رسالة في تفسير قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (3)}
- نزلت هذه الآية وما قبلها وما بعدها في خولة بنت ثعلبة حينما ذهبت إلى النبي صلى الله عليه وسلم تشتكي له زوجها أوس بن الصامت حينما ظاهر منها .
- والظهار هو : أن يقول الرجل لزوجته : أنت علي كظهر أمي , أو غيرها من محارمه , أو يقول لها : أنت علي حرام .
- وهو محرم ومنكر من القول وزورا .
- واختلف في المراد من قوله : ( ثم يعودون لما قالوا ) إلى عدة أقوال ذكرها ابن كثير :
الأول : أن يعود إلى لفظ الظهار ويكرره . وهو قول أهل الظاهر وبعض المتكلمين .
الثاني : أن يمسكها بعد الظهار زمنا يمكنه أن يطلق فيه فلا يطلق . وهو قول الشافعي .
الثالث : أن يعود إلى الجماع أو يعزم عليه فلا تحل له حتى يكفر بهذه الكفارة . وهو قول سعيد بن جبير وأحمد بن حنبل ومالك .
الرابع : أن يعود للظهار بعد تحريمه . وهو قول أبو حنيفة وأصحابه والليث .
الخامس : الغشيان في الفرج . وهو قول الحسن البصري .
السادس : الكفارة، والمعنى: أنه لا يستبيح وطأها إلا بكفارة، وبه قال الليث بن سعد، وروي عن أبي حنيفة. ذكره الشوكاني .
والقول الأول غير صحيح ؛ بل هو باطل كما ذكر ذلك ابن كثير , والحديث الوارد في سبب النزول يدفع هذا القول , قال ابن العربي -في أحكام القرآن- : فأما القول بأنه العود إلى لفظ الظهار فهو باطل قطعا لا يصح عن بكير، وإنما يشبه أن يكون من جهالة داود وأشياعه. وقد رويت قصص المتظاهرين وليس في ذكر الكفارة عليهم ذكر لعود القول منهم، وأيضا فإن المعنى ينقضه، لأن الله تعالى وصفه بأنه منكر من القول وزور، فكيف يقال له إذا أعدت القول المحرم والسبب المحظور وجبت عليك الكفارة، وهذا لا يعقل، ألا ترى أن كل سبب يوجب الكفارة لا تشترط فيه الإعادة من قتل ووطئ في صوم أو غيره.
ويجمع باقي الأقوال في قولين :
الأول : العزم على الجماع . ودل على ذلك أن الله جعل الكفارة قبل المسيس , وذلك يكون بمجرد العزم .
الثاني : حقيقة الوطء . ودل على ذلك أن الله تعالى قال : ( ثم يعودون لما قالوا ) , والذي قالوا إنما هو الوطء .
ويصح حمل المعنى في الآية على القولين لدلالاته عليهما .
وتتعلق بهذه الآية مسائل :
الأولى : أنه إذا ظاهر منها ثم وطئها ثم ماتت فلا بدّ من الكفارة لأنه وطىء بعد الظهار .
الثانية : إذا علق ظهاره بشرط لم يلزمه الظهار إلا مع فعل ذلك الشرط .
الثالثة : إذا أجمع بعد الظهار على إمساكها وإصابتها فقد وجبت عليه الكفارة ، فإن طلقها بعد الظهار ولم يُجْمعْ على إمساكها وإصابتها فلا كَفارةَ عليه ، وإن تزوجها بعد ذلك لم يمسّها حتى يكفّر كفارة الظهار . وهو قول مالك .
الرابعة : إن أمكنه أن يطلقها بعد الظهار فلم يطلّق فقد وجبت الكفارة ماتت أو عاشت . وهو قول الشافعي .
- وفي هذه الآية ذكرت الرقبة مطلقة غير مقيدة , أما في آية القتل ذكرت مقيدة بالإيمان ؛ فحمل الإمام الشافي رحمه الله المطلق في آية الظهار على المقيد في آية القتل , فاشترط في الرقبة الإيمان لاتحاد الموجب , واعتضد بحديث الجارية السوداء التي قال الله فيها : ( اعتقها فإنها مؤمنة ) .
- واختلف في المراد بالمسيس إلى أقوال :
الأول : لا يقربها بنكاح ولا غيره . وهو قول ابن عباس .
الثاني : أن يغشاها دون الفرج . وهو قول الحسن .
- { ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ } أي : تزجرون به , أي : فَعَلَ ذلك ؛ عظةً لكم لتنتهوا عن الظهار .
- { وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ } أي : خبير بما يصلحكم ، عليم بأحوالكم .
والله أعلم