233 - وَعَن ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((أَلا وَإِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَقْرَأَ الْقُرْآنَ رَاكِعاً أَوْ سَاجِداً، فَأَمَّا الرُّكُوعُ فَعَظِّمُوا فِيهِ الرَّبَّ، وَأَمَّا السُّجُودُ فَاجْتَهِدُوا فِي الدُّعَاءِ؛ فَقَمِنٌ أَنْ يُسْتَجَابَ لَكُمْ)). رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
· مُفْرَدَاتُ الْحَدِيثِ:
- فَعَظِّمُوا فِيهِ الرَّبَّ: الْعَظِيمُ: وَصْفُهُ تَعَالَى بِصِفَاتِ الْعَظَمَةِ، والإجلالِ، والكبرياءِ، وَالْمُرَادُ هُنَا قولُ: (سُبْحَانَ رَبِّيَ الْعَظِيمِ).
- فَاجْتَهِدُوا: الْجُهْدُ بِالضَّمِّ وَالفَتْحِ: الوُسْعُ وَالطَّاقَةُ، وَهُوَ مَصْدَرٌ من: جَهَدَ فِي الأَمْرِ جَهْداً، مِنْ بَابِ نَفَعَ، إِذَا طَلَبَ حَتَّى بَلَغَ غَايَتَهُ فِي الطَّلَبِ.
- فَقَمِنٌ: بِفَتْحِ الْقَافِ المُثَنَّاةِ، وَكَسْرِ الْمِيمِ، بَعْدَهَا نُونٌ.
قَالَ ابْنُ رَسْلانَ: هُوَ بِفَتْحِ الْمِيمِ مَصْدَرٌ، لا يُثَنَّى، وَلا يُجْمَعُ، وَلا يُؤَنَّثُ، وَأَمَّا بِالْكَسْرِ فَهُوَ وَصْفُ شيءٍ، يُجْمَعُ، وَيُثَنَّى، وَيُؤَنَّثُ؛ أيْ: حَقِيقٌ، وَجَدِيرٌ، وَخَلِيقٌ، أَنْ يُسْتَجَابَ لَكُمْ دُعَاؤُكُمْ.
· مَا يُؤْخَذُ مِنَ الْحَدِيثِ:
1- النَّهْيُ عَنْ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ فِي حالةِ الركوعِ والسجودِ، فِي الصَّلاةِ الفريضةِ والنافلةِ، والنَّهْيُ مِن الرَّبِّ تَبَارَكَ وتَعَالَى؛ فَإِنَّ المَنْهِيَّ هُوَ الرَّسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمَا نُهِيَ عَنْهُ فالأصلُ أَنَّ أُمَّتَهُ مَنْهِيَّةٌ عَنْهُ أَيْضاً.
2- الْحَدِيثُ يَقْتَضِي تحريمَ المَنْهِيِّ عَنْهُ، فَتَكُونُ قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ مُحَرَّمَةً فِي الركوعِ والسجودِ، إِلاَّ أَنَّ أَكْثَرَ الْعُلَمَاءِ حَمَلُوا النَّهْيَ عَلَى الكراهةِ فَقَطْ دُونَ التحريمِ، فَقَدْ وَجَدُوا المقامَ لا يَقْتَضِيهِ.
قَالَ فِي (شَرْحِ الإقناعِ): وَتُكْرَهُ الْقِرَاءَةُ فِي الركوعِ والسجودِ؛ لِنَهْيِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولأنَّهَا حَالُ ذُلٍّ وَانْخِفَاضٍ، وَالقرآنُ أَشْرَفُ الْكَلامِ.
3- وُجُوبُ تعظيمِ الرَّبِّ جَلَّ وَعَلا فِي حالةِ الركوعِ، وَيَكُونُ التَّعْظِيمُ بالصيغةِ الواردةِ، فَقَدْ جَاءَ فِي مسندِ أَحْمَدَ (16961)، وَسُنَنِ أَبِي دَاوُدَ (869) مِنْ حَدِيثِ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ: {فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ} [الوَاقِعَة: 96].قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((اجْعَلُوهَا فِي رُكُوعِكُمْ)).
4- وُجُوبُ تَنْزِيهِ الرَّبِّ جَلَّ وَعَلا فِي حالةِ السُّجُودِ، وَيَكُونُ بالصيغةِ الواردةِ، فَقَدْ رَوَى الإمامُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى} [الأَعْلَى: 1]. قَالَ: ((اجْعَلُوهَا فِي سُجُودِكُمْ)).
5- تَسْبِيحَاتُ الركوعِ والسجودِ الواجبُ مِنْهَا مَرَّةٌ وَاحِدَةٌ (سُبْحَانَ رَبِّيَ الْعَظِيمِ) فِي الركوعِ، وَ (سُبْحَانَ رَبِّيَ الأَعْلَى) فِي السُّجُودِ، وَأَدْنَى الكمالِ ثَلاثُ مَرَّاتٍ، وأعلاهُ للإمامِ عَشْرُ تَسْبِيحَاتٍ، وَالاقتصارُ عَلَيْهَا أَفْضَلُ من الإتيانِ بِذِكْرٍ مَعَهَا، مَا لَمْ يُطِلِ السُّجُودَ.
6- (سُبْحَانَ رَبِّيَ الْعَظِيمِ) واجبةٌ فِي الركوعِ، وَ (سُبْحَانَ رَبِّيَ الأَعْلَى) واجبةٌ فِي السُّجُودِ، والواجبُ يَسْقُطُ بالسَّهْوِ، وَيَجْبُرُهُ سُجُودُ السَّهْوِ، كَمَا سَيَأْتِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ.
7- الأفضلُ الإطالةُ والاجتهادُ فِي الدُّعَاءِ، فَهُوَ حَرِيٌّ أَنْ يُسْتَجَابَ للدَّاعِي، وَقَدْ جَاءَ فِي الحديثِ: ((أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الْعَبْدُ مِنْ رَبِّهِ، وَهُوَ سَاجِدٌ)). رَوَاهُ مُسْلِمٌ (482)، وَهَذِهِ الإطالةُ مَا لَمْ يَكُنْ فِيهَا إِثْقَالٌ عَلَى الْمُصَلِّينَ، فَمِنْهُمُ الْعَاجِزُ وَصَاحِبُ الحاجةِ.
8- قَالَ شَيْخُ الإسلامِ: قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ أَفْضَلُ من الذِّكْرِ، والذِّكْرُ أَفْضَلُ من الدُّعَاءِ، وَقَدْ يَكُونُ الشخصُ يَصْلُحُ دِينُهُ عَلَى الْعَمَلِ المَفْضُولِ دُونَ الأفضلِ، فَيَكُونُ فِي حَقِّهِ أَفْضَلَ.
9- ذَهَبَ الإمامُ أَحْمَدُ إلى أَنَّ التَّسْبِيحَ فِي الركوعِ والسجودِ منْ واجباتِ الصَّلاةِ، والواجبُ تَسْبِيحَةٌ وَاحِدَةٌ، وَمَا زَادَ فَهُوَ سُنَّةٌ، ودليلُ الوجوبِ مَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ (772)، عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ: (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ فِي رُكُوعِهِ: ((سُبْحَانَ رَبِّيَ الْعَظِيمِ)). وَفِي سُجُودِهِ: ((سُبْحَانَ رَبِّيَ الأَعْلَى))).
وَمَا رَوَاهُ أَحْمَدُ (16961) وَأَبُو دَاوُدَ (869)، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ: {فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ}. قَالَ: ((اجْعَلُوهَا فِي رُكُوعِكُمْ)).وَلَمَّا نَزَلَتْ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى}. قَالَ: ((اجْعَلُوهَا فِي سُجُودِكُمْ)).
أَمَّا الأَئِمَّةُ الثلاثةُ: فَيَرَوْنَ أَنَّ ذَلِكَ مُسْتَحَبٌّ، لَيْسَ بِوَاجِبٍ.
قَالَ النَّوَوِيُّ: تَسْبِيحُ الركوعِ والسجودِ، وَسُؤَالُ المغفرةِ سُنَّةٌ، وَلَيْسَ بواجبٍ، وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حنيفةَ وَمَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ.
والراجحُ الوجوبُ للأمرِ بِهِ.