إرشادات في دراسة تفسير الحزب 59
الحمد لله منزّل القرآن، والصلاة والسلام على سيد الأنام ومخرجهم من ظلمة الكفر إلى نور الإيمان، وآله وصحبه ومن اتّبع هداهم بإحسان.
حياكن الله طالبات القرآن، ومعلّماته ومفسّراته غدا بإذن الله..
نقدّم لكن في هذه السطور بعض الوصايا الخاصّة بطريقة مذاكرة مقرّر التفسير لهذا المستوى والتعريف بنظام مجالس المذاكرة الخاصّة به.
ومقرّر التفسير لهذا المستوى هو الحزب التاسع والخمسين، وهو مقسّم على أربعة أقسام في كل قسم منها اختبار بإذن الله.
1: تفسير سورة النبأ.
2: تفسير سورتي النازعات وعبس.
3: تفسير سور التكوير والانفطار والمطفّفين.
4: تفسير سور الانشقاق والبروج والطارق.
من تفاسير ابن كثير والسعدي والأشقر -رحمهم الله جميعا-.
وقد تتساءل بعض الطالبات.. لم لا يُقتصر على تفسير واحد ونحن مبتدئات؟
فنقول إن من عظمة هذا العلم أننا لا نجد تفسيرا واحدا مكتملا شاملا كل ما يحتاج إليه الطالب، بل تنوّعت مقاصد المفسّرين ومذاهبهم في التفسير بحسب عناية كل مفسّر، وتنوّعت معهم كتب التفسير.
فأصحاب الحديث لهم سمة في تفاسيرهم، وأهل اللغة لهم سمة، وأهل الفقه، والمعتنون بالسلوك، كل هؤلاء ظهرت عناياتهم الخاصّة واضحة في تفاسيرهم، فكان الجمع بين أكثر من تفسير لأجل مقاربة الكمال.
وقد اقتصر في هذه المرحلة على ثلاثة تفاسير كحد أدنى حتى تكون الدراسة متيسّرة لا مشقّة فيها يتمكّن فيها الطالب من ضبط المهارات التأسيسية في التفسير بما يمكنه التوسّع في الدراسة من عدد كبير من التفاسير مستقبلا إن شاء الله.
واختيرت لكن التفاسير المقرّرة بعناية تضمن -بإذن الله- تحقيق الأهداف المرجوّة من الدراسة في المرحلة الأولى من البرنامج، وهي تفاسير مختلفة في مناهجها، والجمع بينها يفيد الطالب كثيرا في تكميل النقص الحاصل في حال الاقتصار على أحدها.
فأما تفسير ابن كثير: فهو تفسير متوسط قائم على تفسير القرآن بالمأثور، أي تفسير القرآن بالقرآن وبالسنة وبما أُثر من أقوال الصحابة والتابعين، وصاحبه رحمه الله عالم جليل، جمع بين الحسنين التفسير والحديث، وظهرت عنايته بالحديث واضحة في تفسيره فكان تفسيره من أعظم التفاسير التي ألّفت على الإطلاق.
وأما تفسير السعدي: فتفسير قيّم جدا كان غرض مؤلّفه كما ذكر في مقدّمته الوقوف على معاني الآيات وهداياتها ومقاصدها دون التعرّض للخلاف والدخول في تفصيلات المسائل، لذا تكثر الاستفادة منه جدا في تدبّر القرآن وتلمّس هداياته وفوائده، وهو يقتصر على ما يترجّح لديه من أقوال ويجمع بين الأقوال التي يحتملها التفسير بعبارات جامعة ماتعة، رحمه الله رحمة واسعة.
وأما تفسير الأشقر: فهو تفسير مختصر من تفسير "فتح القدير" للشوكاني -رحمه الله- يناسب العامّة والمبتدئين، ويفسّر الآيات بألفاظ سهلة واضحة.
هذه نبذة يسيرة جدا، وأترك لكن ملاحظة الفائدة من الجمع بين هذه التفاسير مع التقدّم في الدراسة بإذن الله، مع التوصية بالصبر على القراءة في هذه التفاسير، فقد يبدو الأمر شاقّا عند البعض في أول الدراسة، أو تبدو بعض المسائل مشكلة، فهذا دائما شأن البدايات كما هو معلوم، لكن مع الوقت ستتّضح الصورة كاملة وتزول جميع الإشكالات بإذن الله.
نأتي الآن لسؤال وهو: كيف أذاكر من هذه التفاسير؟
إن عماد مذاكرة جميع مقرّرات التفسير في البرنامج قائم على تطبيق مهارات التلخيص التي تعلمناها في الأسابيع الماضية، ولأجلها عقدت هذه الدورة، ولا يصلح أن يتعامل الطالب مع كتب التفسير كأي كتب دراسية، بل لهذه الكتب أصول في الدراسة، وللطالب أن يتصرّف فقط في بعض خطوات المذاكرة بما يراه الأيسر له والأعون على الفهم.
وليس كل التفسير يتناول مسائل خلافية وأقوال متعدّدة، بل يكون ذلك في بعضه فقط، وبعضه مسائل ليس فيها إلا قول واحد، وقد تعلمنا أن أقوال المفسّرين منها المتّفق والمتقارب والمختلف، وقد مرّت معنا أمثلة على تلخيص سور كاملة وهي سور العصر والتين والكوثر.
لا شكّ أن الطالب يقوم بقراءة أي مقرّر دراسي عدّة مرات، وفي كل مرّة يحقّق هدفا من أهداف الدراسة، ولكل طالب طريقته الخاصّة في المذاكرة، لكن نريد أن نتّفق على أصول محدّدة أرجو إن حافظ عليها الطالب من أول الطريق أن يرسخ علمه ويُحفظ بإذن الله.
أولا: قراءة التفسير قراءة أوليّة: بغرض التعرّف على موضوع الآيات المقرّرة من تفسير السعدي ثم من تفسير الأشقر ثم من تفسير ابن كثير.
القراءة الثانية: لأجل استخلاص مسائل الآيات فقط، فنبدأ بتفسير ابن كثير ثم السعدي ثم الأشقر على الترتيب، ونرمز لأسماء المفسّرين بجوار كل مسألة كما تعلّمنا، مع الانتباه لأنواع المسائل، فالمسائل الاستطرادية والمسائل التي لا تتّصل بالتفسير مباشرة تؤخّر لنهاية القائمة، بحيث يكون التركيز على مسائل التفسير أولا، هنا.. جمعنا مسائل الآيات وظهرت معالمها.
وسائل يسأل: هل مسائل القراءات وأسباب النزول مهمّة؟
أما القراءات التي لا تؤثّر في التفسير فغير مطالب بها كقراءة {السراط المستقيم} و{الظراط المستقيم}، لكن القراءات التي يختلف معنى الآية باختلافها فهي مسائل أساسية، كقراءة {ملك يوم الدين} و{مالك يوم الدين}.
وأما أسباب النزول فنعم، هي مسائل أساسية وهي مهمّة في فهم الآية، وتشعر بمتعة الفهم إذا علمنا الأحداث والأحوال التي نزلت فيها الآية، بل إن هناك من الآيات التي لا تفهم إلا بمعرفة سبب نزولها، وهنا تتأكّد أكثر.
القراءة الثالثة: أن يلخّص الطالب بأسلوبه ما قاله المفسّرون الثلاثة في كل مسألة، بحسب نوع أقوالهم والتزام طريقة التحرير التي تعلمناها لكل نوع.
القراءة الرابعة: وهي مهمّة وهي ثمرة هذا العلم، أن يكتب الطالب الفوائد السلوكية والإيمانية التي استفادها من تفسير الآية، وما يتوجّب عليه فعله أو تركه عملا بهذه الآية التي درسها، قال تعالى: {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ}.
وبهذا يكون عندنا أصل علميّ دقيق لتفسير السورة محلّ الدراسة يرجع إليه الطالب مرة بعد مرة.
أرجو ألا أكون أطلت عليكن، وقد تركت بعض التفصيلات خشية الإطالة، وأرحب باستفساراتكن واقتراحاتكن.
ومما أودّ التنبيه عليه أن بعض الطالبات قد تستصعب طريقة التلخيص لكل المقرّر أو تكتفي بالحفظ المجرّد من التفسير مباشرة، أو التلخيص المعتاد، فأقول إن ما سبق هو الأمثل والأكمل، وعلى قدره تكون الاستفادة بإذن الله، فإن عجزت الطالبة في بعض الأحوال عن التلخيص الكامل للدرس فلا تفوتها خطوة استخلاص مسائل الآيات وتحرير مسائل الخلاف تحديدا، لأن التفريط في هذه الخطوة يخرجها من طالبة تُعدّ للتخصّص في علم التفسير إلى مجرّد متثقّفة في هذا العلم، نسأل الله لكن التوفيق والبلاغ.
يتبع بإذن الله ببعض الإرشادات الخاصّة بمجالس المذاكرة، والتعرّف على أنواع أسئلتها وطريقة الإجابة.
بارك الله فيكن ووفقكن لما يحبه ويرضاه.