دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > برنامج إعداد المفسر > مجموعة المتابعة الذاتية > منتدى المستوى الثالث

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 9 رجب 1443هـ/10-02-2022م, 11:23 PM
دينا المناديلي دينا المناديلي غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المستوى الثالث
 
تاريخ التسجيل: Aug 2020
المشاركات: 231
افتراضي

رسالة تفسيرية في قول الله تعالى:
{ فَأَمَّا مَن طَغَىٰ ، وَءَاثَرَ ٱلۡحَیَوٰةَ ٱلدُّنۡیَا، فَإِنَّ ٱلۡجَحِیمَ هِیَ ٱلۡمَأۡوَىٰ ، وَأَمَّا مَنۡ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِۦ وَنَهَى ٱلنَّفۡسَ عَنِ ٱلۡهَوَىٰ ، فَإِنَّ ٱلۡجَنَّةَ هِیَ ٱلۡمَأۡوَىٰ }

بالأسلوب البياني.

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علما، أما بعد..
فقد قال تعالى:
{ فَأَمَّا مَن طَغَىٰ ، وَءَاثَرَ ٱلۡحَیَوٰةَ ٱلدُّنۡیَا، فَإِنَّ ٱلۡجَحِیمَ هِیَ ٱلۡمَأۡوَىٰ ، وَأَمَّا مَنۡ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِۦ وَنَهَى ٱلنَّفۡسَ عَنِ ٱلۡهَوَىٰ ، فَإِنَّ ٱلۡجَنَّةَ هِیَ ٱلۡمَأۡوَىٰ }

يخبر الله تعالى عن انقسام الناس لفريقين لا ثالث لهما، قسم طغى وتكبر وظلم ولم يعبد ربه، هذا القسم الذي آثر الدنيا وشهواتها على الآخرة ونعيمها، يخبرنا الله عن مآله وهو الجحيم
لا سبيل لهؤلاء إلى الجنة، وهذا يجري على كل من هذا وصفه، ويخبرنا عن القسم الآخر وهو قسم الناجين الفائزين المفلحين، الذين انتهوا عن محارم الله وعن معصيته لخوفهم من الجليل،
نهوا أنفسهم عن اتباع الهوى وعن ما لا يرضي الله وهذا هو القسم الفائز الذي مأواه الجنة.
ونشرع في بيان بعض المعاني التي تضمنتها الآيات.

فقد قال تعالى: { فإذا جاءت الطامة الكبرى} ، ويليها من الآيات { فأما من طغى} وجواب إذا في قوله تعالى { فإذا جاءت الطامة الكبرى }
محذوف لأن التقسيم يدل عليه، ويكون التقدير إما ظهور الأعمال أو انقسام الناس إلى قسمين: قسم مأواه الجحيم وقسم مأواه الجنة، ذكره القاسمي والبقاعي والرازي.
وهذا الجواب المحذوف يفيد التهويل من عظم الأمر الذي لم يشاهده الإنسان بعينه، فهو من الشؤون العظيمة، وهو حاصل ما ذكره أبي السعود، والألوسي
وقوله تعالى:{ فأما من طغى}

{فأما} الفاء تربط جواب إذا، (أمّا) حرف تفصيل وشرط بمعنى: مهما يكن شيء، ذكره ابن عاشور.


والطغيان في اللغة: تجاور الحد، والمراد هنا تجاوز العبد حدّه، لكن ما هو حد العبد؟ حدّه الذي ذكره الله في القرآن: { ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾ }
فمن طغى على أمر الله ولم يعبد ربه هذا هو الطاغي؛ فالطغيان ألا يقوم الإنسان بعبادة ربه، ذكره ابن عثيمين.

وهنا وصف آخر { وآثر الحياة الدنيا} والإيثارُ: تفضيل شيء على شيء في حال لا يتيسر فيها الجمع بين أحوال كل منهما.
والمراد بإيثار الحياة الدنيا: إيثار منافعها وحظوظها ولذاتها التي لا يكون فيها إيثار للآخرة ، ومرجع ذلك الإيثار إلى الهوى وقد أدى إليه الطغيان.
ومحل الذم هنا إيثار الحياة الدنيا على الآخرة لا الأخذ من منافع الدنيا مع السعي والنظر للآخرة، فهذا غير مذموم
وقد قال تعالى: { ﴿وابْتَغِ فِيما آتاكَ اللَّهُ الدّارَ الآخِرَةَ ولا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيا﴾ }

فمن آثر الدنيا وقدمّها على الآخرة وجعلها همّه كانت الجحيم مأواه.
وإيثار الدنيا والطغيان وصفان لأهل النار وبين الوصفين تلازم، فمن طغى على أمر الله تحجج بإيثار الدنيا على الآخرة وقد كذّب بالآخرة، فنتيجة الطغيان إيثار الدنيا على الآخرة.
وكل طاغٍ كافر أسرف على نفسه بالظلم والمعاصي فمستقره جهنم.

وهنا مسألة هي المراد بمن طغى وآثر الحياة الدنيا، فقد قيل فيها أنّ المراد النضر وأبوه الحارث على سبيل التخصيص وقيل نزلت في أبي جهل وقيل نزلت في أخ مصعب بن عمير،
لكن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، فوصفهم يدخل ضمن الآية، فالذي يتصف بهذه الصفات يجري عليه نفس الحكم، ذكره الرازي.
وفي قوله تعالى: { فأما من طغى} إشارة إلى فساد القوة النظرية، فمن عرف ربه وقدرته الكاملة عرف نفسه وضعفها فلا يطغى ولا يتكبر ولا يظلم .
وفي قوله تعالى: { وآثر الحياة الدنيا} إشارة إلى فساد حال القوة العملية، فمن هذا حاله يسعى لتحصيل الدنيا وملذاتها لا غير، ذكره الرازي.

{هي المأوى}: المأوى: المنزل والمرجع والمقرّ، وعلى القول بأن الألف واللام عوض عن المضاف إليه الضمير (أي عوض عن الهاء)،
فالمعنى: أي مأواه، وهذا عند الكوفيين، فعلى هذا القول يكون التقدير: فإنّ الجحيم مأواه، وهذا القول ذكره مكي والرازي والزجاج والقنوجي .

أما عند البصريين فإنّ قوله تعالى: {هي المأوى} بمعنى هي المأوى له ويكون التقدير: فإنّ الجحيم هي المأوى له،
ويكون حذف الصلة لأن المعنى واضح والتعريف في { المأوى} للعهد أي مأوى من طغى، وهو يغني عن ذكر ما يضاف إليه (مأوى)كقولك لرجل: غض الطرف أي: غض طرفك،
ويتضح من خلال الآية أن صاحب المأوى هذا هو الطاغي، ذكره مكي والبيضاوي والألوسي و والقنوجي.

وقد ذكر ابن عاشور أن الألف واللام عند نحاة الكوفة عوض عن المضاف إليه وهذه تسمية حسنة لوضوحها واختصارها،
مع أن البصريون يأبون ذلك ومع اختلافهم الضئيل إلا أن المعنى متفق عليه.

وتدل الآية على الحصر؛ فمن اتصف بهذه الصفات كانت الجحيم هي مصيره والمأوى اللائق به لا سواها، ذكره مكي والرازي والألوسي والقنوجي.


وأما من خاف مقام ربه: أما حرف تفصيل وشرط، ومن خاف مقام ربه، مقام الرب قد ورد فيه قولان، أحدهما: القيامة بين يدي ربه للجزاء، قاله أبو الربيع،
وهو مِن بابِ إضافَةِ المَصْدَرِ إلى المُخَوِّفِ ذكره ابن عطية وأبو حيان وابن القيم و ابن عاشور وابن عثيمين .
ويوم القيامة يقرر الله عبده بذنوبه ويقول: عملت كذا، عملت كذا، عملت كذا، كما جاء في الحديث الصحيح،
فإذا أَقَرَّ قال الله له: «قَدْ سَتَرْتُهَا عَلَيْكَ فِي الدُّنْيَا وَأَنَا أَغْفِرُهَا لَكَ الْيَوْمَ» هذا الذي خاف هذا المقام، ذكره ابن عثيمين.
فتكون إضافة المقام هنا لله فيها من التفخيم والتهويل بهذا الموقف ووقعه على النفوس الشيء العظيم.

والقول الآخر: خاف من اطلاع الله عليه في الدنيا عند المعصية وتذكر مقامه للحساب فانتهى عنها،
وهو من باب إضافة المصدر إلى الفاعل قاله ابن عباس ومجاهد ومقاتل والكلبي، وذكره ابن عطية وأبو حيان وابن الجوزي وابن القيم.


{ونهى النفس} التعريف في النفس للعهد كما هو الحال في مأوى.
{ونهى النفس} معناه هذا أن الخوف من مقام الله عز وجل أدى إلى انكفاف النفس عن ما تحبه وفيه هلاكها خوفا من الجليل سبحانه.
فمن نهى نفسه عن الهوى فقد عصى نفسه وأطاع ربه، وهذا حال الخائف نسأل الله أن يجعلنا منهم.

{ونهى النفس عن الهوى} الهوى ميل النفس إلى الشيء وفعله، وشاع في الهوى المرغوب الذميم.
والناهي نفسه عن الهوي ناهٍ لنفسه عن الشهوات التي تشتهيها النفس، وقد قال بعض الحكماء: إذا أرَدْتَ الصَّوابَ فانْظُرْ هَواكَ فَخالِفْهُ.
وقالَ الفُضَيْلُ: أفْضَلُ الأعْمالِ خِلافُ الهَوى، ذكر ذلك أبو حيان.

{فَإنَّ الجَنَّةَ هي المَأْوى} فالجنة منزله ومستقرّه، والتعريف في المأوى للعهد كما الحال في مأوى الأولى والله أعلم.
وذَكَرَ أنَّها نَزَلَتْ في مُصْعَبِ بْنِ عُمَيْرٍ.

قال ابن عباس: {﴿فَأمّا مَن طَغى﴾} فَهو أخٌ لِمُصْعَبِ بْنِ عُمَيْرٍ أُسِرَ فَلَمْ يَشُدُّوا وثاقَهُ، وأكْرَمُوهُ وبَيَّتُوهُ عِنْدَهم، فَلَمّا أصْبَحُوا حَدَّثُوا مُصْعَبًا، فَقالَ: ما هو لِي بِأخٍ، شُدُّوا أسِيرَكم،
فَإنَّ أُمَّهُ أكْثَرُ أهْلِ البَطْحاءِ حُلِيًّا ومالًا فَأوْثَقُوهُ ﴿وأمّا مَن خافَ مَقامَ رَبِّهِ﴾ «فَمُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ، وقى رَسُولَ اللَّهِ بِنَفْسِهِ يَوْمَ أُحُدٍ حِينَ تَفَرَّقَ النّاسُ عَنْهُ حَتّى نَفَذَتِ المَشاقِصُ في جَوْفِهِ،
وهي السِّهامُ، فَلَمّا رَآهُ رَسُولُ اللَّهِ مُتَشَحِّطًا في دَمِهِ قالَ: (عِنْدَ اللَّهِ أحْتَسِبُكَ) وقالَ لِأصْحابِهِ: (لَقَدْ رَأيْتُهُ وعَلَيْهِ بُرْدانِ ما تُعْرَفُ قِيمَتُهُما، وإنَّ شِراكَ نَعْلِهِ مِن ذَهَبٍ»)
وقد قيل أنّ مصعب بن عمير قتل أخاه يوم بدر، ذكره القرطبي وأبو حيان.

وَقَالَ السُّدِّيُّ: نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ (وَأَمَّا مَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ) فِي أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. وَذَلِكَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ كَانَ لَهُ غُلَامٌ يَأْتِيهِ بِطَعَامٍ، وَكَانَ يَسْأَلُهُ مِنْ أَيْنَ أَتَيْتَ بِهَذَا،
فَأَتَاهُ يَوْمًا بِطَعَامٍ فَلَمْ يَسْأَلْ وَأَكَلَهُ، فَقَالَ لَهُ غُلَامُهُ: لِمَ لَا تَسْأَلْنِي الْيَوْمَ؟ فَقَالَ: نَسِيَتُ، فَمِنْ أَيْنَ لَكَ هَذَا الطَّعَامُ. فَقَالَ: تَكَهَّنْتُ لِقَوْمٍ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَأَعْطَوْنِيهِ. فَتَقَايَأَهُ مِنْ سَاعَتِهِ
وَقَالَ: يَا رَبُّ مَا بَقِيَ فِي الْعُرُوقِ فَأَنْتَ حَبَسْتَهُ فَنَزَلَتْ: وَأَمَّا مَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ. ذكره القرطبي.

هذا والله أعلم.

ملاحظة: لضعف لدي في الناحية اللغوية واللغة العربية التزمت كلام المفسرين خوفا من الخطأ،حاولت الصياغة قدر ما استطعت، وكذلك كان هناك تردد في النقل عن بعض الأشعرية
أو المعتزلة مع أنّ لديهم ما هو جيد في الناحية اللغوية إلا أني خشيت أن أنقل منهم شيئا يمسّ العقيدة ويكون ليس في محله ونسأل الله العفو من عنده.

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 21 رجب 1443هـ/22-02-2022م, 10:59 PM
هيئة التصحيح 2 هيئة التصحيح 2 غير متواجد حالياً
 
تاريخ التسجيل: Oct 2012
المشاركات: 3,810
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة دينا المناديلي مشاهدة المشاركة
رسالة تفسيرية في قول الله تعالى:
{ فَأَمَّا مَن طَغَىٰ ، وَءَاثَرَ ٱلۡحَیَوٰةَ ٱلدُّنۡیَا، فَإِنَّ ٱلۡجَحِیمَ هِیَ ٱلۡمَأۡوَىٰ ، وَأَمَّا مَنۡ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِۦ وَنَهَى ٱلنَّفۡسَ عَنِ ٱلۡهَوَىٰ ، فَإِنَّ ٱلۡجَنَّةَ هِیَ ٱلۡمَأۡوَىٰ }

بالأسلوب البياني.

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علما، أما بعد..
فقد قال تعالى:
{ فَأَمَّا مَن طَغَىٰ ، وَءَاثَرَ ٱلۡحَیَوٰةَ ٱلدُّنۡیَا، فَإِنَّ ٱلۡجَحِیمَ هِیَ ٱلۡمَأۡوَىٰ ، وَأَمَّا مَنۡ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِۦ وَنَهَى ٱلنَّفۡسَ عَنِ ٱلۡهَوَىٰ ، فَإِنَّ ٱلۡجَنَّةَ هِیَ ٱلۡمَأۡوَىٰ }

يخبر الله تعالى عن انقسام الناس لفريقين لا ثالث لهما، قسم طغى وتكبر وظلم ولم يعبد ربه، هذا القسم الذي آثر الدنيا وشهواتها على الآخرة ونعيمها، يخبرنا الله عن مآله وهو الجحيم
لا سبيل لهؤلاء إلى الجنة، وهذا يجري على كل من هذا وصفه، ويخبرنا عن القسم الآخر وهو قسم الناجين الفائزين المفلحين، الذين انتهوا عن محارم الله وعن معصيته لخوفهم من الجليل،
نهوا أنفسهم عن اتباع الهوى وعن ما لا يرضي الله وهذا هو القسم الفائز الذي مأواه الجنة.
ونشرع في بيان بعض المعاني التي تضمنتها الآيات.

فقد قال تعالى: { فإذا جاءت الطامة الكبرى} ، ويليها من الآيات { فأما من طغى} وجواب إذا في قوله تعالى { فإذا جاءت الطامة الكبرى }
محذوف لأن التقسيم يدل عليه، ويكون التقدير إما ظهور الأعمال أو انقسام الناس إلى قسمين: قسم مأواه الجحيم وقسم مأواه الجنة، ذكره القاسمي والبقاعي والرازي.
وهذا الجواب المحذوف يفيد التهويل من عظم الأمر الذي لم يشاهده الإنسان بعينه، فهو من الشؤون العظيمة، وهو حاصل ما ذكره أبي السعود، والألوسي
وقوله تعالى:{ فأما من طغى}

{فأما} الفاء تربط جواب إذا، (أمّا) حرف تفصيل وشرط بمعنى: مهما يكن شيء، ذكره ابن عاشور.


والطغيان في اللغة: تجاور الحد، والمراد هنا تجاوز العبد حدّه، لكن ما هو حد العبد؟ حدّه الذي ذكره الله في القرآن: { ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾ }
فمن طغى على أمر الله ولم يعبد ربه هذا هو الطاغي؛ فالطغيان ألا يقوم الإنسان بعبادة ربه، ذكره ابن عثيمين.

وهنا وصف آخر { وآثر الحياة الدنيا} والإيثارُ: تفضيل شيء على شيء في حال لا يتيسر فيها الجمع بين أحوال كل منهما.
والمراد بإيثار الحياة الدنيا: إيثار منافعها وحظوظها ولذاتها التي لا يكون فيها إيثار للآخرة ، ومرجع ذلك الإيثار إلى الهوى وقد أدى إليه الطغيان.
ومحل الذم هنا إيثار الحياة الدنيا على الآخرة لا الأخذ من منافع الدنيا مع السعي والنظر للآخرة، فهذا غير مذموم
وقد قال تعالى: { ﴿وابْتَغِ فِيما آتاكَ اللَّهُ الدّارَ الآخِرَةَ ولا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيا﴾ }

فمن آثر الدنيا وقدمّها على الآخرة وجعلها همّه كانت الجحيم مأواه.
وإيثار الدنيا والطغيان وصفان لأهل النار وبين الوصفين تلازم، فمن طغى على أمر الله تحجج بإيثار الدنيا على الآخرة وقد كذّب بالآخرة، فنتيجة الطغيان إيثار الدنيا على الآخرة.
وكل طاغٍ كافر أسرف على نفسه بالظلم والمعاصي فمستقره جهنم.

وهنا مسألة هي المراد بمن طغى وآثر الحياة الدنيا، فقد قيل فيها أنّ المراد النضر وأبوه الحارث على سبيل التخصيص وقيل نزلت في أبي جهل وقيل نزلت في أخ مصعب بن عمير،
لكن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، فوصفهم يدخل ضمن الآية، فالذي يتصف بهذه الصفات يجري عليه نفس الحكم، ذكره الرازي.
وفي قوله تعالى: { فأما من طغى} إشارة إلى فساد القوة النظرية، فمن عرف ربه وقدرته الكاملة عرف نفسه وضعفها فلا يطغى ولا يتكبر ولا يظلم .
وفي قوله تعالى: { وآثر الحياة الدنيا} إشارة إلى فساد حال القوة العملية، فمن هذا حاله يسعى لتحصيل الدنيا وملذاتها لا غير، ذكره الرازي.

{هي المأوى}: المأوى: المنزل والمرجع والمقرّ، وعلى القول بأن الألف واللام عوض عن المضاف إليه الضمير (أي عوض عن الهاء)،
فالمعنى: أي مأواه، وهذا عند الكوفيين، فعلى هذا القول يكون التقدير: فإنّ الجحيم مأواه، وهذا القول ذكره مكي والرازي والزجاج والقنوجي .

أما عند البصريين فإنّ قوله تعالى: {هي المأوى} بمعنى هي المأوى له ويكون التقدير: فإنّ الجحيم هي المأوى له،
ويكون حذف الصلة لأن المعنى واضح والتعريف في { المأوى} للعهد أي مأوى من طغى، وهو يغني عن ذكر ما يضاف إليه (مأوى)كقولك لرجل: غض الطرف أي: غض طرفك،
ويتضح من خلال الآية أن صاحب المأوى هذا هو الطاغي، ذكره مكي والبيضاوي والألوسي و والقنوجي.

وقد ذكر ابن عاشور أن الألف واللام عند نحاة الكوفة عوض عن المضاف إليه وهذه تسمية حسنة لوضوحها واختصارها،
مع أن البصريون يأبون ذلك ومع اختلافهم الضئيل إلا أن المعنى متفق عليه.

وتدل الآية على الحصر؛ فمن اتصف بهذه الصفات كانت الجحيم هي مصيره والمأوى اللائق به لا سواها، ذكره مكي والرازي والألوسي والقنوجي.


وأما من خاف مقام ربه: أما حرف تفصيل وشرط، ومن خاف مقام ربه، مقام الرب قد ورد فيه قولان، أحدهما: القيامة بين يدي ربه للجزاء، قاله أبو الربيع،
وهو مِن بابِ إضافَةِ المَصْدَرِ إلى المُخَوِّفِ ذكره ابن عطية وأبو حيان وابن القيم و ابن عاشور وابن عثيمين .
ويوم القيامة يقرر الله عبده بذنوبه ويقول: عملت كذا، عملت كذا، عملت كذا، كما جاء في الحديث الصحيح،
فإذا أَقَرَّ قال الله له: «قَدْ سَتَرْتُهَا عَلَيْكَ فِي الدُّنْيَا وَأَنَا أَغْفِرُهَا لَكَ الْيَوْمَ» هذا الذي خاف هذا المقام، ذكره ابن عثيمين.
فتكون إضافة المقام هنا لله فيها من التفخيم والتهويل بهذا الموقف ووقعه على النفوس الشيء العظيم.

والقول الآخر: خاف من اطلاع الله عليه في الدنيا عند المعصية وتذكر مقامه للحساب فانتهى عنها،
وهو من باب إضافة المصدر إلى الفاعل قاله ابن عباس ومجاهد ومقاتل والكلبي، وذكره ابن عطية وأبو حيان وابن الجوزي وابن القيم.


{ونهى النفس} التعريف في النفس للعهد كما هو الحال في مأوى.
{ونهى النفس} معناه هذا أن الخوف من مقام الله عز وجل أدى إلى انكفاف النفس عن ما تحبه وفيه هلاكها خوفا من الجليل سبحانه.
فمن نهى نفسه عن الهوى فقد عصى نفسه وأطاع ربه، وهذا حال الخائف نسأل الله أن يجعلنا منهم.

{ونهى النفس عن الهوى} الهوى ميل النفس إلى الشيء وفعله، وشاع في الهوى المرغوب الذميم.
والناهي نفسه عن الهوي ناهٍ لنفسه عن الشهوات التي تشتهيها النفس، وقد قال بعض الحكماء: إذا أرَدْتَ الصَّوابَ فانْظُرْ هَواكَ فَخالِفْهُ.
وقالَ الفُضَيْلُ: أفْضَلُ الأعْمالِ خِلافُ الهَوى، ذكر ذلك أبو حيان.

{فَإنَّ الجَنَّةَ هي المَأْوى} فالجنة منزله ومستقرّه، والتعريف في المأوى للعهد كما الحال في مأوى الأولى والله أعلم.
وذَكَرَ أنَّها نَزَلَتْ في مُصْعَبِ بْنِ عُمَيْرٍ.

قال ابن عباس: {﴿فَأمّا مَن طَغى﴾} فَهو أخٌ لِمُصْعَبِ بْنِ عُمَيْرٍ أُسِرَ فَلَمْ يَشُدُّوا وثاقَهُ، وأكْرَمُوهُ وبَيَّتُوهُ عِنْدَهم، فَلَمّا أصْبَحُوا حَدَّثُوا مُصْعَبًا، فَقالَ: ما هو لِي بِأخٍ، شُدُّوا أسِيرَكم،
فَإنَّ أُمَّهُ أكْثَرُ أهْلِ البَطْحاءِ حُلِيًّا ومالًا فَأوْثَقُوهُ ﴿وأمّا مَن خافَ مَقامَ رَبِّهِ﴾ «فَمُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ، وقى رَسُولَ اللَّهِ بِنَفْسِهِ يَوْمَ أُحُدٍ حِينَ تَفَرَّقَ النّاسُ عَنْهُ حَتّى نَفَذَتِ المَشاقِصُ في جَوْفِهِ،
وهي السِّهامُ، فَلَمّا رَآهُ رَسُولُ اللَّهِ مُتَشَحِّطًا في دَمِهِ قالَ: (عِنْدَ اللَّهِ أحْتَسِبُكَ) وقالَ لِأصْحابِهِ: (لَقَدْ رَأيْتُهُ وعَلَيْهِ بُرْدانِ ما تُعْرَفُ قِيمَتُهُما، وإنَّ شِراكَ نَعْلِهِ مِن ذَهَبٍ»)
وقد قيل أنّ مصعب بن عمير قتل أخاه يوم بدر، ذكره القرطبي وأبو حيان.

وَقَالَ السُّدِّيُّ: نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ (وَأَمَّا مَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ) فِي أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. وَذَلِكَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ كَانَ لَهُ غُلَامٌ يَأْتِيهِ بِطَعَامٍ، وَكَانَ يَسْأَلُهُ مِنْ أَيْنَ أَتَيْتَ بِهَذَا،
فَأَتَاهُ يَوْمًا بِطَعَامٍ فَلَمْ يَسْأَلْ وَأَكَلَهُ، فَقَالَ لَهُ غُلَامُهُ: لِمَ لَا تَسْأَلْنِي الْيَوْمَ؟ فَقَالَ: نَسِيَتُ، فَمِنْ أَيْنَ لَكَ هَذَا الطَّعَامُ. فَقَالَ: تَكَهَّنْتُ لِقَوْمٍ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَأَعْطَوْنِيهِ. فَتَقَايَأَهُ مِنْ سَاعَتِهِ
وَقَالَ: يَا رَبُّ مَا بَقِيَ فِي الْعُرُوقِ فَأَنْتَ حَبَسْتَهُ فَنَزَلَتْ: وَأَمَّا مَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ. ذكره القرطبي.

هذا والله أعلم.

ملاحظة: لضعف لدي في الناحية اللغوية واللغة العربية التزمت كلام المفسرين خوفا من الخطأ،حاولت الصياغة قدر ما استطعت، وكذلك كان هناك تردد في النقل عن بعض الأشعرية
أو المعتزلة مع أنّ لديهم ما هو جيد في الناحية اللغوية إلا أني خشيت أن أنقل منهم شيئا يمسّ العقيدة ويكون ليس في محله ونسأل الله العفو من عنده.
أحسنتِ بارك الله فيكِ.
المهم أن يعلم الطالب أدوات كل أسلوب ويحسن استخراجها ويقف عليها، فيظهر ذلك الفهم من خلال تطبيقاته..
الدرجة:أ

رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
تطبيقات, على

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 12:55 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir