دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > العقيدة > متون العقيدة > ثلاثة الأصول وأدلتها

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 28 شوال 1429هـ/28-10-2008م, 11:52 PM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,453
افتراضي معنى الكفر بالطاغوت

وَافْتَرَضَ اللهُ عَلَى جَمِيعِ العِبَادِ الكُفْرَ بِالطَّاغُوتِ وَالإِيمَانَ بِاللهِ.
قَالَ ابْنُ القَيِّمِ -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى-: (ومَعْنَى الطَّاغُوتِ: مَا تَجَاوَزَ بِهِ العَبْدُ حَدَّهُ، مِنْ مَعْبُودٍ، أَوْ مَتْبُوعٍ، أَوْ مُطَاعٍ).
وَالطَّوَاغِيتُ كَثِيرُونَ، وَرُؤُوسُهُمْ خَمْسَةٌ :
- إِبْلِيسُ لَعَنَهُ اللهُ.
- وَمَنْ عُبِدَ وَهُوَ رَاضٍ.
- وَمَنِ ادَّعَى شَيْئاً مِنْ عِلْمِ الغَيْبِ.
- وَمَنْ دَعَا النَّاسَ إِلى عِبَادَةِ نَفْسِهِ.
- وَمَنْ حَكَمَ بِغَيْرِ مَا أَنْزَلَ اللهُ.
وَالدَّليِلُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {لاَ إِكْرَاهَ في الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ
بِالعُرْوَةِ الوُثْقَى لا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}
. وَهَذَا هُوَ مَعْنَى (لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ)


  #2  
قديم 16 ذو القعدة 1429هـ/14-11-2008م, 08:44 PM
حفيدة بني عامر حفيدة بني عامر غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: بلاد الحرمين .
المشاركات: 2,423
افتراضي شرح ثلاثة الأصول لسماحة الشيخ: عبد العزيز بن عبد الله ابن باز

(4) والطاغوتُ: هوَ كلُّ ما عُبِدَ منْ دونِ اللَّهِ وهوَ راضٍ، وكلُّ مَنْ حَكَمَ بغيرِ ما أَنْزَلَ اللَّهُ أوْ دَعَا إلى ذلكَ.
والطَّاغُوتُ: هوَ الذي يَتَجاوزُ الحدَّ إمَّا بشِرْكِهِ وكُفْرِهِ، وإمَّا بِدَعْوتِهِ إلى ذلكَ.
وشرُّهُم ورأسُهُم إبليسُ لعنهُ اللَّهُ، وهكذا كلُّ مَنْ دَعَا إلى عِبَادةِ نفسهِ، أوْ رضِيَ أنْ يُعْبَدَ مِنْ دونِ اللَّهِ، كفرعونَ والنُّمْرُودِ، أو ادَّعى شيئًا منْ علمِ الغيبِ، كالكَهَنةِ والعَرَّافينَ والسَّحَرَةِ في الجاهليةِ وفي الإسلامِ.
وكذلكَ منْ حكمَ بغيرِ ما أنزلَ اللَّهُ متعمدًا، فهؤلاءِ رؤوسُ الطواغيتِ.
وكلُّ منْ جاوزَ الحدَّ، وخَرَجَ عنْ طَاعَةِ اللَّهِ، يُسَمَّى طاغُوتًا، قالَ تعالى: {لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِن الغَيِّ} .
فالرشدُ: الإسلامُ وما جاءَ بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم.
والغيُّ: الكفرُ باللَّهِ والضَّلاَلُ، قالَ تعالى: {فَمَن يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالعُرْوَةِ الوُثْقَى لاَ اْنفِصَامَ لَهاَ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}
{يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ}
يعني: يَتَبَرَّأُ منه ويَعْتَقِدُ بُطْلاَنَه فيَتَبَرَّأُ مِن الشركِ.
{وَيُؤْمِن بِاللَّهِ} يعني: يُصَدِّقْ أنَّ اللَّهَ معبودُهُ، وإلَهُهُ الحقُّ، ويؤمنْ بالشريعةِ وبمحمدٍ عليهِ الصلاةُ والسلامُ، ينقادُ لذلكَ. هذا هوَ المؤمنُ.
ثمَّ قالَ: {فَقَدِ اسْتَمْسَكَ} يعني: اسْتَعْصَمَ: {بِالعُرْوَةِ الوُثْقَى} وهيَ (لا إِلهَ إلاَّ اللَّهُ) كلمةُ التوحيدِ يعني: فقد استمسكَ بالعروةِ التي لا انقطاعَ لها، بلْ مَن اسْتَمْسَكَ بِهَا صادقًا، واستقامَ عليها، وَصَلَ إلى الجنةِ والكرامةِ؛ لأنَّ لها حقوقًا، وهيَ توحيدُ اللَّهِ، وطاعتُهُ واتباعُ شريعتهِ.
ومحمدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هوَ خاتمُ الأنبياءِ والمرسلينَ، وهوَ رسولُ اللَّهِ إلى جميعِ أهلِ الأرضِ، منَ الجنِّ والإنسِ.
فيجبُ على جميعِ المكلَّفينَ طاعتُهُ واتباعُ شريعتهِ، ولا يجوزُ لأحدٍ الخروجُ عنها.
وجميعُ الشرائعِ الماضيةِ، كلُّها نُسِخَتْ بشريعتِهِ عليهِ الصلاةُ والسلامُ:
- كما قالَ اللَّهُ عزَّ وجلَّ: {قُلْ يَأَيُّها النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا} الآية، وقالَ قبلهَا سبحانَهُ: {فَالذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّـبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ} .
- وقالَ سبحانَهُ: {وَمَن يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الأَحْزَابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ} .
- وقالَ عليهِ الصلاةُ والسلامُ فِي الحديثِ الصحيحِ: ((وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لاَ يَسْمَعُ بِي أَحَدٌ مِنْ هذِهِ الأُمَّةِ يَهُودِيٌّ وَلاَ نَصْرَانِيٌّ ثُمَّ يَمُوتُ، وَلَمْ يُؤْمِن بِالّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ إِلاَّ كَانَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ)) أخرجَهُ مسلمٌ فِي صحيحِهِ.
والآياتُ والأحاديثُ فِي ذلكَ كثيرةٌ.
وقدْ أجمعَ أهلُ العلمِ رحمَهُم اللَّهُ على أنَّهُ لا يَسَعُ أحدًا منْ هذهِ الأمةِ الخروجُ على شريعةِ محمدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأنَّ مَن اعْتَقَدَ ذلكَ فهوَ كافرٌ كُفْرًا أكبرَ مُخْرِجًا مِن الملةِ.
نسألُ اللَّهَ العافيةَ والسلامةَ.


  #3  
قديم 16 ذو القعدة 1429هـ/14-11-2008م, 08:46 PM
حفيدة بني عامر حفيدة بني عامر غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: بلاد الحرمين .
المشاركات: 2,423
افتراضي شرح ثلاثة الأصول للشيخ: محمد بن صالح العثيمين

(5) أَرَادَ شيخُ الإسلامِ رَحِمَهُ اللَّهُ بهذا أنَّ التوحيدَ لا يَتِمُّ إلاَّ بِعِبَادَةِ اللَّهِ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لهُ، وَاجْتِنَابِ الطاغوتِ. وقدْ فَرَضَ اللَّهُ ذلكَ على عِبَادِهِ. والطاغوتُ مُشْتَقٌّ من الطُّغْيَانِ، والطُّغْيَانُ مُجَاوَزَةُ الحدِّ، ومنهُ قولُهُ تَعَالَى: {إِنَّا لَمَّا طَغَى الْمَاءُ حَمَلْنَاكُمْ فِي الْجَارِيَةِ} يعني: لَمَّا زَادَ الماءُ عن الحدِّ المُعْتَادِ حَمَلْنَاكُم في الجاريَةِ، يَعْنِي: السَّفِينةَ.
وَاصْطِلاَحًا: أَحْسَنُ ما قيلَ في تعريفِهِ ما ذَكَرَهُ ابنُ القَيِّمِ رَحِمَهُ اللَّهُ أنَّهُ - أي: الطاغوتَ -: (كُلُّ مَا تَجَاوَزَ بهِ العبدُ حَدَّهُ مِنْ معبودٍ أوْ مَتْبُوعٍ أوْ مُطَاعٍ) .ومُرَادُهُ بالمعبودِ والمَتْبُوعِ والمُطاعِ غيرُ الصالحينَ، أمَّا الصالحونَ فَلَيْسُوا طَوَاغِيتَ، وَإِنْ عُبِدُوا أو اتُّبِعُوا أوْ أُطِيعُوا.
- فالأصنامُ التي تُعْبَدُ منْ دونِ اللَّهِ طواغيتُ.
- وعُلَمَاءُ السُّوءِ الَّذِين يَدْعُونَ إلى الضلالِ والكُفْرِ، أوْ يَدْعُونَ إلى البِدَعِ، أوْ إلى تحليلِ ما حَرَّمَ اللَّهُ، أوْ تَحْرِيمِ ما أَحَلَّ اللَّهُ طَوَاغِيتُ.
- والذينَ يُزَيِّنُونَ لِوُلاةِ الأمرِ الخروجَ عنْ شريعةِ الإسلامِ بِنُظُمٍ يَسْتَوْرِدُونَهَا مُخَالِفَةٍ لنظامِ الدينِ الإسلاميِّ طَوَاغِيتُ؛ لأنَّ هؤلاءِ تَجَاوَزُوا حَدَّهُم، فإنَّ حَدَّ العالِمِ أنْ يكونَ مُتَّبِعًا لِمَا جاءَ بهِ النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ لأنَّ العلماءَ حَقِيقَةً وَرَثَةُ الأنبياءِ، يَرِثُونَهُم في أُمَّتِهِم عِلْمًا وَعَمَلاً، وأخلاقًا وَدَعْوَةً وَتَعْلِيمًا، فإذا تَجَاوَزُوا هذا الحدَّ وَصَارُوا يُزَيِّنُونَ للحُكَّامِ الخروجَ عنْ شريعةِ الإسلامِ بمِثْلِ هذهِ النُّظُمِ فهم طواغيتُ؛ لأنَّهُم تَجَاوَزُوا ما كانَ يَجِبُ عليهِم أنْ يَكُونُوا عليهِ مِنْ مُتَابَعَةِ الشريعةِ.

وأمَّا قَوْلُهُ رَحِمَهُ اللَّهُ: (أوْ مُطَاعٍ) فَيُرِيدُ بهِ الأُمَرَاءَ الَّذِينَ يُطَاعُونَ شَرْعًا أوْ قَدَرًا.فالأمراءُ يُطَاعُونَ شَرْعًا إذا أَمَرُوا بما لا يُخَالِفُ أَمْرَ اللَّهِ ورسولِهِ، وفي هذهِ الحالِ لا يَصْدُقُ عليهم أنَّهُم طَوَاغِيتُ. والواجبُ لهم على الرعيَّةِ السمعُ والطاعةُ، وَطَاعَتُهُم لِوُلاَةِ الأمرِ في هذهِ الحالِ بهذا القَيْدِ طاعةٌ للَّهِ عَزَّ وَجَلَّ؛ ولهذا يَنْبَغِي أنْ نُلاَحِظَ حينَ نُنَفِّذُ ما أَمَرَ بهِ وَلِيُّ الأمرِ مِمَّا تَجِبُ طَاعَتُهُ فيهِ، أَنَّنَا في ذلكَ نَتَعَبَّدُ للَّهِ تَعَالَى وَنَتَقَرَّبُ إليهِ بطاعتِهِ، حتَّى يَكُونَ تَنْفِيذُنَا لهذا الأمرِ قُرْبَةً إلى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ. وإنَّما يَنْبَغِي لنا أنْ نُلاَحِظَ ذلكَ؛ لأنَّ اللَّهَ تَعَالَى يقولُ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ} . وأمَّا طاعةُ الأُمَرَاءِ قَدَرًا؛ فإنَّ الأمراءَ إذا كانوا أَقْوِيَاءَ في سُلْطَتِهِم فإنَّ الناسَ يُطِيعُونَهُم بقوَّةِ السلطانِ وإنْ لمْ يَكُنْ بِوَازِعِ الإيمانِ؛ لأنَّ طاعةَ وَلِيِّ الأمرِ تكونُ بوازعِ الإيمانِ، وهذهِ هيَ الطاعةُ النافعةُ؛ النافعةُ لِوُلاَةِ الأمرِ، والنافعةُ للناسِ أيضًا.وقدْ تكونُ الطاعةُ بوازعِ السلطانِ، بِحَيْثُ يكونُ قَوِيًّا يَخْشَى الناسُ منهُ وَيَهَابُونَهُ؛ لأِنَّهُ يُنَكِّلُ بمَنْ خَالَفَ أَمْرَهُ . ولهذا نَقُولُ: إنَّ الناسَ معَ حُكَّامِهِم في هذهِ المسألةِ لهم أحوالٌ:
الحالُ الأُولَى: أنْ يَقْوَى الوازعُ الإيمانيُّ والرادعُ السلطانيُّ.وهذهِ أَكْمَلُ الأحوالِ وأعلاهَا.
الحالُ الثانيَةُ : أنْ يَضْعُفَ الوازعُ الإيمانيُّ والرادعُ السلطانيُّ.وهذهِ أَدْنَى الأحوالِ وَأَخْطَرُهَا على المجتمعِ، على حُكَّامِهِ وَمَحْكُومِيهِ؛ لأنَّهُ إذا ضَعُفَ الوازعُ الإيمانيُّ والرادعُ السلطانيُّ حَصَلَت الفوضَى الفكريَّةُ والخُلُقِيَّةُ والعَمَلِيَّةُ.
الحالُ الثالثةُ : أنْ يَضْعُفَ الوازعُ الإيمانيُّ وَيَقْوَى الرادعُ السلطانيُّ. وهذهِ مَرْتَبَةٌ وُسْطَى؛ لأنَّهُ إذا قَوِيَ الرادعُ السلطانيُّ صارَ أَصْلَحَ لِلأُمَّةِ في المَظْهَرِ، فإذا اخْتَفَتْ قُوَّةُ السلطانِ فلا تَسْأَلْ عنْ حالِ الأُمَّةِ وَسُوءِ عَمَلِهَا.
الحالُ الرابعةُ: أنْ يَقْوَى الوازعُ الإيمانيُّ، وَيَضْعُفَ الرادعُ السلطانيُّ. فيكونُ المظهرُ أَدْنَى منهُ في الحالةِ الثالثةِ، لكنَّهُ فيما بَيْنَ الإنسانِ وربِّهِ أَكْمَلُ وَأَعْلَى.

(6) جَمْعُ طَاغُوتٍ، وَسَبَقَ تَفْسِيرُهُ.

(7) أيْ: زُعَمَاؤُهُم، وَمُقَلَّدُوهُم خَمْسَةٌ.

(8) إِبْلِيسُ: هوَ الشيطانُ الرَّجيمُ اللَّعِينُ، الذي قالَ اللَّهُ لهُ: {وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلَى يَوْمِ الدِّينِ} .
وكانَ إبليسُ معَ الملائكةِ في صُحْبَتِهِم، يَعْمَلُ بِعَمَلِهِم، وَلَمَّا أُمِرَ بالسجودِ لآدمَ ظَهَرَ ما فيهِ من الْخُبْثِ والإبَاءِ والاستكبارِ، فَأَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ من الكافرينَ، فَطُرِدَ منْ رَحْمَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، قالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلاَئِكَةِ اسْجُدُوا لآِدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ} .

(9) أيْ: عُبِدَ منْ دُونِ اللَّهِ، وهُوَ رَاضٍ أنْ يُعْبَدَ منْ دونِ اللَّهِ؛ فإنَّهُ منْ رُؤُوسِ الطواغيتِ - والعياذُ باللَّهِ - وسواءٌ عُبِدَ في حياتِهِ ، أوْ بعدَ مَمَاتِهِ إذا مَاتَ وهُوَ راضٍ بذلكَ.

(10) الغَيْبُ : ما غابَ عن الإنسانِ، وهوَ نوعانِ:
- واقِعٌ.
- ومُسْتَقْبَلٌ.
فَغَيْبُ الواقعِ نِسْبِيٌّ، يكونُ لشخصٍ مَعْلُومًا ولآخَرَ مَجْهُولاً.
وَغَيْبُ المستقبلِ حَقِيقِيٌّ، لا يكونُ مَعْلُومًا لأَِحَدٍ إلاَّ اللَّهَ وَحْدَهُ، أوْ مَنْ أَطْلَعَهُ اللَّهُ عليهِ من الرُّسُلِ، فَمَن ادَّعَى عِلْمَهُ فهوَ كافرٌ؛ لأنَّهُ مُكَذِّبٌ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ولرسولِهِ، قالَ اللَّهُ تَعَالَى: {قُلْ لاَ يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلاَّ اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ}.
وإذَا كانَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ يَأْمُرُ نَبِيَّهُ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنْ يُعْلِنَ لِلْمَلأَِ أنَّهُ لا يَعْلَمُ مَنْ في السماواتِ والأرضِ الغيبَ إلاَّ اللَّهُ؛ فإنَّ مَن ادَّعَى عِلْمَ الغيبِ فقدْ كَذَّبَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ وَرَسُولَهُ في هذا الخبرِ.
وَنَقُولُ لهؤلاءِ: كيفَ يُمْكِنُ أنْ تَعْلَمُوا الغيبَ والنبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا يَعْلَمُ الغيبَ؟! هلْ أَنْتُمْ أَشْرَفُ أم الرسولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟! فَإِنْ قَالُوا: (نَحْنُ أشرفُ من الرسولِ) كَفَرُوا بهذا القولِ. وإنْ قَالُوا: (هوَ أشرفُ) فنقولُ: لِمَاذَا يُحْجَبُ عنهُ الغيبُ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَهُ وقدْ قالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عنْ نَفْسِهِ: {عَالِمُ الْغَيْبِ فَلاَ يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا إِلاَّ مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا} ؟! وهذهِ آيَةٌ ثانيَةٌ تَدُلُّ على كُفْرِ مَن ادَّعَى عِلْمَ الغيبِ.
وقدْ أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى نَبِيَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنْ يُعْلِنَ للملإِ بقولِهِ: {قُلْ لاَ أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلاَ أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلاَ أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَيَّ}.

(11) أيْ: مَنْ دَعَا الناسَ إلى عبادةِ نفسِهِ - وإنْ لمْ يَعْبُدُوهُ - فإنَّهُ منْ رُؤُوسِ الطواغيتِ، سَوَاءٌ أُجِيبَ لِمَا دَعَا إليهِ أمْ لمْ يُجَبْ.

(12) الحُكْمُ بما أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى منْ توحيدِ الربوبيَّةِ؛ لأنَّهُ تَنْفِيذٌ لحكمِ اللَّهِ الذي هوَ مُقْتَضَى ربوبيَّتِهِ، وكمالُ مُلْكِهِ وَتَصَرُّفِهِ.
ولهذا سَمَّى اللَّهُ تَعَالَى المَتْبُوعِينَ في غيرِ ما أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى أَرْبَابًا لِمُتَّبِعِيهِم، فقالَ سبحانَهُ: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ} .
فَسَمَّى اللَّهُ تَعَالَى المَتْبُوعِينَ أَرْبَابًا؛ حيثُ جُعِلُوا مُشَرِّعِينَ معَ اللَّهِ تَعَالَى، وَسَمَّى المُتَّبِعِينَ عُبَّادًا؛ حيثُ إنَّهم ذَلُّوا لهم، وَأَطَاعُوهُم في مخالفةِ حُكْمِ اللَّهِ سبحانَهُ وتَعَالَى. وقدْ قَالَ عَدِيُّ بنُ حَاتِمٍ لرسولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إنَّهُم لمْ يَعْبُدُوهُم)، فقالَ النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((بَلْ إِنَّهُمْ حَرَّمُوا عَلَيْهِمُ الْحَلاَلَ، وَأَحَلُّوا لَهُمُ الْحَرَامَ؛ فَاتَّبَعُوهُمْ، فَتِلْكَ عِبَادَتُهُمْ إِيَّاهُمْ)) .
إذا فَهِمْتَ ذلكَ فَاعْلَمْ أنَّ مَنْ لم يَحْكُمْ بما أَنْزَلَ اللَّهُ، وَأَرَادَ أنْ يَكُونَ التَّحَاكُمُ إلى غيرِ اللَّهِ ورسولِهِ، وَرَدَتْ فيهِ آياتٌ بِنَفْيِ الإيمانِ عنهُ، وآياتٌ بِكُفْرِهِ وَظُلْمِهِ وَفِسْقِهِ.
فأمَّا القسمُ الأَوَّلُ :
فمِثْلُ قولِهِ تَعَالَى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلاَلاً بَعِيدًا (60) وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا (61) فَكَيْفَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جَاءُوكَ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنْ أَرَدْنَا إِلاَ إِحْسَانًا وَتَوْفِيقًا (62) أُولَئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللَّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلاً بَلِيغًا (63) وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا (64) فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا}. فَوَصَفَ اللَّهُ تَعَالَى هؤلاءِ المُدَّعِينَ للإيمانِ، وهم مُنَافِقُونَ، بصفاتٍ:
الأُولَى: أنَّهم يُرِيدُونَ أنْ يكونَ التَّحَاكُمُ إلى الطاغوتِ، وهُوَ كلُّ ما خَالَفَ حُكْمَ اللَّهِ تَعَالَى ورسولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ لأنَّ ما خَالَفَ حُكْمَ اللَّهِ ورسولِهِ فهوَ طُغْيَانٌ واعتداءٌ على حُكْمِ مَنْ لهُ الحُكْمُ، وإليهِ يَرْجِعُ الأمرُ كلُّهُ، وهُوَ اللَّهُ، قالَ اللَّهُ تَعَالَى: {أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} .
الثانيَةُ: أنَّهم إِذَا دُعُوا إلى ما أَنْزَلَ اللَّهُ وإلى الرسولِ صَدُّوا وَأَعْرَضُوا.
الثالثةُ: أنَّهم إذا أُصِيبُوا بِمُصِيبَةٍ بما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِم، ومنها أنْ يُعْثَرَ على صَنِيعِهِم، جَاءُوا يَحْلِفُونَ أنَّهم ما أَرَادُوا إلاَّ الإحسانَ والتوفيقَ، كحالِ مَنْ يَرْفُضُ اليومَ أحكامَ الإسلامِ وَيَحْكُمُ بالقوانينِ المخالفةِ لها؛ زَعْمًا منهُ أنَّ ذلكَ هوَ الإحسانُ الموافقُ لأحوالِ العصرِ.
- ثم حَذَّرَ سُبْحَانَهُ هؤلاءِ المُدَّعِينَ للإيمانِ، المُتَّصِفِينَ بتلكَ الصفاتِ؛ بأنَّهُ سبحانَهُ يَعْلَمُ ما في قُلُوبِهِم، وما يُكِنُّونَهُ منْ أُمُورٍ تُخَالِفُ ما يَقُولُونَ، وَأَمَرَ نَبِيَّهُ أنْ يَعِظَهُم وَيَقُولَ لهم في أنفسِهِم قولاً بَلِيغًا.
- ثُمَّ بَيَّنَ أنَّ الحكمةَ منْ إرسالِ الرسولِ أنْ يكونَ هوَ المُطَاعَ المَتْبُوعَ، لا غَيْرَهُ من الناسِ، مَهْمَا قَوِيَتْ أَفْكَارُهُم، وَاتَّسَعَتْ مَدَارِكُهُم.
- ثُمَّ أَقْسَمَ تَعَالَى بِرُبُوبِيَّتِهِ لرسولِهِ التي هِيَ أَخَصُّ أنواعِ الربوبيَّةِ، والتي تَتَضَمَّنُ الإشارةَ إلى صِحَّةِ رسالتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَقْسَمَ بها قَسَمًا مُؤَكَّدًا أنَّهُ لا يَصِحُّ الإيمانُ إلاَّ بثلاثةِ أمورٍ:
الأَوَّلُ: أنْ يَكُونَ التَّحَاكُمُ في كلِّ نِزَاعٍ إلى رسولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
الثاني: أنْ تَنْشَرِحَ الصُّدُورُ بِحُكْمِهِ، ولا يكونَ في النفوسِ حَرَجٌ وَضِيقٌ منهُ.
الثالثُ: أنْ يَحْصُلَ التسليمُ بِقَبُولِ ما حُكِمَ بهِ، وَتَنْفِيذُهُ بدُونِ تَوَانٍ أو انحرافٍ.
وأمَّا القسمُ الثاني : فَمِثْلُ:
- قولِهِ تَعَالَى: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ}.
- وقولِهِ: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ}.
- وقولِهِ: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} .
وهلْ هذهِ الأوصافُ الثلاثةُ تَتَنَـزَّلُ على موصوفٍ واحدٍ؟ بِمَعْنَى أنَّ كلَّ مَنْ لمْ يَحْكُمْ بما أَنْزَلَ اللَّهُ فهوَ كافرٌ ظالمٌ فاسقٌ؛ لأنَّ اللَّهَ تَعَالَى وَصَفَ الكافرينَ بالظُّلْمِ والفِسْقِ:
- فقالَ تَعَالَى: {وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ} .
- وقالَ تَعَالَى: {إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ}.
فكلُّ كافرٍ ظالمٌ فاسق، أوْ هذهِ الأوصافُ تَتَنَـزَّلُ على موصوفِينَ بِحَسَبِ الحاملِ لهم على عَدَمِ الحُكْمِ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ؟ هذا هوَ الأقربُ عِنْدِي، واللَّهُ أعلمُ.
فنقولُ: منْ لمْ يَحْكُمْ بما أَنْزَلَ اللَّهُ اسْتِخْفَافًا بهِ، أو احْتِقَارًا، أو اعْتِقَادًا أنَّ غَيْرَهُ أَصْلَحُ منهُ، وَأَنْفَعُ للخلقِ، أوْ مِثْلُهُ، فهوَ كافرٌ كُفْرًا مُخْرِجًا عن المِلَّةِ.
ومِنْ هؤلاءِ مَنْ يَضَعُونَ للنَّاسِ تَشْرِيعَاتٍ تُخَالِفُ التشريعاتِ الإسلاميَّةَ؛ لتكونَ مِنْهَاجًا يَسِيرُ الناسُ عليهِ، فإنَّهُم لم يَضَعُوا تلكَ التشريعاتِ المخالفةَ للشريعةِ الإسلاميَّةِ إلاَّ وهم يَعْتَقِدُونَ أنَّها أصْلَحُ وأنفعُ للخلقِ؛ إذْ مِن المعلومِ بالضرورةِ العقليَّةِ والجِبِلَّةِ الفِطْريَّةِ أنَّ الإنسانَ لا يَعْدِلُ عنْ مِنْهَاجٍ إلى مِنْهَاجٍ يُخَالِفُهُ إلاَّ وهُوَ يَعْتَقِدُ فَضْلَ ما عَدَلَ إليهِ، ونَقْصَ ما عَدَلَ عنهُ.
- ومَنْ لم يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وهوَ لمْ يَسْتَخِفَّ بهِ، ولم يَحْتَقِرْهُ، ولم يَعْتَقِدْ أنَّ غَيْرَهُ أَصْلَحُ منهُ لنفسِهِ، أوْ نحوَ ذلكَ؛ فهذا ظالمٌ وليسَ بكافرٍ، وَتَخْتَلِفُ مراتبُ ظُلْمِهِ بِحَسَبِ المحكومِ بهِ ووسائلِ الحُكْمِ.
- ومَنْ لمْ يَحْكُمْ بما أَنْزَلَ اللَّهُ لا اسْتِخْفَافًا بِحُكْمِ اللَّهِ، ولا احْتِقَارًا، ولا اعْتِقَادًا أنَّ غَيْرَهُ أَصْلَحُ وَأَنْفَعُ للخلقِ أوْ مِثْلُهُ، وإنَّمَا حَكَمَ بغيرِهِ مُحَابَاةً للمحكومِ لهُ، أوْ مُرَاعاةً لِرِشْوَةٍ، أوْ غَيْرِهَا منْ عَرَضِ الدُّنْيَا؛ فهذا فاسقٌ وليسَ بكافرٍ، وَتَخْتَلِفُ مراتبُ فِسْقِهِ بِحَسَبِ المحكومِ بهِ ووسائلِ الحكمِ.
قالَ شيخُ الإسلامِ ابنُ تَيْمِيَّةَ رَحِمَهُ اللَّهُ فِيمَن اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُم وَرُهْبَانَهُم أَرْبَابًا مِنْ دونِ اللَّهِ: إنَّهم على وَجْهَيْنِ:
أحدُهُمَا: أنْ يَعْلَمُوا أنَّهُم بَدَّلُوا دينَ اللَّهِ، فَيَتَّبِعُونَهُم على التبديلِ، وَيَعْتَقِدُونَ تحليلَ ما حَرَّمَ اللَّهُ، وَتَحْرِيمَ ما أَحَلَّ اللَّهُ؛ اتِّبَاعًا لرُؤَسَائِهِم معَ عِلْمِهِم أنَّهُم خَالَفُوا دينَ الرُّسُلِ، فهذا كُفْرٌ، وقدْ جَعَلَهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ شِرْكًا.
الثاني: أنْ يَكُونَ اعْتِقَادُهُم وَإِيمَانُهُم بِتَحْلِيلِ الحرامِ وتحريمِ الحلالِ - كذا العبارةُ المنقولةُ عنهُ - ثابتًا، لكنَّهُم أَطَاعُوهُم في معصيَةِ اللَّهِ كما يَفْعَلُ المسلمُ ما يَفْعَلُهُ من المعاصِي التي يَعْتَقِدُ أنَّها مَعَاصٍ. فهؤلاءِ لهم حُكْمُ أمثالِهِم منْ أهلِ الذنوبِ.
وهناكَ فَرْقٌ بينَ المسائلِ التي تُعْتَبَرُ تَشْرِيعًا عامًّا والمسألةِ المُعَيَّنَةِ التي يَحْكُمُ فيها القاضي بِغَيْرِ ما أَنْزَلَ اللَّهُ؛ لأنَّ المسائلَ التي تُعْتَبَرُ تَشْرِيعًا عَامًّا لا يَتَأَتَّى فيها التقسيمُ السابقُ، وإنَّما هيَ من القسمِ الأَوَّلِ فقطْ؛ لأنَّ هذا المُشَرِّعَ تَشْرِيعًا يُخَالِفُ الإسلامَ إنَّما شَرَعَهُ لاعتقادِهِ أنَّهُ أَصْلَحُ من الإسلامِ، وَأَنْفَعُ للعبادِ كما سَبَقَت الإشارةُ إليهِ.
وهذهِ المسألةُ - أَعْنِي مَسْأَلَةَ الحُكْمِ بِغَيْرِ ما أَنْزَلَ اللَّهُ - من المسائلِ الكُبْرَى التي ابْتُلِيَ بها حُكَّامُ هذا الزمانِ.
فَعَلَى المرءِ أنْ لا يَتَسَرَّعَ في الحكمِ عليهم بِمَا لا يَسْتَحِقُّونَهُ حتَّى يَتَبَيَّنَ لهُ الحقُّ؛ لأنَّ المسألةَ خطيرةٌ، نَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى أنْ يُصْلِحَ للمُسْلِمِينَ وُلاَةَ أُمُورِهِم وَبِطَانَتَهُم.
كما أنَّ على المرءِ الذي آتَاهُ اللَّهُ العلمَ أنْ يُبَيِّنَهُ لهؤلاءِ الحُكَّامِ؛ لِتَقُومَ الحُجَّةُ عليهم، وَتَتَبَيَّنَ المَحَجَّةُ، فَيَهْلِكُ مَنْ هَلَكَ عنْ بَيِّنَةٍ، وَيَحْيَا مَنْ حَيَّ عنْ بَيِّنَةٍ، ولا يَحْقِرَنَّ نفسَهُ عنْ بَيَانِهِ، ولا يَهَابَنَّ أحدًا فيهِ؛ فإنَّ العِزَّةَ للَّهِ ولرسولِهِ وللمؤمنينَ.

(13) أيْ: على وُجُوبِ الحكمِ بما أَنْزَلَ اللَّهُ، والكفرِ بالطاغوتِ.

(14) لا إِكْرَاهَ على الدينِ؛ لِظُهُورِ أَدِلَّتِهِ وَبَيَانِهَا ووضوحِها، ولهذا قالَ بعدَهُ: {قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ}، فإذا تَبَيَّنَ الرشدُ من الغَيِّ فإنَّ كلَّ نفسٍ سَلِيمَةٍ لا بُدَّ أنْ تَخْتَارَ الرُّشْدَ على الغَيِّ.

(15) بَدَأَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بالكفرِ بالطاغوتِ قبلَ الإيمانِ باللَّهِ؛ لأنَّ مِنْ كَمَالِ الشيءِ إزالةَ الموانعِ قبلَ وُجُودِ الثوابتِ، ولِهَذَا يُقَالُ: التَّخْلِيَةُ قبلَ التَّحْلِيَةِ.

(16) أيْ: تَمَسَّكَ بها تَمَسُّكًا تَامًّا. و {العُرْوَةُ الوُثْقَى} هيَ: الإسلامُ . وَتَأَمَّلْ كيفَ قالَ عَزَّ وَجَلَّ: {فَقَدِ اسْتَمْسَكَ} ، ولم يَقُلْ: (تَمَسَّكَ)؛ لأنَّ الاسْتِمْسَاكَ أَقْوَى من التَّمَسُّكِ، فإنَّ الإنسانَ قدْ يَتَمَسَّكُ ولا يَسْتَمْسِكُ.


  #4  
قديم 16 ذو القعدة 1429هـ/14-11-2008م, 08:50 PM
حفيدة بني عامر حفيدة بني عامر غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: بلاد الحرمين .
المشاركات: 2,423
افتراضي حاشية ثلاثة الأصول للشيخ: عبد الرحمن بن محمد ابن قاسم

المتن :
وَافْتَرَضَ اللهُ عَلَى جَمِيعِ العِبَادِ الكُفْرَ بِالطَّاغُوتِ وَالإِيمَانَ بِاللهِ(9).
قَالَ ابْنُ القَيِّمِ -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى-(10): (ومَعْنَى الطَّاغُوتِ: مَا تَجَاوَزَ بِهِ العَبْدُ حَدَّهُ، مِنْ مَعْبُودٍ، أَوْ مَتْبُوعٍ، أَوْ مُطَاعٍ)(11).
وَالطَّوَاغِيتُ كَثِيرُونَ(12)، وَرُؤُوسُهُمْ خَمْسَةٌ(13):
- إِبْلِيسُ لَعَنَهُ اللهُ(14).
- وَمَنْ عُبِدَ وَهُوَ رَاضٍ(15).
- وَمَنِ ادَّعَى شَيْئاً مِنْ عِلْمِ الغَيْبِ(16).
- وَمَنْ دَعَا النَّاسَ إِلى عِبَادَةِ نَفْسِهِ(17).
- وَمَنْ حَكَمَ بِغَيْرِ مَا أَنْزَلَ اللهُ(18).
وَالدَّليِلُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {لاَ إِكْرَاهَ في الدِّينِ(19) قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الغَيِّ(20) فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالعُرْوَةِ الوُثْقَى(21) لا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} .
وَهَذَا هُوَ مَعْنَى لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ(22)



الحاشية :
(9) ولأَِجْلِ ذَلِكَ أُرْسِلَتِ الرُّسُلُ، وأُنْزِلَتِ الكُتُبُ، بَل الدِّينُ أَمْرانِ: كُفْرٌ بالطَّاغُوتِ، وإِيمَانٌ باللَّهِ؛ ومَن كَفَرَ بالطَّاغُوتِ، وآمَنَ باللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بالعُرْوَةِ الوُثْقَى، لاَ انْفِصَامَ لَهَا.
(10) هو: الإِمَامُ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي بَكْرِ بنِ أَبِي أيُّوبَ الزَّرْعِيُّ، الدِّمَشْقِيُّ المَعْرُوفُ: بابْنِ قيِّمِ الجَوْزِيَّةِ، صَاحِبُ التَّصَانِيفِ المَقْبُولَةِ، المُتَوَفَّى سَنَةَ سَبْعِمِائَةٍ وإِحْدَى وخَمْسِينَ.
(11) يَعْنِي: كُلُّ شَيْءٍ يَتَعَدَّى بِهِ العَبْدُ حَدَّه، أيْ: قَدْرَه الذِي يَنْبَغِي له في الشَّرْعِ، يَصِير بِهِ طَاغُوتا ً:
- سَوَاءٌ تَعَدَّى حَدَّه مِن مَعْبُودٍ مَعَ اللَّهِ، بأيِّ نَوْعٍ مِن أَنْواعِ العِبَادَةِ.
- أو مَتْبُوعٍ في مَعَاصِي اللَّه.
- أو مُطَاعٍ مِن دونِ اللَّهِ في التَّحْلِيلِ والتَّحْرِيمِ، بأَنْ كَانَ يُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ، ويُحِلُّ مَا حَرَّمَ اللَّهُ.
ثُمَّ قَالَ ابنُ القَيِّمِ: (فإذا تَأَمَّلْتَ طَواغِيتَ العَالَمِ فإذا هي لاَ تَخْرُجُ عن هذه الثَّلاَثَةِ).
(12) أيْ: إِذَا عَرَفْتَ مَا حَدَّهُ ابنُ القَيِّمِ بتَحَقُّقٍ، تَبَيَّنَ أَنَّ الطَّوَاغِيتَ كثيرةٌ جِدًّا، مِن بَنِي آدَمَ، بِلاَ حَصْرٍ، وذلك: أَنَّ كُلَّ مَن تَجَاوَزَ حَدَّه فِي الشَّرْعِ، صَارَ بِخُرُوجِه مِنه، وتَجَاوُزِه طَاغُوتًا.
(13) أيْ: أَكْبَرُ الطَّوَاغِيتِ، بالاسْتِقْرَاءِ، والتَّأَمُّلِ خَمْسَةٌ.
(14) هو رَأْسُهُم الأَكْبَرُ. واللَّعْنُ في الأَصْلِ: الطَّرْدُ والإِبْعَادُ، وتَقَدَّمَ. وإِبْلِيسُ مَطْرُودٌ، مُبْعَدٌ عن رَحْمَةِ اللَّهِ.
(15) بتلك العِبَادَةِ الصَّادِرَةِ مِن العَابِدِ، بأيِّ نَوْعٍ مِن أَنْواعِهَا، فهو طَاغُوتٌ مِن رُؤَسَاءِ الطَّوَاغِيتِ، وكُبَرَائِهِم. (16) كالْمُنَجِّمِينَ، والرَّمَّالِينَ، ونحوِهم.
(17) مِمَّن يُقِرُّ الغُلُوَّ، والتَّعْظِيمَ بغيرِ حَقٍّ، كفِرْعَوْنَ، ومَشَايِخِ الضَّلاَلِ، الَّذِينَ غَرَضُهُم: العُلُوُّ في الأَرْضِ، والفَسَادُ، واتِّخَاذُهُم أَرْبَابًا، والإِشْراكُ بِهِم، مِمَّا يَحْصُلُ في مَغِيبِهِم، وفي مَمَاتِهِم . وحُكِيَ عن بَعْضِ أَئِمَّةِ الضَّلاَلِ، أَنَّه قَالَ: (مَن كَانَ له حَاجَةٌ، فلْيَأْتِ إلى قَبْرِي، ولْيَسْتَغِثْ بِي).
(18) كمَنْ يَحْكُمُ بقَوَانِينِ الجَاهِلِيَّةِ، والقَوَانِينِ الدَّوْلِيَّةِ، بل جَمِيعِ مَن حَكَمَ بغيرِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ، سَواءٌ كَانَ بالقَوَانِينِ، أو بِشَيْءٍ مُخْتَرَعٍ، وهو لَيْسَ مِن الشَّرْعِ، أو بلُحُوظٍ في الحُكْمِ، فهو طَاغُوتٌ مِن أَكْبَرِ الطَّوَاغِيتِ.
(19) أيْ: لاَ تُكْرِهُوا أَحَدًا عَلَى الدُّخُولِ في الإِسْلاَمِ، فإنَّه بَيِّنٌ واضِحٌ جَلِيٌّ دَلاَئِلُه وبَرَاهِينُهُ، لاَ يُحْتَاجُ أنْ يُكْرَهَ أَحَدٌ عَلَى الدُّخُولِ فيه، فَمَن هَدَاهُ اللَّهُ للإسْلاَمِ وشَرَحَ صَدْرَه، ونَوَّرَ بَصِيرَتَهُ، دَخَلَ عَلَى بَيِّنَةٍ، ومَن أَعْمَى اللَّهُ قَلْبَهُ، وخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وبَصَرِهِ، فإِنَّهُ لاَ يُفِيدُه الدُّخُولُ في الدِّينِ، مُكْرَهًا مَقْسُورًا.
قِيلَ: نَزَلَتْ في عَدَدٍ مِن أَوْلاَدِ الأَنْصَارِ، أَرَادُوا اسْتِرْدَادَهُم، لَمَّا أُجْلِيَتْ بَنُو النَّضِيرِ.
وقِيلَ: كَانَ في ابْتِدَاءِ الأَمْرِ، ثُمَّ نُسِخَ بالأَمْرِ بالقِتَالِ.
قَالَ الشَّيْخُ: (شُرِعَ الجِهَادُ عَلَى مَرَاتِبَ :
- فَأَوَّلُ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فيه ، الإِذْنُ فيه بقَوْلِهِ: {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا} .
- ثُمَّ نَزَلَ وُجُوبُه بقَوْلِه: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ القِتَالُ} الآيةَ. ولَمْ يُؤْمَرُوا بِقِتَالِ مَن سَالَمَهُم، وكذا مَن هَادَنَهُم.
- ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ فِي (بَرَاءَةٌ) : الأَمْرَ بِنَبْذِ العَهْدِ، وقِتَالِ المُشْرِكِينَ كَافَّةً ، وبِقِتَالِ أَهْلِ الكِتَابِ إذا لَمْ يُسْلِمُوا، حتَّى يُعْطُوا الجِزْيَةَ، ولَمْ يُبِحْ تَرْكَ قِتَالِهِم، وإِنْ سَالَمُوهُم وهَادَنُوهُم، هُدْنَةً مُطْلَقَةً، مَعَ إِمْكَانِ جِهَادِهِم) .
وقَالَ ابْنُ القَيِّمِ: (كَانَ مُحَرَّمًا، ثُمَّ مَأْذُونًا فيه، ثُمَّ مَأْمُورًا بِهِ لِمَن بَدَأَهُم بالقِتَالِ، ثُمَّ مَأْمُورًا بِهِ لِجَمِيعِ المُشْرِكِينَ؛ قَالَ تَعَالَى: {اقْتُلُوا المُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} وقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((قَاتِلُوا مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ)) .
(20) أيْ: ظَهَرَ، وتَمَيَّزَ الحَقُّ مِن البَاطِلِ، والإيمانُ مِن الكُفْرِ، والهُدَى مِن الضَّلاَلِ، بالآياتِ والبَرَاهِينِ الدَّالَّةِ عَلَى ذَلِكَ.
(21) أيْ: تَمَسَّكَ بالتَّوْحِيدِ، فهو العُرْوَةُ الوُثْقَى، واسْتَمْسَكَ بالشَّيْءِ، وتَمَسَّكَ بِهِ، وأَمْسَكَ: أَخَذَ بِهِ وتَعَلَّق واعْتَصَمَ.
والعُرْوَةُ الوُثْقَى: القَوِيَّةُ التي لاَ تَنْفَكُّ، ولاَ تَنْفَصِمُ.
فَمَنْ تَمَسَّكَ بالتَّوْحيدِ؛ دينِ اللَّهِ الذي أَرْسَلَ بِهِ الرُّسُلَ، وأَنْزَلَ به الكُتُبَ، الذي لاَ يَقْبَلُ اللَّهُ مِن أَحَدٍ دِينًا سِوَاه، وَصَلَ الجَنَّةَ بِكُلِّ حَالٍ.
(22) فَإِنَّ مَعْنَى (لاَ إِلَهَ إلاَّ اللَّهُ): كُفْرٌ بالطَّاغُوتِ، وإِيمَانٌ باللَّهِ، كَمَا تَقَدَّمَ.


  #5  
قديم 16 ذو القعدة 1429هـ/14-11-2008م, 08:52 PM
حفيدة بني عامر حفيدة بني عامر غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: بلاد الحرمين .
المشاركات: 2,423
افتراضي حصول المأمول لفضيلة الشيخ: عبد الله بن صالح الفوزان

(6) وقد افْتَرَضَ اللهُ علَى جميعِ العِبادِ الكفْرَ بالطاغوتِ والإيمانَ باللهِ؛ لأنَّ توحيدَ العَبْدِ لا يَتِمُّ إلاَّ بذلكَ.

(7) قولُهُ: (قالَ ابنُ القَيِّمِ رَحِمَهُ اللهُ تعالَى: (الطاغوتُ ما تَجاوَزَ بهِ العَبْدُ حَدَّهُ مِنْ: مَعبودٍ، أوْ مَتبوعٍ، أوْ مُطاعٍ))
هذا تعريفُ الطاغوتِ، وهذا الكلامُ ذَكَرَهُ ابنُ القَيِّمِ رَحِمَهُ اللهُ في (إعلامِ الْمُوَقِّعِينَ)، وقدْ عَرَّفَ ابنُ القَيِّمِ الطاغوتَ أَحْسَنَ تَعريفٍ.
والطاغوتُ في الأَصْلِ مُشْتَقٌّ مِن الطُّغيانِ : وهوَ مُجاوَزَةُ الحدِّ، فكلُّ مَنْ يَتجاوَزُ الحَدَّ الذي يُحَدُّ لهُ يُعْتَبَرُ في اللغةِ طاغوتًا، ومِنه قولُهُ تعالَى: {إِنَّا لَمَّا طَغَى الْمَاءُ حَمَلْنَاكُمْ فِي الْجَارِيَةِ} .
وكلمةُ (طاغوت) مِنْ أَبْنِيَةِ الْمُبالَغةِ مِثلُ: الْجَبَروتِ والْمَلَكوتِ.
أمَّا تَعريفُهُ المقصودُ، فكما قالَ ابنُ القَيِّمِ رَحِمَهُ اللهُ: (كُلُّ مَا تَجَاوَزَ بهِ العبْدُ حَدَّهُ) ، ومعنَى (كلُّ ما تَجاوَزَ بهِ العبْدُ حَدَّهُ) أي : تَعَدَّى بهِ العبْدُ قَدْرَهُ الذي يَنبغِي لهُ في الشرْعِ فهوَ طاغوتٌ.
(مِنْ مَعبودٍ) يعني: سواءٌ كانَ هذا التَّعَدِّي بكَوْنِ هذا الإنسانِ عُبِدَ مِنْ دُونِ اللهِ فصارَ مَعبودًا، فمَنْ صُرِفَ لهُ شيءٌ مِنْ أنواعِ العبادةِ وهوَ مُقِرٌّ بذلكَ وراضٍ بهِ فإنَّهُ طاغوتٌ؛ لأنَّهُ تَجَاوَزَ حَدَّهُ وقَدْرَهُ في الشرْعِ؛ لأنَّ حَدَّهُ في الشرْعِ أنْ يكونَ عابدًا للهِ تعالَى، لا أنْ يكونَ مَعبودًا، فإذا رَضِيَ أنْ يكونَ مَعبودًا فقدْ تَجاوَزَ حَدَّهُ.
(أوْ مَتبوعٍ) هذا يَدْخُلُ فيهِ: الكُهَّانُ، والسحَرَةُ الذينَ يُتَّبَعُونَ فيما يقولُون.
كما يَدْخُلُ في هذا عُلماءُ السَّوْءِ الذينَ يَدْعُونَ إلَى الكُفْرِ، أوْ إلَى الضلالِ، أوْ إلَى البِدَعِ، أوْ يُزَيِّنُونَ للحُكامِ الخروجَ عنْ شَريعةِ الإسلامِ والاستعاضةَ عنها بالقوانينِ الوَضْعِيَّةِ، فهؤلاءِ كلُّ واحدٍ مِنهم يَصْدُقُ عليهِ أنَّهُ طاغوتٌ؛ لأنَّهُ تَجَاوَزَ حَدَّهُ، وهذا التجاوُزُ في كونِهِ مَتْبُوعًا يُشَرِّعُ.
(أوْ مُطاعٍ) هذا يَدْخُلُ فيهِ: الْحُكَّامُ والأُمراءُ الخارجونَ عنْ طاعةِ اللهِ تعالَى، الذينَ يُحَرِّمونَ ما أَحَلَّ اللهُ، أوْ يُحِلُّونَ ما حَرَّمَ اللهُ، فهم بهذا المعنَى طواغيتُ؛ لأنَّهُم تَجاوَزُوا حَدَّهُم بكونِهم هَيَّأُوا أنفسَهم لأن يُطَاعُوا في غيرِ طاعةِ اللهِ تعالَى .هذا معنَى التعريفِ الذي ذَكَرَهُ ابنُ القَيِّمِ.

(8) قولُ المُصَنِّفِ: (والطواغيتُ كثيرةٌ) يعني: باعتبارِ التعريفِ الذي ذَكَرَهُ ابنُ القَيِّمِ فإنَّهُ يَتَبَيَّنُ مِنه أنَّ الطواغيتَ كثيرةٌ؛ لأنَّ كلَّ مَنْ عُبِدَ أو اتُّبِعَ أوْ أُطِيعَ فيَصْدُقُ عليهِ أنَّهُ طاغوتٌ، وهؤلاءِ كثيرونَ، ولكنَّ رُءوسَهم - بالتَّتَبُّعِ والاستقراءِ - خمسةٌ، وما عدا هذه الخمسةَ فهوَ مُتَفَرِّعٌ عنها.

(9) قولُهُ: (ورءوسُهم خَمسةٌ: إبليسُ لَعَنَهُ اللهُ) لأنَّهُ الداعي إلَى عِبادةِ غيرِ اللهِ تعالَى، فهوَ أوَّلُ الطواغيتِ. قالَ تعالَى: {أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لاَ تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ}والْمُرَادُ بعِبادةِ الشيطانِ : طاعتُهُ؛ فيَدْخُلُ في ذلكَ جَميعُ أنواعِ الكُفْرِ والمعاصي؛ لأنَّها كلَّها طاعةٌ للشيطانِ وعِبادةٌ لهُ.

(10) قولُهُ: (وَمَنْ عُبِدَ وَهُوَ راضٍ) هذا الثاني، والمعنَى: مَنْ عَلِمَ أنَّ الناسَ يَعبُدونَهُ ويَتَوَسَّلُونَ بهِ، ويَصْرِفون لهُ شيئًا مِنْ أنواعِ العِبادةِ، فَرَضِيَ بهذه العِبادةِ فهوَ طاغوتٌ، كما قالَ تعالَى: {وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلَهٌ مِنْ دُونِهِ فَذَلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ} .

(11) قولُهُ: (وَمَنْ دَعَا النَّاسَ إِلَى عِبَادَةِ نَفْسِهِ) هذا الثالثُ، وهوَ الذي يَدْعُو الناسَ إلَى عِبادتِهِ وتَعظيمِهِ، وهذا يَنطبِقُ علَى بعضِ مَشايِخِ الضلالِ مِن الصوفيَّةِ وغيرِهم، الذينَ يُقِرُّون بالغُلُوِّ، ويَفرحونَ بتعظيمِ الناسِ لهم.

(12) قولُهُ: (وَمَن ادَّعَى شَيئًا مِنْ عِلْمِ الْغَيْبِ) هذا الرابعُ، وذلكَ: كالْمُنَجِّمِينَ، والعَرَّافِينَ، والرَّمَّالِينَ، الذي يَدَّعُون شيئًا مِنْ عِلْمِ الغيبِ، واللهُ جَلَّ وعلا يقولُ: {عالِمُ الْغَيْبِ فَلاَ يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا (26) إِلاَّ مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا}، وقالَ تعالَى: {وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ}. فعِلْمُ الغَيْبِ لا يكونُ إلاَّ للهِ تعالَى، إلاَّ مَنْ شاءَ اللهُ تعالَى مِنْ أنبيائِهِ ورُسُلِهِ أن يُطْلِعَهُ علَى شيءٍ مِنْ عِلْمِ الغيبِ.

(13) قولُهُ: (وَمَنْ حَكَمَ بِغَيْرِ مَا أَنْزَلَ اللهُ) هذا الخامِسُ؛ لأنَّ اللهَ جَلَّ وعلا يقولُ:
- {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} .
- وفي الآيَةِ الأخرَى: {هُمُ الظَّالِمُونَ} .
- وفي الآيَةِ الثالثةِ: {هُمُ الْفَاسِقُونَ} .
و هلْ هذه أوصافٌ مُتَعَدِّدَةٌ لِمَوصوفٍ واحدٍ، أوْ أنَّها لِمَوْصُوفِينَ مُختلِفِينَ؟
- مِنْ أهلِ الْعِلْمِ مَنْ قالَ: إنَّها أَوصافٌ لِمَوصوفٍ واحدٍ، يعني: أنَّ الحاكِمَ بغيرِ ما أَنْزَلَ اللهُ علَى أيِّ حالٍ يُعْتَبَرُ كافرًا ظالِمًا فاسِقًا باعتباراتٍ مُخْتَلِفَةٍ:
- فالحُكْمُ بغيرِ ما أَنْزَلَ اللهُ باعتبارِ أنَّهُ جُحودٌ للشريعةِ يكونُ كُفْرًا.
- وباعتبارِ أنَّهُ مُجاوَزَةٌ لحَقِّ الإنسانِ واعتداءٌ علَى حقِّ اللهِ تعالَى في التشريعِ يكونُ ظالِمًا؛ لأنَّ الظلْمَ وَضْعُ الشيءِ في غيرِ مَوْضِعِهِ.
- ومِنْ حيثُ إنَّهُ خُروجٌ عنْ شَرْعِ اللهِ تعالَى يكونُ فِسْقًا؛ لأنَّ الْفِسْقَ معناهُ: الخروجُ.
ولا مَانِعَ أنَّ الأوصافَ هذه تَنْطَبِقُ علَى ذاتٍ واحدةٍ؛ لأنَّ اللهَ جَلَّ وعلا يقولُ: {وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ} يعني: الكافرُ يُوصَفُ بأنَّهُ ظالِمٌ، وقالَ تعالَى: {إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ} فَوُصِفُوا معَ الكُفْرِ بالفِسْقِ، فقدْ يكونُ الشخصُ كافرًا ظالِمًا فاسِقًا؛ لأنَّ اللهَ تعالَى وَصَفَ الكافرينَ بالظلْمِ ووَصَفَهم بالفِسْقِ.
- ومِن الْعُلَمَاءِ مَنْ قالَ: إنَّ هذه الأوصافَ تُنَزَّلُ علَى مَوصوفِينَ بحَسَبِ الحامِلِ لهم علَى الْحُكْمِ بغيرِ ما أَنْزَلَ اللهُ:
- فإذا حَكَمَ بغيرِ ما أَنْزَلَ اللهُ مُعْتَقِدًا أنَّ حُكْمَهُ أَصْلَحُ، أوْ أنَّهُ مِثلُ حُكْمِ اللهِ تعالَى، فهذا كافِرٌ كُفْرًا يُخْرِجُ مِن الْمِلَّةِ.
- أمَّا إذا لم يَحْكُمْ بما أَنْزَلَ اللهُ، ولم يَسْتَخِفَّ بهِ، ولم يَعتَقِدْ أنَّ غيرَ حُكْمِ اللهِ أَحْسَنُ، فهذا يكونُ ظالِمًا.
- أمَّا إذا حَكَمَ بغيرِ ما أَنْزَلَ اللهُ، وهوَ يَعتقدُ أنَّ حُكمَ اللهِ أَنْفَعُ وأَصْلَحُ، وأنَّ غيرَهُ لا خَيرَ فيهِ، ولكنه حَكَمَ مِنْ أجْلِ مُجاراةٍ للمحكومِ لهُ، أوْ مِنْ أجْلِ رِشوةٍ، أوْ نحوِ ذلكَ، فهذا يكونُ فاسِقًا.
فعلَى هذا القولِ تُنَزَّلُ الأوصافُ علَى حَسَبِ الحامِلِ لهذا الحاكِمِ.

(14) قولُهُ: (والدليلُ قولُهُ تعالَى: {لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ..} ) .
ساقَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللهُ الدليلَ علَى أن اللهَ تعالَى افْتَرَضَ علَى العِبادِ الكُفْرَ بالطاغوتِ والإيمانَ باللهِ.
أمَّا تعريفُ الطاغوتِ وذِكْرُ الطواغيتِ، فإنَّ الْمُصَنِّفَ لم يَسْتَدِلَّ عليهِ هنا، وقد اسْتَدَلَّ عليهِ في رَسائلَ أُخْرَى.
ومعنَى: {لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ} أيْ: لظُهورِ أَدِلَّةِ الدِّينِ وبَراهينِهِ، فلا يُكْرَهُ إنسانٌ علَى أنْ يَعتنِقَ الإسلامَ، وإنَّمَا يَعتنقُهُ الإنسانُ بإرادتِهِ واختيارِهِ.
ولا مُنافاةَ بينَ هذه الآيَةِ والآياتِ الدالَّةِ علَى وُجوبِ القتالِ والجهادِ؛ لأنَّ هذه الأدِلَّةَ مُرادٌ بها إزالةُ العَوائقِ في وَجْهِ الإسلامِ، فإذا وَقَفَ أُناسٌ في وَجْهِ الإسلامِ، أوْ قُوَّةٌ وَقَفَتْ في وجهِ الإسلامِ، فإنَّهُ يُشْرَعُ القتالُ، ويَجِبُ في هذه الحالةِ لإزالةِ هذه العوائقِ، لكن لا يُلْزَمُ الإنسانُ بأنْ يَعتنِقَ الإسلامَ.
وهذه الآيَةُ فيها خِلافٌ بينَ المفسِّرينَ :
- فمِنهم مَنْ ذَهَبَ إلَى أنَّها مَنسوخةٌ بآياتِ القتالِ.
وضَعَّفَ هذا الْمُحَقِّقونَ: كابنِ جريرٍ، وابنِ العَرَبِيِّ، والشوكانيِّ، وغيرِهم.
- ومِنهم مَنْ قالَ: إنَّ هذه الآيَةَ مُحْكَمَةٌ، وإنَّها خاصَّةٌ باليهودِ والنصارَى والْمَجُوسِ، أمَّا الوثنيُّونَ فإنَّهُم يُكرَهونَ علَى الإسلامِ ويُلْزَمُونَ بالدخولِ فيهِ، وهوَ اختيارُ ابنِ جَريرٍ وجَمْعٍ مِن الْمُحَقِّقِين.
وعلَى أيِّ حالٍ فالإنسانُ يَعتنِقُ الإسلامَ بإرادتِهِ واختيارِهِ وظُهورِ تعاليمِهِ وأَدِلَّتِهِ وبَراهينِهِ.
وأمَّا ما جاءَ في آياتِ القِتالِ والجهادِ فهذا لا يُنافِي الآيَةَ، بلْ كلُّ مَنْ وَقَفَ في وجهِ الإسلامِ مِنْ شَخْصٍ أوْ مِنْ قُوَّةٍ فإنَّهُ يُقاتَلُ، أمَّا أنَّهُ يُلْزَمُ ويُكْرَهُ علَى اعتناقِ الإسلامِ فقدْ يَعتنقُهُ في الظاهِرِ ولا يَعتنقُهُ في الباطنِ، فيكونُ مُنَافِقًا.
وقولُهُ تعالَى: {قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ}
الرشْدُ: هوَ الهُدَى الْمُوَصِّلُ إلَى سَعادةِ الدارينِ.
والغَيُّ معناهُ: الضلالُ الْمُفْضِي بالعبْدِ إلَى الشقاءِ والْخُسرانِ.
وقولُهُ تعالَى: {فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى} .
هذا هوَ معنَى التوحيدِ؛ لأنَّ التوحيدَ - كما ذَكَرَ الشيخُ قبلَ قليلٍ - لا بُدَّ فيهِ مِن الكُفْرِ بالطاغوتِ والإيمانِ باللهِ، وهذا أَوَّلُ ما فُرِضَ علَى ابنِ آدَمَ.
وصِفَةُ الكفْرِ بالطاغوتِ : أن تَعتقدَ بُطلانَ عِبادةِ غيرِ اللهِ وتَتْرُكَها، وتَبْغَضَها وتُكَفِّرَ أَهْلَها وتُعادِيَهُم.
ومعنَى الإيمانِ باللهِ: أن تَعتقدَ أنَّ اللهَ هوَ الإلهُ المعبودُ وَحدَهُ دُونَ مَنْ سِواهُ، وتُخْلِصَ لهُ جميعَ أنواعِ العِبادةِ وتَنْفِيَها عنْ كلِّ مَعبودٍ سِواهُ، وتُحِبَّ أهلَ الإخلاصِ وتُوَالِيَهم، وتَبْغَضَ أهلَ الشرْكِ وتُعادِيَهم.
ولهذا قالَ رَحِمَهُ اللهُ: (وَهَذا مَعْنَى: لا إلهَ إلاَّ اللهُ) أيْ: أنَّ هذه الآيَةَ متَضَمِّنَةٌ للنفيِ والإثباتِ، فتُثْبِتُ جميعَ أنواعِ العِبادةِ للهِ وَحْدَهُ لا شَريكَ لهُ، وتَنْفِي جميعَ أنواعِ العِبادةِ عنْ غيرِ اللهِ تعالَى، وقدْ تَقَدَّمَ بَيانُ ذلكَ.
وقولُهُ: {فَقَدِ اسْتَمْسَكَ} أيْ: تَمَسَّكَ، واسْتَمْسَكَ أَبلغُ مِنْ تَمَسَّكَ، قالَ الراغبُ: استَمْسَكْتُ بالشيءِ: إذا تَحَرَّيْتُ الإمساكَ.
وقولُهُ: {بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى} العُروةُ في الأَصْلِ: مَوضِعُ شَدِّ اليدِ، والوُثْقَى: تَأنيثُ الأَوْثَقِ، يُقالُ: رجُلٌ أَوْثَقُ، وامرأةٌ وُثْقَى، و{الوُثْقَى} أي: القَوِيَّةُ التي لا تَنْفَكُّ.
والمعنَى - واللهُ أَعْلَمُ - فقد اسْتَمْسَكَ بالعَقْدِ الْمُحْكَمِ الذي لا يَنْفَكُّ ولا يَنْفَصِمُ.
وفيهِ بيانُ أنَّ الذي يَكْفُرُ بالطاغوتِ، ويُؤمِنُ باللهِ أنَّهُ قدْ أَخَذَ بالطريقِ إلَى الجنَّةِ؛ لأنَّهُ استَمْسَكَ بالعُروةِ الوُثْقَى.


  #6  
قديم 16 ذو القعدة 1429هـ/14-11-2008م, 08:54 PM
حفيدة بني عامر حفيدة بني عامر غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: بلاد الحرمين .
المشاركات: 2,423
افتراضي شرح معالي الشيخ :صالح بن عبدالعزيزبن محمد آل الشيخ (مفرغ)



[بيان معنى الطاغوت]
ما معنى الطاغوت إذاً ؟
(قال ابن القيم - رحمه الله -: معنى الطاغوت: ما تجاوز به العبد حده، من معبود، أو متبوع، أو مطاع) الطاغوت: صيغة مبنية للكثرة والسَّعة؛ لأنها مِن: طغى يطغى طغياناً، ومعنى ذلك: التجاوز، تجاوز الحد، يقال: طغى الماء: إذا تجاوز الحد، طغى الرجل: إذا تجاوز حده، والطاغوت مبنيٌ من الطغيان، لكنه للكثرة، مثل ملكوت، ورحموت، ونحو ذلك، ما هو الطاغوت؟
إذاً: الطاغوت : اسم لكل ما تجاوز به العبد حده، أي حد هذا ؟
الحد الشرعي له، معلوم أن الشرع حد للأشياء حدوداً، وبين علاقة المسلم بها، فإذا تجاوز العبد بشيءٍ ما حده، فذلك الشيء طاغوت.
قال: (ما تجاوز به العبد حده، من معبود) إذا عَبد أحدٌ غير الله -جل وعلا- فذلك الغير طاغوت هذا العابد، متى يكون طاغوته ؟
إذا كان راضياً بهذه العبادة، أما إذا كان يكرهها، فإنه لا يسمى طاغوتاً؛ لأنه يتبرأ منها؛ والمتُبريء من الشيء ليس من أهله، كما قال - جل وعلا -: {إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ (98) لَوْ كَانَ هَؤُلاءِ آلِهَةً مَا وَرَدُوهَا}، لما نزلت هذه الآية فرح المشركون، قالوا: سنكون، وعيسى، وعزير، - وعدوا آلهة - سنكون جميعاً في جهنم، فَنِعم الصحبة، أنزل الله - جل وعلا - بعدها قوله: {إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ (101) لا يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنْفُسُهُمْ خَالِدُونَ (102) لا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ} فدل على أن الذي لا يرضى بعبادته فإنه ليس بمذموم، لهذا عبدت الأنبياء، والرسل، وعُبِدَ الصالحون، وكلهم يتبرؤون.
عيسى - عليه السلام - أُلِّه بعد رفعه، وقال له ربه - جل وعلا -: {أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ} نزه الله - جل وعلا -: {إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ (116) مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلاَّ مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي} يعني: قبضتني، قبضت بدني، ورفعتني عنهم {فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي} واستوفيتَ مدتي على الأرض، المدة الأولى {كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ} {فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (117) إِنْ تُعَذِّبْهُمْ} إلى آخر الآيات. (معنى الطاغوت: ما تجاوز به العبد حده من معبود، أو متبوع) من يُتبع، يُقلد، يُمشى وراءه، يُهتدى بهديه، (أو مطاع) إذا كان اتُّبِعَ أحد، وتجاوز العبد بهذا المتبع حده - أي الذي أُذن به شرعاً - فقد صار ذلك طاغوتاً له، إذا كان راضياً بذلك، وإن كان لا يرضى فهذا هو الذي اتخذه طاغوتاً، وذاك ليس بطاغوت، (أو مطاع) .

[شرح قوله: (والطواغيت كثيرة ورؤوسهم خمسة...) ]
(والطواغيت كثيرون ورؤوسهم خمسة، إبليس لعنه الله، ومن عبد وهو راضٍ، ومن دعا الناس إلى عبادة نفسه) إبليس لعنه الله هو رأس الطواغيت، لِمَ ؟ لأنه عُبد، ولأنه متبوع، ولأنه مُطاع، وهو راضٍ بذلك، أطيع أو لم يطع ؟
أطيع في معصية الله، وهذه مأذون بها، أو غير مأذون بها ؟
هويعتبر عند من أطاعه أنه مقدم، وأن طاعته هنية، ولهذا قال ـ جل وعلا ـ في سورة إبراهيم: {وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلاَّ أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي} الاستجابة هنا في المتابعة، وفي الطاعة، وقال - جل وعلا - في آية سورة يس: {أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ}، {لا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ} يعني: بالطاعة كما هو تفسيرها. (ومن عبد وهو راضٍ) هذا القيد مهم؛ من عبد من دون الله ورضي بهذه العبادة، فهو من الطواغيت، من رؤوس الطواغيت. (من دعا الناس إلى عبادة نفسه) هذا أعظم من الأول، يُعبد وهو ساكت، لم يدع إلى عبادة نفسه، يطاع وتكون طاعته ديناً، في غير طاعة الله - جل وعلا -، وطاعة رسوله، ويرضى بذلك فهذا طاغوت.
الأعظم منه: أن يدعو، ذاك ساكت - الأول - لكن فُعل به ذاك وهو راضٍ، الأعظم أن يدعو إلى نفسه، مثل ما يفعل مشايخ الطرق الصوفية، يعني: بعض من مشايخ الطرق الصوفية، ورؤوس الضلال، رؤوس الرافضة، رؤوس الإسماعيلية، ونحو ذلك، كل هؤلاء يعظمهم أتباعهم فوق الحد الشرعي، فيتخذونهم مطاعِين، فيتخذونهم متابعَين من دون رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال: (ومن ادعى شيئاً من علم الغيب، ومن حكم بغير ما أنزل الله) من ادعى شيئاً من علم الغيب فهو من جنس الشياطين؛ لأنه كاهن من الكهنة، أو ساحر من السحرة، أو مدعٍ لعلم الغيب، فهذا من الطواغيت.

[شرح قوله: (ومن حكم بغير ما أنزل الله...) ]
قال: (ومن حكم بغير ما أنزل الله) الحاكم بغير ما أنزل الله فيه تفصيل:
- إذا حكم بغير ما أنزل الله معتقداً أن حكمه جائز وأن له أن يحكم، وحكمه قرين لحكم الله أو مساوٍ لحكم الله، أو أفضل من حكم الله، أو نحو ذلك، فإن هذا يعد طاغوتاً.
- أما إن حكم بغير ما أنزل الله، وهو يعلم أنه عاصٍ بحكمه، وأن حكم الله - جل وعلا -أفضل، وأن حكم الله - جل وعلا - هو المتعين، ولكن غلبته نفسه وشهوته بأن حكم بغير ما أنزل الله في بعض المسائل، كما يحصل لبعض المفتونين من القضاة أنهم يحكمون في مسائل بشهوتهم، كما كان يحدث في نجد من قرونٍ قبل الدعوة، أنه كان يُرشى القاضي بمالٍ فيحكم لأحد الخصمين، يُغير حكم الله - جل وعلا - ويحكم بغير حكم الله، وهذا هو الذي جاء فيه الحديث الذي رواه أبو داود وغيره بإسنادٍ قوي، أنه - عليه الصلاة والسلام - قال: ((القضاة ثلاثة، قاضيان في النار وقاضٍ في الجنة، فرجل قضى بغير الحق، وهو يعلم الحق فذاك في النار)) والعياذ بالله.
هذا النوع يحكم لأجل مال، يحكم لأجل رشوة بغير ما أنزل الله، هذه معصية من المعاصي، ولا شك أن معصية سماها الله - جل وعلا - كفراً، أعظم من معصية لم يسمها الله - جل وعلا - كفراً، كما يقول الشيخ محمد بن إبراهيم - رحمه الله تعالى - في رسالته (تحكيم القوانين)
فإذاً: هذا الصنف من الناس فعلهم معصية.
- هناك نوع آخر، حدث في هذا الزمن، وهو تحكيم القوانين: أن يستبدل الشرع بقوانين وضعية، يستبدل الشرع استبدالاً بقوانين يأتي بها الحكام من عند غير الله ورسوله، يُترك الدين ويؤتى بتلك القوانين، فهذه كما يقول الشيخ - رحمه الله تعالى - محمد بن إبراهيم في أول رسالته (تحكيم القوانين) يقول ما نصه: (إن من الكفر الأكبر المستبين، تنزيل القانون اللعين، منزلة ما نزل به الوحي الأمين، على قلب سيد المرسلين، للحكم به بين العالمين، وللرد إليه عند تنازع المتخاصِمين، معاندةً، ومكابرةً لقول الله - جل وعلا -: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً} ).
ورسالته هذه بسط فيها القول، وهي رسالة دقيقة مهمة في هذا الباب.
إذاً: فصار تحكيم القوانين كفراً أكبر بالله؛ لأنه استبدال شريعة مكان شريعة، بَدَل شريعة الإسلام يأتون بشريعة فرنسا، أو شريعة أوروبا، أو شريعة إنجلترا، أو شريعة أمريكا، هذا استبدال، فإذا كان الحكم به غالباً صار تحكيماً، يعني صار الحكم في أكثر أمور الشريعة بهذه الأحكام القانونية، صار استبدالاً.
فمتى يكون كفراً؟ إذا صار استبدالاً.
ومتى يكون استبدالاً؟ إذا كان تحكيم القوانين غالباً، كما ذكر الشيخ ـ رحمه الله ـ في فتاويه الشيخ محمد بن إبراهيم أيضاً مقيِّداً، سئل: متى يكون الحكم بالقانون كفراً؟
قال: (إذا كان غالباً فاشياً) لِمَ ؟ لأنه استبدل شريعة مكان شريعة، فإذا غلب ذلك صار استبدالاً، وهذا قيد مهم.
وهذه المسألة يكثر فيها الكلام في هذا العصر، بين كلام متعلمين وعلى سبيل تعلم، وبين كلام جهال، وقل من يحرر الكلام فيها على نحو ما بينه العلماء بدقة وتأصيل.
قال هنا: (والدليل قوله وتعالى: {لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} ) قال بعد ذلك: (وهذا هو معنى لا إله إلا الله) .
ما معنى لا إله إلا الله؟
هو قوله: {فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ} لأن الكفر بالطاغوت هو معنى النفي بـ(لا إله)، والإثبات وهو قوله: {وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ}، هو المستفاد من قوله (إلا الله).


  #7  
قديم 16 ذو القعدة 1429هـ/14-11-2008م, 08:55 PM
حفيدة بني عامر حفيدة بني عامر غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: بلاد الحرمين .
المشاركات: 2,423
افتراضي العناصر

بيان معنى الطاغوت
- معنى تعريف الطاغوت الذي ذكره ابن القيم رحمه الله
- الطواغيت كثيرة
بيان رؤوس الطواغيت
- أول الطواغيت إبليس - لعنه الله - .
- من الطواغيت: من عبد وهو راض
- من الطواغيت: من دعا الناس إلى عبادة نفسه
- من الطواغيت: من ادعى شيئا من علم الغيب
- من الطواغيت: من حكم بغير ماأنزل الله
- أوصاف ( الظلم والفسق والكفر ) هل هي أوصاف متعددة لموصوف واحد أوأنها لموصوفين مختلفين
ترجمة ابن القيم رحمه الله تعالى
تفسير قوله تعالى (فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله ...) الآية
- صفة الكفر بالطاغوت
- معنى الإيمان بالله
- الخلاف في قوله تعالى (لا إكراه في الدين )


  #8  
قديم 16 ذو القعدة 1429هـ/14-11-2008م, 08:56 PM
حفيدة بني عامر حفيدة بني عامر غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: بلاد الحرمين .
المشاركات: 2,423
افتراضي الأسئله

الأسئلة
س1: لِمَ أرسل الله الرسل؟ مع ذكر الدليل.
س2: من أول الرسل؟ ومن هو خاتمهم؟ مع ذكر الدليل.
س3: ما الدليل على أن الله بعث في كل أمة رسولاً ؟
س4: عرف الطاغوت لغةً وشرعاً، مع التوضيح.
س5: عدد رؤوس الطواغيت.
س6: ما حكم التحاكم إلى الطاغوت ؟
س7: ما حكم من حكم بغير ما أنزل الله ؟
س8: بين دلالة قول الله تعالى : {فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى} على معنى لا إله إلا الله ؟
س9: فسر باختصار الآيات التالية، مع بيان وجه استدلال المؤلف بها:
‌أ) قوله تعالى: {رسلاً مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل} .
‌ب) قوله تعالى: {إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده} .
‌ج) قوله تعالى: {ولقد بعثنا في كل أمة رسولاً أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت} .
س10: اشرح حديث: ((رأس الأمر الإسلام وعموده الصلاة وذروة سنامه الجهاد في سبيل الله)) باختصار.
س11: ترجم بإيجاز لابن القيم رحمه الله تعالى.
س12: ختم المؤلف رحمه الله تعالى ورفع درجته رسالته القيمة بقوله: (والله أعلم وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلَّم)، اذكر الفوائد العلمية لهذه الخاتمة.


موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
معنى, الكفر

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 08:59 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir