دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > العقيدة > متون العقيدة > ثلاثة الأصول وأدلتها

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 28 شوال 1429هـ/28-10-2008م, 11:47 PM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,453
افتراضي معنى الهجرة وحكمها

وَالهِجْرَةُ: الاِنْتِقَالُ مِنْ بَلَدِ الشِّرْكِ إِلى بَلَدِ الإِسْلاَمِ، وَالهِجْرَةُ: فَرِيضَةٌ عَلَى هَذِهِ الأُمَّةِ مِنْ بَلَدِ الشِّرْكِ إِلى بَلَدِ الإِسْلاَمِ، وَهِيَ بَاقِيَةٌ إِلى أَنْ تَقُومَ السَّاعَةُ.

وَالدَّلِيلُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ المَلاَئِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ في الأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولئِكَ مَأوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيراً (97) إِلاَّ المُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالوِلْدَانِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلاَ يَهْتَدُونَ سَبِيلاً (98) فَأُولئِكَ عَسَى اللهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللهُ عَفُوَّاً غَفُورًا}.
وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {يا عبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ}.
قَالَ البَغَوِيُّ -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى-: (سَبَبُ نُزُولِ هَذِهِ الآيَةِ في المُسْلِمِينَ الَّذِينَ بِمَكَّةَ لَمْ يُهَاجِرُوا؛ نَادَاهُـمُ اللهُ باسْمِ الإِيمَانِ).

وَالدَّلِيلُ عَلَى الهِجْرَةِ مِنَ السُّنَّةِ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم: ((لا تَنْقَطِعُ الهِجْرَةُ حَتَّى تَنْقَطِعَ التَّوْبَةُ، وَلا تَنْقَطِعُ التَّوْبَةُ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا)).


  #2  
قديم 16 ذو القعدة 1429هـ/14-11-2008م, 07:41 PM
حفيدة بني عامر حفيدة بني عامر غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: بلاد الحرمين .
المشاركات: 2,423
افتراضي شرح ثلاثة الأصول للشيخ: محمد بن صالح العثيمين

(1) الهجرةُ

في اللُّغَةِ: مأخوذةٌ من الهَجْرِ؛ هُوَ التَّرْكُ.
وأمَّا في الشرعِ: فهيَ كما قالَ الشيخُ: (الانتقالُ منْ بلدِ الشركِ إلى بلدِ الإسلامِ).
وبَلَدُ الشركِ:هوَ الَّذِي تُقَامُ فيها شعائرُ الكفرِ، ولا تُقَامُ فيهِ شعائرُ الإسلامِ؛ كَالأَذَانِ والصلاةِ جماعةً والأعيادِ والجُمُعَةِ على وَجْهٍ عامٍّ شاملٍ.
وإنَّمَا قُلْنَا على وجهٍ عامٍّ شاملٍ؛ لِيَخْرُجَ ما تُقَامُ فيهِ هذهِ الشعائرُ على وَجْهٍ محصورٍ، كبلادِ الكُفَّارِ التي فيها أَقَلِّيَّاتٌ مُسْلِمَةٌ؛ فإنَّها لا تَكُونُ بلادَ إسلامٍ بما تُقِيمُهُ الأَقَلِّيَّاتُ المسلمةُ فيها منْ شعائرِ الإسلامِ.
أمَّا بلادُ الإسلامِ:فهيَ البلادُ التي تُقَامُ فيها هذهِ الشعائرُ على وجهٍ عامٍّ شاملٍ.
(2) فهيَ واجبةٌ على كلِّ مؤمنٍ لا يَسْتَطِيعُ إظهارَ دِينِهِ في بلدِ الكفرِ، فلا يَتِمُّ إسلامُهُ إذا كانَ لا يَسْتَطِيعُ إظهارَهُ إلاَّ بالهجرةِ، وما لا يَتِمُّ الواجبُ إلاَّ بهِ فهوَ واجبٌ.
(3) في هذهِ الآيَةِ دليلٌ على أنَّ هؤلاءِ الذينَ لمْ يُهَاجِرُوا معَ قُدْرَتِهِم على الهجرةِ، أنَّ الملائكةَ تَتَوَفَّاهُم وَتُوَبِّخُهُم وتقولُ لهم: ألمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ واسعةً فَتُهَاجِرُوا فيها؟ أمَّا العاجزونَ عن الهجرةِ من المُسْتَضْعَفِينَ؛ فقدْ عَفَا اللَّهُ عنهم لِعَجْزِهِم عن الهجرةِ، وَلاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إلاَّ وُسْعَهَا.
(4) الظَّاهرُ أنَّ الشيخَ رَحِمَهُ اللَّهُ نَقَلَ هذا عن البَغَوِيِّ بمعناهُ هذا، إنْ كانَ نَقَلَهُ من التفسيرِ؛ إذْ لَيْسَ المذكورُ في تفسيرِ البغويِّ لهذهِ الآيَةِ بهذا اللَّفْظِ.
(5) وذلكَ حينَ انتهاءِ العملِ الصالحِ المقبولِ، قالَ اللَّهُ تَعَالَى: {يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لاَ يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا} والمرادُ ببعضِ الآياتِ هنا طُلُوعُ الشمسِ منْ مَغْرِبِهَا.
(تَتِمَّةٌ): نَذْكُرُ هنا حُكْمَ السفرِ إلى بلادِ الكفرِ فنقولُ: السفرُ إلى بلادِ الكُفَّارِ لا يجوزُ إلاَّ بثلاثةِ شُرُوطٍ:
الشَّرْطُ الأَوَّلُ:أنْ يكونَ عندَ الإنسانِ عِلْمٌ يَدْفَعُ بهِ الشُّبُهاتِ.
الشرطُ الثاني:أنْ يكونَ عندَهُ دِينٌ يَمْنَعُهُ من الشَّهَواتِ.
الشرطُ الثالثُ:أنْ يكونَ مُحْتَاجًا إلى ذلكَ.
فإنْ لم تَتِمَّ هذهِ الشروطُ؛ فإنَّهُ لا يجوزُ السفرُ إلى بلادِ الكُفَّارِ لِمَا في ذلكَ من الفتنةِ، أوْ خوفِ الفتنةِ، وفيهِ إضاعةُ المالِ؛ لأنَّ الإنسانَ يُنْفِقُ أَمْوَالاً كثيرةً في هذهِ الأسفارِ.
أمَّا إذا دَعَت الحاجةُ إلى ذلكَ؛لعلاجٍ، أوْ تَلَقِّي علمٍ لا يُوجَدُ في بلدِهِ، وكانَ عندَهُ عِلْمٌ ودينٌ على ما وَصَفْنَا، فهذا لا بَأْسَ بهِ.
وأمَّا السفرُ للسياحةِ في بِلاَدِ الكُفَّارِ،فهذا ليسَ بحاجةٍ، وبإمكانِهِ أنْ يَذْهَبَ إلى بلادٍ إِسْلاَمِيَّةٍ يُحَافِظُ أَهْلُهَا على شعائرِ الإسلامِ.
وبلادُنَا الآنَ والحمدُ للَّهِ أَصْبَحَتْ بِلاَداً سِيَاحِيَّةً في بعضِ المناطقِ، فَبِإِمْكَانِهِ أنْ يَذْهَبَ إليها، وَيَقْضِيَ زَمَنَ إِجَازَتِهِ فيها.
وأمَّا الإقامةُ في بلادِ الكُفَّارِ؛فإنَّ خَطَرَهَا عظيمٌ على دينِ المسلمِ وأخلاقِهِ وسلوكِهِ وآدابِهِ، وقدْ شَاهَدْنَا وغَيْرُنَا انْحِرَافَ كثيرٍ مِمَّنْ أَقَامُوا هناكَ، فَرَجَعُوا بغيرِ ما ذَهَبُوا بهِ، رَجَعُوا فُسَّاقًا، وبعضُهُم رَجَعَ مُرْتَدًّا عنْ دِينِهِ وَكَافِرًا بهِ وبسائرِ الأديانِ والعِيَاذُ باللَّهِ، حتَّى صَارُوا إلى الجُحُودِ المُطْلَقِ والاستهزاءِ بالدِّينِ وأهلِهِ السابقينَ منهم واللاحقينَ؛ ولهذا كانَ يَنْبَغِي بلْ يَتَعَيَّنُ التَّحَفُّظُ منْ ذلكَ، وَوَضْعُ الشروطِ التي تَمْنَعُ من الهَوِيِّ في تلكَ المَهَالِكِ.
فالإقامةُ في بلادِ الكُفْرِ لا بُدَّ فيها منْ شَرْطَيْنِ أَسَاسِيَّيْنِ:
الشرطُ الأَوَّلُ:أَمْنُ المُقِيمِ على دِينِهِ، بِحَيْثُ يكونُ عندَهُ من العلمِ والإيمانِ وقُوَّةِ العَزِيمَةِ ما يُطَمْئِنُهُ على الثباتِ على دينِهِ والحَذَرِ من الانحرافِ والزَّيْغِ، وأنْ يكونَ مُضْمِرًا لعداوةِ الكافرينَ وبُغْضِهِم، مُبْتَعِدًا عنْ مُوَالاَتِهِم وَمَحَبَّتِهِم؛ فإنَّ مُوَالاَتَهُم وَمَحَبَّتَهُم مِمَّا يُنَافِي الإيمانَ باللَّهِ، قالَ تَعَالَى: {لاَ تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ}.
وقالَ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (51) فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ}.
وَثَبَتَ في الصحيحِ عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((أَنَّ مَنْ أَحَبَّ قَوْمًا فَهُوَ مِنْهُمْ، وَأَنَّ المَرْءَ مَعَ مَنْ أَحَبَّ)).
وَمَحَبَّةُ أعداءِ اللَّهِ منْ أعظمِ ما يكونُ خَطَرًا على المسلمِ؛ لأنَّ مَحَبَّتَهُم تَسْتَلْزِمُ مُوَافَقَتَهُم واتِّبَاعَهُم، أوْ على الأَقَلِّ عَدَمَ الإنكارِ عليهم؛ ولذلكَ قالَ النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((مَنْ أَحَبَّ قَوْمًا فَهُوَ مِنْهُمْ)).
الشرطُ الثاني:أنْ يَتَمَكَّنَ منْ إظهارِ دينِهِ؛ بحيثُ يقومُ بشعائرِ الإسلامِ بدونِ مُمَانِعٍ، فلا يُمْنَعُ منْ إقامةِ الصلاةِ والجُمُعَةِ والجماعاتِ إنْ كانَ مَعَهُ مَنْ يُصَلِّي جماعةً ومَنْ يُقِيمُ الجُمُعَةَ، ولا يُمْنَعُ من الزكاةِ والصيامِ والحَجِّ وغيرِهَا منْ شعائرِ الدينِ، فإنْ كانَ لا يَتَمَكَّنُ منْ ذلكَ لم تَجُز الإقامةُ لوُجُوبِ الهجرةِ حينئذٍ.
قالَ في (المُغْنِي) (ص457ج8) في الكلامِ على أقسامِ النَّاسِ في الهجرةِ: (أَحَدُهَا: مَنْ تَجِبُ عليهِ، وهُوَ مَنْ يَقْدِرُ عليها ولا يُمْكِنُهُ إظهارُ دينِهِ، ولا تُمَكِّنُهُ منْ إقامةِ واجباتِ دينِهِ معَ المُقامِ بينَ الكُفَّارِ، فهذا تَجِبُ عليهِ الهجرةُ لقولِهِ تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلاَئِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا}.
وهذا وَعِيدٌ شديدٌ يَدُلُّ على الوجوبِ؛ ولأنَّ القيامَ بواجبِ دينِهِ واجبٌ على مَنْ قَدَرَ عليهِ، والهجرةُ مِنْ ضرورةِ الواجبِ وَتَتِمَّتِهِ، وما لا يَتِمُّ الواجبُ إلاَّ بهِ فهوَ واجبٌ) ا.هـ.
وبعدَ تمامِ هَذَيْنِ الشرطَيْنِ الأساسِيَّيْنِ تَنْقَسِمُ الإقامةُ في دارِ الكفرِ إلى أقسامٍ:
القسمُ الأَوَّلُ:أنْ يُقِيمَ للدَّعْوَةِ إلى الإسلامِ والترغيبِ فيهِ، فهذا نوعٌ من الجهادِ، فهيَ فَرْضُ كِفَايَةٍ على مَنْ قَدَرَ عليها، بشرطِ أنْ تَتَحَقَّقَ الدعوةُ، وأنْ لا يُوجَدَ مَنْ يَمْنَعُ منها أوْ من الاستجابةِ إليها؛ لأنَّ الدعوةَ إلى الإسلامِ منْ واجباتِ الدينِ، وهيَ طريقةُ المُرْسَلِينَ، وقدْ أَمَرَ النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالتبليغِ عنهُ في كلِّ زمانٍ ومكانٍ، فقالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((بَلِّغُوا عَنِّي وَلَوْ آيَةً)).
القسمُ الثاني:أنْ يُقِيمَ لدراسةِ أحوالِ الكافرينَ والتَّعَرُّفِ على ما هُمْ عليهِ منْ فسادِ العقيدةِ، وبُطْلاَنِ التَّعَبُّدِ، وانحلالِ الأخلاقِ، وفَوْضَوِيَّةِ السُّلُوكِ؛ لِيُحَذِّرَ النَّاسَ من الاغترارِ بهم، وَيُبَيِّنَ لِلْمُعْجَبِينَ بهم حقيقةَ حَالِهِم، وهذهِ الإقامةُ نوعٌ من الجهادِ أيضًا؛ لِمَا يَتَرَتَّبُ عليها من التحذيرِ من الكفرِ وَأَهْلِهِ المُتَضَمِّنِ للترغيبِ في الإسلامِ وهَدْيِهِ؛ لأنَّ فسادَ الكفرِ دليلٌ على صلاحِ الإسلامِ، كما قِيلَ: وَبِضِدِّها تَتَبَيَّنُ الأشياءُ.
لكنْ لا بُدَّ منْ شَرْطٍ:أنْ يَتَحَقَّقَ مُرَادُهُ بدونِ مَفْسَدَةٍ أعظمَ منهُ، فإنْ لم يَتَحَقَّقْ مُرَادُهُ بأنْ مُنِعَ منْ نَشْرِ ما هم عليهِ والتحذيرِ منهُ فلا فائدةَ منْ إقامتِهِ، وإنْ تَحَقَّقَ مُرَادُهُ معَ مَفْسَدَةٍ أَعْظَمَ مثلِ: أنْ يُقَابِلُوا فِعْلَهُ بِسَبِّ الإسلامِ ورسولِ الإسلامِ وَأَئِمَّةِ الإسلامِ وَجَبَ الكَفُّ؛ لقولِهِ تَعَالَى: {وَلاَ تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ مَرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}.
ويُشْبِهُ هذا أنْ يُقِيمَ في بلادِ الكفرِ ليكونَ عَيْنًا للمسلمينَ؛ لِيَعْرِفَ ما يُدَبِّرُوهُ للمسلمينَ من المكايدِ، فَيَحْذَرَهُم المسلمونَ، كَمَا أَرْسَلَ النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حُذَيْفَةَ بنَ اليَمَانِ إلى المُشْرِكِينَ في غَزْوَةِ الخَنْدَقِ لِيَعْرِفَ خَبَرَهُم.
القسمُ الثالثُ:أنْ يُقِيمَ لحاجةِ الدولةِ المسلمةِ وَتَنْظِيمِ عَلاقاتِهَا معَ دُوَلِ الكُفْرِ؛ كَمُوَظَّفِي السفاراتِ.
فَحُكْمُهَا حُكْمُ ما أَقَامَ منْ أجلِهِ، فالمُلْحَقُ الثقافيُّ مَثَلاً، يُقِيمُ لِيَرْعَى شُئُونَ الطَّلَبَةِ، وَيُرَاقِبَهُم، وَيَحْمِلَهُم على التزامِ دينِ الإسلامِ وأخلاقِهِ وآدابِهِ، فَيَحْصُلُ بِإِقَامَتِهِ مصلحةٌ كبيرةٌ، وَيَنْدَرِئُ بِهَا شَرٌّ كبيرٌ.
القسمُ الرابعُ:أنْ يُقِيمَ لِحَاجَةٍ خَاصَّةٍ مُبَاحَةٍ؛ كالتجارةِ والعلاجِ، فَتُبَاحُ الإقامةُ بِقَدْرِ الحاجةِ. وقدْ نَصَّ أهلُ العلمِ رَحِمَهُم اللَّهُ على جَوَازِ دُخولِ بلادِ الكُفَّارِ للتجارةِ، وَأَثَرُوا ذلكَ عنْ بعضِ الصحابةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُم.
القسمُ الخامسُ:أنْ يُقِيمَ للدراسةِ، وهيَ منْ جِنْسِ ما قَبْلَهَا إقامةٌ لحاجةٍ، لكنَّها أَخْطَرُ منها وَأَشَدُّ فَتْكًا بِدِينِ المُقِيمِ وأخلاقِهِ؛ فإنَّ الطالبَ يَشْعُرُ بِدُنُوِّ مَرْتَبَتِهِ، وَعُلُوِّ مَرْتَبَةِ مُعَلِّمِيهِ، فَيَحْصُلُ منْ ذلكَ تَعْظِيمُهُم والاقتناعُ بآرائِهِم وأفكارِهِم وسُلُوكِهِم، فَيُقَلِّدُهُم إلاَّ مَنْ شاءَ اللَّهُ عِصْمَتَهُ، وهُمْ قليلٌ.
ثُمَّ إنَّ الطالبَ يَشْعُرُ بحاجتِهِ إلى مُعَلِّمِهِ، فَيُؤَدِّي ذلكَ إلى التَّوَدُّدِ إليهِ وَمُدَاهَنَتِهِ فيما هوَ عليهِ من الانحرافِ والضلالِ.
والطالبُ في مَقَرِّ تَعَلُّمِهِ لهُ زملاءُ، يَتَّخِذُ منهم أصدقاءَ، يُحِبُّهُم وَيَتَوَلاَّهُم وَيَكْتَسِبُ منهم.
ومنْ أجْلِ خَطَرِ هذا القسمِ وَجَبَ التَّحَفُّظُ فيهِ أَكْثَرَ مِمَّا قَبْلَهُ، فَيُشْتَرَطُ فيهِ بالإضافةِ إلى الشرطَيْنِ الأساسِيَّيْنِ شُرُوطٌ:
الشرطُ الأَوَّلُ:أنْ يكونَ الطالبُ على مُسْتَوًى كبيرٍ من النُّضُوجِ العقليِّ الَّذِي يُمَيِّزُ بهِ بينَ النافعِ والضارِّ، وَيَنْظُرُ بهِ إلى المستقبلِ البعيدِ.
فأمَّا بَعْثُ الأحداثِ (صِغَارِ السنِّ) وَذَوِي العقولِ الصغيرةِ؛ فهوَ خَطَرٌ عظيمٌ على دِينِهِم وَخُلُقِهِم وَسُلُوكِهِم.
ثُمَّ هوَ خَطَرٌ على أُمَّتِهِم التي سَيَرْجِعُونَ إليها، وَيَنْفُثُونَ فيها من السُّمُومِ التي نَهَلُوهَا منْ أولئكَ الكُفَّارِ، كما شَهِدَ وَيَشْهَدُ بهِ الواقعُ؛ فإنَّ كثيرًا منْ أُولَئِكُم المبعوثينَ رَجَعُوا بغيرِ ما ذَهَبوا بهِ، رَجَعُوا مُنْحَرِفِينَ في دِيَانَاتِهِم وأخلاقِهِم وسُلُوكِهِم، وَحَصَلَ عليهم وعلى مُجْتَمَعِهِم من الضررِ في هذهِ الأمورِ ما هوَ معلومٌ مُشَاهَدٌ، وما مَثَلُ بَعْثِ هؤلاءِ إلاَّ كَمَثَلِ تقديمِ النِّعَاجِ للْكِلاَبِ الضاريَةِ.
الشرطُ الثاني:أنْ يكونَ عندَ الطالبِ منْ عِلْمِ الشريعةِ ما يَتَمَكَّنُ بهِ من التمييزِ بينَ الحقِّ والباطلِ، ومقارعةِ الباطلِ بالحقِّ؛ لِئَلاَّ يَنْخَدِعَ بما هُمْ عليهِ من الباطلِ فَيَظُنَّهُ حَقًّا، أوْ يَلْتَبِسَ عليهِ أوْ يَعْجَزَ عنْ دَفْعِهِ فَيَبْقَى حَيْرَانَ أوْ يَتَّبِعَ الباطلَ.
وفي الدعاءِ المأثورِ:((اللَّهُمَّ أَرِنِي الْحَقَّ حَقًّا وَارْزُقْنِي اتِّبَاعَهُ، وَأَرِنِي الْبَاطِلَ بَاطِلاً وَارْزُقْنِي اجْتِنَابَهُ، وَلاَ تَجْعَلْهُ مُلْتَبِسًا عَلَيَّ فَأَضِلَّ)).
الشرطُ الثالثُ:أنْ يكونَ عندَ الطالبِ دينٌ يَحْمِيهِ، وَيَتَحَصَّنُ بهِ من الكفرِ والفسوقِ.
فضعيفُ الدينِ لا يَسْلَمُ معَ الإقامةِ هناكَ إلاَّ أنْ يشاءَ اللَّهُ؛ وذلكَ لِقُوَّةِ المُهَاجِمِ وضَعْفِ المُقَاوِمِ، فأسبابُ الكفرِ والفسوقِ هناكَ قَوِيَّةٌ وكثيرةٌ متنوِّعَةٌ، فإذا صَادَفَتْ مَحَلاًّ ضعيفَ المقاومةِ عَمِلَتْ عَمَلَهَا.
الشرطُ الرابعُ:أنْ تَدْعُوَ الحاجةُ إلى العلمِ الَّذِي أَقَامَ منْ أَجْلِهِ، بأنْ يكونَ في تَعَلُّمِهِ مصلحةٌ للمسلمينَ، ولا يُوجَدُ لهُ نظيرٌ في المدارسِ في بلادِهِم، فإنْ كانَ منْ فُضُولِ العلمِ الَّذِي لا مَصْلَحَةَ فيهِ للمسلمينَ، أوْ كانَ في البلادِ الإسلاميَّةِ من المدارسِ نظيرُهُ، لم يَجُزْ أنْ يُقِيمَ في بلادِ الكفرِ منْ أجلِهِ؛ لِمَا في الإقامةِ من الخطرِ على الدينِ والأخلاقِ، وإضاعةِ الأموالِ الكثيرةِ بدونِ فائدةٍ.
القسمُ السادسُ:أنْ يُقِيمَ للسَّكَنِ، وهذا أَخْطَرُ مِمَّا قَبْلَهُ، وَأَعْظَمُ؛ لِمَا يَتَرَتَّبُ عليهِ من المفاسدِ بالاخْتِلاطِ التامِّ بأهلِ الكفرِ، وَشُعُورِهِ بأنَّهُ مُوَاطِنٌ مُلْتَزِمٌ بما تَقْتَضِيهِ الوطنيَّةُ منْ مَوَدَّةٍ ومُوَالاةٍ وتكثيرٍ لِسَوَادِ الكُفَّار، وَيَتَرَبَّى أهلُهُ بينَ أهلِ الكفرِ، فَيَأْخُذُونَ منْ أخلاقِهِم وَعَادَاتِهِم، وربَّمَا قَلَّدُوهُم في العقيدةِ والتَّعَبُّدِ؛ ولذلكَ جاءَ في الحديثِ عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((مَنْ جَامَعَ الْمُشْرِكَ وَسَكَنَ مَعَهُ فَهُوَ مِثْلُهُ)).
وهذا الحديثُ وإنْ كانَ ضعيفَ السندِ لكنَّ لهُ وِجْهةٌ من النَّظَرِ؛ فإنَّ المُسَاكَنَةَ تَدْعُو إلى المُشَاكَلَةِ.
وعنْ قيسِ بنِ حازمٍ، عنْ جريرِ بنِ عبدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أنَّ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالَ: ((أَنَا بَرِيءٌ مِنْ كُلِّ مُسْلِمٍ يُقِيمُ بَيْنَ أَظْهُرِ الْمُشْرِكِينَ)) قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَلِمَ؟ قَالَ: ((لاَ تَرَاءَى نَارَاهُمَا)) رَوَاهُ أبو دَاوُدَ والتِّرْمِذِيُّ.
وأكثرُ الرُّوَاةِ رَوَوْهُ مُرْسَلاً عنْ قيسِ بنِ حازمٍ عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قالَ الترمذيُّ: سَمِعْتُ مُحَمَّدًا - يَعْنِي البُخَارِيَّ - يقولُ: الصحيحُ: حديثُ قيسٍ عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُرْسَلٌ ا.هـ.
وكيفَ تَطِيبُ نفسُ مُؤْمِنٍ أنْ يَسْكُنَ في بلادِ كُفَّارٍ تُعْلَنُ فيها شَعَائِرُ الكفرِ، ويكونُ الحُكْمُ فيها لغيرِ اللَّهِ ورسولِهِ، وهُوَ يُشَاهِدُ ذلكَ بِعَيْنِهِ، وَيَسْمَعُهُ بِأُذُنَيْهِ، وَيَرْضَى بهِ، بلْ يَنْتَسِبُ إلى تلكَ البلادِ، ويَسْكُنُ فيها بأهلِهِ وأولادِهِ، وَيَطْمَئِنُّ إليها كما يَطْمَئِنُّ إلى بلادِ المسلمينَ معَ ما في ذلكَ من الخطرِ العظيمِ عليهِ، وعلى أهلِهِ وأولادِهِ، في دينِهِم وأخلاقِهِم.
هذا ما تَوَصَّلْنَا إليهِ في حكمِ الإقامةِ في بلادِ الكفرِ، نَسْأَلُ اللَّهَ أنْ يَكُونَ مُوَافِقًا للحقِّ والصوابِ.


  #3  
قديم 16 ذو القعدة 1429هـ/14-11-2008م, 07:43 PM
حفيدة بني عامر حفيدة بني عامر غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: بلاد الحرمين .
المشاركات: 2,423
افتراضي حاشية ثلاثة الأصول للشيخ: عبد الرحمن بن محمد ابن قاسم

المتن :

وَالهِجْرَةُ: الاِنْتِقَالُ مِنْ بَلَدِ الشِّرْكِ إِلى بَلَدِ الإِسْلاَمِ(1)، وَالهِجْرَةُ: فَرِيضَةٌ عَلَى هَذِهِ الأُمَّةِ مِنْ بَلَدِ الشِّرْكِ إِلى بَلَدِ الإِسْلاَمِ(2)، وَهِيَ بَاقِيَةٌ إِلى أَنْ تَقُومَ السَّاعَةُ(3).

وَالدَّلِيلُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ المَلاَئِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ(4) قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ(5) قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ في الأَرْضِ(6) قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا(7) فَأُولئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيراً(8) (97) إِلاَّ المُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالوِلْدَانِ(9) لاَ يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً(10) وَلاَ يَهْتَدُونَ سَبِيلاً(11) (98) فَأُولئِكَ عَسَى اللهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ(12) وَكَانَ اللهُ عَفُوَّاً غَفُورًا(13)}.

وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {يا عبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ(14) فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ(15)}.
قَالَ البَغَوِيُّ -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى-(16): (سَبَبُ نُزُولِ هَذِهِ الآيَةِ في المُسْلِمِينَ الَّذِينَ بِمَكَّةَ لَمْ يُهَاجِرُوا؛ نَادَاهُـمُ اللهُ باسْمِ الإِيمَانِ)(17).



وَالدَّلِيلُ عَلَى الهِجْرَةِ مِنَ السُّنَّةِ(18) قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم: ((لا تَنْقَطِعُ الهِجْرَةُ حَتَّى تَنْقَطِعَ التَّوْبَةُ(19)، وَلا تَنْقَطِعُ التَّوْبَةُ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا))(20).




الحاشية :

(1) إِحْرَازًا للدِّينِ، وسُمِّيَ المُهَاجِرُونَ مُهَاجِرِينَ؛ لأَِنَّهُم هَجَرُوا دِيارَهُم، ومَسَاكِنَهُم التي نَشَؤُوا بِهَا للَّهِ، ولَحِقُوا بِدَارٍ لَيْسَ لَهُم فيها أَهْلٌ ولاَ مَالٌ، حِينَ هَاجَرُوا إِلَى المَدِينَةِ، فَكُلُّ مَن فَارَقَ بَلَدَه فهو مُهَاجِرٌ، والمُهَاجَرَةُ في الأَصْلِ: مُصَارَمَةُ الغَيْرِ، ومُقَاطَعَتُه ومُبَاعَدَتُه.

(2) مَعْلُومٌ ثُبُوتُها بالكِتَابِ والسُّنَّةِ والإِجْمَاعِ، مُتَوَعَّدٌ مَن تَرَكَهَا.
وقَدْ حَكَى الإِجْمَاعَ عَلَى وجُوبِهَا، مِن بَلَدِ الشِّرْكِ إِلَى بَلَدِ الإِسْلاَمِ غيرُ واحِدٍ مِن أَهْلِ العِلْمِ، بل فَرَضَها اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والصَّحَابَةِ، قَبْلَ فَرْضِ الصَّوْمِ والحَجِّ، كَمَا هو مُقَرَّرٌ فِي كُتُبِ الأُصُولِ والفُرُوعِ، مَعْلُومٌ بالضَّرُورَةِ مِن الدِّينِ.

(3) باتِّفَاقِ مَن يُعْتَدُّ به مِن أَهْلِ العِلْمِ.
قَالَ شَيْخُ الإِسْلاَمِ: (لاَ يَسْلَمُ أَحَدٌ مِن الشِّرْكِ، إلاَّ بالمُبَايَنَةِ لأَِهْلِه).

(4) يعني: بالإِقَامَةِ بَيْنَ أَظْهُرِ الكُفَّارِ، نَزَلَتْ في أُنَاسٍ مِن أَهْلِ مَكَّةَ، تَكَلَّمُوا بالإِسْلاَمِ، ولم يُهَاجِرُوا؛ فَقَالَ: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ المَلاَئِكَةُ} أَرَادَ مَلَكَ المَوْتِ وأَعْوَانَه، أو مَلَكَ المَوْتِ وحدَه، فإِنَّ العَرَبَ قَدْ تُخَاطِبُ الوَاحِدَ بلَفْظِ الجَمْعِ {ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ} بِتَرْكِ الهِجْرَةِ.

(5) أيْ: لِمَ مَكَثْتُم ههنا، وتَرَكْتُم الهِجْرَةَ؟ اسْتِفْهَامُ إِنْكَارٍ، وتَوْبِيخٍ وتَقْرِيعٍ، يَعُودُ مَعْنَاه إِلَى: لِمَ مَكَثْتُم ههنا، وتَرَكْتُم الهِجْرَةَ، وفي أيِّ فَرِيقٍ كُنْتُم، والمَلاَئِكَةُ تَعْلَمُ: في أيِّ فَرِيقٍ كَانَ فيه التَّارِكُونَ للهِجْرَةِ، بعدَ ما وَجَبَتْ عَلَيْهِم.

(6) عَاجِزِينَ عن الهِجْرَةِ، لاَ نَقْدِرُ عَلَى الخُرُوجِ مِن البَلَدِ، ولاَ الذَّهَابِ في الأَرْضِ.

(7) يَعْنِي: إِلَى المَدِينَةِ، فتَخْرُجُوا مِن بَيْنِ أَهْلِ الشِّرْكِ، ولَمْ تَعْذُرْهُم المَلاَئِكَةُ، وفي الحديثِ: ((مَنْ جَامَعَ المُشْرِكَ وَسَكَنَ مَعَهُ فَإِنَّهُ مِثْلُهُ)) رَوَاهُ أَبُو داودَ وغيرُه في أَحَادِيثَ أُخَرَ.

(8) أيْ: بِئْسَ المَصِيرُ إِلَى جَهَنَّمَ، وهذا فيه: أَنَّ تَارِكَ الهِجْرَةِ بعدَما وَجَبَتْ عَلَيْهِ، مُرْتَكِبٌ كَبِيرَةً مِن كَبَائِرِ الذُّنُوبِ.

(9) العَاجِزُ عن الهِجْرَةِ، والوِلْدَانُ: جَمْعُ ولِيدٍ، وَوَلِيدَةٍ، والوَليِدُ: الغُلاَمُ قبلَ أنْ يَحْتَلِمَ.

(10) أيْ: مِن مُفَارَقَةِ المُشْرِكِينَ، فَلاَ يَقْدِرُونَ عَلَى حِيلَةٍ، ولاَ عَلَى نَفَقَةٍ، ولاَ عَلَى القُوَّةِ للخُرُوجِ.

(11) لاَ يَعْرِفُونَ طَرِيقًا إلى الخُرُوجِ مِن مَكَّةَ إلى المَدِينَةِ، حَيْثُ كَانَتْ هي إِذْ ذَاكَ بَلَدَ الإِسْلاَمِ.

(12) أيْ: يَتَجَاوَزُ عَن المُسْتَضْعَفِينَ، وأَهْلِ الأَعْذَارِ بتَرْكِ الهِجْرَةِ، و{عَسَى} مِن اللَّهِ واجِبٌ؛ لأَِنَّه للإِطْمَاعِ.

(13) عَفُوًّا يَتَجَاوَزُ عن سَيِّئَآتِهِم، غَفُورًا لِمَنْ تَابَ إليه، لاَ يُكَلِّفُ نَفْسًا إلاَّ وُسْعَهَا؛ قالَ ابنُ عَبَّاسٍ: (كُنْتُ أَنَا وأُمِّي مِن المُسْتَضْعَفِينَ، وكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْعُو للمُسْتَضْعَفِينَ فِي الصَّلاَةِ).

(14) أَمَرَ تَعَالَى عِبَادَه المُؤْمِنِينَ بالهِجْرَةِ، مِن البَلَدِ الذي لاَ يَقْدِرُونَ فيه عَلَى إِقَامَةِ الدِّينِ، إِلَى أَرْضِهِ الوَاسِعَةِ، وأَخْبَرَ أَنَّ الأَرْضَ غَيْرُ ضَيِّقَةٍ بل وَاسِعَةٌ، تَسَعُ جَمِيعَ الخَلاَئِقِ.
فإِذَا كَانَ الإِنْسَانُ في أَرْضٍ، لَمْ يتَمَكَّنْ مِن إِظْهَارِ دِينِه فيها، فإنَّ اللَّهَ قَدْ وَسَّعَ لَهُ الأَرْضَ، ليَعْبُدَه فيها كَمَا أَمَرَ، وكذلك يَجِبُ عَلَى كُلِّ مَن كَانَ بِبَلَدٍ يُعْمَلُ فيها بالمَعَاصِي، ولاَ يُمْكِنُه تَغْييرُها: أنْ يُهَاجِرَ مِنْها.

(15) أيْ: وحِّدُونِ في أَرْضِي الوَاسِعَةِ، التي خَلَقْتُها ومَا عَلَيْهَا لَكُم، وخَلَقْتُكُم عَلَيْهَا لعِبَادَتِي، وفي الحَدِيثِ القُدُسِيِّ: ((ابْنَ آدَمَ خَلَقْتُكَ لأَِجْلِي، وَخَلَقْتُ كُلَّ شَيْءٍ لأَِجْلِكَ)).

(16) المُلَقَّبُ: مُحْيي السُّنَّةِ، أَبُو مُحَمَّدٍ الحُسَيْنُ بنُ مَسْعُودٍ الفَرَّاءُ، صَاحِبُ التَّفْسِيرِ، (وشَرْحِ السُّنَّةِ) وغيرِهِمَا، المُتَوفَّى سَنَةَ خَمْسِمِائَةٍ وسِتَّ عَشْرَةَ.

(17) حَكَاه عَن جَمَاعَةٍ مِن التَّابِعِينَ، فَأَفَادَ: أنَّ تَارِكَ الهِجْرَةِ بَعْدَمَا وجَبَتْ عَلَيْهِ لَيْسَ بكَافِرٍ، لَكِنَّه عَاصٍ بتَرْكِهَا، فهو مُؤْمِنٌ ناقِصُ الإِيمَانِ، عَاصٍ مِن عُصَاةِ المُوَحِّدِينَ المُؤْمِنِينَ.

(18) أيْ: عَلَى وجُوبِ الهِجْرَةِ، مِن بَلَدِ الشِّرْكِ إلى بَلَدِ الإِسْلاَمِ، مِن سُنَّةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، التي أَمَرَنا باتِّباعِها.

(19) أيْ: لاَ تَنْقَطِعُ الهِجْرَةُ، مِن بَلَدِ الشِّرْكِ إلى بَلَدِ الإسلامِ، حتَّى تَنْقَطِعَ التَّوْبَةُ، أيْ: حتَّى لاَ تُقْبَلَ التَّوْبَةُ مِمَّنْ تَابَ.

فَدَلَّ الحديثُ:عَلَى أَنَّ التَّوْبَةَ مَا دَامَتْ مَقْبُولَةً، فالهِجْرَةُ واجِبَةٌ بِحَالِهَا.

وأمَّا حَدِيثُ ابنِ عَبَّاسٍ: ((لاَ هِجْرَةَ بَعْدَ الفَتْحِ وَلَكِنْ جِهَادٌ وَنِيَّةٌ))فالمُرَادُ: لاَ هِجْرَةَ بعدَ فَتْحِ مَكَّةَ منها إلى المَدِينَةِ، حَيْثُ كَانَتْ مَكَّةُ بَعْدَ فَتْحِهَا بَلَدَ إِسْلاَمٍ.

فَإِنَّ أُنَاسًا أَرَادُوا أَنْ يُهَاجِرُوا منها إلى المَدِينَةِ، ظَنًّا مِنْهُم أنَّه مُرَغَّبٌ فيها، فَبَيَّنَ لَهُم صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أنَّه إنَّما حَثَّ عَلَيْهَا لَمَّا كَانَتْ مَكَّةُ بَلَدَ كُفْرٍ، أَمَا وقَدْ كَانَتْ بَلَدَ إِسْلاَمٍ، فَلاَ، فالمَعْنَى: لاَ هِجْرَةَ مِن مَكَّةَ إلى المَدِينَةِ.



وأَمَّا ثُبُوتُ الهِجْرَةِ مِن بَلَدِ الشِّرْكِ، إِلَى بَلَدِ الإِسْلاَمِ، وبَقَاؤُهَا فمَعْلُومٌ بالنَّصِّ، والإِجْمَاعِ.

(20) فإذا طَلَعَت الشَّمْسُ مِن مَغْرِبِها، فهو أَوَانُ قِيامِ السَّاعَةِ، وهي أَقْرَبُ عَلاَمَاتِهَا، وإذا طَلَعَتْ لَمْ تُقْبَل التَّوْبَةُ، قَالَ تَعَالَى: {يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لاَ يَنفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا} وجَاءَ في ذلك أَحَادِيثُ كَثِيرَة.

وهذا يُفَسَّرُ بقِيامِ السَّاعَةِ، فَدَلَّ عَلَى أنَّها تُقْبَلُ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ مِن مَغْرِبِهَا، ومَا دَامَتْ تُقْبَلُ التَّوْبَةُ، فَلاَ تَنْقَطِعُ الهِجْرَةُ.

وفي الحَدِيثِ: ((أَنَا بَرِيءٌ مِنْ مُسْلِمٍ بَاتَ بَيْنَ ظَهْرَانَيِ المُشْرِكِينَ)).
- وقَالَ: ((لاَ تَرَاءَى نَارَاهُمَا)).
-وقَالَ: ((الهِجْرَةُ بَاقِيَةٌ مَا قُوتِلَ العَدُوُّ)) .


- وقَالَ: ((لاَ يَسْلَمُ لِذِي دِينٍ دِينُهُ، إلاَّ مَنْ فَرَّ مِنْ شَاهِقٍ إِلى شَاهِقٍ)).


  #4  
قديم 16 ذو القعدة 1429هـ/14-11-2008م, 07:45 PM
حفيدة بني عامر حفيدة بني عامر غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: بلاد الحرمين .
المشاركات: 2,423
افتراضي حصول المأمول لفضيلة الشيخ: عبد الله بن صالح الفوزان

(1) قولُهُ: (والهجرةُ: الانتقالُ مِنْ بَلَدِ الشرْكِ إلَى بَلَدِ الإسلامِ)

الهجرةُ في اللغةِ معناها: الترْكُ والخروجُ مِنْ بَلَدٍ أوْ أَرْضٍ إلَى أُخْرَى.

وشَرْعًا: كما عَرَّفَها الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللهُ بأنَّها: الانتقالُ مِنْ بَلَدِ الشرْكِ إلَى بَلَدِ الإسلامِ.
ومُناسَبَةُ ذِكْرِ الهجرةِ معَ الأصولِ الثلاثةِ، لبيانِ أنَّ الهجرةَ مِنْ أَبْرَزِ تَكاليفِ الولاءِ والبَرَاءِ.

وبَلَدُ الشرْكِ: هوَ الذي تُقامُ فيهِ شَعائرُ الكُفْرِ، ولا تُقامُ فيهِ شَعائرُ الإسلامِ علَى وَجْهٍ عامٍّ.

وبلدُ الإسلامِ: هوَ البلَدُ الذي تَظْهَرُ فيهِ الشعائرُ والأحكامُ علَى وجهٍ عامٍّ.

وأهمُّ الشعائرِ: هيَ الصلاةُ:

- فإذا كانت الصلاةُ مَظْهَرًا مِنْ مَظاهِرِ البَلَدِ فهوَ بَلَدٌ إسلاميٌّ.
-أمَّا إذا كانت الصلاةُ يُقيمُها أفرادٌ أوْ جَماعاتٌ وهيَ ليستْ مِنْ مَظاهِرِ البَلَدِ فلا يُحْكَمُ علَى البَلَدِ بأنَّهُ بلدٌ إسلاميٌّ.

مِثل: البلادِ التي فيها أقَلِّيَّاتٌ مُسْلِمَةٌ يُقيمون الصلاةَ ولكن علَى نِطاقٍ ضَيِّقٍ في حُدودِ مُجْتَمَعِهم الذي يَعيشونَ فيهِ، أوْ في حُدودِ بيئتِهم، ولكنَّ البلَدَ الذي يُقيمونَ فيهِ أوْ هم مِنْ أَهْلِهِ لا تُقامُ فيهِ الصلاةُ بوَجْهٍ عامٍّ، بحيث لا تُوجَدُ عندَهم الْمَآذِنُ، ولا يُسْمَعُ الأذانُ في جميعِ الأنحاءِ، فمِثْلُ هذا لا يُعْتَبَرُ بَلَدًا إسلاميًّا؛ لأنَّهُ لا بُدَّ أنْ تكونَ الإقامةُ علَى وجهٍ عامٍّ.
فمَثَلاً:فَرَنْسَا فيها أقَلِّيَّاتٌ مسلِمةٌ وفيها إقامةٌ للصلاةِ مِنْ قِبَلِ هؤلاءِ، ولكنْ لا تُعْتَبَرُ مَظْهَرًا مِنْ مَظاهِرِ البلَدِ بحيثُ تَنْتَشِرُ الْمَآذِنُ ويُسْمَعُ الأذانُ هنا وهناكَ، ويَهْرَعُ الناسُ إلَى المساجِدِ.

فهذا هوَ معنَى قولِنا: إنَّ بلَدَ الإسلامِ هوَ الذي تَنْتَشِرُ فيهِ الشعائرُ والأحكامُ بوَجْهٍ عامٍّ.

أمَّا لوْ كانَ عنْ طريقِ أفرادٍ أوْ أُناسٍ قَليلينَ
فهذا لا يُطْلَقُ عليهِ أنَّهُ بلدٌ إسلاميٌّ بهذا الاعتبارِ.

(2) قولُهُ: (والهجرةُ فَريضةٌ علَى هذه الأُمَّةِ مِنْ بَلَدِ الشرْكِ إلَى بَلَدِ الإسلامِ) بَيَّنَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللهُ بهذا وُجوبَ الْهِجرةِ وأنَّها فَريضةٌ.
وهذا دَلَّتْ عليهِ النصوصُ مِن الكتابِ والسُّنَّةِ، وأَجْمَعَ المسلمونَ علَى ذلكَ؛ لِمَا فيها مِنْ حِفْظِ الدِّينِ ومُفارَقَةِ المشرِكينَ، فإنَّ المؤمِنَ الذي يَعْبُدُ ربَّهُ ويُخْلِصُ في عِبادتِهِ ويَبْغَضُ الشرْكَ وأهلَهُ، ويُعاديهم ويُقاطعُهم، لن يَتْرُكَهُ أهلُ الكفْرِ علَى دينِهِ معَ القُدرةِ عليهِ، قالَ تعالَى: {وَلاَ يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا}.

(3) قولُهُ: (وهيَ باقيَةٌ إلَى أن تَقومَ الساعةُ) أيْ: أنَّ الهجرةَ - وهيَ الانتقالُ مِنْ بَلَدِ الكُفْرِ والشرْكِ إلَى دارِ الإسلامِ - باقيَةٌ إلَى يومِ القِيامةِ باتِّفاقِ أهلِ الْعِلْمِ.
وقدْ وَرَدَ عنْ عائشةَ رَضِيَ اللهُ عنهُا قالَتْ: (لا هِجرةَ اليومَ، كانَ المؤمِنونَ يَفِرُّ أحدُهم بدينِهِ إلَى اللهِ تعالَى وإلَى رسولِهِ صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ مَخافةَ أن يُفْتَنَ عليهِ، فأمَّا اليومَ فقدْ أَظْهَرَ اللهُ الإسلامَ، واليومَ يَعْبُدُ رَبَّهُ حيث شاءَ، ولكن جِهادٌ ونِيَّةٌ ).
قالَ الحافظُ ابنُ حَجَرٍ: (أشارتْ عائشةُ إلَى بيانِ مَشروعيَّةِ الْهِجرةِ، وأنَّ سببَها خَوفُ الفِتنةِ، والحكْمُ يَدورُ معَ عِلَّتِهِ، فمُقتضاهُ أنَّ مَنْ قَدَرَ علَى عِبادةِ اللهِ في أيِّ مَوْضِعٍ اتَّفقَ لم تَجِبْ عليهِ الهجرةُ مِنه وإلاَّ وَجَبَتْ).
يقولُ شيخُ الإسلامِ ابنُ تَيميَّةَ رَحِمَهُ اللهُ: (أحوالُ البلادِ كأحوالِ العِبادِ، فيكونُ الرجُلُ تَارةً مُسْلِمًا، وتارةً كافرًا، وتارةً مؤمِنًا، وتارةً مُنافِقًا، وتارةً بَرًّا تَقِيًّا، وتارةً فاسقًا، وتارةً فاجرًا شَقِيًّا، وهكذا المساكِنُ بحَسَبِ سُكَّانِها.
فهِجرةُ الإنسانِ مِنْ مكانِ الكفْرِ والمعاصي إلَى مكانِ الإيمانِ والطاعةِ كتَوبتِهِ مِن الكُفْرِ والمعصيَةِ إلَى الإيمانِ والطاعةِ، وهذا أَمْرٌ باقٍ إلَى يومِ القِيامةِ).
وأمَّا قولُ النبيِّ صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ في الحديثِ الصحيحِ: ((لاَ هِجْرَةَ بَعْدَ الْفَتْحِ)).
فالمقصودُ بهِ: لا هِجرةَ مِنْ مَكَّةَ بعدَ فَتْحِها؛ لأنَّها صارَتْ دارَ إسلامٍ، وكلُّ بلدٍ يُفْتَحُ ويكونُ بلَدَ إسلامٍ فإنَّ الهجرةَ لا تَجِبُ مِنه.

(4) قولُهُ: (والدليلُ قولُهُ تعالَى: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلاَئِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا (97) إِلاَّ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلاَ يَهْتَدُونَ سَبِيلاً (98) فَأُولَئِكَ عَسَى اللهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللهُ عَفُوًّا غَفُورًا})
هذه الآياتُ دليلٌ علَى وُجوبِ الهجرةِ.
والمستفادُ مِنْ كلامِ أهلِ الْعِلْمِ

- كـابنِ قُدامةَ رَحِمَهُ اللهُ، وغيرِهِ - أنَّ الهجرةَ مِنْ بَلَدِ الكفرِ ثلاثةُ أَضْرُبٍ، والناسُ ثلاثةُ أصنافٍ:

الصِّنْفُ الأَوَّلُ: تَجِبُ عليهِ الْهِجرةُ، وهوَ القادِرُ عليها معَ عَدَمِ إمكانِ إظهارِ دينِهِ، وهذا يَدُلُّ عليهِ قولُهُ تعالَى: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلاَئِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا}.

ووَجهُ الدَّلالةِ:أنَّ اللهَ جَلَّ وعلا وَصَفَهم بأنَّهُم ظالِمون لأنفسِهم، فمَنْ بَقِيَ في بَلَدِ الشرْكِ وهوَ قادرٌ علَى الهجرةِ ولا يَقْدِرُ علَى إظهارِ دينِهِ فهوَ ظالِمٌ لنفسِهِ، مُرْتَكِبٌ حَرامًا بالإجماعِ.

الصِّنْفُ الثاني: مَنْ لا هِجرةَ عليهِ، وهوَ العاجزُ عن الهجرةِ: إمَّا لِمَرَضٍ، أوْ إكراهٍ علَى الإقامةِ، فلم يَسْتَطِع الخروجَ، أوْ ضَعْفٍ مِن النساءِ والوِلدانِ وشَبَهِهم.

فهؤلاءِ لا هِجرةَ عليهم؛ لأنَّ اللهَ جلَّ وعَلاَ قالَ: {إِلاَّ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلاَ يَهْتَدُونَ سَبِيلاً}وعليهِ أن يَعتزِلَ الكُفَّارَ ما استطاعَ ويُظْهِرَ دِينَهُ ويَصْبِرَ علَى أَذاهُمْ.
الصِّنْفُ الثالثُ: مَنْ تُسْتَحَبُّ لهُ الهجرةُ، ولا تَجِبُ عليهِ كما تَجِبُ علَى الصِّنْفِ الأَوَّلِ، وهذا في حقِّ مَنْ يَقدِرُ علَى الهجرةِ لكنه مُتَمَكِّنٌ مِنْ إظهارِ دِينِهِ، فهذا تُسْتَحَبُّ لهُ الهجرةُ لأَجْلِ أن يَتَمَكَّنَ مِنْ جِهادِ الكُفَّارِ، وتَكثيرِ المسلمينَ، والتخَلُّصِ مِن الكُفَّارِ ومُخالَطَتِهم.

فهذه ثلاثةُ أصنافٍ هيَ أَصنافُ الناسِ بالنسبةِ للهِجرةِ.
أمَّا الآيَةُ التي ساقَها الْمُصَنِّفُ فمعناها بإيجازٍ:
{إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلاَئِكَةُ} الْمُرَادُ بالملائكةِ إمَّا مَلَكُ الموتِ وأعوانُهُ، وإمَّا مَلَكُ الموتِ وَحْدَهُ؛ لأنَّ العربَ تُخَاطِبُ الواحدَ بلَفْظِ الجمْعِ.

وقولُهُ تعالَى: {ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ} هذا دليلٌ علَى وُجُوبِ الهجرةِ كما تَقَدَّمَ، والمعنى: أنَّهُم ظالمونَ لأنفسِهم بتَرْكِهم الهجرةَ.
{قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ} هذا استفهامُ تَوبيخٍ وتَقريعٍ لهم، والمعنَى: في أيِّ فريقٍ كنتم؟
{قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ} يعني: عاجزينَ لا نَستطيعُ الخروجَ.

{قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا}يعني: بإمكانِكم أن تَخْرُجوا إلَى أرضِ اللهِ الواسعةِ، والْمُرَادُ بها في ذلكَ الزمَنِ: المدينةُ.

{فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا}وهذا وَعيدٌ يَدُلُّ علَى أنَّ القادرَ علَى الهجرةِ الذي لا يَتَمَكَّنُ مِنْ إظهارِ دِينِهِ ولم يُهاجِرْ أنَّهُ قد ارْتَكَبَ كبيرةً مِنْ كَبائرِ الذنوبِ؛ لأنَّهُ لا يُتَوَعَّدُ بِمِثلِ هذا الوَعيدِ إلاَّ علَى تَرْكِ أَمْرٍ واجبٍ وهوَ الهجرةُ، فتَرْكُها كبيرةٌ مِنْ كبائرِ الذنوبِ.
قالَ تعالَى: {إِلاَّ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ}هؤلاءِ هم الذينَ لا يَستطيعونَ الخروجَ.
{لاَ يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً} يعني: لا يَقْدِرونَ علَى حِيلةٍ، لا علَى خُروجٍ، ولا علَى نَفَقَةٍ، ولا علَى مَنْ يُهَيِّئُ أمرَهم.
{وَلاَ يَهْتَدُونَ سَبِيلاً}يعني: لا يَعرِفون الطريقَ، ولا يَستطيعونَ أن يَسِيرُوا وَحْدَهم.
قالَ تعالَى: {فَأُولَئِكَ عَسَى اللهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللهُ عَفُوًّا غَفُورًا}أيْ: عسَى اللهُ أنْ يَتجاوَزَ عنهم وهم الْمَعذورونَ بتَرْكِهم الهجرةَ.
والآيَةُ دليلٌ علَى وُجوبِ الهجرةِ وعلَى آكَدِيَّتِهَا.
يقولُ ابنُ كثيرٍ رَحِمَهُ اللهُ في تفسيرِهِ عندَ هذه الآيَةِ: (نَزَلَتْ هذه الآيَةُ الكريمةُ عامَّةً في كلِّ مَنْ أقامَ بينَ ظَهْرَانَي المشرِكينَ وهوَ قادِرٌ علَى الهجرةِ وليسَ مُتَمَكِّنًا مِنْ إقامةِ الدِّينِ، فهوَ ظالمٌ لنفسِهِ، مُرْتَكِبٌ حرامًا بالإجماعِ، وبنَصِّ هذه الآيَةِ ….).
فلا بُدَّ مِنْ شَرطينِ:
- القدرةُ علَى الهجرةِ.
-وعَدَمُ التَّمَكُّنِ مِنْ إظهارِ الدِّينِ.

فمَنْ لم يَفعلْ فهوَ ظالِمٌ لنفسِهِ.
يقولُ الشوكانيُّ رَحِمَهُ اللهُ: (اسْتُدِلَّ بهذه الآيَةِ علَى أنَّ الهجرةَ وَاجبةٌ علَى مَنْ كانَ بدارِ الشرْكِ أوْ بدارٍ يُعْمَلُ فيها بمعاصِي اللهِ جَهارًا ولم يكنْ مِن الْمُسْتَضْعَفين) ا. هـ
وإذا كانَ الإنسانُ مأمورًا بالهجرةِ مِنْ بلادِ الكُفْرِ،


دَلَّ هذا علَى أنَّ الأَصْلَ تحريمُ السفَرِ إلَى بلادِ الكُفْرِ استنادًا إلَى هذه النصوصِ، لكن لوْ وُجِدَ حاجةٌ تَدْعُو إلَى السفَرِ إلَى بلادِ الكُفْرِ، أو الإقامةِ فيها كطَلَبِ عِلْمٍ لا يُوجَدُ في بَلَدِهِ، أوْ لعلاجٍ، أوْ للدعوةِ، فإنَّ هذا يَجوزُ نَظَرًا للمَصلحةِ الْمُتَرَتِّبَةِ علَى هذه الإقامةِ؛ لأنَّ الأصْلَ هوَ عَدَمُ السفَرِ.

ويُفْهَمُ مِنْ كلامِ الْعُلَمَاءِ أنَّهُ لا يَجوزُ السفَرُ لبلادِ الكُفْرِ إلاَّ بثلاثةِ شُروطٍ:
الشرْطُ الأَوَّلُ: أنْ يكونَ عندَهُ عِلْمٌ يَمْنَعُهُ مِمَّا يَرِدُ عليهِ مِن الشُّبُهاتِ التي قدْ تَعْرِضُ لهُ في تلكَ البلادِ، فإنْ لم يكنْ عندَهُ عِلْمٌ فهوَ علَى خَطَرٍ عظيمٍ، فقدْ يَنْحَرِفُ في عَقيدتِهِ ويَنْخَدِعُ بما هم عليهِ، فلا بُدَّ أنْ يكونَ المسافِرُ علَى عِلْمٍ يَمْنَعُهُ مِمَّا يَرِدُ عليهِ مِن الشُّبُهَاتِ والإشكالاتِ.

الشرْطُ الثاني: أنْ يكونَ عندَهُ دِينٌ يَمْنَعُهُ مَمَّا يَرِدُ عليهِ مِن الشَّهَواتِ؛ لأنَّ تلكَ البلادَ بلادٌ مُغْرِيَةٌ، بلادُ الشهواتِ واللذاتِ التي تَقِفُ علَى قَدَمٍ وساقٍ، دونَ تَفريقٍ بينَ ما أَحَلَّ اللهُ وما حَرَّمَ اللهُ.

والذي لا دِينَ عندَهُ يَمْنَعُهُ مِن الوُقوعِ في هذه الْمُحَرَّمَاتِ يَكونُ عُرضةً للانحرافِ، ومُجاراةِ القومِ فيما هم عليهِ مِن الذنوبِ والمعاصي، غَائِبًا عنْ بَالِهِ عاقبةُ الأمرِ.
ومِنْ وَسائلِ السلامة

ِ - بإذْنِ اللهِ تعالَى -:

-أنْ يكونَ المسافِرُ مُتَزَوِّجًا.

-وأنْ تكونَ زَوجتُهُ معه ليُعِفَّ نفسَهُ ويَتَحَصَّنَ مِن الحرامِ، إذا كانَ يُريدُ الإقامةَ للدعوةِ أوْ للدراسةِ مَثَلاً.

الشرْطُ الثالثُ: أن يَتَمَكَّنَ مِنْ إظهارِ دينِهِ والقيامِ بعِبادةِ رَبِّهِ، كما أَمَرَ اللهُ جَلَّ وعلا، وعليهِ أن يَحْذَرَ كلَّ الْحَذَرِ مِنْ مُوالاةِ المشرِكينَ؛ لأنَّ مُوالاتَهم - كما مَرَّ معنا - تُنَافِي الإيمانَ.

أمَّا السفَرُ لبلادِ الكُفْرِ لِمُجَرَّدِ السياحةِ
فالقولُ بالْمَنْعِ أَظْهَرُ؛ لأنَّ اللهَ تعالَى أَوْجَبَ علَى الإنسانِ العملَ بالتوحيدِ، وفَرَضَ عليهِ عَداوةَ المشرِكينَ، فما كانَ ذَريعةً وسَبَبًا إلَى إسقاطِ ذلكَ فإنَّهُ لا يَجوزُ.

وقدْ وَرَدَ عن النبيِّ صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ أنَّهُ قالَ: ((أَنَا بَرِيءٌ مِمَّنْ يُقِيمُ بَيْنَ أَظْهُرِ الْمُشْرِكِينَ لاَ تَرَاءَى نَارُهُمَا)).
ومعنَى: (لاَ تَرَاءَى نَارُهُمَا) أيْ: لا تَرَى نارُ المسلِمِ نارَ الْمُشْرِكِ، ولا نارُ المشرْكِ نارَ المسلِمِ، وهذا كِنايَةٌ عن القُرْبِ.
والعرَبُ تَسْتَعْمِلُ مِثلَ هذا الأسلوبِ تَقولُ: (دَارِي تَنْظُرُ إلَى دارِهِ، ودَارُهُ تَنْظُرُ إلَى دَارِي) إذا أَرادُوا شِدَّةَ الْقُرْبِ.
فمَنْ سَافَرَ لِمُجَرَّدِ السياحةِ فهوَ علَى خَطَرٍ عظيمٍ مِنْ وُجوهٍ:
أوَّلاً: أنَّهُ خالَفَ النُّصوصَ علَى وُجوبِ الهجرةِ وتحريمِ السفَرِ، ومِنها حديثُ سَمُرَةَ رَضِيَ اللهُ عنهُ، أنَّ النبيَّ صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ قالَ: ((مَنْ جَامَعَ الْمُشْرِكَ وَسَكَنَ مَعَهُ فَإِنَّهُ مِثْلُهُ)).

ثانيًا: فَقْدُ الْغَيْرَةِ عندَهُ، وهذا شيءٌ مُلاَحَظٌ؛ فإنَّ الإنسانَ - وإن كانَ عندَهُ غَيْرَةٌ - إذا أَقامَ في بَلَدٍ تَكْثُرُ فيها الْمَعَاصِي؛ فإنَّ غَيْرَتَهُ تَضْعُفُ أوْ تَموتُ بالكُلِّيَّةِ، ويُصْبِحُ مُجارِيًا لهم فيما هم عليهِ.

وقدْ ذَكَرَ شيخُ الإسلامِ ابنُ تَيميَّةَ: (أنَّ مُشارَكَةَ الكُفَّارِ في الْهَدْيِ الظاهرِ تُوجِبُ الاختلاطَ الظاهِرَ حتَّى يَرتَفِعَ التمييزُ بينَ الْمَهْدِيِّينَ الْمَرْضِيِّينَ وبينَ المغضوبِ عليهم والضالِّينَ).
هذا إذا لم يكنْ ذلكَ الْهَدْيُ الظاهِرُ إلاَّ مُبَاحًا مَحْضًا لوْ تَجَرَّدَ عنْ مُشابَهَتِهم.
فأمَّا إن كانَ مِنْ مُوجِباتِ كُفْرِهم فإنَّهُ يكونُ شُعبةً مِنْ شُعَبِ الكُفْرِ، فمُوافَقَتُهم فيهِ مُوافَقَةٌ في نوعٍ مِنْ أنواعِ ضَلاَلِهم ومَعاصيهم فهذا أَصْلٌ يَنبغِي أن يُتَفَطَّنَ لهُ.
ثالثًا: أنَّ هذه الأسفارَ لا تَسْلَمُ غالبًا مِن الإسرافِ في الْمَصارِيفِ الْمَالِيَّةِ، وهذا فيهِ إنعاشٌ لاقتصادِهم وتَقويَةٌ لهم.

رابعًا: شعورُ الإنسانِ الذي يُقيمُ بأنَّهُ كَفَرْدٍ مِنهم، لهُ ما لهم وعليهِ ما عليهم.

أَضِفْ إلَى هذا أنَّ أهلَهُ مِن النساءِ والأطفالِ - إنْ كانوا معه - يَتَأَثَّرُونَ بأخلاقِ أهلِ تلكَ البلادِ؛ لأنَّ المرأةَ والطفْلَ والشابَّ أسرَعُ تَأَثُّرًا وأَكْثَرُ إِعجابًا بما عليهِ الآخَرُونَ.


(5) (وقولُهُ تعالَى: {يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ}، قالَ البَغَوِيُّ رَحِمَهُ اللهُ: (سببُ نُزُولِ هذه الآيَةِ في المسلمينَ الذينَ بِمَكَّةَ لم يُهاجِرُوا، ناداهم اللهُ باسمِ الإيمانِ))
هذا دليلٌ علَى أنَّ الذي يَتْرُكُ الهجرةَ ليسَ بكافرٍ؛ لأنَّ اللهَ تعالَى قالَ: {يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا} ولوْ كانوا كُفَّارًا ما ناداهم باسمِ الإيمانِ.
وقدْ تَقَدَّمَ في كلامِ الْعُلَمَاءِ - كـابنِ كثيرٍ والشوكانيِّ - أنَّ تارِكَ الهجرةِ يُعْتَبَرُ عاصيًا ظالِمًا لنفسِهِ.
وكلامُ البَغَوِيِّ هذا لَخَّصَهُ الشيخُ رَحِمَهُ اللهُ مِمَّا حكاهُ البَغَوِيُّ رَحِمَهُ اللهُ عنْ جماعةٍ مِن السَّلَفِ.
والبَغَوِيُّ: هوَ الإمامُ الحافظُ الفقيهُ أبو مُحَمَّدٍ الْحُسينُ بنُ مَسعودٍ الْفَرَّاءُ الْبَغَوِيُّ، قالَ ابنُ كثيرٍ: (بَرَعَ في العلومِ وكان عَلاَّمَةَ زَمانِهِ فيها، وكان دَيِّنًا وَرِعًا زَاهِدًا عابِدًا صالحًا) ا. هـ
(لهُ مُؤَلَّفَاتٌ مِنها تفسيرُهُ (مَعَالِمُ التَّنزيلِ)، و(شَرْحُ السُّنَّةِ)، وغيرُهما، ماتَ رَحِمَهُ اللهُ سنةَ 516هـ.
وقولُهُ تعالَى: {يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا} أيْ: بي وبرسولي ولِقائي.
وأَضَافَهم إليهِ بعدَ خِطابِهِ لهم تَشريفًا وتَكريمًا.
{إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ} فإن كُنتمْ في ضِيقٍ مِنْ إظهارِ الإيمانِ، فاخْرُجُوا فإنَّ أَرْضِي واسعةٌ.

{فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ} لا تَعْبُدُوا معي غَيْرِي، كما يُريدُ مِنكم الْمُشرِكونَ.

ففي الآيَةِ أَمْرٌ مِن اللهِ لعِبادِهِ المؤمِنينَ بالهجرةِ مِن البلَدِ الذي لا يَقْدِرونَ فيهِ علَى إقامةِ الدِّينِ، وأنَّهُ لا عُذْرَ لأَحَدٍ في تَرْكِ عِبادةِ اللهِ وتوحيدِهِ فيها؛ لأنَّهُ إن مُنِعَ مِنها في بَلَدٍ وَجَبَ عليهِ أن يُهاجِرَ إلَى بَلَدٍ آخَرَ.


(6) قولُهُ: (والدَّليلُ علَى الهجرةِ مِن السُّنَّةِ قولُهُ صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ: ((لاَ تَنْقَطِعُ الْهِجْرَةُ حَتَّى تَنْقَطِعَ التَّوْبَةُ، وَلاَ تَنْقَطِعُ التَّوْبَةُ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا)) )
معنَى انقطاعِ التوبةِ: عَدَمُ قَبُولِها، وإلاَّ قدْ تُوجَدُ التوبةُ، ولكنها لا تُقْبَلُ إذا طَلَعَت الشمسُ مِنْ مَغْرِبِها؛ لأنَّ هذا أَوانُ قِيامِ الساعةِ، قالَ تعالَى: {يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لاَ يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ…}.
والحديثُ الذي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مَرْوِيٌّ عنْ مُعاويَةَ بنِ أبي سُفيانَ رَضِيَ اللهُ عنهُ، وعنْ عبدِ اللهِ بنِ السعديِّ، أنَّ النبيَّ صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ قالَ: ((لاَ تَنْقَطِعُ الْهِجْرَةُ مَا دَامَ الْعَدُوُّ يُقَاتِلُ)).

فقالَ مُعاويَةُ، وعبدُ الرحمَنِ بنُ عَوْفٍ، وعبدُ اللهِ بنُ عمرِو بنِ العاصِ - رَضِيَ اللهُ عنهُم -: إنَّ النبيَّ صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ قالَ: ((إِنَّ الْهِجْرَةَ خَصْلَتَانِ، إِحْدَاهُمَا: أَنْ تَهْجُرَ السَّيِّئَاتِ، وَالأُخْرَى: أَنْ تُهَاجِرَ إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ، وَلاَ تَنْقَطِعُ الْهِجْرَةُ مَا تُقُبِّلَتِ التَّوْبَةُ، وَلاَ تَزَالُ التَّوْبَةُ مَقْبُولَةً حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا - أوْ مِنَ الْمَغْرِبِ - فإذا طَلَعَتْ طُبِعَ علَى كلِّ قَلْبٍ بما فيهِ، وكُفِيَ الناسُ العملَ))


  #5  
قديم 16 ذو القعدة 1429هـ/14-11-2008م, 07:47 PM
حفيدة بني عامر حفيدة بني عامر غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: بلاد الحرمين .
المشاركات: 2,423
افتراضي شرح معالي الشيخ :صالح بن عبدالعزيزبن محمد آل الشيخ (مفرغ)



[بيان معنى الهجرة]
لما أتى لهذا الموضع فسر الهجرة فقال: (والهجرة: الانتقال من بلد الشرك إلى بلد الإسلام) هذا تعريفها الاصطلاحي.

والهجرة في اللغة:الترك.

وفي الشرع:ترك ما لا يحبه الله ويرضاه إلى ما يحبه ويرضاه.




ويدخل في هذا المعنى الشرعي:

-هجر الشرك.






- يدخل فيه: ترك محبة غير الله ورسوله.




- يدخل فيه:ترك بلد الكفر؛ لأن المقام فيها لا يرضاه الله - جل وعلا - ولا يحبه.




أما في الاصطلاح قال: (الهجرة: الانتقال من بلد الشرك إلى بلد الإسلام) الانتقال يعني: ترك بلد الشرك والذهاب إلى بلد الإسلام.

وسبب الهجرة - يعني: سبب إيجاب الهجرة أو سبب مشروعية الهجرة - أن المؤمن يجب عليه أن يظهر دينه معتزاً بذلك مبيناً للناس مخبراً أنه يشهد شهادة الحق؛ لأن الشهادة لله -جل وعلا- بالتوحيد، ولنبيه بالرسالة؛ فيها إخبار الغير، وهذا الإخبار يكون بالقول والعمل، فإظهار الدين به يكون إخبار الغير عن مضمون الشهادة ومعنى الشهادة، فلهذا كانت الهجرة من بلد الشرك إلى بلد الإسلام واجبة، إذا لم يستطع المسلم إظهار دينه؛ لأن إظهار الدين واجبٌ في الأرض، وواجب على المسلم أن يظهر دينه وأن لا يستخفي بدينه، فإذا كان إظهاره لدينه غير ممكن في دارٍ وجب عليه أن يتركها، يعني: وجب عليه أن يُهاجر.

[تعريف بلد الشرك]
قال: (الانتقال من بلد الشرك إلى بلد الإسلام) بلد الشرك: هي كل بلد يظهر فيها الشرك ويكون غالباً.
إذا ظهر الشرك في بلد وصار غالباً، يعني: كثيراً أكثر من غيره صارت تسمى بلد شرك، سواءً كان هذا الشرك في الربوبية، أو كان في الإلهية، أو كان في مقتضيات الإلهية من الطاعة والتحكيم ونحوها.
بلد الشرك: هي البَلَدُ التي يظهر فيها الشرك ويكون غالباً، هذا معنى ما قرره الشيخ محمد بن إبراهيم - رحمه الله - حينما سئل عن دار الكفر، ما هي؟ قال: (دار الكفر: هي الدار التي يظهر فيها الكفر ويكون غالباً).








إذاً: إذا ظهر الشرك في بلدة وصار ظهوره غالباً - ومعنى ذلك: أن يكون منتشراً ظاهراً بيناً، غالباً الخير - فإن هذه الدار تسمى بلد شرك، هذا باعتبار ما وقع وهو الشرك.

أما باعتبار أهل الدار: فهذه مسألة فيها خلاف بين أهل العلم، هل يُنظر في تسمية الدار بدار إسلام ودار شرك إلى أهلها ؟

وقد سئل شيخ الإسلام - رحمه الله - عن بلد تظهر فيها أحكام الكفر، وتظهر فيها أحكام الإسلام، فقال: (هذه الدار لا يحكم عليها أنها دار كفر، ولا أنها دار إسلام، بل يعامل فيها المسلم بحسبه، ويعامل فيها الكافر بحسبه).
وقال بعض العلماء: (الدار إذا ظهر فيها الأذان، وسُمِع أوقاتَ الصلوات، فإنها دار إسلام؛ لأن النبي - عليه الصلاة والسلام - كان إذا أراد أن يغزو قوماً - أن يُصَبِّحهم - قال لمن معه: انتظروا، فإن سمع أذاناً كف، وإن لم يسمع أذاناً قاتل).
وهذا فيه نظر؛ لأن الحديث على أصله، وهو أن العرب حينما يعلون الأذان معنى ذلك أنهم يُقرون ويشهدون شهادة الحق؛ لأنهم يعلمون معنى ذلك، فهم يؤدون حقوق التوحيد الذي اشتمل عليه الأذان، فإذا شهدوا ألا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، ورفعوا الأذان بالصلاة فمعنى ذلك أنهم انسلخوا من الشرك، وتبرؤوا منه، وأقاموا الصلاة.
وقد قال - جل وعلا -: {فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ}.
{فَإِنْ تَابُوا} يعني من الشرك {وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ} ذلك بأن العرب كانوا يعلمون معنى التوحيد، فإذا دخلوا في الإسلام، وشهدوا أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، دل ذلك على أنهم يعملون بمقتضى ذلك.








أما في هذه الأزمنة المتأخرة، فإن كثيرين من المسلمين يقولون: لا إله إلا الله محمد رسول الله، ولا يعلمون معناها، ولا يعملون بمقتضاها، بل تجد الشرك فاشياً فيهم، ولهذا نقول: إن هذا القيد أو هذا التعريف، وهو أن دار الإسلام هي الدار التي يظهر فيها الأذان بالصلوات، أنه في هذه الأزمنة المتأخرة أنه لا يصح أن يكون قيداً، والدليل على أصله، وهو أن العرب كانوا ينسلخون من الشرك، ويتبرؤون منه ومن أهله، ويقبلون على التوحيد، ويعملون بمقتضى الشهادتين، بخلاف أهل هذه الأزمان المتأخرة.

والأظهر: هو الأول في تسمية الدار، ولا يلزم من كون دارٍ ما دار شرك أو دار إسلام، لا يلزم من هذا أن يكون لهذا حكم على الأفراد الذين في داخل الدار، بل قلنا: إن الحكم عليها بأنها دار كفر أو دار شرك هذا بالأغلب لظهور الشرك والكفر، ومن فيها يعامل كل بحسبه، خاصةً في هذا الزمن؛ لأن ظهور الكفر وظهور الشرك في كثير من الديار ليس من واقع اختيار أهل تلك الديار، بل هو ربما كان عن طريق تسلط إما الطرق الصوفية مثلاً، أو عن تسلط الحكومات، أو نحو ذلك كما هو مشاهد معروف، لهذا نقول: إن اسم الدار على نحو ما بينت، أما أهلها فيختلف الحال.






[بيان الهجرة العامة، والهجرة الخاصة]

قال: (الهجرة الانتقال من بلد الشرك إلى بلد الإسلام)

الهجرة من حيث مكانها تنقسم إلى:






هجرة عامة، وهجرة خاصة.

-الهجرة العامة: هي التي عرفها الشيخ هنا: ترك بلد الشرك إلى بلد الإسلام، الانتقال من بلد الشرك إلى بلد الإسلام.




بلد الشرك أي بلد إلى أن تطلع الشمس من مغربها، أي بلد ظهر فيها الشرك، وظهرت فيها أحكام الشرك، وكان ذلك غالباً، فإن الهجرة منها تسمى هجرة، وهذه هجرة عامة من حيث المكان يمكن أن تكون متعلقة بأي بلد.

-أما الهجرة الخاصة: فهي الهجرة من مكة إلى المدينة، ومكة لما تركها النبي ـ عليه الصلاة والسلام ـ تركها وهي دار شرك، وذهب إلى المدينة؛ لأنه فشى فيها الإسلام، فصار كل بيت من بيوت المدينة دخل فيه الإسلام، فصارت دار إسلام فانتقل من بلد الشرك إلى بلد الإسلام، هاجر هجرة خاصة، وهذه الهجرة الخاصة هي التي جاء فيها قوله - عليه الصلاة والسلام -: ((لا هجرة بعد الفتح بل جهاد ونية))كما ثبت في الصحيح، فقوله: ((لا هجرة بعد الفتح)) يعني: لا هجرة من مكة، الهجرة الخاصة - هذه - من مكة إلى المدينة.






أما الهجرة العامة: الانتقال من بلد الشرك إلى بلد الإسلام، فهي باقية إلى طلوع الشمس من مغربها، إلى قيام الساعة، إذا وجد بلد شرك ووجد بلد إسلام توجد الهجرة، هذا من حيث المكان.

[بيان حكم الهجرة]

ومن حيث الحكم:
-فإن الهجرة تارة تكون واجبة.








-وتارةً تكون مستحبة.




تكون الهجرة واجبة - يعني: من بلد الشرك إلى بلد الإسلام - تكون واجبة إذا لم يُمكن المسلم المقيم بدار الشرك أن يظهر دينه، إذا ما استطاع أن يظهر التوحيد، وأن يظهر مقتضيات دينه من الصلاة واتباع السنة، كل بلد بحسبه، بحسب ما فيه من الشرك يظهر ما يخالف به أهل البلد، ويكون متميزاً فيهم، إذا لم يستطع ذلك، فإن الهجرة تكون واجبة عليه.

وعليه حُمل قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ} يعني: لم نستطع إظهار الدين، الاستضعاف هنا بمعنى عدم استطاعة إظهار الدين {قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيراً} فدل هذا على أنها واجبة؛ لأنه توعدهم عليها بجهنم، فمعنى هذا أن ترك الهجرة إذْ لم يستطع إظهار الدين أنه محرمٌ، وأن الهجرة واجبة.

القسم الثاني: المستحب، وتكون الهجرة من بلد الشرك إلى بلد الإسلام مستحبة، إذا كان المؤمن في دار الشرك يستطيع أن يظهر دينه، تكون مستحبة، وذلك لأن القصد الأول من الهجرة أن يتمكن المؤمن من إظهار دينه، وأن يعبد الله ـ جل وعلا ـ على عزةٍ، وقد قال - جل وعلا -: {يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ} نزلت فيمن ترك الهجرة، وناداهم باسم الإيمان، هذه الأحكام متعلقة بالهجرة من دار الكفر والشرك إلى دار الإسلام.
وهناك هجرة أخرى






من دار يكثر فيها المعاصي والبدع إلى دار ليس فيها معاصٍ وبدع، أو تقل فيها المعاصي والبدع، وهذه ذكر الفقهاء - فقهاء الحنابلة - رحمهم الله ذكروا أنها مستحبة، وأن البلد إذا كثر فيها البدع، أو كثرت فيها الكبائر والمعاصي، فإنه يستحب له أن يتركها إلى دار يقل فيها ذلك، أو ليس فيها شيء من ذلك؛ لأن بقاءه على تلك الحال مع أولئك يكون مع المتوعدين بنوع من العذاب الذي يحيق بأهل القرى الذين ظلموا.

وقد هاجر جمع من أهل العلم من بغداد، لما علا فيها صوت المعتزلة، وصوت أهل البدع، وكثُرت فيها المعاصي والزنا وشرب الخمر، تركوها إلى بلدٍ أخرى، وبعض أهل العلم بقي لكي يكون قائماً بحق الله في الدعوة، وفي بيان العلم، وفي الإنكار، ونحو ذلك.

أيضاً كثير من العلماء تركوا مصر لما تولت عليها الدولة العُبيدية، وخرجوا إلى غيرها؛ وهذا قد يُحمل على أنها من الهجرة المستحبة، أومن الهجرة الواجبة، بحسب الحال في ذلك الزمان.

[شرح قوله: (والهجرة فريضة على هذه الأمة...) ]
قال هنا ـ رحمه الله ـ: (والهجرة فريضة على هذه الأمة من بلد الشرك إلى بلد الإسلام) فرض بقيد ألا يستطيع إظهار دينه، فإن كان يستطيع، فإن الهجرة في حقه مستحبة.
قال: (وهي باقية إلى أن تقوم الساعة) يريد: إلى قرب قيام الساعة، وهو طلوع الشمس من مغربها، كما جاء في الحديث: ((لا تنقطع الهجرة حتى تنقطع التوبة، ولا تنقطع التوبة حتى تطلع الشمس من مغربها)).
[تفسير قوله تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ} الآية]








قال - رحمه الله تعالى - مستدلاً (والدليل قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ} ) ظلم النفس بترك الهجرة؛ لأنهم عصوا الله -جل وعلا- بترك الهجرة، ومكة لم يعد في إمكان المؤمنين أن يظهروا دينهم فيها، فقد تسلط الكفار على أهلها فلم يستطيعوا - أعني: المؤمنين - أن يظهروا دينهم، وهذا كان قائماً من أول الدعوة، تسلطوا فترة، وكان إظهار الدين في أول الدعوة ليس واجباً، ثم أُمرو بذلك بقوله تعالى: {فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ}.

فابتلي من ابتلي من المؤمنين، فلم يستطيعوا إظهار دينهم، فاستأذنوا النبي صلى الله عليه وسلم في الهجرة إلى الحبشة، فأذن بالهجرة إلى الحبشة الهجرة الأولى، ثم الثانية، وقيل: ثَم هجرة ثالثة.

ثم لما لم يعد بالإمكان أن يَظهَر الدين في مكة، وقد قامت بلد الإسلام في المدينة، صارت الهجرة متعينة وفرضاً من مكة إلى المدينة، لهذا قال - جل وعلا - هنا: {ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا} يعني: الملائكة مخاطبين لهؤلاء الذين توفتهم الملائكة وقد تركوا الهجرة {فِيمَ كُنْتُمْ}، يعني: على أي حال كنتم {قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ} فأجابت الملائكة {قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا} وهذا إنكار عليهم {أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا} لأن الاستفهام هنا في (ألم) استفهام للإنكار، وضابطه: أن يكون ما بعده باطلاً، يعني إذا أزلت الهمزة وقرأت ما بعده فإذا كان ما بعده غير صحيح صارت الهمزة إذاً للإنكار، إذا تركت الهمزة صار الكلام: (لم تكن أرض الله واسعةً)، هل هذا صحيح ؟
ليس بصحيح، فأرض الله - جل وعلا - واسعة، فلما أتى الاستفهام بالهمزة بعد كلام بدون الهمزة يكون باطلاً، تصير الهمزة للإنكار كما هو مقررٌ في موضعه، في كتب حروف المعاني في اللغة.
[واستدل بعضهم] بهذه الآية على أن من ترك الهجرة مع القدرة على ذلك، أنه كافر من جنس من أقام معهم، وهذا ليس بصحيح.
قال: إن هذه الآية في المؤمنين؛ لأنه قال في أولها: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ} فهؤلاء ظلموا أنفسهم ليس الظلم الأكبر، ولكن الظلم الأصغر بترك الهجرة، قال - جل وعلا - بعدها: {إِلاَّ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلا يَهْتَدُونَ سَبِيلاً} رجال مستضعفون لا يمكنهم أن يعرفوا الطريق، لا يهتدون سبيلاً إلى البلد الآخر {لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً} ، ليس عندهم ما يركبون، وليس عندهم مال ينقلهم، فهم مستضعفون يريدون الهجرة، ولكنهم مستضعفون من جهة عدم القدرة على الهجرة بالمال، والمركب، والدليل ونحو ذلك.
فقال - جل وعلا - في هؤلاء: {فَأُولَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَفُوًّا غَفُوراً} ويلحق بهؤلاء من لم يستطع الهجرة في هذا الزمن بالمعوقات القائمة من أنواع التأشيرات وأشباهها تلحق بهؤلاء؛ لأن هذا لا يستطيع حيلةً، هو يرغب أن يترك بلد الشرك إلى بلد الإسلام، لكن لا يمكنه ذلك لوجود المعوقات، لا يستطيع حيلة، ولا يهتدي سبيلاً وطريقاً إلى بلد الإسلام، فهؤلاء قال الله - جل وعلا - في حقهم:{فَأُولَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَفُوًّا غَفُوراً} .
[تفسير قوله تعالى: {يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ} ]







ثم ساق دليلاً آخر وهو قوله تعالى: {يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ}قال البغوي - رحمه الله -: (سبب نزول هذه الآية في المسلمين الذين في مكة لم يهاجروا، ناداهم الله باسم الإيمان).تركوا الهجرة فناداهم الله باسم الإيمان، فدل على أن ترك الهجرة لا يسلب الإيمان، فمعنى ذلك: أن ترك الهجرة ليس شركاً أكبر، وليس كفراً أكبر، وإنما هو معصية من المعاصي؛ لأنه نادى من ترك الهجرة باسم الإيمان: {يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ} قال البغوي: (نزلت هذه الآية في الذين لم يهاجروا من مكة، ناداهم الله باسم الإيمان) فدل على أن تركهم الهجرة من مكة ليس كفراً ولا شركاً، وأن قوله تعالى في الآية التي قبلها: {فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيراً} أن هذا لأجل أنهم تركوا واجباً من الواجبات، وارتكبوا كبيرةً من الكبائر، لكن لا يُسلب عنهم اسم الإيمان بترك الهجرة من دار الكفر إلى دار الإسلام.

[شرح قوله: (والدليل على الهجرة من السنة...) ]

قال: (والدليل على الهجرة من السنة قوله صلى الله عليه وسلم: ((لا تنقطع الهجرة حتى تنقطع التوبة ولا تنقطع التوبة حتىتطلع الشمس من مغربها)) ) هذا واضح، التوبة لا تنقطع إلا إذا طلعت الشمس من مغربها، وطلوع الشمس من مغربها هو المراد في قوله تعالى في آخر سوره الأنعام: {لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْراً} .



قال المفسرون: إن معنى قوله: {أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ} أنه طلوع الشمس من مغربها، فإذا طلعت {لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْراً} فلا تنفع التوبة بعد طلوع الشمس من مغربها، كما قال هنا: ولا تنقطع التوبة حتى تطلع الشمس من مغربها، فالهجرة لا تنقطع حتى تنقطع التوبة، والتوبة لا تنقطع حتى تطلع الشمس من مغربها؛ وذلك لأن تارك الهجرة حتى طلعت الشمس من مغربها، قد ترك فرضاً عليه، وإذا طلعت الشمس من مغربها ليس ثمَّ عمل يحدثه العبد، قال: {لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْراً} والعمل بعض الإيمان.


  #6  
قديم 16 ذو القعدة 1429هـ/14-11-2008م, 07:50 PM
حفيدة بني عامر حفيدة بني عامر غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: بلاد الحرمين .
المشاركات: 2,423
افتراضي العناصر

بيان معنى الهجرة
- مناسبة ذكر الهجرة مع الأصول الثلاثة
- تعريف بلد الشرك
- تعريف بلد الإسلام
- متى يحكم على البلد بأنه بلد إسلامي ؟
بيان حكم الهجرة
الهجرة باقية إلى قيام الساعة
- تفصيل العلماء في حكم الهجرة على حسب أحوال الناس
- الأصل تحريم السفر إلى بلاد الكفار
- شروط جواز السفر لبلاد الكفار
- حكم الإقامة في بلاد الكفار
- حكم السفر إلى بلاد الكفار
- المخاطر المترتبة على السفر لبلاد الكفار لمجرد السياحة
تفسير قوله تعالى (إن الذين توفاهم الملائكة...) الآية
تفسير قوله تعالى (يا عبادي الذين آمنوا إن أرضي واسعة...) الآية
شرح قول الإمام البغوي رحمه الله تعالى
- ترجمة الإمام البغوي رحمه الله تعالى
شرح حديث (لا تنقطع التوبة حتى تنقطع الهجرة...) الحديث


  #7  
قديم 16 ذو القعدة 1429هـ/14-11-2008م, 07:50 PM
حفيدة بني عامر حفيدة بني عامر غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: بلاد الحرمين .
المشاركات: 2,423
افتراضي الأسئله

الأسئلة
س1: ما معنى الهجرة لغةً وشرعاً ؟
س2: ما حكم الهجرة؟ مع الدليل.
س3: متى تنقطع الهجرة؟ مع ذكر الدليل.
س4: متى أمر النبي صلى الله عليه وسلم ببقية شرائع الإسلام ؟
س5: ما حكم السفر إلى بلاد الكفار ؟
س6: ما حكم الإقامة في بلاد الكفار ؟
س7: اذكر دوافع الناس إلى الإقامة في بلاد الكفر إجمالاً، مع بيان حكم كل دافع.
س8: متى توفي النبي صلى الله عليه وسلم ؟
س9: اذكر باختصار قصة وفاته صلى الله عليه وسلم.
س10: فيم كُفِّن النبي صلى الله عليه وسلم ؟
س11: متى دفن النبي صلى الله عليه وسلم؟ وكيف صلى الناس عليه ؟
س12: ما هو الخير الذي دل الأمة عليه؟ وما هو الشر الذي حذرها منه صلى الله عليه وسلم ؟
س13:فسر باختصار الآيات التالية، مع بيان ما تدل عليه:
‌أ. {قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا} .
ب. {اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا}.
‌ج. {إنك ميت وإنهم ميتون}.
‌د. {ليجزي الذين أساؤوا بما عملوا ويجزي الذين أحسنوا بالحسنى}.
هـ. {زَعَمَ الذين كَفَرُوا أن لن يبعثوا قل بلى وربي لتبعثن}.
س14: اذكر دليلاً على البعث والجزاء.
س15: ما حكم من كذَّب بالبعث؟ مع الدليل.
س16: كيف ترد على من أنكر البعث ؟
س17: كيف تجمع بين حديث: ((لا تنقطِع الهِجْرة حتى تنقطع التوبةُ)) وحديث: ((لا هجرةَ بعد الفتحِ ولكن جهادٌ ونية)) ؟


  #8  
قديم 1 شوال 1431هـ/9-09-2010م, 03:20 PM
الصورة الرمزية ساجدة فاروق
ساجدة فاروق ساجدة فاروق غير متواجد حالياً
هيئة الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 6,511
افتراضي إجابات على أسئلة طلاب الدورات العلمية بالمعهد / الشيخ عبد العزيز الداخل

السؤال الأول : ما الدليل على أن الذي يترك الهجرة ليس بكافر ؟
الجواب : الأصل بقاؤه على الإسلام ولا يخرج منه إلا بدليل، وترك الهجرة ممن لا يقدر على إظهار شعائر دينه في بلاد الكفر ويخشى أن يفتتن في دينه أمر محرم ، وكبيرة من كبائر الذنوب ، لكنه ليس بكفر، وإنما كان محرماً لأجل الخشية عليه أن يفتتن في دينه فيكفر سبب فتنة رغبة أو رهبة.
وأما الوعيد المذكور في قوله تعالى: {الذين تتوفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم قالوا كنا مستضعفين في الأرض قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها فأؤلئك مأواهم جهنم وساءت مصيراً () إلا المستضعفين من الرجال والنساء والولدان الذين لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلا فأؤلئك عسى الله أن يعفوا عنهم وكان الله عفوا قديراً }
فيوضحه سبب نزول هذه الآيات ففي صحيح البخاري عن أبي الأسود محمد بن عبد الرحمن قال: قُطِع على أهل المدينة بعثٌ فاكتتبت فيه؛ فلقيت عكرمة مولى ابن عباس فأخبرته؛ فنهاني عن ذلك أشد النهي، ثم قال: (أخبرني ابن عباس أن ناسا من المسلمين كانوا مع المشركين يكثرون سواد المشركين على عهد رسول الله صلى الله عليه و سلم يأتي السهم فيرمى به فيصيب أحدهم فيقتله أو يضرب فيقتل فأنزل الله { إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم } . الآية ).
قال ابن كثير - رحمه الله: (هذه الآية الكريمة عامة في كل من أقام بين ظهراني المشركين وهو قادر على الهجرة، وليس متمكنا من إقامة الدين، فهو ظالم لنفسه مرتكب حراما بالإجماع) .



السؤال الثاني : في هذه الجزئية أريد فهم بعض الآيات في سورة النساء ..
فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ وَاللَّهُ أَرْكَسَهُمْ بِمَا كَسَبُوا أَتُرِيدُونَ أَنْ تَهْدُوا مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا (88) وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً فَلَا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ أَوْلِيَاءَ حَتَّى يُهَاجِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَلَا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا (89) إِلَّا الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ أَوْ جَاءُوكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ أَنْ يُقَاتِلُوكُمْ أَوْ يُقَاتِلُوا قَوْمَهُمْ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَسَلَّطَهُمْ عَلَيْكُمْ فَلَقَاتَلُوكُمْ فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقَاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ فَمَا جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلًا (90)
هل حُكم عليهم بالنفاق لتركهم الهجرة ،،، وهل الأمر بقتلهم لعدم الهجرة أم لسبب آخر ؟

الجواب : هذه الآيات ورد في سبب نزولها روايات متعددة حتى أوصلها ابن أبي حاتم في تفسيره إلى ست روايات، والأظهر أنها تصدق على حوادث وأحوال كانت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحكمها عام في المسلمين، ويطول المقام بسرد هذه الروايات، لكن من ذلك ما رواه ابن أبي حاتم عن مجاهد وروي نحوه عن ابن عباس أنها نزلت في قوم كانوا من أهل مكة جاؤوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم في المدينة وأظهروا الإسلام ثم رجعوا إلى مكة مرتدين غير مظهرين للكفر، فاختلف فيهم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، فقالت طائفة: إنما هم منافقون.
وقالت طائفة: هم إخواننا تكلموا بالإسلام.
فبين الله الحكم فيهم وأخبر المؤمنين بأمارة كفرهم ونفاقهم ، وأمر بقتلهم حيثما كانوا لأنهم كفار منافقون ، ونهى عن اتخاذ أولياء منهم لأنهم يودون للمؤمنين أن يكفروا مثلهم، وبقوا بين حالين إما أن يهاجروا إلى الله ورسوله ويصححوا إسلامهم ويفارقوا المشركين فيكونون من المؤمنين، وإما أن يتولوا ويكونوا مع المشركين فهنا يجب قتالهم متى وجدوا لأن الحال حال حرب، إلا إذا كانوا داخلين مع قوم بينهم وبين المؤمنين عهد وميثاق، فيكونون تبعاً لأولئك المشركين في عهدهم وميثاقهم.
وإذا حضروا حرباً بين المسلمين والكفار وكانوا في صف الكفار وجب قتالهم إلا أن يعتزلوا القتال ويلقوا السلم ويرغبوا في الصلح فيكون حكمهم حكم من يُصالح من المشركين.
فالحكم عليهم بالنفاق لأجل ما ظهر من أمارات كفرهم ، ومن ذلك أنهم تركوا الهجرة ورغبوا عن دار المؤمين ، وأقاموا مع المشركين ، مع قدرتهم على الهجرة.
والأمر بقتلهم هو لأجل كفرهم لأن الله أثبت كفرهم في الآية فقال: {ودوا لو تكفرون كما كفروا فتكونون سواء}.
والله تعالى أعلم.



موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
معنى, الهجرة

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 03:38 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir