دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > علوم اللغة > متون علوم اللغة العربية > الأدب > بانت سعاد

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 19 محرم 1430هـ/15-01-2009م, 08:57 PM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,453
افتراضي شرح البردة (4/7): يمشي القراد عليها ثم يزلقه ... منها لبان وأقراب زهاليل


21- يَمْشِي القرادُ عليها ثم يُزْلِقُهُ = منها لَبَانٌ وأقرابٌ زَهالِيلُ
22- عَيْرَانَةٌ قُذِفَتْ بالنَّحْضِ عن عُرُضٍ = مِرْفَقُها عن بناتِ الزُّورِ مَفْتُولُ
23- كأنما فَاتَ عَيْنَيْها ومَذْبَحَها = مِن خَطْمِها ومِن اللَّحْيَيْنِ بِرْطِيلُ
24- تُمِرُّ مِثلَ عَسيبِ النخْلِ ذا خُصَلٍ = في غارِزٍ لم تُخَوِّنْهُ الأَحَالِيلُ
25- قَنْوَاءُ في حَرَّتَيْها للبصيرِ بها = عِتْقٌ مُبينٌ وفي الْخَدَّيْنِ تَسهيلُ
26- تَخْذِي على يَسَرَاتٍ وهي لاحِقَةٌ = ذَوَابِلٌ مَسُّهُنَّ الأرْضُ تَحليلُ
27- سُمْرُ العُجاياتِ يَتْرُكْنَ الْحَصَى زِيَمًا = لم يَقِهنَ رؤوسَ الأُكْمِ تَنْعِيلُ
28- كأنَّ أَوْبَ ذِراعَيْها إذا عَرِقَتْ = وقد تَلَفَّعَ بالْقُوْرِ الْعَسَاقِيلُ
29- يومًا يَظَلُّ به الْحِرْباءُ مُصْطَخِدًا = كأنَّ ضَاحِيَه بالْشَّمْسِ مَمْلُولُ


  #2  
قديم 20 محرم 1430هـ/16-01-2009م, 08:39 AM
حفيدة بني عامر حفيدة بني عامر غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: بلاد الحرمين .
المشاركات: 2,423
افتراضي شرح الخطيب يحيى بن علي التبريزي

21- يَمْشِي القُرَادُ علَيْها ثمَّ يُزْلِقُهُ منها لَبَانٌ وَأَقْرَابٌ زَهَالِيلُ

ويُرْوَى:(إذا القُرَادُ نَمَى فيهنَّ أزْلَفَهُ. يَصِفُها بالسمنِ والمَلاسةِ، إذا دَبَّ القُرَادُ عليها لا ينْبُتُ عليها لمَلاسَتِها، وقولُهُ: نَمَى؛ أي: ارْتَفَعَ.
واللَّبَانُ: منْ صدرِ الفرسِ حيثُ يَجْرِي عليهِ اللَّبَبُ، وكذلكَ من الناقةِ، والأَقْرَابُ: جمعُ قُرَبٍ، وهيَ الخاصرةُ.
والزَّهَالِيلُ: المُلْسُ واحدُها زُهْلُولٌ، قالَ الشَّنْفَرَى:

ولِي دُونَكُمْ أَهْلَوْنَ سِيدٌ عَمَلَّسٌ وَأَرْقَطُ زُهْلُولٌ وَعَرْفَاءُ جَيْأَلُ

سِيدٌ: يَعْنِي ذِيباً، والعَمَلَّسُ: منْ أسماءِ الذِّيبِ، وأصلُهُ من العَمْلَسَةِ وهيَ السُّرْعَةُ. والأَرْقَطُ، يَعْنِي بهِ النَّمِرَ، والعَرْفَاءُ: منْ صفاتِ الضَّبُعِ، وجَيْأَلُ: اسمٌ لها معرفةٌ لا يَنْصَرِفُ ].

22- عيْرَانَةٌ قُذِفَتْ بالنَّحْضِ عنْ عُرُضٍ مَرْفَقُها عنْ بَنَاتِ الزَّوْرِ مَفْتُولُ

عَيْرَانَةٌ: ناقةٌ صُلْبَةٌ تُشْبِهُ عيرَ الوحشِ في صَلابَتِها.
النَّحْضُ: اللحمُ، وعنْ عُرُضٍ: أيْ عن اعتراضٍ. وقولُهُ قُذِفَتْ بالنَّحْضِ: أيْ رُمِيَتْ بهِ، يَعْنِي أنَّها سَمِنَتْ عن اعتراضٍ كأنَّها تَعْتَرِضُ في مَرْتَعِها.
والزَّوْرُ: الصَّدْرُ، وبناتُ الصَّدْرِ: ما حَوَالَيْهِ ممَّا يتَّصِلُ بهِ من الأضلاعِ، يعني أنَّ مِرْفَقَها جافٍ فهوَ يَنْبُو عن الصدرِ، وإذا كانَ كذلكَ كانَ أجْوَدَ لها فلا يُصِيبُها ضاغطٌ ولا نَاكِسٌ. والمَفْتُولُ: المُدْمَجُ المُحْكَمُ.

23- كأنَّ ما فَاتَ عَيْنَيْهَا ومَذْبَحَهَا منْ خَطْمِهَا ومِن اللِّحْيَيْنِ بِرْطِيلُ

مَذْبَحُها: مَنْحَرُها، وأصلُ الخَطْمِ الموضعُ الذي يقعُ عليهِ الخِطَامُ. وذكرَ أبو عُبيدةَ أنَّ الخطمَ الأنفُ، وهذا أحدُ ما ردَّ عليهِ، ويحْتَمِلُ أنْ يكونَ الأنفُ لمَّا كانَ الخطامُ يقعُ عليهِ سمَّوْهُ خَطْماً، وإنْ كانَ شارَكَهُ في وقوعِ الخطامِ عليهِ غيرُهُ؛ لأنَّ الخطامَ يجمعُ الأنفَ وغيرَهُ كمَا سمَّوْهُ مَرْسِناً، وأصْلُهُ من الدابَّةِ الموضعُ الذي يقعُ عليهِ الرَّسَنُ، ثمَّ استُعْمِلَ في الناسِ وغيْرِهِم.
وقالَ العَجَّاجُ يَصِفُ امرأةً:

أَزَمَّانَ أَبْدَتْ وَاضِحاً مُفْلِجَا
أَغَرَّ برَّاقاً وطَرْفاً أَبْرَجَا
ومُقْلَةً وَحَاجِباً مُزَجَّجَا
وَفَاحِماً ومَرْسِناً مُسَرَّجَا

يُقَالُ: أنفٌ مُسَرَّجٌ، قالَ الأصمعيُّ: ما كُنْتُ أَعْرِفُ المُسَرَّجَ ولَمْ أسمَعْهُ إلاَّ للعَجَّاجِ، فَسَأَلْتُ أعرابيًّا عنها، فقالَ: أتَعْرِفُ السُّرَيْجِيَّاتُ؟ ( يَعْنِي السُّيُوفَ )، فقُلْتُ: نَعَمْ، فقالَ: ذلكَ أَرَادَ.
يعني أنَّ الأنفَ دقيقٌ كالسيفِ السُّرَيْجِيِّ، وهوَ منسوبٌ إلى قَيْنٍ يُسَمَّى سُرَيْجِيًّا.
واللِّحْيَانِ: العظْمَانِ اللَّذَانِ تَنْبُتُ عليهما اللِّحْيَةُ من الإنسانِ، وكذلكَ من الحيوانِ غيرِ الناسِ.
والبِرْطِيلُ: حجرٌ مستطيلٌ، وإنَّما وصَفَها بكِبَرِ الرأسِ وعظَمِهِ.

24- تَمُرُّ مِثْلَ عَسِيبِ النخلِ ذا خُصَلٍ في غَارِزٍ لمْ تَخَوَّنْهُ الأَحَالِيلُ

أيْ: تُمِرُّ ذَنباً مثلَ عَسيبِ النخلِ، والخُصَلُ: جمعُ خُصْلَةٍ من الشعرِ.والغَارِزُ: ها هنا الضَّرْعُ، وأصْلُهُ منْ قولِهِم: غَرَزْتُ الناقةَ وغيْرَها، إذا قَلَّ لبَنُها، وأكثرُ ما يُستعملُ في الأُتُنِ، كما قالَ الشَّمَّاخُ:

كأنَّ قُتُودِي فوقَ جَأْبٍ مُطَرَّدٍ من الحَقْبِ لاحَتْهُ الْجدَاءُ الغَوَارِزُ

شَبَّهَ ناقَتَهُ بحمارِ الوحشِ.والجَأْبُ:الصُّلْبُ الغليظُ.والمُطَّرِدُ: الذي قدْ طَرَدَتْهُ القُنَّاصُ، والحَقْبُ: جمعُ أحْقَبَ وحَقْبَاءَ، وهوَ الذي في موضعِ حَقْوَيْهِ بياضٌ. لاحَتْهُ: غَيَّرَتْهُ، والجدَاءُ جمعُ جَدَّاءَ، وهيَ التي قد انقطعَ لبَنُها، والغَوَارِزُ: جمعُ غَارِزٍ.
وقولُهُ: ( لمْ تَخَوَّنْهُ الأَحَالِيلُ )، تَخَوَّنَهُ: تَنَقَّصَهُ، يُقَالُ تَخَوَّنَهُ إذَا تعَهَّدَهُ. وفي الحديثِ: كانَ النبيُّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ يتَخَوَّلُنَا بالموعظةِ مخافةَ السَّآمَةِ علَيْنَا؛ أيْ: يتَعَهَّدُنَا، وَيُرْوَى: يَتَخَوَّنُنَا، ويُرْوَى: يَتَخَوَّلُنا.
وقالَ ذُو الرُّمَّةِ في أنَّ التَّخَوُّنَ في معنى العَهْدِ، يصفُ الغزالَ:

لا يَنْعَسُ الطَّرْفُ إلاَّ مَا تَخَوَّنَهُ دَاعٍ يُدَانِيهِ باسمِ المِاءِ مَبْغُومُ

قولُهُ: ( باسْمِ المِاءِ ) بكسرِ الميمِ؛ لأنَّهُ أرادَ حكايَةَ صوتِ الظَّبْيَةِ وهوَ يقولُ: مَا مَا. والمبغومُ من البُغَامِ وهوَ صَوْتُهَا.
وقولُهُ: ( لمْ تَخَوَّنْهُ الأَحَالِيلُ )، جمعُ إحليلٍ، وهوَ الموضعُ الذي يخرجُ منهُ اللَّبَنُ، يقولُ: لمْ تَنْقُصْهُ الأحاليلُ، يعني: أنَّهُ قدْ يَبِسَ لبَنُها فلا تَضْعُفُ لذلكَ، وإذا كانَت الناقةُ حَائِلاً لا تُحْلبُ كانَ أقْوَى لها على السيرِ، والهاءُ في (لمْ تَخَوَّنْهُ) راجعةٌ إلى الغَارِزِ الذي هوَ الضَّرعُ ها هنا، والمرادُ بهِ الناقةُ.

25- قَنْوَاءُ في حُرَّتَيْهَا للبَصِيرِ بها عِتْقٌ مُبِينٌ وفي الخَدَّيْنِ تَسْهِيلُ

ناقةٌ قَنْوَاءُ، والذكرُ أَقْنَى، وكذلكَ في الناسِ وغيرِهِم، والْقَنَا : احْدِيدَابٌ في الأنفِ، والحُرَّتَانِ: الأُذُنَانِ، يقولُ: إذا نظرَ الناظرُ إلى أُذُنَيْهَا وسهولةِ خدِّها بانَ لهُ عِتْقُ هذهِ الناقةِ.ورَوَى السُّكَّرِيُّ أنَّ النبيَّ عليهِ السلامُ لمَّا سَمِعَ هذا البيتَ قالَ لأصحَابِهِ: ((مَا حَرَّتَيْهَا؟)) قالَ بعْضُهُم: العَيْنَيْنِ، وسَكَتَ بعْضُهُم، فقالَ النبيُّ عليهِ السلامُ: ((أُذُنَاهَا، نَسَبَهُمَا إِلَى الْكَرَمِ)).

26- تَخْدِي على يَسَرَاتٍ وهْيَ لاحِقَةٌ ذَوَابِلٌ وقْعُهُنَّ الأرضَ تَحْلِيلُ

( وَمَسُّهُنَّ الأَرْضَ ) روايَةٌ.
الخَدْيُ: ضربٌ من السيرِ، يُقَالُ: خَدَى يَخْدِي خَدْياً وخَدَيَاناً، ومثلُهُ وَخَدَت الناقةُ تَخْدُو وَخْداً، واليَسَرَاتُ: قَوَائِمُها، واللاحقةُ: الضَّامِرَةُ. والذَّوَابِلُ جمعُ ذَابِلٍ، وهوَ اليَابِسُ، يَصِفُ قوَائِمَها بقِلَّةِ اللحمِ، وإذا كانتْ قليلةَ اللحمِ لمْ تَكُنْ رَهْلَةً، ولا مُسْتَرْخِيَةً، وكانتْ أسرعَ لرَفْعِ قوائمِهَا عن الأرضِ وبَسْطِهَا إيَّاها.وقولُهُ: مَسُّهُنَّ الأرضَ تَحْلِيلُ: يدلُّ على سرعةِ رفْعِها قَوَائِمَها في السيرِ. والتحليلُ: منْ تَحِلَّةِ اليمينِ. وتحليلُ؛ أيْ: قليلٌ، كما يَحْلِفُ الناسُ على الشيءِ يفعَلُهُ، فيفعلُ منهُ اليسيرَ يُحَلِّلُ بهِ قسمَهُ.

27- سُمْرِ الْعُجَايَاتِ يَتْرُكْنَ الحَصَا زِيَماً لمْ يَقِهِنَّ رُؤُوسَ الأُكْمِ تَنْعِيلُ

العُجَايَاتُ: جمعُ عُجَايَةٍ، ويُقَالُ عُجَاوَةٌ وعِجَاوَاتٌ، وهيَ عَصَبُ قوائمِ الإبلِ والخيلِ، قالَ الشاعرُ في مثلِ هذا المعنى:

تطَايِرَ ظُرَّانُ الحَصَى عنْ مَنَاسِمٍصُلابِ العُجَى مَلْثُومُها غيرُ أَمْعَرَا

الظُّرَّانُ: الحجارةُ المُدَوَّرَةُ، والزِّيَمُ: المُتَفَرِّقُ، يعني: أنَّها لقُوَّتِها ونشاطِها وشدَّةِ وطْئِها الأرضَ تتْرُكُ الحَصى زِيَماً.وقولُهُ: لمْ يَقِهِنَّ رُؤُوسُ الأُكْمِ تَنْعِيلُ: يعني أنَّها ناقةٌ صُلبةٌ لا تَجْفِي في سيرِها فلا تحتاجُ إلى النعلِ، وكانوا يشدُّونَ تحتَ خِفَافِها السُّرَيْجَ، وهيَ قِطَعٌ منْ جُلودٍ لِتَقِيَها الخُشُونَةَ] والحجارةَ. يقُولُ: فهيَ لا تحتاجُ إلى النعلِ لتَقِيَهَا الخشونةَ في رُؤُوسِ الأُكْمِ إذا سَارَتْ علَيْها.
والأُكُمُ: جَمْعُ إِكَامٍ، يُقَالُ: أَكَمَةٌ وأَكَامٌ وإِكَامٌ، والجمعُ أُكَمٌ وَأَكُمٌ.

28- كأنَّ أَوْبَ ذِرَاعَيْهَا إذا عَرِقَتْ وقدْ تَلَفَّعَ بِالقُورِ العَسَاقِيلُ

أَوْبُ ذرَاعَيْها: رَجْعُ يدَيْها في السيرِ، إذا عَرِقَتْ وقتَ الهاجرةِ عندَ اشتدادِ الحرِّ.
والقُورُ: جمعُ قَارَةٍ، وهوَ كلُّ موضعٍ مرتفعٍ من الأرضِ لا يَبْلُغُ أنْ يكونَ جبلاً. والعَسَاقِيلُ: السَّرَابُ.وقولُهُ: تَلَفَّعُ بالقُورِ العَسَاقِيلُ، تَلَفَّعَ: تَفَعَّلَ من اللِّفَاعِ، نحوُ تَنَقَّبَ من النِّقَابِ، أيْ صارَ السَّرَابُ للقُورِ بمنزلةِ اللِّفَاعِ لها، وذلكَ يكونُ وقتَ الهاجرةِ، واللِّفَاعُ اللِّثَامُ، والتقديرُ: وقدْ تلَفَّعَتِ القُورُ بالعَسَاقِيلِ، فَقَلَبَ كما قالَ الآخرُ:

............. كأنَّنا رَعْنُ قُفٍّ يَرْفَعُ الآلا

أيْ يَرْفَعُهُ الآلُ، فجعلَ الفاعلَ مفعولاً، والمفعولَ فاعلاً، على ما ذكَرَهُ ابنُ قُتيبةَ في (أدبِ الكَاتبِ): والجَيِّدُ في قولِهِ: يَرْفَعُ الآلَ، ما خطرَ لي منْ مَعْنَاهُ، وما كُنْتُ أُظْهِرُهُ إلى أنْ رَأَيْتُ أبا عَلِيٍّ الفَارِسِيَّ ذهبَ إلى ما خطرَ لي منْ مَعْنَاهُ، فَأَثْبَتَ، وذلكَ أنَّهُ لمْ يُرِدِ القلبَ في قَوْلِهِ: يَرْفَعُ الآلا، بلْ هوَ تحقيقٌ؛ لأنَّ الآلَ يصيرُ فوقَ الرَّعْنِ من القُفِّ، ألا ترى أنَّهُ شَبَّهَ الجيشَ بالرَّعْنِ، والجيشُ يعْلُوهُ بريقُ البِيضِ والسلاحِ كما يَعْلُو الآلُ هذا القُفَّ فلا يحتاجُ إلى القلبِ، كما ذكَرَهُ ابنُ قُتيبةَ.

29- يَوْماً يَظَلُّ بهِ الحِرْبَاءُ مُضْطَخِداً كَأنَّ ضَاحيَهُ بالشَّمْسِ مَمْلُولُ

ويُرْوَى: ( مُصْطَخِماً )؛ أيْ: مُنْتصِباً. ويوماً: ظرفٌ منصوبٌ، والعاملُ فيهِ قولُهُ: ( تَلَفَّعَ ) في البيتِ الذي قبلَهُ.والحِرْبَاءُ، دُوَيْبَةٌ تَسْتَقْبِلُ الشمسَ وتَدُورُ معها فيصيرُ وقتَ الهاجرةِ في أعلى الشجرِ وأعلى مكانٍ يكونُ فيهِ. ومُصْطَخِداً مُفْتَعِلٌ منْ قَوْلِهِم : صَخَتْهُ الشمسُ ؛ إذا آلَمَتْ دماغَهُ،ويومٌ صَخْدَانٌ: شديدُ الحرِّ، وكذلكَ يُقَالُ: صَهَرَتْهُ الشمسُ، ومنهُ قولُهُ: تَصْهَرُهُ الشمسُ فَمَا يُصْهَرُ؛ أيْ: تُذِيبُهُ الشمسُ فما يَذُوبُ. وضَاحِيَهُ : ما يَضْحَى للشمسِ منهُ.ومَمْلُولُ منْ قَوْلِهِم: مَلَلْتُ الخُبْزَةَ في النارِ أَمَلُّها مَلاًّ، والخبزةُ مليلةٌ وَمَمْلُولَةٌ، يُقالُ: أطْعَمْنَا خُبْزَ مَلَّةٍ، وخُبْزَةً مليلةً، ولا يُقَالُ: أَطْعَمْنَا مَلَّةً؛ لأنَّ المَلَّةَ الرمادُ والترابُ الحارُّ. ومعنى البيتِ: أنَّ القُورَ تلَفَّعَ بالعَسَاقِيلِ في يومٍ تَظَلُّ بهِ الحرباءُ مُحْتَرِقاً بالشمسِ كأنَّ ما بَرَزَ منهُ للشمسِ مَمْلُولٌ كما يُمَلُّ الخُبْزَةُ في النارِ.

  #3  
قديم 20 محرم 1430هـ/16-01-2009م, 09:03 AM
حفيدة بني عامر حفيدة بني عامر غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: بلاد الحرمين .
المشاركات: 2,423
افتراضي شرح كمال الدين عبد الرحمن بن محمد الأنباري

يَـمْشِـي الْقُـرَادُ عَلَـيْهَا ثُـمَّ يُـزْلِقُـهُ عَــنْهَا لَـبـَـانٌ وَأَقْـرَابٌ زَهَــالِيـلُ
"اللَّبَانُ": الصَّدْرُ. والأَقْرَابُ: جَمْعُ قُـرْبٍ، وهي الخَاصِرَةُ. والزَّهَالِيلُ: واحِدُها زُهْلُولٌ، وهو الأَمْلَسُ.

عَيـْرَانَـةٌ قُـذِفَتْ بالنَّحْضِ عَـنْ عُـرُضٍ مـِرْفَــقُهَا عَـنْ بَـنَـاتِ الـزَّوْرِ مَفْــتُولُ
عَيْرَانَةٌ: صَلْبَةٌ. قُـذِفَتْ: رُمِيَتْ. بالنَّحْضِ: باللَّحْمِ. عن عُرُضٍ: عن اعْتِرَاضٍ. و "بناتِ الزَّوْرِ": ما حَوَالَيْهِ. والزَّوْرُ: الصَّدْرُ. و "مَفْتُولُ": مُحْكَمٌ.

كَأَنَّ مَـا فَــاتَ عَيْـنَيْهَا وَمَـذْبَـحَهَا مِنْ خَـطْـمِهَا وَمِنَ اللَّحْـيَيْنِ بِــرْطِيــلُ
مَا فَاتَ عَيْنَيْهَا: مَا تَقَدَّمَ مِنْ بَيْنِ عَيْنَيْهَا. و "مَذْبَحَهَا": مَوْضِعُ الذَّبْحِ.

و "خَطْمِهَا": مَوْضِعُ الخَطْمِ. واللَّحْيَانِ: العَظْمَانِ اللَّذَانِ تَنْبُتُ عليهِمَا اللِّحْيَةُ. و"بِرْطِيلُ": حَجَرٌ مُسْتَطِيلٌ.
والمعنى: أنه صَلْبٌ أَمْلَسُ كالحَجَرِ.
تـُمِرُّ مِثْـلَ عَسِـيبِ النَّـخْلِ ذَا خُـصَلٍ فِـي غَـارِزٍ لَمْ تُـخَوَّنْـهُ الأَحَـالِيـــلُ
لم تُخَوَّنْهُ: لم تَنَقَّصْه. الأحاليلُ: جَمْعُ إِحْلِيلٍ، وهو مَخْرَجُ اللَّبَنِ مِنَ الضَّرْعِ.

والمعنى: أنه قَدْ ذَهَبَ لَبَنُها؛ لأنَّ الناقةَ إذا كانَتْ حَائِلاً لا تُحْلَبُ كانَ أَقْوَى لَهَا على السَّيْرِ.
قَــنْـوَاءُ فِي حُـرَّتَيْـهَا لِلْبَصِـيرِ بِـــهَا عِتـْـقٌ مُـبِيـنٌ وَفِي الْخَــدَّيْــنِ تَسْــهِـيلُ
قَنْوَاءُ: القَنَا وهو احْدِيدَابٌ في الأَنْفِ. والحُرَّتَانِ: الأُذُنَانِ، وجاءَ في الحديثِ عن رسولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ أنه لَمَّا سَمِعَ هذا البيتَ قالَ لأَصْحَابِهِ: ((مَا حُـرَّتَاهَا؟)) قالَ بعضُهم: العينانِ، وسَكَتَ بعضُهم، فقالَ الرسولُ صلواتُ اللهِ عليه: ((هُمَا أُذُنَاهَا، نَسَبَهُمَا إِلَى الْكَرَمِ)). "وفي الخَدَّيْنِ تَسْهِيلُ". أي: سُهُولةٌ وذلك مُسْتَحَبٌّ في الإِبِلِ.

تـَخْـدِي عَلَـى يَسَــرَاتٍ وَهْـيَ لاَحِـقَـةٌ ذَوَابِــلٌ وَقْــعُـهُــنَّ الأَرْضَ تَـحْلِيـلُ
تَخْدِي: تَسِيرُ الخَدْيُ، وهو ضَرْبٌ مِن السَّيْرِ.

ويَسَرَاتٍ: قَوَائِمُ خِفَافٌ، لاحِقَةٌ: ضَامِرَةٌ.
و"تَحْلِيلُ": تَفْعِيلٌ، مِن تَحِلَّةِ القَسَمِ. أي: وَقْعُهُنَّ على الأرضِ قليلٌ كما يَفْعَلُ الإنسانُ الشيءَ القليلَ مِمَّا يَحْلِفُ على فِعْلِه؛ تَحِلَّةً لِقَسَمِهِ.
سُـمْرُ العُـجَــايَـاتِ يَتْرُكْنَ الْحَصَا زِيَــماً لَمْ يَـقْـهِنَّ رُؤُوسَ الأُكْـمِ تَــنْــعِيــلُ
العُجَايَاتِ: جَمْعُ عُجَايَةٍ، وهي عَصَبُ القَوَائِمِ. وزِيَماً: مُتَفَرِّقَةً. وتَنْعِيلُ: تَفْعِيلٌ مِن النَّعْلِ. يعني: أن هذه الناقةَ لا تَحْفَى في سَيْرِها فتَفْتَقِرُ إلى النعْلِ.

كـَأَنَّ أَوْبَ ذِرَاعَــيْـهَا إِذَا عَــرِقَــتْ وَقَـدْ تَـلَـفَّـعَ بِالقُـــورِ العَسَــاقِيــلُ
أَوْبَ ذِرَاعَيْهَا: رَجْعُ يَدَيْهَا في سَيْرِها. وتَلَفَّعَ: تَفَعَّلَ مِن اللِّفَاعِ, هو اللِّثَامُ. والقُورُ: جَمْعُ قَارَةٍ، وهو الموضِعُ المُرْتَفِعُ، لا يَبْلُغُ أنْ يَكُونَ جَبَلاً.

والعَسَاقِيلُ: السَّرَابُ.
والمعنى: أن السَّرابَ صَارَ للقُورِ بمنـزلةِ اللِّفَاعِ، وتقديرُه: وقد تَلَّفَعَتِ القُورُ بالعَسَاقِيلِ؛ فَقَلَبَ, كقولِ الآخرِ:
*كَأَنَّنَا رَعْنُ قُفٍّ يَرْفَعُ الآلاَ*
أي: يَرْفَعُه الآلُ.
يَــوْماً يَظَـلُّ بِهِ الحِرْبَاءُ مُصْــطَخِــداً كَـأَنَّ ضَــاحِيَـهُ بِــالنَّـارِ مَــمْـلُولُ
يَوْماً: مَنْصُوبٌ على الظَّرْفِ، والعامِلُ فيه" تَلَفَّعَ". و"الحِرْبَاءُ": دُوَيْبَةٌ تَدُورُ مَعَ الشمسِ كيفَ دَارَتْ. "مُصْطَخِداً": صَخَدَتْهُ الشَّمْسُ إذا آلَمَتْ دِمَاغَهُ. وأَصْخَدَ الحِرْبَاءُ إذا تَصَلَّى بِحَرِّ الشمسِ. ضَاحِيَهُ: ما بَرَزَ للشمْسِ مِنه، ومنه قولُه تعـالى: {وَإِنَّكَ لاَ تَظْمَأُ فِيهَا وَلاَ تَضْحَى}. أي: لا تَبْرُزُ للشَّمْسِ.

ومَمْلُولُ: مِن مَلَلْتُ الخُبْزَةَ في النارِ أَمَلُّها إذا عَمِلَها في المَلَّةِ: والمَلَّةُ الرَّمادُ والترابُ الحارُّ. وقولُ العَامَّةِ: أَطْعِمْنَا مَلَّةً, خَطَأٌ، والصوابُ: أَطْعِمْنَا خُبْزَ مَلَّةٍ وخُبْزَةً مَلِيلاً.

  #4  
قديم 20 محرم 1430هـ/16-01-2009م, 09:26 AM
حفيدة بني عامر حفيدة بني عامر غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: بلاد الحرمين .
المشاركات: 2,423
افتراضي شرح موفق الدين عبد اللطيف بن يوسف البغدادي

يَمْشِي القـُرادُ عَلَيْـهَا ثُمَّ يـُزْلِقُــهُ عَـنْهَا لَـبَانٌ وأَقْـرَابٌ زَهَـالِيـلُ
يَصِفُهَا بالسِّمَنِ وإِنْدِمَاجِ الأَعْضَاءِ ومَلاسَتِهَا حَتَّى إِذَا دَبَّ عَلَيْهَا [القُرَادُ] لا يَثْبُتُ. واللَّبَانُ: الصَّدْرُ. والأَقْرَابُ: جَمْعُ قربٍ وهي الخَوَاصِرُ. والزَّهَالِيلُ: المُلْسُ، وَاحِدُهَا زُهْلُولٌ، وزُهْلُولٌ اسْمُ جَبَلٍ.

عَيْـرَانَـةٌ قـُذِفَتْ بالنَّحْـضِ عَنْ عُرُضٍ مِرْفَقُـهَا عَنْ بـَنـَاتِ الـزَّوْرِ مَفْـتُولُ
عَيْرَانَهٌ: صَلْبَةٌ. وقُذِفَتْ: رُمِيَتْ. والنَّحْضُ: اللَّحْمُ. عن عُرُضٍ: أي عَنِ اعْتِرَاضٍ. وبَنَاتُ الزَّوْرِ: مَا حَوْلَهُ. والزَّوْرُ: وَسَطُ الصَّدْرِ. والمَفْتُولُ: المُدْمَجُ المُحْكَمُ.

تـُمِرُّ مِثْـلَ عَسِـيبِ النَّخْـلِ ذَا خُصَلٍ في غـَارِزٍ لَمْ تـُخَـوَّنْهُ الأَحَـالِيــلُ
ي
َصِفُ ذَنَبَهَا، أي: تُمِرُّ ذَنَبَها مِثْلَ عَسِيبِ النَّخْلِ. وخُصَلُ الشَّعَرِ: قِطَعُهُ، الوَاحِدَةُ خُصْلَةٌ. والغَارِزُ: هُنَا الضَّرْعُ، وأَصْلُهُ مِن غَرَزَتِ النَّاقَةُ: إِذَا قَلَّ لَبَنُهَا.
ولَمْ تُخَوَّنْهُ: لَمْ تَنَقَّصْهُ. وتَخَوَّنْتُ فُلاناً: إِذَا تَعْهَّدْتَهُ. وكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّم – يَتَخَوَّنُنَا بالمَوْعِظَةِ مَخَافَةَ السَّآمـَةِ، أي: يَتَعَهَّدُنَا. والأَحَالِيلُ: جَمْعُ إِحْلِيلٍ وَهُوَ مَخْرَجُ اللَّبَنِ مِن الضَّرْعِ، يُرِيدُ أَنَّ اللَّبَنَ قَدْ يَبِسَ مِن ضَرْعِهَا لَمْ يَتَعَهَّدْهُ، وذَلِكَ أَقْوَى [لَهَا علَى السَّيْرِ] لِمَا لَمْ يَنْتَقِصِ الضَّرْعَ الإِحْلِيلُ بخُرُوجِ اللَّبَنِ.
وَجْـنَـاءُ فِي حُرَّتَيْهَا للبَصِـيرِ بـِـهَا عِـتْقٌ مـُبِيـنٌ وفـي الخـَدَّيْنِ تَسْــهِيلُ
الو
َجْنَاءُ: العَظِيمَةُ الوَجْنَةِ، أو الغَلِيظَةُ القَوِيَّةُ شُبِّهَتْ بوَجْنِ الأَرْضِ: وهو مَا غَلُظَ مِنْهَا. ويُرْوَى " قَنْوَاءُ"، والقَنَاءُ: احْدِيْدَابٌ في الأَنْفِ، والذَّكَرُ أَقْنَى. وحُرَّتَيْهَا: أُذُنَاهَا، نَسَبَهُمَا إِلَى الكَرَمِ. والحُرُّ: الخَالِصُ، وكذَلِكَ العِتْقُ. ووَصَفَهَا بسُهُولَةِ الخَدَّيْنِ، وذَلِكَ حَسَنٌ في الإِبِلِ والخَيْلِ والنَّاسِ, يَدُلُّ علَى كَرَمِ الطِّبَاعِ, وضِدُّهَا الكَلْثَمَةُ وهو مَذْمُومٌ. " ووَجْنَاءُ " صِفَةٌ أَيْضاً لـ عُذَافِرَةٌ، وكذَلِكَ قَوْلُه: " في حُرَّتَيْهَا عِتْقٌ". وقَوْلُه: " للبَصِيرِ بِهَا ". يَعْنِي للخَبِيرِ الذي له بَصَارَةٌ في الإِبِلِ ومَعْرِفَةٌ بالجَيِّدِ مِنْهَا والرَّدِيءِ. وقَوْلُه: " عِتْقٌ مُبِينٌ" أي: كَرَمٌ ظَاهِرٌ، وكذَلِكَ قَوْلُه: " وفي الخَدَّيْنِ تَسْهِيلُ ". رَوَى السُّكَّرِيُّ أنَّ النَّبِيَّ– صلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ– لَمَّا سَمِعَ هَذَا البَيْتَ قَالَ لأَصْحَابِهِ: مَا حُرَّتَاهَا؟ فَقَالَ بَعْضُهم: العَيْنَانِ. وسَكَتَ بَعْضُهُم. فَقَالَ–صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ – هُمَا أُذُنَاهَا نَسَبَهُمَا إِلَى الكَرَمِ.
تـَخْـدِى عَلَـى يَسَراتٍ وَهْيَ لاهِيَـةٌ ذَوَابِـلٌ وَقْـعُهُـنَّ الأَرْضَ تَحْلِيلُ
ت
َخْدِي: تُسْرِعُ، يُقَالُ: خَدَّتِ النَّاقَةُ تَخْدِي ووَخَدَتْ وَخَدَاناً وخَوَّدَتْ تَخْوِيداً كُلُّه بِمَعْنًى. وهذا قَدِ اسْتُعْمِلَ فيهِ التَّقالِيبُ الثَّلاثَةُ بمَعْنًى وَاحِدٍ. واليَسَرَاتُ: القَوَائِمُ الخِفَافُ. ودَابَّةٌ حَسَنَةُ السَّيْرِ: إِذَا كَانَتْ تُحْسِنُ نَقْلَ القَوَائِمَ. وقَوْلُه: " وَهْيَ لاهِيَةٌ " جُمْلَةٌ في مَوْضِعِ الحَالِ مِن الضَّمِيرِ فِي " تَخْدِي ". واللاهِيَةُ: الغَافِلَةُ، أي: تُسْرِعُ مِن غَيْرِ اكْتِرَاثٍ, بَلْ ذَلِكَ لَهَا سَجِيَّةٌ. والذَّوَابِلُ مِن صِفَاتِ " يَسَراتٍ" ومَعْنَاهَا الضَّوَامِرُ. يُقَالُ: ذَبُلَ الفَرَسُ إِذَا ضَمُرَ، أي: قَوَائِمُهَا صَلْبَةٌ ضَامِرَةٌ قَلِيلَةُ اللَّحْمِ يَابِسَةٌ لا رَهْلَةٌ مُسْتَرْخِيَةٌ، وذَلِكَ أَسْرَعُ لَهَا. وقَوْلُه: " وقْعُهُنَّ الأَرْضَ تَحْلِيلُ ". مَعْنَاهُ: إِنَّما يَنَالُ الأَرْضَ مِن قَوَائِمِهَا أَيْسَرُ شَيْءٍ، لخِفَّةِ رَجْعِهِنَّ فيَنْفُخْنَ الأَرْضَ نَفْخَةً خَفِيفَةً ثُمَّ يَرْتَفِعْنَ، وهَذَا أَبْلَغُ سَبَبٍ فِي سُرْعَةِ المَشْيِ. كأَنَّه يَقُولُ: إِنَّما يَنَالُ الأَرْضَ مِن قَوَائِمِهَا مِقْدَارُ مَا تُحِلُّ بِهِ القَسَمَ، كَمَا يَحْلِفُ الرَّجُلُ عَلَى الشَّيْءِ يَفْعَلُه، فيَفْعَلُ مِنْهُ اليَسِيرَ ليُحَلِّلَ بِهِ يَمِينَهُ. والتَّحْلِيلُ مَصْدَرُ حَلَّلْتُهُ تَحْلِيلاً وتَحِلَّةً, مِثْلَ غَرَّرَ تَغْرِيراً وتَغِرَّةً. وقَوْلُهم " لَمْ أَفْعَلْ إِلاَّ تَحِلَّةَ القَسَمِ ". أي: لَمْ أَفْعَلْ إِلاَّ بِمْقَدارِ مَا حَلَلْتُ بِهِ يَمِينِي ولَمْ أُبَالِغْ. وفِي الحَدِيثِ: ((لا يَمُوتُ للمُؤْمِنِ ثَلاثَةُ أَوْلادٍ فتَمَسَّهُ النَّارُ إِلاَّ تَحِلَّةَ القَسَمِ ". أي: قَدْرَ مَا يُبْرِئُ اللَّهُ– تعالى- به قَسَمَهُ بقَوْلِه:{وإِنْ مِنْكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا}، ثُمَّ كَثُرَ حَتَّى قِيلَ فِي كُلِّ شَيْءٍ لَمْ يُبَالَغْ فِيهِ. فجَعَلَهُ تَحْلِيلاً وتَحِلَّةَ القَسَمِ.
ويُرْوَى " مَسُّهُنَّ الأَرْضَ ". أي: يَمْسَسْنَ الأَرْضَ بِمِقْدَارِ تَحِلَّةِ القَسَمِ.
شـُمُّ العُـجَايَاتِ يَـتْرُكْنَ الحَصَـا زِيـَماً لَمْ يَقِـهِنَّ رُؤُوسُ الأُكْــمِ تـَنـْـعِيلُ
العُج
َايَاتِ: عَصَبُ القَوَائِمِ، والوَاحِدَةُ عُجَايَةٌ، والزَّيْمُ: القَطْعُ والفَرْقُ، أي: لنَشَاطِهَا وشِدَّةِ وَطْئِهَا الأَرْضَ تَفْرُقُ الحَصَا.
وقَوْلُه: " لَمْ يَقِهِنَّ ". أي: لَمْ يَقِ عُجَايَاتِهَا أو قَوَائِمَهَا تَنْعِيلٌ عن رُؤُوسِ الأُكْمِ؛ لأَنَّها لَيْسَ لَهَا نِعَالٌ تَقِيهَا، فإِنَّ صَلابَةَ مَنَاسِمِهَا تُغْنِيهَا عَنِ النِّعَالِ، وَقَدْ كَانُوا يُنَعِّلُونَها بِجُلُودٍ يُسَمُّونَها السَّرِيجَ، يُرِيدُ أَنَّهَا لقُوَّةِ قَوَائِمِهَا لا تَحْتاجُ إلى النَّعْلِ. والأُكْمِ: جَمْعُ أَكَمَةٍ.
كـأنَّ أَوْبَ ذِرَاعَيْـهَا وَقَـدْ عَـرِقَتْ وَقَـدْ تَـلَفَّـعَ بالقُــورِ العَسَـاقِـيلُ
أ
َوْبَ ذِرَاعَيْهَا: رَجْعُهُمَا في السَّيْرِ إِذَا أَسْرَعَتْ، يُقَالُ: آبَ يَؤُوبُ أَوْباً إِذَا رَجَعَ. وذِرَاعَيْهَا في مَوْضِعِ الفَاعِلِ. وقَالَ الجَوْهَرِيُّ. الأَوْبُ: سُرْعَةُ تَقْلِيبِ اليَدَيْنِ والرِّجْلَيْنِ في السَّيْرِ. ويُقَالُ منه: نَاقَةٌ أَؤُوبٌ، على فَعُولٍ. والتَّأْوِيبُ: أَنْ يَسِيرَ النَّهَارَ أَجْمَعَ ويَنْـزِلَ اللَّيْلَ.
وقَوْلُه: " وَقَدْ عَرِقَتْ ", " وَقَدْ تَلَفَّعَ ". حَالانِ، ولكنْ تِلْكَ حَالُ النَّاقَةِ، وهَذِهِ حَالٌ للقُورِ، والعَامِلُ في الحَالَيْنِ مَعْنَى التَّشْبيهِ, والحَالُ التي تكونُ مَعَها الوَاوُ، وإِنَّما تكونُ جُمْلَةً ولا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فِيهَا ضَمِيرٌ لذِي الحَالِ، ولا يَقَعُ المَاضِي حَالاً إلاَّ أنْ يَكُونَ مَعَه "قَدْ"؛ لأَنَّها تُقَرِّبُه مِن الحالِ، وقَدْ جَاءَ بغَيْرِه قَلِيلاً.ويُرْوَى " إِذَا عَرِقَتْ ". وهو أَحْسَنُ؛ لِئَلاَّ يَتَكَرَّرَ "وَقَدْ " مَرَّتَيْنِ. وتَلَفَّعَ: اشْتَمَلَ وتَلَحَّفَ، يُقَالُ: تَلَفَّعَ بثَوْبِه وتَلَحَّفَ بِهِ. والقُورُ: جَمْعُ قَارَةٍ، وهو الجَبَلُ الصَّغِيرُ. والعَسَاقِيلُ: هَاهُنَا السَّرَابُ. والمَعْنَى: إنَّ الأَكَامَ قَدْ تَلَفَّعَتْ بالسَّرَابِ، يُرِيدُ أَنْ يُشَبِّهَ سُرْعَتَها ونَشَاطَهَا بِمَا سَيَأْتِي فِي وَقْتٍ تَكِلُّ فِيهِ الإِبِلُ، وذَلِكَ عِنْدَ العَرَقِ واشْتِدَادِ الحَرِّ، فإِنَّ السَّرابَ إنما يَظْهَرُ عِنْدَ قُوَّةِ الحَرِّ مِن الشَّمْسِ وشِدَّةِ وَقْعِهَا وتَضَاعُفِ أَشِعَّتِهَا وإِفْرَاطِ ضَوْئِهَا. وقَالَ ابنُ الأَنْبَارِيِّ: وَقَدْ تَلَفَّعَ بالقُورِ العَسَاقِيلُ فقَلَبَ كَمَا قَالَ الآخَـرُ:
" كَأَنَّنَا رعن قـُفّ يـَرْفَعُ الآلاَ "، يُرِيدُ: يَرْفَعُه الآلُ، رَوَى ذَلِكَ ابنُ قُتَيْبَةَ.
يَـوْماً يَظَلُّ بِهِ الحِـرْبَاءُ مُصْـطَخِـماً كَأَنَّ ضـَاحِيـهِ بـالنـَّارِ مَمْـلُولُ
يَوْماً: ظَرْفٌ يَتَعَلَّقُ "بأَوْبِ " أَوْ بِمَا فِي "كَأَنَّ " مِن مَعْنَى التَّشْبِيهِ، أو بـ "تَلَفَّعَ " وهو أَجْوَدُ.
والحِرْبَاءُ: حَيَوانٌ مِن جِنْسِ القَطَا وأَكْبَرُ مِنْهُ شَيْئاً، ولَهُ سِنَامٌ كسِنَامِ الجَمَلِ، وهو يَسْتَقْبِلُ الشَّمْسَ ويَدُورُ مَعَها أَيْنَمَا دَارَتْ ويَتَلَوَّنُ أَلْواناً بأَضْوَاءِ الشَّمْسِ، وهو في الظَّلِ أَخْضَرُ, والحِرْبَاءُ ذَكَرُ أُمِّ حُنَيْنٍ. والمُصْطَخِمُ، يُقَالُ: اصْطَخَمَ: إِذَا انْتَصَبَ، وَهُوَ مَنْصُوبٌ خَبَرُ " يَظَلُّ ". وأَضْحَى: يَفْعَلُ فِي أَوَّلِ النَّهَارِ، وظَلَّ: يَفْعَلُ نَهَاراً، وبَاتَ:يَفْعَلُ لَيْلاً. وأمَّا أَصْبَحَ فَضِدُّهَا أَمْسَى، والجُمْلَةُ صِفَةُ "يَوْمٍ"، ويُرْوَى " مُصْطَخِداً " وهو مُفْتَعِلٌ مِن صَخَدَتْهُ الشَّمْسُ: إِذَا آلَمَتْ دِمَاغَهُ. ويَوْمٌ صَخْدَانُ: شَدِيدُ الحَرِّ، وكَذَلِكَ صَهَرَتْهُ الشَّمْسُ.
وقَوْلُه: "كَأَنَّ ضَاحِيهِ بالنَّارِ مَمْلُولُ " فِي مَوْضِعِ النَّصْبِ حَالٌ مِنَ الحِرْبَاءِ أو صِفَةٌ لـ مُصْطَخِمٍ، أو خَبَرٌ بَعْدَ خَبَرٍ. وضَاحِيهِ: ما ضَحَى مِنْهُ للشَّمْسِ أي: بَرَزَ. والضُّحَى للشَّمْسِ. ورَأَى النَّبِيُّ –صلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ – رَجُلاً مُحْرِماً وَقَدْ تَسَتَّرَ فَقَالَ: (أَضْحِ لِمَنْ أَحْرَمْتَ لَهُ). ومَمْلُولُ: شَدِيدُ الحَرَارَةِ كأَنَّهُ قَدْ طُبِخَ فِي النَّارِ، وهِيَ المَلَّةُ التي يُخْتَبَزُ فِيهَا. قَالَ أَبُو العَبَّاسِ: مُصْطَخِماً: مُنْتَصِباً كأَنَّهُ غَضْبَانُ.

  #5  
قديم 20 محرم 1430هـ/16-01-2009م, 05:51 PM
حفيدة بني عامر حفيدة بني عامر غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: بلاد الحرمين .
المشاركات: 2,423
افتراضي شرح جمال الدين محمد بن هشام الأنصاري

قالَ رحِمَه اللهُ تعالى:
21- يَمْشِي القُرادُ عليها ثم يُزْلِقُهُ = منها لَبانٌ وأَقرابٌ زَهاليلُ
يعني: أنَّ جِلْدَها أَمْلَسُ لسِمَنِها، فالقُرادُ لا يَثْبُتُ عليها، وهذا تأكيدٌ لقولِه: وجِلْدُها مِن أُطُومٍ... البيتَ، فلو ذُكِرَ إلى جَانِبِه لكان أَلْيَقَ.
" والقُرادُ " واحدُ " القِردانِ " كالغُلامِ والغِلمانِ .
وثم لِمُجَرَّدِ الترتيبِ، وليس فيها مَعْنَى التراخِي، مِثلُها في قولِه: ( البحر المتقارِب )
كَهَزِّ الرُّدَيْنِيِّ تحتَ العَجاجِ = جَرَى في الأنابيبِ ثم اضْطَرَبْ
إذ ليس الْمُرادُ تَطَاوُلَ مَشْيِ القُرادِ عليها، وتراخِي الإزلاقِ عنه، كما أنه ليس الْمُرادُ تَأَخُّرَ اضطرابِ الرمْحِ عن زَمَنِ جَريانِ الْهَزِّ في أنابيبِه.
و "مِن" هنا: إمَّا لابتداءِ الغايةِ، وإمَّا بمعنى " عن " مِثْلُها في قولِه تعالى: { فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللهِ } , ويُؤَيِّدُه أنه قُرِئَ: { عَنْ ذِكْرِ اللهِ } وتَحْتَمِلُ " مِن " في الآيةِ السببيَّةَ، أي: مِن أَجْلِ ذِكْرِه؛ لأنَّهم إذا ذُكِرَ اللهُ عندَهم اشْمَأَزُّوا، وازدادَتْ قُلوبُهم قَسْوَةً.
واللَّبانُ، بفَتْحِ اللامِ ويكونُ بكسْرِها وبِضَمِّها ومَعَانيهنَّ مُختلِفَةٌ، فأمَّا المفتوحُها وهو المذكورُ في البيتِ، فقيلَ: الصَّدْرُ، وقيلَ: وَسَطُه، وقيلَ: ما بينَ الثَّدْيَيْنِ، يكونُ للإنسانِ وغيرِه، وقيلَ: الصدْرُ مِن ذي الحافِرِ فقط، فعلى هذا يكونُ ذِكْرُه هنا استعارةً كقولِه: ( البحر الطويل )

فلو كنتَ ضَبِّيًّا عَرَفْتَ قَرابَتِي = ولكنَّ زِنْجِيٌّ عَظيمُ الْمَشافِرِ
وإنما الْمِشْفَرُ للبعيرِ.
وأمَّا المكسورُها: فهو الرَّضاعُ، يُقالُ: هو أخوهُ بلِبانِ أُمِّه، ولا يُقالُ: بلَبَنِ أُمِّه.
وأَمَّا المضمومُها: فهو الصَّمْغُ الْمُسَمَّى بالكندرِ، فإن زِدْتَ على المضمومِ هاءً، فقُلْتَ: لُبانةً، فهي الحاجةُ، كذا أَطْلَقَ الجوهريُّ، وغيرُه، وقالَ صاحبُ " الْمُحْكَمِ ": الحاجةُ مِن غيرِ فاقةٍ، ولكنْ مِن هِمَّةٍ، والجمْعُ: لَبانٍ، كحاجةٍ وحَاجٍ ولَباناتٍ، ومنه قولُ الأَعشى مَيمونِ بنِ قَيسٍ، ويُكَنَّى أبا بَصيرٍ، وكان أَعْمَى: ( البحر الطويل ).
هُريرةَ وَدِّعْهَا وإن لامَ لائمُ = غداةَ غدٍ أمْ أنتَ للبَيْنِ واجمُ
لقد كان في حَوْلٍ ثَواءٍ ثَوَيْتُهُ = تَقْضِي لَباناتٍ ويَسْأَمُ سائِمُ
الواجمُ: الشديدُ الْحُزْنِ، حتى ما يُطيقَ الكلامَ، يُقالُ منه: وَجَمَ بالفتْحِ وُجومًا.
فإن زِدتَ على " لُبانٍ " بالضمِّ نونًا بعدَ إسكانِ بائِه، فقلتَ: " لُبنانَ " فهو جبلٌ، فإن حَذَفْتَ النونَ مِن هذا، فقلتَ: " لُبْنَى " فهي شَجرةٌ لها لَبَنٌ، واسمٌ من أسماءِ النساءِ، وكذلك مُصَغَّرُه، ومنه قولُ عديِّ بنِ زَيدٍ: ( بحر مَديد ـ مُصَرَّع ).

يا لُبَيْنَى أَوْقِدِي نارًا = إنَّ مَن تَهْوِينَ قد جَارَا
رُبَّ نارٍ بِتُّ أَرْمُقُهَا = تَقْضَمُ الهديَّ والغارَا
عندَها ظَبْيٌ يُؤَرِّثُهَا = عاقِدٌ في الْجِيدِ تِقْصَارَا
" تَقْضَمُ " بفتْحِ الضادِ الْمُعْجَمَةِ: تَأْكُلُ، و " الغارُ " نَوعٌ مِن الشجَرِ له دُهنٌ، و " والتِّقصارُ " بكَسْرِ التاءِ قِلادةٌ، ولُبَيْنَى: اسمُ امرأةِ إبليسَ، وبها يُكَنَّى.
قولُه: " وأَقرابٌ " أي: خَواصِرُ، ومُفرَدُها: قُرْبٌ، بوَزْنِ القُرْبِ ضِدِّ البُعْدِ، ولكن سُمِعَ فيه أيضًا: " قُرُب " بضَمَّتَيْنِ، كما سُمِعَ في عُسْرٍ ويُسْرٍ، السكونُ والضمُّ، ولا نَعلَمُ ذلك مَسموعًا في ضِدِّ القُرْبِ، ومَن أَجازَ في نحوِ: قُفْلٌ قُفُلٌ بضَمَّتَيْنِ، أجازَ ذلك فيه.
قولُه: " زَهاليلُ " صِفةٌ لِـ لَبَانٍ وأقرابٍ معًا، ومعناها: مُلْسٌ، والواحدُ زُهلولٌ. قالَ الشَّنْفَرَى في لامِيَّتِه، وتُعْرَفُ بلامِيَّةِ العَرَبِ: ( البحر الطويل )

أَقِيمُوا بَنِي أُمِّي صُدورَ مَطِيِّكُمْ = فإني إلى قَومٍ سِواكُمْ لأَمْيَلُ
فقد حُمَّتِ الحاجاتُ والليلُ مُقْمِرٌ = وشُدَّتْ لطَيَّاتِي مَطَايَا وأَرْحُلُ
وفي الأرضِ مَنْأًى للكريمِ عن الأَذَى = وفيها لِمَنْ رامَ العُلا مُتَعَزَّلُ
وَلِي دُونَكم أَهْلُونَ سِيدٌ عَمَلَّسٌ = وأَرْقَطُ زُهولٌ وعَرفاءُ جَيْأَلُ
هم الأهْلُ لا مُسْتَوْدِعُ السِّرِّ ذَائعٌ = لديهم ولا الْجَانِي بما جَرَّ يُخْذَلُ
وهي مِن غُرَرِ القصائدِ كثيرةُ الْحِكَمِ والفوائدِ.
و " أَمْيَلُ " في البيتِ الأوَّلِ بمعنى فاعلٍ، كأَعْلَمُ في قولِه تعالى: { هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنْشَأَكُمْ },
و " دونَكُمْ " ظَرْفٌ للاستقرارِ، أو حالٌ مِن " أهلونَ " وكان في الأصْلِ صِفةً له، وعلى هذا فمعناه: " غيرَكم " .
و "السيِّدُ " الذئبُ، وعَمَلَّسٌ بوزنِ سَفَرْجَلٍ: مِن أسماءِ الذِّئبِ، واشتقاقُه مِن العَمْلَسَةِ، وهي السرعةُ.
" والأرْقَطُ " النَّمِرُ. و " العَرفاءُ " مِن صِفاتِ الضَّبُعِ، و " الْجَيْأَلُ ": مِن أسمائِها، فهو بَدَلٌ مِن عَرفاءَ، ولا يَجوزُ أن يُعْرَبَ بَيانًا؛ لأنَّها عَلَمٌ وما قَبْلَها نَكِرَةٌ، وسِيدٌ وما بعدَه بَدَلُ تفصيلٍ مِن " أهلونَ" ، وجازَ جَمْعُ أهلٍ بالواوِ والنونِ معَ أنها لِمَا لا يَعْقِلُ، وهي الحيواناتُ المذكورةُ؛ لأنَّه أقامَها مُقامَ مَن يَعقِلُ في الأهلِيَّةِ.
قالَ رَحِمَه اللهُ:

22- عَيْرَانَةٌ قُذِفَتْ بالنَّحْضِ عن عُرضٍ = مِرْفَقُها عن بناتِ الزُّورِ مَفتولُ
العَيْرَانةُ بفَتْحِ العينِ المهْمَلَةِ: الْمُشْبِهَةُ في صَلابَتِها عِيرَ الوَحْشِ.
قُذِفَتْ: أي: رُمِيَتْ، ويُرْوَى أيضًا قُذِّفَتْ بالتشديدِ للتكثيرِ.
والنَّحْضُ، بالحاءِ المهمَلَةِ، والضادِ الْمُعْجَمَةِ: كاللحْمِ وَزْنًا ومَعْنًى وامرأةٌ نَحيضةٌ: كثيرةُ اللحمِ، ورُوِيَ: قُذِفَتْ باللحْمِ.
والعُرُضُ، بضَمِّ المهمَلَتَيْنِ، وبإسكانِ الثانيةِ: الجانبُ والناحيةُ، أي: رُمِيَتْ باللحمِ مِن جَوانِبِها ونواحِيها، وقالَ التِّبريزيُّ: العُرُضُ: الاعتراضُ، يَقولُ: إنها سَمِنَتْ عن اعتراضٍ، كأنها تَعْتَرِضُ في مَرْتَعِها.
والزُّورُ: قال التِّبريزيُّ: الصدْرُ. وقالَ عبدُ اللطيفِ: وَسَطَه، وقالَ الجوهريُّ: أَعلاهُ ونَبَاتُهُ ما حولَه، وما يَتَّصِلُ به مِن الأضلاعِ، أي: أنَّ مِرْفَقَها جافٍ عن صَدْرِها، فهي لا يُصِيبُها ضاغِطٌ، ولا حازٌّ، والمفتولُ: الْمُدْمَجُ الْمُحْكَمُ.
قالَ رَحِمَه اللهُ:
23- كأنما فاتَ عَيْنَيْها ومَذْبَحَها = مِن خَطْمِها ومِن اللَّحْيَيْنِ بِرْطِيلُ

" ما" في " كأنما " اسمٌ بمعنَى الذي، مَوْضِعُه نَصْبٌ بكانَ، والخبَرُ قولُه: بِرْطِيلُ.
وفاتَ: قالَ أبو عمرَ: معناه: تَقَدَّمَ وقالَ الأَصْمَعِيُّ: الوجهُ كلُّه فائِتُ العينينِ إلا الْجَبْهَةَ. وقالَ: هو ما انْقَطَعَ مِن الْمَذْبَحِ، وفاتَ العينينِ.
"ومَذبَحَهَا": مَنصوبٌ بالعَطْفِ على عَيْنَيْهَا، والْمَذْبَحُ والْمَنْحَرُ واحدٌ.
والْخَطْمُ قالَ أبو عُبيدٍ: الأَنْفُ. ورُدَّ عليه ذلك؛ فإنه لا يَخْتَصُّ بالأنْفِ، بل هو الموضِعُ الذي يَقعُ عليه الْخِطامُ، فيَشْمَلُ الأنْفَ وغيرَه، ونَظيرُه تَسْمِيَتُهم الْمَوْضِعَ الذي يَقعُ عليه الرَّسْنُ مَرْسِنًا، وقد يُستَعْمَلُ في الآدَمِيِّ كقولِ العَجَّاجِ يَصِفُ امرأةً : ( بحر الرجَز )

أزمانُ أَبْدَتْ وَاضِحًا مُفَلَّجًا = أغَرَّ بَرَّاقًا وَطَرْفًا أَبْرَجَا
ومُقْلَةً وحاجِبًا مُزَجَّجًا = وفَاحِمًا ومَرْسِنًا مُسَرَّجَا
الأَبْرَجُ: الذي بَياضُه مُحْدِقٌ بالسوادِ كُلِّه، فلا يَغيبُ مِن سَوادِه شيءٌ يُقالُ منه: امرأةٌ بَرجاءُ بَيِّنَةُ البَرَجِ، ورجُلٌ أَبْرَجُ، وجَمْعُها: بُرْجٌ، بوَزْنِ البُرْجِ واحدِ البُروجِ، ولم يُسْمَعْ وَصفُ الأنْفِ بالْمُسَرَّجِ قبلَ العَجَّاجِ، فاختَلَفَ أهلُ اللغةِ في معناه على ثلاثةِ أقوالٍ:
أحدُها: أنه كالسِّراجِ في البَريقِ.
والثاني: أنه مُحْسِنٌ مِن قولِهم: سَرَّجَ اللهُ وَجْهَهُ، أي: حَسَّنَه، ولم يَذْكُرْ صاحبُ " الْمُحْكَمِ " سِواه.
والثالثُ: أنه كالسيفِ السريجيِّ في الدِّقَّةِ والاستواءِ، وهو مَنسوبٌ إلى قَيْنٍ يُقالُ له: سُريجٌ، ولم يَذْكُر التِّبريزيُّ غيرَ هذا القولِ. وقالَ: قالَ الأَصْمعِيُّ: ما كنتُ أَعْرِفُ الْمُسْرَّجَ، ولم أَسْمَعْه إلا في بيتِ العَجَّاجِ، فسأَلْتُ عنه أَعرابِيًّا، فقالَ: أَتَعْرِفُ السريجيَّاتِ؟ يعني السيوفَ. فقلتُ: نعم. فقالَ: ذلك أَرادَ. انتهى.
وأَرْجَحُ الأقوالِ مِن حيثُ الصناعةُ الثاني؛ لأنَّ صِيغةَ المفعولِ لا تُشْتَقُّ مِن أسماءِ الأعيانِ، كالسراجِ، وشَذَّ نَحوُ قولِهم: مُدَرْهَمٌ، ولا مِن أسماءِ النَّسَبِ كالسريجيِّ، وإنما يُشْتَقُّ مِن الفِعْلِ، وأَرْجَحُها مِن حيث المعنى الأخيرُ؛ لأنَّه تَفسيرٌ بأمْرٍ يَخُصُّ الأَنْفَ.
" واللَّحيانِ " بفَتْحِ اللامِ: العَظمانِ اللذانِ تَنْبُتُ عليهما اللِّحْيَةُ مِن الإنسانِ، ونَظيرُ ذلك مِن بَقِيَّةِ الحيوانِ.
والْبِرْطِيلُ بكَسْرِ الباءِ: مِعْوَلٌ مِن حديدٍ، وأيضًا: حَجَرٌ مُستطيلٌ , وَصَفَها بكِبَرِ الرأسِ وعِظَمِه.
قالَ :

24- تُمَرُّ مِثلَ عَسيبِ النخْلِ ذا خُصَلٍ = في غَارِزٍ لم تُخَوِّنْهُ الأحاليلُ
" تُمَرُّ " بضَمِّ الْمُثَنَّاةِ مِن فوقُ: مُضارِعُ أَمَرَّ، مَنقولٌ بالهمزةِ مِن " مَرَّ " وفاعلُه ضميرُ الناقةِ.
ومِثلَ: صِفةٍ لمحذوفٍ، أي: ذَنَبًا مِثلَ.
وعَسيبُ النخْلِ: جَريدُهُ الذي لم يَنْبُتْ عليه الْخُوصُ، فإن نَبَتَ عليه، سُمِّيَ سَعْفًا، وأَمَّا " عَسيبِ " في قولِ امرئِ القَيْسِ: ( البحر الطويل )

أجارَتَنا إنَّ الْخُطوبَ تَنُوبُ = وإني مُقيمٌ ما أَقامَ عَسيبُ
أجارَتَنَا إِنَّا غَرِيبانِ ههنا = وكلُّ غَريبٍ للغريبِ نَسيبُ
فإنْ تَصِلِينَا فالْقَرَابَةُ بَيْنَنَا = وإن تَهْجُرينَا فالغريبُ غريبُ
فهو اسمُ جَبَلٍ دُفِنَ عندَه امرُؤُ القَيْسِ , و" ذا " صفةٌ ثانيةٌ، أو هو المفعولُ، و "مِثلَ" حالٌ منه، وكانت في الأصلِ صفةً له ثم تَقَدَّمَت عليه , والْخُصَلُ: جَمْعُ خُصلةٍ مِن الشَّعَرِ.
و " في " بمعنى " على "، مِثْلُها في قولِه تعالى: { فِي جُذُوعِ النَّخْلِ } وقولِ الشاعرِ: ( البحر الكامل )
يُطِلُّ كأنَّ ثِيابَه في سَرْحِهِ = يُخْذِي نِعالَ السِّبْتِ ليس بِتَوْأَمِ
والغارِزُ: مُعْجَمُ الطرفينِ الْمُرادُ به هنا: الضَّرْعُ، وجَعَلَ التِّبريزيُّ أَصْلَه مِن قولِهم: غَرَزَتِ الناقةُ بالفَتْحِ تَغْرُزُ بالضمِّ: إذا قَلَّ لَبَنُها، ولا أَدْرَي ما معنى هذا الأَصْلِ.
وتُخَوِّنُه: أَصْلُه تَتَخَوَّنُه، أي: تَنْتَقِصُه، يُقالُ: تَخَوَّنَنِي فلانٌ حَقِّي: إذا تَنَقَّصَه، ومنه قولُ لَبيدٍ:
تَخَوَّنَها نُزولِي وارتحالِي
أي: تَنَقَّصَ شَحْمَ هذه الناقةِ ولَحْمَها.
وسُئِلَ ثَعْلَبٌ: أيَجوزُ أن يُقالَ لِمَا يُؤْكَلُ عليه وهو الْخِوانُ - بكسْرِ الخاءِ وضَمِّهَا - إنه إنما سُمِّيَ بذلك؛ لأنَّه يُتَخَوَّنُ ما عليه أي: يُنْتَقَصُ؟ فقالَ: ليس ذلك ببعيدٍ. انتهى. والمشهورُ أنه مُعَرَّبٌ، فلا اشتقاقَ له , وجَمْعُه أَخْوِنَةٌ، وخُوَنٌ.
ويأتي التَّخَوُّفُ بالفاءِ بمعنى التَّخَوُّنِ، ومنه قولُه تعالى: { أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَى تَخَوُّفٍ } أي: تَنَقُّصٍ.
ويَأْتِي التَّخَوُّنُ بمعنى التَّعَهُّدِ، وفي الحديثِ: ((كان يَتَخَوَّنُنا بالْمَوعِظَةِ مَخافةَ السآمَةِ علينا)) أي: يَتَعَهَّدُنا بها ويأتي قريبًا مِن معنى هذا التَّخَوُّلُ باللامِ , وقد رُوِيَ الحديثُ باللامِ، ومعناه: يَأْتِينَا بها شيئًا بعدَ شيءٍ، مِن قولِهم: تَسَاقَطُوا أَخْوَلَ أَخْوَلَ، أي: شيئًا بعدَ شيءٍ.
والأحاليلُ، بالحاءِ الْمُهْمَلَةِ: جَمْعُ إحليلٍ وهو مَخْرَجُ البولِ، ومَخْرَجُ اللَّبَنِ مِن الثَّدْيِ، ومَخْرَجُهُ مِن الضَّرْعِ، وهذا المقصودُ هنا، يعني: أنها حائلٌ لا تَحْلِبُ، وذلك أقوى لها على السَّيْرِ، ونَفْيُ الضَّعْفِ عن الناقةِ بنَفْيِه عن ضَرْعِها.
قالَ رَحِمَه اللهُ تعالى :

25- قَنواءُ في حَرَّتَيْهَا للبَصيرِ بها = عِتْقٌ مُبينٌ وفي الْخَدَّيْنِ تَسهيلُ
" القَنواءُ " مُؤَنَّثُ الأَقْنَى، واشتقاقُهما مِن الْقَنَا، بوَزْنِ العَصَا وهو احْدَيْدَابٌ في الأَنْفِ، والْحَرَّتانِ: الأُذُنانِ، وقد رَوَى العسكريُّ أنَّ النبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا سَمِعَ هذا البيتَ، قالَ لأصحابِه: ((ما حَرَّتَاهَا؟)) فقالَ بعضُهم: عَيناها. وسَكَتَ بعضٌ، فقالَ عليه الصلاةُ والسلامُ: ((هما أُذُنَاهَا, يَقولُ: إذا نَظَرَ البصيرُ بالإِبِلِ إلى أُذُنَيْهَا، وسُهولةِ خَدَّيْهَا بان له عِتْقُهَا)). أي: كَرَمُها.
ويُرْوَى: " وَجناءُ " بَدَلَ " قَنواءُ " أي: صَلبَةٌ أو عَظيمةُ الوَجْنَتَيْنِ، وهذه هي الروايةُ التي جَزَمَ بها عبدُ اللطيفِ، ويُضَعِّفُها أنه يَلْزَمُ عليها تَكرارٌ؛ لأنَّ هذا الوَصْفَ قد تَقَدَّمَ في قولِه: غَلباءُ وَجْنَاءُ عُلكومُ... البيتَ. ويُرَجِّحُها ما قِيلَ: إنَّ الْقَنَاعِيبَ في الإبِلِ والخيلِ، ولذلك قالَ سَلامةُ بنُ جَنْدَلٍ يَمْدَحُ فَرَسًا: ( البحر البسيط )
ليس بأَسْفَى ولا أَقْنَى ولا سَفَلٍ = يُسْقَى دَواءً قَفِيَّ السَّكْنِ مَربوبُ
الأَسْفَى، بالسينِ المهْمَلَةِ، وبالفاءِ، الخفيفُ الناصيةِ، والسَّفَلُ، بإهمالِ الأَوَّلِ، وإعجامِ الثاني مَكسورةٌ: الْمُضْطَرِبُ الأعضاءِ، وقيلَ: للمَهزولِ، والقَفِيُّ، بفَتْحِ القافِ، وكَسْرِ الفاءِ: الشيءُ الذي يُؤْثَرُ به الضيفُ والصبيُّ والمرادُ بالدواءِ اللَّبَنُ ، ووَجْهُ هذه التسميةِ أنهم يُضْمِرُونَ الخيلَ بِسَقْيِها إيَّاه، والسكْنُ : أهْلُ الدارِ، وفي الحديثِ: ((حَتَّى إِنَّ الرُّمَّانَةَ لَتُشْبِعُ السَّكْنَ)). والمربوبُ: الْمُرَبَّى.

  #6  
قديم 20 محرم 1430هـ/16-01-2009م, 06:11 PM
حفيدة بني عامر حفيدة بني عامر غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: بلاد الحرمين .
المشاركات: 2,423
افتراضي (تابع) شرح جمال الدين محمد بن هشام الأنصاري

قالَ رَحِمَه اللهُ تعالى:
26- تَخْذِي على يَسَرَاتٍ وهي لَاحِقَةٌ = ذوابِلٌ مَسُّهُنَّ الأرضَ تَحليلُ
الْخَذْيُ والْخَذَيانُ والوَخْذُ: ضَرْبٌ مِن السيرِ. يُقالُ: خَذَى بالمعْجَمَتَيْنِ مَفتوحتينِ يَخْذِي بالكسْرِ خَذْيًا وخَذَيَانًا، ووَخْذَ يَخِذُ وَخْذًا، وخَوَذَ يَخوذُ تَخْوِيذًا، اسْتُعْمِلَتْ فيه التقاليبُ الثلاثةُ بمعنًى، وليس واحدٌ منها مَقلوبًا؛ لاستكمالِ كلٍّ منها تصاريفَه، ولذلك خُطِّئَ مَن قالَ في " جَذَبَ " و " جَبَذَ ": إنَّ أَحَدَهما مَقلوبٌ مِن الآخَرِ؛ لقولِهم: جَذَبَ يَجْذِبُ جَذْبًا، وجَبَذَ يَجْبِذُ جَبْذًا.
و " الْيَسَرَاتُ ": قالَ التِّبريزيُّ: القوائمُ. والصوابُ قولُ الجوهريِّ: إنها القوائمُ الْخِفافُ، واشتقاقُها مِن اليُسْرِ، وهو حاصِلٌ مَعَ الْخِفَّةِ حُصولًا أكْمَلَ.
واللاحِقَةُ: الضامِرَةُ , أي: الخفيفةُ اللحْمِ.
وضميرُ " هي " لليَسَرَاتِ , لا الناقةِ لأمرينِ:
أحدُهما: قولُه: ذَوابِلُ مَسُّهُنَّ الأرضَ تحليلُ. وذلك مِن صِفاتِ القوائمِ خاصَّةً.
والثاني: أنه إن لم يُحْمَلْ على ذلك، تَنَاقَضَ مع قولِه: قُذِفَتْ بالنَّحْضِ عن عُرُضٍ، وقد يُقالُ: التناقُضُ لازِمٌ له ؛ لقولِ: " فَعْمٌ مُقَيَّدُهَا " ؛ إذ معناه أنَّ أَطرافَها غَليظةٌ، ويُجابُ بأنَّ الْمُرادَ بالفُعومةِ: غِلَظُ الأعصابِ والعِظامِ، وبالضُّمورِ: قِلَّةُ اللحمِ، فلا تَنافِيَ، وإذا كانت القوائمُ قليلةَ اللحمِ لم تكن رَهْلَةً، ولا مُسْتَرْخِيَةً، وكان ذلك أَسرَعَ لرَفْعِ قَوائِمِها وبَسْطِها.
ورَوَى عبدُ اللطيفِ " لاهِيَةٌ " بَدَلَ " لاحقةٌ " ولا إشكالَ عليه، والمعنى: أنها تُسْرِعُ مِن غيرِ اكتراثٍ، كأنَّ ذلك سَجِيَّةٌ لها، فهي تَفْعَلُه وهي غَافِلَةٌ عنه.
والواوُ مِن قولِه: " وهي " إمَّا زائدةٌ في أَوَّلِ الجملةِ الموصوفةِ بها " يَسَرَاتٌ "، كما قالَ بعضُهم في قولِه تعالى : { وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ } أو هي واوُ الحالِ، وسَوَّغَ مَجيءَ الحالِ مِن النَّكرةِ وهي " يَسراتٍ " عَدَمُ صلاحِيَةِ الجملةِ الوصفِيَّةِ لاقترانِها بالواوِ، ومِثلُهُ قولُه تعالى: { أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا } وقولُ الشاعرِ ( البحر الطويل )

مَضَى زَمَنٌ والناسُ يَستَشْفِعُونَ بي = فهل لي إلى لَيْلَى الغَداةَ شَفيعُ
ومَن رَوَى " لاهيةٌ " فالواوُ للحالِ لا غيرُ، وصاحبُها الضميرُ " تَخْذِي "
وقولُه: " ذوابلٌ " جَمْعُ " ذابِلٍ " وهو اليابِسُ، وهي خَبَرٌ ثانٍ، أو خَبَرٌ لِمَحذوفٍ، ويَجوزُ نَصْبُها حالًا مِن ضميرِ " لاحقةٌ " وجَرُّها صفةٌ لـ " يَسراتٍ " وإنما تُؤَنَّثُ للضرورِة، كقولِه: قَوَاطِنًا مَكَّةَ مِن وَرَقِ الْحِمَى.
وقولُه : " مَسُّهُنَّ الأرضَ تَحليلُ " إشارةٌ إلى سُرْعَةِ رَفْعِها قوائمَها، وذلك أنَّ التحليلَ مِن " تَحِلَّةِ اليمينِ " فالمعنى أنَّ مَسَّهُنَّ الأرضَ قليلٌ، كما يَحْلِفُ الإنسانُ على الشيءِ لَيَفْعَلَنَّهُ، فيَفعلُ منه اليَسيرَ، ليَتَحَلَّلَ به مِن قَسَمِه، هذا أَصْلُه، ثم كَثُرَ حتى قِيلَ لكلِّ شيءٍ لم يُبالَغْ فيه، وفي الحديثِ: (( لَا يَمُوتُ لِأَحَدِكُمْ ثَلَاثَةٌ مِنَ الْوَلَدِ فَتَمَسَّهُ النَّارُ إِلَّا تَحِلَّةَ الْقَسَمِ )) وقالَ جَماعةٌ مِن الْمُفَسِّرِينَ: إنَّ اليمينَ هنا على الأَصْلِ الذي هو القَسَمُ, لا أنه كِنايةٌ عن القِلَّةِ ؛ وذلك أنَّ اللهَ تعالى يقولُ: { وِإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا } والمعنى: أنَّ النارَ لا تَمَسُّه إلا بِمِقدارِ ما يَبَرُّ اللهُ تعالى قَسَمَه، وفي هذا القولِ نَظَرٌ؛ لأنَّ الجملةَ لا قَسَمَ فيها، اللهمَّ إلا إنْ عُطِفَتْ على الجُمَلِ التى أُجيبَ بها القَسَمُ مِن قولِه تعالى: { فَوَرَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّيَاطِينَ ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ } إلى آخِرِها، وفيه بُعْدٌ.
قالَ رَحِمَه اللهُ تعالى:
27- سُمْرُ العُجَاياتِ يَتْرُكْنَ الْحَصَى زِيَمًا = لم يَقِهِنَّ رُؤوسَ الأُكْمِ تَنعيلُ
" العُجاياتُ " والعُجَاوَاتُ، بضَمِّ العينِ الْمُهْمَلَةِ، وبالجيمِ: جَمْعُ عِجايةٍ، وعَجاوةٍ، وهي عندَ الأَصْمَعِيِّ: لَحْمَةٌ مُتَّصِلَةٌ بالعَصَبِ الْمُنْحَدِرِ مِن رُكبةِ البعيرِ إلى الفَرْسَنِ.
وقالَ الجوهريُّ: العُجايتانِ: عَصَبَتَانِ في باطنِ يَدَي الفَرَسِ، وأَسْفَلَ منها هَناةٌ كالأظفارِ، ويُقالُ لكلِّ عَصَبٍ مُتَّصِلٍ بالحافِرِ: عُجايةٌ.
وقالَ التِّبريزيُّ: العُجايةُ: عَصَبُ قوائمِ الإبِلِ والخيلِ.
والزِّيَمُ بكَسْرِ الزايِ، وفَتْحِ الياءِ: الْمُتَفَرِّقُ، أي: أنها لشِدَّةِ وَطْئِها الأرضَ، تُفَرِّقُ الْحَصَى.
والأُكْمُ مُخَفَّفٌ مِن الأُكُمُ بضَمَّتَيْنِ: أي: أنها لا تَحْفَى في سَيْرِها، تَفْتَقِرُ إلى النَّعْلِ.
وهنا ثلاثُ مَسائلَ:
الأُولَى: فِعَلٌ بكَسْرِ الأَوَّلِ وفَتْحِ الثاني، كثيرٌ في الأسماءِ كضِلَع، وأَمَّا في الصفاتِ، فقالَ سِيبويهِ: لا نَعْلَمُه جاءَ صِفةً إلا في حَرْفٍ مُعْتَلٍّ يُوصَفُ به الْجَمْعُ، وهو: قَومٌ عِدًى. انتهى. وكذا قالَ يَعقوبُ: لم يَأْتِ " فِعَلٌ " في النُّعوتِ إلا حَرْفٌ واحدٌ، يُقالُ: قَومٌ عِدًى: أي: غُرَمَاءُ، أو أَعداءٌ. قالَ: ( البحر الطويل )

إذا كُنتَ في قومٍ عِدَى لستَ مِنهم = فكلْ ما عَلِقْتَ مِن خَبيثٍ وطَيِّبِ
وقالَ الأَخْطَلُ: ( البحر الطويل )
ألا يا اسْلَمِي يا هِندُ هندَ بَنِي بَكْرِ = وإن كان حَيَّانَا عِدَى آخِرَ الدَّهْرِ
يُرْوَى بالضَّمِّ والكَسْرِ، وقد أُورِدَ عليهما أَلفاظٌ:
أحدُها: " زِيَمٌ " بمعنى مُتَفَرِّقٍ، كما في هذا البيتِ، وفي قولِ الآخَرِ: ( البحر البسيط )
باتَتْ ثَلاثَ لَيالٍ غيرَ واحدةٍ = بذِي الْمَجَازِ تُرَاعِي مَنْزِلًا زِيَمًا
أي: مُتَفَرِّقَ البَنَاتِ، " وذو الْمَجَازِ " سُوقٌ عَظيمةٌ كانت تُقامُ في الجاهليَّةِ بِمِنًى، ومِثْلُها " عُكاظُ " بالظاءِ الْمُشَالَةِ مَمنوعةُ الصرْفِ، كانتْ تُقامُ بنَاحِيَةِ مَكَّةَ في كلِّ سَنَةٍ شَهْرًا، يَتبايَعونَ، ويَتناشدونَ الشِّعْرَ، ويَتَفَاخَرُونَ، وكذلك " مَجَنَّةُ " بفَتْحِ الميمِ: مَوْضِعٌ تُقامُ به سُوقٌ على أَميالٍ مِن مَكَّةَ في الجاهليَّةِ. قالَ: ( البحر الطويل )
وهل أَرِدَنْ يَوْمًا مِياهَ مَجَنَّةٍ = وهل يَبْدُوَنَّ لي شامَةٌ وطَفِيلُ

والثاني: ماءُ صِرًى: للذي طَالَ مُكْثُهُ، رُوِيَ بضَمِّ الصادِ المهمَلَةِ وكَسْرِها، كما رُوِيَ " عِدًى " بهما إذا كان بمعنى الأعداءِ.
والثالثُ: " قِيَمًا " في قراءةِ بعضِهم: ( دِينًا قِيَمًا ).
والرابعُ: " سِوَى " بمعنى: مُسْتَوٍ في قولِه تعالى: { مَكَانًا سِوًى } ولا تكونُ هذه " سِوَى " الظرفيَّةَ؛ لأنَّ تلك مُلازِمَةٌ للإضافةِ، ويَصِحُّ أن يَخْلُفَها كَلِمَةُ " غيرُ " .
وقد أُجيبَ عن سِوًى وصِرًى بأنهما اسْمَانِ للمُسْتَوِي، وللطويلِ الْمُكْثِ، ثم وُصِفَ بهما، بدليلِ قولِهم: بُقْعَةٌ سِوًى، ومِياهٌ صِرًى، فلم يُطَابِقا الموصوفَ في التأنيثِ، كما تَقولُ: مَرَرْتُ بأَرْضٍ عَرْفَجٍ , وأُجيبَ عن " قِيَمٍ " بأنه مَصْدَرٌ مَقصورٌ مِن القِيامِ، ولهذا أُعِلَّتْ عَيْنُه، ولو كان غيرَ مَقصورٍ لصَحَّ، كما يُقالُ: حالَ حِوَلًا، واسْتَدْرَكَ الزَّبِيْدِيُّ قولَهم: ماءٌ رِوًى، وهو خَطَأٌ؛ لأنَّه مَصْدَرٌ وُصِفَ به، كما يُقالُ: رَجُلٌ رِضًى.
المسألةُ الثانيةُ: الأُكُمُ بضَمَّتَيْنِ جَمْعُ إِكامٍ، ككُتُبٍ جَمْعُ كِتابٍ، والإكامُ جَمْعُ أَكَمٍ، كالجِبالِ جَمْعُ جَبَلٍ، والأَكَمُ جَمْعُ أَكَمَةٍ، كالثَّمَرِ جَمْعُ ثَمَرَةٍ، ويُجْمَعُ الأَوَّلُ وهو الأُكُمُ على آكَامٍ، كما يُقالُ: عُنُقٌ وأَعناقٌ، ونَظيرُه جَمْعُ ثَمرةٍ على ثَمَرٍ، كشَجرةٍ وشَجَرٍ، وجَمْعُ ثَمَرٍ على ثِمارٍ كجِبالٍ، وجَمْعُ ثِمارٍ على ثُمُرٍ كَكُتُبٍ، وجَمْعُ ثُمُرٍ على أَثمارٍ كأَعناقٍ، ذَكَرَها الجوهريُّ، وحُكِيَ الثاني عن الفَرَّاءِ، ولا أَعْرِفُ لهما نَظيرًا في العربيَّةِ.
المسألةُ الثالثةُ: ذَهَبَ عليٌّ رَضِيَ اللهُ عنه ومَن وَافَقَه إلى أنَّ الْمُرادَ. بـ " العَادياتِ " الإِبِلُ التي يُحَجُّ عليها، وأنَّ الْمُرادَ بـ " جَمْعٍ " الْمُزْدَلِفَةُ لاجتماعِ الناسِ بها، وذلك أنَّ مَن عَدَا أهلَ مَكَّةَ كانوا بعَرفاتٍ؛ لأنَّها مَوْقِفُ الأنبياءِ عليهم السلامُ، وكان الْمَكِّيُّونَ يَقِفُونَ بِمُزْدَلِفَةَ، ويقولون: نحنُ خُدَّامُ الْحَرَمِ، فلا نَتجاوَزُهُ إلى الْحِلِّ، فإذا أَفاضَ الوَاقفونَ بعَرَفَةَ، اجْتَمَعُوا معهم في مُزْدَلِفَةَ، فأَمَرَ اللهُ تعالى الْمَكِّيِّينَ بالوُقوفِ بعَرَفَةَ بقولِه تعالى: { ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ } أي: مِن عَرفاتٍ.
وزَعَمَ الأكثرونَ أنَّ الْمُرادَ بـ "العادياتِ": خَيْلُ الغُزاةِ، واسْتَدَلُّوا بثلاثةِ أُمورٍ:
أحدُها: أنَّ الخيلَ هي التي تَقْدَحُ النارَ بحوافِرِها إذا صادَفَتِ الْحِجارةَ، بخِلافِ أَخفافِ الإِبِلِ.
والثاني: أنَّ الضَّبْحَ صَوْتٌ يَخرُجُ مِن أَجوافِ الخيلِ لا الإبِلِ
والثالثُ: أنَّ النَّقْعَ غُبارُ الحربِ.
وأُجيبَ بأنَّ الإبِلَ إذا أَجْهَدَت نفسَها في السَّيْرِ سُمِعَ لها صوتٌ يُشْبِهُ الضَّبْحَ، وثارَ لها غُبارٌ يُشْبِهُ النَّقْعَ، ودَفَعَت الحجارةَ بعضَها في بعضٍ، فأَوْرَت النارَ، وبأنَّ الْحُجَّاجَ لَمَّا كانوا يَدْفَعونَ مِن جَمْعٍ في أَوَّلِ النهارِ شُبِّهُوا بالْمُغِيرِينَ، ولهذا كانوا يقولون: أَشرَقَ ثَبيرٌ كَيْمَا نُغيرَ، واحْتَجُّوا بأنَّ السورةَ مَدَنِيَّةٌ نَزَلَتْ بعدَ وَقعةِ بَدْرٍ، ولم يكنْ معَه في تلك الواقعةِ إلا فَرَسانِ؛ فرسٌ للزُّبيرِ, وفَرَسٌ للمِقدادِ.
قالَ:
28- كأنَّ أَوْبَ ذِرَاعَيْهَا إذا عَرِقَتْ = وقد تَلَفَّعَ بالقَوْرِ العَسَاقِيلُ
للأَوْبِ أَربعةُ مَعانٍ:
أحدُها: الرَّجْعُ، فهما مُترادِفانِ مُتوازنانِ، ومِثْلُه في المعنى: الإيابُ، ومنه قولُه تعالى: { إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ }.
والثاني: الْمَطَرُ، سَمَّوْهُ بذلك كما سَمَّوْهُ رَجْعًا؛ لأنَّهم يَزْعُمُون أنَّ السَّحابَ يَحْمِلُ الماءَ مِن بُخارِ الأَرْضِ، ثم يُرْجِعُه إليها، أو أَرَادُوا التفاؤُلَ له بالرجوعِ والأَوْبِ، أو لأنَّ اللهَ يُرْجِعُه وَقْتًا فَوَقْتًا، قالَ اللهُ تعالى: { وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الرَّجْعِ } أي: ذاتِ الْمَطَرِ، ومِن أبياتِ إيضاحِ أبي عَلِيٍّ رَحِمَه اللهُ تعالى: ( البحر الطويل )

رَيَّاءُ شَمَّاءُ لا يَأْوِي لِقُنَّتِهَا = إلا السَّحَابُ وإلا الأَوْبُ والسَّيْلُ
الثالثُ: سُرعةُ تَقليبِ اليَدَيْنِ والرِّجلينِ في السَّيْرِ، يُقالُ منه: ناقةٌ أَوُوبٌ على فَعولٍ، وهو مَكتوبٌ في " الصِّحاحِ " بِهَمزتينِ، وهو سَهْوٌ.
والرابعُ: المكانُ والْجِهَةُ، يُقالُ: جَاؤُوا مِن كلِّ أَوْبٍ.
والمرادُ في البيتِ: المعنى الأَوَّلُ أو الثالثُ، لا الثاني ولا الرابعُ.
" وذِرَاعَيْهَا": مخفوضٌ لَفْظًا، مرفوعٌ مَحَلًّا، " وإذا عَرِقَتْ " كنايةٌ عن وَقْتِ الهاجِرَةِ، أي: كأنَّ رَجْعَ يَدَيْهَا، أو سُرعةَ تَقليبِ يَدَيْهَا وَقتَ اشتدادِ الحرِّ، والْمُشَبَّهُ به مَذكورٌ في قولِه بعدَ ذلك: ذِراعَا عَيْطَلٍ. وإنما خُصَّ التشبيهُ بهذا الوَقْتِ؛ لأنَّ السرابَ إنما يَظْهَرُ عندَ قُوَّةِ حَرِّ الشمسِ.
وتَلَفَّعَ: اشْتَمَلَ، وهو مِن اللِّفاعِ، كتَلَحَّفَ مِن اللِّحافِ، وتَنَقَّبَ مِن النِّقابِ، واللِّفاعُ: ما يُتَلَفَّعُ به، أي: يُتَلَحَّفُ. قالَ وَضَّاحُ اليَمَنِ أو جَريرٌ: ( البحر الْمُنْسَرِح ).

لم تَتَلَفَّعْ بفَضْلِ مِئْزَرِهَا = دَعْدٌ ولم تَغْدُ دَعْدُ في العُلَبِ
ويُرْوَى : " ولم تُسْقَ "
والقَوْرُ: جَمْعُ قَارَّةٍ. قالَ: ( بحر مَشطور السريع )

هل تَعْرِفُ الدارَ بأَعْلَى ذي الْقَوْرِ = قد دَرَسَتْ غيرَ رَمادٍ مَكفورِ
والقارَّةُ: الْجَبَلُ الصغيرُ.
وللعَساقيلِ مَعنيانِ:
أحدُهما ـ هو الْمُرادُ هنا ـ : السرابُ قالَ الجوهريُّ: لم أَسْمَعْ بوَاحدةٍ.
والثاني: ضَرْبٌ مِن الكَمَأَةِ، وهي الكَمَأَةُ الكِبارُ البِيضُ التي يُقالُ لها: شَحمةُ الأَرْضِ، وواحِدُه: عُسقولٌ، وأَمَّا قولُه: ( البحر الكامل )

ولقد جَنَيْتُكَ أَكْمُؤًا وعَسَاقِلًا = ولقد نَهَيْتُكَ عن بَناتِ الأَوْبَرِ
فأَصْلُه: عَساقيلُ: كعَصافيرَ، ولكنه حَذَفَ الْمَدَّةَ للضرورةِ، وعَكْسُه بيتُ الكِتابِ : ( البحر البسيط ).
تَنْفِي يَدَاهَا الْحَصَا في كُلِّ هَاجِرَةٍ = نَفْيَ الدراهيمِ تِنقادَ الصَّيَاريفِ
أَصْلُه: الصَّيَارِفُ، جَمْعُ صَيْرَفٍ، فأَشْبَعَ الكَسرةَ، فتَوَلَّدَت الياءُ، فأَمَّا الدراهيمُ: فجَمْعُ دِرهامٍ، لُغَةٌ في الدِّرْهَمِ.
والواوُ واوُ الحالِ، وعامِلُ الحالِ ما في " كأنَّ " مِن معنى التشبيهِ، كقولِ امْرِئِ القيسِ: ( البحر الطويل )
كأنَّ قُلوبَ الطيرِ رَطْبًا ويَابِسًا = لدى وَكْرِها العُنَّابُ والْحَشَفُ البالِي
ويَتَعَلَّقُ بهذا البيتِ مَسائلُ :
إحداها: أنَّ " إذا " إن قُدِّرَتْ خَلِيَّةً مِن مَعنى الشرْطِ، فعامِلُها الأَوْبُ، أو ما في " كأنَّ " مِن مَعْنَى التشبيهِ، ولا حَذْفَ، وإلا فالجوابُ مُقَدَّرٌ، وهل هي حِينئذٍ مَنصوبةٌ بفِعْلِ الشرْطِ، أو فِعْلِ الجوابِ؟ فيه خِلافٌ تَقَدَّمَ.
الثانيةُ: فيه العَيْبُ الْمُسَمَّى بالتَّضمينِ، وهو أن يكونَ البيتُ مُفْتَقِرًا إلى ما بَعْدَه افتقارًا لازِمًا، وقالَ قومٌ: هو تَعليقُ قافيةِ البيتِ الأَوَّلِ بأَوَّلِ البيتِ الثاني . وأَنْشَدَ الفَريقانِ على ذلك قولَه: ( البحر الوافر ).
هُمُو وَرَدُوا الْجِفَارَ على تَمِيمٍ = وهم أصحابُ يومِ عُكاظَ إِنِّي
شَهِدْتُ لَهُمْ مَواطِنَ صَالحاتٍ = أَتَيْتُهُمُ بصِدْقِ الوُدِّ مِنِّي
وقولَ الآخَرِ: ( البحر السريع )
لا صُلْحَ بَيْنِي فاعْلَمُوهُ ولا = بينَكم ما حَمَلَت عَاتِقِي
سَيْفِي وما كُنَّا بِنَجْدِ = وما قَرْقَرَ قمرُ الوَادِي بالشاهِقِ
وعلى التفسيرِ الثاني لا يكونُ في البيتِ عَيْبٌ، ومِن أَقْبَحِ التضمينِ قولُه: ( البحر الوافر ).
وليس المالُ فاعْلَمْهُ بمالٍ = مِن الأموالِ إلا لِلَّذِي
يُريدُ به العَلاءَ ويَمْتَهِنْهُ = لأَقْرَبَ أَقرَبِيهِ ولِلْقَصِيِّ
فوَقَعَ بينَ الموصولِ وصِلَتِه، وهما كالكلمةِ الواحدةِ، ولم يَذْكُر الخليلُ التضمينَ في العُيوبِ، وذَكَرَه الأَخْفَشُ.
الثالثةُ: فيه القَلْبُ؛ إذ المعنى أنَّ السرابَ صارَ للأُكُمِ مِثلَ اللِّثامِ، فالأَصْلُ: وقد تَلَفَّعَت القَوْرُ بالعَساقيلِ، فقَلْبٌ، كما قالَ النابِغَةُ الْجَعْدِيُّ رَضِيَ اللهُ عنه: ( البحر البسيط )
حتى لَحِقْنَاهُم تَعْدِي فَوَارِسُنا = كأننا رَعْنُ قُفٍّ يَرْفَعُ الآلَا
أي: يَرفَعُهُ الآلُ
وقد اخْتَلَفَ في القَلْبِ فَريقانِ: النَّحْوِيُّونَ والبَيانِيُّونَ:
أمَّا النَّحْوِيُّونَ: فمنهم مَن خَصَّهُ للضرورةِ، وزَعَمَ أنه غَنِيٌّ عن التأويلِ، وهذا فاسدٌ، إذ ما مِن ضرورةٍ إلا ولها وَجهٌ يُحاوِلُه الْمُضْطَرُّ، نَصَّ على ذلك سِيبويهِ، ومِنهم مَن خَصَّه بالضرورةِ، وشَرْطِ التأويلِ، ومِنهم مَن أَجازَه في الكلامِ، واحْتَجَّ بقولِه تعالى: { مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ } والْمَفاتِحُ لا تَنْهَضُ بالعُصْبَةِ، مُتَثَاقِلَةً، بل العُصْبَةُ هي التي تَنْهَضُ بها مُتَثَاقِلَةً، وبقولِهم: أَدْخَلْتُ القَلَنْسُوَةَ في رأسي، وعَرَضْتُ الحوضَ على الناقةِ.
وأمَّا البَيانيُّونَ: فاختلَفوا في كَوْنِه مَقبولًا في الكلامِ الفصيحِ، فقَبِلَه قومٌ مُطْلَقًا، ورَدَّه قَومٌ مُطْلَقًا وفَصَّلَ بعضُهم، فقالَ: إن تَضَمَّنَ اعتبارًا لَطيفًا قُبِلَ، وإلا فلا, فمِن الأوَّلِ قولُ رُؤبةَ بنِ العَجَّاجِ: ( البحر الرجَز )

ومَهْمَهٍ مُغْبَرَّةٍ أَرْجَاؤُهُ = كأنَّ لونَ أَرْضِه سَمَاؤُهُ
أي: كأنَّ لونَ سَمَائِهِ لغُبْرَتِها لونُ أَرْضِه، فعَكَسَ التشبيهَ للمُبالَغَةِ. ومِن الثاني قولُه: ( البحر الوافر )

فَدَيْتُ بنفسِه نَفْسِي ومَالِي = وما آلُوكَ إلا ما أُطِيقُ

29- يومًا يَظَلُّ به الْحِرْبَاءُ مُصْطَخِدًا = كأنَّ ضَاحِيَهُ بالشمْسِ مَمْلُولُ
" يومًا ": ظَرْفٌ لقولِه: " تَلَفَّع "، أو للأَوْبِ، أو لِمَا في " كأنَّ " مِن معنى التشبيهِ، أي: أنَّ الشبَهَ حاصِلٌ في ذلك اليومِ، وإذا قُدِّرَتْ " إذا " ظَرفًا للأَوْبِ، أو لـ "كأنَّ"، لم يَجُزْ كونُ " يومًا " ظَرْفًا لعامِلِها؛ إذ لا يَتَعَلَّقُ ظَرْفَا زمانٍ ولا ظَرْفَا مكانٍ بعامِلٍ واحدٍ إلا على سبيلِ التَّبَعِيَّةِ، فإنْ أَرَدْتَ ذلك، فَقَدِّرْ " يومًا " بَدَلًا مِن " إذا " والتعَلُّقُ بالفعلِ أَوْلَى لقُرْبِه، ولِقُوَّتِه في العَمَلِ.
" ويَظَلُّ " بالفتْحِ: مُضارِعُ ظَلِلْتُ بالكَسْرِ، يُقالُ: ظَلَّ يَفعَلُ إذا فَعَلَ نهارًا، أو باتَ يَفعلُ: إذا فَعَلَ ليلًا، قالت امرأةٌ: ( البحر الرجَز ):
أَظَلُّ أَرْعَى وأَبِيتُ أَطْحَنُ = والموتُ مِن بعضِ الحياةِ أَهْوَنُ
وتكونُ بمعنى " صارَ " كقولِه تعالى: { ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا } وهو المرادُ هنا.
" والْحِرْبَاءُ ": ذَكَرُ أُمِّ حبُيَنْ،ٍ وهو حَيوانٌ بَرِّيٌّ، له سَنامٌ كسَنامِ الْجَمَلِ، يَسْتَقْبِلُ الشمسَ، ويَدورُ معها كيف ما دَارَتْ، ويَتَلَوَّنُ ألوانًا بِحَرِّ الشمسِ، وهو في الظِّلِّ أَخْضَرُ، ويُكَنَّى أبا قرَّةَ، وبه يُضْرَبُ الْمَثَلُ في الْحِزامةِ؛ لأنَّه يَلْزَمُ ساقَ الشجرةِ، فلا يُرْسِلُه إلا ويُمْسِكُ ساقًا آخَرَ، قالَ أبو دُؤَادٍ: ( البحر البسيط )
أني أُتِيحَ له حِرْبَاءً تُنَضِّبُهُ = لا يُرْسِلُ الساقَ إلا مُمْسِكًا سَاقَا
وجَمْعُ الْحِرْبَاءِ حَرَابِي، والأُنْثَى حِرْبَاءَةٌ، وأَلِفُ " حِرباءَ " لإلحاقِه بقِرْطَاسٍ، فلذلك يُنَوَّنُ، وتَلْحَقُه الهاءُ، ومِثلُه العَلباءُ.
ويُقالُ: أَصْخَدَ الحرباءُ بالصادِ والدالِ المهمَلتينِ والخاءِ الْمُعجمَةِ: إذا تُصْلَى بحَرِّ الشمسِ، ويُقالُ أيضًا: اصْطَخَدَ، وهو افْتَعَلَ، أُبْدِلَتْ تَاؤُه طَاءً كاصْطَبَرَ، ويُقالُ: اصْطَخَمَ بالميمِ، بمعنى: انْتَصَبَ قائمًا، ويُرْوَى هنا " مُصْطَخَمًا " ويُقالُ: اصْطَخَبَ بالباءِ بمعنى صاحَ. قالَ:
إنَّ الضفادِعَ في الغُدرانِ تَصْطَخِبُ
وصَحَّفَ الأَصْمَعِيُّ بيتَ ذي الرُّمَّةِ:
فيها الضفادِعُ والْحِيتانُ تَصْطَخِبُ.
فقالَ: تَصْطَخِبُ بخَاءٍ مُعْجَمَةٍ. فقالَ له أبو عليٍّ الأصفهانيُّ: أيُّ صوتٍ للحِيتانِ يا أبا سعيدٍ؟ إنما هو " تَصْطَحِبُ " بالْمُهمَلةِ، أي: تَتجاوَرُ. والجملةُ صِفَةٌ لـ "يومًا".
وضَاحِيَهُ، ما ضَحِيَ منه للشمسِ، أي: بَرَزَ وظَهَرَ، قالَ اللهُ تعالى: { وَأَنَّكَ لَا تَظْمَأُ فِيهَا وَلَا تَضْحَى } أي: لا تَبْرُزُ للشمسِ، ورأى ابنُ عمرَ رَضِيَ اللهُ عنه رَجُلًا مُحْرِمًا قد اسْتَظَلَّ، فقالَ له: اضْحَ لِمَنْ أَحرَمْتَ له " اضْحَ " بكَسْرِ الهمزةِ، وفتْحِ الحاءِ، كذلك ضَبَطَه الأَصْمَعِيُّ وغيرُه، وأمَّا الْمُحَدِّثُونَ فيَفتحونَ الْهَمْزَةَ، ويَكْسِرونَ الحاءَ، مِن " أَضْحَى " والصوابُ الأَوَّلُ، وأنه مِن " ضَحِيَ " قالَ الرياشيُّ: رأيتُ أحمدَ بنَ الْمُعَذَََََّلِ في الْمَوقِفِ وقد ضَحِيَ للشمسِ وهي شديدةُ الحَرِّ، فقلتُ له: هذا أَمْرٌ قد اخْتُلِفَ فيه، فلو أَخَذْتَ بالتوسِعَةِ، فأَنْشَدَ ( البحر الطويل ).

ضَحِيتُ له كي أَسْتَظِلَّ بظِلِّهِ = إذا الظِّلُّ أَضْحَى فِي القِيامةِ قَالِصَا
فوا أَسَفِي إن كان سَعْيِي باطِلًا = ووا حَزَنًا إن كان حَجِّيَ ناقِصَا
أحمدُ بنُ الْمُعَذَّلِ بالذالِ الْمُعجمَةِ: بَصْرِيٌّ مالكيٌّ زاهِدٌ عالِمٌ، وهو أخو عبدِ الصمَدِ بنِ الْمُعَذَّلِ الشاعرِ المشهورِ.
ووَقَعَ لعبدِ اللطيفِ هنا وَهْمَانِ:
أحدُهما: أنه جَعَلَ القائلَ: " اضْحِ لِمَن أَحْرَمْتَ له " النبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وإنما هو ابنُ عمرَ.
والثاني: أنه قالَ: والْمُصْطَخِمُ مَنصوبٌ؛ لأنَّه خَبَرُ أَضْحَى، وليس في البيتِ أَضْحَى، وإنما هو خَبَرُ يَظَلُّ.
وقولُه: " مَملولٌ" . اسمُ مفعولٍ مِن مَلَلْتُ الْخَبْزَةَ في النارِ بالفتْحِ، أَمُلُّها بالضَّمِّ، مَلًّا: إذا عَمِلْتَها في الْمَلَّةِ بفتْحِ الميمِ، والْمَلَّةُ: الرمادُ الحارُّ عندَ الأكثرينَ، وقالَ أبو عُبيدةَ: هي الْحُفْرَةُ نفسُها، وعلى القولينِ فاعْلَمْ فَسادَ قولِهم: أَطْعِمْنَا مَلَّةً، والصوابُ: خُبْزَ مَلَّةٍ، ويُقالُ لذلك الْخُبْزِ: مَملولٌ، ومَليلٌ أيضًا، ويُقالُ مِن السآمَةِ: مَلِلْتُ بالكسْرِ أَمَلُّ بالفتْحِ مَلَلًا ومَلالةً، ومَلَّةً بالفتْحِ أيضًا، فالْمَلَّةُ مُشْتَرِكَةٌ، وأَمَّا الْمِلَّةُ بكسْرِ الميمِ، فالدِّينُ والشريعةُ.
والمعنى: أنَّ الآكامَ تَلَفَّعَتْ بالسرابِ في يومٍ يَظَلُّ الْحِرباءُ فيه مُحْتَرِقًا بالشمسِ، كأنَّ ما بَرَزَ منه للشمْسِ مَملولٌ كما تُمَلُّ الْخَبزةُ في النارِ.

موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
البردة, شرح

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
إبحث في الموضوع:

البحث المتقدم
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 04:51 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir