ليا بألسنتهم":
-ليًّا أصله لويا، قلبت الواو ياء وأدغمت. والمعنى: يفعلون ذلك معاندة للحق. ذكره الزجاج. وبين ابن عطية المعنى بذكر الصور السابقة له "اسمع غير مسمع", "سمعنا وعصينا" "راعنا", فهذا كله تفسير لمعنى "ليا بألسنتهم". [هنا ثلاثة مسائل، معنى اللي، وصور لي اللسان عند اليهود، وسبب لي اللسان عندهم]
معنى "طعناً في الدّين":
-أي: توهينا له وإظهارا للاستخفاف به. ذكره ابن عطية. وخصص ابن كثير الطعن بأنه سبهم للنبي.
معنى "انظرنا":
-انتظرنا، بمعنى: أفهمنا وتمهل علينا حتى نفهم عنك ونعي قولك. قاله مجاهد وعكرمة وغيرهما. وذكره ابن عطية.
تخريج قول عكرمة ومجاهد: رواه الطبري عن القاسم، عن الحسين، عن أبي تميلة، عن أبي حمزة، عن جابرٍ، عنهما.
-انظر إلينا، فكأنه استدعاء اهتبال وتحف. ذكره ابن عطية.
معنى "أقوم":
-أعدل وأصوب. ذكره ابن عطية.
معنى اللعن:
-الإبعاد. ذكره ابن عطية.
المراد باللعن في الآية:
-الإبعاد والطرد من الهدى والخير والإيمان. حاصل ما ذكره ابن عطية وابن كثير.
متعلق القلة في قوله: "فلا يؤمنون إلا قليلا":
- الإيمان. أي: فلا يؤمنون إلّا إيمانا قليلا، لا يجب به أن يسمّوا المؤمنين. قال به سيبويه وذكره الزجاج وابن عطية وابن كثير, ويبدو هو الأرجح. [أو أن المراد إيمان قليل، لا يغنيهم فقد آمنوا ببعض أمور الدين فلم ينفعهم لتكذيبهم بمحمد صلى الله عليه وسلم]
- الأفراد. أي: إلا قليلا منهم، فإنهم آمنوا. ذكره الزجاج وابن عطية, وقال: فيه نظر.


التقويم: ب+
أحسنتِ، بارك الله فيكِ ونفع بكِ.

رد مع اقتباس
  #12  
قديم 5 ذو الحجة 1441هـ/25-07-2020م, 02:46 AM
هيئة التصحيح 11 هيئة التصحيح 11 غير متواجد حالياً
هيئة التصحيح
 
تاريخ التسجيل: Jan 2016
المشاركات: 2,525
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة عقيلة زيان مشاهدة المشاركة
قال الله تعالى( يَأَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ آمِنُوا بِمَا نَزَّلْنَا مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهًا فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَمَا لَعَنَّا أَصْحَابَ السَّبْتِ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولا) [النساء : 47]
نزول الآية
- عن ابن عباس ، قال : كلم رسول الله صلى الله عليه وسلم رؤساء من أحبار يهود ، منهم عبد الله بن صوريا وكعب بن أسد ، فقال لهم : «يا مَعْشَرَ يهود اتّقُوا الله وأسْلِمُوا ! فوالله إنكم لَتَعْلَمُونَ أنّ الّذي جِئْتُكُمْ به لحقّ » فقالوا : ما نعرف ذلك يا محمد . وجحدوا ما عرفوا ، وأصرّوا على الكفر ، فأنزل الله فيهم : { يا أيّها الّذينَ أُوتُوا الكِتابَ آمِنُوا بمَا نَزّلْنا مُصَدّقا لمَا مَعَكُمْ مِنْ قَبْلِ أنْ نَطْمِسَ وُجُوها فَنَرُدّها على أدْبارِها } . . . الاَية
المراد بالذين أوتوا الكتاب
في ذلك قولان:
1-اليهود والنصارى ذكره ابن عطية وعليه يكون المراد بالكتاب التوراة والإنجيل
2-اليهود وهو قول ابن جرير . ويكون المراد بالكتاب التوراة
و القول الثاني أجود لدلالة سبب النزول على ذلك و لموافقته السياق وختام الآية
-فقد ورد في سبب النزول أنها نزلت في اليهود.
-وسياق الآية و سباقها في اليهود ؛جاء قبل هذه الآية قوله تعالى :" مِنَ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ.." ..وجاء بعدها قوله تعالى : أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ.." والمعلوم أن اليهود هم الذين حسدوا النبي صلى الله عليه وسلم على نعمة النبوة والرسالة
وكذا ختام الآية فقوله :" أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَمَا لَعَنَّا أَصْحَابَ السَّبْتِ " فالمراد بهم اليهود ، نلعن هؤلاء كما لعنا الذين لعنا منهم من أصحاب السبت .

المراد ب "لِما مَعَكُمْ"
والمراد ب "ما معكم" هو التوراة التي أنزلها الله على موسى بن عمران
قال ابن عطية :" لِما مَعَكُمْ معناه من شرع وملة، لا لما كان معهم من مبدل ومغير" اهـ
معنى الطمس
طَمَسَ يَطْمِسُ طُمُوساً دَرَسَ وامَّحَى أَثَرُه ؛ والطمس اسئتصال أثر الشيء ؛ ويأتي لازم ومتعد
يقال :"طمست الريح الأثر أي محتها" ؛ و طمس الموضعُ إذا عفا ودرس.
قال ابن فارس :" (طَمَسَ) الطَّاءُ وَالْمِيمُ وَالسِّينُ أَصْلٌ يَدُلُّ عَلَى مَحْوِ الشَّيْءِ وَمَسْحِهِ. يُقَالُ: طَمَسْتُ الْخَطَّ، وَطَمَسْتُ الْأَثَرَ. وَالشَّيْءُ طَامِسٌ أَيْضًا. وَقَدْ طَمَسَ هُوَ بِنَفْسِهِ.اهـ.
وقال الراغب في المفردات :( الطمس إزالة الأثر بالمحو ، قال تعالى : { فإذا النجوم طمست( 8 ) })اهـ
وَيُقَال: طَمَس الله على بصَرِه يطمس. وطمَسَ طُمُوساً: إِذا ذَهَب بَصَرُه.
ورجل مطموس وطميس: وهو الأعمى الذي تعفي الشق الذي بين جفني عينيه
وقد أضاف ابن جرير رحمه الله قيدا لمعنى الطمس وهو التسوية بالأرض ؛ أي محو واندراس مع تسوية بالأرض
قال رحمه الله :" وأما"الطمس"، فهو العُفُوّ والدثور في استواء. منه يقال:"طمست أعلام الطريق تطمِسُ طُموسًا"، إذا دثرت وتعفَّت، فاندفنت واستوت بالأرض، كما قال كعب بن زهير:
مِنْ كُلِّ نَضَّاحَةِ الذِّفْرَى إذَا عَرقَتْ ... عُرْضَتُهَا طَامِسُ الأعْلام مَجْهُولُ .
يعني:"طامس الأعلام"، دائر الأعلام مندفنها. ..اهـ
واستعير لفظ الطمس للمعاني؛ فيطلق على إبطال خصائص الشيء المألوفة فيه ؛فيقال طمس القلوب أي إبطال آثار التميّز والمعرفة منها ؛ فيقال؛ رجل طامس القلب: ميته لا يعي شيئاً.
معنى الوجوه:
وجْهُ كل شَيْء: مستقبله.
والوَجْه: المُححَيَّا، وَالْجمع أوْجُهٌ ووُجُوهٌ.التي هي خلاف"الأقفاء".
ووَجْهُ الْفرس: مَا أقبل عَلَيْك من الرَّأْس من دون منابت شعر الرَّأْس.
ويستعار الوجه في المعاني فيقال : هذا وجه الثّوب. ووجه القوم، وهؤلاء وجوه البلد، ورجل وجيه: بيّن الوجاهة. وله جاه وحرمة.

المراد " نَطْمِسَ وُجُوهًا فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا".
اختلف أهل العلم في ذلك ويمكن بيان مرجع الخلاف إلى اختلافهم في المراد بالوجه
المراد ب "وجوها"
اختلف أهل العلم في المراد بالوجوه على أقوال :
1- الوجه : العضو المعروف . فالحمل على الحقيقة
و اختُلف في المراد " نَطْمِسَ وُجُوهًا فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا" على قولين :
-أ- جعل الوجه كالقفا
ثم اختلفوا في وجه المشابهة
*** قيل أن يجعل الوجه كالقفا خاليا من الحواس ؛ ليس فيها فم ، ولا حاجب ، ولا عين .
فيكون معنى طمس الوجه أن تعفى أثر الحواس فيها وتمحى؛ وتزال الخلقة منه فيرجع كسائر الأعضاء في الخلو من أعضاء الحواس. .
ويكون معنى" فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا" أي تعود كأقفائهما خالية من الحواس قال ابن عطية :" فيكون أرد على «الأدبار» في هذا الموضع بالمعنى، أي خلوه من الحواس دبرا لكونه عامرا بها.." ذكره الزجاج ابن عطية وابن كثير وهو قول أبي عبيدة ابن قتيبة .
قال ابن عباس: يجعلها كخفّ البعير أو كحافر الدابة . ذكره العلبي
قال ابن قتيبة :نَطْمِسَ وُجُوهاً أي نمحو ما فيها من عينين وأنف وحاجب وفم.
فَنَرُدَّها عَلى أَدْبارِها أي نصيرها كأقفائهم ."اهـ
توجيه الأقوال
أن الطمس معناه المحو يقال الريح طمَست آثارنا أي محتها ، وطَمَس الكتابَ : محاه ؛ويقال : ، ويقال : طُمِست عينُه ..فيكون معنى طمس الوجه محو أثر الحواس فيه و تسويتها حتى تصير مثل القفا
***وقيل أن يجعل الوجه منبتا للشعر كالقفا هو منبت الشعر ؛ وهذا هو معنى رده على دبره لأن منابت شعر الآدميين فِي أدبارهم، ذكره ابن عطية ولم ينسبه إلى أحد وهو اختيار الفراء
قال الفراء رحمه الله :"أن يجعل الوجه منبتا للشعر كما كان وجه القرد كذلك" اهـ
توجيه القول
احتج الفراء لهذا القول بدلالة العقل والسياق.. قال الفراء :" ..(وهذا) أشبه بالصواب لقوله أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَما لَعَنَّا أَصْحابَ السَّبْتِ يقول: أو نسلخهم قردة..."اهـ
-لما أخبر الله تعالى أنه مسخ وجوهم قردة ؛ وأنه جعلها كالقفا كان الوصف الجامع المشترك بين القفا ووجه القردة نمو الشعر وكثافته وكثرته .
أو يقال أن الشيء الذي يتميز به مقدم الرأس و مؤخره هو الشعر ؛ فلما أخبر الله أنه جعل الوجوه كالقفا فهم منه أنه جعل فيها الشعر؛ وقال ابن سيده :" ووَجْهُ الْفرس: مَا أقبل عَلَيْك من الرَّأْس من دون منابت شعر الرَّأْس.اهـ
لهذا يجعل الفقهاء منابت الشعر حدا الوجه
وقد رد ابن جرير قول الفراء لأنه مخالف للفهم السلف للآية قال رحمه الله :"فقول لقول أهل التأويل مخالف ، وكفى بخروجه عن قول أهل العلم من الصحابة والتابعين فمن بعدهم من الخالفين على خطئه شاهدا .اهـ
-ب- تحويل الوجه إلى القفا أي قِبل ظهورهم ؛فيمشي الواحد منهم القهقري؛ وهو معنى الرد على الدبر هو قول وهو ابن عباس(68) وقتادة (104)وعطية العوفي ( 111)
فيكون معنى طمس الوجه محو الحواس فلا يبقى أثرها
ومعنى الرد على الأدبار تحويلها قبل القفا
قال قتادة :{ فَنَرُدّها عَلى أدْبارِها } قال : نحوّل وجوهها قبل ظهورها .
قال ابن كثير :" وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ: مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهًا فَلَا يَبْقَى لَهَا سَمْعٌ وَلَا بَصَرٌ وَلَا أَثَرٌ، وَنَرُدَّهَا مَعَ ذَلِكَ إِلَى نَاحِيَةِ الْأَدْبَارِ.اهـ
-وقيل هو خاص بالعين فقط ؛ تطمس العينين وتمحى الأبصار؛ و تزال العينين من الوجه وترد على القفا فيمشي القهقري وهو قول ابن عباس
قال ابن عباس :" أن نجعل وجوههم من قبل أقفيتهم فيمشون القهقري ونجعل لأحدهم عينين في قفاه ." اهـ
تخريج الأقوال:
تخريج قول ابن عباس أخرجه ابن جرير و ابن أبي حاتم من طريق العوفي عنه
تخريج قول قتادة أخرجه ابن المنذر من طريق فضيل بن مرزوق عنه
وأخرجه عبد الرزاق و ابن جرير من طريق معمر عنه
تخريج قول عطية العوفي أخرجه ابن جرير من طريق فضيل بن مرزوق عنه
توجيه القول
معنى رد الوجه على القفا هو تحويله نحو القفا والمشي القهقري ولا يكون كذلك إلا بوجود العنيين في جهة القفا
وهذا ما فهمه كعب أول ما سمع الآية قال مالك : كان أول إسلام كعب أنه مر برجل من الليل وهو يقرأ : { يا أيها الذين أوتوا الكتاب آمنوا }. فوضع كعب يده على وجهه ورجع القهقرى إلى بيته فأسلم مكانه وقال : والله لقد خفت ألا أبلغ بيتي حتى يطمس وجهي .
2- الوجه استعارة ؛ وفي ذلك قولان
-أ- استعارة للهدى و الرشد والبصيرة وهو قول مجاهد (104)؛ والضحاك(105) والحسن 110) والسدي (127) . ومقاتل (150)
ويكون معنى " نِّطْمِسَ وُجُوهاً " أي نطمسها عن الهدى ؛ ومعنى " فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِها"، أي نردها في ضلالها.
قال ابن عطية:" تفسير ابن عطية وطمسها حتم الإضلال والصد عنها والتصيير إلى الكفر، وهو الرد على الأدبار.اهـ
قال مقاتل :" يقول : نحول الملة عن الهدى والبصيرة التي كانوا عليها من إيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم قبل أن يبعث ، { فنردها على أدبارها } بعد الهدى الذي كانوا عليه كفارا ضلالا.اهـ
تخريج الأقوال
تخريج قول مجاهد أخرجه ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد و أخرجه عبد بن حميد كما عند السيوطي
قال مجاهد :" { أنْ نَطْمِسَ وُجُوها } عن صراط الحقّ ، { فَنَرُدّها عَلى أدْبارِهَا } في الضلالة
تخريج قول الضحاك أخرجه ابن المنذر من طريق جويبر عن الضحاك. قال : الطمس أن يرتدوا كفارا ، فلا يهتدوا أبدا .
تخريج قول الحسن أخرجه عبد الرزاق و ابن جرير وابن أبي حاتم من طريق معمر عن الحسن قال: نطمسها عن الحقّ ، { فَنَرُدّها عَلى أدْبارِها } : على ضلالتها .
تخريج قول السدي أخرجه ابن جرير وابن أبي حاتم- مع اختلاف يسير في العبارة -من طريق أسباط عن السدي قال : فنعميها عن الحقّ ، ونرجعها كفارا .
توجيه القول
-كما أن للبدن وجه كذا للنفس وجه؛ ووجه النفس وهو ما تتوجه إليه من المقاصد ومنه { أسلمت وجهي لله } وقوله : { ومن يسلم وجهه إلى الله } ؛وقوله : { فأقم وجهك للدين حنيفا } .
والمراد بالارتداد على الأدبار معنويا وهو الزيغ والضلالة كقوله تعالى: { إن الذين ارتدوا على أدبارهم من بعد ما تبين لهم الهدى الشيطان سول لهم وأملى لهم} .
ورد ابن جرير هذا القول لأن لفظ الرد لا تساعده في ذلك؛ فمعنى "الرد الشيء" هو رجوعه إلى ما كان عليه قبل؛ وهؤلاء لم يحصل لهم إيمان ولا اهتداء حتى يقال لهم سنردكم إلى غيكم وضلالكم
قال رحمه الله :" فما وجه ردّ من هو في الضلالة فيها ؟ وإنما يرد في الشيء من كان خارجا منه ، فأما من هو فيه فلا وجه لأن يقال : يردّه فيه . وإذ كان ذلك كذلك ، وكان صحيحا أن الله قد تهدّد الذين ذكرهم في هذه الاَية بردّه وجوههم على أدبارهم ، كان بينا فساد تأويل من قال : معنى ذلك يهدّدهم بردّهم في ضلالتهم .اهـ
-ب- استعارة للمواضع التي هم فيها أو لوجاهة اليهود في بلاد العرب
ومعنى طمس الوجوه :: إزالة آثارهم عن بلاد العرب ومحو أحوالهم عنها ، أو الطمس بمعنى المذلة و الإهانة و زوال وجاهة اليهود في بلاد العرب ، بعد أن كانوا فيها أعزّة ذوي مال وعدّة
والمراد بالرد على الأدبار: هو رجوعهم إلى الشام من حيث أتوا أولا. وهو قول زيد بن أسلم (137) وابنه عبد الرحمان (182) وذكره الزجاج وابن عطية و ابن كثير
.قال ابن عاشور:" والكلام وعيد ، والوعيدُ حاصل ، فقد رماهم الله بالذلّ ، ثم أجلاهم النبي صلى الله عليه وسلم وأجلاهم عمر بن الخطاب إلى أذرعات .اهـ
تخريج الأقوال
تخريج قول زيد ابن أسلم أخرجه ابن جرير من طريق ابن وهب عنه قال" فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا" إلى الشام
تخريج قول عبد الرحمان ابن زيد أخرجه ابن أبي حاتم من طريق ابن وهب عنه قال" فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا" من حيث جاءت أدبارها أي رجعت إلى الشام من حيث جاءوا ردوا إليه
توجيه القول:
من جهة اللغة
هو من قولهم" وَلَّى مُدْبِراً ": وَلَّى عَلَى عَقِبِهِ ؛ وكذا قولهم "ارتدَّ على دُبُره" : رجع منسحبًا من حيث أتى.
و من جهة الواقع فقد حصل إجلاء اليهود من جزيرة العرب
ورد ابن جرير هذا القول لأنه مخالف للمعهود من استعمال العرب للفظ الوجوه ؛ فالمعهود المعروف عند العرب أن لفظ الوجوه تطلق على خلاف الأقفاء؛ ويجب حمل القران على المشهور المعهود من كلام العرب قال ابن جرير:"..وكتاب الله يوجه تأويله إلى الأغلب في كلام من نزل بلسانه حتى يدلّ على أنه معنيّ به غير ذلك من الوجوه التي ذكرت دليل يجب التسليم له .اهـ
وتعقب أيضا الألوسي هذا القول بأنه لا يناسب مقام التشديد الوعيد الوارد في الآية؛ كما أنه لم يوافق تعميم التهديد للجميع ؛ فالتهديد في الآية عام والذين تم إجلاؤهم طائفة من اليهود
الترجيح
رجح ابن جرير قول ابن عباس قال رحمه الله :" : وأولى الأقوال في ذلك بالصواب قول من قال : معنى قوله : { مِنْ قَبْلِ أنْ نَطْمِسَ وُجُوها } : من قبل أن نطمس أبصارها ونمحو آثارها فنسوّيها كالأقفاء ، فنردّها على أدبارها ، فنجعل أبصارها في أدبارها ، يعني بذلك : فنجعل الوجوه في أدبار الوجوه ، فيكون معناه : فنحوّل الوجوه أقفاء ، والأقفاء وجوها ، فيمشون القهقري ، كما قال ابن عباس وعطية ومن قال ذلك ...
وحجته في ذلك رحمه الله تعالى السياق ؛ فسياق الآية في اليهود قال رحمه الله :" وإنما قلنا ذلك أولى بالصواب ، لأن الله جلّ ثناؤه خاطب بهذه الاَية اليهود الذين وصف صفتهم بقوله : { ألَمْ تَرَ إلَى الّذِينَ أُوتُوا نَصِيبا مِنَ الكِتابِ يَشْتَرُونَ الضّلالَةَ } ثم حذّرهم جلّ ثناؤه بقوله : { يا أيّها الّذِينَ أُوتُوا الكِتابَ آمِنُوا بمَا نَزّلْنا مُصَدّقا لِمَا مَعَكُمْ مِنْ قَبْلِ أنْ نَطْمِسَ وُجُوها فَنَرُدّها على أدْبارِها } . . . الاَية ، بأَسه وسطوَتَه ، وتعجيل عقابه لهم إن هم لم يؤمنوا بما أمرهم بالإيمان به ، ولا شكّ أنهم كانوا لما أمرهم بالإيمان به يومئذ كفارا.اهـ
وقال ابن كثير في ترجحه بعد ان ذكر قول ابن عباس وعطية العوفي قال :" وَهَذَا أَبْلَغُ فِي الْعُقُوبَةِ وَالنَّكَالِ، وَهَذَا مَثَلٌ ضَرَبَهُ اللَّهُ لَهُمْ فِي صَرْفِهِمْ عَنِ الْحَقِّ وَرَدِّهِمْ إِلَى الْبَاطِلِ وَرُجُوعِهِمْ عَنِ الْمَحَجَّةِ الْبَيْضَاءِ إِلَى سُبُلِ الضَّلَالَةِ يَهْرَعُونَ وَيَمْشُونَ الْقَهْقَرَى عَلَى أَدْبَارِهِمْ، وَهَذَا كَمَا قَالَ بَعْضُهُمْ فِي قَوْلِهِ: {إِنَّا جَعَلْنَا فِي أَعْنَاقِهِمْ أَغْلالا فَهِيَ إِلَى الأذْقَانِ فَهُمْ مُقْمَحُونَ. وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا **وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ } . إِنَّ هَذَا مَثَلُ سُوءٍ ضَرَبَهُ اللَّهُ لَهُمْ فِي ضَلَالِهِمْ وَمَنْعِهِمْ عَنِ الْهُدَى." اهـ
[فيدل على جمعه بين القولين، فمع الإيمان بقدرة الله عز وجل على طمس وجوههم على وجه الحقيقة، ففي هذا أيضًا صرف لهم عن الحق، ورد إلى الباطل جزاء وفاقًا لهم على إعراضهم عن الحق والكفر به]
المراد "بأصحاب السبت"
- هم أهل أيلة الذين اعتدوا في السبت في الصيد. ذكره ابن عطية
- المراد باللعنة
في ذلك قولان
-القول الأول-المراد باللعنة هو مسخهم وهو قول الحسن (110) و قتادة (117) والسدي (127)..وهو قول السلف قاطبة ؛ ولم يُذكر لهم قول غيره
تخريج الأقوال:
تخريج قول الحسن أخرجه عبد الرزاق و ابن جرير وابن وأبي حاتم من طريق معمر عنه
تخريج قول قتادة أخرجه عبد الرزاق و ابن جرير و ابن المنذر من طريق معمر عنه
تخريج قول السدي أخرجه ابن جرير من طريق أسباط عنه
توجيه القول :
ما ورد في قوله تعالى :" {قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللَّهِ مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ} فالآية بينت أن لعن اليهود بأن جعل منهم.قردة وخنازير
فيحمل معنى آية المائدة على آية النساء
القول الثاني- اللعنة الطرد والإبعاد من رحمة الله والمراد به ما يحصل لهم من الذلة والمهانة
واليهود مازالت اللعنة تتبعهم والناس يلعنونهم في كل زمان ومكان ذكره الألوسي وابن عاشور
قال الألوسي :" ملعونون بكل لسان وفي كل زمان ، فاللعن بمعناه الظاهر ؛ والمراد من التشبيه بلعن أصحاب السبت الإغراق في وصفه "اهـ
توجيه القول
ما جاء في سورة المائدة في قوله تعالى :" مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِير.."} فالآية عطفت المسخ على اللعنة والعطف الأصل فيه المغايرة؛ فدل ذلك أن اللعن غير المسخ؛ فوجب المغايرة بين المسخ واللعنة في سورة النساء...فإن حمل الطمس على المسخ يحمل اللعن على معناه الظاهر ؛و إن حمل الطمس على الذل والإهانة يحمل اللعن على المسخ
قال ابن عاشور:"وقوله : { أو نلعنهم كما لعنا أصحاب السبت } أريد باللعن هنا الخزي ، فهو غير الطمس ، فإن كان الطمس مراداً به المسخ فاللعن مراد به الذلّ ، وإن كان الطمس مراداً به الذلّ فاللعن مراد به المسخ .اهـ
وقد يرد هذا القول :أنه لا يصح الإكتفاء به لأنه مخالف لإجماع السلف من أن المراد باللعن هو المسخ..؛فلابد من جمع القولين معا
[وفي مسخهم إبعاد عن رحمة الله وغضب منه سبحانه، أعاذنا الله]
وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولا
المراد بأمر الله ؛ فيه قولان
1- الأمر في الآية واحد الأمور لا واحد الأوامر ؛ ذكره ابن عطية
والمراد به ما يحل به في الآية عباده من عذاب ولعنة.
{ مَفْعُولاً } نافذاً واقعاً في الحال أو كائناً في المستقبل لا محالة
2- الأمر في الآية المأمور ؛ مصدرا وقع موقع المفعول ؛ وسمي المأمور أمر الله لأنه عن أمره كان وبأمره ، ذكره ابن جرير
والمراد به هنا أمر التكوين لا الأمر الشرعي. والمعنى : وكان ما أمر الله مفعولاً . والمعنى أنه متى أراده كان كقوله { إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون } .
نظير الآية
-و مما يشبه هذه الآية ، في وعيديها ، بآية يس . أعني قوله تعالى : ( ولو نشاء لطمسنا على أعينهم فاستبقوا الصراط فأنى يبصرون * ولو نشاء لمسخناهم على مكانتهم فما استطاعوا مضيا ولا يرجعون )

قال الله تعالى: ( إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا) [النساء : 48]

نزول الآية
-عن عبد الله بن عمر ، أنه قال : لما نزلت : { يا عِبادِيَ الّذِينَ أسْرَفُوا على أنْفُسهِمْ } . . . الاَية ، قام رجل فقال : والشرك يا نبيّ الله . فكره ذلك النبيّ صلى الله عليه وسلم ، فقال : { إنّ اللّهِ لا يَغْفِرُ أنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ باللّهِ فَقَدِ افْتَرَى إثما عَظِيما } . رواه ابن جرير وابن أبي حاتم
-منصور بن عمران البرجمي ، قال : سمعت أبا مجلز يقول لما نزلت هذه الآية : { قال يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم } الآية ، قام النبي صلى الله عليه وسلم على المنبر فتلاها على الناس ، فقام إليه رجل فقال : والشرك بالله ، فسكت ، ثم قام إليه فقال : يا رسول الله والشرك بالله ، فسكت مرتين ، أو ثلاثا ، قال : فنزلت هذه الآية : { إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء } قال : فأثبتت هذه في الزمر ، وأثبتت هذه في النساء/ . رواه ابن المنذر
المعنى الجملي للآية
ذكر الله في هذه الآية الكريمة أنه تعالى لا يغفر الإشراك به وأنه يغفر غير ذلك لمن يشاء وأن من أشرك به فقد افترى إثمًا عظيمًا .
مناسبة الآية لما قبلها
ورد في ذلك أقوال أن الآية جاءت
-أن هذه الآية متعلقة بما قبلها وفي بيان تلك العلاقة أقوال
-- جيء بها كالتعليل للتهديد والوعيد السابق ذكره وهو طمس الوجوه والرد على الأدبار واللعنة .. والمعنى :آمنوا بالقرآن من قبل أن ينزل بكم العذاب ، لأنّ الله يغفر ما دون الإشراك به. ذكره ابن عاشور
-- أن في هذه الآية فتح لباب المغفرة التي كتبها الله على نفسه لعباده ؛ لأنه كتب على نفسه الرحمة ، ودعوة لأهل الكتاب للتوبة وترك الكفر والشرك الذي هم عليه ؛ فإن فعلوا ذلك فإن الله يفغر لهم باق الذنوب جميعا .ذكره أبو زهرة
-** الآية جاءت لبيان حال أهل الكتاب؛ وأنهم قد وقعوا في الشرك فلا يستهولنكم تسميتهم بأهل الكتاب الذي يدخل فيه الإيمان بالله والأنبياء ..قال رشيد رضا:" كأنه يقول لا يغرنكم انتماؤكم إلى الكتب والأنبياء وقد هدمتم أساس دينهم بالشرك الذي لا يغفره الله بحال من الأحوال ."
--
وقيل الآية استئناف لكلام جديد فهي جملة اعتراضية ؛ وقعت اعتراضا بين قوارع أهل الكتاب ومواعظهم ؛ وهى كالتمهيد لما بعدها لتشنيع حال من فضل الشرك على الإيمان في قوله تعالى :" أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلَاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلًا." ذكره ابن عاشور

تفسير الآية
:" إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ "
ظاهر الآية أنها عامة في كل مشرك ؛ سواء مات على شركه أم تاب عنه ؛ فإن الله لا يغفره ؛ لكن قد ورد من النصوص ما يبين ويفسر محل كونه لا يغفر الإشراك به؛ أن ذلك إذا لم يتب المشرك من شركه ، فإن تاب غفر له كقوله تعالى :" {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ } إلى قوله {... إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا } وقال تعالى : { قُل لِلَّذِينَ كَفَرُواْ إِن يَنتَهُواْ يُغْفَرْ لَهُمْ مَّا قَدْ سَلَفَ }
وأجمع أهل العلم أن المشرك إذا مات على شركه لم يكن من أهل المغفرة التي تفضل الله بها على غير أهل الشرك حسبما تقتضيه مشيئته..
وأن المشرك إذا تاب من شركه وأناب إلى ربه ومات على توبته مغفور له بإجماع. لأنه لا خلاف في أن التوبة تسقط الذنوب قال تعالى :" {وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى} [طه: 82] ؛ وقوله :{فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا} [نوح: 10]

فهذا الجزء من الآية "
:" إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ " مجمع عليه بين طوائف أهل الإسلام.
-إذن فقوله ":" إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ "؛ المراد به من مات وهو مشرك؛فهذا لا يغفر الله له بإجماع أهل العلم والجنة محرمة عليه وهو مخلد في النار ولا خلاف في ذلك كما قال تعالى: { إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ }
- وأما التائب إذا مات على توبته فهو عند أهل السنة وجمهور فقهاء الأمة من أهل الجنة مغفور له لقوله تعالى " {إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (70) وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا }
وكذا من باب أولى من كان محسن بإيمانه مات على ذلك ولم يقترف ذنبا فهذا في الجنة محتوم عليه حسب الخبر من الله تعالى بإجماع.
-روى جابر بن عبد الله أنه قال : سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الموجبتين ، فقال : " من مات لا يشرك بالله شيئاً دخل الجنة ، ومن مات يشرك بالله دخل النار "
-ويدخل في قوله "أن يشرك "
ويدخل في قوله "أن يشرك به" المشرك وكذا الكافر؛ وأهل الكتاب على حد السواء .
وقوله " وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ "
حكي عن علي رضي الله عنه أن هذه الآية أرجى آية في القرآن قوله : { ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء } ذكره البغوي
مرجع اسم الإشارة "ذلك"
يرجع إلى الشرك والمعنى يغفر ما دون الشرك لمن يشاء
والمعنى أن الذنوب التي دون الشرك داخلة تحت المشيئة .
وقوله " ما دون ذلك" فيه قدر من الإجمال ؛يدخل فيه كبائر الآثام ؛ وصغائرها .
فُحتاج في تبينه إلى نصوص أخرى من الكتاب والسنة
حكم من مات على ذنبه ولم يتب منه
المذنب إذا مات قبل توبته، فهذا موضع الخلاف، بين طوائف أهل الإسلام
وهذا المذنب الذي لم يتب له حالان: إما يكون صاحب كبائر؛ أو صاحب صغائر.
فالراجح من أقوال أهل السنة أن صحاب الصغار مغفور له ؛ وأما صحاب الكبيرة فهو داخل تحت المشيئة الله ؛ إن شاء غفر الله له وإن شاء عذبه بحسب ذنبه؛ ومشيئة الله تابعة لحكمته ؛ قال تعالى "{إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا } [النساء: 31].
وقال تعالى :{وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى (31) الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ }
وصاحب الكبيرة إن عذب وأدخل النار فهو لا يخلد فيه بل يعذب بقدر ذنبه و يخرج منها ويدخل الجنة
-وقالت المرجئة: هو في الجنة بإيمانه ولا تضره سيئاته.
وحجتهم في ذلك أن الإيمان عندهم شيء واحد ؛ ومحله القلب وهو التصديق ؛ فالمعاصي و الذنوب والآثام لا تبطل التصديق ولا تنافيه ؛ فالإيمان عندهم لا يزيد ولا ينقص ؛ فالعاصي عندهم باق على إيمانه بل هو كامل الإيمان؛ وبنوا هذه المقالة على أن جعلوا آيات الوعيد كلها مخصصة في الكفار، وآيات الوعد عامة في المؤمنين، تقيّهم وعاصيهم.
وحملت المرجئة قوله تعالى " وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ " على من يشاء الإيمان ؛ فالمشيئة عندهم معلقة بالإيمان ممن يؤمن؛ لا بغفران الله لمن يغفر له
ولا وجه لما ذهبوا إليه لأنه يلزم عليه لوازم باطلة ؛من ذلك أنه يلزم يكون قوله { ويغفر ما دون ذلك } عام في كافر ومؤمن ، فإذا خصص المؤمنون بقوله { لمن يشاء } وجب أن الكافرين لا يغفر لهم ما دون ذلك ، ويجازون به
قال القاضي أبو محمد : وذلك وإن كان مما قد قيل - فهو مما لم يقصد بالآية على تأويل أحد من العلماء ، ويرد على هذا المنزع بطول التقسيم ، لأن الشرك مغفور أيضاً لمن شاء الله أن يؤمن .
-قالت المعتزلة: من مات وهو صاحب كبيرة فهو في النار ولا بد.وحجتهم في ذلك أن الإيمان كله واحد لا يتجزأ لا يقبل التبعض ؛ إذا ذهب بعضه ذهب كله، وهم يرون أن الذنوب منها كبائر ومنها صغائر
واحتجوا لقولهم بقوله تعالى :"ومن يقتل مؤمناً متعمداً فجزاؤه جهنم خالداً فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذاباً عظيماً }
وجه الدلالة: أن قتل النفس كبيرة من الكبائر و الله حكم على مرتكب الكبير أنه في النار خالدا فيها ؛ فهذا دليل أن صاحب الكبيرة مخلد في النار
-وتعقب :أنه لا وجه لما ذهبوا إليه لأنه يمكن تخريج الآية على وجوه:
-أن المراد بقوله "متعمدا" مستحلاوإذا استحل أحد ما حرم الله عليه فقد كفر ، ويدل على ما قال ابن عباس : إنّا نجد الله تعالى في أمر القتل إذا ذكر القصاص لم يذكر الوعيد ، وإذا ذكر الوعيد بالنار لم يذكر القصاص ، فيظهر أن القصاص للقاتل المؤمن العاصي ، والوعيد للمستحل الذي في حكم الكافر ،
- أن الخلود إذا لم يقرن بقوله «أبداً » فجائز أن يراد به الزمن المتطاول ، إذ ذلك معهود في كلام العرب
قال الشاعر : وَهَلْ يَعِمَنْ إلاّ سعيدٌ مُخَلَّدٌ . . . قَليلُ الهمومِ ما يَبِيتُ بِأَوْجَالِ.
-أن الله أخبر أنه يغفر الذنوب جميعا :" { قل يا عبادي الذي أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله ، إن الله يغفر الذنوب جميعاً } فيجب حمل آية القتل على آية الزمر و آية " إن الله لا يغفر أن يشرك به"
-وتقويةً لمذهبهم حملت المعتزلة قوله تعالى :" وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ" على التائب أي من يشاء أن يتوب.
ولا وجه لما ذهبوا إليه لأنه يلزم من قولهم أن التائب من الشرك لا يغفر الله له؛ وهذا لا زم باطل لا قائل به فدل على بطلان قولهم
-قالت الخوارج: من مات وهو صاحب كبيرة أو صغيرة فهو في النار مخلد ولا إيمان له، والحجة في ذلك أن الإيمان كله واحد لا يتجزأ لا يقبل التبعض ؛إذا ذهب بعضه ذهب كله، وأن الذنوب عندهم كلها كبائر
وبنوا هذه المقالة على أن جعلوا آيات الوعد كلها مخصصة في المؤمن المحسن الذي لم يعص قط، والمؤمن التائب، وجعلوا آيات الوعيد عامة في العصاة كفارا أو مؤمنين.
والحق أن يقال: آيات الوعد ظاهرة العموم، والمراد بها الخصوص في المؤمن المحسن، وفي التائب، وفيمن سبق في علمه تعالى العفو عنه دون تعذيب من العصاة.
وأن آيات الوعيد لفظها عموم، والمراد بها الخصوص في الكفرة وفيمن سبق في علمه تعالى أنه يعذبه من العصاة.
آية سورة النساء الفيصل بين الفرق المتنازعة
- قوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ، وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ " نص في موضع النزاع
ذلك أن:
- قوله تعالى:" إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ" فصل مجمع عليه.
-وقوله: "وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ" رد قاطع لا محيد عنه على المعتزلة ،فما دون الشرك مغفور ومنه الكبائر الذنوب.
-وقوله "لمن يشاء" رد قاطع على المرجئة ؛ فموجب الغفران " ما دون الشرك "إنما هو لقوم دون قوم، بخلاف ما زعموه من أنه مغفور لكل مؤمن.
قوله : ( وَمَنْ يُّشْرِكْ بِاللَّهِ )
والآية كالتعليل للحكم السابق وهو عدم مغفرة الشرك...فإن قال قائل لماذا الله لا يغفر الشرك يجاب لأن مشرك فقد افترى إثما عظيما على الله عزوجل .

معنى افترى
افترى اختلق ؛ وأصل الفري القطع
قال الراغب : الفرى قطع الجلد للخرز والإصلاح ، والإفراء للإفساد ، والافتراء فيهما ، وفي الإفساد أكثر وكذلك استعمل في القرآن في الكذب والشّرك والظّلم."اهـ.
قال ابن عطية :" والفرية : أشد مراتب الكذب قبحاً ، وهو الاختلاق للعصبية".
أحسنتِ، بارك الله فيكِ ونفع بكِ.
- أسباب النزول، مما يطلب تخريجه في الواجبات.
-بالنسبة للآية رقم (48):
* استفيدي من الآثار التي أوردها ابن كثير في تفسيره.
* فاتكِ بيان دلالة وصف الإثم بأنه عظيم، قال الزجاج: غير مغفور.
واستدل ابن كثير بقوله تعالى:{ إن الشرك لظلم عظيم}
وبحديث النبي صلى الله عليه وسلم حين سئل: " أي الذنب أعظم، قال أن تجعل لله ندًا وهو خلقك .."

التقويم: أ
زادكِ الله توفيقًا وسدادًا ونفع بكِ الإسلام والمسلمين.

رد مع اقتباس
  #13  
قديم 6 ذو الحجة 1441هـ/26-07-2020م, 12:39 AM
هيئة التصحيح 11 هيئة التصحيح 11 غير متواجد حالياً
هيئة التصحيح
 
تاريخ التسجيل: Jan 2016
المشاركات: 2,525
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة هناء محمد علي مشاهدة المشاركة
مجلس مذاكرة القسم السابع من تفسير سورة النساء

تلخيص تفسير قوله تعالى:
{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنفُسَهُمْ بَلِ اللّهُ يُزَكِّي مَن يَشَاء وَلاَ يُظْلَمُونَ فَتِيلاً (49) انظُرْ كَيفَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللّهِ الكَذِبَ وَكَفَى بِهِ إِثْمًا مُّبِينًا (50)}

🔸{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنفُسَهُمْ بَلِ اللّهُ يُزَكِّي مَن يَشَاء وَلاَ يُظْلَمُونَ فَتِيلاً (49)}

علوم الآية :
🔹مقصد الآية : الذم والتحذير من مدح النفس وتزكيتها ، وبيان أن الله هو وحده من يزكي من يشاء .

🔹نزول الآية :
1⃣ قيل نزلت في اليهود ؛ ذكر ذلك الزجاج وابن عطية وابن كثير ؛ وذكروا أن سبب ذلك :
- قال الزجاج : وكانوا جاؤوا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - بأطفالهم فقالوا: يا محمد أعلى هؤلاء ذنوب؟ فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - ((لا))، فقالوا كذا نحن، ما نعمل بالليل يغفر بالليل، وما نعمل بالنهار يغفر بالنهار.

- قال ابن عباس : وذلك أن اليهود قالوا: إنّ أبناءنا توفّوا وهم لنا قربةٌ، وسيشفعون لنا ويزكّوننا، فأنزل اللّه على محمّدٍ [صلّى اللّه عليه وسلّم] {ألم تر إلى الّذين يزكّون أنفسهم بل اللّه يزكّي من يشاء ولا يظلمون فتيلا} رواه ابن جريرٍ. ذكره ابن كثير

- وعن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ قال: كانت اليهود يقدّمون صبيانهم يصلّون بهم، ويقرّبون قربانهم ويزعمون أنّهم لا خطايا لهم ولا ذنوب. وكذبوا. قال اللّه [تعالى] إنّي لا أطهّر ذا ذنبٍ بآخر لا ذنب له" وأنزل اللّه: {ألم تر إلى الّذين يزكّون أنفسهم} رواه ابن ابي حاتم ثمّ قال: وروي عن مجاهدٍ، وأبي مالكٍ، والسّدّيّ، وعكرمة، والضّحّاك -نحو ذلك. ذكر ذلك ابن كثير

- وقال الضّحّاك: قالوا: ليس لنا ذنوبٌ، كما ليس لأبنائنا ذنوبٌ. فأنزل اللّه ذلك فيهم.
ذكره ابن كثير .

2⃣ وقيل نزلت في اليهود والنصارى …
- قال قتادة والحسن نزلت في قولهم : ( نحن أبناء الله وأحباؤه )
- وقال ابن زيد : نزلت في قولهم : ( نحن أبناء الله وأحباؤه ) ؛ وفي قولهم ( وقالوا لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى ) ذكرذلك ابن كثير

▪وسيأتي تخريج الأقوال ونسبتها وتفصيلها في موضعها من تفسير الآية بإذن الله

🔹القراءات :
يُظلمون : قرئت بتاء الخطاب: تُظلمون … ذكره ابن عطية

المسائل التفسيرية :
🔹أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنفُسَهُمْ
ألم تر : أي ألم تعلم يا محمد أو تخبر أو ينته علمك إلى هؤلاء
وهو استفهام في معنى الإخبار والإعلام ؛ أي اعلم يا محمد … ذكر المعنى الزجاج

معنى التزكية :
زكاء الشيء في اللغة نماؤه في الصلاح … ذكره الزجاج
المراد بتزكية النفس : اي ادعاء صلاحها وطهارتها من الذنوب والآثام

المراد ( بالذين يزكون أنفسهم )
1⃣ قيل أن المراد بالذين يزكون أنفسهم هنا هو اليهودذكره الزجاج وابن عطية وابن كثير
وقال ابن عطية أنه لم يختلف على كون المراد هم اليهود
وذكر أن ممن قال بذلك ابن عباس و قتادة والحسن والضحاك والسدي ومجاهد وعكرمة وأبو مالك … وسيأتي تخريج ذلك عند بيان معنى تزكيتهم أنفسهم

2⃣ وقيل المراد هم اليهود والنصارى جميعا ذكره ابن كثير
- روى ابن جرير بسنده عن ابن جريج قال هم اليهود والنصارى

3⃣ وقيل الآية عامة وهي في ذم التمادح والتزكيةذكره ابن كثير ؛
وقال ابن عطية لفظ الآية عام في ظاهره

🔸ولا تعارض في كونها نزلت في اليهود وحدهم أم فيهم مع النصارى إذ كلاهما زكى نفسه كما ورد في القرآن …
و لا يتعارض كونها نزلت في أناس مخصوصين أن تكون عامة المعنى ؛ إذ العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب ؛ فيكون فيها ذم لكل من فعل فعل هؤلاء من تزكية أنفسهم ومدحها إذ المزكي هو الله ولا زاكي إلا من زكاه سبحانه …


المعنى الذي كان المذكورون يزكون به نفسهم :
اختلف في المعنى الذي به زكى اليهود او أهل الكتاب أنفسهم على أقوال :
1⃣ قيل أن تزكيتهم أنفسهم هو قولهم نحن ابناء الله وأحباؤه ذكر هذا القول ابن عطية عن قتادة والحسن في اليهود ؛ وذكره ابن كثير عنهما وعن ابن زيد في اليهود والنصارى

🔺تخريج الأقوال :
الحسن :
- رواه عنه عبدالرزاق الصنعاني ، ورواه ابن جرير عن الصنعاني، وابن ابي حاتم كلهم عن معمر عنه قال هم اليهود والنصارى قالوا ( نحن أبناء الله وأحباؤه ) وقالوا ( وقالوا لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى )
[يكفي أن تذكري أصل الإسناد " معمر عن الحسن"]
قول ابن زيد :
قال هم أهل الكتاب حين زعموا أهم يدخلون الجنة وأنهم ابناء الله وأحباؤه وأهل طاعته
- رواه عنه ابن جرير عن يونس عن ابن وهب عنه

قول قتادة :
- رواه عنه ابن جرير عن سعيد عنه قال هم أعداء الله اليهود زكوا أنفسهم بأمر لم يبلغوه فقالوا : نحن ابناء الله وأحباؤه ، وقالوا :لا ذنوب لنا .

2⃣ وقيل أن تزكيتهم أنفسهم هو تقديمهم أطفالهم لإمامتهم في الصلاة لأنهم لا ذنوب لهم : ذكر هذا القول ابن عطية وابن كثير عن عكرمة وأبي مالك ومجاهد وذكره ابن كثير عن ابن عباس برواية ابن ابي حاتم

🔺تخريج الأقوال :
قول ابن عباس :
- رواه عنه ابن ابي حاتم من طريقه عن عكرمة عنه بتقديمهم ابناءهم للصلاة ؛أي اليهود ،قال ابن عباس : وكذبوا. قال اللّه إنّي لا أطهّر ذا ذنبٍ بآخر لا ذنب له"
- ورواه عنه الهمداني عن ابن ابي نجيح عنه بذلك
[عبد الرحمن بن الحسن الهمذاني ليس مصنف الكتاب، وإنما يرويه فقط
ويعتقد أن تفسير مجاهد منسوب خطأ لمجاهد وإنما هو تفسير آدم بن أبي إياس فهو ثابت في كل الأسانيد]

قول مجاهد :
- رواه عنه الرملي من رواية مسلم بن خالد الزنجي عن ابن أبي نجيح عنه أنهم ( أي اليهود )يقدمون أطفالهم ليؤمونهم في الصلاة يزعمون انهم لا ذنوب لهم فتلك التزكية [نفس الملحوظة بالنسبة للرملي، فهو راوي كتب، وننسب للكتاب الذي رواه بأن نقول: رواه مسلم بن خالد الزنجي عن ..]
- كما رواه عنه ابن جرير من طريق ابي عاصم عن عيسى ومن طريق أبي حذيفة عن شبل كلاهما عن ابن ابي نجيح عن مجاهد
- كما رواه عنه من طريق ابن جريج عن الأعرج عن مجاهد … قال ابن جريج هم اليهود والنصارى
- ورواه عنه عبد ابن حميد كما ذكر السيوطي [كما في الدر المنثور للسيوطي]

قول عكرمة :
- رواه عنه ابن جرير من طريق ابن ابي مكين عنه في اليهود والنصارى .

قول أبي مالك :
- رواه عنه ابن جرير من طريق سفيان عن حصين عنه في اليهود

🔺وذكر ابن ابي حاتم أن عكرمة وأبا مالك والسدي والضحاك قالوا بقول ابن عباس ولم يخرج قولهم

3⃣ وقيل بل تزكيتهم أنفسهم قولهم أن أبناءهم يشفعون لهمذكره ابن عطية وابن كثير عن ابن عباس
🔺تخريج قول ابن عباس :
- رواه عنه ابن جرير عن محمد بن سعد بطريقه عن ابن عباس أن ابيه أنهم قالوا إن أبناءنا توفوا وهم لنا قربة عند الله ويستشفعون لنا ويزكوننا

4⃣ وقيل أنه قولهم أنهم ليس لهم ذنوب كما ليس لأبنائهم ذنوبذكره ابن عطية عن الضحاك والسدي وابن كثير عن الضحاك كلاهما في اليهود

🔺تخريج الأقوال :
قول الضحاك :
ورد قول الضحاك بذكر ( أبنائنا ) في رواية ابن جرير ، وبقوله ( آبائنا ) في رواية ابن ابي حاتم ؛ والمعنى الأصح هو في كونه في الابناء لا الآباء والله اعلم
- رواه عنه ابن جرير من طريق عبيد بن سليمان عنه بقوله قالت يهود: ليست لنا ذنوبٌ إلاّ كذنوب أولادنا يوم يولدون، فإن كانت لهم ذنوبٌ، فإنّ لنا ذنوبًا، فإنّما نحن مثلهم

- وقول الضحاك رواه عنه ابن ابي حاتم عن ابي الازهر النيسابوري بطريقه عن علي بن الحكم عنه قال :فَإِنَّ اليَهُودَ قَالُوا: لَيْسَ لَنَا ذُنُوبٌ كَمَا أَنَّهُ لَيْسَ لآبَائِنَا ذُنُوبٌ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى ذَلِكَ فِيهِمْ.”

قول السدي :
- رواه عنه ابن جرير من طريق أحمد بن المفضل عن أسباط عنه قال : قالت اليهود: إنّا نعلّم أبناءنا التّوراة صغارًا فلا تكون لهم ذنوبٌ، وذنوبنا مثل ذنوب أبنائنا، ما عملنا بالنّهار كفّر عنّا باللّيل.…

5⃣ وقيل بل هو مدحهم وتزكيتهم بعضهم بعضاذكره ابن عطية عن ابن مسعود
🔺تخريج قول ابن مسعود :
رواه ابن جرير من طريقه عن طارق بن شهاب عن عبد الله بن مسعود قال :
إنّ الرّجل ليغدو بدينه، ثمّ يرجع وما معه منه شيءٌ. يلقى الرّجل ليس يملك له نفعًا ولا ضرًّا، فيقول: واللّه إنّك لذيت وذيت، فلعلّه أن يرجع، ولم يحلّ عن حاجته بشيءٍ، وقد أسخط اللّه عليه. ثمّ قرأ: {ألم تر إلى الّذين يزكّون أنفسهم} الآية.

وقول ابن مسعود هذا عام في ذم التمادح والتزكية لا يخص قوما … وهو على عموم معنى الآية

🔸ورجح ابن عطية وابن جرير قبله أن قولهم نحن أبناء الله وأحباؤه هو المراد بتزكيتهم أنفسهم
- قال ابن جرير : لأنّ ذلك هو أظهر معانيه لإخبار اللّه عنهم أنّها إنّما كانوا يزكّون أنفسهم دون غيرها ؛ وأمّا الّذين قالوا: معنى ذلك: تقديمهم أطفالهم للصّلاة، فتأويلٌ لا تدرك صحّته إلاّ بخبرٍ حجّةٍ يوجب العلم.


- وقال ابن عطية في تقديمهم أولادهم للصلاة : وهذا يبعد من مقصد الآية ؛
- وقال عند قوله تعالى ( انظر كيف يفترون على الله الكذب ): ويقوي أن التزكية كانت بقولهم نحن أبناء اللّه وأحبّاؤه ، إذ الافتراء في هذه المقالة أمكن .


والظاهر كما دلت الآيات في اليهود هو ترجيح ما رجح ابن جرير وابن عطية من أن التزكية المقصودة هي تزكيتهم أنفسهم بقولهم : ( نحن أبناء الله وأحباؤه ) وقولهم ( وقالوا لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى ) … وأن الآية تترجح في كونها نزلت في اليهود وان كانت تشمل أهل الكتاب كذلك [تأملي عبارة ابن كثير في تفسير الآية التالية ليفهم منها عموم العبارات التي زكى بها اليهود أنفسهم]
وأن المعنى في الآية عام وإن كانت قد نزلت لسبب مخصوص ؛إذ العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب كما مر … فهي في ذم تزكية النفس ومدحها ؛وذم التمادح بين الناس بعضهم بعضا …


🔹بَلِ اللّهُ يُزَكِّي مَن يَشَاء :
أي الله وحده هو يجعل من يشاء زاكيا ، فالمزكى من زكاه الله وحسنت أفعاله ، وهو وحده العالم بأحوال النفوس وبواطنها …حاصل ما ذكره ابن عطية وابن كثير
فهو تكذيب من الله لادعائهم ؛أي ليس الأمر كما زعمتم أنكم مطهرون مبرؤون من الخطايا بل أنتم تفترون على الله الكذب في ذلك … إذ لا يعلم الزاكي ولا يطهر النفوس الا هو ؛ فهو وحده من يزكيها … وليس المزكى من ادعى لنفسه ذلك بل من شهدت أفعاله في مرضاة الله بذلك .

🔹وَلاَ يُظْلَمُونَ فَتِيلاً
المعنى أي لا يظلمكم الله مقدار فتيل … ذكره الزجاج ؛
وقال ابن كثير :لا يترك من أجوركم مقدار ما يوزن الفتيل …

يظلمون :
الضمير في ( يظلمون ) عائد على المذكورين ممن زكى نفسه وممن زكاه الله ؛ ذكره ابن عطية
وذكر أن غير المذكورين هنا قد ورد في غير هذه الآية أنهم لا يظلمون
وعلى القراءة بتاء الخطاب أي أنتم يا من تزكون أنفسكم ومن يزكيهم الله لا تظلمون

فتيلا :
معنى الفتيل :ما فتل ، وهو على وزن فعيل بمعنى المفعول :أي المفتول الذي فتل …ذكره ابن عطية
ونصب لكونه مفعولا به ثانيا ليظلمون

المراد بالفتيل :
1⃣ قيل ما تفتله بين أصابعك من الوسخ ؛ذكره الزجاج ؛وذكره ابن عطية عن ابن عباس وأبي مالك والسدي ، كما ذكره ابن كثير من قول ابن عباس ؛ وذكره الفراء في معاني القرآن

🔺تخريج الأقوال :
قول ابن عباس :
- رواه عنه ابن جرير بطرق مختلفة أورد في تفسيره خمسا منها بأن الفتيل ما فتلت بين إصبعيك
ورواه ابن ابي حاتم بطريقه عن مجاهد عنه
ورواه عنه عبد بن حميد كما ذكر السيوطي

قول أبي مالك :
- رواه عنه ابن جرير من طريق حصين عنه قال الفتيل هو الوسخ الذي يخرج من بين الكفين

قول السدي :
رواه عنه ابن جرير من طريق أسباط عنه بذلك

🔺و ذكر ابن ابي حاتم أنه روي عن مجاهد وسعيد بن جبير وابي مالك والسدي بمثل ذلك ولم يخرجه

2⃣ وقيل بل هو ما كان في نواة التمر ؛ … ذكره الزجاج وابن عطية وابن كثير
فقيل ما كان في باطن النواة ؛وقيل ما كان من شق النواة ؛وقيل من ظهرها ؛ …

أ - ما كان في باطن النواة من لحائها …. ذكره الزجاج ولم ينسب القول ؛
وقد ورد هذا القول لعطاء وابن زيد والعوفي
🔺تخريج الأقوال :
▪قول عطاء :
رواه ابن وهب المصري وابن جرير عنه وابن ابي حاتم كلهم عن طلحة بن عمرو عن عطاء به

قول ابن زيد :
رواه عنه ابن جرير من طريق ابن وهب قال بذلك

وروى ابن جرير بطريقه عن عن قرة عن عطية قال الفتيل الذي في بطن النواة
وذكر اين أبي حاتم أه روي عن الحسن وعكرمة ومجاهد والضحاك وعطية العوفي وخصيف وقتادة بمثل ذلك ولم يخرجه
وذكره الفراء

ب - وقيل هو الخيط الذي في شق نواة التمر ذكره ابن عطية من قول ابن عباس ومجاهد وعطاء ، كما ذكر ابن كثير مثله وزاد أن ممن قال به الحسن وقتادة وعكرمة وذكره معمر بن المثنى ويحيى اليزيدي
🔺تخريج الأقوال :
قول ابن عباس :
رواه عنه ابن جرير وابن ابي حاتم كلاهما من طريق معاوية بن صالح عن علي بن ابي طلحة عنه بذلك

قول قتادة :
- رواه عبد الرزاق عن معمر عن قتادة قال به .
- كما رواه ابن جرير عن عبد الرزاق عنه

قول مجاهد :
- رواه عنه ابن جرير من طريقه عن ابن جريح عن ابن كثير انه سمع مجاهدا يقول بذلك
- كما رواه ابن جرير من طريق سفيان بن سعيد عن منصور عنه

قول الضحاك :
- رواه عنه ابن جرير بطريقه عن عبيد بن سليمان أنه سمع الضحاك قال انه شق النواة
- كما رواه بطريق اخر عن جويبر عن الضحاك بمثله

قول عطاء : وهوما ورد من قوله أن الفتيل ما يكون في بطن النواة .

ج - وقيل بل ما كان في ظهر النواة وهو الذي تنبت منه النخلة ذكره الزجاج ولم ينسبه

وكلها في نواة التمر مع اختلاف التعبير عنها بين ظهرها أو شقها أو بطنها ؛ والمراد التعبير عن الحقارة والصغر …

الغرض من ذكر الفتيل :
ذكر الفتيل كناية عن تحقير الشيء وتصغيره ؛ وفي ذلك تأكيد لعدل الله ؛فإن كان لا يظلم مقدار الفتيل ولا ما دونه في الصغر فكيف بما هو فوقه … ذكره ابن عطية …تعالى سبحانه عن الظلم علوا كبيرا

🔹ذم تزكية النفس :
هذه الآية كما مر تنهى عن تزكية النفس ومدحها ، وترجع الأمر كله لله فهو الذي يعلم ما تخفي الصدور ، وقد ورد في السنة والأثر النهي عن تزكية النفس أو مدح المرء أخاه المسلم في وجهه
وقد ذكر بعض هذه الآثار ابن كثير في تفسيره ، منها :
نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن مدح المرء اخاه :
- عن المقداد بن الأسود قال: أمرنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أن نحثو في وجوه المدّاحين التّراب. رواه مسلم

- عن عبد الرّحمن بن أبي بكرة، عن أبيه: أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم سمع رجلًا يثني على رجلٍ، فقال: "ويحك. قطعت عنق صاحبك". ثمّ قال: "إن كان أحدكم مادحًا صاحبه لا محالة، فليقل: أحسبه كذا ولا يزكّي على اللّه أحدًا". البخاري ومسلم

- وما روى معبد الجهني من حديث معاوية عن رسول الله قوله في حديث جاء في آخره ( وإيّاكم والتّمادح فإنّه الذّبح".رواه احمد ، وروى ابن ماجه هذا الجزء منه عن ابي بكر بن شيبة عن غندرٍ، عن شعبة به.

ما روي عن عمر في النهي عن تزكية المرء نفسه
عن نعيم بن أبي هندٍ قال: قال عمر بن الخطّاب: من قال: أنا مؤمنٌ، فهو كافرٌ. ومن قال: هو عالمٌ، فهو جاهلٌ. ومن قال: هو في الجنّة، فهو في النار … رواه احمد
- ورواه ابن مردويه، من طريق موسى بن عبيدة، عن طلحة بن عبيد اللّه بن كريزٍ، عن عمر أنّه قال: إن أخوف ما أخاف عليكم إعجاب المرء برأيه، فمن قال: إنّه مؤمنٌ، فهو كافرٌ، ومن قال: إنّه عالمٌ فهو جاهلٌ، ومن قال: إنّه في الجنّة، فهو في النّار.

ما ورد عن ابن مسعود في النهي عن التزكية للنفس :
عن طارق بن شهابٍ قال: قال عبد اللّه بن مسعودٍ: إنّ الرّجل ليغدو بدينه، ثمّ يرجع وما معه منه شيءٌ، يلقى الرّجل ليس يملك له نفعًا ولا ضرًّا فيقول له: واللّه إنّك كيت وكيت فلعلّه أن يرجع ولم يحلّ من حاجته بشيءٍ وقد أسخط اللّه. ثمّ قرأ {ألم تر إلى الّذين يزكّون أنفسهم} الآية.رواه ابن جرير

🔺وفي هذه الآثار بيان لخطورة مدح المرء نفسه لما فيه من اغترار بها واطمئنان مع التقصير مما قد يقعد المرء عن الاستكثار من العمل اذ يظن انه بلغ الغاية ؛ مع ان عبادته وان اجتهد في جنب نعم الله لا تساوي شيئا ؛ قال تعالى ( ولا تمنن تستكثر )
كما فيها بيان خطر ان يمدح المرء أخاه في وجهه إذ يغرره بنفسه ؛ والأصل ان المسلم مرآة أخيه يبصره بنفسه ليعينه على إصلاحها


🔸 انظُرْ كَيفَ يَفْتَرُونَ عَلَى الله الكَذِبَ وَكَفَى بِهِ إِثْمًا مُّبِينًا
المعنى الإجمالي للآية :
أي العجب كل العجب من هؤلاء الذين زكوا أنفسهم من عند أنفسهم افتراء وجرأة على الله ؛ وكفى بصنيعهم هذا إثما ظاهرا بينا إذ ليس بعده إثم ولا يطلب لهم سواه لعظمه … حاصل ما ذكره ابن عطية وابن كثير

🔹انظُرْ كَيفَ يَفْتَرُونَ عَلَى الله الكَذِبَ
أي انظر يا محمد إلى صنيعهم هذا

كيف : في موضع نصب ب( يفترون ) ؛ ويصح أن تكون مرفوعة على الابتداء خبرها يفترون …ذكره ابن عطية
يفترون :
أ. معنى الافتراء :
من فرى يفري ؛ يقال فرى الرجل يفري إذا عمل ، وإذا قطع زمن هذا فريت جلده …ذكره الزجاج

ب. المراد بالافتراء هنا :
تزكيتهم أنفسهم بما ورد من أقوال كادعائهم أنهم أبناء الله وأحباؤه ، وادعائهم أن لهم الجنة ، وأن النار لن تمسهم إلا أياما معدودة ، وأنهم مغفورة ذنوبهم بصلاح آبائهم وهو افتراء وكذب
حاصل ما ذكره الزجاج وابن عطية وابن كثير

ورجح ابن عطية أن يكون المقصود بالتزكية هو ادعاؤهم أنهم أبناء الله لأن الفرية والكذب على الله في هذا الادعاء أمكن من غيرها
وذكر ابن كثير بطلان ظنهم أن صلاح الآباء يجزئ عن الأبناء بقوله تعالى ( تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم )

🔹وَكَفَى بِهِ إِثْمًا مُّبِينًا :
كفى :أي اكتف بذلك ، وهي للتعجب من عظيم فعلهم
به :الباء لتدل على معنى الأمر التعجب
إثما : منصوب على التمييز …. ذكره الزجاج وابن عطية
مبينا : ظاهرا واضحا ذكره ابن كثير

أي كفى بصنيعهم هذا إثما ظاهرا بينا إذ ليس بعده إثم ولا يطلب لهم سواه لعظمه …


التقويم: أ+
أحسنتِ، بارك الله فيكِ ونفع بكِ.

رد مع اقتباس
  #14  
قديم 6 ذو الحجة 1441هـ/26-07-2020م, 01:45 AM
هيئة التصحيح 11 هيئة التصحيح 11 غير متواجد حالياً
هيئة التصحيح
 
تاريخ التسجيل: Jan 2016
المشاركات: 2,525
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة علاء عبد الفتاح محمد مشاهدة المشاركة
القسم السابع من سورة النساء(49-50) بعد مراجعة الملاحظات التي ذكرتها الأستاذة نورة بعد التصحيح
تفسير قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنفُسَهُمْ بَلِ اللّهُ يُزَكِّي مَن يَشَاء وَلاَ يُظْلَمُونَ فَتِيلاً (49) انظُرْ كَيفَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللّهِ الكَذِبَ وَكَفَى بِهِ إِثْمًا مُّبِينًا (50)}

تفسير قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنفُسَهُمْ بَلِ اللّهُ يُزَكِّي مَن يَشَاء وَلاَ يُظْلَمُونَ فَتِيلاً (49)}
==متعلق نزول الآية.
هذه الآية نزلت في اليهود، وسيأتي في المسألة التالية بيان الأقوال الواردة عن السلف بالتفصيل.
[لفظ رواية الحسن وقتادة (( في اليهود والنصارى ))، وهذه المسألة يفضل أن تكون صياغتها ( المراد بـ " الذين " )]
==سبب نزول هذه الآية
قيل في سبب نزولها عدة أقوال منها:
-الأول: أنها نزلت في اليهود حين قالوا: {نحن أبناء اللّه وأحبّاؤه}
قاله الحسن وقتادة.
وقد رواه عنهما ابن جرير الطبري في تفسيره، وروى قول الحسن أيضا عبد الرزاق وابن أبي حاتم كلاهما عن معمر عنه، وذكره ابن كثير. [يمكن إجمال صياغة التخريج: رواه عبد الرزاق وابن جرير وابن أبي حاتم من طريق ..]
-الثاني: أنها نزلت في اليهود حين قالوا: {نحن أبناء الله وأحبّاؤه} [المائدة:18]، وفي قولهم: {وقالوا لن يدخل الجنّة إلا من كان هودًا أو نصارى} [البقرة:111].
قاله ابن زيدٍ.
وقد رواه ابن جرير الطبري في تفسيره عن يونس عن وهب عنه، وذكره ابن كثير.
-الثالث: أنها نزلت بسبب اليهود الذين كانوا يقدّمون الصّبيان أمامهم في الدّعاء والصّلاة يؤمّونهم، ويزعمون أنّهم لا ذنب لهم.
قاله ابن عباس في أحد الروايات عنه، ومجاهد وعكرمة، وأبو مالكٍ، وقتادة، وأبي مكين، والضحاك
روى ذلك عنهم ابن جريرٍ، وذكره ابن كثير.
أما قول مجاهد فرواه الطبري وابن المنذر كلاهما عن ابن ابي نجيح عنه.
وروى الطبري هذا القول عن حصين عن أبي مالك.
ورواه عن أبي مكين عن عكرمة.
ورواه عن قتادة أيضا ابن المنذر في تفسيره عن سعيد عنه.
وأما رواية ابن عباس فرواها ابن أبي حاتم في تفسيره عن عكرمة عنه، ثم قال:
وروي عن مجاهدٍ، وأبي مالكٍ، والسّدّيّ، وعكرمة، والضّحّاك -نحو ذلك.
وروايته عن الضحاك قد رواها ابن أبي حاتم في تفسيره عن علي بن الحكم عنه، وهي مهمة لأنها توضح وجه هذا القول وهو أنهم أرادوا بقولهم هذا المساواة بينهم وبين أبنائهم فكما أنهم لا ذنوب لهم فهم كذلك لا ذنوب لهم.
عَنِ الضَّحَّاكِ: أَمَّا قَوْلُهُ: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أنفسهم فَإِنَّ اليَهُودَ قَالُوا: لَيْسَ لَنَا ذُنُوبٌ كَمَا أَنَّهُ لَيْسَ لآبَائِنَا ذُنُوبٌ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى ذَلِكَ فِيهِمْ.
-الرابع: أنها نزلت لأنّ اليهود قالوا: إنّ أبناءنا توفّوا وهم لنا قربةٌ، وسيشفعون لنا ويزكّوننا، فأنزل اللّه على محمّدٍ [صلّى اللّه عليه وسلّم] {ألم تر إلى الّذين يزكّون أنفسهم بل اللّه يزكّي من يشاء ولا يظلمون فتيلا}
هذا القول روي عن ابن عباس.
فقد رواه ابن جرير الطبري عن محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس
ورواه ابن أبي حاتم عن عكرمة عنه، وذكرهما ابن كثير.
-الخامس: قيل نزلت في ذمّ التّمادح والتّزكية.
ودليل هذا هو الأصل العام بالنهي عن المدح والتزكية للنفس أو الغير بما يتجاوز الحق وأدلته كثيرة منها:
*ما جاء في الحديث الصّحيح عند مسلمٍ، عن المقداد بن الأسود قال: أمرنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أن نحثو في وجوه المدّاحين التّراب.
*وفي الحديث الآخر في الصّحيحين من طريق خالدٍ الحذاء، عن عبد الرّحمن بن أبي بكرة، عن أبيه: أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم سمع رجلًا يثني على رجلٍ، فقال: "ويحك. قطعت عنق صاحبك". ثمّ قال: "إن كان أحدكم مادحًا صاحبه لا محالة، فليقل: أحسبه كذا ولا يزكّي على اللّه أحدًا".
*وما رواه أحمد وابن مردويه، عن عمر أنّه قال: إن أخوف ما أخاف عليكم إعجاب المرء برأيه، فمن قال: إنّه مؤمنٌ، فهو كافرٌ، ومن قال: إنّه عالمٌ فهو جاهلٌ، ومن قال: إنّه في الجنّة، فهو في النّار.
*وروى ابن جريرٍ: عن طارق بن شهابٍ قال: قال عبد اللّه بن مسعودٍ: إنّ الرّجل ليغدو بدينه، ثمّ يرجع وما معه منه شيءٌ، يلقى الرّجل ليس يملك له نفعًا ولا ضرًّا فيقول له: واللّه إنّك كيت وكيت فلعلّه أن يرجع ولم يحلّ من حاجته بشيءٍ وقد أسخط اللّه. ثمّ قرأ {ألم تر إلى الّذين يزكّون أنفسهم} الآية.
وسيأتي بعد قليل الكلام على هذه الأقوال.

==القراءات الواردة في الآية
- قرأت طائفة «ولا تظلمون» بالتاء على الخطاب. ذكره ابن عطية.

==معنى السؤال في قوله تعالى (ألم تر)
معناه كما ذكر أهل اللغة: ألم تعلم
وتأويله سؤال فيه معنى الإعلام، أي أعلم قصتهم وعلى مجرى اللغة ألم ينته علمك إلى هؤلاء المدعون.
هذا حاصل ما ذكره الزجاج وابن عطية.

==ومعنى قوله تعالى: : {يزكون أنفسهم}
أي: يزعمون أنهم أزكياء. ذكره الزجاج وابن عطية.

==معنى الزكاء
زكاء الشيء في اللغة: نماؤه في الصلاح. قاله الزجاج في تفسيره

==مرجع الضمير في قوله "أنفسهم"
قال الزجاج عند هذا الموضع:
(وهذا أيضا يعني به اليهود، وكانوا جاؤوا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - بأطفالهم فقالوا: يا محمد أعلى هؤلاء ذنوب؟ فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - ((لا))، فقالوا كذا نحن، ما نعمل بالليل يغفر بالليل، وما نعمل بالنهار يغفر بالنهار) انتهى
ومع هذا فإن اللفظ عام كما ذكر ابن عطية عند هذا الموضع.

==الأمر الذي زكوا به أنفسهم
اختلف فيه على أقوال تقدم ذكرها جميعا في المسألة الأولى وهي "سبب النزول" ويمكن تلخيصها في أمرين:
-أحدها: أنهم ادعوا أنهم أبناء الله وأحباؤه، وأنهم قالوا لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى.
قال به قتادة والحسن وغيرهما وسبق ذكر وتخريج هذه الأقوال عند سبب النزول.
-وثانيها: أنه قولهم: لا ذنوب لنا وما فعلناه نهارا غفر ليلا، وما فعلناه ليلا غفر نهارا، ونحن كالأطفال في عدم الذنوب، أو أن لهم أبناء ماتوا وسيشفعوا لهم ما وقع منهم.
قال به الضحاك والسدي وغيرهما وسبق ذكر وتخريج هذه الأقوال عند سبب النزول.

**مناقشة القولين
بالنظر لهذين القولين نجد أنهما يجمعهما أصل كلي وهو أنهم يزكون أنفسهم إما من قبل أنفسهم في الدنيا بادعاء أنهم أبناء الله وأحباؤه، أو من قبل غيرهم وهم أبناؤهم في الآخرة بشفاعتهم لهم.
ويؤيده ما ذكره ابن عطية عن عبد الله بن مسعود: ذلك ثناء بعضهم على بعض، ومدحهم لهم وتزكيتهم لهم.

وقد أورد ابن عطية قولا آخر وهو: تقديمهم أولادهم الصغار للصلاة لأنهم لا ذنوب لهم، ثم قال عنه أنه بعيد عن مقصد الآية.
وقال الطبري عنه " وأما الذين قالوا: معنى ذلك: "تقديمهم أطفالهم للصلاة"، فتأويل لا تدرك صحته إلا بخبر حجة يوجب العلم.

والذي يظهر لي أن استبعاد هذا القول منهما هو على سبيل استقلاله بأنه المراد، فيكون بعيدا
وأما إذا جمعناه مع القول المروي عن ابن عباس فإنه يتضح الأمر ويكون وجه هذا القول ظاهر، فإنهم لما جعلوا أبناءهم لا ذنوب لهم ترتب على ذلك منهم أمرين :
أحدهما: تقديمهم لهم في الصلاة.
والآخر: أنهم سيشفعون لهم في الآخرة.
وهذا الأمر هو الذي يبين وجه هذا القول وعلاقته بالآية وهو مروي عن ابن عباس وغيره كما تقدم. والله أعلم.

وقد قال أبو جعفر الطبري بعد ذكر الأقوال: (وأولى هذه الأقوال بالصواب، قول من قال: معنى "تزكية القوم"، الذين وصفهم الله بأنهم يزكون أنفسهم، وَصفهم إياها بأنها لا ذنوب لها ولا خطايا، وأنهم لله أبناء وأحبّاء، كما أخبر الله عنهم أنهم كانوا يقولونه. لأن ذلك هو أظهر معانيه، لإخبار الله عنهم أنهم إنما كانوا يزكون أنفسهم دون غيرها.)
وهذا القول منه يندرج فيه كلا القولين
[ونسب ابن عطية لابن عباس قوله بأن المراد: قول اليهود أن أبناءهم الذين ماتوا سيشفعون لهم، ونسب كذلك القول لابن مسعود بأن المراد تزكية بعضهم لبعض
وبالرجوع لتفسير ابن جرير، يمكنك التحقق من صحة استخراج ابن عطية لهذه الأقوال بالنظر لنص الروايات.
وبتأمل عبارة ابن كثير في تفسير الآية التالية، يمكننا القول بالعموم، عموم كل ما زكوا به أنفسهم]
]


== قوله تعالى: {بل اللّه يزكّي من يشاء}
أي: يجعل من يشاء زاكيا، لأنّه عالمٌ بحقائق الأمور وغوامضها سبحانه وتعالى. حاصل ما ذكره الزجاج وابن عطية وابن كثير.

== {ولا يظلمون فتيلا}
أي أن الله تبارك وتعالى لا يظلمهم مقدار الفتيل. حاصل ما ذكره الزجاج وابن عطية وابن كثير.
[الفتيل فعيل بمعنى المفعول أي كل ما فُتل، وهذا الأمر يعينك بعد ذلك في بحث مسألة المراد بالفتيل، إذ يحمل على العموم]
==معنى "فتيلا" [المراد]
قيل في معناه هنا قولان:
-قيل "الفتيل" ما تفتله بين إصبعيك من الوسخ.
قاله ابن عباس في أحد الروايتين عنه وأبو مالك والسدي. وقد ذكره ابن عطية وابن كثير.
وقول ابن عباس رواه ابن المنذر النيسابوري في تفسيره عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ التَّمِيمِيِّ، قَالَ: سُئِلَ ابْنُ عَبَّاسٍ عَنْ قوله جَلَّ ثَنَاؤُهُ " {وَلا يُظْلَمُونَ فَتِيلا} ، قَالَ: هُوَ الَّذِي يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الأَصَابِعِ " وكذا ورواه ابن أبي حاتم في تفسيره عن مجاهد عنه. ثم قال :
وَرُوِيَ عَنْ مُجَاهِدٍ فِي إِحْدَى الرِّوَايَاتِ- وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَأَبِي مَالِكٍ، وَالسُّدِّيِّ نَحْوُ ذَلِكَ.
ورواه الطبري في تفسيره عن قابوس عن أبيه، وعن أبي إسحاق الهمداني، عن التيمي، وعن أبي العالية ومجاهد كلهم عن ابن عباس بألفاظ متقاربة.
وقول أبي مالك رواه الطبري في تفسيره عن حصين عنه.
وقول السدي رواه الطبري في تفسيره عن أسباط عنه.

-وقيل: "الفتيل" الخيط الذي في شق نواة التمرة
قاله ابن عباس وعطاء ومجاهد وغيرهم
فعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: " النَّقِيرُ النَّقْرَةُ تَكُونُ فِي النَّوَاةِ الَّتِي تَنْبُتُ مِنْهَا النَّخْلَةُ، وَالْفَتِيلُ: الَّذِي يَكُونُ فِي شَقِّ النَّوَاةِ، وَالْقِطْمِيرُ: الْقِشْرُ الَّذِي يَكُونُ عَلَى النَّوَاةِ "
رواه ابن المنذر في تفسيره عن عكرمة عنه، وابن أبي حاتم والطبري كلاهما عن علي بن أبي طلحة عنه.
وأما قول عطاء فرواه ابن أبي حاتم والطبري كلاهما في تفسيره عن وكيع عن طلحة بن عمرو عنه.
وأما قول مجاهد فقد رواه الطبري وابن المنذر كلاهما في تفسيره عن ابن جريج عنه.
وقال الزجاج: هو ما كان في باطن النّواة من لحائها، قالوا في التفسير: ما كان في ظهرها وهو الذي تنبت منه النخلة.
-ممن ذكر هذين المعنيين الزجاج في تفسيره، وابن عطية، وابن كثير
وقال ابن عطية: "وهذا كله يرجع إلى الكناية عن تحقير الشيء وتصغيره، وأن الله لا يظلمه، ولا شيء دونه في الصغر" وقال ابن كثير عن القولين أنهما متقاربان. [يفضل تخصيص مسألة لهذه الجملة، وهي دلالة التعبير بقوله " فتيلا " أو دلالة تعدية فعل الظلم بـ " فتيلا" ]


======================================================================================================================
تفسير قوله تعالى: {انظُرْ كَيفَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللّهِ الكَذِبَ وَكَفَى بِهِ إِثْمًا مُّبِينًا (50)}

==معنى "يفترون"
-أي: يفعلونه ويختلقونه.
يقال: قد فرى الرجل يفري إذا عمل، قاله الزجاج.

==المراد بالكذب الذي افتروه.
-قيل إنه الكذب في التزكية المتقدمة في الآية السابقة، مثل قولهم ودعواهم أنّهم أبناء اللّه وأحبّاؤه وقولهم: {لن يدخل الجنّة إلا من كان هودًا أو نصارى} [البقرة:111] وقولهم: {لن تمسّنا النّار إلا أيّامًا معدودةً} [البقرة:80]، وغير ذلك مما تقدم بيانه.
فقد روي عن ابن عباس قَوْلَهُ: يَفْتَرُونَ قَالَ: يَكْذِبُونَ.
وهذا القول رواه ابن أبي حاتم في تفسيره عن أبي روق عن الضحاك عنه.
-وقيل يشركون
قال به قتادة
وقد رواه ابن ابي حاتم في تفسيره عن يزيد بن زريع عن سعيد عنه.
-وقيل: ادعائهم شفاعة آلهتهم الباطلة يوم القيامة
قاله عكرمه
فقد روي عنه أنه قال: قَالَ النَّضْرُ وَهُوَ مِنْ بَنِي عَبْدِ الدَّارِ: إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ شَفَعَتْ لِي اللاتُ وَالْعُزَّى فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً
رواه عنه ابن أبي حاتم في تفسيره.
وهو يفسر القول الذي يسبقه من أن المراد "يشركون"، فالمذكور هنا من الشرك، وهو أيضا راجع للقول الأول فهو كذب فلا إله إلا الله سبحانه وتعالى، ولا شفاعة إلا لمن رضي الله وأذن له ولا تكون إلا لأهل التوحيد، فلن تكون هناك شفاعة للآلهة المزعومة لأن الله لا يرضى عنها، وكذا الكفار لأن الله لا يرضى عنهم ولا يأذن لهم.

==فائدة دخول الباء في قوله تعالى: {وكفى به إثما مبينا}

دخلت الباء لتدل على معنى الأمر بالتعجب، فهو خبر وهو متضمن التعجب.

==معنى قوله تعالى "وكفى به إثما"
المعنى أنه يكفي من الإثم هذا الكذب ولا يطلب لهم غيره، فهو موبق ومهلك لهم.


والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.


التقويم: أ
أحسنت، بارك الله فيك، وأشكر لك جهدك في إعادة التلخيص.

رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
المجلس, السابع

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
إبحث في الموضوع:

البحث المتقدم
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 09:40 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir