دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > برنامج إعداد المفسر > مجموعة المتابعة الذاتية > منتدى المستوى السابع ( المجموعة الأولى)

 
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #9  
قديم 3 ربيع الأول 1442هـ/19-10-2020م, 10:35 PM
هيئة التصحيح 11 هيئة التصحيح 11 غير متواجد حالياً
هيئة التصحيح
 
تاريخ التسجيل: Jan 2016
المشاركات: 2,525
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة إنشاد راجح مشاهدة المشاركة

بسم الله الرحمن الرحيم

تحرير القول في القراءات الورادة في قول الله تعالى: {إن هذان لساحران}


إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه، الحمد لله الذي أنزل الكتاب وحفظه في صدور الحفاظ قبل أن تخطه أيدي الكتّاب، والصلاة والسلام على نبيه الكريم الذي بلغ كلام ربه دون زيادة أو نقصان، وعلى من تبعه بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:

قال الله تعالى: (إن هذان لساحران) هذه الآية الكريمة مما اشتهر فيه الخلاف بين أهل اللغة فخرجوا التخريجات وقالوا فيها الأقوال، لإيجاد وجوه تُحمل
عليها قراءة الجمهور، ولما كان الخلاف مشهورا فقد ظن بعض الجهال والطاعنين في دين الإسلام أن فيها بغيتهم، ومن خلالها سينالون مرادهم، وهو نقض كمال القرآن الكريم بادعاء وجود الأخطاء اللغوية فيه، وتبعهم في هذا الظن الباطل بعض من عنايتهم باللغة ضعيفة وقد توطنت في قلوبهم الشبهات، وما أدركوا أنهم أقبلوا على معركة خاسرة، بحجة باطلة، ويرد عليهم وعلى أمثالهم بما لا ينكره إلا جاهل أو مكابر أن المسلمين تلقوا القراءات بالتواتر ، وأن المصاحف ما خطت إلا من حفظ الحفاظ، وليُعلم أن كلام الله محكم، معجز في بلاغته التي فاقت بلاغة أهل اللسان، فوقوع الخطأ فيه هو محض باطل من ادعاءات العابثين.

وكلامنا في هذه الرسالة عن الإشكال الذي وقع عند أهل اللغة في إعراب القراءة المشهورة والتي عليها جمهور القراء، ومنشأ اللإشكال قراءة (هذان) بالألف وقد علم من لغة العرب أن الاسم المثنى في حال نصبه وخفضه يكون بالياء، وفي حال رفعه يكون بالألف.

مستعينة بالله ابدأ بذكر القراءات وما قيل في توجيه كل قراءة وأوجه الاعتراض على تلك التوجيهات.

أولا: الاختلافات في القراءات الورادة في قول الله تعالى: (إن هذان لساحران) وما أجمع عليه القراء:
والاختلافات الواردة في القراءات يمكن حصرها فيما ذكره ابن مجاهد وتتمثل في ثلاثة أوجه:
- تشديد النونين وتخفيفهما في (إن)، وكذلك في (هذان)، وفي قراءة (هذان) بالألف والياء.

-وذكر ابن خالويه في الحجة في القراءات السبع إجماعات القراء فقال: (أجمع القراء على تشديد نون (إن) إلا ابن كثير وحفصا عن عاصم، فإنهما خففاها، وأجمعوا على لفظ الألف في (هذان) إلا أبا عمرو فإنه قرأها بالياء،وأجمعوا على تخفيف النون في التثنية إلّا ابن كثير فإنه شدّدها).ا.هـ.

ثانيا: القراءات وما جاء في كل قراءة من أقوال وتوجيهات:

القراءة الأولى: (إنّ هذان لساحران) بتشديد النون في (إنّ)، وقراءة (هذان) بالألف وتخفيف النون.
- قرأ بها عامة قراء الأمصار، وذلك اتباعا لخط المصحف. قاله ابن جرير.
فبها قرأ المدنيون والكوفيون، كنافع وابن عامر والكسائي وحمزة وعاصم في رواية أبي بكر بن عياش.
- ذكر ذلك ابن مجاهد ومكي والزمخشري، والزجاج، والنحاس، وذكره أبو منصور الأزهري، وابن خالويه، وأبو علي الفارسي وغيرهم.

-
وهذه القراءة توافق المصحف وتخالف ظاهر الإعراب، وقد رواها الجماعة عن الأئمة فيما قاله النحاس.
- واستحسن أبو إسحاق الزجاج هذه القراءة، لأنها مذهب أكثر القراء، وبها يُقرأ وهو قوي في العربية، قال أبو الحسن الأخفش: (ونقرؤها ثقيلة وهي لغة لبني الحارث بن كعب). ا.هــ.

واختارها الفراء، وله في القراءة بالألف في (هذان) جهتين:

إحداهما:كونها لغة لبني الحارث ومن جاورهم.
والوجه الثاني: أن الألف وجدت دعامة وليست لام (فعل)، وسيأتي بيان كلا الوجهين.
[لا داعي لذكر اختيار القراء، وتوجيهاتهم في مقدمتك، لأنك ستفصلين فيما بعد، ويكفي أن تذكري أنها قراءة الجمهور، مع النسبة إليهم]
- وذكر العلماء في توجيه هذه القراءة سبعة أقوال كما قال مكي بن أبي طالب، وتناولها في تفسيره، وبعضهم زاد حتى ذكر الأقوال الضعيفة، وبعضهم اقتصر على خمسة أو ستة أقوال، وربما أقل، وهنا أسرد ما قد اجتمع في أغلب ما وقفت عليه من مراجع، وبين بعض هذه الأقوال تقارب.

القول الأول: (إن) هنا بمعنى (نعم).

- من ذهب إلى أن (إن) المشددة هنا حرف جواب، وهى بمعنى (نعم)، وما بعدها مرفوع على الابتداء وما بعده خبر مرفوع، ولا عمل لها فيهما. [هذا توجيه بشر بن هلال كما ذكره أبو عبيدة وابن جرير الطبري]
- وقد حكى سيبويه أن (إن) تأتي بمعنى (أجل)، وكذلك حكى الكسائي عن عاصم أن ذلك معروفا عند العرب، فيما ذكره النحاس، ومكي.

- واختار هذا القول المبرد وإسماعيل القاضي، وأبو إسحاق الزجاج وعلي بن سليمان، فيما ذكره النحاس، ومكي، وابن عطية، وذكره أبو منصور الأزهري، وابن زنجلة في الحجة، وغيرهم. [ الأفضل فصل القول عن التوجيه، لأنهم وإن اتفقوا في القول فقد اختلف بعضهم في التوجيه.
للزجاج - ووافقه المبرد وإسماعيل القاضي - رأي آخر في توجيه هذا القول
الاعتراض على التوجيه السابق - توجيه بشر بن هلال- أن اللام دخلت على الخبر،
واللام إنما تدخل على خبر إنّ المكسورة التي تنصب اسمها.
ولا تدخل على الخبر بعد (إنّ) التي بمعنى (نعم) وإنما تدخل على المبتدأ في هذه الحالة.
وهنا (هذان): مبتدأ، (ساحران) خبر.
قالوا لا يكون ذلك إلا في ضرورة الشعر، وعقب بعضهم أن اللام - في الشواهد الشعرية المذكورة - للتقديم.
مثلا: أم الحليس لعجوز، المقصود: لأم الحليس عجوز، ولهذا البيت توجيهات أخرى كأن تكون اللام زائدة، أو بتقدير مبتدأ ثان، وتقدير مبتدأ ثان هو توجيه الزجاج.
توجيه الزجاج: أن المعنى " إنّ هذان لهما ساحران "
فقدر أن خبر هذان جملة (هما ساحران) من مبتدأ وخبر، واللام دخلت على المبتدأ.
ورد عليه ابن جني في (سر صناعة الإعراب]

- قال الزجاج: (
والذي عندي - واللَّه أعلم - وكنت عرضته على عالِمَيْنَا - محمد بن يزيد وعلى إسماعيل بن إسحاق بن حماد بن زيد القاضي فقبلاه وذكرا أنَّه أجود ما سمعاه في هذا، وهو (أنّ) قد وقعت موقع (نعم)، وأن اللام وقعت مَوْقِعَهَا، وأن المعنى هذان لَهما ساحِرَانِ.) ا.هـ.

ذكره أبو منصور الأزهري [لا حاجة لنقل قول الزجاج عن أبي منصور الأزهري، وهو مذكور في معاني القرآن للزجاج نفسه]
، وقد أعجبَ ابن عاشور هذا التوجيه، وقال تعقبيا على رأي المبرد وإسماعيل القاضي في توجيه الزجاج: (لقد صدقا وحققا).

واستدل لهذا القول باستعمالات (إن) في اللغة بمعنى (نعم):
1. بما روي عن علي بن أبي طالب أنه قال:
لا أحصي كم سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على منبره يقول: «إنّ الحمدُ لله – برفع الحمد- نحمده ونستعينه ثم يقول: أنا أفصح قريش كلّها وأفصحها بعدي أبان بن سعيد بن العاص».ذكره النحاس نقلا عن علي بن سليمان واستدل بهذا الأثر عدد من أهل اللغة والتفسير.
[النحاس رواه بإسناده وفيه عمرو بن جميع الكوفي، قال عنه الذهبي في ميزان الاعتدال: " كذبه ابن معين، وقال الدارقطني وجماعة: متروك، وقال ابن عدي: كان يتهم بالوضع،وقال البخاري: منكر الحديث"]
- والعرب تجعل (إن) في معنى (نعم)، وهذا معروف في خطباء الجاهيلة افتتاح خطبتهم ب(نعم) ذكره النحاس، وابن خالويه في الحجة، ومكي، وابن عطية، وغيرهم.
- قال السخاوي في فتح الوصيد: (وأبان هذا هو الذي ضمه أبو بكر رضي الله عنه إلى زيد بن ثابت في كتابة المصحف. فهذا أوضح دليل على صحة هذه القراءة.) ا.هــ.

2. وما روي عن عبد الله بن الزبير لما جاءه رجل يستجديه فما أعطاه، فقال الرجل: لعن الله ناقة حملتني إليك، فقال له ابن الزبير: (إن وراكبها)أي: (نعم ولعن راكبها)، ذكره الثعلبي والماوردي وابن عطية والسمين الحلبي وغيرهم.

3. وأما ما قيل في الشعر، فمنه قول عبد الله بن قيس الرقيات:
بكر العواذل في الصبوح.. يلمنني وألومهنه
ويقلن شيب قد علا.. ك وقد كبرت فقلت إنه

- أي: ( إنه كذلك)،- نعم قد كبرت- ، والهاء هنا هاء السكت كما قال السمين الحلبي وابن عاشور.
وهاء السكت تضاف لبيان حركة أو حرف أو لكراهة اجتماع ساكنين،كما عرف عند أهل اللغة.
قال الخليل: (
فإِذا وقفوا في هذا المعنى قالوا: إنّهْ.. تكون الهاء صلةً في الوقوف، وتَسْقط الهاء إذا صرفوا) ا.هـ.
- قال أبو عبيد: (وهذا اختصار من كلام العرب يكتفى منه بالضمير لأنه قد علم معناه) وذكره ابن منظور.

- وكذلك قول الشاعر:
قالوا: غدرت فقلت إنّ وربّما ... نال العلى وشفى الغليل الغادر

- وكذلك ما أنشده ثعلب:
ليت شعري هل للمحبّ شفاء ... من جوى حبّهنّ إنّ اللّقاء

الاعتراض على هذا القول:
- اعترض على هذا القول من وجهين:
أما الوجه الأول: فهو عدم ثبوت (إن) بمعنى (نعم)، وقيل أن ما استدل به لذلك فهو مؤول، وهو ما ذكره السمين الحلبي:
- فأما قول ابن الرقيات:
ويقلن شيب قد علا.. ك وقد كبرت فقلت إنه
فإن الهاء اسم (إن)، والخبر محذوف لفهم المعنى، وتقديره: إنه كذلك.

- وأما قول ابن الزبير،فقد حذف المعطوف عليه، وأبقى المعطوف وحذف خبر (إن) للدلالة عليه، وتقديره: إنها وصاحبها ملعونان، وفيه تكلف.

أما الوجه الثاني الذي اعترض به فهو دخول اللام على خبر المبتدأ غير المؤكد بإن المكسورة المشددة فلا يقال: (زيد لقائم
(، وقيل أنه لا يقع إلا في الشعر على الضرورة:
- وهذا الاعتراض ذكره النحاس وغيره.
قال النحاس فيما ذكره القرطبي: أن النحويين قالوا اللام ينوي بها التقديم.
وقال مكي في المشكل أن هذا القول فيه بُعد لدخول اللام في الخبر وذلك لا يكون إلا في الشعر، وكذا قاله ابن عطية، وبنحوه قال ابن أبي مريم، وسبقهم أبو علي الفارسي بنحوه.
- فاللام حقها أن تدخل في الابتداء دون الخبر، وإنما تدخل في الخبر إذا عملت (إن) في الاسم. ذكره مكي.

- ويقال أيضا أن من العرب من يدخل لام التأكيد في خبر المبتدأ، فيقول : زيد لأخوك، وهى لغة مستقيمة، قاله ابن خالوية وابن زنجلة،
وقد سبقهما قطرب بهذا التوجيه فيما ذكره ابن زنجلة.

وجميعهم استدلوا بقول الشاعر:
خالي لأنت ومن جرير خاله ... ينل العلاء ويكرم الأخوالا
وقول الشاعر:
أُمُّ الحُلَيْسِ لَعَجُوزٌ شَهْرَبَهْ. . . تَرْضى من الشاةِ بِعَظْمِ الرَّقَبَهْ
وقيل في هذا، أن اللام في موضعها و(لعجوز) مبتدأ، وشهربة خبر، والجملة خبر عن اللام، ذكره مكي.

- ويجاب على هذا الاعتراض بما قاله الزجاج أن التقدير هنا: (نعم هذان لهما ساحران) وقد حذف المبتدأ وهو الضمير:(هما)، ولساحران خبر مبتدأ محذوف.
فاللام داخلة على المبتدأ أصلا ولما حذف دخلت على ما بعدها وهو الخبر.
وقد ذكر قول الزجاج عدد من المفسرين وأهل اللغة والقراءات كأبي منصور الأزهري، والزمخشري، وذكره ابن منظور وغيرهم.

- واعترض أبو على الفارسي وابن جني وغيرهم على توجيه الزجاج، فقال أبو علي إن هذا لا يتجه لأمرين:
(أحدهما: أن الذي حمله النحويون على الضرورة لا يمتنع من أن يستمر هذا التأويل فيه، ولم يحملوه مع ذلك عليه)، وبنحوه قال أبو الفتح ابن جني.

وقال:
(والآخر: أن التأكيد باللام لا يليق به الحذف، ألا ترى أن الأوجه في الرتبة أن يتم الكلام ولا يحذف، ثم يؤكّد فأما أن يحذف ثم يؤكّد، فليس باللائق في التقدير) ا.هــ.

- وقال ابن جني: (ووجه الخطأ فيه أن (هما) المحذوفة التي قدرها مرفوعة بالابتداء لم تحذف إلا بعد العلم بها والمعرفة بموضعها، وكذلك كل محذوف لا يحذف إلا مع العلم به، ولولا ذلك لكان في حذفه مع الجهل بمكانه ضرب من تكليف علم الغيب للمخاطب، وإذا كان معروفًا؛ فقد استغنى بمعرفته عن تأكيده باللام؛ ألا ترى أنه يقبح أن تأتي بالمؤكد وتترك المؤكد فلا تأتي به) ا.هـ.

-ولعل هذا مذهب ابن منظور أيضا، قال: (وقد بين أبو علي فساد ذلك – أي قول الزجاج- فغنينا نحن عن إيضاحه هنا) ا.هـ.
- وقال أبو حيان أن ما ذهب إليه الزجاج ضعيف، ذلك أن حذف الضمير لا يجئ إلا في الشعر وأن دخول اللام في الخبر شاذ.

- قال ابن عاشور بأن ما أورده ابن جني فيه نظر.

-وقد سبق ذكر أن التقدير على هذا القول: (نعم هذان لهما ساحران)، قال السمين الحلبي أنه لا يصح أن تكون (إن) هنا بمعنى (نعم)، وعلل ذلك بقوله: (لأنها لم يتقدمها شيء تكون جوابا له، و(نعم) لا تقع ابتداء كلام، إنما تقع جوابا لسؤال فتكون تصديقاً له. ولقائل أن يقول: (يجوز أن يكون ثَّم سؤال مقدر)) ا.هــ.
- وربما جواب ذلك فيما ذكره أبو علي حيث قال أن حمل (إن) على معنى (نعم)، يناسبه أن يتقدمه سؤال عن سحرهم وقد تقدم (أجئتنا لتخرجنا من أرضنا بسحرك يا موسى فلنأتينك بسحر مثله)، فيكون (نعم) تصديقا لأنفسهم فيما ادعوه من السحر لموسى بعد تنازعهم في أمره هو وهارون عليهما السلام.
وفيما ذكره أبو علي أن هذا من قول السحرة فيما بينهم حين تنازعوا، وهو ما سبق إلى قوله قطرب أن هذا قول المتنازعين في أمر موسى وهارون عليهما السلام، فاتفقوا أنهما ساحران، وقالوا تصديقا من بعضهم لبعض (نعم)، ثم قالوا: (هذان ساحران). فيما ذكره ابن زنجلة في الحجة، وبنحوه قال أبو شامة المقدسي وابن عاشور.

- وزاد أبو شامة في أنه قد يكون قول السحرة ردا على فرعون، لما قال لهم انظروا كيف تبطلون ما جاء به، فقالوا: (نعم)، ثم استأنفوا جملة ابتدائية فقالوا: (هذان لساحران).
-وقال الماوردي أن هذا قول السحرة، أو أنه قول قوم فرعون، أو أنه قول فرعون وعبر عنه بالجماعة.

القول الثاني: أنها لغة قوم يجعلون الاثنين في رفعهما ونصبهما وخفضهما بالألف.
- وعلى هذا القول ف(إن) حرف توكيد،- المشددة العاملة- وقد جرى إعراب المثنى برفع الألف [هنا لا تكون معربة وإنما مبنية] في جميع أحوال الإعراب، وذلك على لغة من لغات العرب، وهى لغة بني الحارث بن كعب وكنانة وغيرهم، وهى لغة مشهورة ولها شواهد وأدلة في كلام العرب وأشعارهم، وقد جاءت هذه القراءة على إعرابها.

قال الفراء: (لما رأوا-أي: العرب- أن الياء من الاثنين لا يمكنهم كسر ما قبلها وثبت مفتوحا: تركوا الألف تتبعه، فقالوا: رجلان في كل حال.
قال: وقد اجتمعت العرب على إثبات الألف في كلا الرّجلين، في الرّفع والنّصب والخفض، وهما اثنان إلا بني كنانة، فإنّهم يقولون: رأيت كلي الرّجلين، ومررت بكلي الرّجلين، وهي قبيحة قليلة مضوا على القياس). ا.هـ. وذكره ابن جرير.

وممن ذكر بأنها لغة لبني الحارث بن كعب:
- أبو زيد الأنصاري والكسائي والأخفش والفراء، فيما ذكره ابن قتيبة، والزجاج، والنحاس، ومكي، وكذلك ذكره الزمخشري، وابن عطية، والقرطبي، وأبو منصور الأزهري، وغيرهم.

- واحتج لذلك بخبر الضحاك -وهو الضحاك بن سفيان بن عوف بن كعب- عن ابن عباس أنه قال: (
أن الله تعالى أنزل هذا القرآن بلغة كل حيّ من أحياء العرب)ذكره ابن خالويه وأورده شيخ الإسلام في رسالته. [وهذا الإسناد منقطع]
- وقد روى عطاء عن ابن عباس أنه قال: (هى لغة بلحارث بن كعب). ذكره ابن الجوزي، وذكر الفراء - بأنها لغة لبني الحارث -كأحد الوجهين في توجيه هذه القراءة
.

القول بأنها لغة كنانة:
- حكى أبو عبيدة عن أبي الخطاب أنه سمع قوما من بني كنانة وغيرهم يرفعون الاثنين في موضع الجر والنصب، ويقولون: أتاني الزيدان، ورأيت الزيدان، ومررت بالزيدان.
وكذلك ذكره ابن قتيبة، وابن جرير والزجاج، والنحاس، ومكي، وابن عطية، وابن زنجلة في الحجة، وغيرهم.

- وقال أبو منصور الأزهري في معاني القراءات: (أن الأخفش الكبير وغيره من قدماء النحويين قالوا: هى لغة كنانة) ا.هـ.

القول بأنها لغة خثعم:
- قيل أن الكسائي نسبها إلى خثعم، فيما ذكره شيخ الإسلام في رسالته، وقد ذكره مكي، وابن عطية، والقرطبي.
- وقال آخرون: هذه لغة الحارث بن كعب وخثعم وزبيد وكنانة يجعلون الاثنين في رفعهما ونصبهما وخفضهما بالألف. ذكره النحاس، والثعلبي، والماوردي.

- والحاصل مما سبق تفصيله أنها لغة عرفت عن بني الحارث وكنانة ومن جاورهم من قبائل العرب.

ويستدل لذلك بما روي من أشعار العرب:
- قال الفراء: أنشدني رجل من الأسد عنهم- أي: بني الحارث-:
وأطرق إطراق الشجاع ولو ترى ... مساغا لناباه الشجاع لصمما

- ومن أدلة ذلك أيضا قول الشاعر:
تزود منا بين أذناه طعنة على ... رأسه تلقى العظام من الفم

وقول الشاعر:
تَزَوَّدَ مِنَّا بَيْنَ أُذْنَاهُ ضَرْبَةً ... دَعَتْهُ إِلَى هابي التراب عقيم

وقول آخر:
إنّ أباها وأبا أباها ... قد بلغا في المجد غايتاها

والعرب تقول: كسرت يداه، وركبت علاه، ذكره الثعلبي.
وتقول أيضا: (ضَرَبتُه بين أذُناه، ومن يشتري مني الخُفَّانِ).

الاختيار والتفضيل والاعتراض:
- ذهب بعض المفسرين وأهل اللغة إلى جودة هذا القول واختاروه تفسيرا لهذه القراءة، كابن جرير وأبي جعفر النحاس، وأبي شامة المقدسي.
- قال النحاس أن هذا القول هو أحسن ما حملت عليه الآية، إذ كانت هذه اللغة معروفة، وقد حكاها من يرتضى بعلمه وأمانته منهم أبو زيد الأنصاري، فيما ذكره القرطبي.

- ومنهم من حمله على الجودة مع القول بأن (إن) بمعنى (نعم) أجود كالزجاج،
وقال: (مذهب بني كنانة في ترك ألف التثنية علىهيئة واحدة، لأن حق الألف أنْ تَدُل على الاثنين، وكان حقها ألا تتغيَّر كما لم تتغير ألف رحى وعصى، ولكن كان نقلها إلى الياء في النصب والخفضأبين وأفْضَلُ للتمييز بين المرفوع والمنصوب والمجرور).ا.هـ. ذكره النحاس وأبو منصور الأزهري، وغيرهم.
وأما من اعترض عليه كابن خالويه والماوردي، فكانت حجتهم في ذلك أنها لغة شاذة، ولا يجوز حمل القرآن عليها، قال ابن خالويه: (وأما من جعل تثنية المجرور والمنصوب بالألف فقالوا: جلست بين يداه، وأعطيت درهمان، فلغة شاذة، لا تدخل في القرآن، وهي لغة بلحرث بن كعب). وقال: (فلما كانت الكتابة في المصحف بالألف (إن هذان) حمله بعضهم على هذه اللغة) ا.هـ.
- وقال الماوردي: (أنه لا يجوز أن يحمل القرآن على ما اعتل من اللغات ويعدل به عن أفصحها وأصحها) ا.هـ.

- والاعتراض بكونها لغة شاذة، يرده نقل الثقات لهذه اللغة، قال مكي: (وهذا القول قول حسن، لا نطعن فيه لثقة الناقلين لهذه اللغة، وتواتر نقلهم واتفاقهم على ذلك، وقد نقلها أبو زيد، وكان سيبويه إذا قال حدثني من أثق به، فإياه يعني
.) ا.هـ.

- قال شيخ الإسلام رحمه الله: (بنو الحارث بن كعب هم أهل نجران، ولا ريب أن القرآن لم ينزل بهذه اللغة، بل المثنى من الأسماء المبنية في جميع القرآن هو بالياء في النصب والجر) ا.هـ.

- فما ذكره شيخ الإسلام أن القرآن لم ينزل بهذه اللغة- أي لغة بالحارث بن كعب- مستنده أدلة صحيحة كقول عثمان رضي الله عنه: (إن القرآن نزل بلغة قريش)، وكذلك أمره لكتبة المصحف: (إذا اختلفتم في شيء فاكتبوه بلغة قريش فإن القرآن نزل بلغتهم)، وقد روى البخاري في صحيحه، أنهم لم يختلفوا إلا في حرف واحد وهو (التابوت) فردوه إلى عثمان فأمر أن يكتب بلغة قريش-أي اكتبوه بالرسم الذي يوافق لغتهم.

وكذلك ما أمر به عمر بن الخطاب ابن مسعود حين كتب له: (أما
بعد،فإناللهأنزلهذا القرآنبلسانقريش،وجعلهبلسانعربيمبين،فأقرئالناسبلغةقريش، ولاتقرئهمبلغةهذيل،والسلام)رواهعمربنشبة.

فكيف نجمع بين ما ورد عن الثقات من نقلة لغة بني الحارث بن كعب وما تواتر من أدلة شعرية ووغيرها عنهم في توجيه القراءة وبين ما صح من نزول القرآن بلغة قريش والأمر بالكتابة بها عند الاختلاف، وكذلك القراءة بها لا بلغة أخرى.

وجواب ذلك أن الأدلة والشواهد الورادة لم يأت فيها مثالا للاسم المبهم (المبني) عند تثنيته، وما جاء هو في الأسماء المعربة التي ترفع بالألف وتخفض وتجر بالياء.
وتوجيه شيخ الإسلام رحمه الله لهذا، في قوله: (وحينئذ فالذي يجب أن يقال: إنه لم يثبت أنه لغة قريش، بل ولا لغة سائر العرب أنهم ينطقون في الأسماء المبهمة إذا ثنيت بالياء، وإنما قال ذلك من قال من النحاة قياسا، جعلوا التثنية في الأسماء المبهمة، كما هو في سائر الأسماء، وإلا فليس في القرآن شاهد يدل على ما قالوه) ا.هــ.

- وكان الصحابة يقرؤون القرآن كما علمهم الرسول صلى الله عليه وسلم، وقد نُقلت قراءته بالتواتر للتابعين ونقلها التابعون لمن بعدهم، وعلم من القراءة أن هذه اللغة الفصيحة المعروفة عند قريش وغيرهم في الأسماء المبهمة يقولون: إن هذان، ومررت بهذان.

- وقال شيخ الإسلام رحمه الله بأن ما ذكره قد يعترض عليه، بأنه جاء في غير الرفع بالياء كسائر الأسماء، كما في قوله تعالى: (وقال الذين كفروا ربنا أرنا اللذين أضلانا من الجن والإنس)، ولم يقل: (اللذان).
وكذلك كما قال تعالى في قصة موسى: (إني أريد أن أنكحك إحدى ابنتي هاتين) ولم يقل (هاتان).

وجوابه بأن (قوله: (أرنا اللذين أضلانا)، فقد يفرق بين اسم الإشارة والموصول بأن اسم الإشارة على حرفين بخلاف الموصول فإن الاسم هو: اللذا، عدة حروف وبعده يزاد علم الجمع، فيكسر الذال ويفتح النون، وعلم التثنية فيفتح الذال ويكسر النون، والألف تقلب ياء في النصب والجر،لأن الاسم الصحيح إذا جمع جمع التصحيح كسر آخره في النصب وفي الجر وفتحت نونه.
وإذا ثني فتح آخره وكسرت نونه في الأحوال الثلاثة، وهذا يبين أن الأصل في التثنية الألف، وعلى هذا فيكون في إعرابه لغتان، جاء بهما القرآن)
ا.هـ.
وذكر ابن هشام في الشذور، جواب شيخ الإسلام، قال: (الفرق بين (اللذان) و(هذان) بأن (اللذان) تثنية اسم ثلاثي فهو شبيه بالزيدان، و(هذان) تثنية اسم على حرفين فهو عريق في البناء لشبهه بالحروف) ا.هــ.

وأما في قوله الله تعالى: (إني أريد أن أنكحك إحدى ابنتي هاتين) :
فقال شيخ الإسلام رحمه الله بأن السبعة- أي القراء- أجمعوا على الياء في قوله تعالى: (إحدى ابنتي هاتين)، مع أن هاتين تثنية (هاتا) وهو مبني.
وأجاب عن ذلك بأنه إنما جاء (هاتين) بالياء على لغة الإعراب لمناسبة (ابنتي)، قال فالإعراب هنا أفصح من البناء لأجل المناسبة،كما أن البناء في (هذان) أفصح من الإعراب لمناسبة الألف في(ساحران).

- وأما قوله ( إن هذان لساحران) فجاء اسما مبتدأ: اسم إن وكان مجيئه بالألف أحسن في اللفظ من قولنا: (إن هذين لساحران)، الألف أحق من الياء لأن الخبر بالألف.
فإن كان كل من الاسم والخبر بالألف، كان اسم مناسبة، وهذا معنى صحيح.

وخلاصة القول:
- أن ما سيق للاستدلال من كلام العرب في توجيه هذه القراءة، إنما جاء في المعرب من الأسماء لا في المبني، فقياس من قاس هذا على ذاك ليس في محله، فالإشكال وقع في القياس لا السماع، فإن قراءة الجمهور جاءت على اللغة الفصيحة وهى لغة قريش، وقد علم أنهم يقولون: (هذان) في جميع أحوال الإعراب، ولا ينافي هذا أن تكون لغة بني الحارث وغيرهم أيضا، وذلك أن اللغات قد تتفق في ألفاظ، ودليل ذلك أنه عند كتابة المصحف لم يختلف لسان قريش والأنصار إلا في لفظ (التابوه) و (التابوت)، فكتبوه (التابوت) بلغة قريش.
- ف(هذان) اسم مبني في جميع أحوال الإعراب، وهى لغة قريش ولا يمتنع أن تكون وافقتها بني الحارث وغيرها، وقد قال ابن الأنباري: (هى لغة لبني الحارث بن كعب وافقتها لغة قريش). فيما ذكره ابن الجوزي.

القول الثالث: حذف ضمير الشأن، فالهاء مضمرة ها هنا:
- وهذا القول حكاه أبو إسحاق الزجاج عن النحويين القدماء.
وذكره النحاس، ومكي، وأبو منصور الأزهري وأبو حيان، وغيرهم.

- والتقدير: (إنه هذان لساحران)، واسم (إن) ضمير الشأن محذوف، وخبرها الجملة من قوله: (هذان لساحران)، واللام في (لساحران) داخلة على خبر المبتدأ.
ذكره الزجاج، والنحاس، ذكره مكي وابن زنجلة في الحجة، وأبو حيان وغيرهم.
قال القرطبي: (والأشبه عند أصحاب أهل هذا الجواب أن الهاء اسم (إن)، و(هذان) رفع بالابتداء، وما بعده خبر الابتداء) ا.هـ.
وقال ابن أبي مريم بأن (هذان) مبتدأ، و(لهما) مبتدأ ثان وهو مضمر أو محذوف، و(ساحران) خبر المبتدأ الثاني، والجملة: (لهما ساحران) هى خبر المبتدأ الأول (هذان).

- وكان الماوردي ذهب إلى هذا التوجيه ورد القول بأن القراءة بالألف تحمل على اللغة، فقال: (لا يجوز أن يحمل القرآن على ما اعتل من اللغات ويعدل به عن أفصحها وأصحها، ولكن في (إن) هاء مضمرة تقديرها (إنه هذان ساحران)) ا.هـ.

-وضُعف هذا القول لعدم جواز ذلك- أي الحذف- إلا في الشعر، ولدخول اللام على الخبر، ويجاب على الأخير بتوجيه الزجاج بدخول اللام على مبتدأ محذوف وقد سبق بيانه تحت القول الأول.

وقد ذكر النحاس أن دخول اللام ينوي بها التقديم، ويفسر عبارته قول أبي شامة المقدسي، قال: (إن ضمير الشأن محذوف، والأصل: (إنه هذان)، واللام زائدة، أو أريد بها التقديم، أي: لهذان ساحران) ا.هــ
.

- وقد ذكر ابن هشام في المغني بأن (إن) المشددة تكون على وجهين أحدهما أن تكون بمعنى (نعم)، والثاني أن يرتفع بعدها المبتدأ فيكون اسمها ضمير شأن محذوف.
واستدل لهذا بقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إن من أشد الناس عذابا يوم القيامة المصورون)
والأصل : إنه أي الشأن.


القول الرابع: أن الألف في (هذان) دعامة وليست ب"لام فعل":
قال الفراء: (وجدت الألف دعامة وليست بلام الفعل، فلما ثنيت زدت عليها نوناً ثم تركت الألف ثابتة على حالها لا تزول على كل حال، كما قالت العرب: (الذي) ثم زادوا عليها نوناً تدل على الجمع، فقالوا: الذين في رفعهم ونصبهم وخفضهم كما تركوا (هذان) في رفعه ونصبه وخفضه، وكنانة يقولون (اللذون)).ا.هــ.
وكذلك ذكره ابن جرير، والزجاج والنحاس، وابن زنجلة ومكي، وابن عطية وغيرهم.
- وحكاه ابن الأنباري في كتاب الرد على من خالف مصحف عثمان، عن الفراء:فقال: (ألف (هذان) هى ألف (هذا)، والنون فرقت بين الواحد والتثنية، كما فرقت نون (الذين) بين الواحد والجمع). فيما ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله.
-وقال الماوردي: (أنه بني (هذان) على بناء لا يتغير في الإعراب كما بنى (الذين) على هذه الصيغة في النصب والرفع) ا.هــ.

القول الخامس: يحكى عن بعض الكوفيين أن الألف في هذان مشبهة بألف يفعلان، فلم تغير كما لا يغير ألف يفعلان.
ذكره النحاس ومكي، وابن عطية، ونقله القرطبي وكذلك ذكره شيخ الإسلام رحمه الله في رسالته.

- قال النحاس: (ومن بين ما في هذا قول سيبويه: (واعلم أنّك إذا ثنّيت الواحد زدت عليه زائدتين، الأولى منهما حرف مدّ ولين، وهو حرف الإعراب). قال أبو جعفر: (فقول سيبويه: وهو حرف الإعراب، يوجب أنّ الأصل أن لا يتغير إنّ هذان، جاء على أصله ليعلم ذلك وقد قال الله جلّ وعزّ: (استحوذ عليهم الشيطان) ولم يقل: استحاذ، فجاء على هذا ليدل على الأصل إذ كان الأئمة قد رووها وتبيّن أنها الأصل، وهذا بيّن جدا.) ا.هـ.

- ونقل شيخ الإسلام رحمه الله قول الجرجاني، قال:
(وقال الجرجاني: لما كان (ذا) اسما على حرفين: أحدهما حرف مد ولين، وهو الحركة ووجب حذف إحدى الألفين في التثنية، لم يحسن حذف الأولى، لئلا يبقى الاسم على حرف واحد فحذف علم التثنية).ا.هـ.

القول السادس: أن )هذان( اسم مبني فتثنيته في الرفع والنصب والخفض بحال واحدة.
قال أبو جعفر النحاس: (وسألت أبا الحسن بن كيسان عن هذه الآية، فقال: إن شئت أجبتك بجواب النحويين، وإن شئت أجبتك بقولي، فقلت: بقولك، فقال سألني إسماعيل ابن إسحاق- وهو إسماعيل القاضي- عنها، فقلت: القول عندي أنه لما كان يقال (هذا) في موضع الرفع والنصب والخفض على حال واحدة، وكانت التثنية يجب ألا يغير لها الواحد، أجريت التثنية مجرى الواحد. فقال إسماعيل: ما أحسن هذا لو تقدمك أحد بالقول به، حتى يؤنس به. فقلت: فليقل القاضي به حتى يؤنس به، فتبسم).وذكره مكي وابن عطية والقرطبي وابن عاشور.

-وقد روى السيوطي في أنباء الرواة قول ابن كيسان أنه ذهب إلى أن (هذان) مبنية لا معربة وعلة بنائها أن المفرد منها (هذا) وهو مبني، والجمع (هؤلاء) وهو مبني فتحمل التثنية على الوجهين.

وقال شيخ الإسلام رحمه الله أن قول الفراء مثل جواب ابن كيسان في المعنى، وقد سبق الفراء وغيره، وهو القول الرابع الذي ذكرته.

- ف(هذان) اسم إشارة للمثنى، جاء المفرد والجمع منه على حال واحدة في الرفع والنصب والخفض فكذلك في التثنية، ألحق قياسا بهما، فيقال: (أكرمت هذان)، و(مررت بهذان)، ولا يجوز قياسه على الأسماء المعربة.

قال شيخ الإسلام رحمه الله: (وما ذكره الفراء وابن كيسان وغيرهما يدل على هذا ، فإن الفراء شبه ( هذا) ب(الذين)، وتشبيهه ( اللذان) به أولى).ا.هـ.

والأقوال الثلاثة الأخيرة بنفس المعنى كما ذكر شيخ الإسلام رحمه الله.

القول السابع: هو لحن من غلط الكاتب.
- حكاه أبو عمرو وغيره، كما ذكره النحاس، ومكي بن أبي طالب، وغيرهم. [قولي نُسب إلى أبي عمرو، دون جزم، إلا أن يكون لديكِ إسناد ثابت]

- ونقل الفراء قول بعض من اختلفوا في هذا الحرف أنهم قالوا: (هو لحن ولكنا نمضي عليه لئلاّ نخالف الكتاب).
-وروي عن أبي عمرو أنه قال: (إني لأستحي من الله أن أقرأ (إنّ هذان لساحران))، واحتج بمخالفته للمصحف- كما سيأتي بيانه- بما روي عن عائشة أنها سُئلت عن قوله تعالى في النساء: {لكن الراسخون في العلم منهم .... والمقيمين الصلاة} وعن قوله في المائدة: {إن الذين آمنوا والّذين هادوا والصّابئون} وعن قوله:
{إنّ هذان لساحران} فقالت: يا ابن أخي هذا كان خطأ من الكاتب) ا.هـ.ذكره الفراء، والنحاس.

- وبما روي عن عثمان أنه قال: (إن في المصحف لحنا وستقيمه العرب بألسنتهم).
ذكره النحاس، وكذلك نقله القرطبي، ونُسب هذا القول أيضا لعائشة، فيما ذكره مكي.
- وروي عن أبي عمرو فيما ذكره السخاوي في فتح الوصيد أنه قال: ((ما وجدت في القرآن لحنا غير (إن هذان)، و(أكن من الصلحين)).
وعقب السخاوي قائلا: (وهذا الذي قاله إنما يقوله على الظن، وكم من ظن غير مصيب) ا.هـ.

- قال ابن عطية: (وقالت جماعة منهم عائشة رضي الله عنها وأبو عمرو: (هذا مما لحن الكاتب فيه وأقيم بالصواب، وهو تخفيف النون من إن) [وتخفيف النون غير القراءة محل البحث] ا.هـ.
وذكره أبو حيان والسمين الحلبي أيضا دون زيادة :(وهو تخفيف النون من إن) – وهذه الزيادة قد تكون من قول أبي عمرو-وقد نقلها ابن عطية من مصدرٍ وأغفلها غيره-وإن صحت نسبتها لأبي عمرو فإنه من المحتمل أن أبا عمرو ذهب لتفضيل قراءة حفص وابن كثير لقوة الوجه الإعرابي فيها عن قراءة التشديد ولا يعني ذلك إبطاله للقراءة التي عليها الجمهور، إنما ربما هو من قبيل الاستحسان والاختيار، وقد يقرأ القارئ بقراءة ويستحسن معها أخرى، كما ورد عن الزجاج.
وقد تكون هذه الزيادة من كلام ابن عطية وكتبت في سياق نقله للخبر واتصلت به خطأ، وقال السمين الحلبي أن قوله (وأقيم بالصواب) أي: بالقراءة بالياء، وأنه كان من حقه أن يكتبه بالياء فلم يفعل. [هذا إن ثبت عنه ]

نقد ما نسبت روايته إلى عائشة وعثمان رضي الله عنهما:
-استدل أبو عمرو بما روي عن عائشة وعثمان بأن ما وقع في قراءة التشديد هو لحن، وذهب العلماء لتضعيف المستدل به، فقد نُسب لعائشة القول: (هذا كان خطأ من الكاتب).
ونسب لعثمان القول: (إن في المصحف لحنا وستقيمه العرب بألسنتهم).
ونسب إليه أيضا قولا آخر، قال أبان: (قرئت هذه الآية عند عثمان فقال: لحن وخطأ، فقيل له: ألم تغيّروه فقال
: (دعوه فإنّه لا يحلّ حراما ولا يحرّم حلالا) ا.هـ. ذكره الثعلبي والقرطبي.

فالمراد بالخطأ واللحن هنا لا يخرج عن أمرين، إما أن يكون خطأ كتابياً، أوخروجا إلى لغة غير لغة قريش، وهذا قد سبق بيانه، أما الأول فقد يفسره قول أبي عبيدة معمر، قال: (قال أبو عمرو وعيسى ويونس (إنّ هذين لساحران) فى اللفظ وكتب (هذان) كما يزيدون وينقصون فى الكتاب واللفظ صواب). ا.هـ.

فما ذكر قد يحمل على أنه قد وقع خطأ في الكتابة، وقد علم أن رسم المصحف جاء موافقا للغة قريش.
- ورد شيخ الإسلام رحمه الله وقوع الخطأ في المصحف فقال: (فإن هذا ممتنع لوجوه: منها تعدد المصاحف، واجتماع جماعة على كل مصحف إلى بلد كثير، فيه كثير من الصحابة والتابعين يقرأون القرآن ويعتبرون ذلك بحفظهم. والإنسان إذا نسخ مصحفا على غلط في بعضه عرف الغلط بمخالفة حفظه القرآن وسائر المصاحف.فلو قدر أنه كتب كاتب مصحفا، ثم نسخ سائر الناس منه من غير اعتبار الأول والثاني أمكن وقوع الغلط في هذا، وهنا كل مصحف إنما كتبته جماعة، ووقف عليه خلق عظيم، ممن يحصل التواتر بأقل منهم) ا.هــ.

- ومع هذا فلو قدر وقوع الخطأ في أحد المصاحف، وتركه عثمان وهذا ممتنع في حقه و
في حق من كان معه، فأين ذهب الحفاظ الذين مستندهم السماع لا الرسم، ولو كان عثمان علم به ألم يكن من اليسير عليه تصحيحه !

-وقد ذهب ابن خالويه إلى أن اللحن هنا ليس الخطأ، بل هو خروج من لغة إلى لغة، لأن القرآن نزل بلغة قريش لا بلغة بالحارث بن كعب.
قال شيخ الإسلام رحمه الله: (والقرآن محكم لا لحن فيه، ولا تتكلم العرب بأجود نه في الإعراب). ا.هـ.

وجواب شيخ الإسلام رحمه الله على ذلك، نقله ابن هشام في الشذور، فقال:
- (أن الصحابة كانوا يتسارعون في إنكار أدنى المنكرات فكيف يقرون اللحن في القرآن؟ مع أنهم لا كلفة عليهم في إزالته.
- أن العرب كانت تستقبح اللحن غاية الاستقباح في الكلام فكيف لا يستقبحون بقاءه في المصحف.
- أن الاحتجاج بأن العرب ستقيمه بألسنتها غير مستقيم، لأن المصحف الكريم يقف عليه العربي والعجمي).
ا.هــ

قال مكي: (وهذا القول قد طعن فيه، لأن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قد أجمعوا على صحة ما بين اللوحين، فلا يمكن أن يجتمعوا على غلط)
. ا.هـ.

- قال ابن عاشور فيما روي عن عائشة وعثمان رضي الله عنهما: (وهذه أوهام وأخبار لم تصح عن الذين نسبت إليهم. ومن البعيد جدا أن يخطئ كاتب المصحف في كلمة بين أخواتها فيفردها بالخطأ دون سابقتها أو تابعتها وأبعد منه أن يجيء الخطأ في طائفة متماثلة من الكلمات وهى التي إعرابها بالحروف النائبة عن حركات الإعراب من المثنى والجمع على حده. ولا أحسب ما رواه عن عائشة وأبان عن عثمان في ذلك صحيحا). ا.هــ.

وقال ابن الأنباري: (حديث عثمان لا يصح لأنه غير متصل، ومحال أن يؤخر عثمان شيئا ليصلحه من بعده).ا.هـ. ذكره شيخ الإسلام رحمه الله.
وقال ابن عاشور بأن رواية أبان ليس فيها سند صحيح.

ويكتفى هنا ببيان ضعف ما نسب لعائشة وعثمان رضي الله عنهما، وبطلان الاستدلال به على توجيه قراءة الجمهور.
[والشيخ عبد العزيز الداخل حفظه الله أطال في بحث هذه المسألة وبيان ضعف أسانيدها في نهاية دورة جمع القرآن فيمكنكِ الاستفادة منها.
ويحسن هنا مع بيان ضعف الأسانيد، رد المتن ببيان الأدلة على شدة تثبت الصحابة في جمعهم للقرآن كما ذكرتِ - فقط نضيف الأدلة -
ومنها:
روى البخاري عن ابن أبي مليكة قال: قال ابن الزبير: قلتُ لعثمان هذه الآية التي في البقرة: { والذين يتوفون ويذرون أزواجا} إلى قوله: {غير إخراج} قد نسختها الأخرى، فلِمَ تكتبها، قال: تدعُها. يا ابن أخي لا أغير شيئا منه من مكانه.
وروى البخاري كذلك في صحيحه عن ابن شهاب عن خارجة بن زيد عن زيد بن ثابت رضي الله عنه أنه قال: نسختُ الصحف في المصاحف، ففقدتُ آية من سورة الأحزاب، كنتُ أسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ بها، فلم أجدها إلا مع خزيمة بن ثابت الأنصاري، الذي جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم شهادته شهادة رجلين وهو قوله: {من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه }.
وفي رواية أخرى قال: فألحقناها في سورتها في المصحف.
فهذه الآثار ونحوها تدل على شدة تثبت الصحابة في جمع القرآن.]

قول آخر ضعيف لمخالفته المصحف وفيه تكلف:

قال أبو حيان: (وقيل أن (ها) ضمير القصة وليس محذوفا، - وكان يناسب على هذا أن تكون متصلة في الخط فكانت كتابتها (إن هذان لساحران)، وضعف هذا القول من جهة مخالفته خط المصحف) ا.هــ.
وقال ابن أبي مريم: (والتقدير: إنها ذان لساحران، أي أن القصة ذان لساحران، فيكون الضمير ضمير القصة، وهو اسم إن، وذان مبتدأ، ولساحران خبره، وهما جميعًا خبر إن، والقول في اللام على ما سبق من الزيادة)
.ا.هـ.

وهذا القول لم يذكر كثيرا في المراجع لضعفه وتكلف تأويله.
[وذكر الألوسي قولا آخر، وهي أن (إنّ) مُلغاة، حُملت على الخفيفة كما تُحمل الخفيفة عليها
وهو غير قول بشر بن هلال في القول الأول، فلم يقولوا هنا بأن معناها بمعنى نعم، وإن اتفقوا على أنها لم تعمل]


القراءة الثانية: (إنْ هذانِ لساحران)، بتخفيف نون (إن)، و(هذان) بالألف، وتخفيف نونها.
- قرأ أبو بحرية وأبو حيوة، والزهري وإسماعيل بن قسطنطين والخليل بن أحمد والمفضل وأبان وابن محيصن، وحميد وابن سعدان، وحفص عن عاصم- وهى إحدى الروايتين عن عاصم-، فيما ذكره أبو إسحاق الزجاج، والنحاس، وأبو منصور الأزهري، وأبو حيان، وابن عاشور وغيرهم.

- هذه القراءة جاءت سالمة من مخالفة المصحف ومن فساد الإعراب، وقد رواها الجماعة عن الأئمة كما قال النحاس.
- وحكى ابن خالويه أن من خفف (إن) فهي قراءة حسنة لأنه أصلح الإعراب، ولم يخالف الخطـ، ولم يُغير اللفظ، وقال مكي في الكشف عن وجوه القراءات السبع: (فالذي خفف (إن) اجتمع له في قراءته موافقة الخط وصحة الإعراب في (هذان)) ا.هـ.
- وقال أيضا: (
وحجة من خفف أنه لما رأى القراءة وخط المصحف في (هذان) بالألف أراد أن يحتاط بالإعراب، فخفف (إن) ليحسن الرفع بعدها على الابتداء؛ لأن (إن) إذا خففت حسن رفع ما بعدها على الابتداء لنقصها عن شبه الفعل..) ا.هـ. [والقراءة إسناد أولا، فتُحمل اللغة عليها وليس العكس]
- قال أبو شامة الدمشقي: (فعالم هذه القراءة دلا؛ أي: أخرج دلوه ملأى، فاستراح خاطره لحصول غرضه وتمام أمره) ا.هـ.
- واستحسن أبو إسحاق الزجاج هذه القراءة؛ لأن فيها إمامان هما عاصم والخليل، ولموافقة أبي بن كعب في المعنى وإن خالفه اللفظ.
- وإن كان قد استحسن أيضا القراءة بتشديد (إن) ذلك أنها مذهب أكثر القراء، ولها وجه قوي في العربية، وكان أبو الحسن الأخفش يقرأ بها- بقراءة الجمهور بتشديد (إن)- كما قال في معاني القرآن: (ونقرؤها ثقيلة وهى لغة لبني الحارث بن كعب) ا.هـ.

الحجة في القراءة بتخفيف (إن):
والتخفيف على وجهين :
الوجه الأول:
أن( إن) خفيفة من الثقيلة، فزال عملها وهو نصب الاسم بعدها، وهو بلغة من يخفف ويرفع، فصار الاسم بعد (إن) مرفوعا على أصل الابتداء، وتبعه الخبر.
قاله الخليل بن أحمد وسيبويه وابن خالويه وأبو منصور الأزهري في معاني القراءات، وغيرهم.

- وقال أبو الحسن الأخفش أن ((إن) خفيفة في معنى ثقيلة، وهي لغة لقوم يرفعون ويدخلون اللام ليفرقوا بينها وبين التي تكون في معنى (ما)) ا.هـ.
وقال أبو علي: (أن (إن) إذا خففت لم يكن النصب بها كثيرا وكان الأوجه أن يرفع الاسم بعدها) ا.هـ.
- وذكر السمين الحلبي أن الأفصح هو إهمال (إن) ولما خيف التباسها ب(ما) النافية جيء باللام للفرق بينها وبين النافية، وهذا على مذهب البصريين كما ذكر أبو حيان وأبو شامة الدمشقي.

- وقال مكي في المشكل أن علة عدم إعمال إن المخففة لنقص بنائها فيكون ما بعدها من إعراب مبتدأ وخبر على أصلهما، وهذا كما في قول الله تعالى: (إن كل نفس لما عليها حافظ).

- وقد قال ابن أبي مريم بأن (إنْ) هي المخففة من الثقيلة، وهي إذا خففت أضمر الشأن أو الأمر بعدها في الأغلب، ولهذا يكون ما بعدها رفعًا، وقلما تعمل إن مخففة إلا في شعر
.
-وقال ابن عاشور أن اسم (إن) المخففة ضمير شأن محذوفا على المشهور.

الوجه الثاني: أن (إن) هنا بمعنى (ما) واللام بمعنى (إلا)، وهذا صحيح في المعنى وفي كلام العرب كما قال أبو منصور الأزهري، وهذا على مذهب الكوفيين من أحسن شيء
، وهذا الوجه أيضا سبق إليه الخليل الذي كان الإجماع على أنه لا أعلم منه بالنحو، وكذلك ذكره ابن خالويه وأبو حيان وغيرهم.

والتقدير هنا في الآية: ما هذان إلا ساحران.
ونظير المعنى قول الله تعالى: (وإن نظنك لمن لكاذبين) ، ذكره الثعلبي، وابن الجوزي.

واستُدل لذلك بقول الشاعر:

ثكلتك أمّك إن قتلت لمسلما ... حلّت عليك عقوبة الرّحمن
والمعنى: ما قتلت إلا مسلما.

وكذلك قول الشاعر:
أَمْسَى أبانُ ذليلاً بَعْدَ عزّته ... وإن أبانُ لَمِنْ أَعْلاجِ سوراء

وقال مكي في مشكل إعراب القرآن: (فتقدير الكلام: ما هذان إلا ساحران فلا خلل في هذا التقدير إلا ما ادعوه أن اللام تأتي بمعنى إلا). ا.هـ. وكان الفراء ممن قال بأن اللام بمعنى إلا، فيما ذكره ابن عطية.

- وذكر أبو منصور الأزهري في التهذيب عن أبي زيد ما خلاصته أن (إن) المخففة تقع في القرآن على مواضع، فتكون بمعنى (لقد)، و(إذ)، و(إذا)، و(ما) وهو الشاهد.
ومثاله قول الله تعالى: (وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته)، ومعناه: ما من أهل الكتاب.
وقوله تعالى: (لاتخذناه من لدنا إن كنا فاعلين)، والمعنى: (ما كنا فاعلين).

- ويشهد لصحة هذه القراءة ما روي عن أبي بن كعب أنه قرأ: (إن ذان إلا ساحران)، قاله ابن قتيبة والفراء، وذكره الزجاج، والنحاس والزمخشري، وذكر أبو حيان أن ابن خالويه نسب هذه القراءة لعبد الله بن مسعود.
- وروي عنه أيضا أنه قرأ: (ما هذان إلا ساحران)، وكذلك: ( إن هذان إلا ساحران) ذكره أبو إسحاق الزجاج.
- وقراءة أبي بن كعب لا يجوز القراءة بها لمخالفتها المصحف، لكن يمكن الاستشهاد بها.

القراءة الثالثة: (إنْ هذانِ لساحران)، بتخفيف نون (إن)، و(هذان) بالألف، وتشديد نونها.
هكذا قرأها ابن كثير، فيما ذكره ابن مجاهد، وأبو منصور الأزهري وغيرهم.
وقال أبو منصور الأزهري في معاني القراءات: (هذانّ) لغة معروفة وقرئ (فذانّك برهنان) على هذه اللغة) ا.هـ.
وقال ابن خالويه في قوله تعالى: (واللذان يأتينها منكم) يقرأ بتشديد النون وتخفيفها. وكذلك ما كان في القرآن من نون التثنية في مثل هذا.

- ولم يقرأ ابن كثير بالتشديد فقط في هذا الموضع بل شدد النون في مواضع أخرى فيما ذكره ابن مهران النيسابوري فقال أن قراءة ابن كثير في (واللذان)، و(إن هذان)،و(إحدى ابنتي هاتين)، و(فذانك برهانان)، و(أرنا اللذين) مشددة النون.
- ومعنى قراءة ابن كثير بنفس معنى قراءة حفص التي تقدم ذكرها وتقديرها: ما هذان إلا ساحران.

الحجة لمن شدد نون (هذان) وخففها:
- وقد وافق ابن كثير حفصاً في تخفيف نون (إن)، واختلف عنه بتشديد نون (هذان)، قال ابن خالويه
وابن زنجلة أن الحجة لمن شدد (هذانّ) أنه جعل -التشديد -عوضا من الألف المحذوفة، وذلك ليفرق بين ما سقط منه حرف، وبين ما قد بني على لفظه وتمامه. وقال أيضا: (والحجة لمن خفف: أن العرب قد تحذف طلبا للتخفيف من غير تعويض) ا.هـ. وبنحوه ذكر مكي.
- وهذا استعمال عند العرب فمنهم من إذا حذف عوض وذلك من تمام الكلمة، ومنهم من إذا حذف لم يعوض، وذلك من التخفيف. فيما ذكره ابن زنجلة.


القراءة الرابعة: (إنّ هذين لساحران)، بتشديد النون في (إنّ)، وقراءة ( هذين) بالياء.
- قرأ بها أبو عمرو بن العلاء، وعيسى بن عمر وعاصم الجحدري.
قاله الفراء، وابن قتيبة، والزجاج، والنحاس، وابن مجاهد، وأبو منصور الأزهري وابن كثير وغيرهم.

- وهى قراءة سبعية مروية عن عائشة والحسن وسعيد بن جبير وإبراهيم النخعي والأعمش وابن عبيد وغيرهم من التابعين فيما ذكره النحاس، ونقله القرطبي، وأبو حيان، وذكره شيخ الإسلام ابن تيمية في رسالته.

- وقال أبو حيان أن قراءة أبي عمرو جاءت على المهيع المعروف في التثنية لقوله:(فذانك برهانان) و (إحدى ابنتي هاتين) بالألف رفعا والياء نصبا وجرا.
- وعلى هذا القول ف(إن) حرف توكيد، وقد قال سيبويه بأن صرف (إن) إلى الناصبة للاسم أولى. فيما ذكره أبو علي، وأضاف أن هذا أشبه بما قبل الكلام وبما بعده، أراد موافقة السياق.
- قال ابن أبي مريم أن إن هنا هى المؤكدة الناصبة للاسم الرافعة للخبر، ودخول اللام هنا على الخبر للتأكيد وتسمى لام الابتداء.

- وما أشكل في هذه القراءة ليس من ناحية الإعراب ولا المعنى، فإن أبا عمرو كان يقرأ على اللغة العالية المشهورة، وهى لغة فصحاء العرب بإعمال (إن) في نصب الاسم ورفع الخبر، فمن حيث الإعراب ف(هذين) اسم (إن) وعلامة نصبه الياء على غرار نصب الاسم المثنى، ولساحران خبرها ودخلت اللام توكيدا، ومن حيث المعنى فهو إثبات وتوكيد لما اعتقدوه في موسى وهارون بأنهما ساحران، لكن هذه القراءة جاءت مخالفة لخط المصحف، فإن رسمه (هذن) بدون ألف ولا ياء، فإثباته بالياء زيادة على خطه، ونقل أبو حيان والسمين الحلبي عن أبي عبيد قوله: (رأيتها في الإمام مصحف عثمان هذان ليس فيه ألف، وهكذا رأيت رفع الاثنين في ذلك المصحف بإسقاط الألف، وإذا كتبوا النصب والخفض كتبوه بالياء ولا يسقطونها) ا.هـ.

ولما كانت هذه القراءة مخالفة للمصحف استبعدها الفراء، والزجاج وغيرهم، قال الفراء: (ولست أشتهي على أن أخالف الكتاب) ، وقال الزجاج: (لا أجيز قراءة أبي عمرو لأنها خلاف المصحف)، وقال: (وكل ما وجدته إلى موافقة المصحف أقرب لم أجز مخالفته، لأن اتباعه سنة) ا.هـ.

وروى ابن قتيبة أن عاصم الجحدري يكتب في مصحفه هذا الحرف على مثال ما كتب في المصحف الإمام، فكتب: (إن هذان لساحران)، فإذا قرأها، قرأ: (إن هذين لساحران).
وكذلك فعله في قوله تعالى: (والمقيمين الصلاة)، و (والذين هادوا والصابئين)، و (والصابرين في البأساء والضراء)، فيقرأ المقيمون، والصابئون والصابرون.
وقال وإنما فرق بين القراءة والكتاب لقول عثمان: (أرى فيه لحنا وستقيمه العرب بألسنتها) فأقامه بلسانه وترك الرسم على حاله، -وأقول: هذا الأثر سبق وبينا ضعفه.
وقال أيضا: وكان الحجاج وكّل عاصما وناجية بن رمح وعليّ بن أصمع بتتبّع المصاحف، وأمرهم أن يقطعوا كل مصحف وجدوه مخالفا لمصحف عثمان، ويعطوا صاحبه ستين درهما
.
[نبين هنا أيضًا أن قراءة أبي عمرو بإسناد عن النبي صلى الله عليه وسلم ثابتة صحيحة، وأبو عمرو على جلالة قدره في العربية، ليس ممن يقرأ القرآن برأيه
فلا يصح رد قراءة صحيحة ثابتة، والمتقدمون معذورون بأنه ربما لم يبلغهم صحة إسناد القراءة، إذ لم يكن قد استقر التأليف في ذلك
ابن مجاهد أول من ألف في السبعة في القراءات توفي سنة 324 هـ، والزجاج توفي سنة 311 هـ ]


هل كتبت كلمة ( هذان) في المصحف العثماني بالألف أم بالياء؟
- ذكر ابن زنجلة أن حجة من قرأ بالألف أنها مكتوبة هكذا في الإمام مصحف عثمان، وروي عن أبي عبيد وقد تقدم أن رفع الاثنين في المصحف جاء بإسقاط الألف، وفي حال النصب والجر جاء بثبوت الياء.
- وروي أن عاصم الجحدري كان مصحفه مكتوب على ما كتب المصحف الإمام، وإنما كان يقرأ بالياء، وكان ذلك فعله في غير هذا الموضع، فدل على أن قرائته كانت بالياء بخلاف المصحف.
والحاصل مما سبق أن المراد بقول ابن زنجلة: (أنها مكتوبة بالألف) أي: أنها ساقطة أو محذوفة، وسقوط الألف في المثنى معناه أن اللفظة مرفوعة كما ذكر أبي عبيد.

قال ابن قتيبة: (وكذلك ألف التثنية تحذف في هجاء هذا المصحف في كل مكان، مثل: (قال رجلن) و (فأخران يقومان مقامهما) وكتبت كتّاب المصحف: الصلاة والزكوة والحيوة، بالواو، واتّبعناهم في هذه الحروف خاصة على التّيمّن بهم، ونحن لا نكتب: (القطاة والقناة والفلاة) إلا بالألف، ولا فرق بين تلك الحروف وبين هذه) ا.هــ.

- فإن قيل أن رسم (هذان) بدون ألف ولا ياء، فإثباته بالياء زيادة على خط المصحف.
فالجواب فيما ذكره السمين الحلبي، حيث قال: (وهذا لا ينبغي أَنْ يُرَدَّ به على أبي عمرو، وكم جاء في الرسم أشياء خارجة عن القياس، وقد نَصُّوا هم أنه لا يجوزُ القراءةُ بها فليكنْ هذا منها، أعني ممَّا خَرَجَ عن القياس). ا.هــ.

- وقد ذهب من خطّأ أبا عمرو في قرائته بالياء، إلى مخالفته لخط المصحف، والحقيقة أن أبا عمرو
من أوسع الناس معرفة بالقراءات والعربية، وأكثرهم دراية بالشعر، فمن المستبعد أن يقدم وجه إعرابيا على قراءة تواترت وصحت.
- قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : (وكان أبو عمرو بن العلاء إماما في العربية يقرأ بما يعرف من العربية: (إن هذين لساحران)، وقد ذكر أن له سلفا في هذه القراءة، وهو الظن به). ا.هــ.
وقال ابن مجاهد: (قرأ أبو عمرو وحده (إن) مشددة النون و(هذين) بالياء- إذ لا يقرأ إلا بما يرويه لا بمجرد ما يراه).ا.هــ.
وهذا يعني أن قراءة أبي عمرو قراءة متواترة، قال ابن زنجلة : (وأبو عمر مستغن عن إقامة دليل على صحتها- أي: على صحة قرائته- ) ا.هـ.
[أحسنتِ]

قال ابن عاشور تعقيبا على من قال بمخالفتها للمصحف، قال: (ذلك لا يطعن فيها لأنها رواية صحيحة ووافقت وجها مقبولا في العربية) ا.هــ.

وأما القراءات التالية فهى قراءات تحمل على التفسير ولا يجوز القراءة بها لمخالفتها للمصحف فيما ذكره النحاس.

القراءة الخامسة: (إن ذان إلا ساحران)، وهو حرف أبي بن كعب.
- وهذا في حرف أبي بن كعب، فيما ذكره الفراء، وابن قتيبة، والنحاس، وابن خالويه، وابن عطية دون أن ينسبه.
قال أبو حيان أن ابن خالويه عزى هذه القراءة لعبد الله بن مسعود.
وقراءة أبي مما يقوى به قراءة حفص وابن كثير فيما قاله ابن خالويه في إعراب القراءات السبع وعللها.

القراءة السادسة: (إن هذان إلا ساحران) بتخفيف نون (إن) و(هذان) بالألف، و(ساحران) بغير لام.
- وهذا في حرف عبد الله بن مسعود، فيما ذكره النحاس، ومكي وذكره ابن عطية، وأبو حيان ولم ينسباه.
والمعنى: ما هذان إلا ساحران، وإن خفيفة بمعنى (ما) ذكره مكي.

وقال الفراء: (وفي قراءة عبد الله: وأسروا النجوى أن هذان ساحران)، بفتح ألف (أن)، وساحران بدون لام)، وذكره ابن قتيبة وكذلك الثعلبي والزمخشري في تفسيريهما، وابن خالويه وأورده أبو حيان في البحر المحيط.
قال ابن قتيبة: (
وأسرّوا النّجوى أن هذان ساحران) منصوبة بالألف يجعل إ(ِنْ هذانِ) تبيينا للنجوى.
- وقال الكسائي أن قراءة ابن مسعود بغير لام: (إن هذان ساحران) ذكره النحاس، والثعلبي.


الخاتمة :
- وينبغي أن يُعلم أن الرجوع إلى قول القراء أولى من الرجوع إلى قول النحاة وذلك لتواتر نقلهم عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقد قال ابن عاشور: (واعلم أن جميع القراء المعتبرين قرأوا بإثبات الألف في اسم الإشارة من قوله (هذان) ما عدا أبا عمرو من العشرة وما عدا أبو الحسن البصري من الأربعة عشر. وذلك يوجب اليقين بأن إثبات الألف في لفظ (هذان) أكثر تواترا بقطع النظر عن كيفية النطق بكلمة (إن) مشددة أو مخففة، وأن اكثر مشهور القراءات المتواترة قرأوا بتشديد نون- (إن) ما عدا ابن كثير وحفصا عن عاصم فهما قرءا (أن) -بسكون النون- على انها مخففة من الثقيلة). ا.هـ.
- واختار ابن جرير القراءة بتشديد النون وهذان بالألف لإجماع الحجة من القراء عليها ولموافقتها خط المصحف.
وقال في الوجه الذي تحمل عليه: (ووجهه إذا قرئ كذلك مشابهته الّذين إذ زادوا على الّذي النّون، وأقرّ في جميع أحوال الإعراب على حالةٍ واحدةٍ، فكذلك {إن هذان} زيدت على هذا نونٌ وأقرّ في جميع أحوال الإعراب على حالٍ واحدةٍ، وهي لغة الحارث بن كعبٍ، وخثعمٍ، وزبيدٍ، ومن وليهم من قبائل اليمن). ا.هــ.

- وقد اعترض ابن عطية على الأقوال التي جاءت في توجيه قراءة الجمهور إلا ماقيل من أنها لغة، و(إن) بمعنى: (نعم)، أو (إن) في الكلام ضمير.
- قال أبو حيان:
(والذي نختاره في تخريج هذه القراءة أنها جاءت على لغة بعض العرب من غجراء [إجراء] المثنى بالألف دائما وعلى لغة كنانة...) ا.هـــ.
- وذهب أبو شامة المقدسي اختيار قراءة التخفيف، فقال:
(
فليس الأقوى من جهة الرسم واللغة معا إلا القراءة بتخفيف (إن) ورفع (هذان)) ا.هـ.

وأختم بقول ابن عاشور: (ونزول القرآن بهذ الوجوه الفصيحة في الاستعمال ضرب من ضروب إعجازه لتجري تراكيبه على أفانين مختلفة المعاني متحدة المقصود). ا.هــ.

وأسأل الله القبول والسداد
والحمد لله رب العالمين

التقويم: أ
أحسنتِ، وأجدتِ، بارك الله فيكِ وزادكِ علمًا وهدى ونفع بكِ الإسلام والمسلمين.

رد مع اقتباس
 

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
مجلس, أداء

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 12:47 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir