دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > العقيدة > متون العقيدة > ثلاثة الأصول وأدلتها

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 28 شوال 1429هـ/28-10-2008م, 07:24 PM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,453
افتراضي معنى الحنيفية

اعْلَمْ أَرْشَدَكَ اللهُ لِطَاعَتِهِ أَنَّ الحَنِيفِيَّةَ - مِلَّةَ إِبْراهِيمَ -: أَنْ تَعْبُدَ اللهَ وَحْدَهُ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ، وَبِذَلكَ أَمَرَ اللهُ جَمِيعَ النَّاسِ وَخَلَقَهُمْ لَهَا؛
كَمَا قَالَ تَعَالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ} ، وَمَعْنَى يَعْبُدُونِ: يُوَحِّدُونِ.

وَأَعْظَمُ مَا أَمَرَ اللهُ بِهِ التَّوْحِيدُ، وَهُوَ: إِفْرَادُ اللهِ بِالْعِبَادَةِ، وَأَعْظَمُ مَا نَهَى عَنْهُ الشِّرْكُ،
وَهُوَ: دَعْوَةُ غَيْرهِ مَعَهُ؛ وَالدَّلِيلُ قَوْلُهُ تَعَالى: {وَاعْبُدُوا اللهَ وَلاَ تُشْرِكُوْا بِهِ شَيْئاً} .


  #2  
قديم 16 ذو القعدة 1429هـ/14-11-2008م, 11:31 AM
حفيدة بني عامر حفيدة بني عامر غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: بلاد الحرمين .
المشاركات: 2,423
افتراضي شرح ثلاثة الأصول لسماحة الشيخ: عبد العزيز بن عبد الله ابن باز

(1) قالَ رَحِمَهُ اللَّهُ: (اعْلَمْ أَرْشَدَكَ اللَّهُ لطاعتِهِ) جَمَعَ رحِمَهُ اللَّهُ بينَ التعليمِ والدعاءِ.

(2) الحَنِيفيةُ ملةُ إبراهيمَ، وهيَ أنْ تَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصًا لهُ الدينَ، وهيَ التي قالَ اللَّهُ فيها لنبيِّهِ: {ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا}.
فالحنيفيةُ: هيَ الملةُ التي فيها الإخلاصُ للَّهِ وموالاتُهُ، وتركُ الإشراكِ بِهِ سبحانَهُ، والحنيفُ هوَ الذي أقبلَ على اللَّهِ وأعرضَ عمَّا سواهُ، وأخلصَ لهُ العبادةَ، كإبراهيمَ وأتباعِهِ، وهكذا الأنبياءُ وأتباعُهُم.

(3) قالَ: (وبذلكَ أمَرَ اللَّهُ جميعَ النَّاسِ وخَلَقَهُم لها) فأمرَهُم بالتوحيدِ والإخلاصِ، وخلقَهُم ليَعْبُدُوه، وأمرَهُم بأنْ يَعْبُدُوهُ وحدَهُ في صلاتِهِم وصومِهِم ودعائِهِم وخوفِهِم ورجائِهِم وذبحِهِم ونذرِهِم وغيرِ ذلكَ منْ أنواعِ العبادةِ،كلُّه للَّهِ:
- كما قالَ تعالى: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ}.
- وقالَ: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}.
- وقالَ سبحانَهُ: {فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ}.
- وقالَ سبحانَهُ: {يَأَيُّها النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ}.
هذهِ العبادةُ هيَ التي خُلِقَ لها الناسُ، خُلِقَ لها الثَّقَلاَنِ، وهيَ توحيدُ اللَّهِ، وطاعةُ أوامرِهِ، واجتنابُ نواهيهِ، قالَ اللَّهُ تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الجِنَّ والإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ} يعني: يُوَحِّدوني في العبادةِ، ويَخُصُّوني بها بفعلِ الأوامرِ وتركِ النواهي، إلى غيرِ ذلكَ من الآياتِ.

(4) (وأعظمُ ما أمرَ اللَّهُ بِهِ التوحيدُ، وهوَ إفرادُ اللَّهِ بالعبادةِ) فتَقْصِدُهُ بالعبادةِ دونَ كلِّ مَنْ سواهُ، فلا تَعْبُدْ معَهُ صَنَمًا ولا نبيًّا ولا مَلَكًا ولا حَجَرًا ولا جِنِّيًّا ولا غيرَ ذلك.

(5) الشركُ دعوةُ غيرِه معَهُ، وقدْ قالَ سبحانَهُ: {وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}، وقالَ سبحانَهُ: {وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإلى الّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتكونَنَّ مِنَ الخاسِرينَ} وفي الصحيحينِ أنَّ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ أَيُّ الذَّنْبِ أَعْظَمُ؟ قال: ((أَنْ تَجْعَلَ للَّهِ نِدًّا وَهُوَ خَلَقَكَ)).
قيلَ: ثمَّ أيٌّ؟ قالَ: ((أَنْ تَقْتُلَ وَلَدَكَ خَشْيَةَ أنْ يَطْعَمَ مَعَكَ)).
قيلَ: ثمَّ أيٌّ؟ قالَ: ((أَنْ تَزْنِيَ بِحَلِيلَةِ جارِكَ)).
فبيَّنَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنَّ الشِّرْكَ أعظمُ الذنوبِ وأشدُّها وأخْطَرُها، وفي الحديثِ الآخرِ يقولُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((أَلاَ أُنَبِّئُكُمْ بِأَكْبَرِ الكبائِرِ؟)) قُلْنا: بَلَى يا رَسُولَ اللَّهِ، قالَ: ((الإِشْراكُ باللَّهِ)) الحديثُ متفقٌ عليهِ.
فالتوحيدُ هوَ إفرادُ اللَّهِ بالعبادةِ، والشركُ هوَ دعوةُ غيرِ اللَّهِ معَ اللَّهِ، تَدْعُوهُ أو تَخَافُه أو تَرْجُوهُ أو تَذْبَحُ لهُ أو تَنْذِرُ لهُ أو غيرُ ذلكَ مِنْ أنواعِ العبادةِ، هذا الشركُ الأكبرُ سواءٌ كانَ المدعوُّ نبيًّا أو جنيَّاً أو شجرًا أو حجرًا أو غيرَ ذلك.
ولهذا قالَ تعالى: {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا} فـ (شيئاً) نكرةٌ في سياقِ النهيِ فَتَعُمُّ كلَّ شيءٍ.
وقالَ سبحانَهُ: {وَمَا أُمِرُوا إلاَّ لِيعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} فأعظمُ ما أمرَ اللَّهُ بهِ التوحيدُ وهوَ إفرادُ اللَّهِ بالعبادةِ وأعظمُ ما نَهَى اللَّهُ عنهُ هوَ الشركُ باللَّهِ عزَّ وجلَّ كما تقدمَ، ولهذا أكثرَ سبحانَهُ وتعالى في القرآنِ من الأمرِ بالتوحيدِ والنهيِ عنِ الشركِ.


  #3  
قديم 16 ذو القعدة 1429هـ/14-11-2008م, 11:33 AM
حفيدة بني عامر حفيدة بني عامر غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: بلاد الحرمين .
المشاركات: 2,423
افتراضي شرح ثلاثة الأصول للشيخ: محمد بن صالح العثيمين

(1) تَقَدَّمَ الكلامُ على العلمِ، فلا حَاجَةَ إلى إعادتِهِ هنا.
(2) الرُّشْدُ: الاستقامةُ على طريقِ الحقِّ.
(3) الطَّاعَةُ: مُوَافَقَةُ المُرَادِ فِعْلاً للمأمورِ وَتَرْكًا للمحظورِ.
(4) الحَنِيفِيَّةُ: هيَ المِلَّةُ المائِلَةُ عن الشركِ، المَبْنِيَّةُ على الإخلاصِ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ.
(5) أيْ: طَرِيقُهُ الدِّينِيُّ الَّذِي يَسِيرُ عليهِ عليهِ الصلاةُ والسلامُ.
(6) إبراهيمُ هوَ خليلُ الرحمنِ، قالَ عَزَّ وَجَلَّ: {وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً}، وهُوَ أبو الأنبياءِ، وقدْ تَكَرَّرَ ذِكْرُ مَنْهَجِهِ في مواضعَ كثيرةٍ؛ للاقتداءِ بهِ.
(7) قولُهُ: (أنْ تَعْبُدَ اللَّهَ) هذهِ خَبَرُ (أنَّ) في قولِ (أنَّ الحنيفيَّةَ).
والعبادةُ بِمَفْهُومِهَا العامِّ هيَ: التَّذَلُّلُ لِلَّهِ مَحَبَّةً وتعظيمًا؛ بِفِعْلِ أَوَامِرِهِ وَاجْتِنَابِ نَوَاهِيهِ، على الوجهِ الَّذِي جاءَتْ بهِ شَرَائِعُهُ.
أمَّا المفهومُ الخاصُّ للعبادةِ - يَعْنِي تَفْصِيلَهَا - فَقَدْ قالَ شيخُ الإسلامِ ابنُ تَيْمِيَّةَ رَحِمَهُ اللَّهُ: (العبادةُ اسمٌ جامعٌ لكلِّ ما يُحِبُّهُ اللَّهُ وَيَرْضَاهُ من الأقوالِ والأعمالِ الظاهرةِ والباطنةِ، كالخوفِ والخشيَةِ والتَّوَكُّلِ والصلاةِ والزكاةِ والصيامِ، وغيرِ ذلكَ منْ شرائعِ الإسلامِ).
(8) الإخلاصُ: هوَ التَّنْقِيَةُ، والمرادُ بهِ هنا: أنْ يَقْصِدَ المَرْءُ بِعِبَادَتِهِ وَجْهَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، والوصولَ إلى دارِ كرامتِهِ، بحيثُ لا يَعْبُدُ معهُ غَيْرَهُ، لا مَلَكًا مُقَرَّبًا، ولا نَبِيًّا مُرْسَلاً.
قالَ اللَّهُ تَعَالَى: {ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ}.
وقالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلاَّ مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ}.
(9) أيْ: بالحَنِيفِيَّةِ، وهيَ عبادةُ اللَّهِ مُخْلِصًا لهُ الدينَ، أَمَرَ اللَّهُ جميعَ النَّاسِ وَخَلَقَهُم لها، كَمَا قالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدُونِ}.
وَبَيَّنَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ في كتابِهِ أنَّ الخلقَ إنَّما خُلِقُوا لهذا، فقالَ تَعَالَى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ}.
(10) يَعْنِي: التوحيدُ منْ مَعْنَى العبادةِ، وإلاَّ فَقَدْ سَبَقَ لكَ معنَى العبادةِ، وعلى أيِّ شيءٍ تُطْلَقُ، وأنَّها أَعَمُّ منْ مُجَرَّدِ التوحيدِ.
وَاعْلَمْ أنَّ العبادةَ نَوْعَانِ:
عبادةٌ كَوْنِيَّةٌ، وهيَ: الخضوعُ لأمرِ اللَّهِ تَعَالَى الكَوْنِيِّ، وهذهِ شاملةٌ لجميعِ الخلقِ لا يَخْرُجُ عنها أَحَدٌ؛ لقولِهِ تَعَالَى: {إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ إِلاَّ آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا}. فهيَ شاملةٌ للمؤمنِ والكافرِ والبرِّ والفاجرِ.
والثاني: عبادةٌ شرعيَّةٌ، وهيَ الخضوعُ لأمرِ اللَّهِ تَعَالَى الشرعيِّ، وهذهِ خاصَّةٌ بِمَنْ أَطَاعَ اللَّهَ تَعَالَى، وَاتَّبَعَ ما جَاءَتْ بهِ الرُّسُلُ، مثلُ قولِهِ تَعَالَى: {وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْنًا}.
فالنَّوْعُ الأَوَّلُ لا يُحْمَدُ عليهِ الإنسانُ؛ لأنَّهُ بغَيْرِ فِعْلِهِ، لكنْ قدْ يُحْمَدُ على ما يَحْصُلُ منهُ منْ شُكْرٍ عندَ الرخاءِ، وصَبْرٍ على البلاءِ، بخلافِ النوعِ الثاني؛ فإنَّهُ يُحْمَدُ عليهِ.
(11) التوحيدُ لُغَةً: مَصْدَرُ وَحَّدَ يُوَحِّدُ؛ أيْ: جَعَلَ الشيءَ وَاحِدًا، وهذا لا يَتَحَقَّقُ إلاَّ بِنَفْيٍ وإثباتٍ؛ نَفْيِ الحكمِ عَمَّا سِوَى المُوَحَّدِ، وإثباتِهِ لهُ، فَمَثَلاً نَقُولُ: إنَّهُ لا يَتِمُّ لإنسانٍ التوحيدُ حتَّى يَشْهَدَ أنْ لا إلهَ إلاَّ اللَّهُ، فَيَنْفِي الأُلُوهِيَّةَ عَمَّا سِوَى اللَّهِ تَعَالَى، وَيُثْبِتُهَا لِلَّهِ وحدَهُ.
وفي الاصطلاحِ عَرَّفَهُ المُؤَلِّفُ بقولِهِ: (التوحيدُ هوَ إفرادُ اللَّهِ بالعبادةِ) أيْ: أنْ تَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ لا تُشْرِكَ بهِ شيئًا، لا تُشْرِكَ بهِ نَبِيًّا مُرْسَلاً، ولا مَلَكًا مُقَرَّبًا، ولا رَئِيسًا، ولا مَلِكًا، ولا أَحَدًا مِن الخَلْقِ، بلْ تُفْرِدُهُ وَحْدَهُ بالعبادةِ مَحَبَّةً وتعظيمًا ورغبةً ورهبةً.
ومرادُ الشيخِ رَحِمَهُ اللَّهُ: التوحيدُ الَّذِي بُعِثَت الرُّسُلُ لِتَحْقِيقِهِ؛ لأنَّهُ هوَ الَّذِي حَصَلَ بهِ الإخلالُ منْ أقوامِهِم.
وهناكَ تعريفٌ أَعَمُّ للتوحيدِ، وهُوَ: (إِفْرَادُ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وتَعَالَى بِمَا يَخْتَصُّ بِهِ).
وأنواعُ التوحيدِ ثلاثةٌ:
الأَوَّلُ: توحيدُ الرُّبُوبِيَّةِ، وهُوَ إفرادُ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وتَعَالَى بالخَلْقِ والمُلْكِ والتَّدْبِير:
- قالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ}.
- وقالَ تَعَالَى: {هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ}.
- وقالَ تَعَالَى: {تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}.
- وقالَ تَعَالَى: {أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ}.
الثاني: توحيدُ الألوهيَّةِ، وهُوَ إفرادُ اللَّهِ سبحانَهُ وتَعَالَى بالعبادةِ، بأنْ لا يَتَّخِذَ الإنسانُ مَعَ اللَّهِ أحَداً يَعْبُدُهُ وَيَتَقَرَّبُ إليهِ كما يَعْبُدُ اللَّهَ تَعَالَى وَيَتَقَرَّبُ إليهِ.
الثالثُ: توحيدُ الأسماءِ والصفاتِ، وهُوَ إفرادُ اللَّهِ سبحانَهُ وتَعَالَى بما سَمَّى بهِ نَفْسَهُ، وَوَصَفَ بهِ نَفْسَهُ في كتابِهِ، أوْ على لسانِ رسولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وذلكَ بإثباتِ ما أَثْبَتَهُ، ونَفْيِ ما نَفَاهُ، منْ غيرِ تَحْرِيفٍ ولا تعطيلٍ، ومنْ غيرِ تَكْيِيفٍ ولا تَمْثِيلٍ.
ومرادُ المُؤَلِّفِ هنا توحيدُ الألوهيَّةِ، وَهُوَ الَّذِي ضَلَّ فيهِ المشركونَ الذينَ قَاتَلَهُم النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ واسْتَبَاحَ دِمَاءَهُم وأموالَهُم وأرضَهُم وديارَهُم، وَسَبَى نساءَهُم وَذُرِّيَّتَهُم، وأكثرُ ما يُعَالِجُ الرُّسُلُ أَقْوَامَهُم على هذا النوعِ من التوحيدِ، قالَ تَعَالَى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ}.
فالعبادةُ لا تَصِحُّ إلاَّ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، ومَنْ أَخَلَّ بهذا التوحيدِ فهوَ مُشْرِكٌ كافرٌ، وإنْ أَقَرَّ بتوحيدِ الربوبيَّةِ والأسماءِ والصفاتِ.
فلوْ فُرِضَ أنَّ رجلاً يُقِرُّ إقرارًا كاملاً بتوحيدِ الربوبيَّةِ والأسماءِ والصفاتِ، ولكنَّهُ يَذْهَبُ إلى القبرِ فَيَعْبُدُ صاحبَهُ، أوْ يَنْذِرُ لَهُ قُرْبَانًا يَتَقَرَّبُ بهِ إليهِ؛ فَإِنَّهُ مُشْرِكٌ كافرٌ خالدٌ في النارِ، قالَ اللَّهُ تَعَالَى: {إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ}.
وإنَّما كانَ التوحيدُ أَعْظَمَ ما أَمَرَ اللَّهُ؛ لأنَّهُ الأصلُ الَّذِي يَنْبَنِي عليهِ الدينُ كلُّهُ؛ ولهذا بَدَأَ بهِ النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الدعوةِ إلى اللَّهِ، وَأَمَرَ مَنْ أرسلَهُ للدعوةِ أنْ يَبْدَأَ بهِ.

(12) أَعْظَمُ ما نَهَى اللَّهُ عنهُ الشِّرْكُ؛ وذلكَ لأنَّ أعظمَ الحقوقِ هوَ حقُّ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، فإذا فَرَّطَ فيهِ الإنسانُ فقَدْ فَرَّطَ في أعظمِ الحقوقِ، وهُوَ توحيدُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ:
- قالَ اللَّهُ تَعَالَى: {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ}.
- وقالَ تَعَالَى: {وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا}.
- وقالَ عَزَّ وَجَلَّ: {وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً بَعِيدًا}.
- وقالَ تَعَالَى: {إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ}.
- وقالَ تَعَالَى: {إِنَّ اللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ}.
- وقالَ النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((أَعْظَمُ الذَّنْبِ أَنْ تَجْعَلَ لِلَّهِ نِدًّا وَهُوَ خَلَقَكَ)).
- وقالَ عليهِ الصلاةُ والسلامُ فيما رَوَاهُ مسلمٌ عنْ جابرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: ((مَنْ لَقِيَ اللَّهَ لاَ يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا دَخَلَ الْجَنَّةَ، وَمَنْ لَقِيَهُ يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا دَخَلَ النَّارَ)).
- وقالَ النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((مَنْ مَاتَ وَهُوَ يَدْعُو لِلَّهِ نِدًّا دَخَلَ النَّارَ)) رَوَاهُ البخاريُّ.
وَاسْتَدَلَّ المُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى لأمرِ اللَّهِ تَعَالَى بالعبادةِ وَنَهْيِهِ عن الشركِ بقولِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلاَ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا}.
فَأَمَرَ اللَّهُ سبحانَهُ وتَعَالَى بعبادتِهِ، وَنَهَى عن الشركِ بهِ، وهذا يَتَضَمَّنُ إثباتَ العبادةِ لهُ وَحْدَهُ، فَمَنْ لم يَعْبُد اللَّهَ فهوَ كافرٌ مُسْتَكْبِرٌ، ومَنْ عَبَدَ اللَّهَ وعَبَدَ مَعَهُ غيرَهُ فهوَ كافرٌ مُشْرِكٌ، وَمَنْ عَبَدَ اللَّهَ وَحْدَهُ فهوَ مسلمٌ مُخْلِصٌ.
والشركُ نَوْعَانِ:
شِرْكٌ أكبرُ، وَشِرْكٌ أصغرُ.
فالنوعُ الأَوَّلُ: الشِّرْكُ الأكبرُ، وهُوَ كُلُّ شِرْكٍ أَطْلَقَهُ الشارعُ وكانَ مُتَضَمِّنًا لخروجِ الإنسانِ عنْ دِينِهِ.
النوعُ الثاني: الشِّرْكُ الأصغرُ، وهُوَ كلُّ عَمَلٍ قَوْلِيٍّ أوْ فِعْلِيٍّ أَطْلَقَ عليهِ الشرعُ وَصْفَ الشركِ، ولكنَّهُ لا يُخْرِجُ عن المِلَّةِ.
وعلى الإنسانِ الحَذَرُ من الشركِ أَكْبَرِهِ وَأَصْغَرِهِ؛ فقدْ قالَ تَعَالَى: {إِنَّ اللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ} .


  #4  
قديم 16 ذو القعدة 1429هـ/14-11-2008م, 11:35 AM
حفيدة بني عامر حفيدة بني عامر غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: بلاد الحرمين .
المشاركات: 2,423
افتراضي حاشية ثلاثة الأصول للشيخ: عبد الرحمن بن محمد ابن قاسم

المتن:
اعْلَمْ أَرْشَدَكَ اللهُ لِطَاعَتِهِ
(1) أَنَّ الحَنِيفِيَّةَ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ: أَنْ تَعْبُدَ اللهَ وَحْدَهُ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ
(2) وَبِذَلكَ أَمَرَ اللهُ جَمِيعَ النَّاسِ وَخَلَقَهُمْ لَهَا
(3) كَمَا قَالَ تَعَالى : {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ}
(4) ، وَمَعْنَى يَعْبُدُونِ: يُوَحِّدُونِ
(5) وَأَعْظَمُ مَا أَمَرَ اللهُ بِهِ التَّوْحِيدُ
(6)، وَهُوَ: إِفْرَادُ اللهِ بِالْعِبَادَةِ
(7)، وَأَعْظَمُ مَا نَهَى عَنْهُ الشِّرْكُ
(8)، وَهُوَ: دَعْوَةُ غَيْرهِ مَعَهُ
(9)؛ وَالدَّلِيلُ قَوْلُهُ تَعَالى: {وَاعْبُدُوا اللهَ وَلاَ تُشْرِكُوْا بِهِ شَيْئاً}(10) .



الحاشية:
(1) هَدَاكَ ووَفَّقَكَ، لِمَا يَنْفَعُكَ في دُنْياكَ وآخِرَتِكَ، والرَّشَدُ: الاسْتِقَامَةُ عَلَى طَرِيقِ الحَقِّ، ضِدُّ الغَيِّ.
(2) أي: الحَنِيفِيَّةُ، طَرِيقَةُ وشَرِيعَةُ الخَلِيلِ إبْرَاهِيمَ، وجَمِيعِ الأنْبِياءِ عَلَيْهم السَّلاَمُ، هي: مَا قَرَّرَها به المُصَنِّفُ: أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصًا له الدِّينَ، فهذه هي حَقِيقَةُ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ، عِبَادَةُ اللَّهِ بالإخْلاَصِ.
والإخْلاَصُ: حُبُّ اللَّهِ، وإِرَادَةُ وجْهِهِ.
وعِبَادَةُ اللَّهِ بالإِخْلاَصِ، وتَرْكُ عِبَادَةِ مَا سِوَاه: هي المَذْكُورَةُ في قَوْلِهِ تَعَالَى: {ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ المُشْرِكِينَ} وفي قَوْلِهِ: {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِّلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ المُشْرِكِينَ}.
والحَنِيفُ مُشْتَقٌّ مِن الحَنْفِ وهو: المَيْلُ، فالحَنِيفُ: المَائِلُ عَن الشِّرْكِ قَصْدًا إلى التَّوْحيدِ. والحَنِيفُ المُسْتَقِيمُ، المُسْتَمْسِكُ بالإِسْلاَمِ، المُقْبِلُ عَلَى اللَّهِ، المُعْرِضُ عن كُلِّ مَا سِوَاه، وكُلُّ مَن كَانَ عَلَى دِينِ إبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ.
(3) أيْ: وبالإِخْلاَصِ في جَمِيعِ مَا تَعَبَّدَنَا اللَّهُ بِهِ، الذي هو مِلَّةُ إِبْرَاهِيمَ: أَمَرَ اللَّهُ بِهَا جَمِيعَ النَّاسِ، وخَلَقَ لَهَا جَمِيعَ الثَّقَلَيْنِ؛ الجنِّ والإِنْسِ.
(4) أيْ: مَا أَوْجَدَ سبحانَه وتَعَالَى الثَّقَلَيْنِ، إلاَّ لِحِكْمَةٍ عَظِيمةٍ، وهذه الحِكْمَةُ العَظِيمَةُ هي: عِبَادَةُ اللَّهِ وحْدَه لاَ شَرِيكَ له، وتَرْكُ عِبَادَةِ مَا سِوَاه، وأَفَادَتْ: أنَّ الخَلْقَ لَمْ يُخْلَقُوا عَبَثًا، ولَمْ يُتْرَكُوا سُدًى.
(5) قَالَ ابنُ عَبَّاسٍ: (كُلُّ مَوْضِعٍ في القُرْآنِ اعْبُدُوا اللَّهَ، فمَعْناهُ وحِّدُوا اللَّهَ) ، وجَاءَ أيْضًا: (عِبَادَةُ اللَّهِ تَوْحيدُ اللَّهِ).
والعِبَادَةُ في اللُّغَةِ: التَّذَلُّلُ والخُضُوعُ، مِن قَوْلِهِم: طَرِيقٌ مُعَبَّدٌ، أيْ: مُذَلَّلٌ، قَدْ وطِئَتْهُ الأَقْدَامُ. وسُمِّيَتْ وظَائِفُ الشَّرْعِ عَلَى المُكَلَّفِينَ عِبَادَاتٍ؛ لأَِنَّهم يَفْعَلُونَها للَّهِ خَاضِعِينَ ذَالِّينَ، ويَأْتِي تَعْرِيفُها في الشَّرْعِ.
(6) وهو أَعْظَمُ فَرِيضَةٍ فَرَضَها اللَّهُ عَلَى العِبَادِ عِلْمًا وعَمَلاً، ولأَِجْلِهِ أُرْسِلَت الرُّسُلُ وأُنْزِلَت الكُتُبُ، وبِهِ تُكَفَّرُ الذُّنُوبُ، وتُسْتَوْجَبُ الجَنَّةُ ويُنَجَّى مِن النَّارِ.
(7) فهو في الأَصْلِ، مِن وحَّدَه تَوْحِيدًا: جَعَلَه واحِدًا، أيْ: فَرْدًا، ووَحَّدَه قَالَ: إنَّه واحِدٌ أَحَدٌ، وقَالَ: (لاَ إِلَهَ إلاَّ اللَّهُ)، والواحِدُ والأَحَدُ: وصْفُ اسْمِ البَارِي، لاِخْتِصَاصِهِ بالأَحَدِيَّةِ.
وأَقْسَامُ التَّوْحيدِ ثَلاَثَةٌ:
- تَوْحِيدُ الرُّبُوبِيَّةِ، وهو: العِلْمُ بأنَّ اللَّهَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ وخَالِقُه.
الثَّانِي: تَوْحِيدُ الأَسْمَاءِ والصِّفَاتِ، وهو: أَنْ يُوصَفَ اللَّهُ بِمَا وَصَفَ بِهِ نَفْسَهُ، ووَصَفَهُ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
والثَّالِثُ: تَوْحِيدُ الإِلَهِيَّةِ: وهو إِخْلاَصُ العِبَادَةِ للَّهِ وحْدَه بِجَمِيعِ أَفْرَادِ العِبَادَةِ.
(8) الشِّرْكُ النَّصِيبُ، واسْمُ مَن أَشْرَكَ باللَّهِ، وهو أَعْظَمُ ذَنْبٍ عُصِيَ اللَّهُ بِهِ، وأيُّ ذَنْبٍ أَعْظَمُ مِن أَنْ يُجْعَلَ مَعَ اللَّهِ شَرِيكٌ في أُلُوهِيَّتِه، أو رُبُوبِيَّتِه، أَو أَسْمَائِهِ أو صِفَاتِهِ.
وكَمَا أنَّ الشِّرْكَ أَظْلَمُ الظُّلْمِ، وأَبْطَلُ البَاطِلِ كَمَا تَقَدَّمَ، فهو هَضْمٌ للرُّبُوبِيَّةِ وتَنَقُّصٌ للأُلُوهِيَّةِ، وسُوءُ ظَنٍّ بِرَبِّ العَالَمِينَ، وهو أَقْبَحُ المَعَاصِي؛ لأَِنَّه تَسْوِيَةٌ للمَخْلُوقِ النَّاقِصِ بالخَالِقِ الكَامِلِ مِن جَمِيعِ الوُجُوهِ.
(9) أيْ: طَلَبُ غَيْرِ اللَّهِ مَعَ اللَّهِ، وسُؤَالُ غَيْرِه مَعَه، مِن مَلَكٍ أو نَبِيٍّ، أو وَلِيٍّ أو شَجَرَةٍ أو حَجَرٍ، أو قَبْرٍ أو جِنِّيٍّ، والاسْتِعَانَةُ بِهِ، والتَّوَجُّهُ إليه، وغَيْرُ ذلك مِن أَنْواعِ العِبَادَةِ.
(10) يَأْمُرُ سُبْحَانَه عِبَادَه بعِبَادَتِه وحْدَه لاَ شَرِيكَ له، فإنَّه الخَالِقُ الرَّازِقُ، المُنْعِمُ المُتَفَضِّلُ عَلَى خَلْقِه، فهو المُسْتَحِقُّ منهم أنْ يُوحِّدُوه ولاَ يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، و(شَيْئًا) نَكِرَةٌ فِي سِيَاقِ النَّهْيِ، فَعَمَّ الشِّرْكَ قَلِيلَه وكَثِيرَه.
وَقَرَنَ سُبْحَانَه الأمْرَ بالعِبَادَةِ التي فَرَضَها عَلَى عِبَادِه بالنَّهْيِ عن الشِّرْكِ الذي حَرَّمَه، فَدَلَّتْ عَلَى أنَّ اجْتِنَابَ الشِّرْكِ شَرْطٌ في صِحَّةِ العِبَادَةِ.
وتُسَمَّى هذه الآيةُ آيةَ الحُقُوقِ العَشَرَةِ؛ لأَِنَّها اشْتَمَلَتْ عَلَى حُقُوقٍ عَشَرَةٍ؛ أَحَدُها: الأَمْرُ بالتَّوْحيدِ، ثُمَّ عَطَفَ عَلَيْهِ التِّسْعَةَ البَاقِيَةَ.
وابْتِدَاؤُه تَعَالَى بالأَمْرِ بالتَّوْحيدِ، والنَّهْيِ عن الشِّرْكِ أَدَلُّ دَلِيلٍ عَلَى أنَّه هو أَهَمُّها؛ فإنَّه لاَ يَبْدَأُ إلاَّ بالأَهمِّ فالأَهمِّ، فَدَلَّتْ عَلَى أنَّ التَّوْحِيدَ أَوْجَبُ الواجِبَاتِ، وأنَّ ضِدَّه - وهو الشِّرْكُ - أَعْظَمُ المُحَرَّمَاتِ.


  #5  
قديم 16 ذو القعدة 1429هـ/14-11-2008م, 11:38 AM
حفيدة بني عامر حفيدة بني عامر غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: بلاد الحرمين .
المشاركات: 2,423
افتراضي حصول المأمول لفضيلة الشيخ: عبد الله بن صالح الفوزان

(1) قولُ المُصَنِّفِ رَحِمَهُ اللهُ: (اعْلَمْ - أَرْشَدَكَ اللهُ لطَاعتِهِ - أنَّ الْحَنِيفِيَّةَ - مِلَّةَ إبراهيمَ -: أنْ تَعْبُدَ اللهَ مُخْلِصًا لهُ الدِّينَ) هذا الكلامُ مِن الْمُؤَلِّفِ رَحِمَهُ اللهُ في مَوضوعِ تقريرِ توحيدِ الأُلُوهِيَّةِ.
وقدْ بَدَأَ هذا التقريرَ بالدعاءِ لكَ أيها القارئُ أو السامعُ، فقالَ: (اعْلَمْ أَرْشَدَكَ اللهُ لطاعتِهِ)ومعنَى أَرْشَدَكَ؛ أيْ: دلَّكَ وهداكَ إلَى الرُّشْدِ.
والرُّشْدُ: هوَ الاستقامةُ علَى طريقِ الحقِّ، وهوَ ضِدُّ الْغَيِّ؛ لأنَّ الْغَيَّ هوَ الضلالُ الذي يُفْضِي بصاحبِهِ - والعِياذُ باللهِ - إلَى الْخُسرانِ.
والطاعةُ: هيَ مُوافَقَةُ أَمْرِ الشرْعِ بفِعْلِ المأمورِ واجتنابِ الْمَحْظُورِ.
والْحَنِيفِيَّةُ: هيَ مِلَّةُ إبراهيمَ، ومِلَّةُ إبراهيمَ هيَ الْحَنِيفِيَّةُ، ولهذا جَمَعَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللهُ بينَهما.
وأَصْلُ الحنيفيَّةِ مَأخوذةٌ مِن الْحَنْفِ، والحَنْفُ معناهُ: الْمَيْلُ، فالحنيفُ: هوَ المائلُ عن الشرْكِ قَصْدًا وإخلاصًا إلَى التوحيدِ، والْحَنيفُ هوَ الْمُقْبِلُ علَى اللهِ سُبحانَهُ وتعالَى، الْمُعْرِضُ عنْ كلِّ ما سواهُ، قالَ تعالَى: {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا للهِ حَنِيفًا} ، والقانِتُ: هوَ الخاشِعُ الْمُطِيعُ.
أمَّا الْمِلَّةُ: فهيَ بمعنَى الدِّينِ، وهيَ اسمٌ لكلِّ ما شَرَعَهُ اللهُ سُبحانَهُ وتعالَى لعِبادِهِ علَى أَلْسِنَةِ أنبيائِهِ.
قولُهُ: (أنْ تَعْبُدَ اللهَ مُخْلِصًا لهُ الدِّينَ) هذا بيانٌ لحقيقةِ مِلَّةِ إبراهيمَ فهوَ خَبَرُ (أنَّ) في قولِهِ: (أنَّ الْحَنِيفِيَّةَ مِلَّةَ إبراهيمَ) فـ(أنَّ) وما دَخَلَتْ عليهِ في تأويلِ مَصْدَرٍ خَبَرُ (أن) والتقديرُ: اعْلَمْ أنَّ الْحَنِيفِيَّةَ مِلَّةَ إبراهيمَ عِبادةُ اللهِ تعالَى وَحدَهُ بإخلاصٍ.
وأَصْلُ العِبادةِ: التَّذَلُّلُ والخضوعُ، وتقولُ العَرَبُ: طريقٌ مُعَبَّدٌ؛ أيْ: مُذَلَّلٌ، مُهَيَّأٌ لسُلوكِ الناسِ.
قالَ الْعُلَمَاءُ: وسُمِّيَت الوَظائفُ التي طَلَبَها اللهُ تعالَى مِن الْمُكَلَّفِينَ عِباداتٍ؛ لأنَّهُم يَلتزِمونَها ويَفعلونَها مُتَذَلِّلِينَ خَاضِعينَ للهِ سُبحانَهُ وتعالَى.
وأمَّا معناها الذي يُبَيِّنُ مُتَعَلِّقَاتِها، فهوَ كما قالَ شيخُ الإسلامِ ابنُ تَيميَّةَ رَحِمَهُ اللهُ في كتابِهِ القَيِّمِ: (العُبوديَّةِ): (العِبادةُ: اسمٌ جامعٌ لكلِّ ما يُحِبُّهُ اللهُ ويَرضاهُ مِن الأقوالِ والأعمالِ الظاهرةِ والباطنةِ) مِن: الصلاةِ، والزكاةِ، والصيامِ، والحجِّ، والْمَحَبَّةِ، والخوفِ، والرجاءِ، والتوَكُّلِ، والاستعانةِ، والاستغاثةِ، ونحوِ ذلكَ مِمَّا سَيأتِي الكلامُ عليهِ إن شاءَ اللهُ تعالَى.
وقولُهُ: (أن تَعْبُدَ اللهَ مُخْلِصًا لهُ الدينَ) الإخلاصُ: هوَ أنْ يَقْصِدَ العبدُ بعَمَلِهِ رِضَا ربِّهِ وثَوابَهُ، لا غَرَضًا آخَرَ مِنْ: رِئاسةٍ، أوْ جَاهٍ، أوْ شيءٍ مِنْ حُطَامِ الدنيا.
فإذا قَامَ العبدُ بالعِبادةِ مُرِيدًا بذلكَ رِضا اللهِ سُبحانَهُ وتعالَى، الذي هوَ الْمُسْتَحِقُّ للعِبادةِ، وقَصَدَ بذلكَ الحصولَ علَى الثوابِ؛ تَحَقَّقَ الإخلاصُ.
وقَصْدُ ثوابِ اللهِ تعالَى ونَيلِ رِضوانِهِ وجَنَّتِهِ لا يُخِلُّ بالإخلاصِ، بلْ يُذَمُّ مَنْ يَعبدُ اللهَ تعالَى وهوَ لا يُريدُ الثوابَ، وهيَ طريقةٌ مِنْ طُرُقِ الصُّوفِيَّةِ، وهيَ مُخالِفَةٌ لما دَلَّتْ عليهِ النصوصُ الشرعيَّةُ مِنْ أنَّ الانسانَ يَقْصِدُ بعِبادتِهِ وَجْهَ اللهِ تعالَى، والوصولَ إلَى رِضوانِهِ، وطَلَبَ ثوابِهِ وجَنَّتِهِ.
وللإخلاصِ ثَمَرَاتٌ عظيمةٌ:
1 - أنَّهُ بتحقيقِ الإنسانِ لتوحيدِ رَبِّهِ وإخلاصِهِ العُبوديَّةَ لهُ تَكْمُلُ لهُ الطاعةُ، ويَخرُجُ مِنْ قَلْبِهِ تَأَلُّهُ ما يَهواهُ.
2 - مَنْ أَخْلَصَ في عِبادةِ ربِّهِ صُرِفَتْ عنه المعاصي والذنوبُ، كما قالَ تعالَى: {كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ}، فعَلَّلَ صَرْفَ السوءِ والفحشاءِ عنه بأنَّهُ مِنْ عِبادِهِ الْمُخْلَصينَ لهُ في عِباداتِهم، الذينَ أَخْلَصَهم اللهُ واختارَهم واخْتَصَّهُم لنفسِهِ.
3 - مَنْ أَخْلَصَ في عِبادةِ رَبِّهِ فهوَ في حِرْزٍ مِن الشيطانِ، قالَ تعالَى: {إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ}، وقالَ الشيطانُ: {فَبِعِزَّتِكَ لأَُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (82) إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ}.
4 - ثَبَتَ في حديثِ عِتبانَ أنَّهُ قالَ: ((إِنَّ اللهَ حَرَّمَ عَلَى النَّارِ مَنْ قَالَ: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ يَبْتَغِي بِذَلِكَ وَجْهَ اللهِ)).
(2) قولُهُ: (وبذلكَ) اسمُ الإشارةِ يَعودُ إلَى العِبادةِ الخالِصَةِ؛ أيْ: بإخلاصِ العِبادةِ.
(3) (أمَرَ اللهُ جَميعَ الناسِ) بدَليلِ قولِهِ تعالَى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدُونِ} .
(4) قولُهُ: (وخَلَقَهم لها كما قالَ اللهُ تعالَى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ} ) أيْ: خَلَقَهم لعِبادتِهِ، وهذه الآيَةُ العظيمةُ بَيَّنَتِ الحكمةَ مِنْ خَلْقِ الْجِنِّ والإنسِ، وهيَ العِبادةُ؛ فإنَّ اللهَ جَلَّ وعلا ما خَلَقَ الخلْقَ إلاَّ لأَجْلِ أن يَأْمُرَهم بالعِبادةِ، فمِنهم مَنْ أطاعَ وأَذْعَنَ فعَبَدَ اللهَ، ومِنهم مَنْ عَصَى وعانَدَ فأَشْرَكَ معَ اللهِ غيرَهُ.
والجِنُّ: عالَمٌ غَيْبِيٌّ قائمٌ بِذَاتِهِ، يَخْتَلِفُ عن الإنْسِ؛ لأنَّهُ مخلوقٌ مِنْ نارٍ والإنسُ مِنْ طينٍ.
قالَ تعالَى: {خَلَقَ الإِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ (14) وَخَلَقَ الْجَانَّ مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ} .
سُمُّوا جِنًّا لاجتنانِهم؛ أي: استتارِهم عن العيونِ، واجتماعُ الجيمِ معَ حَرْفِ النونِ في لُغةِ العَرَبِ يَدُلُّ علَى السِّتْرِ، قالَ تعالَى: {إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لاَ تَرَوْنَهُمْ}.
والإنسُ : البشَرُ، الواحدُ: (إِنْسِيٌّ) سُمُّوا بذلكَ؛ لأنَّ بعضَهم يَأْنَسُ ببَعْضٍ، والأَنَسُ الطُّمأنينةُ.
(5) قولُهُ: (ومعنَى يَعْبُدُونِ: يُوَحِّدُونِي) هذا تفسيرٌ لِمَعنَى العِبادةِ في الآيَةِ الكريمةِ، فمعنَى (يَعْبُدُونِ) أيْ: يُفْرِدُونَنِي بالعِبادةِ، والإفرادُ بالعِبادةِ معناهُ: التوحيدُ.
وقدْ وَرَدَ قي الحديثِ القُدسيِّ عنْ أبي هُريرةَ رَضِيَ اللهُ عنهُ، عن النبيِّ صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ قالَ: ((قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: يَا ابْنَ آدَمَ، تَفَرَّغْ لِعِبَادَتِي أَمْلأَْ صَدْرَكَ غِنًى وَأَسُدَّ فَقْرَكَ، وَإِلاَّ تَفْعَلْ مَلأَْتُ صَدْرَكَ شُغْلاً وَلَمْ أَسُدَّ فَقْرَكَ)) .
فهذا الحديثُ يَدُلُّ علَى أنَّ الوَظيفةَ التي أُنِيطَتْ بهذا الْمُكَلَّفِ: هيَ عِبادةُ اللهِ والتفرُّغُ لِمَا خُلِقَ لأَجْلِهِ.
(6) قولُهُ: (وأَعْظَمُ ما أَمَرَ اللهُ بهِ التوحيدُ: وهوَ إفرادُ اللهِ بالعِبادةِ).
التوحيدُ معناهُ في اللغةِ: مِنْ وَحَّدَ يُوَحِّدُ تَوحيدًا؛ أيْ: جَعَلَهُ واحدًا لا ثانِيَ لهُ.
والْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللهُ عَرَّفَ التوحيدَ بأنَّهُ: إفرادُ اللهِ بالعِبادةِ، وهوَ يُريدُ بهذا التوحيدَ الذي بُعِثَت الرُّسُلُ لتَحقيقِهِ، وإلاَّ فهوَ بالْمَعْنَى العامِّ: إفرادُ اللهِ بالرُّبوبيَّةِ، والأُلوهيَّةِ، والأسماءِ والصفاتِ، وهذه أقسامُ التوحيدِ الثلاثةُ.
فيكونُ تعريفُ الْمُصَنِّفِ هنا للتوحيدِ بأنَّهُ: إفرادُ اللهِ بالعِبادةِ، إنَّمَا هوَ لبيانِ التوحيدِ الذي حَصَلَ بهِ النِّزاعُ والْجِدالُ، والذي بُعِثَتْ لأَجْلِهِ الرُّسُلُ، وأُنْزِلَتْ لهُ الكُتُبُ، وشُرِعَ مِنْ أَجْلِهِ الجهادُ، وهوَ توحيدُ الأُلوهيَّةِ.
ومعنَى (إفرادِ اللهِ بالعِبادةِ) أيْ: قولاً، وقَصْدًا، وفِعلاً، فيُفْرَدُ اللهُ بالأقوالِ، والأفعالِ، والْمَقاصِدِ.
والْمُرَادُ بالعِبادةِ هنا في كلامِ الْمُصَنِّفِ: العِبادةُ الشرعيَّةُ، وهيَ الخضوعُ لأمْرِ اللهِ الشرعيِّ، وأمْرُ اللهِ الشرعيُّ هوَ القِيامُ بالتكاليفِ.
أمَّا العِبادةُ الكَوْنِيَّةُ: فهيَ الْخُضوعُ لأَمْرِ اللهِ الكونيِّ، والعِبادةُ الكونيَّةُ عامَّةٌ لكلِّ مَخلوقٍ، فالذي يَنقادُ لأَقدارِ اللهِ تعالَى داخِلٌ في المعنَى الثاني للعِبادةِ، وهيَ العِبادةُ الكونِيَّةُ.
والفَرْقُ بَيْنَ أمْرِ اللهِ الكونيِّ وأَمْرِ اللهِ الشرعيِّ:
أنَّ أَمْرَ اللهِ الشرعيَّ: ما شَرَعَهُ اللهُ لعِبادِهِ مِن التكاليفِ، وأَمْرَ اللهِ الكونيَّ: ما يَقضيهِ اللهُ سُبحانَهُ وتعالَى ويُقَدِّرُهُ علَى عِبادِهِ: مُؤمِنِهم وكافِرِهم، بَرِّهِم وفاجِرِهم، مِنْ مَرَضٍ، أوْ فَقْرٍ، أوْ فَقْدِ محبوبٍ، ونحوِ ذلكَ.
والدليلُ علَى أنَّ العِبادةَ تَكونُ كَوْنِيَّةً قولُ اللهِ تعالَى: {إِنْ كُلْ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ إِلاَّ آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا} ، فهذه هيَ العُبوديَّةُ الكونيَّةُ التي لا تَخُصُّ المؤمِنَ، بلْ هيَ عامَّةٌ لكلِّ مَخلوقٍ، فالعِبادةُ الْمَقصودةُ في هذا البابِ - التي هيَ معنَى التوحيدِ -: هيَ العِبادةُ الشرعيَّةُ التي لا يَنقادُ لها إلاَّ المؤمِنُ الْبَرُّ.
(7) قولُهُ: (وأعظَمُ ما نَهَى عنه: الشِّرْكُ) الشرْكُ في الأصلِ بمعنَى: النَّصيبِ، فإذا أَشْرَكَ معَ اللهِ غيرَهُ؛ أيْ: جَعَلَ لغيرِهِ نَصيبًا.
وإنَّمَا كانَ الشرْكُ أَعظمَ ما نَهَى اللهُ عنه؛ لأنَّ أَعْظَمَ الحقوقِ حقُّ اللهِ تعالَى، وحقُّ اللهِ تعالَى إفرادُهُ بالعُبوديَّةِ، فإذا أَشْرَكَ معَ اللهِ غيرَهُ ضَيَّعَ أَعْظَمَ الحقوقِ.
وقدْ ورَدَ عن ابنِ مَسعودٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ قالَ: سألتُ - أو: سُئِلَ - رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ: (أيُّ الذنْبِ عندَ اللهِ أَعْظَمُ؟ - وفي لفظٍ: أَكْبَرُ - قالَ ((أَنْ تَجْعَلَ للهِ نِدًّا وَهُوَ خَلَقَكَ..)).
وقالَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ لِمُعاذٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ: ((أَتَدْرِي مَا حَقُّ اللهِ عَلَى عَبَادِهِ؟)) قالَ: اللهُ ورسولُهُ أَعْلَمُ، قالَ صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ: ((حَقُّ اللهِ عَلَى عِبَادِهِ أَنْ يَعْبُدُوهُ وَلاَ يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا...))، فدَلَّ هذا علَى أنَّ اللهَ سُبحانَهُ وتعالَى لهُ حَقٌّ علَى العِبادِ، فمَنْ ضَيَّعَ هذا الْحَقَّ فقدْ وَقَعَ في تَضييعِ أَعْظَمِ الحقوقِ.
(8) قولُهُ: (وهوَ دعوةُ غيرِهِ معه) هذا تعريفُ الشرْكِ، وهوَ أنْ يَجْعَلَ معَ اللهِ إلهًا آخَرَ، مَلَكًا، أوْ رسولاً، أوْ وَلِيًّا، أوْ حَجَرًا، أوْ بَشَرًا، يَعبُدُهُ كما يَعْبُدُ اللهَ، وذلكَ بدُعائِهِ، والاستعانةِ بهِ، والذبْحِ لهُ، والنَّذْرِ لهُ، وغيرِ ذلكَ مِنْ أنواعِ العِبادةِ.
وهذا هوَ الشرْكُ الأكبَرُ، وهوَ أربعةُ أنواعٍ:
1 - شِرْكُ الدعاءِ: وهوَ أن يَضْرَعَ إلَى غيرِ اللهِ تعالَى، مِنْ نَبِيٍّ، أوْ مَلَكٍ، أوْ وَلِيٍّ، بقُرْبِةٍ مِن الْقُرَبِ - صلاةٍ، أو استغاثةٍ، أو استعانةٍ - أوْ يَدْعُوَ مَيِّتًا، أوْ غَائِبًا، أوْ نحوَ ذلكَ مِمَّا هوَ مِن اختصاصِ اللهِ تعالَى، والدليلُ قولُهُ تعالَى: {فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ}.
2 - شِرْكُ النِّيَّةِ والإرادةِ والقَصْدِ: بأن يأتيَ بأَصْلِ العِبادةِ رِيَاءً، أوْ لأَجْلِ الدنيا وتَحصيلِ أَغراضِها، والدليلُ قولُهُ تعالَى: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لاَ يُبْخَسُونَ (15) أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ إِلاَّ النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}.
قالَ ابنُ القَيِّمِ رَحِمَهُ اللهُ: (أَمَّا الشِّرْكُ فِي الإِرَادَاتِ وَالنِّيَّاتِ فَذَلِكَ الْبَحْرُ الَّذِي لاَ سَاحِلَ لَهُ، وَقَلَّ مَنْ يَنْجُو مِنْهُ، فَمَنْ أَرَادَ بِعَمَلِهِ غَيْرَ وَجْهِ اللهِ، وَنَوَى شَيْئًا غَيْرَ التَّقَرُّبِ إِلَيْهِ وَطَلَبِ الجزاءِ مِنه، فقدْ أَشْرَكَ في نِيَّتِهِ وَإِرَادَتِهِ...).
واعتبارُ شِرْكِ النِّيَّةِ والقَصْدِ مِن الشرْكِ الأكبَرِ محمولٌ علَى ما ذَكَرْنَا، وهوَ أن يَأْتِيَ بأَصْلِ العملِ رِياءً أوْ لأَجْلِ الدنيا، ولم يكنْ مُرِيدًا وَجْهَ اللهِ تعالَى والدارَ الآخِرةَ، وهذا العَمَلُ علَى هذا الوَصْفِ لا يَصْدُرُ مِنْ مُؤمِنٍ، فإنَّ المؤمِنَ - وإنْ كانَ ضَعيفَ الإيمانِ - لا بُدَّ أن يُريدَ اللهَ والدارَ الآخِرةَ، لكن إن تَسَاوَى القَصدانِ أوْ تَقَارَبا فهذا نَقْصٌ في الإيمانِ والتوحيدِ، وعَمَلُهُ ناقصٌ لفَقْدِهِ كَمالَ الإخلاصِ.
وإن عَمِلَ للهِ وَحدَهُ وأَخْلَصَ في عمَلِهِ إخلاصًا تامًّا، وأَخَذَ عليهِ جُعلاً معلومًا يَستعينُ بهِ علَى العَمَلِ والدينِ، فهذا لا يَضُرُّ؛ لأنَّ اللهَ تعالَى جَعَلَ في الأموالِ الشرعيَّةِ، كالزَّكَواتِ، وأموالِ الفَيْءِ وغيرِها، جُزءًا كبيرًا يُصْرَفُ في مَصالِحِ المسلمينَ.
3 - شِرْكُ الطاعةِ: وهوَ أن يَتَّخِذَ لهُ مُشَرِّعًا سوَى اللهِ تعالَى، أوْ يَتَّخِذَ شَريكًا للهِ في التشريعِ فيَرْضَى بِحُكْمِهِ ويَدينَ بهِ في التحليلِ والتحريمِ، عِبادةً وتَقَرُّبًا وقَضاءً وفَصْلاً في الْخُصوماتِ، والدليلُ قولُهُ تعالَى: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللهِ وَالْمَسِيحَ ابنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ}.
ولمَّا سَمِعَ عديُّ بنُ حاتمٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ النبيَّ صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ يَقرأُ هذه الآيَةَ، قالَ: (إنَّا لسنا نَعْبُدُهم، قالَ: ((أَلَيْسَ يُحَرِّمُونَ مَا أَحَلَّ اللهُ فَتُحَرِّمُونَهُ، وَيُحِلُّونَ مَا حَرَّمَ اللهُ فَتُحِلُّونَهُ؟)) قالَ: بلَى، قالَ: ((فَتِلْكَ عِبَادَتُهُمْ)).
4 - شِرْكُ الْمَحَبَّةِ: وهوَ اتِّخاذُ الأندادِ مِن الْخَلْقِ يُحِبُّهُم كحُبِّ اللهِ تعالَى، فيُقَدِّمُ طَاعتَهم علَى طاعتِهِ، ويَلْهَجُ بذِكْرِهم ودُعائِهم، والدليلُ قولُهُ تعالَى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللهِ}.
قالَ ابنُ القَيِّمِ رَحِمَهُ اللهُ: (وها هنا أربعةُ أنواعٍ مِن الْمَحبَّةِ يَجِبُ التفريقُ بينَها، وإنَّمَا ضَلَّ مَنْ ضَلَّ بعَدَمِ التمييزِ بينَها:
أحدُها: مَحَبَّةُ اللهِ، ولا تَكْفِي وَحْدَها في النجاةِ مِنْ عذابِ اللهِ والفوزِ بثَوابِهِ، فإنَّ المشركينَ وعُبَّادَ الصليبِ واليهودَ وغيرَهم يُحِبُّونَ اللهَ.
الثاني: مَحَبَّةُ ما يُحِبُّهُ اللهُ، وهذه هيَ التي تُدْخِلُهُ في الإسلامِ وتُخْرِجُهُ مِن الكُفْرِ، وأَحَبُّ الناسِ إلَى اللهِ أَقْوَمُهم بهذه الْمَحَبَّةِ وأَشْهَدُهم فيها.
الثالثُ: الحبُّ للهِ وفيهِ، وهيَ مِنْ لَوازِمِ مَحَبَّةِ ما يُحِبُّهُ اللهُ، ولا يَستقيمُ مَحَبَّةُ ما يُحِبُّهُ اللهُ إلاَّ بالحبِّ فيهِ ولهُ.
الرابعُ: الْمَحَبَّةُ معَ اللهِ، وهيَ الْمَحَبَّةُ الشِّركيَّةُ، وكلُّ مَنْ أَحَبَّ شيئًا معَ اللهِ، لا للهِ، ولا مِنْ أَجْلِهِ، ولا فيهِ، فقد اتَّخَذَهُ نِدًّا مِنْ دونِ اللهِ، وهذه مَحَبَّةُ الْمُشرِكينَ).
وأمَّا الشرْكُ الأصغَرُ فهوَ: كلُّ ما نَهَى عنه الشرْعُ مِمَّا هوَ ذَريعةٌ إلَى الشِّرْكِ الأَكْبَرِ، ووسيلةٌ للوُقوعِ فيهِ، وجاءَ في النصوصِ تَسميتُهُ شِرْكًا، كالْحَلِفِ بغيرِ اللهِ تعالَى، والرياءِ اليسيرِ في أفعالِ العِباداتِ وأقوالِها، وبعضِ العباراتِ مثلِ: (مَا شاءَ اللهُ وشِئْتَ)، ونحوِها ممَّا فيهِ تَشريكٌ بينَ اللهِ وخَلْقِهِ مِثلِ: (لولا اللهُ وفلانٌ)، و(ما لي إلاَّ اللهُ وأنتَ)، (وأنا مُتَوَكِّلٌ علَى اللهِ وعليكَ)، (ولولا أنتَ لم يكنْ كذا).. وقدْ يكونُ هذا شِرْكًا أَكبرَ بِحَسَبِ قائلِهِ ومَقْصِدِهِ.
(9) قولُهُ: (والدليلُ قولُهُ تعالَى: {وَاعْبُدُوا اللهَ وَلاَ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا} ) هذه الآيَةُ جَمَعَتْ بينَ الأمرينِ: الأمْرِ بالعبادةِ، والنهيِ عن الشرْكِ، مِمَّا يَدُلُّ علَى أنَّ العِبادةَ لا تَتِمُّ إلاَّ باجتنابِ الشرْكِ قَليلِهِ وكثيرِهِ؛ لأنَّ {شيئًا} نَكِرةٌ في سِياقِ النهيِ فتُفيدُ العُمومَ؛ أيْ: لا شِركًا أصغرَ ولا أكبرَ، لا مَلَكًا ولا نَبِيًّا ولا وَلِيًّا ولا غيرَهم مِن المخلوقينَ، كما أنَّهُ تعالَى لم يَخُصَّ نوعًا مِنْ أنواعِ العِبادةِ، لا دُعاءً، ولا صَلاةً، ولا تَوَكُّلاً، ولا غيرَها ليَعُمَّ جميعَ أنواعِ العِبادةِ.
وأمَّا حُكْمُ الشرْكِ: فالأكبرُ مُخْرِجٌ مِن الْمِلَّةِ، وقدْ حَرَّمَ اللهُ الْجَنَّةَ علَى صاحبِهِ؛ إذْ ليسَ معه شيءٌ مِن التوحيدِ، قالَ تعالَى: {إِنَّ اللهَ لاَ يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ}.
وأمَّا الأصغَرُ: فلا يُخْرِجُ مِن الْمِلَّةِ، لكنه وَسيلةٌ إلَى الأَكْبَرِ، وصاحبُهُ علَى خَطَرٍ عظيمٍ، فعلَى العَبْدِ أن يَحْذَرَ الشرْكَ مُطْلَقًا، فإنَّ بعضَ الْعُلَمَاءِ يَرَى أنَّ الآيَةَ الْمَذكورةَ عامَّةٌ في الشرْكِ الأصغرِ والأكبرِ، وأنَّ قولَهُ: {إِنَّ اللهَ لاَ يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} أيْ: ما هوَ أَقَلُّ مِن الشرْكِ، واللهُ أَعْلَمُ.


  #6  
قديم 16 ذو القعدة 1429هـ/14-11-2008م, 11:39 AM
حفيدة بني عامر حفيدة بني عامر غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: بلاد الحرمين .
المشاركات: 2,423
افتراضي شرح معالي الشيخ :صالح بن عبدالعزيزبن محمد آل الشيخ (مفرغ)




[شرح قول المؤلف رحمه الله: (اعلم أرشدك الله لطاعته)]
هذا فيه تلطف ثالث منه -رحمه الله تعالى- حيث دعا للمتعلم بقوله: (اعلم أرشدك الله) وهذا الذي ينبغي على المعلمين أن يكونوا متلطفين بالمتعلمين؛ لأن التلطف والتعامل معهم بأحسن ما يجد المعلم؛ هذا يجعل قلب المتعلم قابلاً للعلم، منفتحاً له، مقبلاً عليه.
[بيان معنى الحنيفية]
فيقول: إن الحنيفية - ملةَ إبراهيم عليه السلام- هي التي أمر الله جل وعلا نبيه، وأمر الناس أن يكونوا عليها، قال جل وعلا: {ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً}.
وملة إبراهيم هي التوحيد؛ لأنه هو الذي تركه فيمن بعده، حيث قال جـل وعـلا: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ (26) إِلاَّ الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ}.
هذه الكلمة: {إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ (26) إِلاَّ الَّذِي فَطَرَنِي} اشتملت على نفي في الشق الأول، وعلى إثبات في الشق الثاني، {إنني براءٌ مما تعبدون} البراءةُ نفي، ثم أثبت فقال: {إِلاَّ الَّذِي فَطَرَنِي} فتبرأ من المعبودات المختلفة، وأثبت أنه عابد للذي فطره وحده، وهذا هو معنى كلمة التوحيد، ولهذا قال جل وعلا بعدها: {وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} يعني: لعلهم يرجعون إليها.
وعقب إبراهيم عليه السلام منهم العرب، ومنهم أتباع الأنبياء، فهو أبو الأنبياء، ومعنى ذلك أنه أبٌ لأقوام الأنبياء.
جعلها كلمة باقية في عقبه لعلهم يرجعون إليها، وهذه الكلمة هي كلمة التوحيد: (لا إله إلا الله)؛ لأن التوحيد هو ملة إبراهيم.
(لا إله إلا الله) معناها ما قال إبراهيم عليه السلام: {إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ (26) إِلاَّ الَّذِي فَطَرَنِي} فـ(لا إله) مشتملة على البراءة من كل إله عبد، (وإلا الله) إثبات لعبادة الله -جل وعلا- وحده دون ما سواه؛ ولهذا يقول العلماء: (لا إله إلا الله معناها: لا معبود حق -أو بحق- إلا الله)، معنى ذلك أن كل المعبودات إنما عُبدت بغير الحق، قال جل وعلا: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ} ذلك بأن الله هو الحق، ولكونه جل وعلا هو الحق كانت عبادته وحده دون ما سواه هي الحق، قال: لا إله بحق، لا معبود بحق، لكن ثَمَّ معبودات بغير الحق، ثَم معبودات بالباطل، ثم معبودات بالبغي والظلم والعدوان، لكن المعبود بحق يُنفى عن جميع الآلهة، إلا الله جل وعلا؛ فإنه هو وحده المعبود بحق.
هذه الكلمة هي التي ألقاها إبراهيم عليه السلام في عقبه، وهذا مراد الشيخ -رحمه الله تعالى- بما ذكر.
[شرح قول: وأعظم ما أمر الله به التوحيد]
وبَيَّن أن أعظم الواجبات، أعظم ما أَمَر به إبراهيم الخليل عليه السلام، وما أَمَر به النبي صلى الله عليه وسلم: التوحيد، وأعظم ما نهى عنه: الشرك، ومعنى ذلك: أن أعظم دعوة الأنبياء والمرسلين؛ من إبراهيم عليه السلام، بل من نوح عليه السلام إلى نبينا محمد صلى الله عليه وسلم؛ أعظم ما يدعى إليه بالأمر هو الأمر بتوحيد الله جل وعلا، وأعظم ما يُنهى عنه، ويؤمر الناس بتركه هو الشرك، فأعظم ما أُمر به التوحيد، وأعظم ما نُهي عنه الشرك، لِمَ؟
لأن التوحيد هو حق الله جل وعلا، ومن أجله بعثت الرسل: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ}.
فالغاية من بعث الرسل أن تبين للناس، وأن تقول للناس: اعبدوا الله وحده دون ما سواه -هذا الأمر- واجتنبوا الطاغوت، يعني: اتركوا الشرك ومظاهر الشرك.
فإذاً: أعظم مأمور به هو التوحيد، أعظم ما دعا إليه الرسل والأنبياء من نوح عليه السلام إلى نبينا محمد عليه الصلاة والسلام، أعظم ما دُعي إليه من المأمورات: التوحيد، وأعظم ما نُهي عنه من المنهيات هو الشرك، لِمَ؟
لأن الغاية من خلق الإنسان هي عبادة الله وحده، فصار الأمر بالتوحيد هو الأمر لهذا المخلوق بأن يعلم وأن يُنْفِذ غاية الله -جل وعلا- من خلق هذا المخلوق.
والنهي عن الشرك معناه: النهي عن أن يأخذ هذا المخلوق بطريق أو بفعل يخالف الغاية من خلقه، وهذا ولاشك كما ترى يقود إلى فهم التوحيد، وفهم حق الله جل وعلا، وفهم دعوة الحق بأعظم ما يكون الفهم؛ لأنك تنظر إلى أن إنفاذ المرء ما خلق من أجله هو أعظم ما يدعى إليه، ونهي المرء عنما يصده عن ما خُلِق من أجله، هذا أعظم ما ينهى عنه؛ ولهذا كانت دعوة المصلحين، ودعوات المجددين؛ على مر العصور بهذه الأمة، هي بالدعوة إلى التوحيد ولوازمه، والنهي عن الشرك وذرائعه.


  #7  
قديم 16 ذو القعدة 1429هـ/14-11-2008م, 11:40 AM
حفيدة بني عامر حفيدة بني عامر غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: بلاد الحرمين .
المشاركات: 2,423
افتراضي العناصر

شرح قول المؤلف :(اعلم - أرشدك الله لطاعته - أن الحنيفية ملة إبراهيم ...)
- التلطف للمتلقي بالدعاء له
- بيان معنى (الرشد)
- بيان معنى (الطاعة)
- بيان معنى (الحنيفية)
- بيان معنى (الملة)
شرح قول المؤلف:(أن تعبد الله مخلصاً له الدين)
- بيان معنى (العبادة) بمفهومها العام
- بيان معنى (العبادة) بمفهومها الخاص
- بيان معنى العبادة الشرعية
- بيان معنى العبادة الكونية
- الفرق بين العبادة الكونية والعبادة الشرعية
- بيان معنى (الإخلاص)
- بم يتحقق الإخلاص؟
- قصد ثواب الله تعالى وجنته لا يخل بالإخلاص
- ذكر بعض ثمرات الإخلاص
تفسير قوله تعالى: ( وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون)
- الحكمة من خلق الجن والإنس
- تعريف (الجن)
- سبب تسمية الجن بهذا الاسم
- تعريف (الإنس)
- مفرد (الإنس) : (إنسي)
- سبب تسمية (الإنس) بهذا الاسم
شرح قول المؤلف: (ومعنى (يعبدونِ) : (يوحدونِ))
بيان أعظم ما أمر الله به
- بيان معنى (التوحيد) لغةَ
- بيان معنى (التوحيد) شرعاً
- معنى إفراد الله تعالى بالعبادة
- المراد بالعبادة هنا العبادة الشرعية
- بيان أنواع التوحيد
بيان أعظم ما نهى الله عنه
- بيان معنى (الشرك) لغة
- بيان معنى (الشرك) شرعاَ
- بيان خطر الشرك
- لم كان الشرك بالله أعظم ما نهى الله عنه
- بيان أقسام الشرك
- أنواع الشرك الأكبر
- تعريف الشرك الأصغر
- أمثلة على الشرك الأصغر
- حكم الشرك الأكبر
- حكم الشرك الأصغر
تفسير قوله تعالى (واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً)


  #8  
قديم 16 ذو القعدة 1429هـ/14-11-2008م, 12:09 PM
حفيدة بني عامر حفيدة بني عامر غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: بلاد الحرمين .
المشاركات: 2,423
افتراضي الأسئله

الأسئلة
س1: ما معنى الرشد والإرشاد؟
س2: ما معنى الطاعة؟
س3: ما معنى الحنيفية؟ وما معنى الملة؟
س4: ما معنى التوحيد؟ واذكر أقسامه.
س5: بين معنى العبادة بمفهومها العام ومفهومها الخاص.
س6: ما الفرق بين العبادة الكونية والعبادة الشرعية؟
س7: فسر باختصار قوله تعالى : {وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون}.
س8: ما أعظم ما أمر الله به؟
س9: ما أعظم ما نهى الله عنه؟
س10: ما معنى الشرك ؟ واذكر أنواعه.
س11: فسر باختصار قول الله تعالى: {واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً}.
س12: ما الأصول الثلاثة التي يجب على الإنسان معرفتها؟
س13: ما معنى كلمة (الأصول) ؟
س14: تحدث باختصار عن أهمية معرفة هذه الأصول الثلاثة.
س15: لو أقر العبد بتوحيد الربوبية وتوحيد الأسماء والصفات هل يكفيه عن توحيد الألوهية ؟ اذكر الدليل.
س16: فسر باختصار قوله تعالى : {الحمد لله رب العالمين} مع بيان دلالتها على وجوب إفراد الله تعالى بالعبادة.
س17: ما معنى قول المؤلف : (ربي الله الذي رباني، وربى جميع العالمين بنعمه ) ؟
س18: ماهي آية الحقوق العشرة؟


  #9  
قديم 25 محرم 1433هـ/20-12-2011م, 02:43 PM
الصورة الرمزية ساجدة فاروق
ساجدة فاروق ساجدة فاروق غير متواجد حالياً
هيئة الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 6,511
افتراضي إجابات على أسئلة طلاب الدورات العلمية بالمعهد / الشيخ عبد العزيز الداخل

السؤال الأول : قال المؤلف: وَأَعْظَمُ مَا أَمَرَ اللهُ بِهِ التَّوْحِيدُ، وَهُوَ: إِفْرَادُ اللهِ بِالْعِبَادَةِ.
قال ابن عثيمين: ومرادُ المُؤَلِّفِ هنا توحيدُ الألوهيَّةِ..
السؤال: ما الذي أعلمنا أن المراد توحيد الألوهية, والمؤلف هنا عمم ولم يخصص فقال: (التوحيد) ولم يخصص أي نوع من أنواع التوحيد, نرجو التوضيح بارك الله فيكم؟
الجواب :
عرفنا مراد المؤلف لما قال: وهو إفراد الله بالعبادة، وهذا هو تعريف توحيد الألوهية.
وانظر هنا للاستزادة.

موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
معنى, الحنيفية

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
إبحث في الموضوع:

البحث المتقدم
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 04:06 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir