دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > برنامج إعداد المفسر > مجموعة المتابعة الذاتية > منتدى المستوى الثامن

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 20 ذو القعدة 1439هـ/1-08-2018م, 02:36 AM
هيئة الإدارة هيئة الإدارة غير متواجد حالياً
 
تاريخ التسجيل: Dec 2008
المشاركات: 29,544
افتراضي مجلس أداء التطبيق الخامس من تطبيقات دورة مهارات التفسير

مجلس أداء التطبيق الخامس من تطبيقات دورة مهارات التفسير

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 23 ذو القعدة 1439هـ/4-08-2018م, 04:00 PM
فداء حسين فداء حسين غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - مستوى الإمتياز
 
تاريخ التسجيل: Jan 2016
المشاركات: 955
افتراضي

2. معنى الحفدة في قوله تعالى: {وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدة}

أولاً: التعرّف على أقوال السلف في المسألة
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : واختلف أهل التّأويل في المعني بالحفدة، فقال بعضهم: هم الأختان، أختان الرّجل على بناته.
ذكر من قال ذلك
- حدّثنا أبو كريبٍ، وابن وكيعٍ، قالا: حدّثنا أبو معاوية، قال: حدّثنا أبان بن تغلب، عن المنهال بن عمرٍو، عن ابن حبيشٍ، عن عبد اللّه: {بنين وحفدةً} قال: " الأختان "
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا أبو بكرٍ، عن عاصمٍ، عن ورقاء، سألت عبد اللّه: " ما تقول في الحفدة؟ هم حشم الرّجل يا أبا عبد الرّحمن؟ قال: " لا، ولكنّهم الأختان "
- حدّثنا محمّد بن بشّارٍ قال: حدّثنا عبد الرّحمن، وحدّثنا أحمد بن إسحاق قال: حدّثنا أبو أحمد قالا جميعًا: حدّثنا سفيان، عن عاصم بن بهدلة، عن زرّ بن حبيشٍ، عن عبد اللّه قال: " الحفدة: الأختان ".
- حدّثنا ابن وكيعٍ قال: حدّثنا أبي، عن سفيان بإسناده عن عبد اللّه، مثله
- حدّثنا ابن بشّارٍ، وأحمد بن الوليد القرشيّ، وابن وكيعٍ، وسوّار بن عبد اللّه العنبريّ، ومحمّد بن خالد بن خداشٍ، والحسن بن خلفٍ الواسطيّ، قالوا: حدّثنا يحيى بن سعيدٍ القطّان، عن الأعمش، عن أبي الضّحى، قال: " الحفدة: الأختان ".
- حدّثنا ابن بشّارٍ، قال: حدّثنا عبد الرّحمن، قال: حدّثنا هشيمٌ، عن المغيرة، عن إبراهيم، قال: " الحفدة: الأختان "
- حدّثنا أحمد بن إسحاق، قال: حدّثنا أبو أحمد، قال: حدّثنا إسرائيل، عن عطاء بن السّائب، عن سعيد بن جبيرٍ: {بنين وحفدةً} قال: " الحفدة: الأختان "
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا جريرٌ، عن مغيرة، عن إبراهيم، قال: " الحفدة: الختن "
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا ابن عيينة، عن عاصمٍ، عن زرٍّ، عن عبد اللّه، قال: " الأختان "
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا حفصٌ، عن أشعث، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ، قال: " الأختان "
- وحدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو صالحٍ، قال: حدّثني معاوية، عن عليٍّ، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {وحفدةً} قال: " الأصهار "
- حدّثني المثنّى قال: حدّثنا الحجّاج قال: حدّثنا حمّادٌ، عن عاصمٍ، عن زرٍّ، عن ابن مسعودٍ، قال: " الحفدة: الأختان "
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا ابن عيينة، عن عاصم بن أبي النّجود، عن زرّ بن حبيشٍ، قال: قال لي عبد اللّه بن مسعودٍ: " ما الحفدة يا زرّ؟ قال: قلت: هم حفاد الرّجل من ولده وولد ولده، قال: " لا، هم الأصهار ".
وقال آخرون: هم أعوان الرّجل وخدمه
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن خالد بن خداشٍ، قال: حدّثني سلم بن قتيبة، عن وهب بن حبيبٍ الأسديّ، عن أبي حمزة، عن ابن عبّاسٍ، سئل عن قوله: {بنين وحفدةً} قال: " من أعانك فقد حفدك، أما سمعت قول الشّاعر:
حفد الولائد حولهنّ وأسلمت = بأكفّهنّ أزمّة الأجمال "
- حدّثنا هنّادٌ، قال: حدّثنا أبو الأحوص، عن سماكٍ، عن عكرمة، في قوله: {بنين وحفدةً} قال: " الحفدة: الخدّام ".
- حدّثني محمّد بن خالد بن خداشٍ، قال: حدّثني سلم بن قتيبة، عن حازم بن إبراهيم البجليّ، عن سماكٍ، عن عكرمة، قال: قال: " الحفدة: الخدّام "
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا عمران بن عيينة، عن حصينٍ، عن عكرمة، قال: " هم الّذين يعينون الرّجل من ولده وخدمه "
- حدّثنا ابن عبد الأعلى قال: حدّثنا محمّد بن ثورٍ، عن معمرٍ، عن الحكم بن أبان، عن عكرمة: {وحفدةً} قال: " الحفدة: من خدمك من ولدك "
- حدّثنا ابن وكيعٍ قال: حدّثنا يحيى بن آدم، عن سلاّم بن سليمٍ، وقيسٍ، عن سماكٍ، عن عكرمة قال: " هم الخدم ".
- حدّثنا أحمد قال: حدّثنا أبو أحمد قال: حدّثنا سلاّمٌ أبو الأحوص، عن سماكٍ، عن عكرمة، مثله
- حدّثني محمّد بن خالدٍ، قال: حدّثني سلم، عن أبي هلالٍ، عن الحسن، في قوله: {بنين وحفدةً} قال: " البنين وبني البنين، من أعانك من أهلٍ وخادمٍ فقد حفدك "
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا عمرو بن عونٍ، قال: أخبرنا هشيمٌ، عن منصورٍ، عن الحسن، قال: " هم الخدم "
- حدّثني محمّد بن خالدٍ، وابن وكيعٍ، ويعقوب بن إبراهيم، قالوا: حدّثنا إسماعيل ابن عليّة، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، قال: " الحفدة: الخدم "
- حدّثنا أحمد بن إسحاق، قال: حدّثنا أبو أحمد، وحدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا أبي، وحدّثنا ابن بشّارٍ، قال: حدّثنا عبد الرّحمن، جميعًا عن سفيان، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: {بنين وحفدةً} قال: " ابنه وخادمه "
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، وحدّثني الحارث، قال: حدّثنا الحسن، قال: حدّثنا ورقاء، وحدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو حذيفة، قال: حدّثنا شبلٌ، جميعًا، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، في قول اللّه تعالى: {بنين وحفدةً} قال: " أنصارًا، وأعوانًا، وخدّمًا "
- حدّثنا ابن بشّارٍ، قال: حدّثنا عبد الرّحمن، قال: حدّثنا زمعة، عن ابن طاوسٍ، عن أبيه، قال: " الحفدة: الخدم ".
- حدّثنا ابن بشّارٍ، مرّةً أخرى قال: " ابنه وخادمه "
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قال: " {وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدةً} مهنةً يمهنونك ويخدمونك من ولدك، كرامةٌ أكرمكم اللّه بها "
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا عبيد اللّه، عن إسرائيل، عن السّدّيّ، عن أبي مالكٍ: " الحفدة، قال: الأعوان "
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا أبي، عن سفيان، عن حصينٍ، عن عكرمة، قال: " الّذين يعينونه "
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن الحكم بن أبان، عن عكرمة، في قوله: {بنين وحفدةً} قال: " الحفدة: من خدمك من ولدك وولد ولدك "
- حدّثنا الحسن قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا ابن التّيميّ، عن أبيه، عن الحسن قال: " الحفدة: الخدم "
- حدّثني المثنّى قال: حدّثنا أبو نعيمٍ قال: حدّثنا سفيان، عن حصينٍ، عن عكرمة: {بنين وحفدةً} قال: " ولده الّذين يعينونه ".
وقال آخرون: هم ولد الرّجل وولد ولده
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا محمّد بن المثنّى، قال: حدّثنا عبد الصّمد، قال: حدّثنا شعبة، عن أبي بشرٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ: {وحفدةً} قال: " هم الولد، وولد الولد "
- حدّثنا ابن بشّارٍ قال: حدّثنا محمّد بن جعفرٍ قال: حدّثنا شعبة، عن أبي بشرٍ، عن مجاهدٍ، وسعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ في هذه الآية: {بنين وحفدةً} قال: " الحفدة: البنون ".
- حدّثنا ابن وكيعٍ قال: حدّثنا غندرٌ، عن شعبة، عن أبي بشرٍ، عن مجاهدٍ، عن ابن عبّاسٍ، مثله
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن أبي بكرٍ، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ، قال: " بنوك حين يحفدونك، ويرفدونك، ويعينونك، ويخدمونك " قال جميل:
حفد الولائد حولهنّ وأسلمت = بأكّفّهنّ أزمّة الأجمال "
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ، في قوله: {وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدةً} قال: " الحفدة: الخدم من ولد الرّجل هم ولده، وهم يخدمونه، قال: وليس تكون العبيد من الأزواج، كيف يكون من زوجي عبدٌ؟ إنّما الحفدة: ولد الرّجل وخدمه "
- حدّثت عن الحسين بن الفرج، قال: سمعت أبا معاذٍ، يقول: حدّثنا عبيد بن سليمان، قال: سمعت الضّحّاك، يقول في قوله: {بنين وحفدةً} يعني: " ولد الرّجل يحفدونه ويخدمونه، وكانت العرب إنّما تخدمهم أولادهم الذّكور ".
وقال آخرون: هم بنو امرأة الرّجل من غيره
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي قال: حدّثني عمّي قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدةً} يقول: " بنو امرأة الرّجل ليسوا منه " وقال: الحفدة: الرّجل يعمل بين يدي الرّجل، يقول: فلانٌ يحفد لنا، ويزعم رجالٌ أنّ الحفدة أختان الرّجل.
والصّواب من القول في ذلك عندي أن يقال: إنّ اللّه تعالى أخبر عباده معرّفهم نعمه عليهم، فيما جعل لهم من الأزواج والبنين، فقال تعالى: {واللّه جعل لكم من أنفسكم أزواجًا، وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدةً} فأعلمهم أنّه جعل لهم من أزواجهم بنين وحفدةً، والحفدة في كلام العرب: جمع حافدٍ، كما الكذبة: جمع كاذبٍ، والفسقة: جمع فاسقٍ، والحافد في كلامهم: هو المتخفّف في الخدمة والعمل، والحفد: خفّة الرجل العمل، يقال: مرّ البعير يحفد حفدانًا: إذا مرّ يسرع في سيره ومنه، قولهم: " إليك نسعى ونحفد ": أي نسرع إلى العمل بطاعتك، يقال منه: حفد له يحفد حفدًا وحفودًا وحفدانًا، ومنه قول الرّاعي:
كلّفت مجهولها نوقًا يمانيةً = إذا الحداة على أكسائها حفدوا
وإذ كان معنى الحفدة ما ذكرنا من أنّهم المسرعون في خدمة الرّجل المتخفّفون فيها، وكان اللّه تعالى ذكره أخبرنا أنّ ممّا أنعم به علينا أن جعل لنا حفدةً تحفد لنا، وكان أولادنا وأزواجنا الّذين يصلحون للخدمة منّا ومن غيرنا، وأختاننا الّذين هم أزواج بناتنا من أزواجنا، وخدمنا من مماليكنا، إذا كانوا يحفدوننا فيستحقّون اسم حفدةً، ولم يكن اللّه تعالى دلّ بظاهر تنزيله ولا على لسان رسوله صلّى اللّه عليه وسلّم ولا بحجّة عقلٍ، على أنّه عنى بذلك نوعًا من الحفدة دون نوعٍ منهم، وكان قد أنعم بكلّ ذلك علينا، لم يكن لنا أن نوجّه ذلك إلى خاصٍّ من الحفدة دون عامٍ، إلاّ ما اجمعت الأمّة عليه أنّه غير داخلٍ فيهم.
وإذا كان ذلك كذلك فلكلّ الأقوال الّتي ذكرنا عمّن ذكرنا وجهٌ في الصّحّة، ومخرجٌ في التّأويل، وإن كان أولى بالصّواب من القول ما اخترنا لما بيّنّا من الدّليل. [جامع البيان: 14/295-304]

قال أبو إسحاق أحمد بن محمد بن إبراهيم الثعلبي(ت:427): وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً يعني أنه خلق من آدم زوجته حوّاء وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْواجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً.
ابن عبّاس والنخعي وابن جبير وأبو الأضحى: هم الأصهار أختان الرجل على بناته.
روى شعبة عن عاصم: بن بهدلة قال: سمعت زر بن حبيش وكان رجلا غريبا أدرك الجاهلية قال: كنت أمسك على عبد الله المصحف فأتى على هذه الآية قال: هل تدري ما الحفدة، قلت: هم حشم الرجل.
قال عبد الله: لا، ولكنهم الأختان. وهذه رواية الوالبي عن ابن عبّاس.
وقال عكرمة والحسن والضحاك: هم الخدم.
مجاهد وأبو مالك الأنصاري: هم الأعوان، وهي رواية أبي حمزة عن ابن عبّاس قال:
من أعانك حفدك.
وقال الشاعر:
حفد الولائد حولهن وأسلمت ... بأكفهنّ أزمّة الإجمال «2»
وقال عطاء: هم ولد الرجل يعينونه ويحفدونه ويرفدونه ويخدمونه.
وقال قتادة: [مهنة يمتهنونكم] ويخدمونكم من أولادكم.
الكلبي ومقاتل: البنين: الصغار، والحفدة: كبار الأولاد الذين يعينونه على عمله.
مجاهد وسعيد بن جبير عن ابن عبّاس: إنهم ولد الولد.
ابن زيد: هم بنو المرأة من الزوج الأوّل. وهي رواية العوفي عن ابن عبّاس: هم بنو امرأة الرجل الأوّل.
وقال العتبي: أصل الحفد: مداركة الخطر والإسراع في المشي.
قيل: لكل من أسرع في الخدمة والعمل: حفدة، واحدهم حافد، ومنه يقال في دعاء الوتر: إليك نسعى ونحفد، أي نسرع إلى العمل بطاعتك.
وأنشد ابن جرير [للراعي] :
كلفت مجهولها نوقا يمانية ... إذا الحداة على أكسائها حفدوا . (تفسير الثعلبي: الكشف والبيان عن تفسير القرآن).

قال مكي بن أبي طالب القيسي(ت:437هـ): قال ابن مسعود: الحفدة: الاختان. وهو قول ابن عباس وابن جبير. وعن ابن عباس: أنهم الأصهار. وقال محمد بن الحسن: الختن الزوج ومن كان من ذوي رحمه، والصهر من كان من قبل المرأة من الرجل. وقال ابن الأعربي ضد هذا القول في الأختان والأصهار. وقال [الأ] صمعي الختن من كان من الرجال من قبل المرأة والأصهار منهما جميعاً، وقيل: الحفدة أعوان الرجل وخدمه.
وروي عن ابن عباس أنه سئل عن الحفدة في الآية فقال: من أعانك فقد حفدك. [و] قال عكرمة: الحفدة الخدام.
[و] عنه أيضاً الحفدة من خدمك من ولدك. وعن مجاهد أنه قال: الحفدة ابن الرجل وخادمه وأعوانه. وعن ابن عباس أيضاً هم ولد الرجل وولد ولده. وقال ابن زيد وغيره: هم ولد الرجل [و] الذين يخدمونه. وعن ابن عباس: أنه قال: هم بنو امرأة الرجل من غيره.
والحفدة: جمع حافد كفاسق / وفسقة، والحافد في كلام العرب المتخفف في الخدمة والعمل ومنه قولهم، وإليك نسعى ونحفده، أي: نسرع في العمل بطاعتك.(الهداية الى بلوغ النهاية).

قال علي بن محمد بن حبيب الماوردي(ت:450هـ): قوله عز وجل: (وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدة): وفي الحفدة خمسة أقاويل: أحدها: أنهم الأصهار أختان الرجل على بناته ، قاله ابن مسعود وأبو الضحى وسعيد بن جبير وإبراهيم ، ومنه قول الشاعر :
ولو أن نفسي طاوعتني لأصبحت لها حفد مما يعد كثير ولكنها نفس علي أبية
عيوف لأصهار اللئام قذور
الثاني: أنهم أولاد الأولاد ، قاله ابن عباس .
الثالث: أنهم بنو امرأة الرجل من غيره ، وهذا مروي عن ابن عباس أيضا.
الرابع: أنهم الأعوان ، قاله الحسن.
الخامس: أنهم الخدم ، قاله مجاهد وقتادة وطاوس ، ومنه قول جميل :
حفد الولائد حولهم وأسلمت بأكفهن أزمة الأجمال
وقال طرفة بن العبد:
يحفدون الضيف في أبياتهم كرما ذلك منهم غير ذل
وأصل الحفد الإسراع ، والحفدة جمع حافد ، والحافد هو المسرع في العمل ، ومنه قولهم في القنوت وإليك نسعى ونحفد ، أي نسرع إلى العمل بطاعتك ، منه قول الراعي:
كلفت مجهولها نوقا ثمانية إذا الحداة على أكسائها حفدوا
وذهب بعض العلماء في تفسير قوله تعالى بنين وحفدة البنين الصغار والحفدة الكبار. (تفسير الماوردي).

قال أبومحمد الحسين بن مسعود البغوي (ت: 516هـ): (وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدة) قال ابن مسعود ، والنخعي : الحفدة أختان الرجل على بناته .
وعن ابن مسعود أيضا : أنهم الأصهار ، فيكون معنى الآية على هذا القول : وجعل لكم من أزواجكم بنين وبنات ، تزوجونهم فيحصل بسببهم الأختان والأصهار .
وقال عكرمة ، والحسن ، والضحاك : هم الخدم .
قال مجاهد : هم الأعوان ، من أعانك فقد حفدك .
وقال عطاء : هم ولد ولد الرجل ، الذين يعينونه ويخدمونه .
وقال قتادة : مهنة يمتهنونكم ويخدمونكم من أولادكم .
قال الكلبي ومقاتل : " البنين " : الصغار ، و " الحفدة " : كبار الأولاد الذين يعينونه على عمله .
وروى مجاهد ، وسعيد بن جبير عن ابن عباس : أنهم ولد الولد .
وروى العوفي عنه : أنهم بنو امرأة الرجل ليسوا منه . (تفسير البغوي).

قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) :
واختلف الناس في قوله: "وحفدة" قال ابن عباس : الحفدة: أولاد البنين، وقال الحسن : هم بنوك وبنو بنيك، وقال ابن مسعود ، وأبو الضحى، وإبراهيم، وسعيد بن جبير : الحفدة: الأصهار، وهم قرابة الزوجة، وقال مجاهد : الحفدة: الأنصار والأعوان والخدم، وحكى الزجاج أن الحفدة البنات في قول بعضهم، قال الزهراوي : لأنهن خدم الأبوين، ولأن لفظة "البنين" لا تدل عليهن، ألا ترى أنهن ليس في قول الله تبارك وتعالى: المال والبنون زينة الحياة الدنيا ، وإنما الزينة في الذكور، وقال ابن عباس -رضي الله عنهما- أيضا: الحفدة: أولاد زوجة الرجل من غيره، ولا خلاف أن معنى "الحفد" هو الخدمة والبر والمشي في الطاعة مسرعا، ومنه في القنوت: "وإليك نسعى ونحفد"، والحفدان: خبب فوق المشي، ومنه قول الشاعر وهو جميل بن معمر: حفد الولائد بينهن وأسلمت ... بأكفهن أزمة الأجمال
ومنه قول الآخر:
كلفت مجهولها نوقا يمانية ... إذا الحداة على أكسائها حفدوا
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
وهذه الفرق التي ذكرت أقوالها إنما بنت على أن كل أحد جعل له من أزواجه بنين وحفدة، وهذا إنما هو في الغالب وعظم الناس، ويحتمل عندي أن قوله: من أزواجكم إنما هو على العموم والاشتراك، أي: من أزواج البشر جعل الله لهم البنين، ومنهم جعل الخدمة، فمن لم يكن له زوجة فقد جعل الله له حفدة وحصل تلك النعمة، وأولئك الحفدة هم من الأزواج، وهكذا تترتب النعمة التي تشمل جميع العالم، وتستقيم لفظة "الحفدة" على مجراها في اللغة، إذ البشر بجملتهم لا يستغني أحد منهم عن حفدة. وقالت فرقة: الحفدة هم البنون.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وهذا يستقيم على أن تكون الواو عاطفة صفة لهم، كما لو قال: جعلنا لهم بنين وأعوانا، أي: وهم لهم أعوان، فكأنه قال: وهم حفدة. (المحرر الوجيز).

قال أبو الفرج عبد الرحمن بن علي ابن الجوزي(ت:597هـ): وفي الحفدة خمسة أقوال :
أحدها : أنهم الأصهار ، أختان الرجل على بناته ، قاله ابن مسعود ، وابن عباس في رواية ، ومجاهد في رواية ، وسعيد بن جبير ، والنخعي ، وأنشدوا من ذلك :
ولو أن نفسي طاوعتني لأصبحت لها حفد مما يعد كثير
ولكنها نفس علي أبية
عيوف لأصهار اللئام قذور
والثاني : أنهم الخدم ، رواه مجاهد عن ابن عباس ، وبه قال مجاهد في رواية الحسن ، وطاووس ، وعكرمة في رواية الضحاك ، وهذا القول يحتمل وجهين : أحدهما : أنه يراد بالخدم : الأولاد ، فيكون المعنى : أن الأولاد يخدمون . قال ابن قتيبة : الحفدة : الخدم والأعوان ، فالمعنى : هم بنون ، وهم خدم . وأصل لحفد : مداركة الخطو والإسراع في المشي ، وإنما يفعل الخدم هذا ، فقيل لهم : حفدة . ومنه يقال في دعاء الوتر : " وإليك نسعى ونحفد " . والثاني : أن يراد بالخدم : المماليك ، فيكون معنى الآية : وجعل لكم من أزواجكم بنين ، وجعل لكم حفدة من غير الأزواج ، ذكره ابن الأنباري .
والثالث : أنهم بنو امرأة الرجل من غيره ، رواه العوفي عن ابن عباس ، وبه قال الضحاك .
والرابع : [أنهم] ولد الولد ، رواه مجاهد عن ابن عباس .
والخامس : أنهم كبار الأولاد ، والبنون : صغارهم ، قاله ابن السائب ، ومقاتل . قال مقاتل : وكانوا في الجاهلية تخدمهم أولادهم . قال الزجاج : وحقيقة هذا الكلام أن الله تعالى جعل من الأزواج بنين ، ومن يعاون على ما يحتاج إليه بسرعة وطاعة . (زاد المسير).

قال أبو عبد الله محمد بن أحمد بن أبي بكر القرطبي(ت:671هـ): الثانية : قوله تعالى : وحفدة روى ابن القاسم عن مالك قال وسألته عن قوله - تعالى - : بنين وحفدة قال : الحفدة الخدم والأعوان في رأيي . وروي عن ابن عباس في قوله - تعالى - : وحفدة قال هم الأعوان ، من أعانك فقد حفدك . قيل له : فهل تعرف العرب ذلك ؟ قال نعم وتقول أوما سمعت قول الشاعر :
حفد الولائد حولهن وأسلمت بأكفهن أزمة الأجمال
أي أسرعن الخدمة . والولائد : الخدم ، الواحدة وليدة ; قال الأعشى :
كلفت مجهولها نوقا يمانية إذا الحداة على أكسائها حفدوا
أي أسرعوا . وقال ابن عرفة : الحفدة عند العرب الأعوان ، فكل من عمل عملا أطاع فيه وسارع فهو حافد ، قال : ومنه قولهم إليك نسعى ونحفد ، والحفدان السرعة . قال أبو عبيد : الحفد العمل والخدمة . وقال الخليل بن أحمد : الحفدة عند العرب الخدم ، وقاله مجاهد . وقال الأزهري : قيل الحفدة أولاد الأولاد . وروي عن ابن عباس . وقيل الأختان ; قاله ابن مسعود وعلقمة وأبو الضحى وسعيد بن جبير وإبراهيم ; ومنه قول الشاعر :
فلو أن نفسي طاوعتني لأصبحت لها حفد ما يعد كثير
ولكنها نفس علي أبية عيوف لإصهار اللئام قذور
وروى زر عن عبد الله قال : الحفدة الأصهار ; وقاله إبراهيم ، والمعنى متقارب . قال الأصمعي : الختن من كان من قبل المرأة ، مثل أبيها وأخيها وما أشبههما ; والأصهار منها جميعا . يقال : أصهر فلان إلى بني فلان وصاهر . وقول عبد الله هم الأختان ، يحتمل المعنيين جميعا . يحتمل أن يكون أراد أبا المرأة وما أشبهه من أقربائها ، ويحتمل أن يكون أراد وجعل لكم من أزواجكم بنين وبنات تزوجونهن ، فيكون لكم بسببهن أختان . وقال عكرمة : الحفدة من نفع الرجل من ولده ; وأصله من حفد يحفد - بفتح العين في الماضي وكسرها في المستقبل - إذا أسرع في سيره ; كما قال كثير :
حفد الولائد بينهن . . . البيت
ويقال : حفدت وأحفدت ، لغتان إذا خدمت . ويقال : حافد وحفد ; مثل خادم وخدم ، وحافد وحفدة مثل كافر وكفرة . قال المهدوي : ومن جعل الحفدة الخدم جعله منقطعا مما قبله ينوي به التقديم ; كأنه قال : جعل لكم حفدة وجعل لكم من أزواجكم بنين .
قلت : ما قاله الأزهري من أن الحفدة أولاد الأولاد هو ظاهر القرآن بل نصه ; ألا ترى أنه قال : وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدة فجعل الحفدة والبنين منهن . وقال ابن العربي : الأظهر عندي في قوله بنين وحفدة أن البنين أولاد الرجل لصلبه والحفدة أولاد ولده ، وليس في قوة اللفظ أكثر من هذا ، ويكون تقدير الآية على هذا : وجعل لكم من أزواجكم بنين ومن البنين حفدة . وقال معناه الحسن . (الجامع لأحكام القرآن).

قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) :
ثم ذكر تعالى أنه جعل من الأزواج البنين والحفدة ، وهم أولاد البنين . قاله ابن عباس ، وعكرمة ، والحسن ، والضحاك ، وابن زيد .
قال شعبة ، عن أبى بشر ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس : ( بنين وحفدة ) هم الولد وولد الولد .
وقال سنيد : حدثنا حجاج عن أبي بكر ، عن عكرمة ، عن ابن عباس قال : بنوك حين يحفدونك ويرفدونك ويعينونك ويخدمونك . قال جميل :
حفد الولائد حولهن وأسلمت بأكفهن أزمة الأجمال
وقال مجاهد : ( بنين وحفدة ) ابنه وخادمه . وقال في رواية : الحفدة : الأنصار والأعوان والخدام .
وقال طاوس : الحفدة : الخدم وكذا قال قتادة ، وأبو مالك ، والحسن البصري .
وقال عبد الرزاق : أنبأنا معمر ، عن الحكم بن أبان ، عن عكرمة أنه قال : الحفدة : من خدمك من ولدك وولد ولدك .
قال الضحاك : إنما كانت العرب يخدمها بنوها .
وقال العوفي ، عن ابن عباس قوله : ( وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدة ) يقول : بنو امرأة الرجل ليسوا منه . ويقال : الحفدة : الرجل يعمل بين يدي الرجل ، يقال : فلان يحفد لنا قال : ويزعم رجال أن الحفدة أختان الرجل .
وهذا [ القول ] الأخير الذي ذكره ابن عباس قاله ابن مسعود ، ومسروق ، وأبو الضحى ، وإبراهيم النخعي ، وسعيد بن جبير ، ومجاهد ، والقرظي . ورواه عكرمة ، عن ابن عباس .
وقال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : هم الأصهار .
قال ابن جرير : وهذه الأقوال كلها داخلة في معنى : " الحفد " وهو الخدمة ، الذي منه قوله في القنوت : " وإليك نسعى ونحفد " ولما كانت الخدمة قد تكون من الأولاد والأصهار والخدم فالنعمة حاصلة بهذا كله ; ولهذا قال : ( وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدة )
قلت : فمن جعل ) وحفدة ) متعلقا بأزواجكم فلا بد أن يكون المراد الأولاد ، وأولاد الأولاد ، والأصهار ; لأنهم أزواج البنات ، وأولاد الزوجة ، وكما قال الشعبي والضحاك فإنهم غالبا يكونون تحت كنف الرجل وفي حجره وفي خدمته . وقد يكون هذا هو المراد من قوله [ عليه الصلاة ] والسلام في حديث بصرة بن أكثم : " والولد عبد لك " رواه أبو داود .
وأما من جعل الحفدة هم الخدم فعنده أنه معطوف على قوله : ( والله جعل لكم من أنفسكم أزواجا ) أي : وجعل لكم الأزواج والأولاد . (تفسير القرآن العظيم).

قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ):
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَسَعِيد بن مَنْصُور وَالْبُخَارِيّ فِي تَارِيخه وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن ابْن مَسْعُود فِي قَوْله: {بَنِينَ وحفدة} قَالَ الحفدة الْأخْتَان
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: الحفدة الأصهار
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: الحفدة الْوَلَد وَولد الْوَلَد
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: الحفدة بَنو الْبَنِينَ
وَأخرج الطستي عَن ابْن عَبَّاس أَن نَافِع بن الْأَزْرَق قَالَ لَهُ: أَخْبرنِي عَن قَوْله عزَّ وَجل: {وحفدة} قَالَ: ولد الْوَلَد وهم الأعوان قَالَ: وَهل تعرف الْعَرَب ذَلِك قَالَ: نعم أما سَمِعت الشَّاعِر وَهُوَ يَقُول: حفد الولائد حَوْلهنَّ وَأسْلمت بأكفهن أزمة الاجمال وَأخرج ابْن جرير عَن أبي حَمْزَة قَالَ: سُئِلَ ابْن عَبَّاس عَن قَوْله: {بَنِينَ وحفدة} قَالَ: من أعانك فقد حفدك أما سَمِعت قَول الشَّاعِر: حفد الولائد حَوْلهنَّ وَأسْلمت بأكفهن أزمة الاجمال وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس قالك الحفدة بَنو امْرَأَة الرجل لَيْسُوا مِنْهُ
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن أبي مَالك قَالَ: الحفدة الأعوان
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن عِكْرِمَة قَالَ: الحفدة الخدم
وَأخرج ابْن جرير عَن الْحسن قَالَ: الحفدة البنون وَبَنُو البنون وَمن أعانك من أهل أَو خَادِم فقد حفدك. (الدر المنثور).

ثانياً: جمع أقوال اللغويين في هذه المسألة
قال الخليل بن أحمد الفراهيدي(ت:170هـ): الحفد: الخفة في العمل والخفة, قال:
حفد الولائد بينهنّ وأسلمت بأكفّـهـن أزمّــة الأجـمــال
وسمعت في شعر محدث:(حفّدا أقدامها)أي: سراعا خفافا.
وفي سورة القنوت:(وإليك نسعى ونحفد)أي: نخف في مرضاتك.
والاحتفاد: السرعة في كل شيء, قال الأعشى:
ومحتفد الوقع ذو هبة أجاد جلاه يد الصيقل
وقول الله-عز وجل- (بنين وحفدة) يعني: البنات, وهن خدم الأبوين في البيت, ويقال: الحفدة: ولد الولد.
وعند العرب(حفث) حفد: الخدم.
والمحفِد: شيء يعلف فيه, قال:
وسقيي وإطعامي الشعير بمحفد.
والحفدان: فوق المشي كالخبب.
والمحافد: وشي الثوب, والواحد: محفِد. (كتاب العين).

قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {واللّه جعل لكم من أنفسكم أزواجًا} ، يعني: النّساء.
والنّساء من الرّجال.
سعيدٌ عن قتادة قال: خلق آدم ثمّ خلق زوجته منه.
قال: {وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدةً} والحفدة الخدم يعني: ولدًا يخدمونه، وولد ولده في تفسير الحسن.
عمّارٌ عن أبي هلالٍ الرّاسبيّ عن الحسن، قال: بنوك وبنو بنيك، البنون والحفدة كلّ شيءٍ يحفدونك ويخدمونك.
سعيدٌ عن قتادة قال: مهنّةٌ يمهنونك ويخدمونك من ولدك.
- المعلّى عن عاصم بن بهدلة عن زرّ بن حبيشٍ عن عبد اللّه بن مسعودٍ قال: الحفدة الأختان. [تفسير القرآن العظيم: 1/76-75]

قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {وحفدةً...}
والحفدة الأختان، وقالوا الأعوان. ولو قيل: الحفد: كان صواباً؛ لأن واحدهم حافد فيكون بمنزلة الغائب والغيب والقاعد والقعد). [معاني القرآن: 2/110]

قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {بنين وحفدةً} أعواناً وخدّاماً،
قال جميل:
حفد الولائد بينهنّ وأسلمت بأكفّـهـن أزمّــة الأجـمــال
واحدهم: حافد، خرج مخرج كامل والجميع كملة). [مجاز القرآن: 1/364]

قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ( {واللّه جعل لكم مّن أنفسكم أزواجاً وجعل لكم مّن أزواجكم بنين وحفدةً ورزقكم مّن الطّيّبات أفبالباطل يؤمنون وبنعمت اللّه هم يكفرون}
وقال: {بنين وحفدةً} وواحدهم "الحافد"). [معاني القرآن: 2/66]

قال أبو عبيد القاسم بن سلام(ـ224): (بنين وحفدة) الحفدة الأختان بلغة سعد العشيرة.(لغات القبائل الواردة في القرآن الكريم).

قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( (والحفدة): الأعوان والخدم واحدهم حافد وقالوا الأختان في التفسير ويقال: مر فلان يحفد حفدانا ومنه" وإليك نسعى ونحفد " أي نسرع). [غريب القرآن وتفسيره: 208]

قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {بنين وحفدةً} الحفدة: الخدم والأعوان. ويقال: هم بنون وخدم.
ويقال: الحفدة الأصهار. وأصل الحفد: مداركة الخطو والإسراع في المشي. وإنما يفعل هذا الخدم. فقيل لهم: حفدة، واحدهم حافد، مثل كافر وكفرة. ومنه
يقال في دعاء الوتر: وإليك نسعى ونحفد). [تفسير غريب القرآن: 247-246]

قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : وقوله: {وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدة}.
اختلف الناس في تفسير الحفدة، فقيل الأولاد، وقيل البنات وقيل الأختان، وقيل الأصهار، وقيل الأعوان.
وحقيقة هذا أن اللّه عزّ وجلّ جعل من الأزواج بنين ومن يعاون على ما يحتاج إليه بسرعة وطاعة، يقال حفد يحفد حفدا وحفدا وحفدانا إذا أسرع.
قال الشاعر:
حفد الولائد حولهن وأسلمت بأكـفّـهـنّ أزمّـــة الأجـمــال
معناه أسرعوا في الخدمة). [معاني القرآن: 3/213-212]

قال أبو بكر محمد بن عزيز السجستاني العزيزي(ت:330): حفدة:أي: خدما.
وقيل: أختانا.
وقيل: أصهارا.
وقيل: أعوانا.
وقيل: بنو الرجل من نفعه منهم.
وقيل: بنو المرأة من زوجها الأول. (نزهة القلوب).

قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ثم قال جل وعز: {وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدة}
روى سفيان الثوري عن عاصم عن زر عن عبد الله بن مسعود قال الحفدة الأختان
وروى سفيان بن عيينة عن عاصم عن زر عن عبد الله قال الحفدة الأصهار
وروى شعبة عن زر قال سألني ابن مسعود عن الحفدة فقلت هم الأعوان قال هم الأختان وقال علقمه وأبو الضحى الحفدة الأختان وقال إبراهيم الحفدة الأصهار قال أبو جعفر وقد اختلف في الأختان والأصهار
فقال محمد بن الحسن الختن الزوج ومن كان من ذوي رحمه والصهر من كان من قبل المرأة نحو أبيها وعمتها وخالها
وقال ابن الأعرابي ضد هذا في الأختان والأصهار وقال الأصمعي الختن من كان من قبل المرأة مثل أبيها وأخيها وما أشبههما والأصهار منهما جميعا يقال أصهر فلان إلى بني فلان وصاهر
وقول عبد الله بن مسعود هم الأختان يحتمل المعنيين جميعا يجوز أن يكون أراد أبا المرأة وما أشبه من أقربائها ويجوز أن يكون أراد وجعل لكم من أزواجكم بنين وبنات وتزوجونهم فيكون لكم بسببهن أختان
وقد قيل في الآية غير هذا قال عكرمة الحفدة ولد الرجل من نفعة منهم وقال الحسن وطاووس ومجاهد الحفدة الخدم
قال أبو جعفر وأصل الحفدة في اللغة الخدمة والعمل يقال حفد يحفد حفدا وحفودا وحفدانا إذا خدم وعمل ومنه وإليك نسعى ونحفد ومنه قول الشاعر:
حفد الولائد حولهن وأسلمتبأكـفـهـن أزمـــة الأجـمــال
وقول من قال هم الخدم حسن على هذا إلا إنه يكون منقطعا مما قبله عند أبي عبيد وينوي به التقديم والتأخير كأنه قال وجعل لكم حفدة أي خدما وجعل لكم من أزواجكم بنين). [معاني القرآن: 4/90-87]

قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ): ( {بنين وحفدة} اختلف الناس، فقالت طائفة: هم الأعوان والأختان، وقالت طائفة: كل من أسرع في حاجتك، فهو حافد، قرابة كان أو غير قرابة،
يقال حافد وحفدة، مثل: كاتب وكتبة). [ياقوتة الصراط: 296]

قال أحمد بن فارس بن زكرياء القزويني الرازي(ت: 395هـ): (حَفَدَ) الْحَاءُ وَالْفَاءُ وَالدَّالُ أَصْلٌ يَدُلُّ عَلَى الْخِفَّةِ فِي الْعَمَلِ، وَالتَّجَمُّعِ. فَالْحَفَدَةُ: الْأَعْوَانُ; لِأَنَّهُ يَجْتَمِعُ فِيهِمُ التَّجَمُّعُ وَالتَّخَفُّفُ، وَاحِدُهُمْ حَافِدٌ. وَالسُّرْعَةُ إِلَى الطَّاعَةِ حَفْدٌ، وَلِذَلِكَ يُقَالُ فِي دُعَاءِ الْقُنُوتِ: " إِلَيْكَ نَسْعَى وَنَحْفِدُ ". قَالَ:
يَا ابْنَ الَّتِي عَلَى قَعُودٍ حَفَّادْ
وَيُقَالُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً} [النحل: 72] ، إِنَّهُمُ الْأَعْوَانُ - وَهُوَ الصَّحِيحُ - وَيُقَالُ الْأَخْتَانُ، وَيُقَالُ الْحَفَدَةُ وَلَدُ الْوَلَدِ. وَالْمِحْفَدُ: مِكْيَالٌ يُكَالُ بِهِ. وَيُقَالُ فِي بَابِ السُّرْعَةِ وَالْخِفَّةِ سَيْفٌ مُحْتَفِدٌ، أَيْ سَرِيعُ الْقَطْعِ. وَالْحَفَدَانُ: تَدَارُكُ السَّيْرِ. (مقاييس اللغة).

قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {الحفدة} الخدام والأعوان، وقيل: الأصهار. وأصل الحفد: مداركة الخطو والإسراع في المشي. وهذا فعل الخدم).[تفسير المشكل من غريب القرآن: 132]

قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {الحَفَدَةُ}: الأحفاد، الخدم). [العمدة في غريب القرآن: 178]

قال أبو القاسم محمود بن عمرو بن أحمد، الزمخشري جار الله (ت:538): والحفدة: جمع حافد، وهو الذي يحفد، أى يسرع في الطاعة والخدمة. ومنه قول القانت. وإليك نسعى ونحفد وقال:
حَفَدَ الْوَلَائِدَ بَيْنَهُنَّ وَأُسْلِمَتْ ... بِأَكُفِّهِنَّ أزِمَّةَ الأَجْمَالِ «3»
واختلف فيهم فقيل: هم الأختان على البنات «4» وقيل: أولاد الأولاد. وقيل: أولاد المرأة من الزوج الأوّل. وقيل: المعنى وجعل لكم حفدة، أى خدما يحفدون في مصالحكم ويعينونكم ويجوز أن يراد بالحفدة: البنون أنفسهم، كقوله سَكَراً وَرِزْقاً حَسَناً كأنه قيل: وجعل لكم منهنّ أولاداً هم بنون وهم حافدون، أى جامعون بين الأمرين مِنَ الطَّيِّباتِ يريد بعضها، لأنّ كل الطيبات في الجنة، وما طيبات الدنيا إلا أنموذج منها. (الكشاف).

قال أبو الفضل جمال الدين محمد بن مكرم ( ابن منظور)(ت711): [ حفد ] حفد : حفد يحفد حفدا وحفدانا واحتفد : خف في العمل وأسرع . وحفد يحفد حفدا : خدم . الأزهري : الحفد في الخدمة والعمل الخفة ; وأنشد :
حفد الولائد حولهن وأسلمت بأكفهن أزمة الأجمال
وروي عن عمر أنه قرأ في قنوت الفجر : وإليك نسعى ونحفد ; أي نسرع في العمل والخدمة . قال أبو عبيد : أصل الحفد الخدمة والعمل ; وقيل : معنى وإليك نسعى ونحفد نعمل لله بطاعته . الليث : الاحتفاد السرعة في كل شيء ; قال الأعشى يصف السيف :
ومحتفد الوقع ذو هبة أجاد جلاه يد الصيقل
قال الأزهري : رواه غيره ومحتفل الوقع ، باللام ، قال : وهو الصواب . وفي حديث عمر ، رضي الله عنه ، وذكر له عثمان للخلافة قال : أخشى حفده ; أي إسراعه في مرضاة أقاربه . والحفد : السرعة . يقال : حفد البعير والظليم حفدا وحفدانا ، وهو تدارك السير ، وبعير حفاد . قال أبو عبيد : وفي الحفد لغة أخرى أحفد إحفادا . وأحفدته : حملته على الحفد والإسراع ; قال الراعي :
مزايد خرقاء اليدين مسيفة أخب بهن المخلفان وأحفدا
أي أحفدا بعيريهما . وقال بعضهم : أي أسرعا ، وجعل : حفد وأحفد بمعنى . وفي التهذيب : أحفدا خدما ، قال : وقد يكون أحفدا غيرهما . والحفد والحفدة : الأعوان والخدمة ، واحدهم حافد . وحفدة الرجل : بناته ، وقيل : أولاد أولاده ، وقيل : الأصهار . والحفيد : ولد الولد ، والجمع حفداء . وروي عن مجاهد في قوله : بنين وحفدة أنهم الخدم ، وروي عن عبد الله أنهم الأصهار ، وقال الفراء : الحفدة الأختان ويقال الأعوان ، ولو قيل الحفد كان صوابا ؛ لأن الواحد حافد مثل القاعد والقعد . وقال الحسن : البنون بنوك وبنو بنيك ، وأما الحفدة فما حفدك من شيء وعمل لك وأعانك . وروى أبو حمزة عن ابن عباس ، رضي الله عنهما ، في قوله تعالى : بنين وحفدة قال : من أعانك فقد حفدك ; أما سمعت قوله :
حفد الولائد حولهن وأسلمت
وقال الضحاك : الحفدة بنو المرأة من زوجها الأول . وقال عكرمة : الحفدة من خدمك من ولدك وولد ولدك . وقال الليث : الحفدة ولد الولد . وقيل : الحفدة البنات وهن خدم الأبوين في البيت . وقال ابن عرفة : الحفد عند العرب الأعوان ، فكل من عمل عملا أطاع فيه وسارع فهو حافد ; قال : ومنه قوله : وإليك نسعى ونحفد . قال : والحفدان السرعة . وروى عاصم عن زر قال : قال عبد الله : يا زر هل تدري ما الحفدة ؟ قال : نعم ، حفاد الرجل من ولده وولد ولده ، قال : لا ولكنهم الأصهار ; قال عاصم : وزعم الكلبي أن زرا قد أصاب ; قال سفيان : قالوا : وكذب الكلبي . وقال ابن شميل : قال : الحفدة الأعوان فهو أتبع لكلام العرب ممن قال الأصهار ; قال :
فلو أن نفسي طاوعتني لأصبحت لها حفد مما يعد كثير
أي خدم حافد وحفد وحفدة جميعا . ورجل : محفود أي مخدوم . وفي حديث أم معبد : محفود محشود ; المحفود : الذي يخدمه أصحابه ويعظمونه ويسرعون في طاعته . يقال : حفدت وأحفدت وأنا حافد ومحفود . وحفد وحفدة جمع حافد . ومنه حديث أمية : بالنعم محفود . وقال : الحفد والحفدان والإحفاد في المشي دون الخبب ; وقيل : الحفدان فوق المشي كالخبب ، وقيل : هو إبطاء الركك ، والفعل كالفعل . والمحفد والمحفد : شيء تعلف فيه الإبل كالمكتل ; قال الأعشى يصف ناقته :
بناها الغوادي الرضيخ مع الخلا وسقيي وإطعامي الشعير بمحفد
الغوادي : النوى . والرضيخ : المرضوخ ، وهو النوى يبل بالماء ثم يرضخ ، وقيل : هو مكيال يكال به ، وقد روي بيت الأعشى بالوجهين معا :
بناها السوادي الرضيخ مع النوى وقت وإعطاء الشعير بمحفد
ويروى بمحفد ، فمن كسر الميم عده مما يعتمل به ، ومن فتحها فعلى توهم المكان أو الزمان . ابن الأعرابي : أبو قيس : مكيال واسمه المحفد وهو القنقل . ومحافد الثوب : وشيه ، واحدها محفد . ابن الأعرابي : الحفدة صناع الوشي والحفد الوشي . ابن شميل : يقال لطرف الثوب محفد ، بكسر الميم ، والمحفد : الأصل عامة ; عن ابن الأعرابي ، وهو المحتد والمحفد والمحكد والمحقد : الأصل ومحفد الرجل : محتده وأصله . والمحفد : السنام وفي المحكم : أصل السنام ; عن يعقوب ; وأنشد لزهير :
جمالية لم يبق سيري ورحلتي على ظهرها ، من نيها غير محفد
وسيف محتفد : سريع القطع . (لسان العرب).

قال أبو العباس أحمد بن يوسف السمين الحلبي(ت:756هـ):قوله تعالى: {وَحَفَدَةً} : في «حَفَدَة» أوجهٌ. أظهرُها: أنه معطوفٌ على «بنين» بقيدِ كونِه من الأزواج، وفُسِّر هنا بأنه
أولادُ الأولادِ. الثاني: أنه مِنْ عطفِ الصفاتِ لشيءٍ واحدٍ، أي: جَعَلَ لكم بنينَ خَدَماً، والحَفَدَةُ: الخَدَمُ. الثالث: أنه منصوبٌ ب «جَعَلَ» مقدرةً، وهذا عند مَنْ يُفَسِّر الحَفَدة بالأعوان والأَصْهار، وإنما احتيج إلى تقدير «جَعَلَ» لأنَّ «جَعَلَ» الأولى مقيدةٌ بالأزواج، والأعوانُ والأصهارُ ليسوا من الأزواج.
والحَفَدَةُ: جمع حافِد كخادِم وخَدَم. وفيهم للمفسرين أقوالٌ كثيرةٌ، واشتقاقُهم مِنْ قولِهم: حَفَد يَحْفِد حَفْداً وحُفوداً وحَفَداناً، أي: أسرع في الطاعة. وفي الحديث: «وإليك نَسْعَى ونَحْفِدُ» ، أي: نُسْرِعِ في طاعتِك. قال الأعشى:
كَلَّفْتُ مجهولَها نُوْقاً يَمانيةً ... إذا الحُداة على أَكْسائها حَفَدُوا
وقال الآخر:
حَفَدَ الولائدُ حولَهُنَّ وأَسْلَمَتْ ... بأكفِّهنَّ أَزِمَّةَ الأجْمالِ
ويستعمل «حَفَدَ» أيضاً متعدياً. يقال: حَفَدَني فهو حافِدٌ، وأُنْشِد:
يَحْفِدون الضيفَ في أبياتِهمْ ... كَرَماً ذلك منهم غيرَ ذُلّْ
وحكى أبو عبيدة أنه يقال: «أَحْفَدَ» رباعياً. وقال بعضهم: «الحَفَدَةُ: الأَصْهار، وأنشد:
فلو أنَّ نفسي طاوَعَتْني لأصبحَتْ ... لها حَفَدٌ ممَّا يُعَدُّ كثيرُ
ولكنها نَفسٌ عليَّ أَبِيَّةٌ ... عَيُوفٌ لإِصهارِ اللِّئامِ قَذْوْرُ
ويقال: سيفٌ مُحْتَفِدٌ، أي: سريعُ القطع. وقال الأصمعيُّ:» أصلُ الحَفْدِ: مقارَبَةُ الخَطْوِ «.(الدر المصون في علوم الكتاب المكنون).

قال أثير الدين أبو عبد الله محمد بن يوسف الأندلسي(ت761): ولما ذكر تعالى امتنانه بالإيجاد ثم بالرزق المفضل فيه ، ذكر امتنانه بما يقوم بمصالح الإنسان مما يأنس به ويستنصر به ويخدمه ، واحتمل ( من أنفسكم ) أن يكون المراد من جنسكم ونوعكم ، واحتمل أن يكون ذلك باعتبار خلق حواء من ضلع من أضلاع آدم ، فنسب ذلك إلى بني آدم ، وكلا الاحتمالين مجاز . والظاهر أن عطف حفدة على بنين يفيد كون الجميع من الأزواج ، وأنهم غير البنين . فقال الحسن : هم بنو ابنك . وقال ابن عباس والأزهري : الحفدة أولاد الأولاد ، واختاره ابن العربي . وقال ابن عباس أيضا : البنون : صغار الأولاد ، والحفدة : كبارهم . وقال مقاتل : بعكسه ، وقيل : البنات لأنهن يخدمن في البيوت أتم خدمة . ففي هذا القول خص البنين بالذكران لأنه جمع مذكر كما قال : ( المال والبنون زينة الحياة الدنيا ) وإنما الزينة في الذكورة . وعن ابن عباس : هم أولاد الزوجة - من غير الزوج - التي هي في عصمته . وقيل : ( وحفدة ) منصوب بجعل مضمرة ، وليسوا داخلين في كونهم من الأزواج . فقال ابن مسعود ، وعلقمة ، وأبو الضحى ، وإبراهيم بن جبير : الأصهار : وهم قرابة الزوجة كأبيها وأخيها . وقال مجاهد : هم الأنصار والأعوان والخدم . وقالت فرقة : الحفدة هم البنون ، أي : جامعون بين البنوة والخدمة ، فهو من عطف الصفات لموصوف واحد . قال ابن عطية ما معناه : وهذه الأقوال مبنية على أن كل أحد جعل له من زوجه بنين وحفدة ، وهذا إنما هو في الغالب ومعظم الناس . ويحتمل عندي أن قوله من أزواجكم ، إنما هو على العموم والاشتراك ، أي : من أزواج البشر جعل الله منهم البنين ، ومنهم جعل الخدمة ، وهكذا رتبت الآية النعمة التي تشمل العالم . ويستقيم لفظ الحفدة على مجراها في اللغة ، إذ البشر بجملتهم لا يستغني أحد منهم عن حفدة ; انتهى . وفي قوله : ( من أنفسكم أزواجا ) دلالة على كذب العرب في اعتقادها أن الآدمي قد يتزوج من الجن ويباضعها ، حتى حكوا ذلك عن عمرو بن هند أنة تزوج سعلاة . (البحر المحيط).

قال محمّد بن محمّد بن عبد الرزّاق الزبيدي(ت:1205هـ): حَفَد يَحْفِد من حَدّ ضَرَبَ حَفْداً بفتح فسكون وحَفَدَاناً . ومحركةً : خَفَّ في العَملِ وأَسْرعَ . وفي حديث عمر رضي الله عنه وذُكِرَ له عثمانُ للخلافةِ قال أَخْشَى حَفْدَه أي إسراعَه في مَرْضاةِ أَقاربه . كاحْتَفَد
قل الليث : الاحْتِفَأدُ : السُّرعة في كل شيءٍ . وحفَد واحْتَفَدَ بمعنى الإِسراع من المجاز كما في الأَساس . ومن المجاز أَيضاً : حَفَدَ يَحْفِد حَفْداً : خَدَمَ قال الأزهري : الحَفْد في الخِدْمة والعَملِ : الخِفَّةُ
وفي دعاءِ القنوتِ : وإليكَ نَسْعَى ونَحْفِد أي نُسرِع في العمل والخِدْمَة
وقال أبو عُبَيْد : أَصلُ الحَفْدِ : الخِدْمَةُ والعَمَلُ . والحَفَدُ محرَّكةً والحَفدَةُ الخَدَمُ والأَعوانُ جمْعُ حافِد قال ابن عَرفة : الحَفَد عند العرب : الأَعوانُ فكلّ من عَمِل عَمَلاً أطاع فيه وسارَع فهو حافدٌ
والحَفَدُ محرّكةُ مَشْيٌ دُونَ الخَبَبِ وقد حَفَدَ البَعِيرُ والظَّلِيمُ وهو تَدارُك السيَّيْرِ كالحَفَدَانِ محرَّكةً والحَفْدِ بفتح فسكون وبعيرٌ حَفَّادٌ
وقال أبو عُبَيْد : وفي الحَفَد لُغَة أُخْرَى وهو الإِحفادُ وقد أَحْفَد الظَّلِيمُ
وقيل : الحَفَدَانُ فَوْقَ المَشْي ؟ ِ كالخَبَبِ
ومن المجاز : حَفَدَةُ الرَّجُلِ : بناتُه أَوْ أَولادُ أَولادِه كالحَفِيد وهو واحدُ الحَفَدَةِ وهو ولد وَلَدُ الولد والجمعُ حُفَدَاءُ
وروِيَ عن مُجَاهِدٍ في قوله تعالى : " بَنِينَ وحَفَدَةً أَنهم الخَدَمُ أَو الأَصهارُ . رُوِيَ عن عبد الله بن مسعود أَنه قال لزِرٍّ : هلْ تَدرِي ما الحَفَدَةُ ؟ قال : نعم حُفَّاد الرّجُلِ من وَلَدِه ووَلَدِ ولده . قال : لا ولكنَّهم الأًَصهارُ . قال عاصمٌ : وزعم الكَلْبِيُّ أَن زِرّاً قد أَصاب قال سفيانُ : قالوا وكَذَب الكَلْبِيّ . وقال الفرَّاءُ : الحَفَدَةُ : الأَخْتَانُ ويقال : الأَعونُ . وقال الحَسَن . البَنِينَ : بَنُوك وبنو بَنِيكَ وأَما الحَفَدة فما حَفَدَك مِن شيْءٍ وعَمِل لك وأَعانك . وروى أَبو حمزةَ عن ابن عبّاس في قوله تعالى : " بَنِينَ وحَفَدةً " . قال : مَن أَعانك فقَدْ حفَدَك . وقال الضّحّاك : الحَفَدَةُ : بنو المرأَةِ من زوْجها الأَوَّل . وقال عِكْرِمةُ : الحفدة : منْ خدَمكَ من وَلَدِكَ وولَدِ وَلَدِكَ . وقيل : المراد بالبنات في قول المصنِّف هُنَّ خَدمُ الأَبَوَيْن في البَيْت . وعن ابن الأَعرابيّ : الحَفَدَةُ صُنَّاعُ الوَشْيِ والحَفْد : الوَشْيُ
والمحْفد كمَجْلِسٍ أو مِنْبَر وعلى هذه اقتصر الصاغاني : شَيْءٌ يُعْلَف فيه الدَّوَابُّ كالمِكْتَلِ . ومنهم مَنْ خَصَّ الإِبلَ قال الأَعشى يَصِفُ ناقَتَه :
بَناها الغواديّ الرَّضِيخُ مَع الخَلاَ ... وسَقْيِي وإِطْعَامي الشَّعِيرَ بِمَحْفِدِ الغواديّ : النَّوَى والرّضيخ : المرضوخ وهو النَّوى يُبَلُّ بالماء ثم يُرْضَخ . وقد رُوِيَ بيتُ الأَعشى بالوجْهيْن مَعاً فمن كسر الميم عًَدَّه مما يُعْتَملُ به ومن فَتَحها فعلَى تَوهُّمِ المكانِ أَو الزَّمان
والمِحْفَد كمِنْبَر : طَرفُ الثَّوبِ عن ابن شُميل
ورَوى ابنُ الأَعرابيّ عن أَبي قَيس : قَدَحٌ يُكالُ بهِ واسمه المِحْفَد وهو القَنْقَلُ . والمَحْفِد كمَجْلِس : الأَصْلُ عامَّةً كالمَحْتِد والمَحْكِد والمَحْقِد عن ابن الأَعرابي
والمحْفِدُ : السَّنَامُ وفي المحكم : أَصلُ السَّنامِ عن يعقوب وأَنشد لزُهَيْرٍ :
جُمَالِيَّةٌ لم يُبْقِ سيْرِي ورِحْلتي ... على ظهْرِها مِنْ نِيّهَا غيرَ مَحْفِدِ والمَحْفِد : وَشْىُ الثَّوْبِ جمعه المحافِدُ . ومَحْفِد كمجْلِس ة باليمن من مَيْفَعة . والمَحْفَد كمَقْعَد : ة بالسَّحُول بأَسفَلها . وسَيْفٌ مُحْتَفِدٌ : سَرِيعُ القَطْعِ قال الأَعشَى يَصِف السَّيفَ :
ومُحْتفِدُ الوقْع ذُو هَبَّةٍ ... أَجادَ جِلاهُ يَدُ الصَّيْقَلِ قال الأَزهريُّ : وروى : ومُحْتَفِل الوَقْع باللام قال : وهو الصّوَابُ . وأَحفَدَهُ : حمَلَهُ على الحَفْدِ وهو الإِسْرَاعُ قال الراعي :
مَزايِدُ خَرْقَاءِ اليدَيْنِ مُسِيفةٍ ... أَخَبَّ بهِنَّ المُخْلِفَانِ وأَحفَدَا وفي التهذيب . أَحفدا خَدَما قال : وقد يكون أَحفدَا غيرَهما . ومن المجاز رجل مَحْفُودٌ أَي مَخْدُوم يخدُمه أَصحابُه ويُعظِّمونه ويُسْرِعُون في طاعته يقال : حَفَدْت واَحفدْت وأَنا حافِدٌ ومَحْفُودٌ . وقد جاءَ ذٍكْرُه في حَدِيثِ أُمّ مَعْبَد . وممَّن اشتَهر بالحفِيدِ : أَبو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ عبدِ الله بن يُوسفَ النَّيْسَابُوريُّ ابنُ بنت العَّباس بن حَمْزَة الفقيه الواعظِ. (تاج العروس).

قال محمد الطاهر ابن عاشور(ت:1393): والحفدة : جمع حافد ، مثل كملة جمع كامل ، والحافد أصله المسرع في الخدمة ، وأطلق على ابن الابن ; لأنه يكثر أن يخدم جده لضعف الجد بسبب الكبر ، فأنعم الله على الإنسان بحفظ سلسلة نسبه بسبب ضبط الحلقة الأولى منها ،
وهي كون أبنائه من زوجه ثم كون أبناء أبنائه من أزواجهم ، فانضبطت سلسلة الأنساب بهذا النظام المحكم البديع ، وغير الإنسان من الحيوان لا يشعر بحفدته أصلا ، ولا يشعر بالبنوة إلا أنثى الحيوان مدة قليلة قريبة من الإرضاع ، والحفدة للإنسان زيادة في مسرة العائلة ، قال تعالى فبشرناها بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب ، وقد عملت ( من ) الابتدائية في ( حفدة ) بواسطة حرف العطف ; لأن الابتداء يكون مباشرة وبواسطة . (التحرير والتنوير).

تعليقات:
- بحثت تقريبا في جميع المصادر المرتبة على المراتب الخمس والتي ذكرها الشيخ حفظه الله.
- كانت مصادري في الغالب من المكتبة الوقفية, الشاملة, مكتبة الشبكة الإسلامية.
- ما نقلته من (الجمهرة) لم يمنع من بحثي في الكتب المنقول منها, لكن النقل كان من (الجمهرة).
- من التفاسير التي تحوي أقوال السلف في معنى(حفدة): تفسير ابن جرير, الثعلبي, مكي القيسي, الماوردي, البغوي, ابن الجوزي, ابن عطية, القرطبي, ابن كثير, السيوطي.
- المرتبة الأولى: تفسير القرآن ليحيى بن سلام البصري, ومجاز القرآن لأبي عبيدة معمر بن المثنى, ومعاني القرآن، لأبي زكريا الفراء, ومعاني القرآن، للأخفش الأوسط, ومعاني القرآن وإعرابه، لأبي إسحاق الزجاج, ومعاني القرآن، لأبي جعفر النحاس.
- المرتبة الثانية: تفسير غريب القرآن، لابن قتيبة, وغريب القرآن وتفسيره، لليزيدي, ونزهة القلوب، لابن عزيز السجستاني, وياقوتة الصراط، لأبي عمر الزاهد
- وتفسير المشكل من غريب القرآن، والعمدة في غريب القرآن كلاهما لمكي بن أبي طالب.
المرتبة الثالثة: كتاب (العين) للفراهيدي, (لغات القبائل الوارد) لابن سلام .
- النرتبة الرابعة: كشاف الزمخشري, البحر المحيط لأبي حيّان، والدرّ المصون للسمين الحلبي، والتحرير والتنوير لابن عاشور.
المرتبة الخامسة: مقاييس اللغة لابن فارس, لسان العرب لابن منظور, تاج العروس للزبيدي. (هذا ما فهمته من المقصود بها)!

رد مع اقتباس
  #3  
قديم 28 ذو القعدة 1439هـ/9-08-2018م, 04:04 AM
مها محمد مها محمد غير متواجد حالياً
طالبة علم
 
تاريخ التسجيل: Jan 2016
المشاركات: 251
افتراضي

بسم الله الرحمن الرحيم
المطلوب جمع أقوال علماء اللغة في التفسير في إعراب {إن هذان لساحران}.
أولا التعرف على أقوال السلف في المسألة
قال أبو جعفر الطبري (ت: 310 ه):
قالوا إن هذان لساحران، يَعْنُون بقولهم إن هذان موسى وهارون، لساحران يريدان أن يخرجاكم من أرضكم بسحرهما، كما حدثنا بِشر، قال ثنا يزيد، قال ثنا سعيد، عن قتادة، قوله { إنْ هَذَانِ لَساحِرَانِ يُرِيدَانِ أنْ يُخْرِجاكُمْ مِنْ أرْضِكُمْ بِسِحْرِهِما } موسى وهارون صلـى الله علـيهما. وقد اختلفت القرّاء فـي قراءة قوله { إنْ هَذَانِ لَساحِرَانِ } فقرأته عامة قرّاء الأمصار «إنَّ هَذَانِ» بتشديد إن وبـالألف فـي هذان، وقالوا قرأنا ذلك كذلك. وكان بعض أهل العربـية من أهل البصرة يقول «إن» خفـيفة فـي معنى ثقـيـلة، وهي لغة لقوم يرفعون بها، ويدخـلون اللام لـيفرقوا بـينها وبـين التـي تكون فـي معنى ما. وقال بعض نـحويـيِّ الكوفة ذلك علـى وجهين أحدهما علـى لغة بنـي الـحارث بن كعب ومن جاورهم، يجعلون الاثنـين فـي رفعهما ونصبهما وخفضهما بـالألف. وقد أنشدنـي رجل من الأَسْد عن بعض بنـي الـحارث بن كعب
فأطْرَقَ إطْرَاقَ الشُّجاعِ وَلَوْ رَأىَ مَساغاً لِنابـاهُ الشُّجاعُ لَصمَّـما

قال وحكى عنه أيضاً هذا خط يدا أخي أعرفه، قال وذلك وإن كان قلـيلاً أقـيس، لأن العرب قالوا مسلـمون، فجعلوا الواو تابعة للضمة، لأنها لا تعرب، ثم قالوا رأيت الـمسلـمين، فجعلوا الـياء تابعة لكسرة الـميـم قالوا فلـما رأوا الـياء من الاثنـين لا يـمكنهم كسر ما قبلها، وثبت مفتوحاً، تركوا الألف تتبعه، فقالوا رجلان فـي كلّ حال. قال وقد اجتـمعت العرب علـى إثبـات الألف فـي كلام الرجلـين، فـي الرفع والنصب والـخفض، وهما اثنان، إلا بنـي كنانة، فإنهم يقولون رأيت كِلَـىِ الرجلـين، ومررت بكلـي الرجلـين، وهي قبـيحة قلـيـلة مَضَوا علـى القـياس. قال والوجه الآخر أن تقول وجدت الألف من هذا دعامة، ولـيست بلام «فَعلَـى» فلـما بنـيت زدت علـيها نونا، ثم تركت الألف ثابتة علـى حالها لا تزول بكلّ حال، كما قالت العرب الذي، ثم زادوا نوناً تدلّ علـى الـجمع، فقالوا الذين فـي رفعهم ونصبهم وخفضهم، كما تركوا هذان فـي رفعه ونصبه وخفضه. قال وكان القـياس أن يقولوا الَّذُون. وقال آخر منهم ذلك من الـجزم الـمرسل، ولو نصب لـخرج إلـى الانبساط. وحُدثت عن أبـي عُبـيدة معمر بن الـمثنى، قال قال أبو عمرو وعيسى بن عمر ويونس، إن هذين لساحران فـي اللفظ، وكتب «هذان» كما يريدون الكتاب، واللفظ صواب. قال وزعم أبو الـخطاب أنه سمع قوماً من بنـي كنانة وغيرهم، يرفعون الاثنـين فـي موضع الـجرّ والنصب. قال وقال بشر بن هلال إن بـمعنى الابتداء والإيجاب. ألا ترى أنها تعمل فـيـما يـلـيها، ولا تعمل فـيـما بعد الذي بعدها، فترفع الـخبر ولا تنصبه، كما نصبت الاسم، فكان مـجاز «إن هذان لساحران»، مـجاز كلامين، مَخْرجه إنه إي نَعَم، ثم قلت هذان ساحران. ألا ترى أنهم يرفعون الـمشترك كقول ضابىء
فَمَنْ يَكُ أمْسَى بـالـمَدِينَةِ رَحْلُهُ فإنّـي وَقَـيَّارٌ بِهَا لَغَرِيبُ

وقوله
إنَّ السُّيُوفَ غُدُوَّها وَرَواحَها تَرَكْتْ هَوَازِنَ مِثْلَ قَرْنِ الأعْضَبِ

قال ويقول بعضهم إن الله وملائكتُهُ يصلون علـى النبـيّ، فـيرفعون علـى شركة الابتداء، ولا يعملون فـيه إنَّ. قال وقد سمعت الفصحاء من الـمُـحْرِمين يقولون إن الـحمدَ والنعمةُ لك والـملكُ، لا شريك لك. قال وقرأها قوم علـى تـخفـيف نون إن وإسكانها. قال ويجوز لأنهم قد أدخـلوا اللام فـي الابتداء وهي فصل، قال
أُمُّ الـحُلَـيْسِ لعَجُوزٌ شَهْرَبَهْ

قال وزعم قوم أنه لا يجوز، لأنه إذا خفف نوّن «إن» فلا بدّ له من أن يدخـل «إلا» فـيقول إن هذا إلا ساحران. قال أبو جعفر والصواب من القراءة فـي ذلك عندنا { إنّ } بتشديد نونها، وهذان بـالألف لإجماع الـحجة من القرّاء علـيه، وأنه كذلك هو فـي خطّ الـمصحف. ووجهه إذا قرىء كذلك مشابهته الذين إذ زادوا علـى الذي النون، وأقرّ فـي جميع الأحوال الإعراب علـى حالة واحدة، فكذلك { إنَّ هَذَانِ } زيدت علـى هذا نون وأقرّ فـي جميع أحوال الإعراب علـى حال واحدة، وهي لغة بلـحرث بن كعب، وخثعم، وزبـيد، ومن ولـيهم من قبـائل الـيـمن.( جامع البيان)
قال أبو الحسن المواردي (ت: 450):
قوله تعالى: { قَالُواْ إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ } هذه قراءة أبي عمرو وهي موافقة للإِعراب مخالفة للمصحف. وقرأ الأكثرون: إن هذان الساحران، فوافقوا المصحف فيها، ثم اختلفوا في تشديد إنّ فخففها ابن كثير وحفص فسلما بتخفيف إن من مخالفة المصحف ومن فساد الإِعراب، ويكون معناها: ما هذان إلا ساحران. وقرأ أُبَيّ: إن ذان إلا ساحران، وقرأ باقي القراء بالتشديد: إنَّ هذان لساحران. فوافقوا المصحف وخالفوا ظاهر الإِعراب. واختلف من قرأ بذلك في إعرابه على أربعة أقاويل:
أحدها: أن هذا على لغة بلحارث بن كعب وكنانة بن زيد يجعلون رفع الإِثنين ونصبه وخفضه بالألف، وينشدون:
فأطرق إطراق الشجاع ولو رأى
مساغاً لِناباهُ الشجاع لصمّما
والوجه الثاني: لا يجوز أن يحمل القرآن على ما اعتل من اللغات ويعدل به عن أفصحها وأصحها، ولكن في " إن " هاء مضمرة تقديرها إنّه هذان لساحران، وهو قول متقدمي النحويين.
الثالث: أنه بَنَى " هذان " على بناء لا يتغير في الإِعراب كما بَنَى الذين على هذه الصيغة في النصب والرفع.
الرابع: أن " إن " المشددة في هذا الموضع بمعنى نعم، كما قال رجل لابن الزبير: لعن الله ناقة حملتني إليك، فقال ابن الزبير: إنّ وصاحبها. وقال عبد الله بن قيس الرقيات:
بكى العواذل في الصبا
ح يلمنني وألومُهُنّة
ويقلن شيب قد علا
ك وقد كبرت فقلت إنْه
(تفسير النكت والعيون)




قال أبومحمد الحسين بن مسعود البغوي (ت: 516هـ):
{ إِنْ هَـٰذَٰنِ لَسَاحِرَٰنِ } ، يعني موسى وهارون.
وقرأ ابن كثير وحفص: { إنْ } بتخفيف النون، { هذان } أي ما هذان إلا ساحران، كقوله:
{
وَإِن نَّظُنُّكَ لَمِنَ ٱلْكَـٰذِبِينَ }
[الشعراء: 186]، أي ما نظنك إلاَّ من الكاذبين، ويُشَدِّد ابن كثير النون من { هذانّ }.
وقرأ أبو عمرو { إنَّ } بتشديد النون { هذين } بالياء على الأصل.
وقرأ الآخرون: { إنَّ } بتشديد النون، { هذان } بالألف، واختلفوا فيه:
فروىٰ هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة: أنه خطأ من الكاتب.
وقال قوم: هو لغة الحارث بن كعب، وخثعم، وكنانة، فإنهم يجعلون الاثنين في موضع الرفع والنصب والخفض بالألف، يقولون: أتاني الزيدان ورأيت الزيدان ومررت بالزيدان، فلا يتركون ألف التثنية في شيء منها، وكذلك يجعلون كل ياء ساكنة انفتح ما قبلها ألفاً، كما في التثنية، يقولون: كسرت يداه وركبت علاه، يعني يديه وعليه. وقال شاعرهم:
تزود مني بين أذناه ضربة
دعته إلى هابي التراب عقيم
يريد بين أذنيه.
وقال آخر:
إِنَّ أَبَاهَا وأَبَا أَبَاهَا
قَدْ بَلَغَا فِي المَجْدِ غَايَتَاهَا
وقيل: تقدير الآية: إنه هذان، فحذف الهاء.
وذهب جماعة إلى أن حرف " أن " هاهنا بمعنى نعم، أي نعم هذان. روي أن أعرابياً سأل ابن الزبير شيئاً فحرمه، فقال: لعن الله ناقة حملتني إليك، فقال ابن الزبير: إِنَّ وصاحبها، أي: نعم.
وقال الشاعر:
بَكَرَتْ عليَّ عَواذِلي
يَلْحِيْنَنِي وَأَلُومُهُنَّهّ
وَيَقُلْنَ شَيْبٌ قد عَلاَ
ك وقد كَبُرْتَ فقلتُ إِنَّهْ
أي: نعم.( معالم التنزيل)


قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) :
وقوله تعالى: { إن هذان لساحران } الآية، قرأ نافع وابن عامر وحمزة والكسائي " إنّ " مشددة النون " هذان " بألف ونون مخففة للتثنية. وقرأ أبو عمرو وحده " إن هذين لساحران " وقرأ ابن كثير " إن هذان " بتخفيف نون " إنْ " وتشديد نون " هذان لسحران " وقرأ حفص عن عاصم " إن " بالتخفيف " هذان " خفيفة أيضاً " لساحران " وقرأت فرقة " إن هذان إلا ساحران " ، وقرأت فرقة " إن ذان لساحران " ، وقرأت فرقة " ما هذان إلا ساحران " ، وقرأت فرقة " إن هذان " بتشديد النون من " هذان ". فأما القراءة الأولى فقالت فرقة قوله " إن " بمعنى نعم كما روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال في خطبته: " إن الحمدُ لله " فرفع الحمد وقال ابن الزبير إن وراكبها حين قال له الرجل فأبعد الله ناقة حملتني إليك ويلحق هذا التأويل أن اللام لا تدخل في خبر الإبتداء وهو مما يجوز في الشعر ومنه قول الشاعر: [الرجز]
أم الحليس لعجوز شهربه
ترضى من اللحم بعظم الرقبة
وذهبت فرقة إلى أن هذه الآية على لغة بلحارث وهو إبقاء ألف التثنية في حال النصب والخفض فمن ذلك قول الشاعر [هوبر الحارثي]: [الطويل]
تزود منها بين أذناه ضربة
دعته إلى هابي التراب عقيم
وقال الآخر: [الطويل]
فأطرق إطراق الشجاع ولو رأى
مساغاً لنا باه الشجاع لصمما
وتعزى هذه اللغة لكنانة وتعزى لخثعم وقال الفراء الألف في " هذان " دعامة وليست بمجلوبة للتثنية وإنما هي ألف هذا تركبت في حال التثنية كما تقول الذي ثم تزيد في الجمع نوناً وتترك الياء في حال الرفع والنصب والخفض وقال الزجاج في الكلام ضمير تقديره إنه هذان لساحران.
قال القاضي أبو محمد: وفي هذا التأويل دخول اللام في الخبر وقال بعض النحاة ألف " هذان " مشبهة هنا بألف تفعلان وقال ابن كيسان لما كان هذا بحال واحدة في رفعه ونصبه وخفضه تركت تثنيته هنا كذلك، وقال جماعة، منهم عائشة رضي الله عنها وأبو بكر، هذا مما لحن الكاتب فيه وأقيم بالصواب وهو تخفيف النون من أن ع وهذه الأقوال معترضة إلا ما قيل من أنها لغة، و " إن " بمعنى أجل ونعم أو " إن " في الكلام ضميراً وأما من قرأ " إن " خفيفة فهي عن سيبويه المخففة من الثقيلة ويرتفع بعدها الأسم ويقول الفراء هي بمعنى ما واللام بمعنى إلا ووجه سائر القراءات بينّ.( المحرر الوجيز)

قال أبو الفرج عبد الرحمن بن علي ابن الجوزي(ت:597هـ):
واختلف القراء في قوله تعالى: { إِنْ هذان لساحران } فقرأ أبو عمرو بن العلاء: «إِنَّ هذين» على إِعمال «إِنَّ» وقال: إِني لأستحيي من الله أن أقرأ «إِنْ هذان». وقرأ ابن كثير: «إِنْ» خفيفه «هذانّ» بتشديد النون. وقرأ عاصم في رواية حفص: «إِنْ» خفيفة «هذان» خفيفة أيضاً. وقرأ نافع، وابن عامر، وحمزة، والكسائي: «إِنّ» بالتشديد «هاذان» بألف ونون خفيفة. فأما قراءة أبي عمرو، فاحتجاجه في مخالفة المصحف بما روى عن عثمان وعائشة، أن هذا من غلط الكاتب على ما حكيناه في قوله تعالى:
{
والمقيمين الصلاة }
في سورة [النساء: 162]. وأما قراءة عاصم، فمعناها: ما هذان إِلا ساحران، كقوله تعالى:{وإِنْ نظنُّك لمن الكاذبين}
[الشعراء: 186] أي: ما نظنك إِلا من الكاذبين، وأنشدوا في ذلك:
ثكلتْك أمُّك إِن قتلتَ لَمُسْلِماً
حَلّت عَليه عُقوبة المُتَعمِّدِ
أي: ما قتلت إِلا مسلماً. قال الزجاج: ويشهد لهذه القراءة، ما روي عن أُبيِّ ابن كعبٍ أنه قرأ «ما هذان إِلا ساحران»، وروي عنه: «إِن هذان إِلا ساحران»، ورويت عن الخليل «إِنْ هذان» بالتخفيف، والإِجماع على أنه لم يكن أحدٌ أعلمَ بالنحو من الخليل. فأما قراءة الأكثرين بتشديد «إِنَّ» وإِثبات الألف في قوله: «هاذان» فروى عطاء عن ابن عباس أنه قال: هي لغة بلحارث بن كعب.
وقال ابن الأنباري: هي لغة لبني الحارث بن كعب، وافقتها لغة قريش. قال الزجاج: وحكى أبو عبيدة عن أبي الخطاب، وهو رأس من رؤوس الرواة: أنها لغة لكنانة، يجعلون ألف الاثنين في الرفع والنصب والخفض على لفظ واحد، يقولون: أتاني الزيدان، ورأيت الزيدان، ومررت بالزيدان، وأنشدوا:
فأَطْرَقَ إِطْرَاقَ الشُّجاعِ وَلَوْ رَأىَ
مَسَاغاً لِنَابَاهُ الشُّجَاعُ لَصَمَّمَا
ويقول هؤلاء: ضربته بين أُذناه. وقال النحويون القدماء: هاهنا هاء مضمرة، المعنى: إِنه هذان لساحران. وقالوا أيضاً: إِن معنى «إِنَّ»: نعم «هذان لساحران»، وينشدون:
ويَقْلنَ شَيْبٌ قد عَلاَ
كَ وقد كَبِرتَ فقلتُ إِنَّهْ
قال الزجاج: والذي عندي، وكنتُ عرضتُه على عالمنا محمد بن يزيد، وعلى إِسماعيل بن إِسحاق ابن حماد بن زيد، فقبلاه، وذكرا أنه أجود ما سمعناه في هذا، وهو أن «إِنَّ» قد وقعت موقع «نعم»، والمعنى: نعم هذان لهما الساحران، ويلي هذا في الجودة مذهب بني كنانة. وأستحسن هذه القراءة، لأنها مذهب أكثر القراء، وبها يُقرأ. وأستحسن قراءة عاصم، والخليل، لأنهما إِمامان، ولأنهما وافقا أُبَيَّ بن كعب في المعنى. ولا أجيز قراءة أبي عمرو لخلاف المصحف. وحكى ابن الأنباري عن الفراء قال: «ألف» «هذان» هي ألف «هذا» والنون فرَّقتْ بين الواحد والتثنية، كما فرقت نون «الذين» بين الواحد والجمع.( زاد المسير)
قال أبو عبد الله محمد بن أحمد بن أبي بكر القرطبي(ت:671هـ):
قوله تعالى: { إِنْ هَـٰذَانِ لَسَاحِرَانِ } قرأ أبو عمرو «إِنَّ هَذَيْنِ لَسَاحِرَانِ». ورويت عن عثمان وعائشة رضي الله عنهما وغيرهما من الصحابة؛ وكذلك قرأ الحسن وسعيد بن جبير وإبراهيم النَّخَعيّ وغيرهم من التابعين؛ ومن القراء عيسى بن عمر وعاصم الجحدري؛ فيما ذكر النحاس. وهذه القراءة موافقة للإعراب مخالفة للمصحف. وقرأ الزهريّ والخليل بن أحمد والمفضل وأبان وابن محيصن وابن كثير وعاصم في رواية حفص عنه «إِنْ هَذَانِ» بتخفيف «إن» «لساحران» وابن كثير يشدّد نون «هذانّ». وهذه القراءة سلمت من مخالفة المصحف ومن فساد الإعراب، ويكون معناها ما هذان إلا ساحران. وقرأ المدنيون والكوفيون «إنَّ هَذَانِ» بتشديد «إنّ» «لساحران» فوافقوا المصحف وخالفوا الإعراب. قال النحاس: فهذه ثلاث قراءات قد رواها الجماعة عن الأئمة، وروي عن عبد الله بن مسعود أنه قرأ «إِنْ هذانِ إِلاّ ساحِرَانِ» وقال الكسائي في قراءة عبد الله: «إِنْ هَذَانِ سَاحِرَانِ» بغير لام؛ وقال الفراء في حرف أبيّ «إِنْ ذَانِ إِلاَّ سَاحِرَانِ» فهذه ثلاث قراءات أخرى تحمل على التفسير لا أنها جائز أن يقرأ بها لمخالفتها المصحف.

قلت: وللعلماء في قراءة أهل المدينة والكوفة ستة أقوال ذكرها ابن الأنباري في آخر كتاب الردّ له، والنحاس في إعرابه، والمهدوي في تفسيره، وغيرهم أدخل كلام بعضهم في بعض. وقد خطأهم قوم حتى قال أبو عمرو: إني لأستحي من الله تعالى أن أقرأ «إِنَّ هَذَانِ»: وروى عروة عن عائشة رضي الله عنها أنها سئلت عن قوله تعالى:
{
لَّـٰكِنِ ٱلرَّاسِخُونَ فِي ٱلْعِلْمِ }
[النساء: 162] ثم قال: «والمقِيمِين» وفي «المائدة»
{
إِنَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَٱلَّذِينَ هَادُواْ والصَّابِئُونَ }
[البقرة: 62] و«إِنَّ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ» فقالت: يا ابن أختيٰ هذا خطأ من الكاتب. وقال عثمان بن عفان رضي الله عنه: في المصحف لحن وستقيمه العرب بألسنتهم. وقال أبان بن عثمان: قرأت هذه الآية عند أبي عثمان بن عفان، فقال: لحن وخطأ؛ فقال له قائل: ألا تغيِّروه؟ فقال: دَعُوه فإنه لا يحرّم حلالاً ولا يحلّل حراماً. القول الأول من الأقوال الستة أَنها لغة بني الحرث بن كعب وزَبيد وخَثْعم وكنانة بن زيد يجعلون رفع الاثنين ونصبه وخفضه بالألف؛ يقولون: جاء الزيدان ورأيت الزيدان ومررت بالزيدان، ومنه قوله تعالى:
{
وَلاَ أَدْرَاكُمْ بِهِ }
[يونس: 16] على ما تقدّم. وأنشد الفراء لرجل من بني أسد ـ قال: وما رأيت أفصح منه:
فأَطرقَ إطراقَ الشُّجاعِ ولو يَرَى
مَساغاً لِنَابَاهُ الشُّجَاعُ لَصَمَّمَا
ويقولون: كسرت يداه وركبت عَلاَه؛ بمعنى يديه وعليه؛ قال شاعرهم:
تَزوَّدَ مِنّا بين أُذْنَاه ضَرْبَةً
دعته إلى هابِي التُّرابِ عَقِيم
وقال آخر:
طَارُوا عَلاَهُنَّ فَطِرْ عَلاَهَا

أي عليهنّ وعليها وقال آخر:
إنّ أَبَاهَا وأَبَا أباهَا
قد بَلَغَا في المجدِ غايتاها
أي إن أبا أبيها وغايتيها. قال أبو جعفر النحاس: وهذا القول من أحسن ما حملت عليه الآية؛ إذ كانت هذه اللغة معروفة، وقد حكاها من يرتضى بعلمه وأمانته؛ منهم أبو زيد الأنصاري، وهو الذي يقول: إذا قال سيبويه حدّثني من أثق به فإنما يعنيني؛ وأبو الخطاب الأخفش وهو رئيس من رؤساء اللغة، والكسائي والفراء كلهم قالوا هذا على لغة بني الحارث بن كعب. وحكى أبو عبيدة عن أبي الخطاب أن هذه لغة بني كنانة. المهدوي: وحكى غيره أنها لغة لخثعم. قال النحاس ومن أبين ما في هذا قول سيبويه: واعلم أنك إذا ثنيت الواحد زدت عليه زائدتين، الأولى منهما حرف مدّ ولين وهو حرف الإعراب؛ قال أبو جعفر فقول سيبويه: وهو حرف الإعراب، يوجب أن الأصل ألا يتغير، فيكون «إِنَّ هَذَانِ» جاء على أصله ليعلم ذلك، وقد قال تعالى:
{
ٱسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ ٱلشَّيْطَانُ }
[المجادلة: 19] ولم يقل استحاذ؛ فجاء هذا ليدل على الأصل، وكذلك { إِنْ هَـٰذَانِ } ولا يفكر في إنكار من أنكر هذه اللغة إذْ كان الأئمة قد رووها. القول الثاني: أن يكون «إنّ» بمعنى نعم؛ كما حكى الكسائي عن عاصم قال: العرب تأتي بـ«ـإنّ» بمعنى نعم، وحكى سيبويه أن «إنّ» تأتي بمعنى أَجَلْ، وإلى هذا القول كان محمد بن يزيد، وإسماعيل بن إسحاق القاضي يذهبان؛ قال النحاس: ورأيت أبا إسحاق الزجاج وعلي بن سليمان يذهبان إليه. الزمخشري: وقد أعجب به أبو إسحاق. النحاس: وحدّثنا عليّ بن سليمان، قال: حدّثنا عبد الله بن أحمد بن عبد السلام النيسابوريّ، ثم لقيت عبد الله بن أحمد (هذا) فحدّثني، قال: حدّثني عمير بن المتوكل، قال: حدّثنا محمد بن موسى النوفلي من ولد حارث بن عبد المطلب، قال: حدّثنا عمرو بن جميع الكوفي عن جعفر بن محمد عن أبيه عن عليّ ـ وهو ابن الحسين ـ عن أبيه عن عليّ بن أبي طالب رضوان الله عليهم أجمعين، قال: لا أحصي كم سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول على منبره: " إنَّ الحمدُ لله نحمده ونستعينه " ثم يقول: " أنا أفصح قريش كلها وأفصحها بعدي أبان بن سعيد بن العاص " قال أبو محمد الخفاف قال عمير: إعرابه عند أهل العربية والنحو «إنَّ الحمد لله» بالنصب إلا أن العرب تجعل «إن» في معنى نعم، كأنه أراد صلى الله عليه وسلم نعم الحمد لله؛ وذلك أن خطباء الجاهلية كانت تفتتح خطبها بنعم. وقال الشاعر في معنى نعم:
قالوا غَدَرْتَ فقلتُ إنّ وربَّمَا
نَالَ العُلاَ وشَفَى الغَليلَ الغادِرُ
وقال عبد الله بن قيس الرُّقيات:
بَكَرَ العواذلُ في الصَّبا
حِ يَلُمْنَني وأَلُومُهُنَّهْ
ويَقلْنَ شيبٌ قد عَلاَ
كَ وقد كَبِرتَ فقلتُ إنَّهْ
فعلى هذا جائز أن يكون قول الله عز وجل: «إِنَّ هَذَانَ لَسَاحِرَانِ» بمعنى نعم ولا تنصب. قال النحاس: أنشدني داود بن الهيثم، قال أنشدني ثعلب:
ليت شعري هل للمحبِّ شفاء
من جَوَى حبّهن إنَّ اللقاءُ
قال النحاس: وهذا قول حسن إلا أن فيه شيئاً لأنه إنما يقال: نعم زيد خارج، ولا تكاد تقع اللام هاهنا، وإن كان النحويون قد تكلموا في ذلك فقالوا: اللام ينوى بها التقديم؛ كما قال:
خالِي لأنتَ ومَنْ جريرٌ خالُه
يَنلِ العَلاَء ويُكْرِم الأَخوالاَ
قال آخر:
أُمُّ الْحُلَيْسِ لَعَجُوزٌ شَهْرَبَهْ
تَرْضَى من الشَّاةِ بِعَظْمِ الرَّقَبَهْ
أي لخالي ولأمّ الحليس؛ وقال الزجاج: والمعنى في الآية إن هذان لهما ساحران ثم حذف المبتدأ. المهدوي: وأنكره أبو عليّ وأبو الفتح بن جنيّ. قال أبو الفتح: «هما» المحذوف لم يحذف إلا بعد أن عُرِف، وإذا كان معروفاً فقد استغنى بمعرفته عن تأكيده باللام، ويقبح أن تحذف المؤكَّد وتترك المؤكِّد. القول الثالث قاله الفراء أيضاً: وجدت الألف دعامة ليست بلام الفعل، فزدت عليها نوناً ولم أغيرها، كما قلت: «الذي» ثم زدت عليه نوناً فقلت: جاءني الذين عندك، ورأيت الذين عندك، ومررت بالذين عندك. القول الرابع قاله بعض الكوفيين؛ قال: الألف في «هذان» مشبهة بالألف في يفعلان؛ فلم تغير. القول الخامس: قال أبو إسحاق: النحويون القدماء يقولون الهاء هاهنا مضمرة، والمعنى: إنه هذان لساحران؛ قال ابن الأنباري: فأضمرت الهاء التي هي منصوب «إن» و«هذان» خبر «إن» و«ساحران» يرفعها «هما» المضمر (والتقدير) إنه هذان لهما ساحران. والأشبه عند أصحاب أهل هذا الجواب أن الهاء اسم «إن» و«هذان» رفع بالابتداء وما بعده خبر الابتداء. القول السادس: قال أبو جعفر النحاس وسألت أبا الحسن بن كيسان عن هذه الآية، فقال: إن شئت أجبتك بجواب النحويين، وإن شئت أجبتك بقولي؛ فقلت: بقولك؛ فقال: سألني إسماعيل بن إسحاق عنها فقلت: القول عندي أنه لما كان يقال «هذا» في موضع الرفع والنصب والخفض على حال واحدة، وكانت التثنية يجب ألا يغير لها الواحد، أجريت التثنية مجرى الواحد؛ فقال: ما أحسن هذا لو تقدمك أحد بالقول به حتى يؤنس به؛ قال ابن كيسان: فقلت له: فيقول القاضي به حتى يؤنس به؛ فتبسم.( الجامع لأحكام القرآن).
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ):
{ قَالُوۤاْ إِنْ هَـٰذَٰنِ لَسَاحِرَٰنِ } وهذه لغة لبعض العرب، جاءت هذه القراءة على إعرابها، ومنهم من قرأ { إن هذين لساحران } وهذ اللغة المشهورة، وقد توسع النحاة في الجواب عن القراءة الأولى بما ليس هذا موضعه. ( تفسير القرآن العظيم)
جمع أقوال اللغويين في المسألة:


قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (
قوله: {قالوا إن هذان لساحران} [طه: 63] سعيدٌ، عن قتادة قال: يعنون موسى وهارون.( تفسير يحيى بن سلام)

قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ)
: (وقوله: {إن هذان لساحران...}
قد اختلف فيه القراء فقال بعضهم: هو لحن ولكنا نمضي عليه لئلاّ نخالف الكتاب. ... حدثني أبو معاوية الضرير،عن هاشم بن عروة بن الزبير، عن أبيه، عن عائشة أنها سئلت عن قوله في النساء {لكن الراسخون في العلم منهم .... والمقيمين الصلاة} وعن قوله في المائدة {إن الذين آمنوا والّذين هادوا والصّابئون} وعن قوله: {إنّ هذان لساحران} فقالت: يا بن أخي هذا كان خطأ من الكاتب. وقرأ أبو عمرو {إنّ هذين لساحران} واحتجّ أنه بلغه عن بعض أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم أنه قال: إن في المصحف لحناً وستقيمه العرب.
...
ولست أشتهي على (أن أخالف الكتاب وقرأ بعضهم {إن هذان لساحران}
خفيفة وفي قراءة عبد الله: (وأسروا النجوى أن هذان ساحران) وفي قراءة أبيّ (إن ذان إلاّ ساحران) فقراءتنا بتشديد (إنّ) وبالألف على جهتين.
إحداهما على لغة بني الحارث بن كعب: يجعلون الاثنين في رفعهما ونصبهما وخفضهما بالألف وأنشدني رجل من الأسد عنهم. يريد بني الحارث:

فأطرق إطراق الشجاع ولو يرىمسـاغـاً لـنـابـاه الـشـجـاع لصـمّـمـا

قال: وما رأيت أفصح من هذا الأسديّ وحكى هذا الرجل عنهم: هذا خطّ يدا أخي بعينه. وذلك - وإن كان قليلاً - أقيس؛ لأنّ العرب قالوا: مسلمون فجعلوا الواو تابعة للضمّة (لأن الواو لا تعرب) ثم قالوا: رأيت المسلمين فجعلوا الياء تابعة لكسرة الميم. فلمّا رأوا أن الياء من الاثنين لا يمكنهم كسر ما قبلها، وثبت مفتوحاً: تركوا الألف تتبعه، فقالوا: رجلان في كل حال. وقد اجتمعت العرب على إثبات الألف في كلا الرجلين في الرفع والنصب والخفض وهما اثنان، إلاّ بني كنانة فإنهم يقولون: رأيت كلى الرجلين ومررت بكلى الرجلين. وهي قبيحة قليلة، مضوا على القياس.
والوجه الآخر أن تقول: وجدت الألف (من هذا دعامة وليست بلام فعل، فلمّا ثنيت زدت عليها نوناً ثم تركت الألف) ثابتة على حالها لا تزول على كلّ حال؛ كما قالت العرب (الذي) ثم زادوا نوناً تدلّ على الجماع، فقالوا: الذين في رفعهم ونصبهم وخفضهم كما تركوا (هذان) في رفعه ونصبه وخفضه. وكنانة يقولون (اللّذون)). (معاني القرآن: 2/184،183]


قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): (
{إنّ هذان لساحران}قال أبو عمرو وعيسى ويونس " إنّ هذين لساحران " في اللفظ وكتب " هذان " كما يزيدون وينقصون في الكتاب واللفظ صواب، وزعم أبو الخطاب أنه سمع قوماً من بني كنانة وغيرهم يرفعون الاثنين في موضع الجر والنصب، قال بشر بن هلال " إنّ " بمعنى الابتداء والإيجاب، ألا ترى أنها تعمل فيما يليها ولا تعمل فيما بعد الذي بعدها فترفع الخبر ولا تنصبه كما تنصب الاسم فكان مجازه " {إنّ هذان لساحران}مجاز كلامين، مخرجه: إنه أي نعم، ثم قلت: هذان ساحران، ألا ترى أنهم يرفعون المشرك كقوله:

فمن يك أمسى بالمدينة رحلهفــــإنــــيّ وقــــيّـــــارٌ بــــهـــــا لـــغـــريـــب

وقوله:

إنّ شرخ الشّباب والشّعر الأسودمـــــــــا لـــــــــم يــــعـــــاص كـــــــــان جـــنـــونـــا

وقوله:

إنّ الـســيــوف غــدوّهـــا ورواحـــهـــاتركت هوزان مثل قرن الأعضب

ويقول بعضهم " إنّ الله وملائكته يصلون على النّبي " فيرفعون ملائكته على شركة الابتداء ولا يعملون فيها " إن "، وقال سمعت الفصحاء من المحرمين يقولون: إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك له.
وقرأها قومٌ على تخفيف نون " إن " وإسكانها وهو يجوز لأنهم قد أدخلوا اللام في الابتداء وهي فضل، قال:
أم الحليس لعجوزٌ شهربه وزعم قومٌ أنه لا يجوز لأنه إذا خفف نون " إن " فلا بد له من أن يدخل إلا فيقول: إن هذان إلا ساحران). [مجاز القرآن: 2/23،22]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ):
وقال : إن هذان لساحران [63] خفيفة في معنى ثقيلة، وهي لغة لقوم ؛ يرفعون ويدخلون "اللام" ليفرقوابينها وبين التي تكون في معنى : "ما" . ونقرؤها ثقيلة، وهي لغة لبني الحارث بن كعب . [معاني القرآن]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ):
باب ما ادّعي على القرآن من اللحن
وأما ما تعلقوا به من حديث عائشة رضي الله عنها في غلط الكاتب، وحديث عثمان رضي الله عنه: أرى فيه لحنا- فقد تكلم النحويون في هذه الحروف، واعتلوا لكل حرف منها، واستشهدوا الشعر:
فقالوا: في قوله سبحانه: إِنْ هذانِ لَساحِرانِ [طه: 63] وهي لغة بلحرث بن كعب يقولون: مررت برجلان، وقبضت منه درهمان، وجلست بين يداه، وركبت علاه. وأنشدوا «2» :
تزوّد منّا بين أذناه ضربة ...دعته إلى هابي التّراب عقيم
أي موضع كثير التراب لا ينبت.
وأنشدوا «3» :
أيّ قلوص راكب تراها ...طاروا علاهنّ فطر علاها
على أن القراء قد اختلفوا في قراءة هذا الحرف: فقرأه أبو عمرو بن العلاء «1» ، وعيسى بن عمر «2» : «إنّ هذين لساحران» وذهبا إلى أنه غلط من الكاتب كما قالت عائشة.
وكان عاصم الجحدريّ «3» يكتب هذه الأحرف الثلاثة في مصحفه على مثالها في الإمام، فإذا قرأها، قرأ: «إنّ هذين لساحران» ، وقرأ المقيمون الصلاة [النساء: 162] ، وقرأ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا وَالصَّابِئِينَ [الحج: 17] .
وكان يقرأ أيضا في سورة البقرة: والصابرون فى البأساء والضراء [البقرة: 177] ويكتبها: الصابرين.
وإنما فرق بين القراءة والكتاب لقول عثمان رحمة الله: أرى فيه لحنا وستقيمه العرب بألسنتها فأقامه بلسانه، وترك الرسم على حاله.
وكان الحجاج «4» وكّل عاصما «5» وناجية بن رمح وعليّ بن أصمع بتتبّع المصاحف، وأمرهم أن يقطعوا كل مصحف وجدوه مخالفا لمصحف عثمان، ويعطوا صاحبه ستين درهما. وإلا رسوم الدّار قفرا كأنّها ...كتاب محاه الباهليّ بن أصمعا
وقرأ بعضهم: إِنْ هذانِ لَساحِرانِ [طه: 63] اعتبارا بقراءة أبيّ لأنها في مصحفه:
«
إن ذان إلا ساحران» وفي مصحف عبد الله: (وأسرّوا النّجوى أن هذان ساحران) منصوبة بالألف يجعل إِنْ هذانِ تبيينا للنجوى.(تأويل مشكل القرآن)
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) :
وقوله - عز وجل -: قالوا إن هذان لساحران ؛ يعنون موسى ؛ وهارون ؛ وهذا الحرف من كتاب الله - عز وجل - مشكل على أهل اللغة؛ وقد كثر اختلافهم في تفسيره؛ ونحن نذكر جميع ما قاله النحويون؛ ونخبر بما نظن أنه الصواب؛ والله أعلم.

وقبل شرح إعرابه نخبر بقراءة القراء؛ أما قراءة أهل المدينة ؛ والأكمه؛ في القراءة؛ فبتشديد "إن"؛ والرفع في "هذان"؛ وكذلك قرأ أهل العراق ؛حمزة ؛ وعاصم - في رواية أبي بكر بن عياش -؛ والمدنيون.

وروي عن عاصم : "إن هذان"؛ بتخفيف "إن"؛ ويصدق ما قرأه عاصم في هذه القراءة ما يروى عن أبي ؛ فإنه قرأ: "ما هذان إلا ساحران"؛ وروي أيضا عنه أنه قرأ: "إن هذان إلا ساحران"؛ ورويت عن الخليل أيضا: "إن هذان لساحران"؛ بالتخفيف؛ والإجماع أنه لم يكن أحد بالنحو أعلم منالخليل ؛ وقرأ أبو عمرو ؛ وعيسى بن عمر : "إن هذين لساحران"؛ بتشديد "إن"؛ ونصب "هذين".

فهذه الرواية فيه؛ فأما احتجاج النحويين؛ فاحتجاج أبي عمرو في مخالفته المصحف في هذا أنه روي أنه من غلط الكاتب؛ وأن في الكتاب غلطا ستقيمه العرب بألسنتها؛ يروى ذلك عن عثمان بن عفان ؛ وعن عائشة - رحمهما الله -؛ وأما الاحتجاج في "إن هذان"؛ بتشديد "إن"؛ ورفع "هذان"؛ فحكى أبو عبيدة عن أبي الخطاب - وهو رأس من رؤساء الرواة -؛ أنها لغة لكنانة ؛ يجعلون ألف الاثنين في الرفع؛ والنصب؛ والخفض؛ على لفظ واحد؛ يقولون: "أتاني الزيدان"؛ و"رأيت الزيدان"؛ ومررت بالزيدان"؛ وهؤلاء ينشدون:
فأطرق إطراق الشجاع ولو رأى مساغا لناباه الشجاع لصمما
وهؤلاء أيضا يقولون: "ضربته بين أذناه"؛ و"من يشتري مني الخفان؟"؛ وكذلك روى أهل الكوفة أنها لغة لبني الحرث بن كعب ؛ قال النحويون القدماء: ههنا هاء مضمرة؛ المعنى: "إنه هذان لساحران"؛ قالوا أيضا: إن معنى "إن"؛ معنى "نعم"؛ المعنى: "نعم هذان لساحران"؛ وينشدون:
ويقلن شيب قد علا ك وقد كبرت فقلت إنه
ويحتجون بأن هذه اللام أصلها أن تقع في الابتداء؛ وأن وقوعها في الخبر جائز؛ وينشدون في ذلك:
خالي لأنت ومن جرير خاله ينل العلاء ويكرم الإخوانا
وأنشدوا أيضا:
أم الحليس لعجوز شهربة ترضى من الشاة بعظم الرقبة
قالوا: المعنى: "لأنت خالي"؛ والمعنى: "لأم الحليس عجوز"؛ وقال الفراء في هذا: إنهم زادوا فيها النون في التثنية؛ وتركوا الألف على حالها في الرفع؛ والنصب؛ والجر؛ كما فعلوا في "الذي"؛ فقالوا: "الذين"؛ في الرفع؛ والنصب؛ والجر؛ فهذا جميع ما احتج به النحويون؛ والذي عندي - والله أعلم -؛ وكنت عرضته على عالمينا؛ محمد بن يزيد ؛ وعلى إسماعيل بن إسحاق بن حماد بن زيد القاضي ؛ فقبلاه؛ وذكرا أنه أجود ما سمعاه في هذا؛ وهو: "إن"؛ قد وقعت موقع "نعم"؛ وأن اللام وقعت موقعها؛ وأن المعنى: "هذان لهما ساحران" .
والذي يلي هذه في الجودة مذهب بني كنانة في ترك ألف التثنية على هيئة واحدة؛ لأن حق الألف أن تدل على الاثنين؛ وكان حقها ألا تتغير؛ كما لم تتغير ألف "رحى"؛ و"عصا"؛ ولكن كان نقلها إلى الياء في النصب؛ والخفض؛ أبين وأفضل للتمييز بين المرفوع؛ والمنصوب؛ والمجرور.
فأما قراءة عيسى بن عمر ؛ وأبي عمرو بن العلاء ؛ فلا أجيزها؛ لأنها خلاف المصحف؛ وكل ما وجدته إلى موافقة المصحف أقرب لم أجز مخالفته؛ لأن اتباعه سنة؛ وما عليه أكثر القراء؛ ولكني أستحسن "إن هذان لساحران"؛ بتخفيف "إن"؛ وفيه إمامان؛ عاصم ؛ والخليل ؛ وموافقة أبي في المعنى؛ وإن خالفه اللفظ.
ويستحسن أيضا "إن هذان"؛ بالتشديد؛ لأنه مذهب أكثر القراء؛ وبه يقرأ؛ وهو قوي في العربية.( معاني القرآن وإعرابه)
أبو جعفر أحمد بن محمد بن إسماعيل النحّاس (ت 338 هـ):
فيه ست قراءات قرأ المدنيون والكوفيون (إن هذان لساحران) وقرأ أبو عمرو (إن هذين لساحران) وهذه القراءة مروية عن الحسن وسعيد بن جبيروإبراهيم النخعي وعيسى بن عمر وعاصم الجحدري، وقرأ الزهري وإسماعيل بن قسطنطين والخليل بن أحمد وعاصم في إحدى الروايتين (إن هذان لساحران) بتخفيف إن فهذه ثلاث قراءات قد رواها الجماعة عن الأئمة ، وروي عن عبد الله بن مسعود (إن هذان إلا ساحران) وقال الكسائي: في قراءة عبد الله (إن هذان ساحران) بغير لام، وقال الفراء في حرف أبي (إن ذان إلا ساحران) فهذه ثلاث قراءات أخرى تحمل على التفسير إلا أنها جائز أن يقرأ بها لمخالفتها المصحف. قال أبو جعفر: القراءة الأولى للعلماء فيها ستة أقوال: منها أن يكون إن بمعنى نعم، كما حكى الكسائيعن عاصم قال العرب: تأتي بإن بمعنى نعم، وحكى سيبويه: أن "إن" تأتي بمعنى أجل. وإلى هذا القول كان محمد بن يزيد وإسماعيل بن إسحاقيذهبان. قال أبو جعفر: ورأيت أبا إسحاق وأبا الحسن علي بن سليمان يذهبان إليه. وحدثنا علي بن سليمان قال: حدثنا عبد الله بن أحمد بن عبد السلام النيسابوري ثم لقيت عبد الله بن أحمد هذا فحدثني قال: حدثنا عمير بن المتوكل قال: حدثنا محمد بن موسى النوغلي من ولد حارث بن عبد المطلبقال: حدثنا عمرو بن جميع الكوفي عن جعفر بن محمد عن أبيه عن علي وهو علي بن الحسين عن أبيه عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: لا أحصي كم سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم على منبره يقول: "إن الحمد لله نحمده ونستعينه ثم يقول: أنا أفصح قريش كلها وأفصحها بعدي أبان بن سعيد بن العاص". قال أبو محمد: قال عمير: إعرابه عند أهل العربية في النحو إن الحمد لله بالنصب إلا أن العرب تجعل "إن" في معنى نعم كأنه أراد: نعم الحمد لله وذلك أن خطباء الجاهلية كانت تفتتح في خطبتها بنعم، وقال الشاعر في معنى نعم :
قالوا غدرت فقلت إن وربما نال العلى وشفى الغليل الغادر
وقال ابن قيس الرقيات :
بكر العواذل في الصبوح يلمنني وألومهنه ويقلن شيب قد علاك وقد كبرت فقلت إنه
فعلى هذا جائز أن يكون قول الله عز وجل: "إن هذان لساحران" بمعنى نعم. قال أبو جعفر: أنشدني داود بن الهيثم قال: أنشدني ثعلب :
ليت شعري هل للمحب شفاء من جوى حبهن إن اللقاء
أي نعم، فهذا قول. وقال أبو زيد والكسائي والأخفش والفراء: هذا على لغة بني الحارث بن كعب. قال الفراء: يقولون: رأيت الزيدان، ومررت بالزيدان وأنشد :
فأطرق إطراق الشجاع ولو يرى مساغا لناباه الشجاع لصمما
وحكى أبو الخطاب أن هذه لغة بني كنانة، وللفراء قول آخر قال: وجدت الألف دعامة ليست بلام الفعل فزدت عليها نونا ولم أغيرها، كما قلت: الذي ثم زدت عليها نونا فقلت: جاءني الذين عندك، ورأيت الذين عندك. قال أبو جعفر: وقيل: شبهت الألف في قولك: هذان بالألف في يفعلان، فلم تغير. قال أبو إسحاق: النحويون القدماء يقولون: الهاء ههنا مضمرة والمعنى: إنه هذان لساحران. فهذه خمسة أقوال، قال أبو جعفر: وسألت أبا الحسن بن كيسان عن هذه الآية فقال: إن شئت أجبتك بجواب النحويين، وإن شئت أجبتك بقولي فقلت: بقولك فقال: سألني إسماعيل بن إسحاق عنها فقلت: القول عندي أنه لما كان يقال: هذا في موضع الرفع والنصب والخفض على حال واحدة، وكانت التثنية يجب أن لا يغير لها الواحد أجريت التثنية مجرى الواحد، فقال: ما أحسن هذا لو تقدمك بالقول به حتى يؤنس به فقلت: فيقول القاضي به حتى يؤنس به فتبسم. قال أبو جعفر: القول الأول أحسن إلا أن فيه شيئا لأنه إنما قال: إنما يقال: نعم زيد خارج، ولا يكاد يقع اللام ههنا، وإن كان النحويون قد تكلموا في ذلك فقالوا: اللام ينوى بها التقديم. وقال أبو إسحاق: المعنى إن هذان لهما ساحران ثم حذف المبتدأ كما قال : أم الحليس لعجوز شهربه
والقول الثاني من أحسن ما حملت عليه الآية إذ كانت هذه اللغة معروفة، وقد حكاها من يرتضى علمه وصدقه وأمانته، منهم أبو زيد الأنصاري وهو الذي يقول: إذا قال سيبويه: حدثني من أثق به فإنما يعنيني. وأبو الخطاب الأخفش، وهو رئيس من رؤساء أهل اللغة. روى عنه سيبويه وغيره. ومن بين ما في هذا قول سيبويه: واعلم أنك إذا ثنيت الواحد زدت عليه زائدتين الأولى منهما حرف مد ولين، وهو حرف الإعراب. قال أبو جعفر: فقول سيبويه: وهو حرف الإعراب يوجب أن الأصل أن لا يتغير إن هذان، جاء على أصله ليعلم ذلك وقد قال الله جل وعز: { استحوذ عليهم الشيطان } ولم يقل: استحاذ فجاء على هذا ليدل على الأصل إذ كان الأئمة قد رووها وتبين أنها الأصل. وهذا بين جدا ويذهبا بطريقتكم المثلى تأنيث أمثل، كما يقال: الأفضل والفضلى، وأنثت الطريقة على اللفظ وإن كان يراد بها الرجال ويجوز أن يكون التأنيث على معنى الجماعة. ( إعراب القرآن)
قال أبو محمد مكي بن أبي طالب(ت: 437هـ):
قَوْله {إِن هَذَانِ لساحران} من رفع هَذَانِ حمله على لُغَة لبني الْحَارِث بن كَعْب يأْتونَ بالمثنى بِالْألف على كل حَال قَالَ بَعضهم
...تزَود منا بَين أذنَاهُ طعنة ...دَعَتْهُ هابي التُّرَاب عقيم ...
وَقيل إِن بِمَعْنى نعم وَفِيه بعد لدُخُول اللَّام فِي الْخَبَر وَذَلِكَ لَا يكون الا فِي شعر كَقَوْلِه ...أم الْحُلَيْس لعجوز شهر بِهِ ...ترْضى من اللَّحْم بِعظم الرقبه ...
وَكَانَ وَجه الْكَلَام لأم الْحُلَيْس عَجُوز وَكَذَلِكَ كَانَ وَجه الْكَلَام فِي الْآيَة ان حملت ان على معنى نعم إِن لهذان ساحران كَمَا تَقول نعم لهذان ساحران وَنعم لمُحَمد رَسُول الله وَفِي تَأَخّر اللَّام مَعَ لفظ ان بعض الْقُوَّة على نعم وَقيل إِن الْمُبْهم لما لم يظْهر فِيهِ اعراب فِي الْوَاحِد وَلَا فِي الْجمع جرت التَّثْنِيَة على ذَلِك فَأتي بِالْألف على كل حَال وَقيل الْهَاء مضمرة مَعَ ان وَتَقْدِيره انه هَذَانِ لساحران كَمَا تَقول إِنَّه زيد منطلق وَهُوَ قَول حسن لَوْلَا أَن دُخُول اللَّام فِي الْخَبَر يبعده فَأَما من خفف إِن فَهِيَ قِرَاءَة حَسَنَة لِأَنَّهُ أصلح الاعراب وَلم يُخَالف الْخط لَكِن دُخُول اللَّام فِي الْخَبَر يَعْتَرِضهُ على مَذْهَب سِيبَوَيْهٍ لِأَنَّهُ يقدر أَنَّهَا المخففة من الثَّقِيلَة ارْتَفع مَا بعْدهَا بِالِابْتِدَاءِ وَالْخَبَر لنَقص بنائها فَرجع مَا بعْدهَا الى أَصله وَاللَّام لَا تدخل فِي خبر ابْتِدَاء أَتَى على أصلة إِلَّا فِي شعر على مَا ذكرنَا وَأما على مَذْهَب الْكُوفِيّين فَهُوَ من أحسن شَيْء لأَنهم يقدرُونَ إِن الْخَفِيفَة بِمَعْنى مَا وَاللَّام بِمَعْنى إِلَّا فتقدير الْكَلَام مَا هَذَانِ إِلَّا ساحران فَلَا خلل فِي هَذَا التَّقْدِير إِلَّا مَا ادعوهُ أَن اللَّام تَأتي بِمَعْنى إِلَّا. مشكل إعراب القرآن.( مشكل إعراب القرآن)
محمود بن عمر الخوارزمي الزمخشري (ت:467هـ):
ثم قالوا إن هذان لساحران. فكانت نجواهم في تلفيق هذا الكلام وتزويره، خوفاً من غلبتهما، وتثبيطاً للناس عن اتباعهما. قرأ أبو عمرو «إن هذين لساحران» على الجهة الظاهرة المكشوفة. وابن كثير وحفص «إنْ هذان لساحران» على قولك إنْ زيد لمنطلق. واللام هي الفارقة بين إن النافية والمخففة من الثقيلة. وقرأ أبيّ «إن ذان إلا ساحران» وقرأ ابن مسعود «أن هذان ساحران» بفتح أن وبغير لام، بدل من النجوى. وقيل في القراءة المشهورة { إِنْ هَـٰذٰنِ لَسَاحِرٰنِ } هي لغة بلحرث بن كعب، جعلوا الاسم المثنى نحو الأسماء التي آخرها ألف، كعصا وسعدى، فلم يقلبوها ياء في الجر والنصب. وقال بعضهم { إِنْ } بمعنى نعم. و { لَسَٰ حِرَٰ نِ } خبر مبتدأ محذوف، واللام داخلة على الجملة تقديره لهما ساحران.
وقال الزمخشري: والظاهر أنهم تشاوروا في السر وتجاذبوا أهداب القول، ثم { قالوا إن هذان لساحران } فكانت نجواهم في تلفيق هذا الكلام وتزويره خوفاً من غلبتهما وتثبيطاً للناس من اتباعهما انتهى. وحكى ابن عطية قريباً من هذا القول عن فرقة قالوا: إنما كان تناجيهم بالآية التي بعد هذا { إن هذان لساحران } والأظهر أن تلك قيلت علانية، ولو كان تناجيهم ذلك لم يكن ثم تنازع. وقرأ أبو جعفر والحسن وشيبة والأعمش وطلحة وحميد وأيوب وخلف في اختياره وأبو عبيد وأبو حاتم وابن عيسى الأصبهاني وابن جرير وابن جبير الأنطاكي والأخوان والصاحبان من السبعة إنّ بتشديد النون { هذان } بألف ونون خفيفة { لساحران } واختلف في تخريج هذه القراءة. فقال القدماء من النحاة إنه على حذف ضمير الشأن والتقدير إنه هذان لساحران، وخبر { إن } الجملة من قوله { هذان لساحران } واللام في { لساحران } داخلة على خبر المبتدأ، وضعف هذا القول بأن حذف هذا الضمير لا يجيء إلا في الشعر وبأن دخول اللام في الخبر شاذ.( تفسير الكشاف)

عبدالله بن الحسين العبكرى(ت:616هـ):
قَالَ تَعَالَى: (قَالُوا إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ)
قَوْلُهُ تَعَالَى: (إِنَّ هَذَيْنِ) : يُقْرَأُ بِتَشْدِيدِ إِنَّ، وَبِالْيَاءِ فِي هَذَيْنِ ; وَهِيَ عَلَامَةُ النَّصْبِ. وَيُقْرَأُ (إِنَّ) بِالتَّشْدِيدِ، وَهَذَانِ بِالْأَلِفِ ; وَفِيهِ أَوْجُهٌ ; أَحَدُهَا: أَنَّهَا بِمَعْنَى نَعَمْ، وَمَا بَعْدَهَا مُبْتَدَأٌ وَخَبَرٌ. وَالثَّانِي: إِنَّ فِيهَا ضَمِيرُ الشَّأْنِ مَحْذُوفًا، وَمَا بَعْدَهَا مُبْتَدَأٌ وَخَبَرٌ أَيْضًا. وَكِلَا الْوَجْهَيْنِ ضَعِيفٌ مِنْ أَجْلِ اللَّامِ الَّتِي فِي الْخَبَرِ ; وَإِنَّمَا يَجِيءُ مِثْلُ ذَلِكَ فِي ضَرُورَةِ الشِّعْرِ.
وَقَالَ الزَّجَّاجُ: التَّقْدِيرُ: لَهُمَا سَاحِرَانِ، فَحُذِفَ الْمُبْتَدَأُ.
وَالثَّالِثُ: أَنَّ الْأَلِفَ هُنَا عَلَامَةُ التَّثْنِيَةِ فِي كُلِّ حَالٍ. وَهِيَ لُغَةٌ لِبَنِي الْحَارِثِ ; وَقِيلَ: لِكِنَانَةَ.
وَيُقْرَأُ (إِنْ) بِالتَّخْفِيفِ، وَقِيلَ: هِيَ مُخَفَّفَةٌ مِنَ الثَّقِيلَةِ، وَهُوَ ضَعِيفٌ أَيْضًا.
وَقِيلَ: هِيَ بِمَعْنَى «مَا» وَاللَّامُ بِمَعْنَى «إِلَّا» وَقَدْ تَقَدَّمَ نَظَائِرُهُ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ) : أَيْ يَذْهَبَا طَرِيقَكُمْ ; فَالْبَاءُ مُعَدِّيَةٌ، كَمَا أَنَّ الْهَمْزَةَ مُعَدِّيَةٌ.( التبيان في إعراب القرآن)
قال الحسين بن علي الطيبي (ت:743هـ):
قوله: (إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ) يعني: إن صرحنا بالحق نخافُ من غلبتهما علينا بأن يقولا: فاتبعونا إذن. ومن تثبيط الناس أيضاً، فإنهم إذا سمعوا ذلك رغبوا في اتباعهما، فالواجب أن يقول: إن هذين لساحران، فيأمن من ذلك، هذا يقوي رواية من روى "تزويره" بالراء بعد الزاي.
قوله: (قرأ أبو عمرو: "إن هذين")، وفي "التيسير": وقرأ ابنُ كثيرٍ وحفص: (إِنْ هَذَانِ) بإسكان النون والباقون بتشديدها. وقرأ أبو عمرو: "هذين" بالياء، والباقون: بالألف.يي. قوله: ("أن هذان ساحران" بفتح "أنْ" وبغير لام)، بدلٌ من (النَّجْوَى)، هذا على أن يكون قوله: "أن هذان لساحران" من كلام السحرة كما قال، والظاهر أنهم تشاوروا في السر، فيكون قوله: (قَالُوا) مقحماً توكيداً لأن "أسروا" نوعٌ من القول، وقوله: (فَأَجْمِعُوا كَيْدَكُمْ) كلام بعضهم مع بعض، وفي "الموضح": بحذف (قَالُوا) من البين.
قوله: 0 جعلوا الاسم المُثنى نحو الأسماء التي آخرها ألفٌ كعصا)، قال الزجاج: حكى أبو عبيدة عن أبي الخطاب، وهو رأسٌ من رؤساء الرواة، أنها لغةٌ لكنانة يجعلون ألف الاثنين في الرفع والنصب والخفض على لفظ واحد، وينشدون:
فأطرق إطراق الشجاع ولو يرى ... مساغاً لناباه الشجاع لصمما
ويقولون: ضربته بين أذناه، وكذلك روى الكوفيون أنها لغة لبني الحاث بن عب، وقالت النحاة القدماء: إن الضمير فيه مضمر، أي: إن هذان لساحران، وقالوا أيضاً: إن معنى "إنْ": نعم، وينشدون.
ويقلن شيبٌ قد علا ... ك وقد كبرت فقلتُ إنه
وحكى صاحب "المطلع": أن أعرابياً أتى ابن الزبير يستجديه فلم يعطه شيئاً. فقال: لعن الله ناقةً حملتني إليك، قال ابن الزبير: إن وراكبها، أي: نعم.
وقال ابن الحاجب في "الأمالي": وهذه القراءة مشكلة، وأهرها أن (هذان) مبني لأنه من أسماء الإشارة، فجاء في الرفع والنصب والجر على حالٍ واحدة، وهي لغةٌ واضحةٌ ومما يُقويها أن اختلاف الصيغ في اللغة الأخرى ليس إعراباً في التحقيق، لوجود علة البناء من غير معارض؛ لأن العلة في هذا وهؤلاء كونها اسم إشارة. وقال: "إنْ" بمعنى "نعم": شاذ.
قوله: (وقال بعضهم: "إنْ" بمعنى: نعم)، وقد أُعجب به أبو إسحاق، أي: الزجاج، قال بعدما نقل كلام النحويين: هذا جميعُ ما اتجوا به، والذي عندي - والله أعلمُ - وكنتُ عرضته على عالمينا: محمد بن يزيد، يعني: المبرد، وعلى إسماعيل بن إسحاق فقبلاه وذرا أنه أجود ما سمعاه في هذا المعنى: أن تقديره: نعم هذان لهما ساحران، وأن اللام قد وقعت موقعها، أي: دخلت على المبتدأ لا الخبر. وقال النحاة أصل هذا اللام أن تقع في الابتداء ووقوعها في الخبر جائزٌ، وأنشدوا:
أم الحليس لعجوزٌ شهربه ... ترضى من اللحم بعظم الرقبة
أي: لأم الحُليس عجوزٌ.
وقال أبو عليٍّ في "الإغفال": هذا غيرُ مرضي؛ لأن اللام للتأكيد، ويقبح أن يُذكر للتأكيد ويُحذف نفسُ المؤكد؛ لأن التأكيد إنما يُحتاج إليه فيما خيف لبسه على السامع، فإذا بلغ به الحال التي يستجاز معها حذفه لعلم المخاطب به استغنى لذلك عن التأكيد، ولهذا حمل النحويون قوله: "أمُّ الحُليس لعجوزٌ" على الضرورة، حيث أدخل اللام على الخبر وحقها أن تدخل على المبتدأ، ولو كان للي ذكره وجهٌ ما حملوا هذا على الضرورة بلقدروا فيه ما قدروه في قوله: ويحذفُ نفسُ المؤكد نظراً لأن المؤكد مضمونُ الجملةِ، كما نص عليه المصنف في قوله: (وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى) [الضحى: 5].
ثم قال أبو علي: فإن قلت: أليسوا قد أجازوا حذف الخبر في نحو:
إن مُحلاً وإن مُرتحلاً
وإذا لم يُمنع الحذفُ في الخبر مع "إنْ" لم يمتنع في المبتدأ مع اللام؟
قلتُ: لا يلزمُ من جواز هذا جوازُ ذاك وإن اجتمعا في التأكيد وتلقي القسم؛ لأن "إنْ" مشبهةٌ بـ"لا" من حيث كانت تعملُ عملها وكانت نقيضتها، وحملُ النقيض على النقيض شائعٌ، وإنما حسُن الحذفُ مع "لا"؛ لأن المنفي في تقدير التكرير لأنه لا يقعُ إلا بعد إثبات مُثبت وبعد إثباته يحسنُ الحذفُ، وكفى بدخول اللام شاهد صدقٍ، ما روي عن أفصح من نطق بالضاد من قوله: "أغبطُ أوليائي عندي، لمؤمنٌ خفيفُ الحاذ". أخرجه أحمد والترمذي وابن ماجه، عن أبي أمامة.((فتوح الغيب في الكشف عن قناع الريب (حاشية الطيبي على الكشاف))

قال محمد بن يوسف بن حيان الاندلسي (ت:745هـ):
وقال الزجاج: اللام لم تدخل على الخبر بل التقدير لهما ساحران فدخلت على المبتدأ المحذوف، واستحسن هذا القول شيخه أبو العباس المبرد والقاضي إسماعيل بن إسحاق بن حماد بن زيد. وقيل: ها ضمير القصة وليس محذوفاً، وكان يناسب على هذا أن تكون متصلة في الخط فكانت كتابتها { إن هذان لساحران } وضعف ذلك من جهة مخالفته خط المصحف. وقيل { إنْ } بمعنى نعم، وثبت ذلك في اللغة فتحمل الآية عليه و { هذان لساحران } مبتدأ وخبر واللام في { لساحران } على ذينك التقديرين في هذا التخريج، والتخريج الذي قبله وإلى هذا ذهب المبرد وإسماعيل بن إسحاق وأبو الحسن الأخفش الصغير، والذي نختاره في تخريج هذه القراءة أنها جاءت على لغة بعض العرب من إجراء المثنى بالألف دائماً وهي لغة لكنانة حكى ذلك أبو الخطاب، ولبني الحارث بن كعب وخثعم وزبيد وأهل تلك الناحية حُكِي ذلك عن الكسائي، ولبني العنبر وبني الهجيم ومراد وعذرة
وقال أبو زيد: سمعت من العرب من يقلب كل ياء ينفتح ما قبلها ألفاً.

وقرأ أبو بحرية وأبو حيوة والزهري وابن محيصن وحميد وابن سعدان وحفص وابن كثير { إنْ } بتخفيف النون هذا بالألف وشدد نون { هذان } ابن كثير، وتخريج هذه القراءة واضح وهو على أن أن هي المخففة من الثقيلة و { هذان } مبتدأ و { لساحران } الخبر واللام للفرق بين إن النافية وإن المخففة من الثقيلة على رأي البصريين والكوفيين، يزعمون أن إن نافية واللام بمعنى إلاّ. وقرأت فرقة إن ذان لساحران وتخريجها كتخريج القراءة التي قبلها، وقرأت عائشة والحسن والنخعي والجحدري والأعمش وابن جبير وابن عبيد وأبو عمرو إن هذين بتشديد نون إنّ وبالياء في هذين بدل الألف، وإعراب هذا واضح إذ جاء على المهيع المعروف في التثنية لقوله
{
فذانك برهانان }القصص: 32{ إحدى ابنتي هاتين }
[القصص: 27] بالألف رفعاً والياء نصباً وجراً. وقال الزجاج: لا أجيز قراءة أبي عمرو لأنها خلاف المصحف. وقال أبو عبيد: رأيتها في الإمام مصحف عثمان هذن ليس فيها ألف، وهكذا رأيت رفع الاثنين في ذلك المصحف بإسقاط الألف، وإذا كتبوا النصب والخفض كتبوه بالياء ولا يسقطونها، وقالت جماعة منهم عائشة وأبو عمرو: هذا مما لحن الكاتب فيه وأقيم بالصواب.
وقرأ عبد الله إن ذان إلا ساحران قاله ابن خالويه وعزاها الزمخشري لأُبَيّ. وقال ابن مسعود: إن هذان ساحران بفتح أن وبغير لام بدل من { النجوى } انتهى. وقرأت فرقة ما هذا إلاّ ساحران وقولهم { يريدان أن يخرجاكم من أرضكم بسحرهما } تبعوا فيه مقالة فرعون { أجئتنا لتخرجنا من أرضنا بسحرك } ونسبوا السحر أيضاً لهارون لما كان مشتركاً معه في الرسالة وسالكاً طريقته، وعلقوا الحكم على الإرادة وهم لا اطلاع لهم عليها تنقيصاً لهما وحطاً من قدرهما، وقد كان ظهر لهم من أمر اليد والعصا ما يدل على صدقهما، وعلموا أنه ليس في قدرة الساحر أن يأتي بمثل ذلك، والظاهر أن الضمير في { قالوا } عائد على السحرة خاطب بعضهم بعضاً. وقيل: خاطبوا فرعون مخاطبة التعظيم، والطريقة السيرة والمملكة والحال التي هم عليها.( البحر المحيط)
قال السمين الحلبي ( ت : 756 ه):
قوله: { إِنْ هَـٰذَانِ }: اختلف القُرَّاءُ في هذه الآيةِ الكريمة: فقرأ ابن كثيرٍ وحدَه " إنْ هذانِّ " بتخفيف إنْ، والألفِ، وتشديدِ النون. وحفصٌ كذلك إلاَّ أنه خَفَّف نونَ " هذانٍ ". وقرأ أبو عمرو " إنَّ " بالتشديد " هذين " بالياء وتخفيفِ النون. والباقون كذلك إلاَّ أنهم قَرَؤوا/ " هذان " بالألف.

فأَمَّا القراءةُ الأولى ـ وهي قراءةُ ابنِ كثير وحفص ـ فأوضحُ القراءاتِ معنىً ولفظاً وخَطَّاً؛ وذلك أنهما جعلا " إنْ " المخففةَ من الثقيلة فَأُهْمِلَتْ، ولَمَّا أُهْمِلَتْ ـ كما هو الأفصحُ مِنْ وجهيها ـ خِيْفَ التباسُها بالنافية فجيء باللامِ فارقةً في الخبر. فـ " هذان " مبتدأٌ، و " لَساحران " خبرُه، ووافَقَتْ خَطَّ المصحفِ؛ فإن الرسم " هذن " بدونِ ألفٍ ولا ياءٍ وسيأتي بيانُ ذلك.
وأمَّا تشديدُ نونِ " هذان " فعلىٰ ما تقدَّم في سورةِ النساءِ، وقد أَتْقَنتُ ذلك هناك.
وأمَّا الكوفيون فيزعمون أنَّ " إنْ " نافيةٌ بمعنى ما، واللامُ بمعنى إلاَّ، وهو خلافٌ مشهورٌ وقد وافقَ تخريجُهم هنا قراءةَ بعضِهم " ما هذانِ إلاَّ ساحران ".
وأمَّا قراءةُ أبي عمروٍ فواضحةٌ من حيث الإِعرابُ والمعنىٰ. أمَّا الإِعرابُ فـ " هذَيْن " اسمُ " إنَّ " وعلامةُ نصبِه الياءُ. و " لَساحِران " خبرُها، ودخَلَتِ اللام توكيداً. وأمَّا مِنْ حيث المعنىٰ: فإنَّهم أَثْبتوا لهما السحرَ بطريق تأكيديٍّ من طرفيه، ولكنهم استشكلُوها من حيث خَطُّ المصحفِ؛ وذلك أنَّ رَسْمَه " هذن " بدونِ ألفٍ ولا ياءٍ، فإثباتُه بالياءِ زيادةٌ على خطِّ المصحفِ. قال أبو إسحاق: " لا أُجيز قراءةَ أبي عمرو لأنَّها خلافُ المصحفِ ". وقال أبو عبيد: " رأيتُهما في الإِمام مصحفِ عثمان " هذن " ليس فيها ألفٌ، وهكذا رأيتُ رفعَ الاثنين في ذلك المصحفِ بإسقاط الألفِ، وإذا كتبوا النصبَ والخفضَ كتبُوه بالياء، ولا يُسْقِطونها ".

قلت: وهذا لا ينبغي أَنْ يُرَدَّ به على أبي عمرو، وكم جاء في الرسم أشياءُ خارجةٌ عن القياسِ، وقد نَصُّوا هم أنه لا يجوزُ القراءةُ بها فليكنْ هذا منها، أعني ممَّا خَرَجَ عن القياس. فإن قلتَ: ما نَقَلْتَه عن أبي عبيد مشتركُ الإِلزامِ بين أبي عمروٍ وغيرِه، فإنهم كما اعترضوا عليه بزيادةِ الياء يُعْترض عليهم بزيادةِ الألفِ: فإنَّ الألفَ ثابتةٌ في قراءتِهم، ساقطةٌ من خَطِّ المصحفِ. فالجواب ما تقدَّم مِنْ قولِ أبي عبيدٍ أنهم رآهم يُسْقِطون الألفَ مِنْ رفع الاثنين، فإذا كتُبوا النصبَ والخفضَ كتبُوه بالياء.
وذهب جماعةٌ ـ منهم عائشةُ رضي الله عنها وأبو عمروٍ ـ إلى أن هذا ممّا لَحَنَ فيه الكاتبُ وأُقيم بالصواب. يَعْنُون أنه كان مِنْ حقه أن يكتبَه بالياءِ فلم يفعلْ، فلم يقرَأْه الناسُ إلاَّ بالياءِ على الصوابِ.
وأمَّا قراءةُ الباقين ففيها أوجه، أحدُها: أن " إنَّ " بمعنى نَعَمْ، و " هذان " مبتدأٌ، و " لَساحران " خبرُه، وكَثُرَ ورودُ " إنَّ " بمعنىٰ نعم وأنشدوا:
3297ـ بَكَرَ العَواذِلُ في المَشِيْــ
ـــبِ يَلُمْنَني وأَلوْمُهُنَّهْ
ويَقلْن شَيْبٌ قد عَلا
كَ وقد كَبِرْتَ فقلتُ إنَّهْ
أي: فقلت: نَعَمْ. والهاءُ للسَّكْتِ. وقال رجلٌ لابن الزبير: لَعَن اللهُ ناقةً حَمَلَتْني إليكَ. فقال: " إنَّ وصاحبَها " أي: نعم. ولَعَنَ صاحبَها. وهذا رأيُ المبردِ وعلي بن سليمان في آخرين. وهو مردودٌ من وجهين، أحدهما: عدمُ ثبوتِ " إنَّ " بمعنى نعم، وما أوردُه مُؤَوَّلٌ: أمَّا البيتُ فإنّ الهاءَ اسمُها، والخبرَ محذوفٌ لفهمِ المعنىٰ تقديرُه: إنه كذلك. وأمَّا قولُ ابنِ الزبير فذلك مِنْ حَذْفِ المعطوفِ عليه وإبقاءِ المعطوف وحَذْفِ خبر " إنَّ " للدلالةِ عليه، تقديره: إنَّها وصاحَبها ملعونان، وفيه تكلُّفٌ لا يَخْفَى والثاني: دخولُ اللامِ على خبرِ المبتدأ غيرِ المؤكَّد بـ " إنَّ " المكسورةِ، لأَنَّ مثلَه لا يقعُ إلاَّ ضرورةً كقولِه:
3298ـ أمُّ الحُلَيْسِ لَعَجُوْزٌ شَهْرَبَهْ
تَرْضَى من اللحمِ بعظمِ الرَّقَبَهْ
وقد يُجاب عنه: بأنَّ " لَساحِران " يجوزُ أَنْ يكونَ خبرَ مبتدأ محذوفٍ دَخَلَتْ عليه هذه اللامُ تقديرُه: لهما ساحران. وقد فعل ذلك الزجاج كما ستأتي حكايتُه عنه.
الثاني: أنَّ اسمَها ضميرُ القصةِ وهو " ها " التي قبل " ذان " وليست بـ " ها " التي للتنبيهِ الداخلةِ على أسماءِ الإِشارةِ، والتقدير: إنَّ القصةَ ذانِ لساحران. وقد رَدُّوا هذا من وجهين، أحدهما: من جهةِ الخَطِّ، وهو أنه لو كان كذلك لكان ينبغي أن تُكتبَ " إنها " فيصِلوا الضميرَ بالحرفِ قبلَه كقوله تعالى:{فَإِنَّهَا لاَ تَعْمَى ٱلأَبْصَارُ}[الحج: 46] فكَتْبُهم إياها مفصولةً من " إنَّ " متصلةً باسمِ الإِشارة يمنع كونَها ضميراً، وهو واضح. الثاني: أنَّه يؤدِّي إلى دخولِ لامِ الابتداءِ في الخبرِ غيرِ المنسوخِ. وقد يُجاب عنه بما تقدَّم.
الثالث: أنَّ اسمَها ضميرُ الشأنِ محذوفٌ، والجملةُ من المبتدأ والخبرِ بعدَه في محلِّ رفعٍ خبراً لـ " إنَّ " ، التقديرُ: إنَّه، أي: الأمرُ والشأنُ. وقد ضُعِّفَ هذا بوجهين، أحدهما: حَذْفُ اسمِ " إن " ، وهو غيرُ جائزٍ إلاَّ في شعرٍ، بشرطِ أَنْ لا تباشرَ " إنَّ " فعلاً كقولِه:
3299ـ إنَّ مَنْ يَدْخُلِ الكنيسةَ يوماً
يَلْقَ فيها جَآذراً وظِباءَ
/ والثاني: دخولُ اللام في الخبرِ.
وقد أجابَ الزجَّاج بأنها داخلةٌ على مبتدأ محذوفٍ تقديرُه: لهما ساحران. وهذا قد استحسنه شيخُه المبردُ، أعني جوابَه بذلك.
الرابع: أنَّ " هذان " اسمُها، و " لَساحران " خبرُها. وقد رُدَّ هذا بأنه كان ينبغي أَنْ يكونَ " هذين " بالياءِ كقراءةِ أبي عمرو.
وقد أُجيب عن ذلك: بأنه على لغةِ بني الحارثِ وبين الهُجَيْم وبني العَنْبر وزُبَيْد وعُذْرَة ومُراد وخَثْعَم. وحكى هذه اللغةَ الأئمةُ الكبارُ كأبي الخَطَّاب وأبي زيد الأنصاري والكسائي. قال أبو زيد: " سمعتُ من العربِ مَنْ يَقْلِبُ كلَّ ياءٍ ينفتح ما قبلها ألفاً " ، يجعلون المثنى كالمقصورِ فيُثْبِتون ألفاً في جميع أحواله، ويُقَدِّرون إعرابَه بالحركاتِ، وأنشدوا قولَه:
3300ـ فأَطْرَق إطْراقَ الشُّجاعِ ولو يَرَىٰ
مَسَاغاً لِناباه الشُّجاعُ لصَمَّما
أي: لنابَيْه. وقولَه:
3301ـ إنَّ أباها وأبا أباها
قد بَلَغا في المجدِ غايتاها
أي: غايتيهما، إلى غير ذلك من الشواهد.
وقرأ ابن مسعود: " أنْ هذان ساحِران " بفتح " أَنْ " وإسقاط اللامِ: على أنها وما في حَيِّزها بدلٌ من " النجوىٰ " كذا قاله الزمخشري، وتبعه الشيخ ولم ينكره. وفيه نظرٌ: لأنَّ الاعتراضَ بالجملة القولية بين البدلِ والمبدلِ منه لا يَصِحُّ. وأيضاً فإنَّ الجملةَ القوليةَ مفسرةٌ للنجوىٰ في قراءةِ العامَّة، وكذا قاله الزمخشريُّ أولاً فكيف يَصحُّ أَنْ يُجْعَلَ " أنْ هذان ساحران " بدلاً من " النجوىٰ .( الدر المصون)
قال محمد الطاهر بن عاشور( ت : 1393 ه):
وجملة { قَالُوا إنْ هٰذَانِ لَسٰحِرانِ } بدل اشتمال من جملة { وأسَرُّوا النَّجْوىٰ } ، لأن إسرار النجوى يشتمل على أقوال كثيرة ذُكر منها هذا القول، لأنّه القول الفصل بينهم والرأي الذي أرسوا عليه، فهو زبدة مخيض النجوى. وذلك شأن التشاور وتنازع الآراء أن يسفر عن رأي يصدر الجميع عنه.وإسناد القول إلى ضمير جمعهم على معنى قال بعضهم هذان لساحران، فقال جميعهم نعم هذان لسَاحران، فأسند هذا القول إلى جميعهم، أي مقالة تداولوا الخوض في شأنها فأرسوا عليها. وقال بعضهم لبعض نعم هو كذلك، ونطقوا بالكلام الذي استقرّ عليه رأيهم، وهو تحققهم أنّ موسى وأخاه ساحران.واعلم أنّ جميع القراء المعتبرين قرأوا بإثبات الألف في اسم الإشارة من قوله «هاذان» ما عدا أبا عمرو من العشرة وما عدا الحسن البصري من الأربعة عشر. وذلك يوجب اليقين بأن إثبات الألف في لفظ هذانِ أكثر تواتراً بقطع النظر عن كيفيّة النطق بكلمة إنّ مشدّدة أو مخفّفة، وأن أكثر مشهور القراءات المتواترة قرأوا ــــ بتشديد نون ــــ إنّ ما عدا ابنَ كثير وحفصاً عن عاصم فهما قرءَا إنْ ــــ بسكون النون ــــ على أنها مخففة من الثقيلة.وإن المصحف الإمام ما رسمُوه إلاّ اتّباعاً لأشهر القراءات المسموعة المروية من زمن النبي - صلى الله عليه وسلم - وقرّاء أصحابه، فإن حفظ القرآن في صدور القرّاء أقدم من كتابته في المصاحف، وما كتب في أصول المصاحف إلاّ من حفظ الكاتِبين، وما كُتب المصحف الإمام إلا من مجموع محفوظ الحُفاظ وما كتبه كتاب الوحي في مدة نزول الوحي.فأما قراءة الجمهور { إنّ هذان لساحران بتشديد نون إنّ وبالألف في هذان وكذلك في لساحران، فللمفسرين في توجيهها آراء بلغت الستّة. وأظهرها أن تكون إنّ حرف جواب مثل نعم وأجَل، وهو استعمال من استعمالات إنّ، أي اتبعوا لما استقر عليه أمرهم بعد النّجوى كقول عبد الله بن قيس الرقيّات
ويقلْن شيب قد عَلا كَ وقد كبِرت فقلت إنّه


أي أجل أو نعم ، والهاء في البيت هاءُ السّكْتتِ ، وقول عبد الله بن الزُبير لأعرابي استجداه فلم يعطه ، فقال الأعرابي : لعَن الله ناقة حملتني إليك . قال ابن الزّبير : إنّ وراكِبَها . وهذا التوجيه من مبتكرات أبي إسحاق الزجاج ذكره في تفسيره }. وقال : عرضته على عالمينا وشيْخينا وأستاذيْنا محمد بن يزيد ( يعني المبرد ) ، وإسماعيل بن إسحاق بن حمّاد ( يعني القاضي الشهير ) فقبلاه وذكرا أنه أجود ما سمعاه في هذا .
وقلت : لقد صدقا وحقّقا ، وما أورده ابن جنّي عليه من الرد فيه نظر .
وفي «التفسير الوجيز» للواحدي سأل إسماعيل القاضي ( هو ابن إسحاق بن حمّاد ) ابنَ كيسان عن هذه المسألة ، فقال ابنُ كيسان : لما لم يظهر في المبهم إعرابٌ في الواحد ولا في الجمع ( أي في قولهم هذا وهؤلاء إذ هما مبنيان ) جرت التثنية مجرى الواحد إذ التثنية يجب أن لا تغيّر . فقال له إسماعيل : ما أحسن هذا لو تقدمك أحد بالقول فيه حتى يُؤْنس به فقال له ابنُ كيسان : فليقل به القاضي حتى يؤنس به ، فتبسم .
وعلى هذا التوجيه يكون قوله تعالى : { إنّ هَذاننِ لسَاحِرانِ } حكايةً لمقال فريق من المتنازعين ، وهو الفريق الذي قبِل هذا الرأي لأنّ حرف الجواب يقتضي كلاماً سبقه .
ودخلت اللاّم على الخبر : إما على تقدير كون الخبر جملة حذف مبتدأها وهو مدخول اللام في التقدير ، ووجودُ اللاّم ينبىء بأن الجملة التي وقعت خبراً عن اسم الإشارة جملة قسميّة؛ وإما على رأي من يجيز دخول اللام على خبر المبتدأ في غير الضرورة .
ووجهت هذه القراءة أيضاً بجعل ( إنّ ) حرف توكيد وإعراببِ اسمها المثنّى جَرى على لغة كنانة وبِلْحارث بن كعب الذين يجعلون علامة إعراب المثنى الألفَ في أحوال الإعراب كلها ، وهي لغة مشهورة في الأدب العربي ولها شواهد كثيرة منها قول المتلمّس :
فأطرقَ إطراقَ الشُجاع ولو درى ... مساغاً لِنَأبَاهُ الشجاعُ لصمّما
وقرأه حفص بكسر الهمزة وتخفيف نون ( إنْ ) مسكنة على أنها مخففة ( إنّ ) المشددة . ووجه ذلك أن يكون اسم ( إنْ ) المخففة ضمير شأن محذوفاً على المشهور . وتكون اللاّم في { لساحران } اللاّم الفارقة بين ( إنْ ) المخففة وبين ( إن ) النافية .
وقرأ ابن كثير بسكون نون ( إنْ ) على أنها مخففة من الثقيلة وبإثبات الألف في «هذان» وبتشديد نون ( هاذانّ ).
وأما قراءة أبي عمرو وحده { إنَّ هذَيْن بتشديد نون ( إنّ ) وبالياء بعد ذال هذين . فقال القرطبي : هي مخالفة للمصحف . وأقل : ذلك لا يطعن فيها لأنّها رواية صحيحة ووافقت وجهاً مقبولاً في العربيّة .
ونزول القرآن بهذه الوجوه الفصيحة في الاستعمال ضرب من ضروب إعجازه لتجري تراكيبه على أفانين مختلفة المعاني متحدة المقصود . فلا التفات إلى ما روي من ادعاء أن كتابة إن هاذان خطأ من كاتب المصحف ، وروايتِهم ذلك عن أبانَ بن عثمان بن عفّان عن أبيه ، وعن عروة بن الزبير عن عائشة ، وليس في ذلك سند صحيح .
حسبوا أنّ المسلمين أخذوا قراءة القرآن من المصاحف وهذا تغفّل ، فإن المصحف ما كتب إلاّ بعد أن قرأ المسلمون القرآن نيّفاً وعشرين سنة في أقطار الإسلام ، وما كتبت المصاحف إلاّ من حفظ الحفّاظ ، وما أخذ المسلمون القرآن إلاّ من أفواه حُفّاظه قبل أن تكتب المصاحف ، وبعد ذلك إلى اليوم فلو كان في بعضها خطأ في الخطّ لما تبعه القراء ، ولكان بمنزلة ما تُرك من الألفات في كلمات كثيرة وبمنزلة كتابة ألف الصلاة ، والزكاة ، والحياة ، والرّبا بالواو في موضع الألف وما قرأوها إلاّ بألِفاتها. ( التحرير والتنوير) .

التعليق:
هذه المسألة تفسيرية إعرابية نحوية ، وقد بحثتها كما يلي:
1- وجدت في التفاسير التي تنقل أقوال السلف : جامع البيان للطبري، النكت والعيون للمواردي، معالم التنزيل للبغوي، المحرر الوجيز لابن عطية ، وزاد المسير لابن الجوزي، وأحكام القرآن للقرطبي ، تفسير القرآن العظيم لابن كثير ، ونقلت منهم ، ولم أجد ذكر المسألة في الدر المنثور.
2- من كتب المرتبة الأولى: تفسير القرآن ليحيى بن سلام ، ومجاز القرآن لأبي عبيدة معمر بن المثنى ، ومعاني القرآن للفراء، ومعاني القرآن للأخفش الأوسط ، وتأويل مشكل القرآن لابن قتيبة، ومعاني القرآن وإعرابه للزجاج ، ومعاني القرآن لأبي جعفر النحاس، بحثت فيهم كلهم ونقلت منهم.
3- من كتب المرتبة الثانية : بحثت في كتب الغريب كتفسير غريب القرآن لابن قتيبة ونزهة القلوب للسجستاني وياقوتة الصراط لأبي عمرو الزاهد ولم أجد فيهم ما يخص هذه المسألة ، ولكني وجدت في تفسير المشكل من غريب القرآن لمكي بن أبي طالب.
4- المرتبة الثالثة : راجعت الجمهرة ولم أتحصل على شيء، وبحثت في كتاب العين للخليل بن أحمد ، ولغات القبائل الواردة في القرآن لابن سلام ، ولم أتحصل على شيء بحسب بحثي، قد يكون السبب أنها مسألة إعرابية.
5- من كتب المرتبة الرابعة: بحثت في الكشاف للزمخشري، وحاشية الطيبي على الكشاف ، والبحر المحيط ، والدر المصون ، والتحرير والتنوير، ونقلت منهم.
6- من كتب المرتبة الخامسة: بحثت في إعراب القرآن للنحاس ، والتبيان في إعراب القرآن للعكبري.
7- ظفرت برسالة لشيخ الإسلام بن تيمية خلال بحثي بعنوان (رسالة ابن تيمية في إن هذان لساحران) أضع رابطها http://waqfeya.com/book.php?bid=5260.
موجودة على موقع المكتبة الوقفية pdf. وهي رسالة قيمة جامعة لكل الأقوال مع المناقشة والتحقيق.
------

رد مع اقتباس
  #4  
قديم 7 ذو الحجة 1439هـ/18-08-2018م, 11:38 AM
عباز محمد عباز محمد غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المستوى السادس
 
تاريخ التسجيل: Jan 2016
الدولة: الجزائر
المشاركات: 309
افتراضي

معنى "ضريع" في قول الله تعالى: {ليس لهم طعام إلا من ضريع}

أولاً: التعرّف على أقوال السلف في المسألة
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (وقولُهُ: {لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ}؛ يقولُ: ليسَ لهؤلاءِ الذينَ هم أصحابُ الوجُوه الخاشعةِ العاملةِ الناصبةِ يومَ القيامةِ، طعامٌ إلاَّ ما يَطْعَمُونَه من ضريعٍ. والضريعُ عندَ العربِ: نبْتٌ يُقالُ له الشِّبْرِقُ، وتسمِّيهِ أهلُ الحجازِ: الضَّرِيعَ؛ إذا يَبِسَ، ويسمِّيهِ غيرُهم: الشِّبْرِقُ، وهو سُمٌّ.
وبنحوِ الذي قلْنَا في ذلك قالَ أهلُ التأويلِ.
ذِكْرُ مَن قالَ ذلك:
- حدَّثني محمَّدُ بنُ سعدٍ، قالَ: ثني أبي، قالَ: ثني عمِّي، قالَ: ثني أبي، عن أبيهِ، عن ابنِ عبَّاسٍ: {لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ}؛ قالَ: الضريعُ: الشبرقُ.
- حدَّثني محمَّدُ بنُ عبيدٍ المحاربيُّ، قالَ: ثنا عبَّادُ بنُ يعقوبَ الأسديُّ، قالَ محمَّدٌ: ثنا، وقالَ عبَّادٌ: أخبرنا محمَّدُ بنُ سليمانَ، عن عبدِ الرَّحْمنِ الأصبهانيِّ، عن عكرمةَ في قولِهِ: {لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ}؛ قالَ: الشِّبْرِقُ.
- حدَّثني يعقوبُ، قالَ: ثنا إسماعيلُ ابنُ عُليَّةَ، عن أبي رجاءٍ، قالَ: ثني نجدةُ، رجلٌ من عبدِ القيسِ، عن عكرمةَ، في قولِهِ: {لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ}؛ قالَ: هي شجرةٌ ذاتُ شوكٍ، لاطئةٌ بالأرضِ، فإذا كانَ الربيعُ سمَّتْها قريشٌ الشبرقَ، فإذا هاجَ العودُ سمَّتْها الضريعَ.
- حدَّثنا ابنُ بشَّارٍ، قالَ: ثنا عبدُ الرَّحْمنِ، قالَ: ثنا سفيانُ، عن ليثٍ، عن مجاهدٍ: {لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ} قالَ: الشبرقُ.
- حدَّثنا ابنُ حُمَيْدٍ، قالَ: ثنا مِهْرانُ، عن سفيانَ، عن ليثٍ، عن مجاهدٍ، مثلَهُ.
- حدَّثني محمَّدُ بنُ عمرٍو، قالَ: ثنا أبو عاصمٍ، قالَ: ثنا عيسَى؛ وحدَّثني الحارثُ، قالَ: ثنا الحسنُ، قالَ: ثنا ورقاءُ، جميعاً عن ابنِ أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، قولَهُ: {ضَرِيعٍ}؛ قالَ: الشبرقُ اليابسُ.
- حدَّثنا ابنُ عبدِ الأعلَى، قالَ: ثنا ابنُ ثورٍ، عن مَعْمَرٍ، عن قتادةَ:{إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ}؛ قالَ: هو الشبرقُ إذا يَبِسَ يُسمَّى الضريعَ.
- حدَّثنا بِشْرٌ، قالَ: ثنا يزيدُ، قالَ: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ، قولَهُ: {لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ}؛ يقولُ: من شرِّ الطعامِ، وأبشعِهِ وأخبثِهِ.
- حدَّثني محمَّدُ بنُ عبيدٍ، قالَ: ثنا شريكُ بنُ عبدِ اللَّهِ، في قولِهِ: {لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ}؛ قالَ: الشِّبْرِقُ.
وقالَ آخرُونَ: الضريعُ: الحجارةُ.
ذِكْرُ مَن قالَ ذلك:
- حدَّثنا أبو كريبٍ، قالَ: ثنا ابنُ يمانٍ، عن جعفرٍ، عن سعيدٍ، في قولِهِ: {لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ}؛ قالَ: الحجارةُ.
وقالَ آخرُونَ: الضريعُ: شجرٌ من نارٍ.
ذِكْرُ مَن قالَ ذلك:
- حدَّثني عليٌّ، قالَ: ثنا أبو صالحٍ، قالَ: ثني معاويَةُ، عن عليٍّ، عن ابنِ عبَّاسٍ، قولَهُ: {لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلَّا من ضَرِيعٍ} يقولُ: شجرٌ من نارٍ.
- حدَّثني يونسُ، قالَ: أخبرنا ابنُ وهبٍ، قالَ: قالَ ابنُ زيدٍ، في قولِهِ: {لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلَّا من ضَرِيعٍ} قالَ: الضريعُ: الشوكُ من النارِ. قالَ: وأمَّا في الدنيا فإنَّ الضريعَ: الشوكُ اليابسُ الذي ليسَ له ورقٌ، تدعوهُ العربُ الضريعَ، وهو في الآخرةِ شوكٌ من نارٍ). [جامع البيان: 24 / 331-333]

قال أبو إسحاق أحمد بن محمد بن إبراهيم الثعلبي(ت:427هـ): قال محمد وعكرمة وقتادة: وهو نبت ذو شوك لاطئ بالأرض تسمّيه فرش الشرق، فإذا هاج سمّوه الضريع، وهو أخبث طعام وأبشعه، وهي رواية العوفي عن ابن عبّاس، الوالي عنه: هو شجر من نار، وقال ابن زيد: أمّا في الدنيا فإنّ الضريع الشوك اليابس الذي ليس له ورق، تدعوه العرب الضريع، وهو في الآخرة شوك من نار.
وقال الكلبي: لا تقربه دابّة إذا يبس، ولا يرعاه شيء، وقال سعيد بن جبير هو الحجارة، عطاء عن ابن عبّاس: هو شيء يطرحه البحر المالح، يسمّيه أهل اليمن الضريع،
وقد روي عن ابن عبّاس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنّه قال: «الضريع شيء يكون في النار شبه الشوك، أمرّ من الصبر وأنتن من الجيفة وأشدّ حرّا من النار»
سمّاه النبيّ ضريعا، وقال عمرو بن عبيد: لم يقل الحسن في الضريع شيئا، إلّا أنّه قال: هو بعض ما أخفى الله من العذاب، وقال ابن كيسان: هو طعام يضرعون منه ويذلّون ويتضرّعون إلى الله سبحانه، وعلى هذا التأويل يكون المعنى المضرّع.
وقال أبو الدرداء والحسن: يقبّح الله سبحانه وجوه أهل النار يوم القيامة يشبهها بعملهم «2» القبيح في الدنيا، ويحسن وجوه أهل الجنّة يشبّهها بأعمالهم الحسنة في الدنيا، وأنّ الله سبحانه يرسل على أهل النار الجوع حتّى يعدل عندهم ما هم فيه من العذاب، فيستغيثون فيغاثون بالضريع ويستغيثون فيغاثون بطعام ذي غصّة، فيذكرون أنّهم كانوا يخبزون الغصص في الدنيا بالماء فيستسقون بعطشهم ألف سنة، ثمّ يسقون من عين آنية لا هنيّة ولا مريّة، فكلّما أدنوه من وجوههم سلخ جلود وجوههم وشواها، فإذا وصل إلى بطونهم قطّعها، فذلك قوله سبحانه:
وَسُقُوا ماءً حَمِيماً فَقَطَّعَ أَمْعاءَهُمْ.
قال المفسّرون: فلمّا نزلت هذه الآية قال المشركون: إنّ إبلنا لتسمن على الضريع، فأنزل الله سبحانه: لا يُسْمِنُ وَلا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ ويقول: فإنّ الإبل ترعاه ما دام رطبا، فإذا يبس فلا يأكله شيء ورطبه يسمّى شبرقا لا ضريعا. [الكشف والبيان: 10/188 ]

قال مكي بن أبي طالب القيسي(ت:437هـ): قال ابن عباس: " الضريع: شجر من نار ".
وقال ابن زيد: الضريع: الشوك من النار، والضريع عند العرب شوك يابس [ولا ورق فيه].
وقال عكرمة: الضريع: الحجارة.
وقال الحسن: الضريع: الزقوم وعنه أيضاً: الضريع: الذي يضرع ويذل من أكله لمرارته وخشونته.
وقال عطاء: الضريع: الشبرق. وروي ذلك أيضاً عن ابن عباس ومجاهد وقتادة، وعلى هذا القول كثير من أهل اللغكة، والشبرق: [شجر] كثير الشوك تعافه الإبل، وأهل الحجاز يسمونه الضريع إذا يبس، ويسميه غيرهم الشبرق.
وقيل: الضريع واد في جهنم. [الهداية إلى بلوغ النهاية:12 / 8222 ]

قال علي بن محمد بن حبيب الماوردي(ت:450هـ): فيه ستة أقاويل: أحدها: أنها شجرة تسميها قريش الشبرق , كثيرة الشوك , قاله ابن عباس , قال قتادة وإذا يبس في الصيف فهو ضريع , قال الشاعر:
(رعى الشبرق الريان حتى إذا ذوى ... وعاد ضريعاً نازعته النحائص)
الثاني: السّلم , قال أبو الجوزاء: كيف يسمن من يأكل الشوك. الثالث: أنها الحجارة , قاله ابن جبير. الرابع: أنه النوى المحرق , حكاه يوسف بن يعقوب عن بعض الأعراب. الخامس: أنه شجر من نار , قاله ابن زيد. السادس: أن الضريع بمعنى المضروع , أي الذي يضرعون عنده طلباً للخلاص منه , قاله ابن بحر. [النكت والعيون: 6/260 ]

قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : واختلف الناس في (الضّريع)؛ فقال الحسن وجماعةٌ من المفسّرين: هو الزّقّوم؛ لأنّ اللّه تعالى قد أخبر في هذه الآية أنّ الكفّار لا طعام لهم إلاّ من ضريعٍ، وقد أخبر أنّ الزّقّوم طعام الأثيم، فذلك يقتضي أنّ الضّريع هو الزّقّوم.
وقال سعيد بن جبيرٍ: الضّريع حجارةٌ في النار.
وقال ابن عبّاسٍ، ومجاهدٌ، وقتادة، وعكرمة: الضّريع: شبرق النار.
وقال أبو حنيفة: الضّريع: الشّبرق؛ وهو مرعى سوءٍ، لا تعقد السّائمة عليه شحماً ولا لحماً. ومنه قول ابن عيزارة الهذليّ:
وحبسن في هزم الضّريع فكلّها ....... حدباء دامية اليدين حرود
وقال أبو ذؤيبٍ:
رعى الشّبرق الرّيّان حتّى إذا ذوى ....... وعاد ضريعاً بان منه النّحائص
وقيل: الضّريع: العشرق.
وقال النبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: «الضّريع: شوكٌ في النّار».
وقال بعض اللّغويّين: الضّريع: يبس العرفج إذا تحطّم.
وقال آخرون: هو رطب العرفج.
وقال الزّجّاج: هو نبتٌ كالعوسج.
وقال بعض المفسّرين: الضّريع نبتٌ في البحر أخضر منتنٌ مجوّفٌ مستطيلٌ، له نورٌ فيه كبيرٌ.
وقال ابن عبّاسٍ أيضاً: الضّريع: شجرٌ من نارٍ.
وكلّ من ذكر شيئاً مما قدّمناه فإنما يعني أن ذلك من نارٍ ولا بدّ، وكلّ ما في النار فهو نارٌ.
وقال قومٌ: ضريعٌ، وادٍ في جهنّم.
وقال جماعةٌ من المتأولّين: الضّريع: طعام أهل النار، ولم يرد أن يخصّص شيئاً ممّا ذكر.
قال بعض اللّغويّين: وهذا ممّا لا تعرفه العرب.
وقيل: الضّريع: الجلدة التي على العظم تحت اللّحم. ولا أعرف من تأوّل الآية بهذا.
وأهل هذه الأقاويل يقولون: الزّقّوم لطائفةٍ، والضّريع لطائفةٍ، والغسلين لطائفةٍ.
واختلف في المعنى الذي سمّي به ضريعاً؛ فقيل: هو ضريعٌ بمعنى مضرعٍ، أي: مضعفٍ للبدن مهزلٍ، ومنه قول النبيّ -صلّى اللّه عليه وسلّم- في ولدي جعفر بن أبي طالبٍ -رضي اللّه عنهم-:«ما لي أراهما ضارعين». يريد هزيلين. ومن فعيلٍ بمعنى مفعلٍ قول عمرو بن معديكرب:
أمن ريحانة الدّاعي السّميع ....... يؤرّقني وأصحابي هجوع
يريد: المسمع.
وقيل: ضريعٌ: فعيلٌ من المضارعة، أي: لأنه يشبه المرعى الجيّد، ويضارعه في الظاهر، وليس به). [المحرر الوجيز: 8/ 597-599]

قال أبو الفرج عبد الرحمن بن علي ابن الجوزي(ت:597هـ): قوله عزّ وجلّ: لَيْسَ لَهُمْ طَعامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ فيه ستة أقوال: أحدها: أنه نبت ذو شوك لاطئ بالأرض، وتسميه قريش «الشِّبْرِق» فإذا هاج سموه: ضريعاً، رواه العوفي عن ابن عباس، وبه قال مجاهد، وعكرمة، وقتادة. والثاني: أنه شجر من نار، رواه الوالبي عن ابن عباس. والثالث: أنها الحجارة، قاله ابن جبير. والرابع: أنه السَّلَم، قاله أبو الجوزاء. والخامس: أنه في الدنيا: الشوك اليابس الذي ليس له ورق، وهو في الآخرة شوك من نار، قاله ابن زيد. والسادس: أنه طعام يضرعون إلى الله تعالى منه، قاله ابن كيسان.
قال المفسرون: لما نزلت هذه الآية قال المشركون: إن إبلنا لتسمن على الضريع، فأنزل الله تعالى: لا يُسْمِنُ وَلا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ وكُذِّبوا، فإن الإبل إنما ترعاه ما دام رطباً، وحينئذ يسمَّى شِبْرِقاً، لا ضريعاً، فإذا يبس وسمّي ضريعاً لم يأكله شيء.. [زاد المسير: 4/435 ]

قال أبو عبد الله محمد بن أحمد بن أبي بكر القرطبي(ت:671هـ): قَوْلُهُ تَعَالَى: لَيْسَ لَهُمْ أَيْ لِأَهْلِ النَّارِ. طَعامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ لَمَّا ذَكَرَ شَرَابَهُمْ ذَكَرَ طَعَامَهُمْ. قَالَ عِكْرِمَةُ وَمُجَاهِدٌ: الضَّرِيعُ: نَبْتٌ ذُو شَوْكٍ لَاصِقٌ بِالْأَرْضِ، تُسَمِّيهِ قُرَيْشٌ الشِّبْرِقَ إِذَا كَانَ رَطْبًا، فَإِذَا يَبِسَ فَهُوَ الضَّرِيعُ، لَا تَقْرَبُهُ دَابَّةٌ وَلَا بَهِيمَةٌ وَلَا تَرْعَاهُ، وَهُوَ سَمٌّ قَاتِلٌ، وَهُوَ أَخْبَثُ الطَّعَامِ وَأَشْنَعُهُ، عَلَى هَذَا عَامَّةُ الْمُفَسِّرِينَ. إِلَّا أَنَّ الضَّحَّاكَ رَوَى عن ابن عباس قال: هو شي يَرْمِي بِهِ الْبَحْرُ، يُسَمَّى الضَّرِيعَ، مِنْ أَقْوَاتِ الانعام. [الجامع لأحكام القرآن:20/29]

قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {ليس لهم طعامٌ إلاّ من ضريعٍ}؛ قال عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ: شجرٌ من نارٍ. وقال سعيد بن جبيرٍ: هو الزّقّوم. وعنه أنّها الحجارة. وقال ابن عبّاسٍ ومجاهدٌ وعكرمة وأبو الجوزاء وقتادة: هو الشّبرق. قال قتادة: قريشٌ تسمّيه في الرّبيع الشّبرق، وفي الصّيف الضّريع.
قال عكرمة: وهو شجرةٌ ذات شوكٍ، لاطئةٌ بالأرض.
وقال البخاريّ: قال مجاهدٌ: الضّريع: نبتٌ يقال له: الشّبرق، يسمّيه أهل الحجاز الضّريع إذا يبس. وهو سمٌّ.
وقال معمرٌ، عن قتادة: {إلاّ من ضريعٍ}؛ هو الشّبرق إذا يبس، سمّي الضّريع.
وقال سعيدٌ، عن قتادة: {ليس لهم طعامٌ إلاّ من ضريعٍ}: من شرّ الطّعام وأبشعه وأخبثه). [تفسير القرآن العظيم: 8/ 385]

قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأَخْرَجَ عبدُ الرَّزَّاقِ، وعبدُ بنُ حُمَيْدٍ، وابنُ جَرِيرٍ، وابنُ المُنْذِرِ، وابنُ أبي حَاتِمٍ، عن قَتَادَةَ: {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ}؛ قالَ: حديثُ الساعَةِ، {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ}؛ قالَ: ذَلِيلَةٌ في النارِ، {عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ}؛ قالَ: تَكَبَّرَتْ في الدنيا عن طاعةِ اللَّهِ فأَعْمَلَهَا وأَنْصَبَهَا في النارِ، {تُسْقَى مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ}؛ قالَ: أَنَى طَبْخُها مُنْذُ خَلَقَ اللَّهُ السماواتِ والأرضَ، {لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلاَّ مِنْ ضَرِيعٍ}؛ قالَ: الشِّبْرِقُ؛ شَرُّ الطعَامِ وأَبْشَعُه وأَخْبَثُه). [الدر المنثور: 15 / 381] (م)
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأَخْرَجَ ابنُ أبي حَاتِمٍ عن عِكْرِمَة في قَوْلِهِ: {عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ}؛ قالَ: عامِلَةٌ في الدنيا بالمعاصِي، تَنْصِبُ في النارِ يومَ القيامةِ، {إِلاَّ مِنْ ضَرِيعٍ}؛ قالَ: الشِّبْرِقُ). [الدر المنثور: 15 / 382] (م)
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأَخْرَجَ ابنُ جَرِيرٍ وابنُ المُنْذِرِ وابنُ أبي حَاتِمٍ، عن ابنِ عبَّاسٍ في قَوْلِهِ: {تَصْلَى نَاراً حَامِيَةً}؛ قالَ: حَارَّةً، {تُسْقَى مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ}؛ قالَ: انْتَهَى حَرُّهَا، {لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلاَّ مِنْ ضَرِيعٍ}؛ يَقُولُ: مِن شَجَرٍ مِنْ نَارٍ). [الدر المنثور: 15 / 382] (م)
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأَخْرَجَ الفِرْيَابِيُّ وهَنَّادٌ وعبدُ بنُ حُمَيْدٍ وابنُ جَرِيرٍ وابنُ المُنْذِرِ وابنُ أبي حَاتِمٍ، عن مُجَاهِدٍ في قَوْلِهِ: {مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ}؛ قالَ: قَدْ بَلَغَتْ إِنَاهَا وحانَ شُرْبُها، وفي قَوْلِهِ: {إِلاَّ مِنْ ضَرِيعٍ}؛ قالَ: الشِّبْرِقُ اليابِسُ). [الدر المنثور: 15 / 383](م)
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأَخْرَجَ عبدُ بنُ حُمَيْدٍ، عن ابنِ عبَّاسٍ: {لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلاَّ مِنْ ضَرِيعٍ} قالَ: الشِّبْرِقُ اليابِسُ). [الدر المنثور: 15 / 383-384]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأَخْرَجَ ابنُ أبي حَاتِمٍ، عن قَتَادَةَ قالَ: الضَّرِيعُ بِلُغَةِ قُرَيْشٍ في الرَّبِيعِ الشِّبْرِقُ، وفي الصَّيْفِ الضَّرِيعُ). [الدر المنثور: 15 / 384]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأَخْرَجَ عبدُ بنُ حُمَيْدٍ وابنُ جَرِيرٍ وابنُ المُنْذِرِ وابنُ أبي حَاتِمٍ، عن عِكْرِمَةَ فال: الضَّرِيعُ: الشِّبرِقُ شجرةٌ ذاتُ شوكٍ لاطئةٌ بالأرضِ). [الدر المنثور: 15 / 384]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأَخْرَجَ ابنُ أبي شَيْبَةَ وعبدُ بنُ حُمَيْدٍ وابنُ المُنْذِرِ وابنُ أبي حَاتِمٍ، عن أبي الجَوْزَاءِ قال: الضَّرِيعُ: السُّلاءُ، وهو الشَّوْكُ، وكيفَ يَسْمَنُ مَنْ كَانَ طَعَامُهُ الشَّوكَ؟ ). [الدر المنثور: 15 / 384]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأَخْرَجَ ابنُ جَرِيرٍ وابنُ المُنْذِرِ وابنُ أبي حَاتِمٍ، عن سعيدِ بنِ جُبَيْرٍ: {إِلاَّ مِنْ ضَرِيعٍ}؛ قالَ: مِن حِجَارَةٍ). [الدر المنثور: 15 / 384]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأَخْرَجَ عبدُ بنُ حُمَيْدٍ وابنُ أبي حَاتِمٍ، عن سعيدِ بنِ جُبَيْرٍ: {إِلاَّ مِنْ ضَرِيعٍ}؛ قالَ: الزَّقُّومُ). [الدر المنثور: 15 / 384]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأَخْرَجَ ابنُ مَرْدُويَهْ، عن أبي الدَّرْدَاءِ، قالَ: قالَ رسولُ اللَّهِ [صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ]: «يُلْقَى عَلَى أَهْلِ النَّارِ الْجُوعُ حَتَّى يَعْدِلَ مَا هُمْ فِيهِ مِنَ الْعَذَابِ، فَيَسْتَغِيثُونَ بِالطَّعَامِ، فَيُغَاثُونَ بِطَعَامٍ مِنْ ضَرِيعٍ لاَ يُسْمِنُ وَلاَ يُغْنِي مِنْ جُوعٍ» ). [الدر المنثور: 15 / 384-385]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأَخْرَجَ ابنُ مَرْدُويَهْ بِسَنَدٍ وَاهٍ عن ابنِ عبَّاسٍ: {لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلاَّ مِنْ ضَرِيعٍ}؛ قالَ: قالَ رسولُ اللَّهِ [صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ]:«شَيْءٌ يَكُونُ فِي النَّارِ شِبْهُ الشَّوْكِ، أَمَرُّ مِنَ الصَّبْرِ، وَأَنْتَنُ مِنَ الْجِيفَةِ، وَأَشَدُّ حَرًّا مِنَ النَّارِ، سَمَّاهُ اللَّهُ الضَّرِيعَ، إِذَا طَعِمَهُ صَاحِبُهُ لاَ يَدْخُلُ الْبَطْنَ وَلاَ يَرْتَفِعُ إِلَى الْفَمِ، فَيَبْقَى بَيْنَ ذَلِكَ وَلاَ يُغْنِي مِنْ جُوعٍ» ). [الدر المنثور: 15 / 385]

ثانياً: جمع أقوال اللغويين في هذه المسألة:
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله عز وجل: {لّيس لهم طعامٌ إلاّ من ضريعٍ...}؛ وهو نبت يقال له: الشّبرق، وأهل الحجاز يسمونه الضريع إذا يبس، وهو سم). [معاني القرآن: 3/ 257]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت: 210هـ): ({إلاّ من ضريعٍ} الضريع عند العرب الشبرق شجر). [مجاز القرآن: 2/ 296]

قال أبو عمرو إسحاق بن مرار الشيباني (ت: 213هـ): (وقال الأسلمي: الضَّرِيع، ضَرِيع العرفج: إذا لم يكن فيه نبات ولم يمت). [كتاب الجيم: 2/ 201]

قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ): ({ضريع}: ذكروا أنه يبيس الشجر، وقالوا (الضريع): نبت يقال له الشرق. وذكروا أن بعض البحار يقذف في كل سنة ورقا ليست له قوة). [غريب القرآن وتفسيره: 426]

قالَ أبو سعيدٍ الحَسَنُ بنُ الحُسَينِ السُّكَّريُّ (ت: 275هـ) : ( وحبسن في هزم الضريع فكلها ....... حدباء بادية الضلوع جدود
(الضريع) يابس العشرق، وقالوا: الشبرق). [شرح أشعار الهذليين: 2/ 598]

قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ((الضريع): نبت [يكون] بالحجاز، يقال لرطبة: الشّبرق). [تفسير غريب القرآن: 525]

قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): ({ليس لهم طعام إلّا من ضريع (6)} يعني لأهل النار، والضريع الشبرق؛ وهو جنس من الشوك، إذا كان رطبا فهو شبرق، فإذا يبس فهو الضّريع، قال كفار قريش: إنّ الضريع لتسمن عليه إبلنا، فقال اللّه - عزّ وجلّ - {لا يسمن ولا يغني من جوع (7)}). [معاني القرآن: 5/ 318]

قال ابن عزيز السجستاني(ت: 330هـ): ضريع: نبت بالحجاز يقال لرطبه الشبرق. [نزهة القلوب: 313]

قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت: 345هـ): (والضريع العوسج الرطب، وهو نبات في النار، شبيه العوسج). [ياقوتة الصراط: 573]

قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري(ت:370هـ): قَالَ الْفراء: الضريع: نبتٌ يُقَال لَهُ الشِّبرِق، وَأهل الْحجاز يسمُّونه الضَّريعَ إِذا يَبِس. وَهُوَ اسمٌ. وَجَاء فِي التَّفْسِير أَن الكفَّار قَالُوا: إنَّ الضَّريع لتَسمَنُ عَلَيْهِ إبلُنا. فَقَالَ الله: {ضَرِيعٍ لاَّ يُسْمِنُ وَلاَ يُغْنِى مِن جُوعٍ} (الغَاشِيَة: 7) .
وَقَالَ اللَّيْث: يُقَال للجِلدة الَّتِي على الْعظم تَحت اللَّحم من الضَّلَع: هِيَ الضَّريع.
ثعلبٌ عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: الضَّريع: العَوسَج الرَّطب، فَإِذا جفَّ فَهُوَ عَوسَجٌ، فَإِذا زادَ جُفوفُه فَهُوَ الخَزيز. [تهذيب اللغة: 1/299 ]

قال أبو نصر إسماعيل بن حماد الجوهري الفارابي(ت:393هـ): والضَريع: يبيسُ الشِبْرِقِ، وهو نبت. قال الشاعر ( 2) يذكر إبلاً وسوء مرعاها وحبسن في هزم الضريع فكلُّها * حَدباَء داميةُ اليدينِ حَرودُ [الصحاح: 3/1249 ]

قال أبو عبد الله محمد بن عبد الله ابن أبي زمنين(ت:399هـ): {لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلا مِنْ ضَرِيع} قَالَ الْكَلْبِيُّ: نَبْتٌ يَنْبُتُ فِي الرَّبِيعِ، فَإِذَا كَانَ فِي الصَّيْفِ يَبِسَ فَاسْمُهُ إِذَا كَانَ عَلَيْهِ وَرَقُهُ: [شِبْرَقٌ] وَإِذَا تَسَاقَطَ وَرَقُهُ فَهُوَ الضَّرِيعُ، فَالْإِبِلُ تَأْكُلُهُ أَخْضَرَ، فَإِذا يبس لم تذقه. [تفسير القرآن العزيز: 5 / 123 ]

قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): (و{الصَّاخَّةُ}؛ القيامة، وهي الداهية أيضاً).[تفسير المشكل من غريب القرآن: 294]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( (الضَّرِيع): نبت بالحجاز، يقال لرطبه الشِّبْرِق). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 300]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( (الضَرِيعٍ): نبت). [العمدة في غريب القرآن: 344]

قال علي بن إسماعيل بن سيده المرسي(ت:458هـ): والضَّريع: نَبَات أَخْضَر منتن خَفِيف، يرْمى بِهِ الْبَحْر، وَله جَوف. وَقيل: هُوَ يبيس العرفج والخلة. وَقيل: مَا دَامَ رطبا فَهُوَ ضَرِيع، فَإِذا يبس فَهُوَ الشبرق. قَالَ الزّجاج: وَهُوَ شوك كالعوسج. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: الضَّريع: الشبرق، وَهُوَ مرعى سوء، لَا تعقد عَلَيْهِ السَّائِمَة شحما وَلَا لَحْمًا، وَإِن لم تُفَارِقهُ إِلَى غَيره ساءت حَالهَا. وَفِي التَّنْزِيل: (ليسَ لهُمْ طَعامٌ إلاَّ مِنْ ضَرِيع، لَا يُسْمِنُ وَلَا يُغْنِي من جُوع) وَقَالَ ابْن عيزارة الْهُذلِيّ:
وحُبِسْن فِي هَزْم الضَّريع فكلُّها ... حَدْباءُ دَاميةُ اليَدَيْنِ حَرُودُ
وَقيل: الضَّريع: طَعَام أهل النَّار. وَهَذَا لَا تعرفه الْعَرَب. والضَّرِيعُ: القشر الَّذِي على الْعظم، تَحت اللَّحْم. وَقيل: هُوَ جلد على الضلع. [ المحكم: 1 / 405-404 ]

قال أبو القاسم محمود بن عمر الزمخشري(ت:538هـ): فإن قلت: كيف قيل لَيْسَ لَهُمْ طَعامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ وفي الحاقة وَلا طَعامٌ إِلَّا مِنْ غِسْلِينٍ؟
قلت: العذاب ألوان، والمعذبون طبقات، فمنهم. أكلة الزقوم. ومنهم أكلة الغسلين، ومنهم أكلة الضريع: لِكُلِّ بابٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ مَقْسُومٌ. لا يُسْمِنُ مرفوع المحل أو مجروره على وصف طعام. أو ضريع، يعنى: أنّ طعامهم من شيء ليس من مطاعم الإنس، وإنما هو شوك والشوك مما ترعاه الإبل وتتولع به. وهذا نوع منه تنفر عنه ولا تقربه. ومنفعتا الغذاء منتفيتان عنه: وهما إماطة الجوع، وإفادة القوّة والسمن في البدن. أو أريد: أن لا طعام لهم أصلا، لأن الضريع ليس بطعام للبهائم فضلا عن الإنس، لأن الطعام ما أشبع أو أسمن، وهو منهما بمعزل. كما تقول ليس لفلان ظل إلا الشمس، تريد: نفى الظل على التوكيد. وقيل: قالت كفار قريش: إن الضريع لتسمن عليه إبلنا فنزلت لا يُسْمِنُ فلا يخلو إما أن يتكذبوا ويتعنتوا بذلك وهو الظاهر، فيردّ قولهم بنفي السمن والشبع، وإما أن يصدقوا فيكون المعنى: أن طعامهم من ضريع ليس من جنس ضريعكم، إنما هو من ضريع غير مسمن ولا مغن من جوع. [الكشاف: 4 / 743 ]

قال محمد بن مكرم ابن منظور الإفريقي(ت:711هـ): والضَّرِيعُ: نَبَاتٌ أَخضَر مُنْتِنٌ خَفِيفٌ يَرْمي بِهِ البحرُ وَلَهُ جوْفٌ، وَقِيلَ: هُوَ يَبِيسُ العَرْفَجِ والخُلَّةِ، وَقِيلَ: مَا دَامَ رَطْبًا فَهُوَ ضرِيعٌ، فإِذا يَبِسَ فَهُوَ ضرِيعٌ، فإِذا يَبِسَ فَهُوَ الشِّبْرِقُ، وَهُوَ مَرْعَى سَوءٍ لَا تَعْقِدُ عَلَيْهِ السائمةُ شَحْماً وَلَا لَحْمًا، وإِن لَمْ تُفَارِقْهُ إِلى غَيْرِهِ ساءَت حَالُهَا. وَفِي التنزيل: يْسَ لَهُمْ طَعامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ لَا يُسْمِنُ وَلا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ
؛ قَالَ الْفَرَّاءُ: الضرِيعُ نَبْتٌ يُقَالُ لَهُ الشِّبْرِقُ، وأَهل الْحِجَازِ يُسَمُّونَهُ الضَّرِيعَ إِذا يَبِسَ، وَقَالَ ابْنُ الأَعرابي: الضَّرِيعُ العوْسَجُ الرطْب، فإِذا جَفَّ فَهُوَ عَوْسَجٌ، فإِذا زَادَ جُفوفاً فَهُوَ الخَزِيزُ، وجاءَ فِي التَّفْسِيرِ: أَن الْكُفَّارَ قَالُوا إِنَّ الضريعَ لتَسْمَنُ عَلَيْهِ إِبلنا، فَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: لَا يُسْمِنُ وَلا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ. وَجَاءَ فِي حَدِيثِ أَهل النَّارِ:
فيُغاثون بِطَعَامٍ مِنْ ضَرِيعٍ
؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: هُوَ نَبْتٌ بِالْحِجَازِ لَهُ شوْكٌ كِبَارٌ يُقَالُ لَهُ الشِّبْرِقُ؛ وَقَالَ قَيْسُ بْنَ عَيْزارةَ الْهُذَلِيَّ يَذْكُرُ إِبلًا وسُوءَ مَرْعاها: وحُبِسْنَ فِي هَزْمِ الضَّرِيعِ، فكُلُّها ... حَدْباءُ دامِيةُ اليَدَيْنِ، حَرُودُ
هَزْمُ الضرِيعِ: مَا تَكَسَّر مِنْهُ، والحَرُودُ: الَّتِي لَا تَكَادُ تَدِرُّ؛ وَصَفَ الإِبل بشدَّة الهُزال؛ وَقِيلَ: الضرِيعُ طَعَامُ أَهل النَّارِ، وَهَذَا لَا يَعْرِفُهُ الْعَرَبُ. والضَّرِيعُ: القِشْرُ الَّذِي عَلَى الْعَظْمِ تَحْتَ اللَّحْمِ، وَقِيلَ: هُوَ جِلْدٌ عَلَى الضِّلَعِ. [ لسان العرب: 8 / 223/224]

قال أبو حيان محمد بن يوسف الأندلسي(ت:745هـ): وَالضَّرِيعُ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: شَجَرٌ مِنْ نَارٍ.
وَقَالَ الْحُسَيْنُ: وَجَمَاعَةٌ الزَّقُّومُ.
وَقَالَ ابْنُ جُبَيْرٍ: حِجَارَةٌ مِنْ نَارٍ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ أَيْضًا وقتادة وعكرمة ومجاهد: شِبْرِقُ النَّارِ. وَقِيلَ: الْعَبَشْرَقُ. وَقِيلَ: رَطْبُ الْعَرْفَجِ، وَتَقَدَّمَ مَا قِيلَ فِيهِ فِي الْمُفْرَدَاتِ. وَقِيلَ: وَادٍ فِي جَهَنَّمَ. وَالضَّرِيعُ، إِنْ كَانَ الْغِسْلِينَ وَالزَّقُّومَ، فَظَاهِرٌ وَلَا يَتَنَافَى الْحَصْرُ فِي إِلَّا مِنْ غِسْلِينٍ «2» ، وإِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ. وَإِنْ كَانَتْ أَغْيَارًا مُخْتَلِفَةً، وَالْجَمْعُ بِأَنَّ الزَّقُّومَ لِطَائِفَةٍ، وَالْغِسْلِينَ لِطَائِفَةٍ، وَالضَّرِيعَ لِطَائِفَةٍ.
وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: لَا يُسْمِنُ مَرْفُوعُ الْمَحَلِّ أو مجروره على وصف طَعَامٍ أَوْ ضَرِيعٍ، يَعْنِي أَنَّ طَعَامَهُمْ مِنْ شَيْءٍ لَيْسَ مِنْ مَطَاعِمِ الْإِنْسِ وَإِنَّمَا هُوَ شَوْكٌ، وَالشَّوْكُ مما ترعاه الإبل وتتولع بِهِ، وَهَذَا نَوْعٌ مِنْهُ تَنْفِرُ عَنْهُ وَلَا تَقْرَبُهُ، وَمَنْفَعَتَا الْغِذَاءِ مُنْتَفِيَتَانِ عَنْهُ، وَهُمَا إِمَاطَةُ الْجُوعِ وَإِفَادَةُ الْقُوَّةِ، وَالسِّمَنُ فِي الْبَدَنِ، انْتَهَى. [البحر المحيط: 10 / 462 ]

قال أبو العباس أحمد بن يوسف السمين الحلبي(ت:756هـ): قوله: {ضَرِيعٍ} : هو شجرٌ في النار. وقيل: حجارةٌ. وقيل: هو الزَّقُّوم. وقال أبو حنيفة: «هو الشِّبْرِقُ، وهو مَرْعى سَوْءٍ، لا تَعْقِدُ عليه السائمةُ شَحْماً ولا لَحْماً. قال الهذليُّ: وحُبِسْنَ في هَزْمِ الضَّريعِ فكلُّها ... حَدْباءُ دامِيَةُ الضُّلوعِ حَرُوْدُ
وقال أبو ذؤيب:
رَعَى الشِّبْرِقٌ الريَّانَ حتى إذا ذَوَى ... وعادَ ضَريعاً نازَعَتْه النَّحائِصُ
وقيل: هو يَبيس العَرْفَجِ إذا تَحَطَّم. وقال الخليل:» نبتٌ أخضرُ مُنْتِنُ الريح يَرْمي به البحرُ. وقيل: نبتٌ يُشبه العَوْسَج. والضَّراعةُ: الذِّلَّةُ والاستكانةُ مِنْ ذلك. [ الدر المصون: 10/767]

قال محمد بن يعقوب الفيروز آبادري(ت: 817هـ): الضريع نبات مُنتن الريح، يَرمي به البحر. و قال أبو الجوزاء: الضريع: السُّلاء. و قال ابن الأعرابي: الضريع: العوسج الرطب. فإذا جف فهو عوسج، فإذا زاد فهو الخزيز.
ابن عباد: الضريع: يبيس كل شجر. قال: و الضريع: الشراب الرقيق.
الليث: الضريع: الجلدة التي على العظم تحت اللحم من الضَّلع. قال: الضريع: نبت في الماء الآجن، له عروق لا تصل إلى الأرض. و قال غيره: الضريع: الخمر. [بصائر ذوي التمييز: 3/472-473]

قال محمّد بن محمّد بن عبد الرزّاق الزبيدي(ت:1205هـ): الضَّريعُ، كأَميرٍ: الشِّبْرِقُ، قَالَه أَبو حنيفةَ، وَقَالَ ابنُ الأَثيرِ: هُوَ نَبْتٌ بالحِجازِ، لَهُ شَوكٌ كِبارٌ يُقَال لَهُ: الشِّبرِق، أَو يَبيسُه، نَقله الجَوْهَرِيّ، أَو نَباتٌ رَطْبُهُ يُسَمَّى شِبْرِقاً، ويابِسُه يُسَمَّى ضَريعاً، عندَ أَهل الحِجازِ، قَالَه الفَرَّاءُ، لَا تَقرَبُه دابَّةٌ لِخُبْثِه، قَالَ أَبو حنيفةَ: هُوَ مَرعى سَوْء، لَا تَعقِدُ عَلَيْهِ السَّائمَةُ شَحماً وَلَا لَحْماً، فإنْ لَمْ تُفارِقْه إِلَى غيرِه ساءَ حالُها، قَالَ قيسُ بنُ العَيزارَةِ يصف الإبِلَ وسوءَ مَرعاها:
(وحُبِسْنَ فِي هَزَمِ الضَّريع وكُلُّها ... حَدباءُ داميَةُ اليَدَينِ حَرودُ) قَالَ أَبو الجَوزاءِ: الضَّريعُ: السُّلاّءُ، وجاءَ فِي التَّفسير: أَنَّ الكُفَّارَ قَالُوا: إنَّ الضَّريعَ تَسْمَنُ عَلَيْهِ إبلُنا، فَقَالَ الله تَعَالَى: لَا يُسْمِنُ وَلَا يُغني من جُوعٍ. قَالَ ابْن الأَعْرابِيِّ: الضَّريعُ: العَوْسَجُ الرَّطْبُ، فَإِذا جَفَّ فَهُوَ عَوْسَجٌ، فَإِذا زادَ جُفوفاً فَهُوَ الخَزيزُ، قَالَ الليثُ: الضَّريعُ: نَباتٌ فِي الماءِ الآجِنِ، لَهُ عُروقٌ لَا تَصلُ إِلَى الأَرضِ. أَو هُوَ شيءٌ فِي جهنَّمَ أَمَرُّ من الصَّبْرِ، وأَنتَنُ من)
الجيفَةِ، وأَحرُّ من النّارِ، وَهَذَا لَا يعرِفُه العَرَبُ، وَهُوَ طَعامُ أَهلِ النّارِ. قيل: هُوَ نباتٌ أَخضَرُ، كَمَا فِي اللِّسان، وَفِي المُفرداتِ: أَحمَرُ مُنتِن الرِّيحِ خفيفٌ يَرمي بِهِ البَحرُ، وَله جَوفٌ. قَالَ ابْن عَبّادٍ: الضَّريعُ: يَبيسُ كلِّ شَجرَةٍ، وخَصَّه بعضُهُم بيبيسِ العَرْفَجِ والخُلَّةِ. قيل: الضَّريعُ: الخَمْرُ أَو رَقيقُها، وَهَذِه عَن ابْن عبادٍ، قَالَ الليثُ: الضَّريعُ: الجِلدَةُ الَّتِي على العَظْمِ تحتَ اللَّحمِ من الضِّلْعِ. وَيُقَال: هُوَ القِشْرُ الَّذِي عَلَيْهِ. [ تاج العروس: 21 / 406-407 ]

قال محمد الطاهر بن عاشور(ت:1393هـ): وَالضَّرِيعُ: يَابِسُ الشِّبْرِقِ (بِكَسْرِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ الْمُوَحَّدَةِ وَكَسْرِ الرَّاءِ) وَهُوَ نَبْتٌ ذُو شَوْكٍ إِذَا كَانَ رَطْبًا فَإِذَا يَبِسَ سُمِّيَ ضَرِيعًا وَحِينَئِذٍ يَصِيرُ مَسْمُومًا وَهُوَ مَرْعًى لِلْإِبِلِ وَلِحُمُرِ الْوَحْشِ إِذَا كَانَ رَطْبًا، فَمَا يُعَذَّبُ بِأَهْلِ النَّارِ بِأَكْلِهِ شُبِّهَ بِالضَّرِيعِ فِي سُوءِ طَعْمِهِ
وَسُوءِ مَغَبَّتِهِ.
وَقِيلَ: الضَّرِيعُ اسْمٌ سَمَّى الْقُرْآنُ بِهِ شَجَرًا فِي جَهَنَّمَ وَأَنَّ هَذَا الشَّجَرَ هُوَ الَّذِي يَسِيلُ مِنْهُ الْغِسْلِينُ الْوَارِدُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْمَ هاهُنا حَمِيمٌ وَلا طَعامٌ إِلَّا مِنْ غِسْلِينٍ [الحاقة: 35، 36] وَعَلَيْهِ فَحَرْفُ مِنْ لِلِابْتِدَاءِ، أَيْ لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلَّا مَا يَخْرُجُ مِنَ الضَّرِيعِ وَالْخَارِجُ هُوَ الْغِسْلِينُ وَقَدْ حَصَلَ الْجَمْعُ بَيْنَ الْآيَتَيْنِ.[ التحرير والتنوير: 30 / 297]

تعليقات:
1. هذه المسألة تفسيرية لغوية تتعلق ببيان معنى مفردة من مفردات القرآن، ولذلك فإنّ البحث في كتب المرتبة الخامسة سيكون في معاجم اللغة، بعد اتمام البحث في كتب المراتب الأربعة الأولى.
2. قبل جمع أقوال علماء اللغة نحتاج إلى معرفة أقوال السلف في هذه المسألة، ولأجل ذلك قمت بالنقل عن الكتب التي تعنى بجمع أقوال السلف في التفسير.
3. بدأت بجمع النقول أولا من جمهرة التفاسير ( وهي النقول التي لوّنت أسماء قائليها باللون الأزرق)، ثمّ أضفت إليها النقول التي لوّنت أسماء قائليها باللون الأحمر و غالبها تم جمعه من موقع www.islamport.com.

4. النقول التي تحصّلت لي في هذه المسألة:
أ: من التفاسير التي تنقل أقوال السلف: جامع البيان لابن جرير، والكشف والبيان للثعلبي، والهداية لمكي بن أبي طالب، والنكت والعيون للماوردي، والمحرر الوجيز لابن عطية، وزاد المسير لابن الجوزي، وأحكام القرآن للقرطبي، وتفسير ابن كثير.
ب: ومن كتب المرتبة الأولى: معاني القرآن للفراء، و مجاز القرآن لأبي عبيدة، ومعاني القرآن للزجاج.
- ولما كان المطبوع من تفسير يحيى بن سلام البصري غير تام رجعت إلى مختصر له وهو: وتفسير ابن أبي زمنين.
ج: ومن كتب المرتبة الثانية: غريب القرآن لابن قتيبة، وغريب القرآن وتفسيره، لليزيدي، و نزهة القلوب لابن عزيز السجستاني، وياقوتة الصراط لغلام ثعلب، وتفسير المشكل من غريب القرآن لمكي بن أبي طالب والعمدة له.
د: ومن كتب المرتبة الثالثة: شرح أشعار الهذليين للسكري، و كتاب الجيم للشيباني، وبصائر ذوي التمييز للفيروزآبادري،
هـ: ومن كتب المرتبة الرابعة: الكشاف للزمخشري، وحاشية الطيبي على الكشاف، والبحر المحيط لأبي حيان، والدر المصون للسمين الحلبي، والتحرير والتنوير لابن عاشور.
و: ومن كتب المرتبة الخامسة: وتهذيب اللغة لأبي منصور الأزهري، والمحكم لابن سيده، ولسان العرب لابن منظور، وتاج العروس للزبيدي.

5.المصادر التي لم أجد شيئا حول المسألة أو تعذر عليّ الوصول إلى المصدر:
المرتبة الأولى: تأويل مشكل القرآن لابن قتيبة، و معاني القرآن لأبي جعفر النحاس، و معاني القرآن للأخفش الأوسط.
ومن كتب المرتبة الثالثة: غريب الحديث لأبي سليمان الخطابي ليس فيه شرح مفردات سورة الغاشية، كتاب الأضداد لابن الأنباري.
ومن كتب المرتبة الرابعة: لم أجد شيئا في كتب ابن القيم.
ومن كتب المرتبة الخامسة: العين للخليل بن أحمد، ومعجم مقاييس اللغة لابن فارس، والقاموس المحيط للفيروزآبادي، وجمهرة اللغة لأبي بكر بن دريد، والمخصص لابن سيده.

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 8 ذو الحجة 1439هـ/19-08-2018م, 09:14 AM
فاطمة احمد صابر فاطمة احمد صابر غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المستوى السابع
 
تاريخ التسجيل: Jan 2016
المشاركات: 370
افتراضي

. معنى الحفدة في قوله تعالى: {وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدة}
أولاً: التعرّف على أقوال السلف في المسألة
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {واللّه جعل لكم من أنفسكم أزواجًا، وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدةً ورزقكم من الطّيّبات، أفبالباطل يؤمنون وبنعمة اللّه هم يكفرون}.
يقول تعالى ذكره: {واللّه} الّذي {جعل لكم} أيّها النّاس {من أنفسكم أزواجًا} يعني أنّه خلق من آدم زوجته حوّاء، {وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدةً}.
- كما: حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة: {واللّه جعل لكم من أنفسكم أزواجًا} أي واللّه خلق آدم، ثمّ خلق زوجته منه، ثمّ جعل لكم بنين وحفدةً ".
واختلف أهل التّأويل في المعني بالحفدة، فقال بعضهم: هم الأختان، أختان الرّجل على بناته.
ذكر من قال ذلك
- حدّثنا أبو كريبٍ، وابن وكيعٍ، قالا: حدّثنا أبو معاوية، قال: حدّثنا أبان بن تغلب، عن المنهال بن عمرٍو، عن ابن حبيشٍ، عن عبد اللّه: {بنين وحفدةً} قال: " الأختان "
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا أبو بكرٍ، عن عاصمٍ، عن ورقاء، سألت عبد اللّه: " ما تقول في الحفدة؟ هم حشم الرّجل يا أبا عبد الرّحمن؟ قال: " لا، ولكنّهم الأختان "
- حدّثنا محمّد بن بشّارٍ قال: حدّثنا عبد الرّحمن، وحدّثنا أحمد بن إسحاق قال: حدّثنا أبو أحمد قالا جميعًا: حدّثنا سفيان، عن عاصم بن بهدلة، عن زرّ بن حبيشٍ، عن عبد اللّه قال: " الحفدة: الأختان ".
- حدّثنا ابن وكيعٍ قال: حدّثنا أبي، عن سفيان بإسناده عن عبد اللّه، مثله
- حدّثنا ابن بشّارٍ، وأحمد بن الوليد القرشيّ، وابن وكيعٍ، وسوّار بن عبد اللّه العنبريّ، ومحمّد بن خالد بن خداشٍ، والحسن بن خلفٍ الواسطيّ، قالوا: حدّثنا يحيى بن سعيدٍ القطّان، عن الأعمش، عن أبي الضّحى، قال: " الحفدة: الأختان ".
- حدّثنا ابن بشّارٍ، قال: حدّثنا عبد الرّحمن، قال: حدّثنا هشيمٌ، عن المغيرة، عن إبراهيم، قال: " الحفدة: الأختان "
- حدّثنا أحمد بن إسحاق، قال: حدّثنا أبو أحمد، قال: حدّثنا إسرائيل، عن عطاء بن السّائب، عن سعيد بن جبيرٍ: {بنين وحفدةً} قال: " الحفدة: الأختان "
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا جريرٌ، عن مغيرة، عن إبراهيم، قال: " الحفدة: الختن "
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا ابن عيينة، عن عاصمٍ، عن زرٍّ، عن عبد اللّه، قال: " الأختان "
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا حفصٌ، عن أشعث، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ، قال: " الأختان "
- وحدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو صالحٍ، قال: حدّثني معاوية، عن عليٍّ، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {وحفدةً} قال: " الأصهار "
- حدّثني المثنّى قال: حدّثنا الحجّاج قال: حدّثنا حمّادٌ، عن عاصمٍ، عن زرٍّ، عن ابن مسعودٍ، قال: " الحفدة: الأختان "
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا ابن عيينة، عن عاصم بن أبي النّجود، عن زرّ بن حبيشٍ، قال: قال لي عبد اللّه بن مسعودٍ: " ما الحفدة يا زرّ؟ قال: قلت: هم حفاد الرّجل من ولده وولد ولده، قال: " لا، هم الأصهار ".
وقال آخرون: هم أعوان الرّجل وخدمه
ذكر من قال ذلك
- حدّثني محمّد بن خالد بن خداشٍ، قال: حدّثني سلم بن قتيبة، عن وهب بن حبيبٍ الأسديّ، عن أبي حمزة، عن ابن عبّاسٍ، سئل عن قوله: {بنين وحفدةً} قال: " من أعانك فقد حفدك، أما سمعت قول الشّاعر:
حفد الولائد حولهنّ وأسلمت = بأكفّهنّ أزمّة الأجمال "
- حدّثنا هنّادٌ، قال: حدّثنا أبو الأحوص، عن سماكٍ، عن عكرمة، في قوله: {بنين وحفدةً} قال: " الحفدة: الخدّام ".
- حدّثني محمّد بن خالد بن خداشٍ، قال: حدّثني سلم بن قتيبة، عن حازم بن إبراهيم البجليّ، عن سماكٍ، عن عكرمة، قال: قال: " الحفدة: الخدّام "
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا عمران بن عيينة، عن حصينٍ، عن عكرمة، قال: " هم الّذين يعينون الرّجل من ولده وخدمه "
- حدّثنا ابن عبد الأعلى قال: حدّثنا محمّد بن ثورٍ، عن معمرٍ، عن الحكم بن أبان، عن عكرمة: {وحفدةً} قال: " الحفدة: من خدمك من ولدك "
- حدّثنا ابن وكيعٍ قال: حدّثنا يحيى بن آدم، عن سلاّم بن سليمٍ، وقيسٍ، عن سماكٍ، عن عكرمة قال: " هم الخدم ".
- حدّثنا أحمد قال: حدّثنا أبو أحمد قال: حدّثنا سلاّمٌ أبو الأحوص، عن سماكٍ، عن عكرمة، مثله
- حدّثني محمّد بن خالدٍ، قال: حدّثني سلم، عن أبي هلالٍ، عن الحسن، في قوله: {بنين وحفدةً} قال: " البنين وبني البنين، من أعانك من أهلٍ وخادمٍ فقد حفدك "
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا عمرو بن عونٍ، قال: أخبرنا هشيمٌ، عن منصورٍ، عن الحسن، قال: " هم الخدم "
- حدّثني محمّد بن خالدٍ، وابن وكيعٍ، ويعقوب بن إبراهيم، قالوا: حدّثنا إسماعيل ابن عليّة، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، قال: " الحفدة: الخدم "
- حدّثنا أحمد بن إسحاق، قال: حدّثنا أبو أحمد، وحدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا أبي، وحدّثنا ابن بشّارٍ، قال: حدّثنا عبد الرّحمن، جميعًا عن سفيان، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: {بنين وحفدةً} قال: " ابنه وخادمه "
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، وحدّثني الحارث، قال: حدّثنا الحسن، قال: حدّثنا ورقاء، وحدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو حذيفة، قال: حدّثنا شبلٌ، جميعًا، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، في قول اللّه تعالى: {بنين وحفدةً} قال: " أنصارًا، وأعوانًا، وخدّمًا "
- حدّثنا ابن بشّارٍ، قال: حدّثنا عبد الرّحمن، قال: حدّثنا زمعة، عن ابن طاوسٍ، عن أبيه، قال: " الحفدة: الخدم ".
- حدّثنا ابن بشّارٍ، مرّةً أخرى قال: " ابنه وخادمه "
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قال: " {وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدةً} مهنةً يمهنونك ويخدمونك من ولدك، كرامةٌ أكرمكم اللّه بها "
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا عبيد اللّه، عن إسرائيل، عن السّدّيّ، عن أبي مالكٍ: " الحفدة، قال: الأعوان "
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا أبي، عن سفيان، عن حصينٍ، عن عكرمة، قال: " الّذين يعينونه "
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن الحكم بن أبان، عن عكرمة، في قوله: {بنين وحفدةً} قال: " الحفدة: من خدمك من ولدك وولد ولدك "
- حدّثنا الحسن قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا ابن التّيميّ، عن أبيه، عن الحسن قال: " الحفدة: الخدم "
- حدّثني المثنّى قال: حدّثنا أبو نعيمٍ قال: حدّثنا سفيان، عن حصينٍ، عن عكرمة: {بنين وحفدةً} قال: " ولده الّذين يعينونه ".
وقال آخرون: هم ولد الرّجل وولد ولده
ذكر من قال ذلك
- حدّثنا محمّد بن المثنّى، قال: حدّثنا عبد الصّمد، قال: حدّثنا شعبة، عن أبي بشرٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ: {وحفدةً} قال: " هم الولد، وولد الولد "
- حدّثنا ابن بشّارٍ قال: حدّثنا محمّد بن جعفرٍ قال: حدّثنا شعبة، عن أبي بشرٍ، عن مجاهدٍ، وسعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ في هذه الآية: {بنين وحفدةً} قال: " الحفدة: البنون ".
- حدّثنا ابن وكيعٍ قال: حدّثنا غندرٌ، عن شعبة، عن أبي بشرٍ، عن مجاهدٍ، عن ابن عبّاسٍ، مثله
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن أبي بكرٍ، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ، قال: " بنوك حين يحفدونك، ويرفدونك، ويعينونك، ويخدمونك " قال جميل:
حفد الولائد حولهنّ وأسلمت = بأكّفّهنّ أزمّة الأجمال "
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ، في قوله: {وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدةً} قال: " الحفدة: الخدم من ولد الرّجل هم ولده، وهم يخدمونه، قال: وليس تكون العبيد من الأزواج، كيف يكون من زوجي عبدٌ؟ إنّما الحفدة: ولد الرّجل وخدمه "
- حدّثت عن الحسين بن الفرج، قال: سمعت أبا معاذٍ، يقول: حدّثنا عبيد بن سليمان، قال: سمعت الضّحّاك، يقول في قوله: {بنين وحفدةً} يعني: " ولد الرّجل يحفدونه ويخدمونه، وكانت العرب إنّما تخدمهم أولادهم الذّكور ".
وقال آخرون: هم بنو امرأة الرّجل من غيره
ذكر من قال ذلك
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي قال: حدّثني عمّي قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدةً} يقول: " بنو امرأة الرّجل ليسوا منه " وقال: الحفدة: الرّجل يعمل بين يدي الرّجل، يقول: فلانٌ يحفد لنا، ويزعم رجالٌ أنّ الحفدة أختان الرّجل.
والصّواب من القول في ذلك عندي أن يقال: إنّ اللّه تعالى أخبر عباده معرّفهم نعمه عليهم، فيما جعل لهم من الأزواج والبنين، فقال تعالى: {واللّه جعل لكم من أنفسكم أزواجًا، وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدةً} فأعلمهم أنّه جعل لهم من أزواجهم بنين وحفدةً، والحفدة في كلام العرب: جمع حافدٍ، كما الكذبة: جمع كاذبٍ، والفسقة: جمع فاسقٍ، والحافد في كلامهم: هو المتخفّف في الخدمة والعمل، والحفد: خفّة الرجل العمل، يقال: مرّ البعير يحفد حفدانًا: إذا مرّ يسرع في سيره ومنه، قولهم: " إليك نسعى ونحفد ": أي نسرع إلى العمل بطاعتك، يقال منه: حفد له يحفد حفدًا وحفودًا وحفدانًا، ومنه قول الرّاعي:
كلّفت مجهولها نوقًا يمانيةً = إذا الحداة على أكسائها حفدوا
وإذ كان معنى الحفدة ما ذكرنا من أنّهم المسرعون في خدمة الرّجل المتخفّفون فيها، وكان اللّه تعالى ذكره أخبرنا أنّ ممّا أنعم به علينا أن جعل لنا حفدةً تحفد لنا، وكان أولادنا وأزواجنا الّذين يصلحون للخدمة منّا ومن غيرنا، وأختاننا الّذين هم أزواج بناتنا من أزواجنا، وخدمنا من مماليكنا، إذا كانوا يحفدوننا فيستحقّون اسم حفدةً، ولم يكن اللّه تعالى دلّ بظاهر تنزيله ولا على لسان رسوله صلّى اللّه عليه وسلّم ولا بحجّة عقلٍ، على أنّه عنى بذلك نوعًا من الحفدة دون نوعٍ منهم، وكان قد أنعم بكلّ ذلك علينا، لم يكن لنا أن نوجّه ذلك إلى خاصٍّ من الحفدة دون عامٍ، إلاّ ما اجمعت الأمّة عليه أنّه غير داخلٍ فيهم.
وإذا كان ذلك كذلك فلكلّ الأقوال الّتي ذكرنا عمّن ذكرنا وجهٌ في الصّحّة، ومخرجٌ في التّأويل، وإن كان أولى بالصّواب من القول ما اخترنا لما بيّنّا من الدّليل

قال أبو إسحاق أحمد بن محمد بن إبراهيم الثعلبي(ت:427هـ): والله جعل لكم من أنفسكم أزواجا يعني أنه خلق من آدم زوجته حواء وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدة.
ابن عباس والنخعي وابن جبير وأبو الأضحى: هم الأصهار أختان الرجل على بناته.
روى شعبة عن عاصم: بن بهدلة قال: سمعت زر بن حبيش وكان رجلا غريبا أدرك الجاهلية قال: كنت أمسك على عبد الله المصحف فأتى على هذه الآية قال: هل تدري ما الحفدة، قلت: هم حشم الرجل.
قال عبد الله: لا، ولكنهم الأختان. وهذه رواية الوالبي عن ابن عباس.
وقال عكرمة والحسن والضحاك: هم الخدم.
مجاهد وأبو مالك الأنصاري: هم الأعوان، وهي رواية أبي حمزة عن ابن عباس قال:
من أعانك حفدك.
وقال الشاعر:
حفد الولائد حولهن وأسلمت ... بأكفهن أزمة الإجمال «2»
وقال عطاء: هم ولد الرجل يعينونه ويحفدونه ويرفدونه ويخدمونه.
وقال قتادة: [مهنة يمتهنونكم] ويخدمونكم من أولادكم.
الكلبي ومقاتل: البنين: الصغار، والحفدة: كبار الأولاد الذين يعينونه على عمله.
مجاهد وسعيد بن جبير عن ابن عباس: إنهم ولد الولد.
ابن زيد: هم بنو المرأة من الزوج الأول. وهي رواية العوفي عن ابن عباس: هم بنو امرأة الرجل الأول.
وقال العتبي: أصل الحفد: مداركة الخطر والإسراع في المشي.
فقيل: لكل من أسرع في الخدمة والعمل: حفدة، واحدهم حافد، ومنه يقال في دعاء الوتر: إليك نسعى ونحفد، أي نسرع إلى العمل بطاعتك.
وأنشد ابن جرير [للراعي] :
كلفت مجهولها نوقا يمانية ... إذا الحداة على أكسائها حفدوا . [الكشف والبيان عن تفسير القرآن (6/ 31)]



قال مكي بن أبي طالب القيسي(ت:437هـ): قال: {وَجَعَلَ لَكُمْ مِّنْ أَزْوَاجِكُم بَنِينَ وَحَفَدَةً}.قال ابن مسعود: الحفدة: الاختان. وهو قول ابن عباس وابن جبير. وعن ابن عباس: أنهم الأصهار. وقال محمد بن الحسن: الختن الزوج ومن كان من ذوي رحمه، والصهر من كان من قبل المرأة من الرجل. وقال ابن الأعربي ضد هذا القول في الأختان والأصهار. وقال [الأ] صمعي الختن من كان من الرجال من قبل المرأة والأصهار منهما جميعاً، وقيل: الحفدة أعوان الرجل وخدمه.
وروي عن ابن عباس أنه سئل عن الحفدة في الآية فقال: من أعانك فقد حفدك. [و] قال عكرمة: الحفدة الخدام.
[و] عنه أيضاً الحفدة من خدمك من ولدك. وعن مجاهد أنه قال: الحفدة ابن الرجل وخادمه وأعوانه. وعن ابن عباس أيضاً هم ولد الرجل وولد ولده. وقال ابن زيد وغيره: هم ولد الرجل [و] الذين يخدمونه. وعن ابن عباس: أنه قال: هم بنو امرأة الرجل من غيره.
والحفدة: جمع حافد كفاسق / وفسقة، والحافد في كلام العرب المتخفف في الخدمة والعمل ومنه قولهم، وإليك نسعى ونحفده، أي: نسرع في العمل بطاعتك . [الهداية الى بلوغ النهاية (6/ 4042)]



قال علي بن محمد بن حبيب الماوردي(ت:450هـ): {وجعل لكم مِن أزواجكم بنين وحفدة} وفي الحفدة خمسة أقاويل: أحدها: أنهم الأصهار أختان الرجل على بناته , قاله ابن مسعود وأبو الضحى. وسعيد بن جبير وإبراهيم , ومنه قول الشاعر:
(ولو أن نفسي طاوعتني لأصبحت ... لها حَفَدٌ مما يُعَدّث كثيرُ)
(ولكنها نفس عليَّ أبيّة ... عَيُوفٌ لأَصهارِ للئام قَذور)
الثاني: أنهم أولاد الأولاد , قاله ابن عباس. الثالث: أنهم بنو امرأة الرجل من غيره , وهذا مروي عن ابن عباس أيضاً. الرابع: أنهم الأعوان , قاله الحسن. الخامس: أنهم الخدم , قاله مجاهد وقتادة وطاووس , ومنه قول جميل:
(حفد الولائدُ حولهم وأسلمت ... بأكفهن أزِمّةَ الأجمال)
وقال طرفة بن العبد:
(يحفدون الضيف في أبياتهم ... كرماً ذلك منهم غير ذل)
وأصل الحفد الإسراع , والحفدة جمع حافد , والحافد هو المسرع في العمل , ومنه قولهم في القنوت وإليك نسعى ونحفد , أي نسرع إلى العمل بطاعتك , منه قول الراعي:(كلفت مجهولها نوقاً ثمانية ... إذا الحداة على أكسائها حفدوا)
وذهب بعض العلماء في تفسير قوله تعالى {بنين وحفدة} البنين الصغار والحفدة الكبار. [ النكت والعيون (3/ 203)]

قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : واختلف الناس في قوله " وحفدة " فقال ابن عباس الحفدة أولاد البنين وقال الحسن هم بنوك وبنو بنيك وقال ابن مسعود وأبو الضحى وإبراهيم وسعيد بن جبير الحفدة الأصهار وهم قرابة الزوجة وقال مجاهد الحفدة الأنصار والأعوان والخدم وحكى الزجاج أن الحفدة البنات في قوله بعضهم قال الزهراوي لأنهن خدم الأبوين لأن لفظة البنين لا تدل عليهن ألا ترى أنهن ليس في قول الله تعالى " المال والبنون زينة الحياة الدنيا " وإنما الزينة في الذكور وقال ابن عباس أيضا الحفدة أولاد زوجة الرجل من غيره ولا خلاف أن معنى الحفد الخدمة والبر والمشي مسرعا في الطاعة ومنه في القنوت وإليك نسعى ونحفد والحفدان خبب فوق المشي ومنه قول الشاعر وهو جميل بن معمر
( حفد الولائد بينهن وأسلمت
بأكفهن أرمة الإجمال ) " الكامل "
ومنه قول الآخر
( كلفت مجهولها نوقا ثمانية
إذا الحداة على أكسائها حفدوا ) " البسيط "
قال القاضي أبو محمد وهذه الفرق التي ذكرت أقوالها إنما بنيت على أن كل أحد جعل له من زوجة بنون وحفدة وهذا إنما هو في الغالب وعظم الناس ويحتمل عندي أن قوله " من أزواجكم " إنما هو على العموم والاشتراك أي من أزواج البشر جعل الله لهم البنين ومنهم جعل الخدمة فمن لم تكن له قط زوجة فقد جعل الله له حفدة وحصل تحت النعمة وأولئك الحفدة هم من الأزواج وهكذا تترتب النعمة التي تشمل جميع العالم وتستقيم لفظة الحفدة على مجراها في اللغة إذ البشر بجملتهم لا يستغني أحد منهم عن حفدة وقالت فرقة الحفدة هم البنون . قال القاضي أبو محمد وهذا يستقيم على أن تكون الواو عاطفة صفة لهم كما لو قال جعلنا لهم بنين وأعوانا أي وهم لهم أعوان فكأنه قال وهم حفدة . [المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز (3/ 411)]



قال أبو الفرج عبد الرحمن بن علي ابن الجوزي(ت:597هـ): وفي الحَفَدَة خمسة أقوال: أحدها: أنهم الأصهار، أختان الرجل على بناته، قاله ابن مسعود، وابن عباس في رواية، ومجاهد في رواية، وسعيد بن جبير، والنخعي، وأنشدوا من ذلك:
ولو أنَّ نَفْسِي طاوعتني لأَصْبَحَتْ ... لها حَفَدٌ مِمَّا يُعدُّ كثيرُ «1»
ولكنَّها نَفْسٌ عَلَيَّ أبِيَّةٌ ... عَيُوفٌ لأصهار اللئِام قذورُ
والثاني: أنهم الخدم، رواه مجاهد عن ابن عباس، وبه قال مجاهد في رواية الحسن، وطاوس وعكرمة في رواية الضحاك، وهذا القول يحتمل وجهين: أحدهما: أنه يراد بالخدم: الأولاد، فيكون
المعنى: أن الأولاد يَخدمون. قال ابن قتيبة: الحفدة: الخدم والأعوان، فالمعنى: هم بنون، وهم خدم. وأصل الحَفْد: مداركة الخطو والإِسراع في المشي، وإِنما يفعل الخدم هذا، فقيل لهم: حَفَدَة.
ومنه يقال في دعاء الوتر:
(864) «وإِليك نسعى ونَحفِد» .
والثاني: أن يراد بالخدم: المماليك، فيكون معنى الآية: وجعل لكم من أزواجكم بنين، وجعل لكم حفدة من غير الأزواج، ذكره ابن الأنباري. والثالث: أنهم بنوا امرأة الرجل من غيره، رواه العوفي عن ابن عباس، وبه قال الضحاك. والرابع: أنهم ولد الولد، رواه مجاهد عن ابن عباس. والخامس:
أنهم: كبار الأولاد، والبنون: صغارهم، قاله ابن السائب، ومقاتل. قال مقاتل: وكانوا في الجاهلية تخدمهم أولادهم. قال الزجاج: وحقيقة هذا الكلام أن الله تعالى جعل من الأزواج بنين، ومن يعاون على ما يُحتاج إِليه بسرعة وطاعة.[
زاد المسير في علم التفسير (2/ 572)]

قال أبو عبد الله محمد بن أحمد بن أبي بكر القرطبي(ت:671هـ): قوله تعالى : {وَحَفَدَةً} روى ابن القاسم عن مالك قال وسألته عن قوله تعالى : {بَنِينَ وَحَفَدَةً} قال : الحفدة الخدم والأعوان في رأيي. وروي عن ابن عباس في قوله تعالى : {وَحَفَدَةً} قال هم الأعوان ، من أعانك فقد حفدك. قيل له : فهل تعرف العرب ذلك ؟ قال نعم وتقول أو ما سمعت قول الشاعر :
حفد الولائد حولهن وأسلمت ... بأكفهن أزمة الأجمال
أي أسرعن الخدمة. والولائد : الخدم ، الواحدة وليدة ؛ قال الأعشى :
كلفت مجهولها نوقا يمانية ... إذا الحداة على أكسائها حفدوا
أي أسرعوا. وقال ابن عرفة : الحفدة عند العرب الأعوان ، فكل من عمل عملا أطاع فيه وسارع فهو حافد ، قال : ومنه قولهم إليك نسعى ونحفد ، والحفدان السرعة. قال أبو عبيد : الحفد العمل والخدمة. وقال الخليل بن أحمد : الحفدة عند العرب الخدم ، وقاله مجاهد. وقال الأزهري : قيل الحفدة أولاد الأولاد. وروي عن ابن عباس. وقيل الأختان ؛ قاله ابن مسعود وعلقمة وأبو الضحاك وسعيد بن جبير وإبراهيم ؛ ومنه قول الشاعر :
فلو أن نفسي طاوعتني لأصبحت ... لها حفد ما يعد كثير
ولكنها نفس علي أبية ... عيوف لإصهار اللئام قذور
وروى زر عن عبدالله قال : الحفدة الأصهار ؛ وقاله إبراهيم ، والمعنى متقارب. قال الأصمعي : الختن من كان من قبل المرأة ، مثل أبيها وأخيها وما أشبههما ؛ والأصهار منها جميعا. يقال : أصهر فلان إلى بني فلان وصاهر. وقول عبدالله هم الأختان ، يحتمل المعنيين جميعا. يحتمل أن يكون أراد أبا المرأة وما أشبهه من أقربائها ، ويحتمل أن يكون أراد وجعل لكم من أزواجكم بنين وبنات تزوجونهن ، فيكون لكم بسببهن أختان. وقال عكرمة : الحفدة من نفع الرجال من ولده ؛ وأصله من حفد يحفد - بفتح العين في الماضي وكسرها في المستقبل - إذا أسرع في سيره ؛ كما قال كثير :
حفد الولائد بينهن... ......البيت
ويقال : حفدت وأحفدت ، لغتان إذا خدمت. ويقال : حافد وحفد ؛ مثل خادم وخدم ، وحافد وحفدة مثل كافر وكفرة. قال المهدوي : ومن جعل الحفدة الخدم جعله منقطعا مما قبله ينوي به التقديم ؛ كأنه قال : جعل لكم حفدة وجعل لكم من أزواجكم بنين.
قلت : ما قال الأزهري من أن الحفدة أولاد الأولاد هو ظاهر القرآن بل نصه ؛ ألا ترى أنه قال : "وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدة" فجعل الحفدة والبنين منهن. وقال ابن العربي : الأظهر عندي في قوله "بنين وحفدة" أن البنين أولاد الرجل لصلبه والحفدة أولاد ولده ، وليس في قوة اللفظ أكثر من هذا ، ويكون تقدير الآية على هذا : وجعل لكم من أزواجكم بنين ومن البنين حفدة. وقال معناه الحسن.[
الجامع لأحكام القرآن (10/ 143) ]

قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج الفريابي وسعيد بن منصور والبخاري في تاريخه، وابن جرير، وابن أبي حاتم والطبراني والحاكم وصححه والبيهقي في "سننه" عن ابن مسعود في قوله: {بنين وحفدة} قال الحفدة الأختان). [الدر المنثور: 9/82]
(وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: الحفدة الأصهار). [الدر المنثور: 9/83]
(وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: الحفدة الولد وولد الولد). [الدر المنثور: 9/83]
(وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: الحفدة بنو البنين). [الدر المنثور: 9/83]
(وأخرج الطستي عن ابن عباس أن نافع بن الأزرق قال له: أخبرني عن قوله عز وجل: {وحفدة} قال: ولد الولد وهم الأعوان قال: وهل تعرف العرب ذلك قال: نعم أما سمعت الشاعر وهو يقول:
حفد الولائد حولهن وأسلمت * بأكفهن أزمة الاجمال). [الدر المنثور: 9/83]
(وأخرج ابن جرير عن أبي حمزة قال: سئل ابن عباس عن قوله: {بنين وحفدة} قال: من أعانك فقد حفدك أما سمعت قول الشاعر:
حفد الولائد حولهن وأسلمت * بأكفهن أزمة الاجمال). [الدر المنثور: 9/83]
(وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن ابن عباس قالك الحفدة بنو امرأة الرجل ليسوا منه). [الدر المنثور: 9/83]
(وأخرج ابن أبي شيبة، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن أبي مالك قال: الحفدة الأعوان). [الدر المنثور: 9/84]
(وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن عكرمة قال: الحفدة الخدم). [الدر المنثور: 9/84]
(وأخرج ابن جرير عن الحسن قال: الحفدة البنون وبنو البنون ومن أعانك من أهل أو خادم فقد حفدك). [الدر المنثور: 9/84]

ثانياً: جمع أقوال اللغويين في هذه المسألة:
قال أبو عبد الرحمن الخليل بن أحمد بن عمرو بن تميم الفراهيدي البصري (المتوفى: 170هـ): حفد: الحَفْدُ: الخِفَّة في العمل والخِدمة «1» ، قال:
حَفَدَ الولائدُ بينَهُنَّ وأُسلِمَتْ ... بأكُفّهِنَّ أزِمَّةُ الأجمالِ «2»
وسَمِعتُ في شعْرٍ مُحدَث حُفَّداً أقدامُها «3» أي سِراعاً خِفافاً. وفي سورة القُنوت:
وإليك نَسعَى ونحفد «4»
أي نخفّ في مَرْضاتك. والاحتفاد: السُرعة في كلّ شيء، قال الأعشى:
وُمْحَتفد الوَقْعِ ذو هَبَّةٍ ... أجاد جلاه يد الصيقل
وقول الله- عز وجل-: بَنِينَ وَحَفَدَةً
«5» يعني البنات [و] هنَّ خَدَم الأبَوَيْن في البيت، ويقال: الحَفَدة: «6» وعند العَرَب الحَفَدة الخَدَم. والمَحْفِدُ: شَيءٌ يُعلَف فيه، قال: «7»
وسَقْيي وإطِعامي الشَّعيرَ بمحفد «8» والحَفَدان فوق المَشْي كالخَبَب. والمحَافِد: وشْيُ الثوب، الواحد مَحْفِد.
فدح: الفَدْح: إثقال الأمر والحِمْل، وصاحبُه مفدوح، تقول: نَزَلَ بهم أمرٌ فادِحٌ، قال الطرماح:
فمثلكَ ناحَتْ عليه النِّساءُ ... لعُظْمِ مُصيبتك الفادِحْه «1» . [العين (3/ 186)]
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {واللّه جعل لكم من أنفسكم أزواجًا} ، يعني: النّساء.
والنّساء من الرّجال.
سعيدٌ عن قتادة قال: خلق آدم ثمّ خلق زوجته منه.
قال: {وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدةً} والحفدة الخدم يعني: ولدًا يخدمونه، وولد ولده في تفسير الحسن.
عمّارٌ عن أبي هلالٍ الرّاسبيّ عن الحسن، قال: بنوك وبنو بنيك، البنون والحفدة كلّ شيءٍ يحفدونك ويخدمونك.
سعيدٌ عن قتادة قال: مهنّةٌ يمهنونك ويخدمونك من ولدك.
- المعلّى عن عاصم بن بهدلة عن زرّ بن حبيشٍ عن عبد اللّه بن مسعودٍ قال: الحفدة الأختان.
قوله: {ورزقكم من الطّيّبات أفبالباطل يؤمنون} على الاستفهام، أي: قد آمنوا بالباطل، والباطل إبليس.
وقال السّدّيّ: {أفبالباطل يؤمنون} يعني: بعبادة الشّيطان، الشّرك، يصدّقون.
قوله: {وبنعمة اللّه هم يكفرون} هو كقوله: {ألم تر إلى الّذين بدّلوا نعمت اللّه كفرًا} وكقوله: {وتجعلون رزقكم أنّكم تكذّبون}،
يقول: تجعلون مكان الشّكر التّكذيب). [تفسير القرآن العظيم: 1/76-75]

قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {وحفدةً...}
والحفدة الأختان، وقالوا الأعوان. ولو قيل: الحفد: كان صواباً؛ لأن واحدهم حافد فيكون بمنزلة الغائب والغيب والقاعد والقعد). [معاني القرآن: 2/110]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {بنين وحفدةً} أعواناً وخدّاماً،
قال جميل:


حفد الولائد بينهنّ وأسلمتبــأكــفّــهـــن أزمّـــــــــة الأجــــمـــــال

واحدهم: حافد، خرج مخرج كامل والجميع كملة). [مجاز القرآن: 1/364]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ( {واللّه جعل لكم مّن أنفسكم أزواجاً وجعل لكم مّن أزواجكم بنين وحفدةً ورزقكم مّن الطّيّبات أفبالباطل يؤمنون وبنعمت اللّه هم يكفرون}
وقال: {بنين وحفدةً} وواحدهم "الحافد"). [معاني القرآن: 2/66]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( (والحفدة): الأعوان والخدم واحدهم حافد وقالوا الأختان في التفسير ويقال: مر فلان يحفد حفدانا ومنه" وإليك نسعى ونحفد " أي نسرع). [غريب القرآن وتفسيره: 208]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {بنين وحفدةً} الحفدة: الخدم والأعوان. ويقال: هم بنون وخدم.
ويقال: الحفدة الأصهار. وأصل الحفد: مداركة الخطو والإسراع في المشي. وإنما يفعل هذا الخدم. فقيل لهم: حفدة، واحدهم حافد، مثل كافر وكفرة. ومنه
يقال في دعاء الوتر: وإليك نسعى ونحفد). [تفسير غريب القرآن: 247-246]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ( {لعمرك}، ولعمر الله: هو العمر. ويقال: أطال الله عمرك، وعمرك، وهو قسم بالبقاء). [تأويل مشكل القرآن: 562]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {واللّه جعل لكم من أنفسكم أزواجا وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدة ورزقكم من الطّيّبات أفبالباطل يؤمنون وبنعمت اللّه هم يكفرون}
جاء في التفسير أن الله خلق حواء من ضلع من أضلاع آدم، فهو معنى جعل لكم من أنفسكم أزواجا أي من جنسكم.
وقوله: {وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدة}.
اختلف الناس في تفسير الحفدة، فقيل الأولاد، وقيل البنات وقيل الأختان، وقيل الأصهار، وقيل الأعوان.
وحقيقة هذا أن اللّه عزّ وجلّ جعل من الأزواج بنين ومن يعاون على ما يحتاج إليه بسرعة وطاعة، يقال حفد يحفد حفدا وحفدا وحفدانا إذا أسرع.
قال الشاعر:

حفد الولائد حولهن وأسلمتبــأكـــفّـــهـــنّ أزمّـــــــــــة الأجـــــمــــــال

معناه أسرعوا في الخدمة). [معاني القرآن: 3/213-212]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {والله جعل لكم من أنفسكم أزواجا} روى سعيد عن قتادة في قوله: {والله جعل لكم من أنفسكم أزواجا} قال خلق حواء من ضلع آدم
وقال غيره جعل لكم من أنفسكم أزواجا أي من جنسكم). [معاني القرآن: 4/87]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( ثم قال جل وعز: {وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدة}
روى سفيان الثوري عن عاصم عن زر عن عبد الله بن مسعود قال الحفدة الأختان
وروى سفيان بن عيينة عن عاصم عن زر عن عبد الله قال الحفدة الأصهار
وروى شعبة عن زر قال سألني ابن مسعود عن الحفدة فقلت هم الأعوان قال هم الأختان وقال علقمه وأبو الضحى الحفدة الأختان وقال إبراهيم الحفدة الأصهار قال أبو جعفر وقد اختلف في الأختان والأصهار
فقال محمد بن الحسن الختن الزوج ومن كان من ذوي رحمه والصهر من كان من قبل المرأة نحو أبيها وعمتها وخالها
وقال ابن الأعرابي ضد هذا في الأختان والأصهار وقال الأصمعي الختن من كان من قبل المرأة مثل أبيها وأخيها وما أشبههما والأصهار منهما جميعا يقال أصهر فلان إلى بني فلان وصاهر
وقول عبد الله بن مسعود هم الأختان يحتمل المعنيين جميعا يجوز أن يكون أراد أبا المرأة وما أشبه من أقربائها ويجوز أن يكون أراد وجعل لكم من أزواجكم بنين وبنات وتزوجونهم فيكون لكم بسببهن أختان
وقد قيل في الآية غير هذا قال عكرمة الحفدة ولد الرجل من نفعة منهم وقال الحسن وطاووس ومجاهد الحفدة الخدم
قال أبو جعفر وأصل الحفدة في اللغة الخدمة والعمل يقال حفد يحفد حفدا وحفودا وحفدانا إذا خدم وعمل ومنه وإليك نسعى ونحفد ومنه قول الشاعر:

حفد الولائد حولهن وأسلمتبــأكـــفـــهـــن أزمـــــــــــة الأجـــــمــــــال

وقول من قال هم الخدم حسن على هذا إلا إنه يكون منقطعا مما قبله عند أبي عبيد وينوي به التقديم والتأخير كأنه قال وجعل لكم حفدة أي خدما وجعل لكم من أزواجكم بنين). [معاني القرآن: 4/90-87]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( {بنين وحفدة} اختلف الناس، فقالت طائفة: هم الأعوان والأختان، وقالت طائفة: كل من أسرع في حاجتك، فهو حافد، قرابة كان أو غير قرابة،
يقال حافد وحفدة، مثل: كاتب وكتبة). [ياقوتة الصراط: 296]

قال محمد بن أحمد بن الأزهري الهروي، أبو منصور (المتوفى: 370هـ) :حفد: قال الليث: الحفد في الخدمة والعمل: الخفة والسرعة، وأنشد:
حفد الولائد حولهن وأسلمت
بأكفهن أزمة الأجمال
وروي عن عمر أنه قرأ قنوت الفجر: وإليك نسعى ونحفد. قال أبو عبيد: أصل الحفد: الخدمة والعمل. قال: وروي عن مجاهد في قول الله جل وعز: {بنين وحفدة} (النحل: 72) أنهم الخدم، وروي عن عبد الله أنهم الأصهار، قال أبو عبيد: وفي الحفد لغة أخرى: أحفد إحفادا، وقال الراعي:
مزايد خرقاء اليدين مسيفة
أخب بهن المخلفان وأحفدا
قال فيكون أحفدا خدما، وقد يكون أحفدا غيرهما. قال: وأراد بقوله: وإليك نسعى ونحفد: نعمل لله بطاعته.
وقال الليث: الاحتفاد: السرعة في كل شيء، وقال الأعشى يصف السيف:
ومحتفد الوقع ذو هبة
أجاد جلاه يد الصيقل
قلت: ورواه غيره: ومحتفل الوقع باللام، وهو الصواب.
حدثنا أبو زيد عن عبد الجبار عن سفيان قال: حدثنا عاصم عن زر قال: قال عبد الله: يا زر، هل تدري ما الحفدة؟ قال: نعم، حفاد الرجل: من ولده وولد ولده، قال: لا، ولكنهم الأصهار قال عاصم: وزعم الكلبي أن زرا قد أصاب، قال سفيان: قالوا: وكذب الكلبي. وقال ابن شميل: من قال الحفدة: الأعوان فهو أتبع لكلام العرب ممن قال الأصهار. وقال الفراء في قوله جل وعز: {بنين وحفدة} (النحل: 72) ، الحفدة: الأختان، وقال: ويقال: الأعوان، ولو قيل الحفد لكان صوابا، لأن الواحد حافد مثل القاعد والقعد.
وقال الحسن في قوله: {بنين وحفدة} (النحل: 72) ، قال: البنون: بنوك وبنو بنيك، وأما الحفدة فما حفدك من شيء وعمل لك وأعانك. وروى أبو حمزة عن ابن عباس في قوله: {بنين وحفدة} (النحل: 72) قال: من أعانك فقد حفدك، أما سمعت قوله:
حفد الولائد حولهن وأسلمت
وقال الضحاك في قوله: {بنين وحفدة} (النحل: 72) قال: بنو المرأة من زوجها الأول، وقال عكرمة: الحفدة: من خدمك من ولدك وولد، ولدك، وقال الليث: الحفدة: البنات، وهن خدم الأبوين في البيت، قال: وقال بعضهم: الحفدة: ولد الولد.
والحفدان: فوق المشي كالخبب.
قال: والمحفد: شيء تعلف فيه الدابة، وقال الأعشى:
وسقيي وإطعامي الشعير بمحفد
قال: والمحفد: السنام.
أبو عبيد عن الأصمعي: المحافد في الثوب: وشيه، واحدها محفد.
ثعلب عن ابن الأعرابي قال: الحفدة:صناع الوشي. والحفد: الوشي.
وقال شمر: سمعت الدارمي يقول: سمعت ابن شميل يقول لطرف الثوب محفد بكسر الميم.
ثعلب عن ابن الأعرابي: المحتد والمحفد والمحقد والمحكد: الأصل.
وقال أبو تراب: احتفد واحتمد واحتفل بمعنى واحد.
ثعلب عن ابن الأعرابي: أبو قيس: مكيال واسمه المحفد، وهو القنقل. [تهذيب اللغة (4/ 248)]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {الحفدة} الخدام والأعوان، وقيل: الأصهار. وأصل الحفد: مداركة الخطو والإسراع في المشي. وهذا فعل الخدم).[تفسير المشكل من غريب القرآن: 132]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {الحَفَدَةُ}: الأحفاد، الخدم). [العمدة في غريب القرآن: 178]
قال أبو الحسن علي بن إسماعيل بن سيده المرسي [ت: 458هـ] :حفد يحفد حفدا وحفدانا، واحتفد: خف في العمل وأسرع. وحفد يحفد حفدا: خدم. والحفد والحفدة: الأعوان والخدمة، واحدهم حافد.
وحفدة الرجل بناته، وقيل أولاد أولاده، وقيل الأصهار، وقيل الأعوان. والحفيد: ولد الولد، والجمع حفداء.
والحفد والحفدان والإحفاد في المشي: دون الخبب، وقيل هو إبطاء الرتك، والفعل كالفعل.
والمحفد والمحفد: شيء يعلف فيه، وقيل هو مكيال يكال به، وقد روي بيت الأعشى بالوجهين معا:
بناها السوادي الرضيخ مع النوى ... وفت وإعطاء الشعير بمحفد
ويروى بمحفد، فمن كسر الميم عده مما يعتمل به، ومن فتحها فعلى توهم المكان أو الزمان.
ومحفد الثوب: وشيه.
والمحفد: الأصل عامة، عن ابن الأعرابي.
والمحفد: أصل السنام، عن يعقوب أنشد لزهير :على ظهرها من نيها غير محفد .[المحكم والمحيط الأعظم (3/ 264)]
قال أبو القاسم محمود بن عمر الزمخشري الخوارزمي (المتوفي 538 ه) :والحفدة : جمع حافد ، وهو الذي يحفد ، أي يسرع في الطاعة والخدمة . ومنه قول القانت . وإليك نسعى ونحفد وقال : حَفَدَ الْوَلاَئِدَ بَيْنَهُنَّ وَأُسْلِمَت
بِأَكُفِّهِنَّ أزِمَّةَ الأَجْمَالِ
واختلف فيهم فقيل : هم الأختان على البنات وقيل : أولاد الأولاد ، وقيل : أولاد المرأة من الزوج الأوّل ، وقيل : المعنى وجعل لكم حفدة ، أي خدما يحفدون في مصالحكم ويعينونكم ويجوز أن يراد بالحفدة : البنون أنفسهم ؛ كقوله : ) سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا ( ( النحل : 67 ) كأنه قيل : وجعل لكم منهنّ أولاداً هم بنون وهم حافدون ، أي جامعون بين الأمرين ) [الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل (2/ 579)]
قال جمال الدين بن منظور المتوفي (711ه) : ( حفد ) حفد يحفد حفدا وحفدانا واحتفد خف في العمل وأسرع وحفد يحفد حفدا خدم الأزهري الحفد في الخدمة والعمل الخفة وأنشد حفد الولائد حولهن وأسلمت بأكفهن أزمة الأجمال وروي عن عمر أنه قرأ في قنوت الفجر وإليك نسعى ونحفد أي نسرع في العمل والخدمة قال أبو عبيد أصل الحفد الخدمة والعمل وقيل معنى وإليك نسعى ونحفد نعمل لله بطاعته الليث الاحتفاد السرعة في كل شيء قال الأعشى يصف السيف ومحتفد الوقع ذو هبة أجاد جلاه يد الصيقل قال الأزهري رواه غيره ومحتفل الوقع باللام قال وهو الصواب وفي حديث عمر رضي الله عنه وذكر له عثمان للخلافة قال أخشى حفده أي إسراعه في مرضاة أقاربه والحفد السرعة يقال حفد البعير والظليم حفدا وحفدانا وهو تدارك السير وبعير حفاد قال أبو عبيد وفي الحفد لغة أخرى أحفد إحفادا وأحفدته حملته على الحفد والإسراع قال الراعي مزايد خرقاء اليدين مسيفة أخب بهن المخلفان وأحفدا أي أحفدا بعيريهما وقال بعضهم أي أسرعا وجعل حفد وأحفد بمعنى وفي التهذيب أحفدا خدما قال وقد يكون أحفدا غيرهما والحفد والحفدة الأعوان والخدمة واحدهم حافد وحفدة الرجل بناته وقيل أولاد أولاده وقيل الأصهار والحفيد ولد الولد والجمع حفداء وروي عن مجاهد في قوله بنين وحفدة أنهم الخدم وروي عن عبد الله أنهم الأصهار وقال الفراء الحفدة الأختان ويقال الأعوان ولو قيل الحفد كان صوابا لأن الواحد حافد مثل القاعد والقعد وقال الحسن البنون بنوك وبنو بينك وأما الحفدة فما حفدك من شيء وعمل لك وأعانك وروى أبو حمزة عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى بنين وحفدة قال من أعانك فقد حفدك أما سمعت قوله حفد الولائد حولهن وأسلمت وقال الضحاك الحفدة بنو المرأة من زوجها الأول وقال عكرمة الحفدة من خدمك من ولدك وولد ولدك وقال الليث الحفدة ولد الولد وقيل الحفدة البنات وهن خدم الأبوين في البيت وقال ابن عرفة الحفد عند العرب الأعوان فكل من عمل عملا أطاع فيه وسارع فهو حافد قال ومنه قوله وإليك نسعى ونحفد قال والحفدان السرعة وروى عاصم عن زر قال قال عبدالله يا زر هل تدري ما الحفدة ؟ قال نعم حفاد الرجل من ولده وولد ولده قال لا ولكنهم الأصهار قال عاصم وزعم الكلبي أن زرا قد أصاب قال سفيان قالوا وكذب الكلبي وقال ابن شميل قال الحفدة الأعوان فهو أتبع لكلام العرب ممن قال الأصهار قال فلو أن نفسي طاوعتني لأصبحت لها حفد مما يعد كثير أي خدم حافد وحفد وحفدة جميعا ورجل محفود أي مخدوم وفي حديث أم معبد محفود محشود المحفود الذي يخدمه أصحابه ويعظمونه ويسرعون في طاعته يقال حفدت وأحفدت وأنا حافد ومحفود وحفد وحفدة جمع حافد ومنه حديث أمية بالنعم محفود وقال الحفد والحفدان والإحفاد في المشي دون الخبب وقيل الحفدان فوق المشي كالخبب وقيل هو إبطاء الركك والفعل كالفعل والمحفد والمحفد شيء تعلف فيه الإبل كالمكتل قال الأعشى يصف ناقته بناها الغوادي الرضيخ مع الخلا وسقي وإطعامي الشعير بمحفد
( * قوله « الغوادي الرضيخ إلخ » كذا بالأصل الذي بأيدينا وكذا في شرح القاموس )
الغوادي النوى والرضيخ المرضوخ وهو النوى يبل بالماء ثم يرضخ وقيل هو مكيال يكال به وقد روي بيت الأعشى بالوجهين معا بناها السوادي الرضيخ مع النوى وقت وإعطاء الشعير بمحفد ويروى بمحفد فمن كسر الميم عده مما يعتمل به ومن فتحها فعلى توهم المكان أو الزمان ابن الأعرابي أبو قيس مكيال واسمه المحفد وهو القنقل ومحافد الثوب وشيه واحدها محفد ابن الأعرابي الحفدة صناع الوشي والحفد الوشي ابن شميل يقال لطرف الثوب محفد بكسر الميم والمحفد الأصل عامة عن ابن الأعرابي وهو المحتد والمحفد والمحكد والمحقد الأصل ومحفد الرجل محتده وأصله والمحفد السنام وفي المحكم أصل السنام عن يعقوب وأنشد لزهير جمالية لم يبق سيري ورحلتي على ظهرها من نيها غير محفد وسيف محتفد سريع القطع . [لسان العرب (2/ 923)]

قال أبو حيان محمد بن يوسف بن علي بن يوسف بن حيان أثير الدين الأندلسي (المتوفى: 745هـ): والظاهر أن عطف حفدة على بنين يفيد كون الجميع من الأزواج، وأنهم غير البنين.
فقال الحسن: هم بنو ابنك. وقال ابن عباس والأزهري: الحفدة أولاد الأولاد، واختاره ابن العربي. وقال ابن عباس أيضا: البنون صغار الأولاد، والحفدة كبارهم. وقال مقاتل:
بعكسه، وقيل: البنات لأنهن يخدمن في البيوت أتم خدمة. ففي هذا القول خص البنين بالذكران لأنه جمع مذكر كما قال: المال والبنون زينة الحياة الدنيا «1» وإنما الزينة في الذكورة. وعن ابن عباس: هم أولاد الزوجة من غير الزوج التي هي في عصمته. وقيل:
وحفدة منصوب بجعل مضمرة، وليسوا داخلين في كونهم من الأزواج. فقال ابن مسعود، وعلقمة، وأبو الضحى، وإبراهيم بن جبير: الأصهار، وهم قرابة الزوجة كأبيها وأخيها.
وقال مجاهد: هم الأنصار والأعوان والخدم. وقالت فرقة: الحفدة هم البنون أي: جامعون بين البنوة والخدمة، فهو من عطف الصفات لموصوف واحد. قال ابن عطية ما معناه: وهذه الأقوال مبنية على أن كل أحد جعل له من زوجه بنين وحفدة، وهذا إنما هو في الغالب وعظم الناس. ويحتمل عندي أن قوله من أزواجكم، إنما هو على العموم والاشتراك أي:
من أزواج البشر جعل الله منهم البنين، ومنهم جعل الخدمة، وهكذا رتبت الآية النعمة التي تشمل العالم. ويستقيم لفظ الحفدة على مجراها في اللغة، إذ البشر بجملتهم لا يستغني أحد منهم عن حفدة انتهى. [البحر المحيط في التفسير (6/ 565)]

قال أبو العباس، شهاب الدين، أحمد بن يوسف بن عبد الدائم المعروف بالسمين الحلبي (المتوفى: 756هـ): قوله تعالى: {وحفدة} : في «حفدة» أوجه. أظهرها: أنه معطوف على «بنين» بقيد كونه من الأزواج، وفسر هنا بأنه أولاد الأولاد. الثاني: أنه من عطف الصفات لشيء واحد، أي: جعل لكم بنين خدما، والحفدة: الخدم. الثالث: أنه منصوب ب «جعل» مقدرة، وهذا عند من يفسر الحفدة بالأعوان والأصهار، وإنما احتيج إلى تقدير «جعل» لأن «جعل» الأولى مقيدة بالأزواج، والأعوان والأصهار ليسوا من الأزواج.
والحفدة: جمع حافد كخادم وخدم. وفيهم للمفسرين أقوال كثيرة، واشتقاقهم من قولهم: حفد يحفد حفدا وحفودا وحفدانا، أي: أسرع في الطاعة. وفي الحديث: «وإليك نسعى ونحفد» ، أي: نسرع في طاعتك. قال الأعشى:
كلفت مجهولها نوقا يمانية ... إذا الحداة على أكسائها حفدوا
وقال الآخر:
حفد الولائد حولهن وأسلمت ... بأكفهن أزمة الأجمال
ويستعمل «حفد» أيضا متعديا. يقال: حفدني فهو حافد، وأنشد:
يحفدون الضيف في أبياتهم ... كرما ذلك منهم غير ذل وحكى أبو عبيدة أنه يقال: «أحفد» رباعيا. وقال بعضهم: «الحفدة: الأصهار، وأنشد:
فلو أن نفسي طاوعتني لأصبحت ... لها حفد مما يعد كثير
ولكنها نفس علي أبية ... عيوف لإصهار اللئام قذور
ويقال: سيف محتفد، أي: سريع القطع. وقال الأصمعي:» أصل الحفد: مقاربة الخطو « [الدر المصون في علوم الكتاب المكنون (7/ 266)]
قال أحمد بن محمد بن علي الفيومي ثم الحموي، أبو العباس (المتوفى: نحو 770هـ) :(ح ف د) : حفد حفدا من باب ضرب أسرع وفي الدعاء وإليك نسعى ونحفد أي نسرع إلى الطاعة وأحفد إحفادا مثله وحفد حفدا خدم فهو حافد والجمع حفدة مثل: كافر وكفرة ومنه قيل للأعوان حفدة وقيل لأولاد الأولاد حفدة لأنهم كالخدام في الصغر.[المصباح المنير في غريب الشرح الكبير (1/ 141)]
قال محمّد بن محمّد بن عبد الرزّاق الحسيني، أبو الفيض، الملقّب بمرتضى، الزَّبيدي (المتوفى: 1205هـ): (حَفَد يَحْفِد) من حَدّ ضَرَبَ،(حفدا) ، بفتح فسكون، (وحفدانا) . محركة: (خف في العمل وأسرع) .
وفي حديث عمر رضي الله عنه، وذكر (له) عثمان للخلافة، قال: (أخشى حفده) أي إسراعه في مرضاة أقاربه. (كاحتفد) .
قال الليث: الاحتفاد: السرعة في كل شيء.
وحفد واحتفد بمعنى الإسراع، من المجاز، كما في الأساس.
(و) من المجاز أيضا: حفد يحفد حفدا: (خدم) ، قال الأزهري: الحفد في الخدمة والعمل: الخفة.
وفي دعاء القنوت: (وإليك نسعى ونحفد) أي نسرع في العمل والخدمة.
وقال أبو عبيد: أصل الحفد: الخدمة والعمل.
(والحفد، محركة) والحفدة: (الخدم والأعوان، جمع حافد) ، قال بن عرفة: الحفد عند العرب: الأعوان، فكل من عمل عملا أطاع فيه وسار، فهو حافد.
(و) الحفد، محركة (مشي دون الخبب) ، وقد حفد البعير والظليم، وهو تدارك السير، (كالحفدان) ، محركة، والحفد، بفتح فسكون، وبعير حفاد.
(و) قال أبو عبيد: وفي الحفد لغة أخرى، وهو (الإحفاد) ، وقد أحفد الظليم.
وقيل: الحفدان فوق المشي كالخبب.
(و) من المجاز: (حفدة الرجل: بناته أو أولاد أولاده، كالحفيد) وهو واحد الحفدة، وهو ولد الولد، والجمع حفداء.
وروي عن مجاهد في قوله تعالى: {بنين وحفدة} (النحل: 72) أنهم الخدم (أو الأصهار) . روي عن عبد الله بن مسعود، أنه قال لزر: هل تدري ما الحفدة؟ قال: نعم، حفاد الرجل
من ولده وولد ولده. قال: لا ولاكنهم الأصهار. قال عاصم: وزعم الكلبي أن زرا قد أصاب. قال سفيان: قالوا وكذب الكلبي. وقال الفراء: الحفدة: الأختان، ويقال: الأعوان.
وقال الحسن. (البنين) : بنوك وبنو بنيك.
وأما الحفدة فما حفدك من شيء، وعمل لك وأعانك. وروى أبو حمزة عن ابن عباس في قوله تعالى: {بنين وحفدة} (النحل: 72) . قال: من أعانك فقد حفدك. وقال الضحاك: الحفدة: بنو المرأة من زوجها الأول. وقال عكرمة: الحفدة من خدمك من ولدك، وولد ولدك. وقيل: المراد بالبنات في قول المصنف هن خدم الأبوين في البيت.
(و) عن ابن الأعرابي: الحفدة (صناع الوشي) والحفد: الوشي.[تاج العروس (8/ 33)]

قال محمد الطاهر بن محمد بن محمد الطاهر بن عاشور التونسي (المتوفى : 1393هـ): والحفدة: جمع حافد، مثل كملة جمع كامل. والحافد أصله المسرع في الخدمة.
وأطلق على ابن الابن لأنه يكثر أن يخدم جده لضعف الجد بسبب الكبر، فأنعم الله على
الإنسان بحفظ سلسلة نسبه بسبب ضبط الحلقة الأولى منها،وهي كون أبنائه من زوجه ثم كون أبناء أبنائه من أزواجهم، فانضبطت سلسلة الأنساب بهذا النظام المحكم البديع.
وغير الإنسان من الحيوان لا يشعر بحفدته أصلا- لا يشعر بالبنوة إلا أنثى الحيوان مدة قليلة قريبة من الإرضاع. والحفدة للإنسان زيادة في مسرة العائلة، قال تعالى: فبشرناها بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب [سورة هود: 71] . [التحرير والتنوير (14/ 219)]


النقول التي تحصّلت لي في هذه المسألة:
أ: من التفاسير التي تنقل أقوال السلف: جامع البيان لابن جرير، والكشف والبيان للثعلبي، والهداية لمكي بن أبي طالب، والنكت والعيون للماوردي، والمحرر الوجيز لابن عطية، وزاد المسير لابن الجوزي، وأحكام القرآن للقرطبي، وتفسير ابن كثير.
ب: ومن كتب المرتبة الأولى: معاني القرآن للفراء، ومعاني القرآن للزجاج، و مجاز القرآن لأبي عبيدة. وتفسير يحيى بن سلام البصري وأبو جعفر النحاس واللأخفش
ج: ومن كتب المرتبة الثانية: غريب القرآن لابن قتيبة، وياقوتة الصراط لغلام ثعلب، وتفسير المشكل من غريب القرآن لمكي بن أبي طالب والعمدة له. ولم أجد كتاب نزهة القلوب للسجستاني
د: ومن كتب المرتبة الثالثة: العين للخليل بن أحمد وتهذيب اللغة لأبي منصور الأزهري
هـ: ومن كتب المرتبة الرابعة: الكشاف للزمخشري، والبحر المحيط لأبي حيان، والدر المصون للسمين الحلبي، والتحرير والتنوير لابن عاشور ،ولم أجد حاشية الطيبي على الكشاف.
و: ومن كتب المرتبة الخامسة: العين للخليل بن أحمد، وتهذيب اللغة لأبي منصور الأزهري، ومعجم مقاييس اللغة لابن فارس، والمحكم لابن سيده، ولسان العرب لابن منظور، والقاموس المحيط للفيروزآبادي، وتاج العروس للزبيدي.

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 13 ذو الحجة 1439هـ/24-08-2018م, 10:06 PM
هيئة التصحيح 11 هيئة التصحيح 11 غير متواجد حالياً
هيئة التصحيح
 
تاريخ التسجيل: Jan 2016
المشاركات: 2,525
افتراضي

تقويم مجلس أداء التطبيق الخامس من تطبيقات دورة المهارات المتقدمة في التفسير
تعليق عام:
أحسنتم، بارك الله فيكم ونفع بكم.
- أرجو أنكم جميعًا اطلعتم على الفيديو الموجود في هذا الموضوع فهو ييسر عليكم كثيرًا - بإذن الله - أداء هذا التطبيق.
http://www.afaqattaiseer.net/vb/show...824#post345824
- كتب المرتبة الخامسة يُتعرف عليها بتحديد نوع المسألة، ثم الرجوع إلى الدرس الخامس ومعرفة الكتاب الخاصة بكل صنف من المسائل.
- الملحوظات على هذا التطبيق، والتطبيق الرابع أرجو استدراكها قبل حل التطبيق السابع والثامن بإذن الله، لارتباط الأخيرين بهما.


1. معنى "ضريع" في قول الله تعالى: {ليس لهم طعام إلا من ضريع}

عباز محمد: أ+
أحسنتَ كثيرًا، بارك الله فيك ونفع بك.
أثني على التزامك بخطوات البحث، والبحث في كتب كل مرتبة من مراتب البحث، وترتيبها وفق التسلسل التاريخي وحسن تنسيق وتنظيم النقول.
الملحوظات:
- ما وجه هذا النقل ضمن تطبيقك ؟
اقتباس:
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): (و{الصَّاخَّةُ}؛ القيامة، وهي الداهية أيضاً).[تفسير المشكل من غريب القرآن: 294]
- ذكرت في تعليقك أنك نقلت من حاشية الطيبي، لكن لا يوجد ضمن النقول نقلا منه!
- الكتب التي لم تنقل منها، افصل بين ما بحثت فيه ولم تجد فيه نقولا، وبين من لم يتيسر لك الحصول على الكتاب، ليتسنى لك بعد ذلك - إن حصلت على الكتاب - معرفة ما ينقصك البحث فيه.

2. معنى الحفدة في قوله تعالى: {وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدة}

فداء حسين: أ+
أحسنتِ، بارك الله فيكِ ونفع بكِ.
أثني على التزامك بخطوات البحث، وفصل نقول السلف عن نقول أهل اللغة، والالتزام بترتيب النقول وفق تاريخ الوفيات، والحرص على البحث في كتب كل مرتبة.
الملحوظات:
1: احرصي على كتابة رقم الجزء والصفحة عند العزو، كما في نقول الجمهرة، [مجاز القرآن: 1/364]
تجدين ذلك في أسفل صفحة الشاملة.
2: في تعليقاتك على التطبيق، أرجو ذكر الكتب التي بحثتِ فيها ولم تجدي نقولا خاصة ببحثك، أو الكتب التي لم يتيسر لكِ الوصول إليها.
خاصة المرتبة الثالثة فيها عدد كبير من الكتب، واستخرجتِ منها نقلين فقط، فيحتمل هذا أحد أمرين: إما أنكِ بحثتِ في كل الكتب ولم تجدي سواهما، أو أنكِ لم يتيسر لكِ الوصول لباقي الكتب، وحتى يتسنى لكِ مراجعة بحثكِ من حين لآخر والإضافة عليه بيسر ينبغي عليكِ عمل قائمة بالكتب التي بحثت فيها ولم تجدي فيها نقولا، حتى لا تعيدي البحث فيها.
ونحن في هذه المرتبة نبحث في كتب علماء اللغة في غير معاني القرآن، ومسألتكِ خاصة تجدين عنها نقولا في كتب غريب الحديث لارتباط المسألة بقول : " وإليك نسعى ونحفد" ونقولا في بعض كتب أبي منصور الأزهري، وأرجو أنكِ اطلعت على الرابط الموجود في التعليق العام ليسهل عليكِ البحث.
3: مسألتك " معنى حفدة " متعلقة ببحث معاني مفردات القرآن، فالمرتبة الخامسة ستكون خاصة بالمعاجم اللغوية فقد أحسنتِ الفهم، فأرجو توسعة نطاق البحث في معاجم أخرى، ومن المعاجم التي تحتوي نقولا أيضًا تهذيب اللغة لأبي منصور الأزهري.


فاطمة أحمد صابر: أ+
أحسنتِ كثيرًا، بارك الله فيكِ ونفع بكِ.
أثني على التزامك بخطوات البحث، والرجوع إلى كتب كل مرتبة من مراتب البحث، وترتيب النقول حسب التسلسل التاريخي.
- نقول أهل السلف:
ذكرتِ أنكِ نقلتِ من ابن كثير لكن لا يوجد في النقول نقلا له !
ضعي عزو نقل الطبري في نهايته [ اسم الكتاب- الجزء - الصفحة ]
- كتب المرتبة الأولى: ماذا عن تأويل مشكل القرآن لابن قتيبة ؟
- كتب المرتبة الثانية: وماذا عن غريب القرآن لليزيدي ؟
يرجى في كل مرتبة ذكر الكتب التي بحثتِ فيها ولم تجدي نقولا أو لم يتيسر لكِ البحث لعدم إيجاد الكتاب أو أسباب أخرى.
- راجعي النقطة الثانية من التعليقات على الأخت فداء حسين.



3. إعراب {إن هذان لساحران}
مها محمد: ب+
أحسنتِ، بارك الله فيكِ ونفع بكِ.
أثني على التزامك بخطوات البحث وفصل نقول السلف عن نقول اللغويين وترتيب النقول وفق التسلسل التاريخي.

الملحوظات:
1: احرصي على كتابة رقم الجزء والصفحة عند العزو، كما في نقول الجمهرة، [مجاز القرآن: 1/364]
تجدين ذلك في أسفل صفحة الشاملة.
2: في نقول السلف :
يمكننا الالتزام فقط بالكتب التي ذكرها الشيخ في الدرس وهي التفاسير التي تعنى بجمع أقوال السلف وهي: تفسير ابن جرير، والثعلبي، ومكي بن أبي طالب، والماوردي، وابن عطية، وابن الجوزي، والقرطبي، وابن كثير.
- استيعاب هذه المجموعة مطلوب، ولا يصح التفريط وذلك بأن يقتصر الطالب على القليل منها، أو الإفراط وذلك بالتوسع في البحث في كتب السلف على حساب كتب أهل اللغة والمسألة بالأساس لغوية.
وقد فاتكِ البحث في تفسير الثعلبي ومكي بن أبي طالب.
3: أقوال أهل اللغة:
- نقل يحيى بن سلام البصري لم يتضمن مسألة الإعراب، فيكفي في التعليقات أن تذكري أنك بحثت فيه لكنه لم يتطرق للمسألة.
- المرتبة الثانية :
ما نقلتيه هو من مشكل إعراب القرآن وليس مشكل غريب القرآن فليتنبه للفرق.
- المرتبة الثالثة، بالأخص كتب الخليل بن أحمد تحتوي بالفعل على نقول خاصة بالمسألة فقد يكون الخطأ في طريقة بحثكِ.
فضلا أخبريني كيف بحثتِ لمساعدتكِ، وراجعي الرابط في التعليق العام.
كتب هذه المرتبة من الأهمية بمكان في موضوع بحثكِ فأرجو إتمامها قبل حل التطبيق الثامن بإذن الله.
- المرتبة الخامسة ستكون خاصة بكتب إعراب القرآن والمراجع التي رجعتِ إليها قليلة جدًا فأرجو توسعة مجال بحثكِ فيها والإضافة على بحثكِ بارك الله فيكِ، قبل حل التطبيق الثامن بإذن الله.


تم بحمد الله، وفقني الله وإياكم لما يحب ويرضى ويسر أمورنا.


رد مع اقتباس
  #7  
قديم 14 ذو الحجة 1439هـ/25-08-2018م, 11:33 AM
عباز محمد عباز محمد غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المستوى السادس
 
تاريخ التسجيل: Jan 2016
الدولة: الجزائر
المشاركات: 309
افتراضي

السلام عليكم
نعم كلا الملحوظتان قد وقعتا مني سهوا و خطأ دون إدراك....و عن حاشية الطيبي بحثت و لم أجد في كتابه.
و جزاكم الله خيرا.

رد مع اقتباس
  #8  
قديم 21 ذو الحجة 1439هـ/1-09-2018م, 07:35 PM
مها محمد مها محمد غير متواجد حالياً
طالبة علم
 
تاريخ التسجيل: Jan 2016
المشاركات: 251
افتراضي

بسم الله الرحمن الرحيم
المطلوب جمع أقوال علماء اللغة في التفسير في إعراب {إن هذان لساحران}.
أولا التعرف على أقوال السلف في المسألة
v قال أبو جعفر الطبري (ت: 310 ه):
قالوا إن هذان لساحران، يَعْنُون بقولهم إن هذان موسى وهارون، لساحران يريدان أن يخرجاكم من أرضكم بسحرهما، كما حدثنا بِشر، قال ثنا يزيد، قال ثنا سعيد، عن قتادة، قوله { إنْ هَذَانِ لَساحِرَانِ يُرِيدَانِ أنْ يُخْرِجاكُمْ مِنْ أرْضِكُمْ بِسِحْرِهِما } موسى وهارون صلـى الله علـيهما. وقد اختلفت القرّاء فـي قراءة قوله { إنْ هَذَانِ لَساحِرَانِ } فقرأته عامة قرّاء الأمصار «إنَّ هَذَانِ» بتشديد إن وبـالألف فـي هذان، وقالوا قرأنا ذلك كذلك. وكان بعض أهل العربـية من أهل البصرة يقول «إن» خفـيفة فـي معنى ثقـيـلة، وهي لغة لقوم يرفعون بها، ويدخـلون اللام لـيفرقوا بـينها وبـين التـي تكون فـي معنى ما. وقال بعض نـحويـيِّ الكوفة ذلك علـى وجهين أحدهما علـى لغة بنـي الـحارث بن كعب ومن جاورهم، يجعلون الاثنـين فـي رفعهما ونصبهما وخفضهما بـالألف. وقد أنشدنـي رجل من الأَسْد عن بعض بنـي الـحارث بن كعب
فأطْرَقَ إطْرَاقَ الشُّجاعِ وَلَوْ رَأىَ مَساغاً لِنابـاهُ الشُّجاعُ لَصمَّـما

قال وحكى عنه أيضاً هذا خط يدا أخي أعرفه، قال وذلك وإن كان قلـيلاً أقـيس، لأن العرب قالوا مسلـمون، فجعلوا الواو تابعة للضمة، لأنها لا تعرب، ثم قالوا رأيت الـمسلـمين، فجعلوا الـياء تابعة لكسرة الـميـم قالوا فلـما رأوا الـياء من الاثنـين لا يـمكنهم كسر ما قبلها، وثبت مفتوحاً، تركوا الألف تتبعه، فقالوا رجلان فـي كلّ حال. قال وقد اجتـمعت العرب علـى إثبـات الألف فـي كلام الرجلـين، فـي الرفع والنصب والـخفض، وهما اثنان، إلا بنـي كنانة، فإنهم يقولون رأيت كِلَـىِ الرجلـين، ومررت بكلـي الرجلـين، وهي قبـيحة قلـيـلة مَضَوا علـى القـياس. قال والوجه الآخر أن تقول وجدت الألف من هذا دعامة، ولـيست بلام «فَعلَـى» فلـما بنـيت زدت علـيها نونا، ثم تركت الألف ثابتة علـى حالها لا تزول بكلّ حال، كما قالت العرب الذي، ثم زادوا نوناً تدلّ علـى الـجمع، فقالوا الذين فـي رفعهم ونصبهم وخفضهم، كما تركوا هذان فـي رفعه ونصبه وخفضه. قال وكان القـياس أن يقولوا الَّذُون. وقال آخر منهم ذلك من الـجزم الـمرسل، ولو نصب لـخرج إلـى الانبساط. وحُدثت عن أبـي عُبـيدة معمر بن الـمثنى، قال قال أبو عمرو وعيسى بن عمر ويونس، إن هذين لساحران فـي اللفظ، وكتب «هذان» كما يريدون الكتاب، واللفظ صواب. قال وزعم أبو الـخطاب أنه سمع قوماً من بنـي كنانة وغيرهم، يرفعون الاثنـين فـي موضع الـجرّ والنصب. قال وقال بشر بن هلال إن بـمعنى الابتداء والإيجاب. ألا ترى أنها تعمل فـيـما يـلـيها، ولا تعمل فـيـما بعد الذي بعدها، فترفع الـخبر ولا تنصبه، كما نصبت الاسم، فكان مـجاز «إن هذان لساحران»، مـجاز كلامين، مَخْرجه إنه إي نَعَم، ثم قلت هذان ساحران. ألا ترى أنهم يرفعون الـمشترك كقول ضابىء
فَمَنْ يَكُ أمْسَى بـالـمَدِينَةِ رَحْلُهُ فإنّـي وَقَـيَّارٌ بِهَا لَغَرِيبُ

وقوله
إنَّ السُّيُوفَ غُدُوَّها وَرَواحَها تَرَكْتْ هَوَازِنَ مِثْلَ قَرْنِ الأعْضَبِ

قال ويقول بعضهم إن الله وملائكتُهُ يصلون علـى النبـيّ، فـيرفعون علـى شركة الابتداء، ولا يعملون فـيه إنَّ. قال وقد سمعت الفصحاء من الـمُـحْرِمين يقولون إن الـحمدَ والنعمةُ لك والـملكُ، لا شريك لك. قال وقرأها قوم علـى تـخفـيف نون إن وإسكانها. قال ويجوز لأنهم قد أدخـلوا اللام فـي الابتداء وهي فصل، قال
أُمُّ الـحُلَـيْسِ لعَجُوزٌ شَهْرَبَهْ

قال وزعم قوم أنه لا يجوز، لأنه إذا خفف نوّن «إن» فلا بدّ له من أن يدخـل «إلا» فـيقول إن هذا إلا ساحران. قال أبو جعفر والصواب من القراءة فـي ذلك عندنا { إنّ } بتشديد نونها، وهذان بـالألف لإجماع الـحجة من القرّاء علـيه، وأنه كذلك هو فـي خطّ الـمصحف. ووجهه إذا قرىء كذلك مشابهته الذين إذ زادوا علـى الذي النون، وأقرّ فـي جميع الأحوال الإعراب علـى حالة واحدة، فكذلك { إنَّ هَذَانِ } زيدت علـى هذا نون وأقرّ فـي جميع أحوال الإعراب علـى حال واحدة، وهي لغة بلـحرث بن كعب، وخثعم، وزبـيد، ومن ولـيهم من قبـائل الـيـمن.( جامع البيان)

قال أبو إسحاق أحمد بن محمد بن إبراهيم الثعلبي(ت:427):
{ قَالُوۤاْ إِنْ هَـٰذَانِ لَسَاحِرَانِ } قرأ عبد الله: واسرّوا النجوى إن هذان ساحران بفتح الألف وجزم نونه ساحران بغير لام، وقرأ ابن كثير وحفص إن بكسر الالف وجزم النون هذان بالألف على معنى ما هذان إلاّ ساحران، نظيره: قوله وَإِنْ نَظُنُّكَ لَمِنَ الْكاذِبِينَ قال الشاعر:
ثكلتك أمّك إن قتلت لمسلما ... حلّت عليك عقوبة الرّحمن
يعني ما قتلت إلّا مسلما، يدل على صحة هذه القراءة قراءة أبي بن كعب: إن ذان إلّا ساحران ، وقرأ عيسى بن عمر الثقفي وأبو عمر بن علاء : إن هذين لساحران بالياء على الأصل، قال أبو عمرو: واني لأستحي من الله أن أقرأ إنّ هذان، وقرأ الباقون: إنّ بالتشديد هذان بالألف واختلفوا فيه، فقال قوم بما أخبرنا أبو بكر بن عبدوس وعبد الله بن حامد قالا:
حدّثنا أبو العباس الأصم قال: حدّثنا محمد بن الجهم السمري قال: حدّثنا الفرّاء قال: حدّثني أبو معاوية عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أنها سئلت عن قوله سبحانه في النساء لكِنِ الرَّاسِخُونَ وَالْمُقِيمِينَ وعن قوله في المائدة إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا وَالصَّابِئُونَ وعن قوله إِنْ هذانِ لَساحِرانِ فقالت: يا بن أخي هذا خطأ من الكاتب.
وقال عثمان بن عفان: إنّ في المصحف لحنا وستقيمه العرب بألسنتهم.
وقال أبان: قرئت هذه الآية عند عثمان فقال: لحن وخطأ، فقيل له: ألم تغيّره فقال:
دعوه فإنّه لا يحلّ حراما ولا يحرّم حلالا، وقال آخرون: هذه لغة الحارث بن كعب وخثعم وزبيد وكنانة يجعلون الأسين في رفعهما ونصبهما وخفضهما بالألف.
قال الفرّاء: أنشدني رجل من بني الأسد وما رأيت افصح منه.
وأطرق إطراق الشجاع ولو ترى ... مساغا لناباه الشجاع لصمما ويقولون: كسرت يداه، وركبت علاه، بمعنى يديه وعليه. وقال الشاعر:
تزوّد منّا بين أذناه ضربة ... دعته إلى هابي التراب عقيم
أراد بين أذنيه. وقال آخر:
أي قلوص راكب نراها ... طاروا علاهنّ فطر علاها
أي عليهن وعليها. وقال آخر:
إنّ أباها وأبا أباها ... قد بلغا في المجد غايتاها
وروي أنّ أعرابيا سأل ابن الزبير شيئا فحرّمه فقال: لعن الله ناقة حملتني إليك، فقال ابن الزبير: إن وصاحبها، يعني نعم. وقال الشاعر:
بكرت عليّ عواذلي يلحينني وألومهنّه ... ويقلن شيب قد علاك وقد كبرت فقلت إنّه
أي نعم، وقال الفرّاء: وفيه وجه آخر: وهو أن يقول: وجدت الألف دعامة من هذا على حالها لا تزول في كل حال، كما قالت العرب: الذي ثمّ زادوا نونا يدلّ على الجمع فقالوا:
الذين في رفعهم ونصبهم وخفضهم وكناية تقول: اللّذون.
[الكشف والبيان للثعلبي ج 6 / 250].

قال مكي بن أبي طالب القيسي(ت:437هـ):
في حرف ابن مسعود " إن هذان/ إلا ساحران ": أي: ما هذان يخفف " إن " يجعلها بمعنى ما.
ومن شدد " إن " ورفع " هذان "، فقد خرج العلماء فيها سبعة أقوال: فالأول: أن يكون بمعنى نعم. حكى سيبويه أن " إن " تأتي بمعنى أجل. واختبار هذا القول المبرد وإسماعيل القاضيوالزجاج وعلي بن سليمان.
واستبعد الزجاج قراءة أبي عمرو " إن هذين " لمخالفتها للمصحف.
وقال علي بن أبي طالب: لا أحصي كم سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم على منبره يقول: إن الحمدُ لله نحمده ونستعينه، يعني يرفع الحمد يجعل " إن " بمعنى " أجل ". ومعنى: أجل: نعم. ثم يقول: أنا أفصح قريش كلها، وأفصحها بعدي سعيد بن إبان بن العاصي.
وكذكل كانت خطباء الجاهلية تفتتح خطبها بـ " نعم "، وكذلك وقعت في أشعارها. قال الشاعر:
قالت غدرت، فقلت: إن وربما ... نال العُلي وشقى الخليل الغادر
وقال بان قيس الرقيات:
بكرت على عواذ لي ... يلحينني وألومهنه
ويقلن شيب قد علاك ... وقد كبرت فقلت أنه
وأنشد ثعلب:
ليس شعري هل للمحب شفاء ... من جوى حبهن إن اللقاء.
أي: نعم.
فهذا قول حسن لولا دخول اللام في الخبر.
وقد قيل: إن اللام يراد بها التقديم، وهو أيضاً بيعد، إنما يجوز التقديم في اللام
وهي مؤخرة في الشعر.
لكن الزجاج قال: التقدير: نعم هذان لهما ساحران. فتكون اللام داخلة على الابتداء في المعنى، كما قال: أم الحليس لعجوز شهربة.
وقيل: إن اللام يراد بها التقديم.
وقيل: هي في موضعها، و " لعجوز " مبتدأ، وشهرية الخبر، والجملة خبر عن اللام.
والقول الثاني: ما حكاه أبو زيد والكسائي والأخفش والفراء أنها لغة لبني الحارث بن كعب، يقولون: رأيت الزيدان ومررت بالزيدان، وأنشدوا.
- فأطرق إطراق الشجاع ولو يرى ... مساغاً باه الشجاع لصماً
وأنشدوا أيضاً:
- تزود منا بين أذناه طعنة على ... رأسه تلقى العظام من الفم.
وحكى أبو الخطاب أنها لغة لبني كنانة.
وحكى غيره أنها لغة خثعم. وهذا القول قول، حسن، لا نطعن فيه لثقة الناقلين لهذه اللغة، وتواتر نقلهم واتفاقهم على ذلك، وقد نقلها أبو زيد، وكان سيبويه إذا قال حدثني من أثق به، فإياه يعني.
ورواه الأخفش، وهو ممن روى عنه سيبويه، وقول سيبويه في ألف التثنية أنها حرف الأعراب، يدل على أن حكمه لا تتغير عن لفظها، كما لا تتغير الدال من زيد، فجاءت في هذه الآية على الأصل، كما جاء " استحوذ " على الأصل.
والقول الثالث: قاله الفراء. قال: الألف في " هذان " دعامة، ليست بلام الفعل، فزدت عليها نوناً ولم أغيرها، كما قلت " الذي " ثم زدت عليه نوناً، ولم أغيرها، فقلت " الذين " في الرفع والنصب والجر.
والقول الرابع: يحكى عن بعض الكوفيين أن الألف في هذان مشبهة بألف يفعلان، فلم تغير كما لا يغير ألف يفعلان.
والقول الخامس: حكاه الزجاج. قال: القدماء يقولون: الهاء مضمرة ها هنا، والمعنى: أنه هذان لساحران، ويعترض هذا القول دخول اللام في الخبر.
والقول السادس: قاله ابن كيسان، قال: سألني إسماعيل ابن إسحاق عنها، فقلت: القول عندي، أنه لما كان يقال هذا في موضع الرفع والنصب والجر، وكانت التثنية يجب ألا تغير، أجريت التثنية مجرى الواحد. فقال إسماعيل: ما أحسن هذا، لو تقدمك أحد بالقول به، حتى تؤنس به. فقلت: فيقول القاضي به حتى يؤنس به، فتبسم.
والقول السابع: حكاه أبو عمرو وغيره، أنه من غلط الكاتب. روي أن عثمان وعائشة/ رضي الله عنهما قالا: إن في الكتاب غلطاً ستقيمه العرب بألسنتها.
وعنهما: إن في الكتاب لحناً ستقيمه العرب بألسنتها. وهذا القول قد طعن فيه، لأن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قد أجمعوا على صحة ما بين اللوحين، فلا يمكن أن يجتمعوا على غلط.
فأما من خفف " إن " فإنه رفع ما بعدها، لنقصها عن وزن الفعل ويجوز أن يكون أعملها مخففة على الثقيلة، كما يعمل الفعل محذوفاً عمله وهو غير محذوف، وإلا أنه أتى بـ " هذان "، على الوجوه التي ذكرنا، فأتى بالألف في النصب.
فأما من شدد نون " هذان "، فإنه جعل التشديد عوضاً مما حذف من هذا في التثنية.
وعن الكسائي والفراء في: " إن هذان " قولان تركنا ذكرهما لبعد تأويلهما في ذلك.
[الهداية في بلوغ النهاية ج 7 / 4657-4663]
__________
v قال أبو الحسن المواردي (ت: 450):
قوله تعالى: { قَالُواْ إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ } هذه قراءة أبي عمرو وهي موافقة للإِعراب مخالفة للمصحف. وقرأ الأكثرون: إن هذان الساحران، فوافقوا المصحف فيها، ثم اختلفوا في تشديد إنّ فخففها ابن كثير وحفص فسلما بتخفيف إن من مخالفة المصحف ومن فساد الإِعراب، ويكون معناها: ما هذان إلا ساحران. وقرأ أُبَيّ: إن ذان إلا ساحران، وقرأ باقي القراء بالتشديد: إنَّ هذان لساحران. فوافقوا المصحف وخالفوا ظاهر الإِعراب. واختلف من قرأ بذلك في إعرابه على أربعة أقاويل:

أحدها: أن هذا على لغة بلحارث بن كعب وكنانة بن زيد يجعلون رفع الإِثنين ونصبه وخفضه بالألف، وينشدون:
فأطرق إطراق الشجاع ولو رأى
مساغاً لِناباهُ الشجاع لصمّما
والوجه الثاني: لا يجوز أن يحمل القرآن على ما اعتل من اللغات ويعدل به عن أفصحها وأصحها، ولكن في " إن " هاء مضمرة تقديرها إنّه هذان لساحران، وهو قول متقدمي النحويين.

الثالث: أنه بَنَى " هذان " على بناء لا يتغير في الإِعراب كما بَنَى الذين على هذه الصيغة في النصب والرفع.

الرابع: أن " إن " المشددة في هذا الموضع بمعنى نعم، كما قال رجل لابن الزبير: لعن الله ناقة حملتني إليك، فقال ابن الزبير: إنّ وصاحبها. وقال عبد الله بن قيس الرقيات:
بكى العواذل في الصبا
ح يلمنني وألومُهُنّة
ويقلن شيب قد علا
ك وقد كبرت فقلت إنْه
(تفسير النكت والعيون)

v قال أبومحمد الحسين بن مسعود البغوي (ت: 516هـ):
{ إِنْ هَـٰذَٰنِ لَسَاحِرَٰنِ } ، يعني موسى وهارون.

وقرأ ابن كثير وحفص: { إنْ } بتخفيف النون، { هذان } أي ما هذان إلا ساحران، كقوله:
{
وَإِن نَّظُنُّكَ لَمِنَ ٱلْكَـٰذِبِينَ }
[الشعراء: 186]، أي ما نظنك إلاَّ من الكاذبين، ويُشَدِّد ابن كثير النون من { هذانّ }.
وقرأ أبو عمرو { إنَّ } بتشديد النون { هذين } بالياء على الأصل.
وقرأ الآخرون: { إنَّ } بتشديد النون، { هذان } بالألف، واختلفوا فيه:
فروىٰ هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة: أنه خطأ من الكاتب.
وقال قوم: هو لغة الحارث بن كعب، وخثعم، وكنانة، فإنهم يجعلون الاثنين في موضع الرفع والنصب والخفض بالألف، يقولون: أتاني الزيدان ورأيت الزيدان ومررت بالزيدان، فلا يتركون ألف التثنية في شيء منها، وكذلك يجعلون كل ياء ساكنة انفتح ما قبلها ألفاً، كما في التثنية، يقولون: كسرت يداه وركبت علاه، يعني يديه وعليه. وقال شاعرهم:
تزود مني بين أذناه ضربة
دعته إلى هابي التراب عقيم
يريد بين أذنيه.
وقال آخر:
إِنَّ أَبَاهَا وأَبَا أَبَاهَا
قَدْ بَلَغَا فِي المَجْدِ غَايَتَاهَا
وقيل: تقدير الآية: إنه هذان، فحذف الهاء.
وذهب جماعة إلى أن حرف " أن " هاهنا بمعنى نعم، أي نعم هذان. روي أن أعرابياً سأل ابن الزبير شيئاً فحرمه، فقال: لعن الله ناقة حملتني إليك، فقال ابن الزبير: إِنَّ وصاحبها، أي: نعم.
وقال الشاعر:
بَكَرَتْ عليَّ عَواذِلي
يَلْحِيْنَنِي وَأَلُومُهُنَّهّ
وَيَقُلْنَ شَيْبٌ قد عَلاَ
ك وقد كَبُرْتَ فقلتُ إِنَّهْ
أي: نعم.( معالم التنزيل)
v قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) :
وقوله تعالى: { إن هذان لساحران } الآية، قرأ نافع وابن عامر وحمزة والكسائي " إنّ " مشددة النون " هذان " بألف ونون مخففة للتثنية. وقرأ أبو عمرو وحده " إن هذين لساحران " وقرأ ابن كثير " إن هذان " بتخفيف نون " إنْ " وتشديد نون " هذان لسحران " وقرأ حفص عن عاصم " إن " بالتخفيف " هذان " خفيفة أيضاً " لساحران " وقرأت فرقة " إن هذان إلا ساحران " ، وقرأت فرقة " إن ذان لساحران " ، وقرأت فرقة " ما هذان إلا ساحران " ، وقرأت فرقة " إن هذان " بتشديد النون من " هذان ". فأما القراءة الأولى فقالت فرقة قوله " إن " بمعنى نعم كما روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال في خطبته: " إن الحمدُ لله " فرفع الحمد وقال ابن الزبير إن وراكبها حين قال له الرجل فأبعد الله ناقة حملتني إليك ويلحق هذا التأويل أن اللام لا تدخل في خبر الإبتداء وهو مما يجوز في الشعر ومنه قول الشاعر: [الرجز]
أم الحليس لعجوز شهربه
ترضى من اللحم بعظم الرقبة
وذهبت فرقة إلى أن هذه الآية على لغة بلحارث وهو إبقاء ألف التثنية في حال النصب والخفض فمن ذلك قول الشاعر [هوبر الحارثي]: [الطويل]
تزود منها بين أذناه ضربة
دعته إلى هابي التراب عقيم
وقال الآخر: [الطويل]
فأطرق إطراق الشجاع ولو رأى
مساغاً لنا باه الشجاع لصمما
وتعزى هذه اللغة لكنانة وتعزى لخثعم وقال الفراء الألف في " هذان " دعامة وليست بمجلوبة للتثنية وإنما هي ألف هذا تركبت في حال التثنية كما تقول الذي ثم تزيد في الجمع نوناً وتترك الياء في حال الرفع والنصب والخفض وقال الزجاج في الكلام ضمير تقديره إنه هذان لساحران.
قال القاضي أبو محمد: وفي هذا التأويل دخول اللام في الخبر وقال بعض النحاة ألف " هذان " مشبهة هنا بألف تفعلان وقال ابن كيسان لما كان هذا بحال واحدة في رفعه ونصبه وخفضه تركت تثنيته هنا كذلك، وقال جماعة، منهم عائشة رضي الله عنها وأبو بكر، هذا مما لحن الكاتب فيه وأقيم بالصواب وهو تخفيف النون من أن ع وهذه الأقوال معترضة إلا ما قيل من أنها لغة، و " إن " بمعنى أجل ونعم أو " إن " في الكلام ضميراً وأما من قرأ " إن " خفيفة فهي عن سيبويه المخففة من الثقيلة ويرتفع بعدها الأسم ويقول الفراء هي بمعنى ما واللام بمعنى إلا ووجه سائر القراءات بينّ.( المحرر الوجيز)

قال أبو الفرج عبد الرحمن بن علي ابن الجوزي(ت:597هـ):
واختلف القراء في قوله تعالى: { إِنْ هذان لساحران } فقرأ أبو عمرو بن العلاء: «إِنَّ هذين» على إِعمال «إِنَّ» وقال: إِني لأستحيي من الله أن أقرأ «إِنْ هذان». وقرأ ابن كثير: «إِنْ» خفيفه «هذانّ» بتشديد النون. وقرأ عاصم في رواية حفص: «إِنْ» خفيفة «هذان» خفيفة أيضاً. وقرأ نافع، وابن عامر، وحمزة، والكسائي: «إِنّ» بالتشديد «هاذان» بألف ونون خفيفة. فأما قراءة أبي عمرو، فاحتجاجه في مخالفة المصحف بما روى عن عثمان وعائشة، أن هذا من غلط الكاتب على ما حكيناه في قوله تعالى:
{
والمقيمين الصلاة }
في سورة [النساء: 162]. وأما قراءة عاصم، فمعناها: ما هذان إِلا ساحران،كقوله تعالى:{وإِنْ نظنُّك لمن الكاذبين }
[الشعراء: 186] أي: ما نظنك إِلا من الكاذبين، وأنشدوا في ذلك:
ثكلتْك أمُّك إِن قتلتَ لَمُسْلِماً
حَلّت عَليه عُقوبة المُتَعمِّدِ
أي: ما قتلت إِلا مسلماً. قال الزجاج: ويشهد لهذه القراءة، ما روي عن أُبيِّ ابن كعبٍ أنه قرأ «ما هذان إِلا ساحران»، وروي عنه: «إِن هذان إِلا ساحران»، ورويت عن الخليل «إِنْ هذان» بالتخفيف، والإِجماع على أنه لم يكن أحدٌ أعلمَ بالنحو من الخليل. فأما قراءة الأكثرين بتشديد «إِنَّ» وإِثبات الألف في قوله: «هاذان» فروى عطاء عن ابن عباس أنه قال: هي لغة بلحارث بن كعب.
وقال ابن الأنباري: هي لغة لبني الحارث بن كعب، وافقتها لغة قريش. قال الزجاج: وحكى أبو عبيدة عن أبي الخطاب، وهو رأس من رؤوس الرواة: أنها لغة لكنانة، يجعلون ألف الاثنين في الرفع والنصب والخفض على لفظ واحد، يقولون: أتاني الزيدان، ورأيت الزيدان، ومررت بالزيدان، وأنشدوا:
فأَطْرَقَ إِطْرَاقَ الشُّجاعِ وَلَوْ رَأىَ
مَسَاغاً لِنَابَاهُ الشُّجَاعُ لَصَمَّمَا
ويقول هؤلاء: ضربته بين أُذناه. وقال النحويون القدماء: هاهنا هاء مضمرة، المعنى: إِنه هذان لساحران. وقالوا أيضاً: إِن معنى «إِنَّ»: نعم «هذان لساحران»، وينشدون:
ويَقْلنَ شَيْبٌ قد عَلاَ
كَ وقد كَبِرتَ فقلتُ إِنَّهْ
قال الزجاج: والذي عندي، وكنتُ عرضتُه على عالمنا محمد بن يزيد، وعلى إِسماعيل بن إِسحاق ابن حماد بن زيد، فقبلاه، وذكرا أنه أجود ما سمعناه في هذا، وهو أن «إِنَّ» قد وقعت موقع «نعم»، والمعنى: نعم هذان لهما الساحران، ويلي هذا في الجودة مذهب بني كنانة. وأستحسن هذه القراءة، لأنها مذهب أكثر القراء، وبها يُقرأ. وأستحسن قراءة عاصم، والخليل، لأنهما إِمامان، ولأنهما وافقا أُبَيَّ بن كعب في المعنى. ولا أجيز قراءة أبي عمرو لخلاف المصحف. وحكى ابن الأنباري عن الفراء قال: «ألف» «هذان» هي ألف «هذا» والنون فرَّقتْ بين الواحد والتثنية، كما فرقت نون «الذين» بين الواحد والجمع.( زاد المسير)
v قال أبو عبد الله محمد بن أحمد بن أبي بكر القرطبي(ت:671هـ):
قوله تعالى: { إِنْ هَـٰذَانِ لَسَاحِرَانِ } قرأ أبو عمرو «إِنَّ هَذَيْنِ لَسَاحِرَانِ». ورويت عن عثمان وعائشة رضي الله عنهما وغيرهما من الصحابة؛ وكذلك قرأ الحسن وسعيد بن جبير وإبراهيم النَّخَعيّ وغيرهم من التابعين؛ ومن القراء عيسى بن عمر وعاصم الجحدري؛ فيما ذكر النحاس. وهذه القراءة موافقة للإعراب مخالفة للمصحف. وقرأ الزهريّ والخليل بن أحمد والمفضل وأبان وابن محيصن وابن كثير وعاصم في رواية حفص عنه «إِنْ هَذَانِ» بتخفيف «إن» «لساحران» وابن كثير يشدّد نون «هذانّ». وهذه القراءة سلمت من مخالفة المصحف ومن فساد الإعراب، ويكون معناها ما هذان إلا ساحران. وقرأ المدنيون والكوفيون «إنَّ هَذَانِ» بتشديد «إنّ» «لساحران» فوافقوا المصحف وخالفوا الإعراب. قال النحاس: فهذه ثلاث قراءات قد رواها الجماعة عن الأئمة، وروي عن عبد الله بن مسعود أنه قرأ «إِنْ هذانِ إِلاّ ساحِرَانِ» وقال الكسائي في قراءة عبد الله: «إِنْ هَذَانِ سَاحِرَانِ» بغير لام؛ وقال الفراء في حرف أبيّ «إِنْ ذَانِ إِلاَّ سَاحِرَانِ» فهذه ثلاث قراءات أخرى تحمل على التفسير لا أنها جائز أن يقرأ بها لمخالفتها المصحف.

قلت: وللعلماء في قراءة أهل المدينة والكوفة ستة أقوال ذكرها ابن الأنباري في آخر كتاب الردّ له، والنحاس في إعرابه، والمهدوي في تفسيره، وغيرهم أدخل كلام بعضهم في بعض. وقد خطأهم قوم حتى قال أبو عمرو: إني لأستحي من الله تعالى أن أقرأ «إِنَّ هَذَانِ»: وروى عروة عن عائشة رضي الله عنها أنها سئلت عن قوله تعالى:
{
لَّـٰكِنِ ٱلرَّاسِخُونَ فِي ٱلْعِلْمِ }
[النساء: 162] ثم قال: «والمقِيمِين» وفي «المائدة»
{
إِنَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَٱلَّذِينَ هَادُواْ والصَّابِئُونَ }
[البقرة: 62] و«إِنَّ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ» فقالت: يا ابن أختيٰ هذا خطأ من الكاتب. وقال عثمان بن عفان رضي الله عنه: في المصحف لحن وستقيمه العرب بألسنتهم. وقال أبان بن عثمان: قرأت هذه الآية عند أبي عثمان بن عفان، فقال: لحن وخطأ؛ فقال له قائل: ألا تغيِّروه؟ فقال: دَعُوه فإنه لا يحرّم حلالاً ولا يحلّل حراماً. القول الأول من الأقوال الستة أَنها لغة بني الحرث بن كعب وزَبيد وخَثْعم وكنانة بن زيد يجعلون رفع الاثنين ونصبه وخفضه بالألف؛ يقولون: جاء الزيدان ورأيت الزيدان ومررت بالزيدان، ومنه قوله تعالى:
{
وَلاَ أَدْرَاكُمْ بِهِ }
[يونس: 16] على ما تقدّم. وأنشد الفراء لرجل من بني أسد ـ قال: وما رأيت أفصح منه:
فأَطرقَ إطراقَ الشُّجاعِ ولو يَرَى
مَساغاً لِنَابَاهُ الشُّجَاعُ لَصَمَّمَا
ويقولون: كسرت يداه وركبت عَلاَه؛ بمعنى يديه وعليه؛ قال شاعرهم:
تَزوَّدَ مِنّا بين أُذْنَاه ضَرْبَةً
دعته إلى هابِي التُّرابِ عَقِيم
وقال آخر:
طَارُوا عَلاَهُنَّ فَطِرْ عَلاَهَا

أي عليهنّ وعليها وقال آخر:
إنّ أَبَاهَا وأَبَا أباهَا
قد بَلَغَا في المجدِ غايتاها
أي إن أبا أبيها وغايتيها. قال أبو جعفر النحاس: وهذا القول من أحسن ما حملت عليه الآية؛ إذ كانت هذه اللغة معروفة، وقد حكاها من يرتضى بعلمه وأمانته؛ منهم أبو زيد الأنصاري، وهو الذي يقول: إذا قال سيبويه حدّثني من أثق به فإنما يعنيني؛ وأبو الخطاب الأخفش وهو رئيس من رؤساء اللغة، والكسائي والفراء كلهم قالوا هذا على لغة بني الحارث بن كعب. وحكى أبو عبيدة عن أبي الخطاب أن هذه لغة بني كنانة. المهدوي: وحكى غيره أنها لغة لخثعم. قال النحاس ومن أبين ما في هذا قول سيبويه: واعلم أنك إذا ثنيت الواحد زدت عليه زائدتين، الأولى منهما حرف مدّ ولين وهو حرف الإعراب؛ قال أبو جعفر فقول سيبويه: وهو حرف الإعراب، يوجب أن الأصل ألا يتغير، فيكون «إِنَّ هَذَانِ» جاء على أصله ليعلم ذلك، وقد قال تعالى:
{
ٱسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ ٱلشَّيْطَانُ }
[المجادلة: 19] ولم يقل استحاذ؛ فجاء هذا ليدل على الأصل، وكذلك { إِنْ هَـٰذَانِ } ولا يفكر في إنكار من أنكر هذه اللغة إذْ كان الأئمة قد رووها. القول الثاني: أن يكون «إنّ» بمعنى نعم؛ كما حكى الكسائي عن عاصم قال: العرب تأتي بـ«ـإنّ» بمعنى نعم، وحكى سيبويه أن «إنّ» تأتي بمعنى أَجَلْ، وإلى هذا القول كان محمد بن يزيد، وإسماعيل بن إسحاق القاضي يذهبان؛ قال النحاس: ورأيت أبا إسحاق الزجاج وعلي بن سليمان يذهبان إليه. الزمخشري: وقد أعجب به أبو إسحاق. النحاس: وحدّثنا عليّ بن سليمان، قال: حدّثنا عبد الله بن أحمد بن عبد السلام النيسابوريّ، ثم لقيت عبد الله بن أحمد (هذا) فحدّثني، قال: حدّثني عمير بن المتوكل، قال: حدّثنا محمد بن موسى النوفلي من ولد حارث بن عبد المطلب، قال: حدّثنا عمرو بن جميع الكوفي عن جعفر بن محمد عن أبيه عن عليّ ـ وهو ابن الحسين ـ عن أبيه عن عليّ بن أبي طالب رضوان الله عليهم أجمعين، قال: لا أحصي كم سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول على منبره: " إنَّ الحمدُ لله نحمده ونستعينه " ثم يقول: " أنا أفصح قريش كلها وأفصحها بعدي أبان بن سعيد بن العاص " قال أبو محمد الخفاف قال عمير: إعرابه عند أهل العربية والنحو «إنَّ الحمد لله» بالنصب إلا أن العرب تجعل «إن» في معنى نعم، كأنه أراد صلى الله عليه وسلم نعم الحمد لله؛ وذلك أن خطباء الجاهلية كانت تفتتح خطبها بنعم. وقال الشاعر في معنى نعم:
قالوا غَدَرْتَ فقلتُ إنّ وربَّمَا
نَالَ العُلاَ وشَفَى الغَليلَ الغادِرُ
وقال عبد الله بن قيس الرُّقيات:
بَكَرَ العواذلُ في الصَّبا
حِ يَلُمْنَني وأَلُومُهُنَّهْ
ويَقلْنَ شيبٌ قد عَلاَ
كَ وقد كَبِرتَ فقلتُ إنَّهْ
فعلى هذا جائز أن يكون قول الله عز وجل: «إِنَّ هَذَانَ لَسَاحِرَانِ» بمعنى نعم ولا تنصب. قال النحاس: أنشدني داود بن الهيثم، قال أنشدني ثعلب:
ليت شعري هل للمحبِّ شفاء
من جَوَى حبّهن إنَّ اللقاءُ
قال النحاس: وهذا قول حسن إلا أن فيه شيئاً لأنه إنما يقال: نعم زيد خارج، ولا تكاد تقع اللام هاهنا، وإن كان النحويون قد تكلموا في ذلك فقالوا: اللام ينوى بها التقديم؛ كما قال:
خالِي لأنتَ ومَنْ جريرٌ خالُه
يَنلِ العَلاَء ويُكْرِم الأَخوالاَ
قال آخر:
أُمُّ الْحُلَيْسِ لَعَجُوزٌ شَهْرَبَهْ
تَرْضَى من الشَّاةِ بِعَظْمِ الرَّقَبَهْ
أي لخالي ولأمّ الحليس؛ وقال الزجاج: والمعنى في الآية إن هذان لهما ساحران ثم حذف المبتدأ. المهدوي: وأنكره أبو عليّ وأبو الفتح بن جنيّ. قال أبو الفتح: «هما» المحذوف لم يحذف إلا بعد أن عُرِف، وإذا كان معروفاً فقد استغنى بمعرفته عن تأكيده باللام، ويقبح أن تحذف المؤكَّد وتترك المؤكِّد. القول الثالث قاله الفراء أيضاً: وجدت الألف دعامة ليست بلام الفعل، فزدت عليها نوناً ولم أغيرها، كما قلت: «الذي» ثم زدت عليه نوناً فقلت: جاءني الذين عندك، ورأيت الذين عندك، ومررت بالذين عندك. القول الرابع قاله بعض الكوفيين؛ قال: الألف في «هذان» مشبهة بالألف في يفعلان؛ فلم تغير. القول الخامس: قال أبو إسحاق: النحويون القدماء يقولون الهاء هاهنا مضمرة، والمعنى: إنه هذان لساحران؛ قال ابن الأنباري: فأضمرت الهاء التي هي منصوب «إن» و«هذان» خبر «إن» و«ساحران» يرفعها «هما» المضمر (والتقدير) إنه هذان لهما ساحران. والأشبه عند أصحاب أهل هذا الجواب أن الهاء اسم «إن» و«هذان» رفع بالابتداء وما بعده خبر الابتداء. القول السادس: قال أبو جعفر النحاس وسألت أبا الحسن بن كيسان عن هذه الآية، فقال: إن شئت أجبتك بجواب النحويين، وإن شئت أجبتك بقولي؛ فقلت: بقولك؛ فقال: سألني إسماعيل بن إسحاق عنها فقلت: القول عندي أنه لما كان يقال «هذا» في موضع الرفع والنصب والخفض على حال واحدة، وكانت التثنية يجب ألا يغير لها الواحد، أجريت التثنية مجرى الواحد؛ فقال: ما أحسن هذا لو تقدمك أحد بالقول به حتى يؤنس به؛ قال ابن كيسان: فقلت له: فيقول القاضي به حتى يؤنس به؛ فتبسم.( الجامع لأحكام القرآن).
v قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ):
{ قَالُوۤاْ إِنْ هَـٰذَٰنِ لَسَاحِرَٰنِ } وهذه لغة لبعض العرب، جاءت هذه القراءة على إعرابها، ومنهم من قرأ { إن هذين لساحران } وهذ اللغة المشهورة، وقد توسع النحاة في الجواب عن القراءة الأولى بما ليس هذا موضعه. ( تفسير القرآن العظيم)
جمع أقوال اللغويين في المسألة:
قال أبو عبد الرحمن الخليل بن أحمد بن عمرو بن تميم الفراهيدي البصري (ت: 170ه).
وأمّا إِنْ هذانِ لَساحِرانِ فَمَنْ خفّف فهو بلغة الذين يخفِّفون ويرفعون، فذلك وَجْهٌ، ومنهم مَنْ يجعل اللاّم في موضع (إلاّ) ، ويجعل (إنْ) جَحْداً، على تفسير: ما هذان إلاّ ساحرانِ، وقال الشّاعر:
أَمْسَى أبانُ ذليلاً بَعْدَ عزّته ... وإن أبانُ لَمِنْ أَعْلاجِ سوراء ويقال: [تكون] (إنّ) في مَوْضع (أَجَلْ) فيكسِرونَ ويثقلون، فإِذا وقفوا في هذا المعنى قالوا: إنّهْ.. تكون الهاء صلةً في الوقوف، وتَسْقط [الهاء] إذا صرفوا ...
وبلغنا عن عبدِ اللَّه بنِ الزُّبَيْر أن أعرابيّاً أتاه فسأله فحرمه، فقال: لعن اللَّه ناقةً حملتني إليك، فقال ابنُ الزُّبير: إنّ وراكِبَها
، أي: أَجَلْ. فأمّا تميم فإِنّهم يَجْعلونَ ألِفَ كلّ أنّ وأَنْ، منصوبة، من المُثَقَّل والمُخَفَّف: عيناً، كقولك: أريد عَنْ أكلمك، و [بلغني عنّك مقيم]
[ العين جزء 3 / 397-398 ]

قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ)
: (وقوله: {إن هذان لساحران...}
قد اختلف فيه القراء فقال بعضهم: هو لحن ولكنا نمضي عليه لئلاّ نخالف الكتاب. ... حدثني أبو معاوية الضرير،عن هاشم بن عروة بن الزبير، عن أبيه، عن عائشة أنها سئلت عن قوله في النساء {لكن الراسخون في العلم منهم .... والمقيمين الصلاة} وعن قوله في المائدة {إن الذين آمنوا والّذين هادوا والصّابئون} وعن قوله: {إنّ هذان لساحران} فقالت: يا بن أخي هذا كان خطأ من الكاتب. وقرأ أبو عمرو {إنّ هذين لساحران} واحتجّ أنه بلغه عن بعض أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم أنه قال: إن في المصحف لحناً وستقيمه العرب.
...
ولست أشتهي على (أن أخالف الكتاب وقرأ بعضهم {إن هذان لساحران}
خفيفة وفي قراءة عبد الله: (وأسروا النجوى أن هذان ساحران) وفي قراءة أبيّ (إن ذان إلاّ ساحران) فقراءتنا بتشديد (إنّ) وبالألف على جهتين.
إحداهما على لغة بني الحارث بن كعب: يجعلون الاثنين في رفعهما ونصبهما وخفضهما بالألف وأنشدني رجل من الأسد عنهم. يريد بني الحارث:

فأطرق إطراق الشجاع ولو يرىمسـاغـاً لـنـابـاه الـشـجـاع لصـمّـمـا

قال: وما رأيت أفصح من هذا الأسديّ وحكى هذا الرجل عنهم: هذا خطّ يدا أخي بعينه. وذلك - وإن كان قليلاً - أقيس؛ لأنّ العرب قالوا: مسلمون فجعلوا الواو تابعة للضمّة (لأن الواو لا تعرب) ثم قالوا: رأيت المسلمين فجعلوا الياء تابعة لكسرة الميم. فلمّا رأوا أن الياء من الاثنين لا يمكنهم كسر ما قبلها، وثبت مفتوحاً: تركوا الألف تتبعه، فقالوا: رجلان في كل حال. وقد اجتمعت العرب على إثبات الألف في كلا الرجلين في الرفع والنصب والخفض وهما اثنان، إلاّ بني كنانة فإنهم يقولون: رأيت كلى الرجلين ومررت بكلى الرجلين. وهي قبيحة قليلة، مضوا على القياس.
والوجه الآخر أن تقول: وجدت الألف (من هذا دعامة وليست بلام فعل، فلمّا ثنيت زدت عليها نوناً ثم تركت الألف) ثابتة على حالها لا تزول على كلّ حال؛ كما قالت العرب (الذي) ثم زادوا نوناً تدلّ على الجماع، فقالوا: الذين في رفعهم ونصبهم وخفضهم كما تركوا (هذان) في رفعه ونصبه وخفضه. وكنانة يقولون (اللّذون)). (معاني القرآن: 2/184،183]


قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): (
{إنّ هذان لساحران}قال أبو عمرو وعيسى ويونس " إنّ هذين لساحران " في اللفظ وكتب " هذان " كما يزيدون وينقصون في الكتاب واللفظ صواب، وزعم أبو الخطاب أنه سمع قوماً من بني كنانة وغيرهم يرفعون الاثنين في موضع الجر والنصب، قال بشر بن هلال " إنّ " بمعنى الابتداء والإيجاب، ألا ترى أنها تعمل فيما يليها ولا تعمل فيما بعد الذي بعدها فترفع الخبر ولا تنصبه كما تنصب الاسم فكان مجازه " {إنّ هذان لساحران}مجاز كلامين، مخرجه: إنه أي نعم، ثم قلت: هذان ساحران، ألا ترى أنهم يرفعون المشرك كقوله:

فمن يك أمسى بالمدينة رحلهفــــإنــــيّ وقــــيّـــــارٌ بــــهـــــا لـــغـــريـــب

وقوله:

إنّ شرخ الشّباب والشّعر الأسودمـــــــــا لـــــــــم يــــعـــــاص كـــــــــان جـــنـــونـــا

وقوله:

إنّ الـســيــوف غــدوّهـــا ورواحـــهـــاتركت هوزان مثل قرن الأعضب

ويقول بعضهم " إنّ الله وملائكته يصلون على النّبي " فيرفعون ملائكته على شركة الابتداء ولا يعملون فيها " إن "، وقال سمعت الفصحاء من المحرمين يقولون: إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك له.
وقرأها قومٌ على تخفيف نون " إن " وإسكانها وهو يجوز لأنهم قد أدخلوا اللام في الابتداء وهي فضل، قال:
أم الحليس لعجوزٌ شهربه وزعم قومٌ أنه لا يجوز لأنه إذا خفف نون " إن " فلا بد له من أن يدخل إلا فيقول: إن هذان إلا ساحران). [مجاز القرآن: 2/23،22]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ):
وقال : إن هذان لساحران [63] خفيفة في معنى ثقيلة، وهي لغة لقوم ؛ يرفعون ويدخلون "اللام" ليفرقوابينها وبين التي تكون في معنى : "ما" . ونقرؤها ثقيلة، وهي لغة لبني الحارث بن كعب . [معاني القرآن]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ):
باب ما ادّعي على القرآن من اللحن
وأما ما تعلقوا به من حديث عائشة رضي الله عنها في غلط الكاتب، وحديث عثمان رضي الله عنه: أرى فيه لحنا- فقد تكلم النحويون في هذه الحروف، واعتلوا لكل حرف منها، واستشهدوا الشعر:
فقالوا: في قوله سبحانه: إِنْ هذانِ لَساحِرانِ [طه: 63] وهي لغة بلحرث بن كعب يقولون: مررت برجلان، وقبضت منه درهمان، وجلست بين يداه، وركبت علاه. وأنشدوا «2» :
تزوّد منّا بين أذناه ضربة ...دعته إلى هابي التّراب عقيم
أي موضع كثير التراب لا ينبت.
وأنشدوا «3» :
أيّ قلوص راكب تراها ...طاروا علاهنّ فطر علاها
على أن القراء قد اختلفوا في قراءة هذا الحرف: فقرأه أبو عمرو بن العلاء «1» ، وعيسى بن عمر «2» : «إنّ هذين لساحران» وذهبا إلى أنه غلط من الكاتب كما قالت عائشة.
وكان عاصم الجحدريّ «3» يكتب هذه الأحرف الثلاثة في مصحفه على مثالها في الإمام، فإذا قرأها، قرأ: «إنّ هذين لساحران» ، وقرأ المقيمون الصلاة [النساء: 162] ، وقرأ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا وَالصَّابِئِينَ [الحج: 17] .
وكان يقرأ أيضا في سورة البقرة: والصابرون فى البأساء والضراء [البقرة: 177] ويكتبها: الصابرين.
وإنما فرق بين القراءة والكتاب لقول عثمان رحمة الله: أرى فيه لحنا وستقيمه العرب بألسنتها فأقامه بلسانه، وترك الرسم على حاله.
وكان الحجاج «4» وكّل عاصما «5» وناجية بن رمح وعليّ بن أصمع بتتبّع المصاحف، وأمرهم أن يقطعوا كل مصحف وجدوه مخالفا لمصحف عثمان، ويعطوا صاحبه ستين درهما. وإلا رسوم الدّار قفرا كأنّها ...كتاب محاه الباهليّ بن أصمعا
وقرأ بعضهم: إِنْ هذانِ لَساحِرانِ [طه: 63] اعتبارا بقراءة أبيّ لأنها في مصحفه:
«
إن ذان إلا ساحران» وفي مصحف عبد الله: (وأسرّوا النّجوى أن هذان ساحران) منصوبة بالألف يجعل إِنْ هذانِ تبيينا للنجوى.(تأويل مشكل القرآن)
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) :
وقوله - عز وجل -: قالوا إن هذان لساحران ؛ يعنون موسى ؛ وهارون ؛ وهذا الحرف من كتاب الله - عز وجل - مشكل على أهل اللغة؛ وقد كثر اختلافهم في تفسيره؛ ونحن نذكر جميع ما قاله النحويون؛ ونخبر بما نظن أنه الصواب؛ والله أعلم.

وقبل شرح إعرابه نخبر بقراءة القراء؛ أما قراءة أهل المدينة ؛ والأكمه؛ في القراءة؛ فبتشديد "إن"؛ والرفع في "هذان"؛ وكذلك قرأ أهل العراق ؛حمزة ؛ وعاصم - في رواية أبي بكر بن عياش -؛ والمدنيون.

وروي عن عاصم : "إن هذان"؛ بتخفيف "إن"؛ ويصدق ما قرأه عاصم في هذه القراءة ما يروى عن أبي ؛ فإنه قرأ: "ما هذان إلا ساحران"؛ وروي أيضا عنه أنه قرأ: "إن هذان إلا ساحران"؛ ورويت عن الخليل أيضا: "إن هذان لساحران"؛ بالتخفيف؛ والإجماع أنه لم يكن أحد بالنحو أعلم منالخليل ؛ وقرأ أبو عمرو ؛ وعيسى بن عمر : "إن هذين لساحران"؛ بتشديد "إن"؛ ونصب "هذين".

[
ص: 362 ] فهذه الرواية فيه؛ فأما احتجاج النحويين؛ فاحتجاج أبي عمرو في مخالفته المصحف في هذا أنه روي أنه من غلط الكاتب؛ وأن في الكتاب غلطا ستقيمه العرب بألسنتها؛ يروى ذلك عن عثمان بن عفان ؛ وعن عائشة - رحمهما الله -؛ وأما الاحتجاج في "إن هذان"؛ بتشديد "إن"؛ ورفع "هذان"؛ فحكى أبو عبيدة عن أبي الخطاب - وهو رأس من رؤساء الرواة -؛ أنها لغة لكنانة ؛ يجعلون ألف الاثنين في الرفع؛ والنصب؛ والخفض؛ على لفظ واحد؛ يقولون: "أتاني الزيدان"؛ و"رأيت الزيدان"؛ ومررت بالزيدان"؛ وهؤلاء ينشدون:
فأطرق إطراق الشجاع ولو رأى مساغا لناباه الشجاع لصمما
وهؤلاء أيضا يقولون: "ضربته بين أذناه"؛ و"من يشتري مني الخفان؟"؛ وكذلك روى أهل الكوفة أنها لغة لبني الحرث بن كعب ؛ قال النحويون القدماء: ههنا هاء مضمرة؛ المعنى: "إنه هذان لساحران"؛ [ ص: 363 ] وقالوا أيضا: إن معنى "إن"؛ معنى "نعم"؛ المعنى: "نعم هذان لساحران"؛ وينشدون:
ويقلن شيب قد علا ك وقد كبرت فقلت إنه
ويحتجون بأن هذه اللام أصلها أن تقع في الابتداء؛ وأن وقوعها في الخبر جائز؛ وينشدون في ذلك:
خالي لأنت ومن جرير خاله ينل العلاء ويكرم الإخوانا
وأنشدوا أيضا:
أم الحليس لعجوز شهربة ترضى من الشاة بعظم الرقبة
قالوا: المعنى: "لأنت خالي"؛ والمعنى: "لأم الحليس عجوز"؛ وقال الفراء في هذا: إنهم زادوا فيها النون في التثنية؛ وتركوا الألف على حالها في الرفع؛ والنصب؛ والجر؛ كما فعلوا في "الذي"؛ فقالوا: "الذين"؛ في الرفع؛ والنصب؛ والجر؛ فهذا جميع ما احتج به النحويون؛ والذي عندي - والله أعلم -؛ وكنت عرضته على عالمينا؛ محمد بن يزيد ؛ وعلى إسماعيل بن إسحاق بن حماد بن زيد القاضي ؛ فقبلاه؛ وذكرا أنه أجود ما سمعاه في هذا؛ وهو: "إن"؛ قد وقعت موقع "نعم"؛ وأن اللام وقعت موقعها؛ وأن المعنى: "هذان لهما ساحران" .
[
ص: 364 ] والذي يلي هذه في الجودة مذهب بني كنانة في ترك ألف التثنية على هيئة واحدة؛ لأن حق الألف أن تدل على الاثنين؛ وكان حقها ألا تتغير؛ كما لم تتغير ألف "رحى"؛ و"عصا"؛ ولكن كان نقلها إلى الياء في النصب؛ والخفض؛ أبين وأفضل للتمييز بين المرفوع؛ والمنصوب؛ والمجرور.
فأما قراءة عيسى بن عمر ؛ وأبي عمرو بن العلاء ؛ فلا أجيزها؛ لأنها خلاف المصحف؛ وكل ما وجدته إلى موافقة المصحف أقرب لم أجز مخالفته؛ لأن اتباعه سنة؛ وما عليه أكثر القراء؛ ولكني أستحسن "إن هذان لساحران"؛ بتخفيف "إن"؛ وفيه إمامان؛ عاصم ؛ والخليل ؛ وموافقة أبي في المعنى؛ وإن خالفه اللفظ.
ويستحسن أيضا "إن هذان"؛ بالتشديد؛ لأنه مذهب أكثر القراء؛ وبه يقرأ؛ وهو قوي في العربية.( معاني القرآن وإعرابه)
أبو جعفر أحمد بن محمد بن إسماعيل النحّاس (ت 338 هـ):
فيه ست قراءات قرأ المدنيون والكوفيون (إن هذان لساحران) وقرأ أبو عمرو (إن هذين لساحران) وهذه القراءة مروية عن الحسن وسعيد بن جبيروإبراهيم النخعي وعيسى بن عمر وعاصم الجحدري، وقرأ الزهري وإسماعيل بن قسطنطين والخليل بن أحمد وعاصم في إحدى الروايتين (إن هذان لساحران) بتخفيف إن فهذه ثلاث قراءات قد رواها الجماعة عن الأئمة ، وروي عن عبد الله بن مسعود (إن هذان إلا ساحران) وقال الكسائي: في قراءة عبد الله (إن هذان ساحران) بغير لام، وقال الفراء في حرف أبي (إن ذان إلا ساحران) فهذه ثلاث قراءات أخرى تحمل على التفسير إلا أنها جائز أن [ ص: 44 ] يقرأ بها لمخالفتها المصحف. قال أبو جعفر: القراءة الأولى للعلماء فيها ستة أقوال: منها أن يكون إن بمعنى نعم، كما حكى الكسائي عن عاصم قال العرب: تأتي بإن بمعنى نعم، وحكى سيبويه: أن "إن" تأتي بمعنى أجل. وإلى هذا القول كان محمد بن يزيد وإسماعيل بن إسحاقيذهبان. قال أبو جعفر: ورأيت أبا إسحاق وأبا الحسن علي بن سليمان يذهبان إليه. وحدثنا علي بن سليمان قال: حدثنا عبد الله بن أحمد بن عبد السلام النيسابوري ثم لقيت عبد الله بن أحمد هذا فحدثني قال: حدثنا عمير بن المتوكل قال: حدثنا محمد بن موسى النوغلي من ولد حارث بن عبد المطلب قال: حدثنا عمرو بن جميع الكوفي عن جعفر بن محمد عن أبيه عن علي وهو علي بن الحسين عن أبيه عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: لا أحصي كم سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم على منبره يقول: "إن الحمد لله نحمده ونستعينه ثم يقول: أنا أفصح قريش كلها وأفصحها بعدي أبان بن سعيد بن العاص". قال أبو محمد: قال عمير: إعرابه عند أهل العربية في النحو إن الحمد لله بالنصب إلا أن العرب تجعل "إن" في معنى نعم كأنه أراد: نعم الحمد لله وذلك أن خطباء الجاهلية كانت تفتتح في خطبتها بنعم، وقال الشاعر في معنى نعم :
قالوا غدرت فقلت إن وربما نال العلى وشفى الغليل الغادر
[
ص: 45 ] وقال ابن قيس الرقيات :
بكر العواذل في الصبوح يلمنني وألومهنه ويقلن شيب قد علاك وقد كبرت فقلت إنه
فعلى هذا جائز أن يكون قول الله عز وجل: "إن هذان لساحران" بمعنى نعم. قال أبو جعفر: أنشدني داود بن الهيثم قال: أنشدني ثعلب :
ليت شعري هل للمحب شفاء من جوى حبهن إن اللقاء
أي نعم، فهذا قول. وقال أبو زيد والكسائي والأخفش والفراء: هذا على لغة بني الحارث بن كعب. قال الفراء: يقولون: رأيت الزيدان، ومررت بالزيدان وأنشد :
فأطرق إطراق الشجاع ولو يرى مساغا لناباه الشجاع لصمما
وحكى أبو الخطاب أن هذه لغة بني كنانة، وللفراء قول آخر قال: وجدت الألف دعامة ليست بلام الفعل فزدت عليها نونا ولم أغيرها، كما قلت: الذي ثم زدت عليها نونا فقلت: جاءني الذين عندك، ورأيت الذين عندك. قال أبو [ ص: 46 ] جعفر: وقيل: شبهت الألف في قولك: هذان بالألف في يفعلان، فلم تغير. قال أبو إسحاق: النحويون القدماء يقولون: الهاء ههنا مضمرة والمعنى: إنه هذان لساحران. فهذه خمسة أقوال، قال أبو جعفر: وسألت أبا الحسن بن كيسان عن هذه الآية فقال: إن شئت أجبتك بجواب النحويين، وإن شئت أجبتك بقولي فقلت: بقولك فقال: سألني إسماعيل بن إسحاق عنها فقلت: القول عندي أنه لما كان يقال: هذا في موضع الرفع والنصب والخفض على حال واحدة، وكانت التثنية يجب أن لا يغير لها الواحد أجريت التثنية مجرى الواحد، فقال: ما أحسن هذا لو تقدمك بالقول به حتى يؤنس به فقلت: فيقول القاضي به حتى يؤنس به فتبسم. قال أبو جعفر: القول الأول أحسن إلا أن فيه شيئا لأنه إنما قال: إنما يقال: نعم زيد خارج، ولا يكاد يقع اللام ههنا، وإن كان النحويون قد تكلموا في ذلك فقالوا: اللام ينوى بها التقديم. وقال أبو إسحاق: المعنى إن هذان لهما ساحران ثم حذف المبتدأ كما قال : أم الحليس لعجوز شهربه
والقول الثاني من أحسن ما حملت عليه الآية إذ كانت هذه اللغة معروفة، وقد حكاها من يرتضى علمه وصدقه وأمانته، منهم أبو زيد الأنصاري وهو الذي يقول: إذا قال سيبويه: حدثني من أثق به فإنما يعنيني. وأبو الخطاب الأخفش، وهو رئيس من رؤساء أهل اللغة. روى عنه سيبويه وغيره. ومن بين ما في هذا قول سيبويه: واعلم أنك إذا ثنيت الواحد زدت عليه زائدتين الأولى منهما حرف مد [ ص: 47 ] ولين، وهو حرف الإعراب. قال أبو جعفر: فقول سيبويه: وهو حرف الإعراب يوجب أن الأصل أن لا يتغير إن هذان، جاء على أصله ليعلم ذلك وقد قال الله جل وعز: { استحوذ عليهم الشيطان } ولم يقل: استحاذ فجاء على هذا ليدل على الأصل إذ كان الأئمة قد رووها وتبين أنها الأصل. وهذا بين جدا ويذهبا بطريقتكم المثلى تأنيث أمثل، كما يقال: الأفضل والفضلى، وأنثت الطريقة على اللفظ وإن كان يراد بها الرجال ويجوز أن يكون التأنيث على معنى الجماعة. ( إعراب القرآن)
قال محمد بن أحمد بن الأزهري الهروي أبو منصور (ت:370ه):
وَأما قَول الله تَعَالَى: (إِن هَذَانِ لساحران) (طه: 63) فَإِن أَبَا إِسْحَاق النَّحوي اسْتَقصى مَا قَالَ فِيهِ النَّحويون، فحكيتُ كلامَه.
قَالَ: وَقَرَأَ المدنيون والكوفّيون، إلاّ عَاصِمًا: (إنّ هَذَانِ لساحران) . ورَوى عَن عَاصِم أَنه قَرَأَ (إنْ هَذَانِ) بتَخْفِيف (إنْ) .
ورُوي عَن الْخَلِيل (إنْ هَذَا لساحران) .
قَالَ: وَقَرَأَ أَبُو عَمْرو: (إنّ هذَيْن لساحران) ، بتَشديد (أنّ) وَنصب (هذَيْن) قَالَ أبوإسحاق: والحجّة فِي (إنّ هَذَانِ لساحران) بِالتَّشْدِيدِ وَالرَّفْع، أَن أَبَا عُبيدة روى عَن أبي الخطّاب أَنه لُغة لِكنانة، يجْعَلُونَ ألف الِاثْنَيْنِ فِي الرّفْع وَالنّصب والخفض على لفظ وَاحِد، يَقُولُونَ: رَأَيْت الزيدان.
وروى أَهل الْكُوفَة وَالْكسَائِيّ والفَراء أَنَّهَا لُغة لبني الْحَارِث بن كَعْب.
قَالَ: وَقَالَ النحويّون القُدماء: هَاهُنَا هَاء مُضمرة، الْمَعْنى: إنّه هَذَانِ لساحران.
قَالَ: وَقَالَ بَعضهم: (إِن) فِي معنى (نعم) ، الْمَعْنى: نعم هَذَانِ لساحران؛ وَأنْشد:
ويَقُلْن شَيْبٌ قد عَلاكَ وَقد كَبِرْت فَقلت إنَهْ
وَقَالَ الْفراء فِي هَذَا: إِنَّهُم زادوا فِيهَا النُّون فِي التَّثْنِيَة، وتركوها على حَالهَا فِي الرّفْع وَالنّصب والجر، كَمَا فعلوا فِي (الَّذين) فَقَالُوا: الَّذين، فِي الرَّفع والنَّصب والجر.
فَهَذَا جَمِيع مَا قَالَ النحويّون فِي الْآيَة.
قَالَ أَبُو إِسْحَاق: وأجودها عِنْدِي أَن، (أَن) وَقعت موقع (نعم) ، وَأَن اللَّام وَقعت موقعها، وَأَن الْمَعْنى: نعم هَذَانِ لَهما ساحران.
وَالَّذِي يَلِي هَذَا فِي الْجَوْدَة مَذْهب بني كنَانَة وبَلْحارث بن كَعْب.
فأمّا قِرَاءَة أبي عَمْرو فَلَا أُجيزها، لِأَنَّهَا خلاف المُصْحف.
قَالَ: وأَستحسن قِرَاءَة عَاصِم والخليل: (إنْ هَذَانِ لساحران) .
وَقَالَ غَيره: العربُ تجْعَل الْكَلَام مُخْتَصرا مَا بَعْدَه على (إنّه) ، وَالْمرَاد: إِنَّه لكذلك، وإنّه على مَا تَقول.
فَأَما (إِن) الْخَفِيفَة، فَإِن المنذريّ رَوى عَن ابْن اليَزيدي، عَن أبي زيد، أَنه قَالَ: (إِن) تقع فِي مَوضِع من الْقُرْآن مَوْضِعَ (مَا) ، ضَرْبُ قَوْله تَعَالَى: {وَإِن مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلاَّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ} (النِّسَاء: 159) ، مَعْنَاهُ: مَا من أهل الْكتاب.
وَمثله: {لاَّتَّخَذْنَاهُ مِن لَّدُنَّآ إِن كُنَّا فَاعِلِينَ} (الْأَنْبِيَاء: 17) أَي: مَا كنّا فاعلين. [تهذيب اللغة ج 15/406، 407 ]
قال أبو محمد مكي بن أبي طالب(ت: 437هـ):
قَوْله {إِن هَذَانِ لساحران} من رفع هَذَانِ حمله على لُغَة لبني الْحَارِث بن كَعْب يأْتونَ بالمثنى بِالْألف على كل حَال قَالَ بَعضهم
...تزَود منا بَين أذنَاهُ طعنة ...دَعَتْهُ هابي التُّرَاب عقيم ...
وَقيل إِن بِمَعْنى نعم وَفِيه بعد لدُخُول اللَّام فِي الْخَبَر وَذَلِكَ لَا يكون الا فِي شعر كَقَوْلِه ...أم الْحُلَيْس لعجوز شهر بِهِ ...ترْضى من اللَّحْم بِعظم الرقبه ...
وَكَانَ وَجه الْكَلَام لأم الْحُلَيْس عَجُوز وَكَذَلِكَ كَانَ وَجه الْكَلَام فِي الْآيَة ان حملت ان على معنى نعم إِن لهذان ساحران كَمَا تَقول نعم لهذان ساحران وَنعم لمُحَمد رَسُول الله وَفِي تَأَخّر اللَّام مَعَ لفظ ان بعض الْقُوَّة على نعم وَقيل إِن الْمُبْهم لما لم يظْهر فِيهِ اعراب فِي الْوَاحِد وَلَا فِي الْجمع جرت التَّثْنِيَة على ذَلِك فَأتي بِالْألف على كل حَال وَقيل الْهَاء مضمرة مَعَ ان وَتَقْدِيره انه هَذَانِ لساحران كَمَا تَقول إِنَّه زيد منطلق وَهُوَ قَول حسن لَوْلَا أَن دُخُول اللَّام فِي الْخَبَر يبعده فَأَما من خفف إِن فَهِيَ قِرَاءَة حَسَنَة لِأَنَّهُ أصلح الاعراب وَلم يُخَالف الْخط لَكِن دُخُول اللَّام فِي الْخَبَر يَعْتَرِضهُ على مَذْهَب سِيبَوَيْهٍ لِأَنَّهُ يقدر أَنَّهَا المخففة من الثَّقِيلَة ارْتَفع مَا بعْدهَا بِالِابْتِدَاءِ وَالْخَبَر لنَقص بنائها فَرجع مَا بعْدهَا الى أَصله وَاللَّام لَا تدخل فِي خبر ابْتِدَاء أَتَى على أصلة إِلَّا فِي شعر على مَا ذكرنَا وَأما على مَذْهَب الْكُوفِيّين فَهُوَ من أحسن شَيْء لأَنهم يقدرُونَ إِن الْخَفِيفَة بِمَعْنى مَا وَاللَّام بِمَعْنى إِلَّا فتقدير الْكَلَام مَا هَذَانِ إِلَّا ساحران فَلَا خلل فِي هَذَا التَّقْدِير إِلَّا مَا ادعوهُ أَن اللَّام تَأتي بِمَعْنى إِلَّا. مشكل إعراب القرآن.( مشكل إعراب القرآن)
قال أبو الحسن علي بن إسماعيل بن سيده المرسي (ت: 458ه):
وإِنَّ حرف تأكيد وقوله عز وجل {إن هذان لساحران} طه 63 أخبر أبو علي أن أبا إسحاق ذهب فيه إلى أن إنَّ هنا بمعنى نعم وهذان مرفوع بالابتداء وأن اللام في لساحران داخلة على غير ضرورة وأن تقديره نعم هذان لهما ساحران وحكى عن أبي إسحاق أنه قال هذا الذي عندي فيه والله أعلم وقد بين أبو عليٍّ فساد ذلك فغنِينا نحن عن إيضاحه هنا .[المحكم والمحيط الأعظم ج 10/474،475]

محمود بن عمر الخوارزمي الزمخشري (ت:467هـ):
ثم قالوا إن هذان لساحران. فكانت نجواهم في تلفيق هذا الكلام وتزويره، خوفاً من غلبتهما، وتثبيطاً للناس عن اتباعهما. قرأ أبو عمرو «إن هذين لساحران» على الجهة الظاهرة المكشوفة. وابن كثير وحفص «إنْ هذان لساحران» على قولك إنْ زيد لمنطلق. واللام هي الفارقة بين إن النافية والمخففة من الثقيلة. وقرأ أبيّ «إن ذان إلا ساحران» وقرأ ابن مسعود «أن هذان ساحران» بفتح أن وبغير لام، بدل من النجوى. وقيل في القراءة المشهورة { إِنْ هَـٰذٰنِ لَسَاحِرٰنِ } هي لغة بلحرث بن كعب، جعلوا الاسم المثنى نحو الأسماء التي آخرها ألف، كعصا وسعدى، فلم يقلبوها ياء في الجر والنصب. وقال بعضهم { إِنْ } بمعنى نعم. و { لَسَٰ حِرَٰ نِ } خبر مبتدأ محذوف، واللام داخلة على الجملة تقديره لهما ساحران.
وقال الزمخشري: والظاهر أنهم تشاوروا في السر وتجاذبوا أهداب القول، ثم { قالوا إن هذان لساحران } فكانت نجواهم في تلفيق هذا الكلام وتزويره خوفاً من غلبتهما وتثبيطاً للناس من اتباعهما انتهى. وحكى ابن عطية قريباً من هذا القول عن فرقة قالوا: إنما كان تناجيهم بالآية التي بعد هذا { إن هذان لساحران } والأظهر أن تلك قيلت علانية، ولو كان تناجيهم ذلك لم يكن ثم تنازع. وقرأ أبو جعفر والحسن وشيبة والأعمش وطلحة وحميد وأيوب وخلف في اختياره وأبو عبيد وأبو حاتم وابن عيسى الأصبهاني وابن جرير وابن جبير الأنطاكي والأخوان والصاحبان من السبعة إنّ بتشديد النون { هذان } بألف ونون خفيفة { لساحران } واختلف في تخريج هذه القراءة. فقال القدماء من النحاة إنه على حذف ضمير الشأن والتقدير إنه هذان لساحران، وخبر { إن } الجملة من قوله { هذان لساحران } واللام في { لساحران } داخلة على خبر المبتدأ، وضعف هذا القول بأن حذف هذا الضمير لا يجيء إلا في الشعر وبأن دخول اللام في الخبر شاذ.( تفسير الكشاف)


قال أبو القاسم إسماعيل الأصبهاني المتوفى سنة 535 ه :
وقرأ ابن كثير (إِنْ هَذَانِّ لَسَاحِرَانِ) بتشديد النون من (هذان) وتخفيف (إن)، وقرأ عاصم من طريقة حفص (إنْ هذان) بتخفيف النون وتخفيف (إن)، وقرأ أبو عمرو بتشديد (إنَّ) ونصب (هذين)، وقرأ الباقون (إنَّ هذانِ) بتشديد (إنَّ) ورفع (هذان).
فوجه قراءة ابن كثير: أنّه جعل (إنْ) مخففة من الثقيلة، وأضمر فيها اسمها. ورفع ما بعدها على الابتداء والخبر، وجعل الجملة خبر (إن)، هذا قول البصريين، وفيه نظر، لأنّ (اللام) لا تدخل على خبر المبتدأ إلا فى ضرورة شعر، نحو قوله:
أُمُّ الحُلَيْسِ لَعَجُوزٌ شَهْرَبَهْ ... تَرْضى مِنَ الشاةِ بِعَظْمِ الرَّقَبَهْ
وقال الكوفيون: " إنْ " بمعنى " ما " و " اللام " بمعنى " إلا "، والتقدير: ما هذان إلا ساحران، وهذا قول جيد. إلا أنّ البصريين ينكرون مجيء " اللام " بمعنى " إلا ".
والقول على قراءة عاصم من طريق حفص كالقول على قراءة ابن كثير.
فأما تشديد النون في قراءة ابن كثير ففيها وجهان:
أحدهما: أن يكون تشديدها عوضاً من ألف (هذا) التي سقطت من أجل حرف التثنية.
والثاني: أن يكون للفرق بين النون التي تدخل على المبهم والتي تدخل على المتمكن، وذلك أنَّ هذه النون إنما هي وجدت مشددة مع المبهم.
وقد قيل: إنما شددت للفرق بين النون التي لا تسقط في الإضافة، والنون التي تسقط في الإضافة.
وأما قراءة أبي عمرو: فوجهها بيِّن؛ لأنّ (إنَّ) تنصب الاسم وترفع الخبر، إلا أنها مخالفة للمصحف، وقد قرأ بذلك عيسى بن عمر، واحتجا بأنه غلط من الكاتب، وقد رُوي مثل ذلك عن عائشة رضي الله عنها، رواه أبو معاوية عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة، وكان عاصم الجحدري يقرأ كذلك، فإذا كتب كتب (إن هذان)، واحتجوا له بقول عثمان رضي الله عنه:
(أرى في المصحف لحنا ستقيمه العرب بألسنتها)، وهذان الخبران لا يصححهما أهل النظر، ولعل أبا عمرو وعيسى بن عمر وعاصما الجحدري ما قرأوا إلا ما أخذوه عن الثقات من السلف.
وأما قراءة الجماعة (إِنّ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ): فذهب قوم إلى أنّ (إنّ) بمنزلة (نعم)، وأنشدوا:
وَلَا أُقِيمُ بِدارِ الهُونِ إِنَّ وَلَا ... آتِي إِلى الغدرِ أَخشَى دونَه الحمجا
وأنشدوا أيضاً:
بَكَرَ العَواذِلُ في الصبُو ... حِ يَلُمْنَني وأَلوْمُهُنَّهْ
ويَقُلْنَ شَيْبٌ قد عَلا ... كَ وَقَدْ كبِرْتَ فَقُلْتُ إِنَّهْ
وهذا القول لا يصح عندنا لأمرين:
أحدهما: أنها إذا كانت بمعنى (نعم) ارتفع ما بعدها بالابتداء والخبر، وقد تقدم أنّ (اللام) لا تدخل على خبر مبتدأ جاء على أصله.
والثاني: أنّ أبا علي الفارسي قال: ما قبل (إنّ) لا يقتضي أن يكون جوابه (نعم)؛ لأنَّك إن جعلته جوابا لقوله (تَنَازَعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ وَأَسَرُّوا النَّجْوَى) - قالوا: نعم هذا لساحران كان محالًا أيضاً.
وقيل: الهاء مضمرة بعد (إنّ)، وفيه أيضا نظر من أجل دخول اللام في الخبر ولأنَّ إضمار الهاء بعد (إنَّ) المشددة إنما يأتي في ضرورة الشعر، نحو قوله:
إنّ مَن يدخُل الكنيسةَ يوماً ... يلق فيها جَآذرًا وظباءَ
وقيل: لما كانت (إنَّ) مشبهة بالفعل. وليست بأصل في العمل ألغيت هاهنا، كما تلغى إذا خُفِّفت، وهذا قول علي بن عيسى الرماني، وهو غير صحيح، لأنها لم تلغ مشددة فى غير هذا الموضع، وأيضاً فإنها قد أعملت مخففة نحو قوله تعالى: (وَإِنَّ كُلًّا لَمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ رَبُّكَ أَعْمَالَهُمْ) في قراءة من قرأ كذلك، لأنها إنما عملت لشبهها بالفعل كما ذكره والفعل قد يعمل وهو محذوف، نحو: لم يك زيدٌ قائماً، ولم يخشَ عبدُ الله أحداً وما أشبه بذلك، وقد أعمل اسم الفاعل والمصدر لشبههما بالفعل، ولا يجوز إلغاؤهما. وأيضاً فإن (اللام) تمنع من هذا التأويل؛ لأنّ (إن) إذا ألغيت ارتفع ما بعدها بالابتداء و (اللام) لا تدخل على خبر المبتدأ كما قدمناه.
وقيل: (هذان) في موضع نصب إلا أنّه مبني لأنّه حُمِل على الواحد والجمع وهما مبنيان، نحو: هذا: هَؤُلَاءِ. وهذا أيضاً غير صحيح؛ لأنَّه لا يعرف في غير هذا المكان. ولأن التثنية لا تختلف ولا تأتي إلا على طريقة واحدة. والواحد والجمع يختلفان. فجاز منهما البناء ولم يجز في التثنية لأنّ فيها دليل الإعراب وهو (الألف) ومحال أن تكون الكلمة مبنية معربة في حال.
وقيل: هذه الألف ليست بألف تثنية، وإنما هي ألف (هذا) زيدت عليها النون، وهذا قول الفراء، وهو أيضًا غير صحيح؛ لأنّه لا تكون تثنيةً ولا علم للتثنية فيها، فإن قيل: النون علم التثنية، قيل: النون لا يصح أن تكون علم التثنية لأنها لم تأت في غير هذا الموضع كذلك، ألا ترى أنها تسقط في نحو قولك: غلاما زيد، فلو كانت علم التثنية لم يجز حذفها، وإنما النون في قولك (هذان) عوض من الألف المحذوفة هذا قول السيرافي، وقال أبو الفتح: هذه النون دخلت في المبهم لشبهه بالمتمكن وذلك أنّه يوصف ويوصف به ويصغر، فأشبه المتمكن من هذه الطريقة، ألا ترى أنّ المضمر لما بَعُد من المتمكن لم يوصف ولم يوصف به ولم يصغر.
وقال الزجاج: في الكلام حذف، والتقدير: إنه هذان لهما ساحران. فحذف (الهاء) فصار: إن هذان لهما ساحران، ثم حذف المبتدأ الذي هو (هما) فاتصلت اللام بقوله (ساحران) فصار: إنّ هذان لساحران، فـ (لساحران) على هذا القول خبر مبتدأ محذوف وذلك المبتدأ مع خبره خبر عن (هذان) و (هذان) مع خبره خبر (إنّ)، وقد ذكرنا ما في حذف (الهاء) من القبح. وأنه من ضرورة الشعر، وأما ما ذكره من إضمار المبتدأ تخيلا للام فتعسف لا يعرف له نظير.
[إعراب القران للأصفهاني ج10/231-228].
قال أبو الحسن علي بن الحسين بن علي الأصفهاني الباقولي المتوفى نحو 543:
وأما قوله تعالى: (إِنْ هذانِ لَساحِرانِ) فيمن أضمر، لأن لو جعل «إن» بمعنى «نعم» فإنه قد أدخل اللام على خبر المبتدأ، لأن «هذان» في قولهما ابتداء، واللام لا تدخل على خبر الابتداء، وإنما تدخل على المبتدأ، وإدخالها على الخبر شاذ، وأنشدوا فيه:
أم الحليس لعجوز شهر به ... ترضى من اللحم بعظم الرقبة ، وقد تقدم ما هو الاختيار عندنا. وتختص هذه اللام بباب «إن» وشبهوا ب «إن» «لكن» ، وأنشدوا. ولكنني من حبها لعميد .
وهذا حديث يطول، وفيما ذكرناه كفاية.[إعراب القرآن للباقولي منسوب خطأ للزجاج ج2/770،771]
عبدالله بن الحسين العبكرى(ت:616هـ):
قَالَ تَعَالَى: (قَالُوا إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ)
قَوْلُهُ تَعَالَى: (إِنَّ هَذَيْنِ) : يُقْرَأُ بِتَشْدِيدِ إِنَّ، وَبِالْيَاءِ فِي هَذَيْنِ ; وَهِيَ عَلَامَةُ النَّصْبِ. وَيُقْرَأُ (إِنَّ) بِالتَّشْدِيدِ، وَهَذَانِ بِالْأَلِفِ ; وَفِيهِ أَوْجُهٌ ; أَحَدُهَا: أَنَّهَا بِمَعْنَى نَعَمْ، وَمَا بَعْدَهَا مُبْتَدَأٌ وَخَبَرٌ. وَالثَّانِي: إِنَّ فِيهَا ضَمِيرُ الشَّأْنِ مَحْذُوفًا، وَمَا بَعْدَهَا مُبْتَدَأٌ وَخَبَرٌ أَيْضًا. وَكِلَا الْوَجْهَيْنِ ضَعِيفٌ مِنْ أَجْلِ اللَّامِ الَّتِي فِي الْخَبَرِ ; وَإِنَّمَا يَجِيءُ مِثْلُ ذَلِكَ فِي ضَرُورَةِ الشِّعْرِ.
وَقَالَ الزَّجَّاجُ: التَّقْدِيرُ: لَهُمَا سَاحِرَانِ، فَحُذِفَ الْمُبْتَدَأُ.
وَالثَّالِثُ: أَنَّ الْأَلِفَ هُنَا عَلَامَةُ التَّثْنِيَةِ فِي كُلِّ حَالٍ. وَهِيَ لُغَةٌ لِبَنِي الْحَارِثِ ; وَقِيلَ: لِكِنَانَةَ.
وَيُقْرَأُ (إِنْ) بِالتَّخْفِيفِ، وَقِيلَ: هِيَ مُخَفَّفَةٌ مِنَ الثَّقِيلَةِ، وَهُوَ ضَعِيفٌ أَيْضًا.
وَقِيلَ: هِيَ بِمَعْنَى «مَا» وَاللَّامُ بِمَعْنَى «إِلَّا» وَقَدْ تَقَدَّمَ نَظَائِرُهُ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ) : أَيْ يَذْهَبَا طَرِيقَكُمْ ; فَالْبَاءُ مُعَدِّيَةٌ، كَمَا أَنَّ الْهَمْزَةَ مُعَدِّيَةٌ.( التبيان في إعراب القرآن)
قال جمال الدين بن منظور ت: 711ه:
قال ابْنُ سِيدَهْ: إنَّ حَرْفُ تأْكيد. وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: إِنْ هذانِ لَساحِرانِ
، أَخبر أَبو عَلِيٍّ أَن أَبا إسحق ذَهَبَ فِيهِ إِلَى أَنَّ إنَّ هُنَا بِمَعْنَى نَعَمْ، وَهَذَانِ مرفوعٌ بِالِابْتِدَاءِ، وأَنَّ اللامَ فِي لَساحران داخلةٌ عَلَى غَيْرِ ضَرُورَةٍ، وأَن تَقْدِيرَهُ نَعَمْ هَذَانِ هُمَا ساحِران، وَحُكِيَ عَنْ أَبي إسحق أَنه قَالَ: هَذَا هُوَ الَّذِي عِنْدِي فِيهِ، وَاللَّهُ أَعلم. قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَقَدْ بيَّن أَبو عليٍّ فسادَ ذَلِكَ فغَنِينا نَحْنُ عَنْ إِيضَاحِهِ هُنَا. وَفِي التَّهْذِيبِ: وأَما قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: إِنْ هذانِ لَساحِرانِ، فإنَّ أبا إسحق النَّحْوِيَّ اسْتَقْصى مَا قَالَ فِيهِ النَّحْوِيُّونَ فحَكَيْت كَلَامَهُ. قَالَ: قرأَ المدنيُّون وَالْكُوفِيُّونَ إِلَّا عَاصِمًا: إنَّ هَذَانِ لَساحِران، وَرُوِيَ عَنْ عَاصِمٍ أَنه قرأَ: إنْ هَذَانِ، بِتَخْفِيفِ إنْ، وَرُوِيَ
عَنِ الْخَلِيلِ: إنْ هَذَانِ لساحِران، قَالَ: وقرأَ أَبو عَمْرٍو إِنَّ هَذَيْنِ لَسَاحِرَانِ، بِتَشْدِيدِ إِنَّ ونصْبِ هَذَيْنِ، قال أَبو إسحق: والحجةُ فِي إِنَّ هَذَانِ لساحِران، بِالتَّشْدِيدِ وَالرَّفْعِ، أَن أَبا عُبَيْدَةَ رَوَى عَنْ أَبي الْخَطَّابِ أَنه لغةٌ لكنانةَ، يَجْعَلُونَ أَلفَ الِاثْنَيْنِ فِي الرَّفْعِ وَالنَّصْبِ وَالْخَفْضِ عَلَى لَفْظٍ وَاحِدٍ، يَقُولُونَ: رأَيت الزَّيْدَانَ، وَرَوَى أَهلُ الْكُوفَةِ وَالْكِسَائِيُّ وَالْفَرَّاءُ: أَنها لغة لبني الحرث بْنِ كَعْبٍ، قَالَ: وَقَالَ النَّحْوِيُّونَ القُدَماء: هَاهُنَا هاءٌ مُضْمَرَةٌ، الْمَعْنَى: إِنَّهُ هذانِ لساحِران، قَالَ: وَقَالَ بَعْضُهُمْ إِنَّ فِي مَعْنَى نعَمْ كَمَا تَقَدَّمَ؛ وأَنشدوا لِابْنِ قَيْسِ الرُّقَيَّات:
بَكَرَتْ عليَّ عواذِلي ... يَلْحَيْنَنِي وأَلومُهُنَّهْ
ويَقُلْنَ: شَيْبٌ قدْ علّاكَ، ... وَقَدْ كَبِرْتَ، فقلتُ: إنَّهْ
. أَي إِنَّهُ قَدْ كَانَ كَمَا تَقُلْن؛ قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: وَهَذَا اختصارٌ مِنْ كَلَامِ الْعَرَبِ يُكتفى مِنْهُ بِالضَّمِيرِ لأَنه قَدْ عُلِم مَعْنَاهُ؛ وَقَالَ الْفَرَّاءُ فِي هَذَا: إِنَّهُمْ زَادُوا فِيهَا النونَ فِي التَّثْنِيَةِ وَتَرَكُوهَا عَلَى حَالِهَا فِي الرَّفْعِ وَالنَّصْبِ وَالْجَرِّ، كَمَا فعَلوا فِي الَّذِينَ فَقَالُوا الَّذِي، فِي الرَّفْعِ وَالنَّصْبِ وَالْجَرِّ، قَالَ: فَهَذَا جَمِيعُ مَا قَالَ النَّحْوِيُّونَ فِي الْآيَةِ؛ قال أَبو إسحق: وأَجودُها عِنْدِي أَن إِنَّ وَقَعَتْ مَوْقِعَ نَعَمْ، وأَن اللَّامَ وَقَعتْ موقِعَها، وأَنّ الْمَعْنَى نعَمْ هَذَانِ لَهُمَا سَاحِرَانِ، قَالَ: وَالَّذِي يَلِي هَذَا فِي الجَوْدَة مذهبُ بني كنانة وبَلْحَرِث بن كَعْبٍ، فأَما قراءةُ أَبي عَمْرٍو فَلَا أُجيزُها لأَنها خلافُ الْمُصْحَفِ، قَالَ: وأَستحسن قراءةَ عَاصِمٍ وَالْخَلِيلِ إنْ هَذَانِ لَساحِران. وَقَالَ غيرُه: الْعَرَبُ تَجْعَلُ الْكَلَامَ مُخْتَصَرًا مَا بعْدَه عَلَى إنَّه، وَالْمُرَادُ إِنَّهُ لَكَذَلِكَ، وَإِنَّهُ عَلَى مَا تَقُولُ، قَالَ: وأَما قَوْلُ الأَخفش إنَّه بِمَعْنَى نَعَمْ فَإِنَّمَا يُراد تأْويله لَيْسَ أَنه مَوْضُوعٌ فِي اللُّغَةِ لِذَلِكَ، قَالَ: وَهَذِهِ الْهَاءُ أُدْخِلت لِلسُّكُوتِ. وَفِي حَدِيثِ فَضالة بْنِ شَريك: أَنه لقِيَ ابنَ الزُّبَيْرِ فَقَالَ: إِنَّ نَاقَتِي قَدْ نَقِبَ خفُّها فاحْمِلْني، فَقَالَ: ارْقَعْها بجِلدٍ واخْصِفْها بهُلْبٍ وسِرْ بِهَا البَرْدَين، فَقَالَ فَضالةُ: إِنَّمَا أَتَيْتُك مُسْتَحْمِلًا لَا مُسْتَوْصِفاً، لَا حَمَلَ اللَّهُ نَاقَةً حمَلتْني إِليك فَقَالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ: إِنَّ وراكِبَها
أَي نعَمْ مَعَ رَاكِبِهَا. وَفِي حَدِيثِ
لَقيط بْنِ عَامِرٍ: وَيَقُولُ رَبُّكَ عَزَّ وَجَلَّ وَإِنَّهُ أَي وَإِنَّهُ كَذَلِكَ، أَو إِنَّهُ عَلَى مَا تَقُولُ، وَقِيلَ: إنَّ بِمَعْنَى نَعَمْ وَالْهَاءُ لِلْوَقْفِ.
[لسان العرب جزء 13 / 31- 32- 33]
وفي موضع آخر قال:
قَالَ أَبو الْعَبَّاسِ أَحمد بْنِ يَحْيَى وَمُحَمَّدِ بْنِ زَيْدٍ: ذَا يَكُونُ بِمَعْنَى هَذَا، وَمِنْهُ قَوْلَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ ؛ أَي مَنْ هَذَا الَّذِي يَشْفَع عِنده؛ قَالَا: وَيَكُونُ ذَا بِمَعْنَى الَّذِي، قَالَا: وَيُقَالُ هَذَا ذُو صَلاحٍ ورأَيتُ هَذَا ذَا صَلاحٍ وَمَرَرْتُ بِهَذَا ذِي صَلاحٍ، وَمَعْنَاهُ كُلُّهُ صاحِب صَلاح. وَقَالَ أَبو الْهَيْثَمِ: ذَا اسمُ كلِّ مُشارٍ إِلَيْهِ مُعايَنٍ يَرَاهُ الْمُتَكَلِّمُ وَالْمُخَاطَبُ، قَالَ: وَالِاسْمُ فِيهَا الذَّالُ وَحْدَهَا مَفْتُوحَةً، وَقَالُوا الذَّالُ وَحْدَهَا هِيَ الِاسْمُ الْمُشَارُ إِلَيْهِ، وَهُوَ اسْمٌ مُبْهَمٌ لَا يُعرَف مَا هُوَ حَتَّى يُفَسِّر مَا بَعْدَهُ كَقَوْلِكَ ذَا الرَّجلُ، ذَا الفرَسُ، فَهَذَا تَفْسِيرُ ذَا ونَصْبُه وَرَفْعُهُ وخفصه سَوَاءٌ، قَالَ: وَجَعَلُوا فَتْحَةَ الذَّالِ فَرْقًا بَيْنَ التَّذْكِيرِ والتأْنيث كَمَا قَالُوا ذَا أَخوك، وَقَالُوا ذِي أُخْتُك فَكَسَرُوا الذَّالَ فِي الأُنثى وَزَادُوا مَعَ فَتْحَةِ الذَّالِ فِي الْمُذَكِّرِ أَلفاً وَمَعَ كَسْرَتِهَا للأُنثى يَاءً كَمَا قَالُوا أَنْتَ وأَنْتِ. قَالَ الأَصمعي: وَالْعَرَبُ تَقُولُ لَا أُكَلِّمُك فِي ذِي السَّنَةِ وَفِي هَذِي السَّنَةِ، وَلَا يُقَالُ فِي ذَا السَّنةِ، وَهُوَ خطأٌ، إِنما يُقَالُ فِي هَذِهِ السَّنةِ؛ وَفِي هَذِي السَّنَةِ وَفِي ذِي السَّنَة، وَكَذَلِكَ لَا يُقَالُ ادْخُلْ ذَا الدارَ وَلَا الْبَسْ ذَا الجُبَّة، وَإِنَّمَا الصَّوَابُ ادْخُل ذِي الدارَ والْبَس ذِي الجُبَّةَ، وَلَا يَكُونُ ذَا إِلَّا لِلْمُذَكَّرِ. يُقَالُ: هَذِهِ الدارُ وَذِي المرأَةُ. وَيُقَالُ: دَخلت تِلْكَ الدَّار وتِيكَ الدَّار، وَلَا يُقَالُ ذِيك الدَّارَ، وَلَيْسَ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ ذِيك البَتَّةَ، والعامَّة تُخْطِئ فِيهِ فَتَقُولُ كَيْفَ ذِيك المرأَةُ؟ وَالصَّوَابُ كَيْفَ تِيكَ المرأَةُ؟ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: ذَا اسْمٌ يُشَارُ بِهِ إِلى الْمُذَكَّرِ، وَذِي بِكَسْرِ الذَّالِ لِلْمُؤَنَّثِ، تَقُولُ: ذِي أَمَةُ اللهِ، فإِن وَقَفْتَ عَلَيْهِ قُلْتَ ذِهْ، بِهَاءٍ مَوْقُوفَةٍ، وَهِيَ بَدَلٌ مِنَ الْيَاءِ، وَلَيْسَتْ للتأْنيث، وَإِنَّمَا هِيَ صِلةٌ كَمَا أَبدلوا فِي هُنَيَّةٍ فَقَالُوا هُنَيْهة؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: صَوَابُهُ وَلَيْسَتْ للتأْنيث وَإِنَّمَا هِيَ بَدَلٌ مِنَ الْيَاءِ، قَالَ: فإِن أَدخلت عَلَيْهَا الْهَاءَ لِلتَّنْبِيهِ قُلْتَ هَذَا زيدٌ وَهَذِي أَمَةُ اللهِ وَهَذِهِ أَيضاً، بِتَحْرِيكِ الْهَاءِ، وَقَدِ اكْتَفَوْا بِهِ عَنْهُ، فإِن صَغَّرْت ذَا قُلْتَ ذَيًّا، بِالْفَتْحِ وَالتَّشْدِيدِ، لأَنك تَقْلِب أَلف ذَا يَاءٍ لِمَكَانِ الْيَاءِ قَبْلَهَا فتُدْغِمها فِي الثَّانِيَةِ وَتَزِيدُ فِي آخِرِهِ أَلفاً لتَفْرُقَ بَيْنَ المُبْهَم وَالْمُعْرَبِ، وذَيّانِ فِي التَّثْنِيَةِ، وَتَصْغِيرُ هَذَا هَذَيًّا، وَلَا تُصَغَّر ذِي لِلْمُؤَنَّثِ وَإِنَّمَا تُصَغَّر تَا، وَقَدِ اكْتَفَوْا بِهِ عَنْهُ، وَإِنْ ثَنَّيْتَ ذَا قُلْتَ ذانِ لأَنه لَا يَصِحُّ اجْتِمَاعُهُمَا لِسُكُونِهِمَا فتَسْقُط إِحْدَى الأَلفين، فَمَنْ أَسقط أَلف ذَا قرأَ إنَّ هذَينِ لَساحِرانِ فأَعْرَبَ، وَمَنْ أَسقط أَلف التَّثْنِيَةِ قرأَ إنَّ هذانِ لساحِرانِ لأَن أَلف ذَا لَا يَقَعُ فِيهَا إِعْرَابٌ، وَقَدْ قِيلَ: إِنَّهَا على لغة بَلْحَرِثِ ابن كَعْبٍ، قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ عِنْدَ قَوْلِ الْجَوْهَرِيِّ: مَنْ أَسقط أَلف التَّثْنِيَةِ قرأَ إنَّ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ، قَالَ: هَذَا وَهْمٌ مِنَ الْجَوْهَرِيِّ لأَن أَلف التَّثْنِيَةِ حَرْفٌ زِيدَ لِمَعْنًى، فَلَا يَسْقُطُ وَتَبْقَى الأَلف الأَصلية كَمَا لَمْ يَسقُط التَّنْوِينُ فِي هَذَا قاضٍ وَتَبْقَى الْيَاءُ الأَصلية، لأَن التَّنْوِينَ زيدَ لِمَعْنًى فَلَا يَصِحُّ حَذْفُهُ.
وَقَوْلُهُ تَعَالَى: إنَّ هَذانِ لَساحِرانِ
؛ قَالَ الْفَرَّاءُ: أَراد يَاءَ النَّصْبِ ثُمَّ حَذَفَهَا لِسُكُونِهَا وَسُكُونِ الأَلف قَبْلَها، وَلَيْسَ ذَلِكَ بِالْقَوِيِّ، وذلِك أَن الْيَاءَ هِيَ الطَّارِئَةُ عَلَى الأَلف فَيَجِبُ أَن تُحْذَفَ الأَلف لِمَكَانِهَا، فأَما مَا أَنشده اللِّحْيَانِيُّ عَنِ الْكِسَائِيِّ لِجَمِيلٍ مِنْ قَوْلِهِ:
وأَتَى صَواحِبُها فَقُلْنَ: هَذَا الَّذي ... مَنَحَ المَوَدَّةَ غَيْرَنا وجَفانا
فإِنه أَراد أَذا الَّذِي، فأَبدل الْهَاءَ مِنَ الْهَمْزَةِ. وَقَدِ استُعْمِلت ذَا مَكَانَ الَّذِي كَقَوْلِهِ تعالى: وَيَسْئَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ
؛ أَي مَا الَّذِي يُنْفِقُونَ فِيمَنْ رَفَعَ الْجَوَابَ فَرَفْعُ العَفْوِ يَدُلُّ عَلَى أَن مَا مَرْفُوعَةٌ بِالِابْتِدَاءِ وَذَا خَبَرُهَا ويُنْفِقُون صِلةُ ذَا، وأَنه لَيْسَ مَا وَذَا جَمِيعًا كَالشَّيْءِ الْوَاحِدِ، هَذَا هُوَ الْوَجْهُ عِنْدَ سِيبَوَيْهِ.
[لسان العرب ج 15 ص 449- 450]
قال الحسين بن علي الطيبي (ت:743هـ):
قوله: (إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ) يعني: إن صرحنا بالحق نخافُ من غلبتهما علينا بأن يقولا: فاتبعونا إذن. ومن تثبيط الناس أيضاً، فإنهم إذا سمعوا ذلك رغبوا في اتباعهما، فالواجب أن يقول: إن هذين لساحران، فيأمن من ذلك، هذا يقوي رواية من روى "تزويره" بالراء بعد الزاي.
قوله: (قرأ أبو عمرو: "إن هذين")، وفي "التيسير": وقرأ ابنُ كثيرٍ وحفص: (إِنْ هَذَانِ) بإسكان النون والباقون بتشديدها. وقرأ أبو عمرو: "هذين" بالياء، والباقون: بالألف.يي. قوله: ("أن هذان ساحران" بفتح "أنْ" وبغير لام)، بدلٌ من (النَّجْوَى)، هذا على أن يكون قوله: "أن هذان لساحران" من كلام السحرة كما قال، والظاهر أنهم تشاوروا في السر، فيكون قوله: (قَالُوا) مقحماً توكيداً لأن "أسروا" نوعٌ من القول، وقوله: (فَأَجْمِعُوا كَيْدَكُمْ) كلام بعضهم مع بعض، وفي "الموضح": بحذف (قَالُوا) من البين.
قوله: 0 جعلوا الاسم المُثنى نحو الأسماء التي آخرها ألفٌ كعصا)، قال الزجاج: حكى أبو عبيدة عن أبي الخطاب، وهو رأسٌ من رؤساء الرواة، أنها لغةٌ لكنانة يجعلون ألف الاثنين في الرفع والنصب والخفض على لفظ واحد، وينشدون:
فأطرق إطراق الشجاع ولو يرى ... مساغاً لناباه الشجاع لصمما
ويقولون: ضربته بين أذناه، وكذلك روى الكوفيون أنها لغة لبني الحاث بن عب، وقالت النحاة القدماء: إن الضمير فيه مضمر، أي: إن هذان لساحران، وقالوا أيضاً: إن معنى "إنْ": نعم، وينشدون.
ويقلن شيبٌ قد علا ... ك وقد كبرت فقلتُ إنه
وحكى صاحب "المطلع": أن أعرابياً أتى ابن الزبير يستجديه فلم يعطه شيئاً. فقال: لعن الله ناقةً حملتني إليك، قال ابن الزبير: إن وراكبها، أي: نعم.
وقال ابن الحاجب في "الأمالي": وهذه القراءة مشكلة، وأهرها أن (هذان) مبني لأنه من أسماء الإشارة، فجاء في الرفع والنصب والجر على حالٍ واحدة، وهي لغةٌ واضحةٌ ومما يُقويها أن اختلاف الصيغ في اللغة الأخرى ليس إعراباً في التحقيق، لوجود علة البناء من غير معارض؛ لأن العلة في هذا وهؤلاء كونها اسم إشارة. وقال: "إنْ" بمعنى "نعم": شاذ.
قوله: (وقال بعضهم: "إنْ" بمعنى: نعم)، وقد أُعجب به أبو إسحاق، أي: الزجاج، قال بعدما نقل كلام النحويين: هذا جميعُ ما اتجوا به، والذي عندي - والله أعلمُ - وكنتُ عرضته على عالمينا: محمد بن يزيد، يعني: المبرد، وعلى إسماعيل بن إسحاق فقبلاه وذرا أنه أجود ما سمعاه في هذا المعنى: أن تقديره: نعم هذان لهما ساحران، وأن اللام قد وقعت موقعها، أي: دخلت على المبتدأ لا الخبر. وقال النحاة أصل هذا اللام أن تقع في الابتداء ووقوعها في الخبر جائزٌ، وأنشدوا:
أم الحليس لعجوزٌ شهربه ... ترضى من اللحم بعظم الرقبة
أي: لأم الحُليس عجوزٌ.
وقال أبو عليٍّ في "الإغفال": هذا غيرُ مرضي؛ لأن اللام للتأكيد، ويقبح أن يُذكر للتأكيد ويُحذف نفسُ المؤكد؛ لأن التأكيد إنما يُحتاج إليه فيما خيف لبسه على السامع، فإذا بلغ به الحال التي يستجاز معها حذفه لعلم المخاطب به استغنى لذلك عن التأكيد، ولهذا حمل النحويون قوله: "أمُّ الحُليس لعجوزٌ" على الضرورة، حيث أدخل اللام على الخبر وحقها أن تدخل على المبتدأ، ولو كان للي ذكره وجهٌ ما حملوا هذا على الضرورة بلقدروا فيه ما قدروه في قوله: ويحذفُ نفسُ المؤكد نظراً لأن المؤكد مضمونُ الجملةِ، كما نص عليه المصنف في قوله: (وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى) [الضحى: 5].
ثم قال أبو علي: فإن قلت: أليسوا قد أجازوا حذف الخبر في نحو:
إن مُحلاً وإن مُرتحلاً
وإذا لم يُمنع الحذفُ في الخبر مع "إنْ" لم يمتنع في المبتدأ مع اللام؟
قلتُ: لا يلزمُ من جواز هذا جوازُ ذاك وإن اجتمعا في التأكيد وتلقي القسم؛ لأن "إنْ" مشبهةٌ بـ"لا" من حيث كانت تعملُ عملها وكانت نقيضتها، وحملُ النقيض على النقيض شائعٌ، وإنما حسُن الحذفُ مع "لا"؛ لأن المنفي في تقدير التكرير لأنه لا يقعُ إلا بعد إثبات مُثبت وبعد إثباته يحسنُ الحذفُ، وكفى بدخول اللام شاهد صدقٍ، ما روي عن أفصح من نطق بالضاد من قوله: "أغبطُ أوليائي عندي، لمؤمنٌ خفيفُ الحاذ". أخرجه أحمد والترمذي وابن ماجه، عن أبي أمامة.((فتوح الغيب في الكشف عن قناع الريب (حاشية الطيبي على الكشاف))

قال محمد بن يوسف بن حيان الاندلسي (ت:745هـ):
وقال الزجاج: اللام لم تدخل على الخبر بل التقدير لهما ساحران فدخلت على المبتدأ المحذوف، واستحسن هذا القول شيخه أبو العباس المبرد والقاضي إسماعيل بن إسحاق بن حماد بن زيد. وقيل: ها ضمير القصة وليس محذوفاً، وكان يناسب على هذا أن تكون متصلة في الخط فكانت كتابتها { إن هذان لساحران } وضعف ذلك من جهة مخالفته خط المصحف. وقيل { إنْ } بمعنى نعم، وثبت ذلك في اللغة فتحمل الآية عليه و { هذان لساحران } مبتدأ وخبر واللام في { لساحران } على ذينك التقديرين في هذا التخريج، والتخريج الذي قبله وإلى هذا ذهب المبرد وإسماعيل بن إسحاق وأبو الحسن الأخفش الصغير، والذي نختاره في تخريج هذه القراءة أنها جاءت على لغة بعض العرب من إجراء المثنى بالألف دائماً وهي لغة لكنانة حكى ذلك أبو الخطاب، ولبني الحارث بن كعب وخثعم وزبيد وأهل تلك الناحية حُكِي ذلك عن الكسائي، ولبني العنبر وبني الهجيم ومراد وعذرة
وقال أبو زيد: سمعت من العرب من يقلب كل ياء ينفتح ما قبلها ألفاً.

وقرأ أبو بحرية وأبو حيوة والزهري وابن محيصن وحميد وابن سعدان وحفص وابن كثير { إنْ } بتخفيف النون هذا بالألف وشدد نون { هذان } ابن كثير، وتخريج هذه القراءة واضح وهو على أن أن هي المخففة من الثقيلة و { هذان } مبتدأ و { لساحران } الخبر واللام للفرق بين إن النافية وإن المخففة من الثقيلة على رأي البصريين والكوفيين، يزعمون أن إن نافية واللام بمعنى إلاّ. وقرأت فرقة إن ذان لساحران وتخريجها كتخريج القراءة التي قبلها، وقرأت عائشة والحسن والنخعي والجحدري والأعمش وابن جبير وابن عبيد وأبو عمرو إن هذين بتشديد نون إنّ وبالياء في هذين بدل الألف، وإعراب هذا واضح إذ جاء على المهيع المعروف في التثنية لقوله
{
فذانك برهانان }
[
القصص: 32]
{
إحدى ابنتي هاتين }
[القصص: 27] بالألف رفعاً والياء نصباً وجراً. وقال الزجاج: لا أجيز قراءة أبي عمرو لأنها خلاف المصحف. وقال أبو عبيد: رأيتها في الإمام مصحف عثمان هذن ليس فيها ألف، وهكذا رأيت رفع الاثنين في ذلك المصحف بإسقاط الألف، وإذا كتبوا النصب والخفض كتبوه بالياء ولا يسقطونها، وقالت جماعة منهم عائشة وأبو عمرو: هذا مما لحن الكاتب فيه وأقيم بالصواب.
وقرأ عبد الله إن ذان إلا ساحران قاله ابن خالويه وعزاها الزمخشري لأُبَيّ. وقال ابن مسعود: إن هذان ساحران بفتح أن وبغير لام بدل من { النجوى } انتهى. وقرأت فرقة ما هذا إلاّ ساحران وقولهم { يريدان أن يخرجاكم من أرضكم بسحرهما } تبعوا فيه مقالة فرعون { أجئتنا لتخرجنا من أرضنا بسحرك } ونسبوا السحر أيضاً لهارون لما كان مشتركاً معه في الرسالة وسالكاً طريقته، وعلقوا الحكم على الإرادة وهم لا اطلاع لهم عليها تنقيصاً لهما وحطاً من قدرهما، وقد كان ظهر لهم من أمر اليد والعصا ما يدل على صدقهما، وعلموا أنه ليس في قدرة الساحر أن يأتي بمثل ذلك، والظاهر أن الضمير في { قالوا } عائد على السحرة خاطب بعضهم بعضاً. وقيل: خاطبوا فرعون مخاطبة التعظيم، والطريقة السيرة والمملكة والحال التي هم عليها.( البحر المحيط)
قال السمين الحلبي ( ت : 756 ه):
قوله: { إِنْ هَـٰذَانِ }: اختلف القُرَّاءُ في هذه الآيةِ الكريمة: فقرأ ابن كثيرٍ وحدَه " إنْ هذانِّ " بتخفيف إنْ، والألفِ، وتشديدِ النون. وحفصٌ كذلك إلاَّ أنه خَفَّف نونَ " هذانٍ ". وقرأ أبو عمرو " إنَّ " بالتشديد " هذين " بالياء وتخفيفِ النون. والباقون كذلك إلاَّ أنهم قَرَؤوا/ " هذان " بالألف.

فأَمَّا القراءةُ الأولى ـ وهي قراءةُ ابنِ كثير وحفص ـ فأوضحُ القراءاتِ معنىً ولفظاً وخَطَّاً؛ وذلك أنهما جعلا " إنْ " المخففةَ من الثقيلة فَأُهْمِلَتْ، ولَمَّا أُهْمِلَتْ ـ كما هو الأفصحُ مِنْ وجهيها ـ خِيْفَ التباسُها بالنافية فجيء باللامِ فارقةً في الخبر. فـ " هذان " مبتدأٌ، و " لَساحران " خبرُه، ووافَقَتْ خَطَّ المصحفِ؛ فإن الرسم " هذن " بدونِ ألفٍ ولا ياءٍ وسيأتي بيانُ ذلك.
وأمَّا تشديدُ نونِ " هذان " فعلىٰ ما تقدَّم في سورةِ النساءِ، وقد أَتْقَنتُ ذلك هناك.
وأمَّا الكوفيون فيزعمون أنَّ " إنْ " نافيةٌ بمعنى ما، واللامُ بمعنى إلاَّ، وهو خلافٌ مشهورٌ وقد وافقَ تخريجُهم هنا قراءةَ بعضِهم " ما هذانِ إلاَّ ساحران ".
وأمَّا قراءةُ أبي عمروٍ فواضحةٌ من حيث الإِعرابُ والمعنىٰ. أمَّا الإِعرابُ فـ " هذَيْن " اسمُ " إنَّ " وعلامةُ نصبِه الياءُ. و " لَساحِران " خبرُها، ودخَلَتِ اللام توكيداً. وأمَّا مِنْ حيث المعنىٰ: فإنَّهم أَثْبتوا لهما السحرَ بطريق تأكيديٍّ من طرفيه، ولكنهم استشكلُوها من حيث خَطُّ المصحفِ؛ وذلك أنَّ رَسْمَه " هذن " بدونِ ألفٍ ولا ياءٍ، فإثباتُه بالياءِ زيادةٌ على خطِّ المصحفِ. قال أبو إسحاق: " لا أُجيز قراءةَ أبي عمرو لأنَّها خلافُ المصحفِ ". وقال أبو عبيد: " رأيتُهما في الإِمام مصحفِ عثمان " هذن " ليس فيها ألفٌ، وهكذا رأيتُ رفعَ الاثنين في ذلك المصحفِ بإسقاط الألفِ، وإذا كتبوا النصبَ والخفضَ كتبُوه بالياء، ولا يُسْقِطونها ".

قلت: وهذا لا ينبغي أَنْ يُرَدَّ به على أبي عمرو، وكم جاء في الرسم أشياءُ خارجةٌ عن القياسِ، وقد نَصُّوا هم أنه لا يجوزُ القراءةُ بها فليكنْ هذا منها، أعني ممَّا خَرَجَ عن القياس. فإن قلتَ: ما نَقَلْتَه عن أبي عبيد مشتركُ الإِلزامِ بين أبي عمروٍ وغيرِه، فإنهم كما اعترضوا عليه بزيادةِ الياء يُعْترض عليهم بزيادةِ الألفِ: فإنَّ الألفَ ثابتةٌ في قراءتِهم، ساقطةٌ من خَطِّ المصحفِ. فالجواب ما تقدَّم مِنْ قولِ أبي عبيدٍ أنهم رآهم يُسْقِطون الألفَ مِنْ رفع الاثنين، فإذا كتُبوا النصبَ والخفضَ كتبُوه بالياء.
وذهب جماعةٌ ـ منهم عائشةُ رضي الله عنها وأبو عمروٍ ـ إلى أن هذا ممّا لَحَنَ فيه الكاتبُ وأُقيم بالصواب. يَعْنُون أنه كان مِنْ حقه أن يكتبَه بالياءِ فلم يفعلْ، فلم يقرَأْه الناسُ إلاَّ بالياءِ على الصوابِ.
وأمَّا قراءةُ الباقين ففيها أوجه، أحدُها: أن " إنَّ " بمعنى نَعَمْ، و " هذان " مبتدأٌ، و " لَساحران " خبرُه، وكَثُرَ ورودُ " إنَّ " بمعنىٰ نعم وأنشدوا:
3297ـ بَكَرَ العَواذِلُ في المَشِيْــ
ـــبِ يَلُمْنَني وأَلوْمُهُنَّهْ
ويَقلْن شَيْبٌ قد عَلا
كَ وقد كَبِرْتَ فقلتُ إنَّهْ
أي: فقلت: نَعَمْ. والهاءُ للسَّكْتِ. وقال رجلٌ لابن الزبير: لَعَن اللهُ ناقةً حَمَلَتْني إليكَ. فقال: " إنَّ وصاحبَها " أي: نعم. ولَعَنَ صاحبَها. وهذا رأيُ المبردِ وعلي بن سليمان في آخرين. وهو مردودٌ من وجهين، أحدهما: عدمُ ثبوتِ " إنَّ " بمعنى نعم، وما أوردُه مُؤَوَّلٌ: أمَّا البيتُ فإنّ الهاءَ اسمُها، والخبرَ محذوفٌ لفهمِ المعنىٰ تقديرُه: إنه كذلك. وأمَّا قولُ ابنِ الزبير فذلك مِنْ حَذْفِ المعطوفِ عليه وإبقاءِ المعطوف وحَذْفِ خبر " إنَّ " للدلالةِ عليه، تقديره: إنَّها وصاحَبها ملعونان، وفيه تكلُّفٌ لا يَخْفَى والثاني: دخولُ اللامِ على خبرِ المبتدأ غيرِ المؤكَّد بـ " إنَّ " المكسورةِ، لأَنَّ مثلَه لا يقعُ إلاَّ ضرورةً كقولِه:
3298ـ أمُّ الحُلَيْسِ لَعَجُوْزٌ شَهْرَبَهْ
تَرْضَى من اللحمِ بعظمِ الرَّقَبَهْ
وقد يُجاب عنه: بأنَّ " لَساحِران " يجوزُ أَنْ يكونَ خبرَ مبتدأ محذوفٍ دَخَلَتْ عليه هذه اللامُ تقديرُه: لهما ساحران. وقد فعل ذلك الزجاج كما ستأتي حكايتُه عنه.
الثاني: أنَّ اسمَها ضميرُ القصةِ وهو " ها " التي قبل " ذان " وليست بـ " ها " التي للتنبيهِ الداخلةِ على أسماءِ الإِشارةِ، والتقدير: إنَّ القصةَ ذانِ لساحران. وقد رَدُّوا هذا من وجهين، أحدهما: من جهةِ الخَطِّ، وهو أنه لو كان كذلك لكان ينبغي أن تُكتبَ " إنها " فيصِلوا الضميرَ بالحرفِ قبلَه كقوله تعالى:{فَإِنَّهَا لاَ تَعْمَى ٱلأَبْصَارُ}[الحج: 46] فكَتْبُهم إياها مفصولةً من " إنَّ " متصلةً باسمِ الإِشارة يمنع كونَها ضميراً، وهو واضح. الثاني: أنَّه يؤدِّي إلى دخولِ لامِ الابتداءِ في الخبرِ غيرِ المنسوخِ. وقد يُجاب عنه بما تقدَّم.
الثالث: أنَّ اسمَها ضميرُ الشأنِ محذوفٌ، والجملةُ من المبتدأ والخبرِ بعدَه في محلِّ رفعٍ خبراً لـ " إنَّ " ، التقديرُ: إنَّه، أي: الأمرُ والشأنُ. وقد ضُعِّفَ هذا بوجهين، أحدهما: حَذْفُ اسمِ " إن " ، وهو غيرُ جائزٍ إلاَّ في شعرٍ، بشرطِ أَنْ لا تباشرَ " إنَّ " فعلاً كقولِه:
3299ـ إنَّ مَنْ يَدْخُلِ الكنيسةَ يوماً
يَلْقَ فيها جَآذراً وظِباءَ
/ والثاني: دخولُ اللام في الخبرِ.
وقد أجابَ الزجَّاج بأنها داخلةٌ على مبتدأ محذوفٍ تقديرُه: لهما ساحران. وهذا قد استحسنه شيخُه المبردُ، أعني جوابَه بذلك.
الرابع: أنَّ " هذان " اسمُها، و " لَساحران " خبرُها. وقد رُدَّ هذا بأنه كان ينبغي أَنْ يكونَ " هذين " بالياءِ كقراءةِ أبي عمرو.
وقد أُجيب عن ذلك: بأنه على لغةِ بني الحارثِ وبين الهُجَيْم وبني العَنْبر وزُبَيْد وعُذْرَة ومُراد وخَثْعَم. وحكى هذه اللغةَ الأئمةُ الكبارُ كأبي الخَطَّاب وأبي زيد الأنصاري والكسائي. قال أبو زيد: " سمعتُ من العربِ مَنْ يَقْلِبُ كلَّ ياءٍ ينفتح ما قبلها ألفاً " ، يجعلون المثنى كالمقصورِ فيُثْبِتون ألفاً في جميع أحواله، ويُقَدِّرون إعرابَه بالحركاتِ، وأنشدوا قولَه:
3300ـ فأَطْرَق إطْراقَ الشُّجاعِ ولو يَرَىٰ
مَسَاغاً لِناباه الشُّجاعُ لصَمَّما
أي: لنابَيْه. وقولَه:
3301ـ إنَّ أباها وأبا أباها
قد بَلَغا في المجدِ غايتاها
أي: غايتيهما، إلى غير ذلك من الشواهد.
وقرأ ابن مسعود: " أنْ هذان ساحِران " بفتح " أَنْ " وإسقاط اللامِ: على أنها وما في حَيِّزها بدلٌ من " النجوىٰ " كذا قاله الزمخشري، وتبعه الشيخ ولم ينكره. وفيه نظرٌ: لأنَّ الاعتراضَ بالجملة القولية بين البدلِ والمبدلِ منه لا يَصِحُّ. وأيضاً فإنَّ الجملةَ القوليةَ مفسرةٌ للنجوىٰ في قراءةِ العامَّة، وكذا قاله الزمخشريُّ أولاً فكيف يَصحُّ أَنْ يُجْعَلَ " أنْ هذان ساحران " بدلاً من " النجوىٰ .( الدر المصون)
قال محمد بن محمد بن عبد الرزاق الحسيني الملقب بمرتضى الزبيدي المتوفي 1205:
(قالَ الفرَّاءُ: لم يُسْمَع أَنَّ العَرَبَ تخفِّف أَنَّ وتُعْمِلها إلاَّ مَعَ المَكْنيّ لأنَّه لَا يتبيّن فِيهِ إعْراب، فأَمَّا فِي الظاهِرِ فَلَا، وَلَكِن إِذا خَفَّفوها رَفَعُوا، وأمّا مَنْ خَفَّف {وإِنْ كلاَّ لَما ليُوَفِّيَنَّهم} ، فإنَّهم نصَبُوا كُلاًّ بِلَنُوَفِّيَنَّهم كأَنَّه قالَ: وإِن لَنُوَفِّيَنَّهم كُلاًّ، قالَ: وَلَو رُفِعَت كُلاّ لصلَح ذلكَ، تقولُ: إنْ زيدٌ لقائمٌ.
(وتكونُ) إنَّ (حَرْفَ جَوابٍ بمعْنَى نَعَمْ كَقَوْله) ، هُوَ عبيدُ اللَّهِ بنُ قَيْس الرُّقَيّات:
بَكَرَتْ عليَّ عَواذِلييَلْحَيْنَنِي وأَلُومُهُنَّهْ (ويَقُلْنَ شَيْبٌ قد عَلا (كَ وَقد كَبِرْتَ فقُلْتُ {إِنَّهْ) أَي: إِنَّه كَانَ كَمَا يَقُلْن.
قالَ أَبو عبيدٍ: وَهَذَا اخْتِصارٌ مِن كَلامِ العَرَبِ يُكْتَفى مِنْهُ بالضَّميرِ لأَنَّه قد عُلِم معْناهُ.
وأَمَّا قَوْلُ الأَخْفش إنَّه بمعْنَى نَعَمْ فإنَّما يُريدُ تأْوِيلَه ليسَ} أَنه موضُوعٌ فِي أَصْلِ اللّغَةِ كذلِكَ، قالَ: وَهَذِه الْهَاء أُدْخِلت للسكوتِ؛ كَذَا فِي الصِّحاحِ.
قلْتُ: ومِن ذلِكَ أَيْضاً قَوْله تعالَى: {إِن هذانِ لَساحِرانِ} ؛ أَخْبَرَ أَبُو عليَ أنَّ أَبا إسْحاق ذَهَبَ فِيهِ إِلَى أَن إنَّ هُنَا بمعْنَى نَعَمْ، وهذانِ مَرْفُوعٌ بالابْتِداءِ، وأنَّ اللامَ فِي لَساحِران داخِلَةٌ على غيرِ ضَرُورَةٍ، وَأَن تَقْديرَه نَعَمْ هذانِ هُما ساحِرانِ؛ وَقد رَدّه أَبو عليَ، رحِمَه اللَّهُ تعالَى، وبَيَّن فَسادَهُ.
وَفِي التَّهْذِيبِ: قالَ أَبو إسْحاق النّحويُّ: قَرَأَ المدنيُّونَ والكُوفيُّون إلاَّ عَاصِمًا: إنَّ هذانِ لَساحِران، ورُوِي عَن عاصِمٍ أنَّه قَرَأَ: إنْ هذانِ، بتخْفِيفِ إنْ؛ وقَرَأَ أَبو عَمْرٍ و: إِنَّ هذينِ لَساحِران، بتَشْدِيدِ إنَّ ونَصْبِ هذينِ؛ قالَ: والحجَّةُ فِي إنَّ هذانِ لَساحِرانِ، بالتَّشْديدِ والرَّفْع، أنَّ أَبا عُبَيْدَةَ رَوَى عَن أَبي الخطَّاب أنّها لغةٌ لكنانَةَ، يَجْعلونَ أَلفَ الاثْنَيْن فِي الرَّفْعِ والنَّصْبِ والخَفْضِ على لفْظٍ واحِدٍ. ورَوَى أَهْلُ الكُوفَة والكِسائي والفرَّاءُ: أنَّها لُغَةٌ لبَني الحرِثِ بنِ كَعْبٍ، قالَ: وقالَ النَّحويُّون القُدَماء: هَهُنَا هاءٌ مُضْمرَةٌ، المعْنَى: إنَّه هذانِ لَساحِرانِ.
قالَ أَبو إسْحاق: وأَجْودُ الأَوْجه عنْدِي أَن إنَّ وَقَعَتْ مَوْقعَ نَعَمْ، وأَنَّ اللامَ وَقَعَتْ مَوْقِعَها، وأَنَّ المعْنَى نَعَمْ هذانِ لَهما ساحِرانِ، قالَ: وَالَّذِي يَلِي هَذَا فِي الجَوْدةِ مَذْهبُ بني كِنانَةَ وبَلْحَرِثِ بنِ كَعْبٍ، فأَمَّا قراءَةُ أَبي عَمْرٍ وفلا أُجيزُها لأَنَّها خِلافُ المصْحَف؛ قالَ: وأَسْتحْسن قِراءَةَ عاصِمٍ، اه.
[تاج العروس ج 34 ص 200 201]
وقال في موضع آخر:
وَإِن ثَّنيْتَ،} ذَا قلْتَ {ذانِ لأنَّه لَا يصحُّ اجْتِماعُهما لسكونِهما فتَسْقُط إحْدَى الألِفَيْن، فمَنْ أْسَقَطَ أَلفَ ذَا قرَأَ: {إنَّ} هذَيْنِ لَساحِرانِ} فأَعْرَبَ، ومَنْ أَسْقَط أَلِفَ التَّثْنيةِ قَرأَ: {إنَّ هذانِ لَساحِرانِ} لأنَّ أَلفَ ذَا لَا يَقَعُ فِيهَا إعْرابٌ؛ وَقد قيل: إنَّها لغةُ بلحارِثِ بنِ كعْبٍ، كَذَا فِي الصِّحاح.
قَالَ ابنُ برِّي عنْدَ قولِ الجَوْهرِي مَنْ أَسْقَطَ أَلفَ التَّثْنيةِ قرَأَ: {إنَّ! هذانِ لَسَّاحِرانِ} : هَذَا وَهمٌ مِن الجَوْهرِي لأنَّ أَلفَ التَّثْنيةِ حَرْفٌ زِيدَ لمعْنًى، فَلَا تَسقُط وتَبْقى الألَفُ الأصْليَّةُ كَمَا لم يَسْقُط التَّنْوين فِي: هَذَا قاضٍ، وتَبْقى الياءُ الأصْليَّةُ لأنَّ التَّنّوينَ زِيدَ لمعْنًى فَلَا يصحُّ حذْفهُ، انتَهَى.
[تاج العروس ج 40 ص 424.]
قال محمد الطاهر بن عاشور( ت : 1393 ه):
وجملة { قَالُوا إنْ هٰذَانِ لَسٰحِرانِ } بدل اشتمال من جملة { وأسَرُّوا النَّجْوىٰ } ، لأن إسرار النجوى يشتمل على أقوال كثيرة ذُكر منها هذا القول، لأنّه القول الفصل بينهم والرأي الذي أرسوا عليه، فهو زبدة مخيض النجوى. وذلك شأن التشاور وتنازع الآراء أن يسفر عن رأي يصدر الجميع عنه.وإسناد القول إلى ضمير جمعهم على معنى قال بعضهم هذان لساحران، فقال جميعهم نعم هذان لسَاحران، فأسند هذا القول إلى جميعهم، أي مقالة تداولوا الخوض في شأنها فأرسوا عليها. وقال بعضهم لبعض نعم هو كذلك، ونطقوا بالكلام الذي استقرّ عليه رأيهم، وهو تحققهم أنّ موسى وأخاه ساحران.واعلم أنّ جميع القراء المعتبرين قرأوا بإثبات الألف في اسم الإشارة من قوله «هاذان» ما عدا أبا عمرو من العشرة وما عدا الحسن البصري من الأربعة عشر. وذلك يوجب اليقين بأن إثبات الألف في لفظ هذانِ أكثر تواتراً بقطع النظر عن كيفيّة النطق بكلمة إنّ مشدّدة أو مخفّفة، وأن أكثر مشهور القراءات المتواترة قرأوا ــــ بتشديد نون ــــ إنّ ما عدا ابنَ كثير وحفصاً عن عاصم فهما قرءَا إنْ ــــ بسكون النون ــــ على أنها مخففة من الثقيلة.وإن المصحف الإمام ما رسمُوه إلاّ اتّباعاً لأشهر القراءات المسموعة المروية من زمن النبي - صلى الله عليه وسلم - وقرّاء أصحابه، فإن حفظ القرآن في صدور القرّاء أقدم من كتابته في المصاحف، وما كتب في أصول المصاحف إلاّ من حفظ الكاتِبين، وما كُتب المصحف الإمام إلا من مجموع محفوظ الحُفاظ وما كتبه كتاب الوحي في مدة نزول الوحي.فأما قراءة الجمهور { إنّ هذان لساحران بتشديد نون إنّ وبالألف في هذان وكذلك في لساحران، فللمفسرين في توجيهها آراء بلغت الستّة. وأظهرها أن تكون إنّ حرف جواب مثل نعم وأجَل، وهو استعمال من استعمالات إنّ، أي اتبعوا لما استقر عليه أمرهم بعد النّجوى كقول عبد الله بن قيس الرقيّات
ويقلْن شيب قد عَلا كَ وقد كبِرت فقلت إنّه


أي أجل أو نعم ، والهاء في البيت هاءُ السّكْتتِ ، وقول عبد الله بن الزُبير لأعرابي استجداه فلم يعطه ، فقال الأعرابي : لعَن الله ناقة حملتني إليك . قال ابن الزّبير : إنّ وراكِبَها . وهذا التوجيه من مبتكرات أبي إسحاق الزجاج ذكره في تفسيره }. وقال : عرضته على عالمينا وشيْخينا وأستاذيْنا محمد بن يزيد ( يعني المبرد ) ، وإسماعيل بن إسحاق بن حمّاد ( يعني القاضي الشهير ) فقبلاه وذكرا أنه أجود ما سمعاه في هذا .
وقلت : لقد صدقا وحقّقا ، وما أورده ابن جنّي عليه من الرد فيه نظر .
وفي «التفسير الوجيز» للواحدي سأل إسماعيل القاضي ( هو ابن إسحاق بن حمّاد ) ابنَ كيسان عن هذه المسألة ، فقال ابنُ كيسان : لما لم يظهر في المبهم إعرابٌ في الواحد ولا في الجمع ( أي في قولهم هذا وهؤلاء إذ هما مبنيان ) جرت التثنية مجرى الواحد إذ التثنية يجب أن لا تغيّر . فقال له إسماعيل : ما أحسن هذا لو تقدمك أحد بالقول فيه حتى يُؤْنس به فقال له ابنُ كيسان: فليقل به القاضي حتى يؤنس به ، فتبسم .
وعلى هذا التوجيه يكون قوله تعالى : { إنّ هَذاننِ لسَاحِرانِ } حكايةً لمقال فريق من المتنازعين ، وهو الفريق الذي قبِل هذا الرأي لأنّ حرف الجواب يقتضي كلاماً سبقه .
ودخلت اللاّم على الخبر : إما على تقدير كون الخبر جملة حذف مبتدأها وهو مدخول اللام في التقدير ، ووجودُ اللاّم ينبىء بأن الجملة التي وقعت خبراً عن اسم الإشارة جملة قسميّة؛ وإما على رأي من يجيز دخول اللام على خبر المبتدأ في غير الضرورة .
ووجهت هذه القراءة أيضاً بجعل ( إنّ ) حرف توكيد وإعراببِ اسمها المثنّى جَرى على لغة كنانة وبِلْحارث بن كعب الذين يجعلون علامة إعراب المثنى الألفَ في أحوال الإعراب كلها ، وهي لغة مشهورة في الأدب العربي ولها شواهد كثيرة منها قول المتلمّس :
فأطرقَ إطراقَ الشُجاع ولو درى ... مساغاً لِنَأبَاهُ الشجاعُ لصمّما
وقرأه حفص بكسر الهمزة وتخفيف نون ( إنْ ) مسكنة على أنها مخففة ( إنّ ) المشددة . ووجه ذلك أن يكون اسم ( إنْ ) المخففة ضمير شأن محذوفاً على المشهور . وتكون اللاّم في { لساحران } اللاّم الفارقة بين ( إنْ ) المخففة وبين ( إن ) النافية .
وقرأ ابن كثير بسكون نون ( إنْ ) على أنها مخففة من الثقيلة وبإثبات الألف في «هذان» وبتشديد نون ( هاذانّ ).
وأما قراءة أبي عمرو وحده { إنَّ هذَيْن بتشديد نون ( إنّ ) وبالياء بعد ذال هذين . فقال القرطبي : هي مخالفة للمصحف . وأقل : ذلك لا يطعن فيها لأنّها رواية صحيحة ووافقت وجهاً مقبولاً في العربيّة .
ونزول القرآن بهذه الوجوه الفصيحة في الاستعمال ضرب من ضروب إعجازه لتجري تراكيبه على أفانين مختلفة المعاني متحدة المقصود . فلا التفات إلى ما روي من ادعاء أن كتابة إن هاذان خطأ من كاتب المصحف ، وروايتِهم ذلك عن أبانَ بن عثمان بن عفّان عن أبيه ، وعن عروة بن الزبير عن عائشة ، وليس في ذلك سند صحيح .
حسبوا أنّ المسلمين أخذوا قراءة القرآن من المصاحف وهذا تغفّل ، فإن المصحف ما كتب إلاّ بعد أن قرأ المسلمون القرآن نيّفاً وعشرين سنة في أقطار الإسلام ، وما كتبت المصاحف إلاّ من حفظ الحفّاظ ، وما أخذ المسلمون القرآن إلاّ من أفواه حُفّاظه قبل أن تكتب المصاحف ، وبعد ذلك إلى اليوم فلو كان في بعضها خطأ في الخطّ لما تبعه القراء ، ولكان بمنزلة ما تُرك من الألفات في كلمات كثيرة وبمنزلة كتابة ألف الصلاة ، والزكاة ، والحياة ، والرّبا بالواو في موضع الألف وما قرأوها إلاّ بألِفاتها. ( التحرير والتنوير) .
قال أحمد عبيد الدعاس (معاصر):
«قالُوا» الجملة مستأنفة «إِنْ» مخففة من إن الثقيلة لا عمل لها «هذانِ» اسم إشارة في محل رفع مبتدأ «لَساحِرانِ» اللام الفارقة وساحران خبر المبتدأ مرفوع بالألف والجملة في محل نصب مقول القول «يُرِيدانِ» مضارع مرفوع بثبوت النون والواو فاعل والجملة في محل رفع صفة لساحران.
[إعراب القرآن للدعاس ج 2/ 263].
قال يوسف بن خلف العيساوي (معاصر):
فوجه الطاعنون سهامهم نحو قراءة الجمهور، فقالوا: إنها لحن، والصواب: (إنَّ هذين). قالت الزنادقة: "من اللَّحن الفاحش، الذي لا يسوغ مثله ... نحو قوله: (إنَّ هَذَانِ لَسَاحِرانِ)، وهو موضع نصب ".
رد الطَّعن وبيان وجه الصواب:
لقد دافع العلماء عن قراءة الجمهور من السبعة، وأوردوا لها وجوها متعددة، وأفردها بالتصنيف الإمام ابن تيمية، وانتصر لها الباحثون المحدثون؛ لذا لن نُطيل فيها؛ فأقول: الجواب من وجهين:
الأول: هذه القراءة رُوِيت عن الجمّ الغفيرة فهي قراءة متواترة، وهؤلاء أخذوها عن أُمم تمنع العادة كذبهم فيها، فإذا أخذنا بقول الطَّاعنين طَعَنَّا في المتواتر، وهذا مسلك باطل. قال الإمام الرازيّ:
"لمّا كان نقل هذه القراءة في الشّهرة؛ كنقل جميع القرآن، فلو حكما ببطلانها جاز مثله في جميع القرآن، وذلك يفضي إلى القدح في التواتر وإلى القدح في كل القرآن، وأنّه باطل ".
الثاني: لقد أسلفت أن العلماء قد أجابوا عن هذه القراءة بإجابات كثيرة، وهي تزيد على العشرة.
وأمثل تلك الوجوه حمل القراءة على لغة إلزام المثنى بالألف.
قال النحاس: "مِنْ أحسن ما حُمِلت عليه الآية ".
قال المهدوي:
"فأما قراءة الباقين (إن هَذَانِ) ففيها وجوه، أحدها: أنها لغة بني الحارث بن كعب وخَثْعم، وغيرهم من العرب، أنّهم يجعلون علامة النصب الألف ".
وقال السمين الحلبي:
"وقد أُجيب عن ذلك: بأنه على لغةِ بني الحارث وبني الهُجَيْم وبني العَنْبر وزُبَيْد وعُذْرَة ومُراد وخَثْعَم. وحكى هذه اللغة الأئمةُ الكبارُ كأبي الخطَّاب وأبي زيد الأنصاريّ والكسائي. قال أبو زيد: (سمعت من العرب مَنْ يَقْلِبُ كل ياء ينفتح ما قبلها ألفا)، يجعلون المثنّى كالمقصور فيُثْبِتون ألفاً في جميع أحواله ".[رد البهتان عن إعراب آيات من القرآن الكريم ج 1/86،87 ].


التعليق:
هذه المسألة تفسيرية إعرابية نحوية ، وقد بحثتها كما يلي:
1- وجدت في التفاسير التي تنقل أقوال السلف : جامع البيان للطبري، النكت والعيون للمواردي، معالم التنزيل للبغوي، المحرر الوجيز لابن عطية ، وزاد المسير لابن الجوزي، وأحكام القرآن للقرطبي ، تفسير القرآن العظيم لابن كثير ، ونقلت منهم ، ولم أجد ذكر المسألة في الدر المنثور، ولقد أتممت بحثي بالبحث في تفسير الثعلبي ، وتفسير مكي بن أبي طالب ، وكنت أعتقد أنه يكفي بعضهم فقط فأرجو المعذرة.
2- من كتب المرتبة الأولى: تفسير القرآن ليحيى بن سلام ، ومجاز القرآن لأبي عبيدة معمر بن المثنى ، ومعاني القرآن للفراء، ومعاني القرآن للأخفش الأوسط ، وتأويل مشكل القرآن لابن قتيبة، ومعاني القرآن وإعرابه للزجاج ، ومعاني القرآن لأبي جعفر النحاس، بحثت فيهم كلهم ونقلت منهم.
3- من كتب المرتبة الثانية : بحثت في كتب الغريب كتفسير غريب القرآن لابن قتيبة ونزهة القلوب للسجستاني وياقوتة الصراط لأبي عمرو الزاهد ولم أجد فيهم ما يخص هذه المسألة لأنها إعرابية.
4- المرتبة الثالثة : راجعت الجمهرة ولم أتحصل على شيء، وكنت قدبحثت في كتاب العين للخليل بن أحمد ، ولغات القبائل الواردة في القرآن لابن سلام من خلال المكتبة الوقفية والشاملة على الآيباد ولم أتحصل على شيء ؛ ولكن بعد ما نزلت الشاملة على جهازي تمكنت من البحث ، فبحثت في كتاب العين وتهذيب اللغة ،والمحكم والمحيط الأعظم ، ولسان العرب وتاج العروس ونقلت منهم ، وهناك كتب بحثت فيها ولم أجد فيها مسألتي وهي : الجيم للشيباني، الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية للفارابي، مقاييس اللغة لابن فارس، المصباح المنير ، القاموس المحيط.
5- من كتب المرتبة الرابعة: بحثت في الكشاف للزمخشري، وحاشية الطيبي على الكشاف ، والبحر المحيط ، والدر المصون ، والتحرير والتنوير، ونقلت منهم.
6- من كتب المرتبة الخامسة: بحثت في إعراب القرآن للنحاس ، والتبيان في إعراب القرآن للعكبري ، وأضفت لبحثي إعراب القرآن للأصبهاني، وإعراب القرآن للباقولي منسوب خطأ للزجاج، إعراب القرآن للدعاس، ورد البهتان عن إعراب آيات من القرآن .
7- ظفرت برسالة لشيخ الإسلام بن تيمية خلال بحثي بعنوان (رسالة ابن تيمية في إن هذان لساحران) أضع رابطها http://waqfeya.com/book.php?bid=5260.
موجودة على موقع المكتبة الوقفية pdf. وهي رسالة قيمة جامعة لكل الأقوال مع المناقشة والتحقيق.
8- قمت بتظليل ما أضفته ليكون واضحاً ويسيراً عند مراجعته، ولكم جزيل الشكر على الملاحظات القيمة ، نفعنا الله وإياكم ورزقنا العلم النافع والعمل الصالح.
------

رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
مجلس, أداء

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
إبحث في الموضوع:

البحث المتقدم
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 01:59 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir