دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > برنامج الإعداد العلمي العام > المتابعة الذاتية في برنامج الإعداد العلمي > منتدى المستوى الثامن

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 3 جمادى الأولى 1437هـ/11-02-2016م, 03:06 PM
رضا الشبراوى رضا الشبراوى غير متواجد حالياً
طالب علم
 
تاريخ التسجيل: Feb 2015
الدولة: عابر سبيل
المشاركات: 382
افتراضي تلخيصات كتاب التوحيد

الحمد لله وصلى الله على حبيب القلوب محمد
فهذا موضوع نجمع فيه -بعون الله -تلخيصات كتاب التوحيد بناء على اقتراح الإخوة والأخوات جزاهم الله عنا خيرا
وأرى أن يختار كل منا درسا ليلخصه فأعينونى بقوة
والله المستعان

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 5 جمادى الأولى 1437هـ/13-02-2016م, 04:23 AM
الصورة الرمزية جٓنّات محمّد الطيِّب
جٓنّات محمّد الطيِّب جٓنّات محمّد الطيِّب غير متواجد حالياً
برنامج الإعداد العلمي - المستوى الثامن
 
تاريخ التسجيل: May 2013
الدولة: في دار الكبَد
المشاركات: 1,584
افتراضي

باسم الله

تلخيص الدرس الأول من كتاب التوحيد



قول الله تعالى: {وماخلقت الجن و الإنس إلا ليعبدون} الذاريات.

العناصر

مسائل متعلقة بالكتاب
  • مكانة الكتاب
  • موضوع الكتاب
  • الشروح المعتمدة
  • بيان عناية المصنف بشرح توحيد الألوهية
  • معنى (كتاب) في قوله (كتاب التوحيد)
  • سبب عدم وضع المصنف خطبة للكتاب
  • ابتداء المصنف بالبسملة دون الحمدلة
  • بيان معنى البسملة
  • الفرق بين الحمد والشكر
  • معنى صلاة الله على العبد
  • معنى( الآل )في قوله (وعلى آله
  • بيان معنى التوحيد
  • أقسام التوحيد
  • التقسيم الأول
    أ: توحيد في المعرفة والإثبات
    ب:توحيد في الطلب والقص
  • التقسيم الثاني
    أ: توحيد الربوبية
    ب: توحيد الألوهية
    ج. توحيد الأسماء والصفات
  • أهمية توحيد الألوهية
  • بيان إقرار المشركين الأولين بتوحيد الربوبية
  • بيان من قصر معنى التوحيد على الربوبية
  • موقف المشركين من توحيد الألوهية
  • الشرك وأنواعه
  • بيان معنى الشرك
    أ: التقسيم الأول للشرك:أكبر وأصغر
    ب: التقسيم الثاني للشرك: أكبر وأصغر وخفي
  • ملاحظة عن التقيسمين
  • معنى التنديد وأنواعه
  • تفسير قوله تعالى:{وما خلقت الإنس والجن إلا ليعبدون}
  • الإعراب
  • المعنى الإجمالي
  • الفرق بين الإرادة الشرعية والإرادة الكونية
  • معنى العبادة
  • تعريف ابن تيمية للعبادة
  • تعريف ابن القيم للعبادة
  • مراتب العبودية
  • تفسير قوله تعالى:{ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت}
  • معنى الطاغوت وتعريفات بعض العلماء له
  • المعنى الإجمالي
  • دين الأنبياء واحد
  • تفسير قوله تعالى:{وقضى ربك ألا تعبدوا إياه }، ومناسبة الآية للباب
  • المعنى
  • مظاهر البر بالوالدين الواردة في الآية
  • تفسير قوله تعالى: {واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا} ،ومناسبة الآية للباب.
  • تفسير قوله تعالى:{ قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم}،ومناسبة الآية للباب
  • شرح أثر بن مسعود ضي الله عنه
  • الوصايا الواردة في ثلاثة الآيات المحكمات من سورة الأنعام
  • دلالة ختم الآيات ب:لعلكم تعقلون ،لعلكم تذكرون ولعلكم تتقون
  • تعريف الصراط المستقيم عند ابن القيم
  • شرح حديث معاذ بن جبل:(كنت رديف النبي صلى الله عليه وسلم)
  • معنى قوله:(أتدري ما حق الله على العباد)
  • فائدة قوله:(الله ورسوله أعلم)
  • معنى قوله: (حق العباد على الله)
  • مسألة إيجاب الله الحق على نفسه
  • ما يستفاد من قوله:(حق العباد على الله أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا)
  • الحكمة من الاقتصار على نفي الإشراك في قوله:(وحق العباد على الله ألا يعذب من لا يشرك به شيئا)
  • ما يستفاد من قوله :( أفلا أبشر الناس)
  • معنى قوله:(لاتبشرهم فيتكلوا)
  • ما يستفاد من قوله:(لا تبشرهم فيتكلوا)
  • هل النهي هنا على وجه التحريم؟
  • هل النهي عام في كل أحد؟
  • مناسبة حديث معاذ للباب
    • خلاصة


________________________________

التفصيل


مكانة الكتاب
كتاب التوحيد للإمام المصلح المجدد الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى ،كتاب فريد في تصنيفه وترتيبه وسياقته بإجماع علماء التوحيد لعدم وجود كتاب يماثله في موضوعه و لإلمامه بجلّ مسائل توحيد العبادة فلا يستغني عنه طالب العلم ألبتة لأهمية موضوعه.
وصفه بعض العلماء بأنه قطعة من صحيح البخاري لانتهاج الشيخ نهج الإمام البخاري رحمه الله في صحيحه ؛بوضع أول الترجمة آية وحديث دالين عليها ،وجعل ما يلي مفسر له من أقوال أهل العلم من الصحابة والتابعين وأئمة الإسلام .

موضوع الكتاب
موضوع الكتاب هو التوحيد ؛و يشمل بيان توحيد الألوهية والعبادة بذكر أحكامه وحدوده وشروطه وفضله وبراهينه وأصوله وتفاصيله وأسبابه وثمراته ومقتضياته، وما يقويه أو يضعفه،
وكذا بيان ضد كل ذلك ليحترس الناس من الوقوع فيه.

الشروح المعتمدة
أ: القول السديد لفضيلة الشيخ:عبد الرحمن السعدي.
ب: فتح المجيد لعبد الرحمن بن حسن آل الشيخ.
ج: شرح الشيخ صالح آل الشيخ.


بيان عناية المصنف بشرح توحيد الألوهية
أولا:
كون المصنف عاش في بيئة كثر فيها الشرك ،مع توحيد الناس لربوبية خالقهم ؛فكانت الحاجة ماسة لتبيين معنى الألوهية ومقتضياتها ووجوب توحيدها ،
فتفاوت الناس في توحيدهم منذ أيام الجاهلية الأولى كان في توحيد الألوهية على تسليمهم بتوحيد الربوبية.

ثانيا:
الألوهية صفة تعم أوصاف الكمال وجميع أوصاف الربوبية والعظمة فالله هو المألوه المعبود لما له من أوصاف العظمة والكمال ، ذكره السعدي.

ثالثا:
اعتناء المصنفين قبل الشيخ بتوحيد الربوبية وتوحيد الأسماء والصفات، فكتب الشيخ مصنفه بما استلزمه مقتضى الدعوة آنذاك.


سبب عدم وضع المصنف خطبة للكتاب
الخطبة توضح مراد المؤلف من تصنيفه لكتابه ووذكر الطريقة المنتهجة لذلك، ولما كان الكلام عن توحيد الله عز وجل المذكور في القرآن، آثر المصنف -للأدب الذي يستلزمه المقام -
ألاّ يفصل بين كلام الله الذي بوّب به لكتابه ودليله من السنة المطهرة ، وبين الكلام المفسر له، ذكره الشيخ صالح آل الشيخ.

ابتداء المصنف بالبسملة دون الحمدلة
(ذكره الشيخ صالح آل الشيخ )
-اقتداءا بالكتاب العزيز.
-عملا بحديث:((كل أمر ذا بال لا يبدأ فيه ببسم الله الرحمن الرحيم فهو أقطع))
-لأنها من أبلغ الثناء والذكر.
-لاقتصار النبي صلى الله عيه وسلم عليها في مراسلاته.
-البدء بالبسملة حقيقي وبالحمدلة نسبي إضافي.

معنى (كتاب) في قوله (كتاب التوحيد)
كتاب مصدر من كتب يكتب كتابا وكتابة ،وسمي كذلك لجمعه ما وضع له إذ أنّ مدار المادة على الجمع ،
ومنه: تكتّب بنو فلان ،أي: تجمعوا ، وكتبية لاجتماع الخيل ، والكتابة لاجتماع الحروف والكلمات .


بيان معنى البسملة
(بسم الله)
للمصاحبة وقيل للاستعانة فيكون تقديره: "بسم الله أؤلف حال كوني مستعينا بذكره متبركا به".
(والاسم)
مشتق من السمو وهو العلو وقيل من الوسم وهو العلامة يوسم به صاحبه وينوه به.
فيكون معنى (بسم الله) أي بكل اسم هو لله
(الله)
-القول الأول :أصله (الإله) حذفت الهمزة وأدغمت اللام في اللام فصارت لاما واحدة مشددة ،ذكره الكسائي وابن جرير.
-القول الثاني. مشتق أصله( الإله) وهذا قول ابن القيم وسيبويه وجمهور أصحابه، وعلى هذا يكون دالا على صفة له تعالى وهي الإلهية ،
-والاشتقاق عند النحاة باعتبار أن الأصل والفرع يتضمن أحدهما الآخر وزيادة؛فيكون (الله) اسم جامع لمعاني الأسماء والصفات العلى .
-تأويل (الله)كما عند ابن عباس:هو الذي يألهه كل شيء ويعبده كل خلق وقال أيضا: الله ذو الألوهية والعبودية على خلقه أجمعين .
(الرحمن الرحيم)
-(الرحمن) صفة إذا جاء تابعا لاسم الله ، واسمٌ إذا ورد غير تابع بل ورد علَما كما في قوله تعالى:{ الرحمن على العرش استوى} طه ،ذكره ابن القيم.
-(الرحمن) بجميع خلقه ، الرحيم بالمؤمنين، ذكره ابن جرير عن العزرميّ.
-(الرحمن) رحمن الدنيا والآخرة والرحيم رحيم الآخرة ورد في الحديث على لسان عيسى عليه السلام؟
-(الرحمن) من صفات الإحسان والبر والرأفة والحنان وهودال على الصة القائمة به سبحانه و(الرحيم) على تعلقها بالمرحوم كما في قوله تعالى:{وكان بالمؤمنين رحيما} فلم ترد قط "رحمن بهم" ، ذكره ابن القيم.


الفرق بين الحمد والشكر
قال رحمه الله( الحمد لله) أي الثناء بالكلام على الجميل على وجه التعظيم ومورده اللسان والقلب.
أما الشكر فيكون باللسان والجنان والأركان، فهو أعمّ من الحمد متعلقا وأخص سببا لأنه يكون في مقابل النعمة ،
و الحمد أعم منه سببا وأخص موردا لأنه يكون في مقابل النعمة وغيرها، فهما يجتمعان في مادة وينفرد كل واحد عن الآخر في مادة.


معنى صلاة الله على العبد
-صلاة الله على العبد هي ثناؤه عليه عند الملائكة ، ذكره البخاري عن أبي العالية وقرره ابن القيم.
-وقد تكون بمعنى الدعاء: كما في المسند عن علي مرفوعا: (الملائكة تصلي على أحدكم مادام في مصلاه): اللهم اغفر له ،الهم ارحمه ، ذكره الشيخ صالح آل الشيخ.


معنى( الآل )في قوله (وعلى آله)
المقصود بالآل: أتباعه على دينه ،نص عليه أحمد ،فيشمل الصحابة وغيره من المؤمنين.


بيان معنى التوحيد
التوحيد لغة: مصدر من وحد يوحد توحيدا ؛ أي جعل الشيء واحدا .
واصطلاحا :هو جعل المعبود واحدا وهو الله عز وجل، كما جاء في صحيح البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم لما بعث معاذ بن جبل إلى اليمن قال:
(إِنَّكَ تَأْتِي قَوْماً أَهْلَ كِتَاب،ٍ فَلْيَكُنْ أَوَّلَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ إِلى أَنْ يُوَحِّدُوا اللهَ)
-والتوحيد المطلق -كما عرفه السعدي رحمه الله -هو العلم والاعتراف بتفرد الرب بصفات الكلام ،والإقرار بتوحدّه بصفات العظمة والجلال وإفراده وحده بالعبادة.


أقسام التوحيد

التقسيم الأول: وهو نوعان ذكره ابن القيم.
أ: توحيد في المعرفة والإثبات: وهو توحيد الربوبية والأسماء والصفات؛
وهو التوحيد لعلمي الخير الذي أرساه القرآن كما في سورة الإخلاص؛ لإثبات حقيقة الرب تعالى وصفاته وأفعاله وأسمائه وإثبات عموم قضائه.

ب:توحيد في الطلب والقصد: وهو توحيد الإلهية والعبادة
وهو التوحيد الإرادي الطلبيّ كما في سورة الكافرون بالدعوة إلى عبادة الله وحده لا شريك وإلزام بطاعته وأمره ونهيه فهو حقوق التوحيد ومكملاته.

التقسيم الثاني وهو على ثلاثة أنواع:
توحيد الربوبية
معناه توحيد الله بأفعاله وهي كثيرة منها: الخلق والرزق والتدبير والإحياء والإماتة والتدبير والشفاء وغيرها من الأفعال التي ينفرد الله بها على الكمال.
كما في قوله تعالى:{أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء ويجعلكم خلفاء الأرض أإله مع الله }

توحيد الألوهية
-مِن : أله يأله إلاهة وألوهة ،يقال تألّه إذا عبد مع محبة وتعظيم.
- وسمي :توحيد الإلهية ،أي: توحيد الله بأفعال العبد ،فإذا توجه العبد بأفعاله إلى الله وحده على وجه العبودية والتعظيم فقد وحدّ الألوهية وإذا توجه بها لله ولغيره فقد أشرك.
-وإثبات الألوهية لله بأن يُشهد أنْ لا إله إلا الله ، ولا يُعبد إلا إياه والعمل بمقتضى هذه الشهادة من توكل وموالاة و عمل لأجله ،ذكره شيخ الأسلام .

توحيد الأسماء والصفات
وهو اعتقاد العبد أنّ الله سبحانه واحد في أسمائه وصفاته من غير نفي لشيء منها ولا تشبيه ولاتعطيل ولاتحريف ،لا مماثل له فيها ولا يشرك معه أحد في كمال معناها،
وإن شرك في أصل بعض منها ،قال تعالى:{ليس كمثله شيء وهو السميع البصير}
مثال: الله هو العزيز وقد يكون للمخلوق بعض من هذه الصفة بما يناسب فقره وضعفه البشري، وكذا في السمع والبصر والعلم والرحمة وغيرها .


أهمية توحيد الألوهية
توحيد الألوهية يستلزم توحيد الربوبية وتوحيد الأسماء والصفات ويتضمنهما ،فالألوهية -كما سبق في معنى الإله-هي صفة تعم أوصاف الكمال وجميع أوصاف الربوبية والعظمة التي يلزم منها استحقاقه لأن يكون المألوه المعبود.

بيان إقرار المشركين الأولين بتوحيد الربوبية
أقرّ مشركو العرب بأنّ الله وحده خالق كل شيء ،وهم مع هذا الإقرار كانوا يعبدون غيره.
قال تعالى:{وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهو مشركون}
وقال عزّ من قائل:{قل لمن ما الأرض ومن فيها إن كنتم تعلمون *سيقولون لله قل أفلا تذكرون}إلى آخر الآيات


بيان من قصر معنى التوحيد على الربوبية
اعتقاد أنّ الله وحده خلق العالم ليس هو التوحيد بل جزء منه ، وهذا الرأي قاصرٌ مال إليه بعض من أهل التصوّف والكلام ،حيث أنهم ظنّوا أنّ من أثبت بالدليل هذا الزعم فقد حقق التوحيد،
وذلك بتقريره بما يستحقه الرب من صفات وتنزيه، وهذا لا شك إن لم يشهد بأن لا إله إلا الله وحده ،مقرا باستحقاقه وحده للعبادة لا شريك له فليس موحدا، ذكره شيخ الإسلام.


موقف المشركين من توحيد الألوهية
أثبت عامة المشركين مع إقرارهم بالربوبية الشركاء لله، وسمّوهم شفعاء، فمنهم من يسجد للشمس والقمر والكواكب ويدعوها ويتقرب لها بأنواع العبادات،
ثم يقول هذا ليس بشرك إنما هي زلفى نتقرب بها من الله.
قال تعالى:{ واتخذوا من دون الله شفعاء قل أولو كانوا لا يملكون شيئا ولا يعقلون قل لله الشفاعة جميعا}


معنى الشرك وأنواعه

بيان معنى الشرك
الشرك هو اتخاذ الشريك ففيه تشريك وفي حق الله هو اتخاذ شريك لله في الربوبية أو في العبادة أو في الأسماء والصفات، وهذا الذي نهى الله عنه لأنه ضد التوحيد.


التقسيم الأول للشرك:أكبر وأصغر
الشرك الأكبر:
هو الشرك المخرج من الملة أي أن صاحبه ارتكب ناقضا من نواقض الإسلام وهو نوعان:
-منه ما هو ظاهر كشرك عباد الأوثان والأصنام والقبور والأموات.
-ومنه ما هو باطن كشرك المتوكلين على المشايخ أو على الآلهة المختلفة أو كشرك المنافقين فشركهم خفي لكنه أكبر.
-ومنه كثير الرياء فهو شرك أكبر كرياء المنافقين ، كما في قوله تعالى في وصفهم:{يراؤون الناس ولا يذكرون الله إلا قليلا}

الشرك الأصغر
ما كان وسيلة للشرك الأكبر فيه تشريك لا يبلغ أن يكون ناقضا من نواقض الإسلام فلا يخرج صاحبه من الملة وهو نوعان :
-ظاهر كلبس الحلقة والخيط وكالحلف بغير الله وتعليق التمائم وما شابه من الأقوال والأفعال.
-وباطن: ومن ذلك ما خفي منه كيسير الرياء مثل:التصنع في الصلاة والمراءاة.


التقسيم الثاني للشرك: أكبر وأصغر وخفي
-الأكبر: و هو المخرج من الملة مما فيه صرف عبادة لغير الله كما سبق.
-الأصغر: ما كان وسيلة للشرك الأكبر وليس فيه ناقض للإسلام.
-الخفي :كيسير الرياء.

هل يتعارض التقسيمان؟
لا تعارض بين التقسيمين؛ فهما متساويان متوافقان فمن ذكر الأول دخل فيه الثاني والعكس صحيح.


معنى التنديد وأنواعه
التنديد هو التشريك فكل من جعل لله ندا فقد أشرك بالله ، قال تعالى:{فلا تجعلوا لله أندادا}
وقال النبي صلى الله عليه وسلم حين سئل عن أعظم ذنب:((أن تجعل لله ندا وهو خلقك))
-منه ما هو أعظم وهو ما كان في جعل عبادة لغير الله.
-ومنه ما هو أصغر فليس فيه صرف عبادة لغير الله.


تفسير قوله تعالى:{وما خلقت الإنس والجن إلا ليعبدون}

الإعراب
ما: النافية.
إلا: للحصر والقصر.
اللام: (في ليعبدون):للعلة والغاية كون الغاية هنا قد تتحقق وقد لا تتحق.

المعنى الإجمالي
فيكون معنى الآية ما خلقت الجن والإنس لشيء أو لغاية من الغايات إلا لغاية واحدة وهي أن يعبدوني .
(يعبدون): يوحدون كما فسرها السلف الصالح.


الفرق بين الإرادة الشرعية والإرادة الكونية
الله تعالى بين لعباده الحكمة من خلقهم، وهي عبادته وهذه الإرادة الشرعية، أمّا الإرادة الكونية فكل ما أراده الله وليس للعبد فيه أي مشيئة كالخلق والرزق و الإماتة والإحياء...
فمن حقق الإرادة الشرعية اجتمعت فيه الإرادتان ،ومن عصى الله تنفرد في حقه الإرادة الكونية ،لأن الله مكنّه من ذلك قدرا ، فلا حجة له في عصيانه وقد قدم إليه بالوعيد على ألسن رسل.


معنى العبادة
العبادة لغة: هي الخضوع والذل يقال: طريق معبد أي مذلل.
وشرعا : كما في الآية هي التوحيد، أي الخضوع والذل لله مع محبة وتعظيم بامتثال أوامره ونواهيه على جهة المحبة والخوف والرجاء.
قال تعالى:{أيحسب الإنسان أن يترك سدى}،قال الشافعي:لا يُؤمر ولا يُنهى.


تعريف ابن تيمية للعبادة
-اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الاقوال الظاهرة والباطنة.
-وقال أيضا هي طاعة الله بامتثال ما أمر الله به على ألسنة الرسل .

تعريف ابن القيم للعبادة
وعبادة الرحمن:غاية حبه ____ مع ذل عابده هما قطبان
وعليهما فلك العبادة دائر ____ مادار حتى قامت القطبان
ومداره بالأمر:أمر رسوله ____ لا بالهوى والنفس والشيطان


مراتب العبودية
يرى ابن القيم أن العبادة مدارها على خمس عشرة قاعدة من كملها كمل مراتب العبودية ذلك أن العبادة منها ماهو قلبي ،قولي وجوارحي .
والأحكام التي للعبودية خمسة: واجب ومستحب وحرام ومكروه ومباح ،فيكون مجموع العبودية خمس عشرة مربتة.


تفسير قوله تعالى:{ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت}

معنى الطاغوت وتعريفات بعض العلماء له
على وزن فعلوت وهو من الطغي والطغيان، أي :كل ما جاوز الحد .
واصطلاحا:
-كل ما عبد من دون الله ، قول مالك.
-الشيطان ،قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
-كهان كانت تنزل عليهم الشياطين،قول جابر رضي الله عنه.
-الشيطان وما زينه من عبادة غير الله ،قول ابن كثير.
والحد الجامع قول ابن القيم : كل ما تجاوز به العبد حده من متبوع أو معبود أو مطاع.


المعنى الإجمالي
-أرسل الله جميع الرسل بهاتين الكلميتن:{اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت}
-وهذا معنى التوحيد الذي مداره على إثبات ونفي،
-إثبات التوحيد بعبادة لله وحده ونفيها عن كل ما سواه فلا توحيد بإثبات محض ولابنفي محض، بل يجب الإتيان بهما في آن واحد ، وهذا معنى (لاإله إلا الله).


دين الأنبياء واحد
أرسل الله الرسل والأنبياء جميعا برسالة واحدة وإن اختلفت شرائعهم . ،فمنذ أن أرسل نوح عليه وسلم حين ظهر الشرك في قومه إلى أن ختمهم بمحمد صلى الله عليه وسلمن
وكلّكهم يدعو إلى نبذ الشرك وعبادة الله وحده لا شريك له .
قال تعالى:{وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون}.


تفسير قوله تعالى:{وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا}

{وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ۚ إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا}
المعنى
قضى:أمر ووّصى كما فسرها عدد من الصحابة ،والقضاء هنا قضاء شرعي قد يتحقق وقد لا يتحقق.
ألا تعبدوا إلا إياه: تعبدونه وحده ولا تعبدون أحد سواه، وفيه دلالة على التوحيد بالجمع بين النفي والإثبات كما سبق شرحه.
وبالوالدين إحسانا: أي أن الله قضى بوجوب الإحسان للوالدين.

مظاهر البر بالوالدين الواردة في الآية
-عدم إسماعهم السيئ من القول وقد عدت الآية التأفف من القول السيئ.
-عدم نهرهما وبما يصدر من فعل قبيح.
-معاملتهما بالحسن من الفعل والقول خاصة في كبرهما.

تفسير قوله تعالى:{واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا}
{وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ}

تسمى هذه الآية من سورة النساء آية الحقوق العشرة، يأمر الله عز وجل في مستهلها عباده بأحق الحقوق وهو حق الله تعالى بعبادته وحده لا شريك له ،
-ففيها جمع التوحيد بين الإثبات والنفي.
-وفيها نهي عن جميع أنواع الشرك لورود كلمة شيء نكرة سواء كان شركا أصغر أو أكبرأو خفيا .

تفسير قوله تعالى:{ قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم}
{قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلاَدَكُم مِّنْ إمْلاَقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلاَ تَقْرَبُواْ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ}الآيات.

-وهي الآيات الثلاث المحمكات من سورة الأنعام من 151إلى 153.
-استهلها بوجوب إخلاص العبادة لله من الشرك مهما كان الشريك لذا وردت (شيئا) منكرة فيهذه الآية كذلك.

شرح أثر بن مسعود ضي الله عنه

قال ابن مسعود رضي الله عنه:(من أراد أن ينظر إلى وصية محمد صلى الله عليه وسلم التي عليها خاتم ،فليقرأ قوله تعالى:{قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم }إلى آخر الآيات
أي: لو أن النبي صلى الله عليه وسلم قُدّر له أن يكتب وصية قبل وفاته ويختم عليها-لأن الكتاب إذا ختم عليه لايزاد عليه ولا ينقص-لكانت هاته الآيات،
وهذا من ابن مسعود للدلالة على عظم شأنها من جهة وعلى وفقهه رضي الله عنه، إذ أنّ التمسك بالكتاب كلّه، هو وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم.


الوصايا التي وصى الله بها على لسان رسوله في ثلاثة الآيات المحكمات

-تحريم الشرك في قوله:{ألا تشركوا به شيئا}.
-الإحسان بالوالدين،في قوله:{وبالوالدين إحسانا}.
-تحريم قتل الأولاد خشية الإملاق ،في قوله:{ولا تقتلوا أولادكم من إملاق نحن نرزقكم وإياهم}.
-تحريم الاقتراب من الفواحش-المعاصي- الظاهرة والباطنة في قوله :{ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن}
-تحريم قتل النفس غير وجه حق ،في قوله:{ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلابالحق}.
-تحريم أكل مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن إلى أن يبلغ الرشد ،في قوله:{ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن حتى يبلغ أشده}.
-الوفاء بالقسط في الكيل والميزانقدر المستطاع، في قوله تعالى:{وأوفوا الكيل والميزان بالقسط لا نكلف نقسا إلا وسعها}.
-العدل بالقول والفعل مع القريب والبعيد في قوله:{وإذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قربى}.
-الوفاء بعهد الله بالعمل بكتابه وسنة نبيه ، فعلا للأوامر وتركا للنواهي ،في قوله:{وبعهد الله أوفوا}.
-اتباع الطريق المستقيم الذي لا اعوجاج الموصل إلى الله وكل الطرق المتشعبة منه مآلها إلى النار ،في قوله: {وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه}الآية


دلالة ختم الآيات ب:لعلكم تعقلون ،لعلكم تذكرون ولعلكم تتقون.
(لعلكم) للتعليل أي أن الله وصى بهذه الوصايا لنعقلها عنه ونعمل بها.
ودلالة الترتيب هي أن العباد إذا عقلوا ،تذكروا ،فإذا تذكروا خافوا واتقوّا ،ذكره الطبري.

تعريف الصراط المستقيم عند ابن القيم
هو الطريق الموصل إلى الله المُبيَّن على ألسن رسله ، وما تشعب منه من طرق فهو مسدود على الخلق .
وهو تجريد التوحيد والمتابعة :فالأول يكون حبا لله بالقلب ، ويحصل يتحقيق شهادة أن لا إله إلا الله .
والثاني يكون بالسعي والجهد لإرضائه، ويحصل بتحيقيق شهادة أن محمدا رسول الله ،وأي شيء فسر به الصراط فهو متضمن لهذين الأصلين.

شرح حديث معاذ بن جبل:(كنت رديف النبي صلى الله عليه وسلم)

ما يستفاد من قوله: (كنت رديف النبي على الله عليه وسلم على الحمار)
-تواضع النبي صلى الله عليه وسلم لركوب الحمار مع الإرداف عليه.
- جواز الإرداف على الحمار.
.
معنى قوله:(أتدري ما حق الله على العباد؟)
أي ما يستحقه الله من عباده ، وجاء بصيغة الاستفهام ليكون أوقع في النفس وأبلغ في الفهم.

فائدة قوله:(الله ورسوله أعلم)
فيه حسن أدب من المتعلم ،وأنه ينبغي على من سئل عن شيء يجهله أن يقول "لا أعلم" ولا يتكلف الإجابة.

معنى قوله: (حق العباد على الله )
سماه (حقا )لأنه متحقق لا محالة،جزاءا للعباد على توحيدهم لله ، لأن الله لا يخلف الميعاد، وإلاّ فإن المطيع يستحق الجزاء استحقاق إنعام وفضل ليس استحقاق مقابلة ، ذكره شيخ الإسلام


مسألة إيجاب الله الحق على نفسه
قول المعتزلة والجبرية والقدرية:يدعون أن العباد أطاعوا الله بدون أن يجعلهم مطيعين له،فيستحقوا الجزاء فيكون بذلك واجبا عليه بالقايس على المخلوق.

قول آخر: من الناس من يثبتون استحقاقا زائدا على استحقاق الإنعام والفضل كما في قوله:{وكان حقا علينا نصر المؤمنين}.

قول أهل السنةّ: أن الله هو الذي كتب على نفسه الرحمة، كما حرّم على نفسه الظلم، كذلك أوجب على نفسه الحق ولم يوجبه عليه مخلوق، فالحق هنا متحقق لا متعيّن ،وهذا هو الصواب.

ما يستفاد من قوله:(حق العباد على الله أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا)
يستفاد منه أنّ العبادة هي التوحيد؛ لأن من عبد الله دون تجرده من الشرك لم يأت بعبادة الله وحده فيكون بذلك مشركا غير موحد.
كما ورد في الحديث القدسي:(إني والجن والإنس في نبإ عظيم ، أخلق ويعبد غيري ،وأرزق ويشكر سواي ،خيري إلى العباد نازل ،وشرهم إلي صاعد ،أتحبب إليهم بالنعم ،ويتبغضون إلي بالمعاصي)

الحكمة من الاقتصار على نفي الإشراك في قوله:(وحق العباد على الله ألا يعذب من لا يشرك به شيئا)
اقتصر على نفي الإشراك لأنه يقتضي التوحيد وإثبات الرسالة باللزوم ،فمن كذب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد كذب الله تعالى ،ويكون بهذا التكذيب مشركا ،ذكره الحافظ.

ما يستفاد من قوله :( أفلا أبشر الناس)
-استحباب بشارة المسلم بما يسره.

معنى قوله:(لا تبشرهم فيتكلوا)
الاعتماد على هذه البشارة قد يؤدي الى الاتكال وترك التنافس في الأعمال لذا نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم معاذ عن التبشير بها.

ما يستفاد من قوله:(لا تبشرهم فيتكلوا )
-جواز كتمان العلم للمصلحة.
-جواز تخصيص بعض الناس بالعلم دون بعض.
-فضيلة معاذ بن جبل.

هل النهي على وجه التحريم؟
النهي هنا ليس على وجه التحريم لأن معاذ أخبر بها عند موته تأثما،فالمصلحة اقتضت وقتها ألا يخبر الرسول صلى الله عليه وسلم بها إلا معاذا .

هل النهي عام في كل أحد؟
لم يكتم معاذ البشارة إلا على جاهل يصدق فيه ظن النبي صلى الله عليه وسلم بالاتكال عليها فيحمله جهله على التقاعس وسوء الأدب بترك الطاعة.
أما الأكياس الذين لا تزيدهم النعم إلا شكرا وطاعة فلا يخصهم النهي.

مناسبة حديث معاذ للباب
لا سبيل للنجاة من عذاب الله إلا بتوحيده وإخلاص العبادة له وتنزيهه عن الند والشريك ،وهذا ظاهر في قوله:(أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا).

خلاصة [list]
*توحيد الله هو حق الله على العباد ،بأن يعبدوه وحده ولا يشركوا بعبادته شيئا.
*التوحيد هو رسالة الرسل والأنبياء جميعهم على اختلاف شرائعهم.
*أهمية فهم توحيد الألوهية لأن الشرك كثيرا ما يكون في هذا القسم من التوحيد.
*أهمية معرفة الشرك وأنواعه واتقائه لتحقيق التوحيد وتكميله.
*تحقيق التوحيد هو السبيل للنجاة من عذاب الله.

رد مع اقتباس
  #3  
قديم 6 جمادى الأولى 1437هـ/14-02-2016م, 08:23 PM
صفاء الكنيدري صفاء الكنيدري غير متواجد حالياً
برنامج الإعداد العلمي - المستوى الثامن
 
تاريخ التسجيل: Aug 2014
المشاركات: 728
افتراضي

بسم الله الرحمن الرحيم
الدرس الثاني
باب بيان فضل التوحيد وما يكفر من الذنوب
- وَقَوْلِ اللهِ تَعَالَى: {الَّذِينَ ءامَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الأَمنُ وَهُم مُّهتَدُونَ}[الأَنْعَام:82].
- وَعَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ شَهِدَ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَأَنَّ عِيسَى عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ، وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِِنْهُ، وَالْجَنَّةَ حَقٌّ، وَالنَّارَ حَقٌّ، أَدْخَلَهُ اللهُ الْجَنَّةَ عَلَى مَا كَانَ مِنَ الْعَمَلِ" أَخْرَجَاهُ. - وَلَهُمَا فِي حَدِيثِ عِتْبَانَ: "فَإِنَّ اللهَ حَرَّمَ عَلَى النَّارِ مَنْ قَالَ: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ؛ يَبْتَغِي بِذَلِكَ وَجْهَ اللهِ" .
- وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "قَالَ مُوسَى: يَا رَبِّ عَلِّمْنِي شَيْئًا أَذْكُرُكَ وَأَدْعُوكَ بِهِ. قَالَ: قُلْ يَا مُوسَى: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ. قَالَ: كُلُّ عِبَادِكَ يَقُولُونَ هَذَا ؟ قَالَ: يَا مُوسَى، لَوْ أَنَّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعَ وَعَامِرَهُنَّ غَيْرِي وَالأَرَضِينَ السَّبْعَ فِي كِفَّةٍ، وَلاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ فِي كِفَّةٍ، مَالَتْ بِهِنَّ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ" رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ.
- وَلِلتِّرْمِذِيِّ - وَحَسَّنَهُ - عَنْ أَنَسٍ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "قَالَ اللهُ تَعَالَى: يَا ابْنَ آدَمَ، إِنَّكَ لَوْ أَتَيْتَنِي بِقُرَابِ الأَرْضِ خَطَايَا، ثُمَّ لَقِيتَنِي لاَ تُشْرِكُ بِي شَيْئًا، لأََتَيْتُكَ بِقُرَابِهَا مَغْفِرَةً".


التلخيص:
*معنى قول المصنف: (وما يكفر من الذنوب)
-قيل في معناه:
-أن (ما) يجوز أن تكون موصولة، والعائد محذوف، والمعنى : وبيان الذي يكفر من الذنوب.
-أن (ما) يجوز أن تكون مصدرية، أي: وتكفيره الذنوب، وهذا أظهر.
*مناسبة الباب لما قبله
-لما بين المصنف-رحمه الله-أهمية التوحيد وأنه أعظم الحقوق التي يجب الاعتناء بها، ناسب أن يذكر في هذا الباب فضله وآثاره؛ ترغيباً في تكميله، وتحذيراً من ضده.
*فضائل التوحيد
توحيد الله عز وجل له العديد من الفضائل التي لا يمكن حصرها ونذكر منها:
-السبب الأعظم لتفريج كربات الدنيا والآخرة ودفع عقوبتهما.
-من أجل فوائده أنه يمنع الخلود في النار، وإذا كمل في القلب يمنع دخول النار بالكلية.
-يحصل لصاحبه الهدى الكامل والأمن التام في الدنيا والآخرة.
-السبب الوحيد لنيل رضا الله عز وجل.
-ينال به شفاعة الحبيب صلى الله عليه وسلم إذا قالها خالصاً من قلبه.
-من أعظم فضائله أن جميع الأعمال والأقوال الظاهرة والباطنة متوقفة في قبولها وكمالها وفي ترتيب الثواب عليها على التوحيد.
-من أعظم فضائله أنه يحرر العبد من رق المخلوقين، والتعلق بهم، وخوفهم ورجائهم، والعمل لأجلهم.
-أن التوحيد إذا كمل في القلب وتحقق تحققاً كاملاً بالإخلاص التام، فإنه يصير القليل من عمله كثيراً، وتضاعف أعماله وأقواله بغير حصر ولا حساب.
*تفسير قوله تعالى: {الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون}
-المعنى الإجمالي للآية
أن من آمن بالله عز وجل وأخلص له العبادة، ولم يظلم نفسه بالشرك وغيره من أنواع الظلم، كان له الأمن التام والاهتداء التام في الدنيا والآخرة.
-أقوال العلماء في تفسير الآية
-قال ابن جرير، عن الربيع بن أنس قال: الإيمان الإخلاص لله وحده.
-قال ابن كثير: أن الذين أخلصوا العبادة لله وحده، ولم يشركوا به شيئاً هم الآمنون يوم القيامة، المهتدون في الدنيا والآخرة.
-قال ابن زيد وابن إسحاق: هذا من الله على فصل القضاء بين إبراهيم وقومه.
-وعن ابن مسعود قال: لما نزلت الآية، قالوا: فأينا لم يظلم نفسه؟ قال عليه الصلاة والسلام: {إن الشرك لظلم عظيم}
-مسألة: الإشكال الذي ورد على الصحابة في الآية؟
قال شيخ الإسلام: الذي شق عليهم أن الظلم المشروط هو ظلم العبد نفسه، وأنه لا أمن ولا اهتداء إلا لمن لم يظلم نفسه، فبين لهم النبي صلى الله عليه وسلم أن الظلم ذكر في كتاب الله بأنه الشرك، فلا يحصل لهم الأمن والاهتداء إلا لمن لم يلبس إيمانه بظلم، فيكون بذلك من أهل الأمن والاهتداء، كما كان من أهل الاصطفاء، كما في قوله تعالى: {ثم أورثنا الكتاب الذي اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه...}الآية، وهذا لا ينفي أن يؤاخذ أحدهم بذنبه إذا لم يتب، كما قال تعالى: {فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره()ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره} .
وقال ابن القيم: لما أشكل عليهم المراد بالظلم فظنوا أن ظلم النفس داخل فيه، وأن من ظلم نفسه أي ظلم كان لم يكن آمناً ولا مهتدياً، أجابهم صلوات الله وسلامه عليه بأن الظلم الرافع للأمن والهداية على الإطلاق هو الشرك ، فإن الظلم المطلق التام هو الشرك، الذي هو وضع العبادة في غير موضعها، والأمن والهدى المطلق هو الأمن في الدنيا والآخرة، والهدى إلى الصراط المستقيم، فالظلم المطلق التام، رافع للأمن والهدى المطلق التام.
-المراد بالظلم
قيل في المراد بالظلم قولان:
-القول الأول: جميع أنواع الظلم، من الشرك ،وظلم الإنسان لنفسه، وظلمه لغيره، قاله ابن تيمية، وذكره صالح آل الشيخ.
-القول الثاني: مطلق الشرك.
-أنواع الظلم
-الشرك، وهو أعظم الظلم وأقبح الظلم ؛ لأنه في حق الله عز وجل، كما ورد في الحديث: (أن تجعل لله نداً وهو خلقك)
-ظلم الإنسان لنفسه بأنواع المعاصي والمنكرات ، وكذلك أن لا يعطيها حقها، فيكلف نفسه ما لا تطيق.
-ظلم الإنسان لغيره بالاعتداء عليهم في أنفسهم وأموالهم.
- مسألة: في قوله: (إنما هو الشرك)
قال ابن تيمية:
-إن كان المقصود الشرك الأكبر، فهذا يعني : أن من سلم من الشرك الأكبر سلم من العذاب الذي وعد الله به المشركين فيكون آمن من العذاب .
-إن كان المراد جنس الشرك، فيقال ظلم العبد نفسه، كبخله لحب المال ببعض الواجب، هو شرك أصغر، وحبه ما يبغضه الله تعالى حتى يقدم هواه على محبة الله شرك أصغر، ونحو ذلك، فهذا فاته من الأمن والاهتداء بحسبه ولهذا كان السلف يدخلون الذنب في هذا الشرك بهذا الاعتبار.
-المراد بالأمن في الآية
هو الأمن التام في الدنيا، والمراد به أمن القلب وعدم حزنه على غير الله عز وجل.
مسألة: العلاقة بين الأمن والاهتداء وحصول الظلم
-إذا فسر الظلم بأنه الشرك، فإن الأمن والاهتداء ينقص بقدر ارتكاب العبد لأي نوع من أنواع الشرك؛ لأنه بارتكاب الشرك ينقص التوحيد.
-إذا فسر الظلم بأنه جميع أنواع الظلم، فإن هناك مقابلة بين الأمن والاهتداء وحصول الظلم، فكلما انتفى الظلم وجد الأمن والاهتداء، كلما كمل التوحيد وانتفت المعصية عظم الأمن والاهتداء، وإذا زاد الظلم قل الأمن والاهتداء بحسب ذلك ، وهذا يعني: أن من سلم من أجناس الظلم الثلاثة: الشرك، وظلم العباد، وظلمه لنفسه بما دون الشرك كان له الأمن والاهتداء التام في الدنيا والاخرة، ومن لم يسلم من ظلمه لنفسه، كان له الأمن والاهتداء مطلقاً، بمعنى أنه لا بد له من دخول الجنة كما وعد بذلك، وقد هدي إلى الصراط المستقيم، ويحصل له من نقص الأمن والاهتداء بحسب ما نقص من إيمانه بظلمه لنفسه ، وهذا القول عن ابن تيمية.
-وجه الدلالة في الآية
قوله {بظلم} نكرة في سياق{لم يلبسوا} وهذا يدل على عموم أنواع الظلم، لأن النكرة في سياق النفي أو النهي تدل على العموم، ولكن المراد بالعموم هنا العموم الذي يراد به الخصوص وهو أن يكون لفظه عام، لكن يراد به الخصوص، ولذلك كان المراد بالظلم نوع خاص وهو الشرك بأنواعه، وليس المراد أنواع الظلم كلها.

*شرح حديث عبادة بن الصامت: (من شهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له...)
-منزلة الحديث
قال النووي: الحديث عظيم، جليل الموقع، وهو من أجمع الأحاديث المشتملة على العقائد.
-ترجمة الراوي
عُبَادَةُ بنُ الصَّامِتِ بنِ قَيْسٍ الأنصارِيُّ الخَزْرَجِيُّ أبو الوليدِ، أَحَدُ النُّقَبَاءِ، بَدْرِيٌّ مشهورٌ ماتَ بالرَّمْلَةِ سَنَةَ أربعٍ وثلاثينَ ولهُ اثنتانِ وسبعونَ سَنَةً؛ وقِيلَ: عَاشَ إِلَى خِلاَفَةِ مُعَاوِيَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.
-مناسبة الحديث للباب
من فضل التوحيد على أهله، أن الله يدخل الموحد الجنة ولو كان مقصراً في العمل، وعنده ذنوب وعصيان، والشاهد قوله: (على ما كان من العمل)
- المراد بقوله: (من شهد أن لا إله إلا الله)
-المراد بذلك: أي: من تكلم بها عارفاً لمعناها، عاملاً بمقتضاها ظاهراً وباطناً، كما قال تعالى: {فاعلم أنه لا إله إلا الله}، وقوله: {إلا من شهد بالحق وهم يعلمون}.
-أما النطق بها من غير معرفة لمعناها ولا يقين ولا عمل بما تقتضيه من نفي الشرك وإخلاص القول والعمل، قول القلب واللسان، وعمل القلب والجوارح فغير نافع بالإجماع، ذكره الشيخ عبد الرحمن آل الشيخ.
-معنى لا إله إلا الله
أي: لا معبود بحق إلا الله.
-فدلت كلمة التوحيد على إثبات العبادة لله وحده، ونفي العبادة عما سواه ، وهذا معنى قوله في الحديث: (وحده لا شريك له ) وحده تأكيداً للإثبات، لا شريك تأكيداً للنفي قاله: الحافظ.
من الآيات الدالة على ذلك:
-قوله تعالى: {وَإِلَـهُكُمْ إِلَـهٌ وَاحِدٌ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الرَّحْمَـنُ الرَّحِيمُ}
-وقوله: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلاَّ نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدُونِ}[الأنبياء:25]
-وقوله: {وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَـهٍ غَيْرُهُ}[الأعراف:65]، فأَجَا

- بعض نصوص العلماء في معنى الإله والإلهية
قَالَ شَيخُ الإسْلاَمِ: الإلَهُ هوَ المَعْبودُ المُطَاعُ؛ فإنَّ الإلَهَ هوَ المأْلُوهُ، والمأْلُوهُ هوَ الذي يَسْتَحِقُّ أنْ يُعْبَدَ، وكَوْنُهُ يَسْتَحِقُّ أنْ يُعْبَدَ هوَ بما اتَّصَفَ بِهِ مِن الصِّفاتِ التي تَسْتَلْزِمُ أنْ يَكُونَ هوَ المَحْبوبَ غَايَةَ الْحُبِّ، المَخْضُوعَ لَهُ غَايَةَ الخُضُوعِ
-. وقالَ ابنُ القَيِّمِ: الإلَهُ هوَ الذي تَأْلَهُهُ القُلُوبُ مَحَبَّةً وإِجْلاَلاً وَإِنَابَةً، وإِكْرَامًا وتَعْظِيمًا، وذُلاًّ وخُضُوعًا، وخَوْفًا ورجاءً، وتَوَكُّلاً.
وقالَ ابنُ رَجَبٍ: الإلهُ هوَ الذي يُطاعُ فَلاَ يُعْصَى؛ هيبةً لهُ وإجلالاً، ومَحَبَّةً وخَوْفًا ورَجَاءً، وتَوَكُّلاً عَلَيْهِ، وسُؤَالاً منهُ ودُعاءً لهُ، ولاَ يَصْلُحُ ذلك كُلُّهُ إلاَّ للهِ عَزَّ وجَلَّ، فَمَنْ أَشْرَكَ مَخْلُوقًا فِي شَيْءٍ مِنْ هذِهِ الأُمُورِ التي هيَ مِنْ خَصَائِصِ الإلَهِيَّةِ كَانَ ذلكَ قَدْحًا في إِخْلاَصِهِ في قَوْلِ (لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ)، وكَانَ فيهِ مِنْ عُبُودِيَّةِ المَخْلُوقِ بِحَسَبِ مَا فيهِ مِنْ ذلكَ.
-قال الشارح: أجمع العلماء أن المراد بالإله المعبود، خلافاً لما يعتقده عباد القبور وجهلة المتكلمين، من أن معناه: هو الخالق والقادر على الاختراع ونحو ذلك من الأقوال الخاطئة في تفسيرها، لأنهم يظنون أنهم إذا قالوها فقد أتوا من التوحيد بالغاية القصوى، ولو فعلوا ما فعلوا من عبادة غير الله، كدعوة الأموات والاستغاثة بهم، وما شعروا أن مشركي العرب وغيرهم من المشركين يشاركونهم في الإقرار بهذا المعنى، ويعتقدون أن الله الخالق القادر على الاختراع.
-مسألة: هل يكفي التلفظ بالشهادة من غير معرفة لمعناها؟
لا يكفي مجرد التلفظ بالشهادتين؛ بل لا بد من استيقان القلب.
-وهذا يدل على فساد المرجئة القائلين بأن التلفظ بها كافٍ في الإيمان، والحديث يدل على فساده؛ لأنه قال: (من شهد)، فإن الشهادة لا تصلح إلا إذا كانت عن علم ويقين.
- هل يكفي النطق بالشهادتين عن العمل واليقين ؟
لا إله إلا الله لا تنفع إلا من عرف مدلولها نفياً وإثباتاً، واعتقد ذلك وقبله وعمل به، ومن قالها عن غير علم واعتقاد وعمل، فأنه جهل صرف، وهو حجة عليه بلا ريب، فقوله في الحديث: (وحده لا شريك له) تأكيد وبيان لمضمون معناها.
-معنى الحصر في كلمة التوحيد
قال الوزير في الإفصاح: في قوله تعالى: {فاعلم أنه لا إله إلا الله} قال: اسم {الله} مرتفع بعد{ إلا} من حيث أنه الواجب له الإلهية، فلا يستحقها غيره سبحانه، وقال: جملة الفائدة من ذلك أن تعلم أن هذه الكلمة مشتملة على الكفر بالطاغوت والإيمان بالله، فإنك لما نفيت الإلهية وأثبت الإيجاب لله تعالى كنت ممن كفر بالطاغوت وآمن بالله.
-معنى قوله: (وأن محمداً عبده ورسوله)
أي: شهد بذلك، وهو معطوف على ما قبله على نية تكرار العامل.
ومعنى(العبد) هنا المملوك العابد، أي: أنه مملوك لله تعالى، والعبودية الخاصة وصفه، كما قال تعالى: { أليس الله بكاف عبده}، فأعلى مراتب العبد العبودية الخاصة والرسالة، والنبي صلى الله عليه وسلم أكمل الخلق في هاتين الصفتين، وأما الربوبية والإلهية فهما حق لله وحده.
-قوله(عبده ورسوله) دفعاً للإفراط والتفريط ، فإن كثيراً ممن يدعي أنه من أمته أفرط بالغلو قولاً وفعلاً، وفرط بترك متابعته، واعتمد على الآراء المخالفة لما جاء به، وتعسف في تأويل أخباره وأحكامه بصرفها عن مدلولها والصدف عن الانقياد لها مع اطراحها، فإن شهادة أن محمداً عبده ورسوله تقتضي الإيمان به، وتصديقه، وطاعته فيما أمر، واجتناب ما نهى عنه وزجر.
-معنى قوله: (وأن عيسى عبد الله ورسوله)
أي: لا بد أن يشهد أن عيسى عبد الله ورسوله عن علم ويقين بأنه مملوك لله، خلقه من أنثى بلا ذكر، كما قال تعالى:{إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ}[
-فلا يصح إسلام العبد حتى يتبرأ من قول اليهود والنصارى في عيسى عليه السلام، ويعتقد أنه عبد الله ورسوله.
- سبب تسمية عيسى (كلمته)
سمي عيسى عليه السلام كلمته لوجوده بقوله(كن)، وهذا قول السلف من المفسرين.
قال الإمام أحمد في الرد على الجهمية: الكلمة التي ألقاها إلى مريم حين قال له (كن) فكان عيسى(بكن) وليس هو(كن) فكن من الله قولاً وليس(كن) مخلوقاً فكذب النصارى واليهود في عيسى عليه السلام.
وقال ابن كثير: خلقه بالكلمة التي أرسل بها جبريل عليه السلام إلى مريم، فنفخ من روحه بأمر ربه عز وجل، فكان عيسى بإذن الله، فهو ناشئ عن الكلمة التي قال له (كن) فكان، والروح التي أرسل بها جبرائيل عليه السلام.
-معنى قوله: (روح منه)
قال أبي بن كعب: عيسى روح من الأرواح التي خلقها الله واستنطقها بقوله: {ألست بربكم قالوا بلى}، بعثه الله إلى مريم فدخل فيها.
وقال الحافظ: وصفه بأنه منه: أي أنه كائن منه، فهو كسائر المخلوقات التي أوجدها الله وخلقها بقدرته وحكمته، كما قال تعالى: {وسخر لكم ما في السماوات وما في الأرض جميعاً منه}أي: أوجدها وخلقها بقدرته وحكمته.
قال شيخ الإسلام: المضاف إلى الله عز وجل، إذا كان معنى لا يقوم بنفسه ولا بغيره من المخلوقات وجب أن يكون صفة لله تعالى قائمة به، وامتنع إضافتها إضافة مخلوق مربوب، وإن كان المضاف عيناً قائمة بنفسها، كعيسى وجبرائيل وأرواح بني آدم، امتنع أن تكون صفة لله تعالى، والأعيان المضافة إلى الله على وجهين:
-أحدهما: أن تضاف إلى الله لكونه خلقها وأبدعها، فهذا شامل لجميع المخلوقات، كقولهم: سماء الله.
-الثاني: أن يضاف إليه لما خصه به من معنى يحبه ويأمر به ويرضاه، كما خص البيت العتيق بعبادة فيه لا تكون في غيره.
-معنى قوله: (والجنة حق والنار حق)
أي: شهد بأن الجنة والنار حق ثابتة لا شك فيها.
كما قال تعالى: {سابقوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها كعرض السماء والأرض أعدت للذين آمنوا بالله...} الآية.
وقوله: {فاتقوا النار التي وقودها الناس والحجارة أعدت للكافرين}
-المراد بقوله: (على ما كان من العمل)
قيل المراد: أي من صلاح أو فساد، قاله الحافظ.
وقيل: يحتمل أن المعنى: أن أهل الجنة يدخلون الجنة على حسب أعمال كل منهم في الدرجات.
-ذكره عبد الرحمن آل الشيخ.
-وقال الشيخ صالح في معناها: على الذي كان عليه من العمل، ولو كان مقصراً وعنده ذنوب وعصيان، فبفضل توحيده لله، وشهادته له بالوحدانية، ولنبيه بالرسالة، ونفي إشراك المشركين بعيسى، وإقراره بالغيب، والبعث، فمن فضل الله عليه أن يدخله الجنة ولو كان مقصراً.

-شرح حديث عتبان: (فإن الله حرم على النار من قال: لا إله إلا الله...)
-تخريج الحديث
-أخرجه البخاري ومسلم.
-المراد بقوله: (من قال)
المراد بالقول: الذي معه تمام الشروط، كقول النبي صلى الله عليه وسلم: (الحج عرفة) يعني: إذا أتى ببقية الأركان والواجبات.
-معنى التحريم في قوله (حرم على النار)
تحريم النار في النصوص على درجتين:
-تحريم مؤبد، يقتضي أنه لا يدخلها بمغفرة الله له، أو يكون من الذين يدخلون الجنة بلا حساب ولا عذاب.
-تحريم بعد أمد، لا يخلد فيها، أي: ربما يدخلها ثم يحرم عليه البقاء فيها.
-ذكره صالح آل الشيخ، وقال الحديث يحتمل المعنيين.
-قول شيخ الإسلام في معنى الحديث
قال الشيخ الإسلام الحديث فيمن قالها ومات عليها، كما جاءت مقيدة بقوله: (خالصاً من قلبه غير شاك فيه بصدق ويقين)، فإن حقيقة التوحيد انجذاب الروح إلى الله جملة، فمن شهد أن لا إله إلا الله خالصاً من قلبه دخل الجنة؛ لأنه إذا قالها بإخلاص ويقين تام لم يكن مصراً على ذنب، فإن كمال إخلاصه ويقينه يوجب أن يكون الله أحب إليه من كل شيء، فلا يبقى في قلبه إرادة لما حرم الله، ولا كراهة لما أمر الله، فهذا الذي يحرم على النار وإن كانت له ذنوب قبل ذلك.
-وجه الدلالة
من قال لا إله إلا الله، بشروطها ولوازمها يبتغي بذلك وجه الله، تفضل الله عليه وأعطاه ما يستحقه، من أنه حرم عليه النار، وهذا من فضل التوحيد على أهله.
-الفوائد من الحديث
-لا يكفي في الإيمان النطق من غير اعتقاد.
-تحريم النار على أهل التوحيد الكامل.
-أن العمل لا ينفع إلا إذا كان خالصاً لله تعالى على ما شرعه على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم.

*شرح حديث سعيد الخدري: (قال موسى : يا رب علمني شيئاً أذكرك وأدعوك به...)
-ترجمة الراوي
أبو سَعِيد: اسْمُهُ سَعْدُ بنُ مالكِ بنِ سِنَانِ بنِ عُبَيْدٍ الأنْصارِيُّ الخَزْرَجِيُّ، صَحَابِيٌّ جَليلٌ وأَبُوهُ كذلكَ، اسْتُصْغِرَ أبو سعيدٍ بِأُحُدٍ، وشَهِدَ مَا بَعْدَها، مَاتَ بالمَدِينَةِ سَنَةَ ثَلاَثٍ أَوْ أَرْبَعٍ أَوْ خَمْسٍ وسِتِّينَ، وقيلَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وسبعينَ.
-معنى(أذكرك وأدعوك به)
أذكرك: أثني عليك.
أدعوك: أسألك.
-معنى قوله: (وعامرهن غيري)
هو بالنَّصبِ، عَطْفٌ عَلَى السَّمَاواتِ، أي: لو أنَّ السَّمَاواتِ السَّبْعَ ومَن فيهِنَّ من العُمَّارِ غيرِ اللهِ والأرَضِينَ السَّبْعَ ومَن فيهِنَّ وُضِعُوا في كِفَّةِ المِيزانِ، ولا إلهَ إلا اللهُ في الكِفَّةِ الأُخْرَى، مالَتْ بهِنَّ لا إلهَ إلا اللهُ
-معنى( مالت بهن) أيْ رَجَحَتْ، وذلكَ لِمَا اشْتَمَلَتْ عليهِ مِنْ نفيِ الشركِ وتوحيدِ اللهِ، الذي هوَ أَفْضَلُ الأعمالِ وأساسُ المِلَّةِ والدِّينِ، فَمَنْ قَالَها بإخْلاَصٍ ويَقِينٍ وعَمِلَ بِمُقْتَضَاهَا ولَوَازِمِها وحُقُوقِهَا، واسْتَقَامَ عَلَى ذَلِكَ، فهذِهِ الحَسَنَةُ لاَ يُوازِنُها شيءٌ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ
-وجه الدلالة: أنه لو تُصُوِّرَ أن ذنوب العبد بلغت ثقل السموات السبع، وثقل ما فيها من العبَّاد والملائكة، وثقل الأرض؛ لكانت لا إله إلا الله مائلة بذلك الثقل من الذنوب، وهذا هو الذي دل عليه حديث البطاقة وهذا الفضل العظيم لكلمة التوحيد إنما هو لمن قويت في قلبه؛ ذلك أنها في قلب بعض العباد تكون قوية؛ لأنه مخلص فيها، مصدّق، لا ريب عنده فيما دلت عليه، معتقد ما فيها، محب لما دلت عليه، فيقوى أثرها في القلب ونورها، وما كان كذلك فإنها تحرق ما يقابلها من الذنوب، وأما من لم يكن من أهل تمام الإخلاص فيها، فإنه لا تطيش له سجلات الذنوب.
الفوائد من الحديث
-دل الحديث أن لا إله إلا الله أفضل الذكر.
-فيه دلالة على أن أهل الرفعة في الدين والإخلاص والتوحيد ينبهون على مسائل في التوحيد.
-أن الأعمال لا تتفاضل بصورها وعددها، وإنما تتفاضل بما في القلوب، كما دل على ذلك حديث البطاقة.

*شرح حديث أنس: ( يا ابن آدم، إنك لو أتيتني بقراب الأرض خطايا...)
-ترجمة الراوي
أَنَسٌ: هوَ ابنُ مالكِ بنِ النَّضْرِ الأنصاريُّ الخَزْرَجِيُّ؛ خَادِمُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، خَدَمَهُ عَشْرَ سِنِينَ، وقَالَ لهُ: "اللهُمَّ أَكْثِرْ مَالَهُ وَوَلَدَهُ، وَأَدْخِلْهُ الجَنَّةَ" ، مَاتَ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ، وقيلَ: ثَلاَثٍ وتِسْعِينَ، وقَدْ جَاوَزَ المِائَةَ.
-معنى قوله: (بقراب الأرض)
أي: ملؤها أو ما يقارب ملئها.
-معنى قوله: (ثم لقيتني لا تشرك بي شيئاً)
أي: أن الشرط لحصول المغفرة، هو السلامة من الشرك بجميع أنواعه، قليلاً كان أو كثيراً، ولا يسلم من ذلك إلا من سلمه الله تعالى، كما قال تعالى: {يَوْمَ لاَ يَنفَعُ مَالٌ وَلاَ بَنُونَ إِلاَّ مَنْ أَتَى اللهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ}[
-أقوال العلماء في معنى الحديث
-قال ابن رجب: من جاء مع التوحيد بقراب الأرض خطايا لقيه الله بقرابها مغفرة...
-وقال ابن القيم: ويُعْفَى لأهلِ التوحيدِ المَحْضِ الذي لمْ يَشُوبُوهُ بالشِّرْكِ مَا لاَ يُعْفَى لِمَنْ لَيْسَ كَذِلكَ، ولوْ لَقِيَ المُوَحِّدُ الذي لمْ يُشْرِكْ باللهِ شيئًا الْبَتَّةَ رَبَّهُ بِقُرابِ الأرْضِ خَطَايَا أَتَاهُ بِقُرَابِهَا مغفرةً، ولاَ يَحْصُلُ هذا لِمَنْ نَقَصَ توحيدُهُ؛ فإنَّ التوحيدَ الخَالِصَ الذي لاَ يَشُوبُهُ شِرْكٌ لاَ يَبْقَى مَعَهُ ذَنْبٌ؛ لأَِنَّهُ يَتَضَمَّنُ مِنْ مَحَبَّةِ اللهِ وإِجْلاَلِهِ وتَعْظِيمِهِ وخَوْفِهِ ورَجَائِهِ مَا يُوجِبُ غَسْلَ الذُّنُوبِ ولوْ كَانَتْ قُرابَ الأرْضِ، فالنَّجَاسَةُ عَارِضَةٌ والدَّافِعُ لَهَا قَوِيٌّ.
-وجه الدلالة
ومناسبة هذا الحديث للباب ظاهرة، وهي أنه من أتى بذنوب عظيمة ولو كانت كقراب الأرض خطايا، يعني كعظم وقدر الأرض خطايا، ولكنه لقي الله لا يشرك به شيئاً، لأتى الله لذلك العبد بمقدار تلك الخطايا مغفرة؛ وهذا لأجل فضل التوحيد وعظم فضل الله -جل وعلا- على عباده بأن هداهم إليه؛ ثم أثابهم عليه.
-الفوائد من الحديث
-كثرة ثواب التوحيد.
-سعة كرم الله وجوده ورحمته.
-الرد على الخوارج الذين يكفرون المسلم بالذنوب، وعلى المعتزلة القائلين بالمنزلة بين المنزلتين، وهي: الفسوق، ويقولون: ليس بمؤمن ولا كافر ويخلد في النار، والصواب قول أهل السنة: أنه لا يسلب عنه اسم الإيمان، ولا يعطاه على الإطلاق، بل يقال: هو مؤمن عاص.
-فيه إثبات الصفات خلافاً للمعطلة.

رد مع اقتباس
  #4  
قديم 6 جمادى الأولى 1437هـ/14-02-2016م, 11:52 PM
صفاء الكنيدري صفاء الكنيدري غير متواجد حالياً
برنامج الإعداد العلمي - المستوى الثامن
 
تاريخ التسجيل: Aug 2014
المشاركات: 728
افتراضي

عفوا سقط سهواً وجه الدلالة في حديث أنس رضي الله عنه: (لو أتيتني بقراب الأرض خطايا)

وجه الدلالة:
أن لا إله إلا الله يثقل بها ميزان العبد يوم القيامة، إذا قام بلوازمها وشروطها وكملها، فهذا هو الذي يكون منتفعاً بها الانتفاع الكامل؛ لأنه كان صادقاً مخلصاً مكملاً لها لم يخالط قلبه شك ولا ريب، فلو لقي الله بقراب الأرض خطايا غفر الله له، لأن كلمة التوحيد لا يقابلها ذنب ولا خطيئة ويثقل بها ميزان العبد يوم القيامة، ولكن هذا في حق من كملها بشروطها ولوازمها.

أما ما ذكرته في التلخيص قصدت المناسبة وليس وجه الدلالة فمعذرة منكم على الخطأ غير المقصود، وحبذا من وجد خطأ أن يبينه.
أسأل الله أن ينفعنا وإياكم ويجعل أعمالنا خالصة لوجهه وابتغاء مرضاته.

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 8 جمادى الأولى 1437هـ/16-02-2016م, 12:47 AM
رضا الشبراوى رضا الشبراوى غير متواجد حالياً
طالب علم
 
تاريخ التسجيل: Feb 2015
الدولة: عابر سبيل
المشاركات: 382
افتراضي

باسم الله والصلاة والسلام على خير خلق الله
______________________________________________________________________
الدرس السادس:بابُ تَفْسِيرِ التَّوْحِيدِ وَشَهَادَةِ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ
المتن
مقدمة
باب تفسير التوحيد وشهادة أن لا إله إلا الله(صالح آل الشيخ)
نوع العطف
معنى تفسير
تضمن التوحيد
المقصود بالشهادة:
تضمن الشهادة
المعنى الإجمالى (أشهد أن لا إله إلا الله)
(ألفاظ لا إله إلا الله)
تقدير خبر لا) النافية للجنس
نقد قول الأشاعرة
الردعلى قول الأشاعرة من القرآن
مناسبة(بَابُ تَفْسِيرِ التَّوْحِيدِ وشَهَادَةِ: أنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ) لما قبله
(2) قالَ المُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللهُ تعالَى: (وقولِ اللهِ تعالَى: {أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغِونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا}) [الإسراء:57].
سبب النزول
دلالة الآية
علاقة الآية بما قبلها
متعلق الضمير فى(الَّذِينَ يَدْعُونَ )
المقصود بالوسيلة
شمول الآية لثلاث مقامات .
حَقِيقَةُ دِينِ الإِسْلاَمِ
مناسبة الآية للباب
والدعاء نوعان
معنى( الْوَسِيلَة)
المقصود ب( يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ(
دلالة القرآن على معنى الوسيلة
الحكمة من قوله سبحانه( إِلَى رَبِّهِمُ )وليس إلى الله
دلالة قوله: {يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ
مناسبة الآية: {أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ} للباب
(3) وقَوْلُهُ تَعَالَى: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأَِبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ (26) إِلاَّ الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ (27) وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ} [الزُّخْرُف:26-28]؛
مناسبة هذه الآية للباب
وجه الاستدلال :
الحكمة من ذكر الله عبده إبراهيم
المقصود بالبراءة
مقامات البراءة من العابدين:
(فطرني) الحكمة من ذكر الفطر دون غيره
المقصود بالكلمة الباقية:
(4) وقَوْلُهُ تَعَالَى: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ}.
تفسير الآية من القرآن
دلالة الحديث والآية
أوجه الطاعة في تَحْلِيلِ مَا حَرَّمَ اللهُ، وتَحْرِيمِ مَا أَحَلَّ اللهُ وحكمها(شيخ الإسلام)
حالات المقلد
وقَوْلُهُ تَعَالَى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللهِ}.
تفسير الآية
الشرك أعظم الذنب
معنى اتخاذ الند
الأقوال فى تفسير: {كحب الله
وجه الاستدلال من الآية ومناسبتها للباب
بيان أن المقصود بالظلم فى قَوْلِهِ: {وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ} الشِّرْكُ
شرك المحبة
عاقبة شرك المحبة
الأدلة على تَبَرُّؤِ المَتْبُوعِينَ مِن التَّابِعِينَ،
حال المؤمنين
حالات حب الله وحب غيره
علاقة المحبة بالعبادة
توحيد الحب والمحبوب (ابن القيم)
من محبة الله(ابن القيم)
(7) قالَ المُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللهُ تعالَى: (في الصَّحِيحِ -مسلم - عنْ أَبِي مَالِكٍ الأَشْجَعِيِّ عَن النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: ((مَنْ قَالَ: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ، وَكَفَرَ بِما يُعْبَدُ مِنْ دونِ اللهِ، حَرُمَ مالُهُ وَدَمُهُ، وحِسابُهُ عَلَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ
تعَلَّقَ عِصْمَةَ المَالِ والدَّمِ في هَذَا الحَدِيثِ بِأَمْرَيْنِ:
الشَّرْطُ المُصَحِّحُ لِقَوْلِ: (لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ
الأدلة من القرآن والسنة والإجماع على هذه الشروط:
كلام شيخ الإسلام عن الطائفة الممتنعة
معنى قَوْلُهُ: ((وَحِسابُهُ عَلَى اللهِ
الواو فى قوله :وَكَفَرَ بِمَا يُعْبَدُ مِنْ دُونِ اللهِ
____________________________________________________________________________
المتن

اقتباس:
بابُ تَفْسِيرِ التَّوْحِيدِ وَشَهَادَةِ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ
وَقَوْلِ اللهِ تَعَالَى: {أُولَـئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرجُونَ رَحْمَتَهُ ويَخافُونَ عَذَابَهُ إنَّ عذابَ رَبِّكَ كَانَ مَحذُورًا}[الإِسْرَاء:57].

وَقَوْلِهِ: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِّمَّا تَعْبُدُونَ (26) إِلاَّ الَّذِي فَطَرَنِي فَإنَّهُ سَيَهدِيْنِ (27) وَجعلَها كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ}[الزُّخْرُف:26-28].
وَقَوْلِهِ: {اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللهِ وَالمَسِيحَ ابنَ مَرْيَمَ ومَا أُمِرُوا إلاَّ لِيَعبُدُوا إلَهًا وَاحِدًا لا إلهَ إلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ}[التَّوْبَة:31].
وَقَوْلِهِ: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللهِ أَندَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللهِ وَالَّذِينَ ءامَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِّلَّه}[الْبَقَرَة:165].
وَفِي (الصَّحِيحِ) عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: ((مَنْ قَالَ: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَكَفَرَ بِمَا يُعْبَدُ مِنْ دُونِ اللهِ حَرُمَ مَالُهُ وَدَمُهُ، وَحِسَابُهُ عَلَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ)).
وَشَرْحُ هَذِهِ التَّرْجَمَةِ مَا بَعْدَهَا مِنَ الأَبْوَابِ.

فِيهِ أَكْبَرُ الْمَسَائِلِ وَأَهَمُّهَا، وَهُوَ:
تَفْسِيرُ التَّوحِيدِ وَتَفْسِيرُ الشَّهَادَةِ، وَبَيَّنَهَا بِأُمُورٍ وَاضِحَةٍ:

مِنْهَا: آيَةُ الإِسْرَاءِ، بَيَّنَ فِيهَا الرَّدَّ عَلَى الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ يَدْعُونَ الصَّالِحِينَ، فَفِيهَا بَيَانُ أَنَّ هَذَا هُوَ الشِّرْكُ الأَكْبَرُ.
وَمِنْهَا: آيَةُ (بَرَاءةٌ) بَيَّنَ فِيهَا أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللهِ، وَبَيَّنَ أَنَّهُمْ لَمْ يُؤْمَرُوا إِلاَّ بِأَنْ يَعْبُدُوا إِلَهًا، وَاحِدًا مَعَ أَنَّ تَفْسِيرَهَا الَّذِي لاَ إِشْكَالَ فِيهِ طَاعَةُ الْعُلَمَاءِ وَالْعُبَّادِ فِي غَيْرِ الْمَعْصِيَةِ، لاَ دُعَاؤُهُمْ إِيَّاهُمْ.
وَمِنْهَا: قَوْلُ الْخَلِيلِ -عَلَيْهِ السَّلاَمُ- لِلْكُفَّارِ: {إِنَّنِي بَرَاءٌ مِّمَّا تَعْبُدُونَ (26) إِلاَّ الَّذِي فَطَرَنِي} فَاسْتَثْنَى مِنَ الْمَعْبُودِينَ رَبَّهُ.

وَذَكَرَ سُبْحَانَهُ أَنَّ هَذِهِ الْبَرَاءَةَ وَهَذِهِ الْمُوَالاَةَ هِيَ تَفْسِيرُ شَهَادَةِ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ فَقَالَ: {وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ}.
وَمِنْهَا: آيَةُ الْبَقَرَةِ

فِي الْكُفَّارِ الَّذِينَ قَالَ اللهُ فِيهِمْ: {وَمَا هُم بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ}ذَكَرَ أَنَّهُمْ يُحِبُّونَ أَنْدَادَهُمْ كَحُبِّ اللهِ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُمْ يُحِبُّونَ اللهَ حُبًّا عَظِيمًا، وَلَمْ يُدْخِلْهُمْ فِي الإِسْلاَمِ، فَكَيْفَ بِمَنْ أَحَبَّ النِّدَّ أَكْبَرَ مِنْ حُبِّ اللهِ؟

فَكَيْفَ بِمَنْ لَمْ يُحِبَّ إِلاَّ النِّدَّ وَحْدَهُ وَلَمْ يُحِبَّ اللهَ؟!
وَمِنْهَا: قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم:((مَنْ قَالَ: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَكَفَرَ بِمَا يُعْبَدُ مِنْ دُونِ اللهِ حَرُمَ مَالُهُ وَدَمُهُ وَحِسَابُهُ عَلَى اللهِ)).

وَهَذَا مِنْ أَعْظَمِ مَا يُبَيِّنُ مَعْنَى (لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ) فَإِنَّهُ لَمْ يَجْعَلِ التَّلَفُّظَ بِهَا عَاصِمًا لِلدَّمِ وَالْمَالِ، بَلْ وَلاَ مَعْرِفَةَ مَعْنَاهَا مَعَ لَفْظِهَا، بَلْ وَلاَ الإِقْرَارَ بِذَلِكَ، بَلْ وَلاَ كَوْنَهُ لاَ يَدْعُو إِلاَّ اللهَ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، بَلْ لاَ يَحْرُمُ مَالُهُ وَدَمُهُ حَتَّى يُضِيفَ إِلَى ذَلِكَ الْكُفْرَ بِمَا يُعْبَدُ مِنْ دُونِ اللهِ، فَإِنْ شَكَّ أَوْ تَوَقَّفَ لَمْ يَحْرُمْ مَالُهُ وَدَمُهُ، فَيَا لَهَا مِنْ مَسْأَلَةٍ مَا أَعْظَمَهَا وَأَجَلَّهَا؟!
وَيَا لَهُ مِنْ بَيَانٍ! مَا أَوْضَحَهُ! وَحُجَّةٍ مَا أَقْطَعَهَا لِلْمُنَازِعِ؟!
_________________________________________________________________________________________
التلخيص
_______
مقدمة
باب تفسير التوحيد وشهادة أن لا إله إلا الله(صالح آل الشيخ)
التوحيد:هو شهادة أن لا إله إلا الله، ولهذا
نوع العطف
- قال العلماء: العطف هنا من عطف المترادفات،
- ولكن هذا فيه نظر؛ من جهة أن الترادف الكامل غير موجود، ، لكن الترادف الناقص موجود.
فإذاً:هو من قبيل عطف المترادفات التي معناها واحد؛ لكن يختلف بعضها عن بعض في بعض المعنى. ،
معنى تفسير الكشف والإيضاح
التوحيد هو:-اعتقاد أن الله -جل وعلا- واحد في:
- ربوبيته لا شريك له.
-واحد في إلهيته لا نِدَّ له.
-واحد في أسمائه وصفاته لا مثل له سبحانه وتعالى.قال جل وعلا: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} ويشمل ذلك أنواع التوحيد جميعاً.
. .(شهادة أن لا إله إلا الله) هذه الشهادة أعظم كلمة قالها مكلّف،ولا شيء أعظم منها؛ وذلك لأن معناها هو الذي قامت عليه الأرض والسموات، وما تعبّد المتعبدون إلا لتحقيقها ولامتثالها
المقصود بالشهادة:
-تارة تكون شهادة حضور وبصر.
-وتارة تكون شهادة علم.
-و(أشهد أن لا إله إلا الله) هذه شهادة علمية، ولهذا في قوله: (أشهد) العلم.
تضمن الشهادة
سواء في اللغة، وفي الشرع، وفي تفاسير السلف لآي القرآن التي فيها لفظ (شهد) كقوله: {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ قَائِمَاً بِالْقِسْطِ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} وكقوله: {إِلاَّ مَن شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} (
الأول: الاعتقاد بما سينطق به، اعتقد بقلبه معنى هذه الكلمة.وهذا فيه العلم، وفيه اليقين؛لأن الشهادة فيها الاعتقاد، والاعتقاد لا يسمى اعتقاداً إلا إذا كان ثَمَّ علم ويقين.
الثاني: التكلم بها{شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولو العلم} صار اعتقاداً، وصار أيضاً إعلاماً ونطقاً بها.
الثالث: الإخبار بذلك والإعلام به،فينطقه بلسانه من جهة الواجب، وأيضاً لا يسمى شاهداً حتى يخبر غيره بما شهد،
المعنى الإجمالى (أشهد أن لا إله إلا الله)
: أعتقد، وأتكلم، وأُعْلِم، وأُخْبِر بأن لا إله إلا الله، ، فلا بد من الثلاثة مجتمعة، ولهذا نقول في الإيمان: إنه اعتقاد الجنَاَن، وقول اللسان، وعمل الجوارح والأركان.
(ألفاظ لا إله إلا الله):هذه هي كلمة التوحيد
الأول: لا.: فهي النافية للجنس، تنفي جنس استحقاق الألوهية عن أحد إلا الله جل وعلا - في هذا السياق- وإذا أتى بعد النفي (إلا) وهي أداة الاستثناء، صارت تفيد معنىً زائداً وهو الحصر والقصر، فيكون المعنى: ، ليس ثَمَّ إله حق إلا هو دون ما سواه
الثاني:إله ، كلمة (أَلَهَ) في اللغة
- بمعنى عبد،
- وقال بعض اللغويين: (أَلَهَ)يأله إذا تحير- وسمي الإله عندهم إلهاً؛ لأن الألباب تحيرت في كُنْهِ وصفه، وكُنْهِ حقيقته.وهذا القول ليس بجيد،
-من جهة الوزن قالوا: فِعالٌ تأتي أحياناً
بمعنى فاعل، وتأتي أحياناً بمعنى مفعول
- الصواب أن كلمة (إلَه): فعال بمعنى مفعول؛ وهو المعبود،
-الدليل ما جاء في قراءة ابن عباس: أنه قرأ في سورة الأعراف:{أتذر موسى وقومه ليفسدوا في الأرض ويذرك وإلاهتك} كان ابن عباس يقرأها هكذا: {ويذرك وإلاهتك}.قال: لأن فرعون كان يُعْبَد، ولم يكن يَعْبُد، فصوّب القراءة بـ {ويذرك وإلاهتك} يعني: وعبادتك، وقراءتنا -وهي قراءة السبعة- {ويذرك وآلهتك} يعني: المتقدمين، فهذا معناه: أن ابن عباس فهم من الإلهة معنى العبادة.
-من الشعر
لـِلـــَّهِ دَرُّ الــــغـَانـِيـَاتِ الــــمُدَّه =ِ سَبَّحْنَ وَاسْتَرْجَعْنَ مِنْ تَأَلهُّي
يعني: من عبادتي.فإذاً:يكون الإله هو المعبود.
-المتكلمين، والأشاعرة، والمعتزلة، ومن ورثوا علوم اليونان؛ قالوا: إن كلمة (إله) هي بمعنى فاعل؛ فقالوا: هي بمعنى (آله) و(الآله) هو القادر، ففسروا (الإله) بأنه القادر على الاختراع.ففسروا الألوهية بالربوبية، وفسروا الإله بالقادر على الاختراع أو بالمستغني عما سواه المفتقر إليه كل ما عداه
الثالث: إلا.
الرابع: (لفظ الجلالة)الله. .
تقدير خبر لا) النافية للجنس
-(لا إله)يعني: لا معبود إلا الله.هنا (لا معبود):
-المعتزلة والأشاعرة-كما قدمنا- قدروا الخبر: لا إله موجود إلا الله يعني: لا قادر على الاختراع والخلق موجود إلا الله، لا مستغنياً عما سواه ولا مفتقراً إليه كل ما عداه موجود إلا الله؛ لأن الخلق جميعاً محتاجون إلى غيرهم.
نقد قول الأشاعرة
وهذا الذي قالوه هو الذي فتح باب الشرك في المسلمين؛ لأنهم ظنوا أن التوحيد هو إفراد الله في الربوبية، فإذا اعتقد أن القادر على الاختراع هو الله وحده، صار موحداً.إذا اعتقد أن المستغني عما سواه والمفتقر إليه كل ماعداه هو الله وحده، صار عندهم موحداً، وهذا من أبطل الباطل،
الردعلى قول الأشاعرة من القرآن
معلوم أن مشركي قريش لم يكونوا ينازعون في الربوبية
: {-وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ
-} :{وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ}
-كقوله: {قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ والأَبْصَارَ وَمَن يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَن يُدَبِّرُ الأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلاَ تَتَّقُونَ (31) فَذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلاَّ الضَّلاَلُ} الآيات من سورة يونس،
-.فإذاً:صارت هذه الكلمة دالة على غير ما أراد أولئك، وهو ما ذكرناه آنفاً من أن معنى (لا إله) يعني: لا معبود، فيكون الخبر:
- إما أن يكون تقديره: (موجود) فيكون المعنى: لا معبود موجود إلا الله، وهذا باطل؛ لأننا نرى أن المعبودات كثيرة.وقد قال جل وعلا: {أَجَعَلَ الآلِهَةَ} مخبراً عن قول الكفار: {أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَـهاً وَاحِداً} فالمعبودات كثيرة، والمعبودات موجودة، فإذاً: تقدير الخبر بموجود غلط.
-ومن المعلوم أن المتقرر في علم العربية أن خبر (لا) النافية للجنس يكثر حذفه في لغة العرب؛ وفي نصوص الكتاب والسنة فإذا ظهر المراد مع حذف الخبر فإنك تحذف الخبر؛ لأن الكلام الأنسب أن يكون مختصراً، كما قال عليه الصلاة والسلام:((لا عَدْوَى، وَلاَ طِيَرَةَ، وَلاَ هَامَةَ، وَلاَ صَفَرَ، وَلاَ نَوْءَ، وَلاَ غُوْلَ)). أين الخبر؟كلها محذوفات؛ لأنها معلومة لدى السامع
-.إذاً:فالخبر هنا معلوم، وهو أنه ليس الخبر (موجوداً) يعني: يقدر بـ(موجود) لأن الآلهة التي عبدت مع الله موجودة
-فيقدر الخبر بقولك: (بحق) أو (حق) لا إله بحق، يعني: لا معبود بحق، أو لا معبود حق إلا الله،
- ولهذا كما قال الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله: (بئس قومٌ أبو جهلٍ أعلم منهم بلا إله إلا الله، يفهم هذه الكلمة وأبى أن يقولها).
-ولو كانت كما يزعم كثير من أهل هذا العصر وما قبله؛ لقالوها بسهولة، ولم يدروا ما تحتها من المعاني، لكن يعلم أن معناها لا معبود حق إلا الله، وأن عبادة غيره إنما هي بالظلم - ولن يقر بالظلم على نفسه- وبالبغي -ولن يقر بأنه باغ متعد- وبالتعدي والعدوان، وهذا هو حقيقة معنى لا إله إلا الله.
وفيها:الجمع بين النفي والإثبات؛ كما سيأتي في بيان آية الزخرف:{وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِّمَّا تَعْبُدُونَ (26) إِلاَّ الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ}.
مناسبة(بَابُ تَفْسِيرِ التَّوْحِيدِ وشَهَادَةِ: أنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ) لما قبله
أَرَادَ المُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللهُ تعالَى بهذه الترْجَمَةِ، وما جاءَ بعدَها مِن الآياتِ والحديثِ: أن يَزِيدَ هذا المقامَ بيانًا وإِيضاحًا، وإلاَّ فقدْ تَقَدَّمَ في الآياتِ والأحاديثِ ما يُفَسِّرُ: لا إلهَ إلاَّ اللهُ، وما دَلَّتْ عليهِ مِن التوحيدِ، ونَفْيِ الشِّرْكِ، والتَّنْدِيدِ.
(2) قالَ المُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللهُ تعالَى: (وقولِ اللهِ تعالَى: {أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغِونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا}) [الإسراء:57].
سبب النزول أَكْثَرُ المُفَسِّرِينَ عَلَى أَنَّهَا نَزَلَتْ فِيمَنْ يَعْبُدُ المَسِيحَ وأُمَّهَ،والعُزَيْرَ، والمَلاَئِكَةَ، وَقَدْ نَهَى اللهُ عَنْ ذَلِكَ أَشَدَّ النَّهْيِ.
دلالة الآية
-التَّهْدِيدِ والوَعِيدِ فى الآية دَل عَلَى أنَّ دُعَاءهُم مِنْ دُونِ اللهِ شِرْكٌ باللهِ يُنَافِي التَّوْحيدَ
-دليل ذلك : ((الدُّعَاءُ مُخُّ الْعِبَادَةِ)). .فدَعْوَةَ غَيْرِ اللهِ تَأَلِيهٌ وعِبَادَةٌ لَهُ.
-فى الآية حُجَّةُ عَلَى مَنْ تَعَلَّقَ بالأَنْبِيَاءِ والصَّالِحِينَ يَدْعُوهُم ويَسْأَلُهُم.
-وفيهَا رَدٌّ عَلَى مَنْ يَدْعُو صَالِحًا وَيَقُولُ: أَنَا لاَ أُشْرِكُ باللهِ شَيْئًا، الشِّرْكُ عِبَادَةُ الأَصْنَامِ.
-وفيهَا أَنَّ المَدْعُوَّ لاَ يَمْلِكُ لِدَاعِيهِ كَشْفَ ضَرَرٍ وَلَو كَانَ المَدْعُوُّ نَبِيًّا أوْ مَلَكًا. وهَذَا يُقَرِّرُ بُطْلاَنَ دَعْوَةِ كُلِّ مَدْعُوٍّ مِنْ دونِ اللهِ كَائِنًا مَنْ كَانَ؛ لأِنَّ دَعْوَتَهُ تَخُونُ دَاعِيَهُ أَحْوَجَ مَا كَانَ إِلَيْهَا
-وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {أُولَـئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ} يُبَيِّنُ أَنَّ هَذَا سَبِيلُ الأَنْبِيَاءِ والمُرْسَلِينَ وَمَنْ تَبِعَهُم مِن المُؤْمِنِينَ. قَالَ قَتَادَةُ: (تَقَرَّبُوا إِلَيْهِ بِطَاعَتِهِ والعَمَلِ بِمَا يُرْضِيهِ).
علاقة الآية بما قبلها
- يَتَبَيَّنُ مَعْنَى هذهِ الآيَةِ بِذِكْرِ مَا قَبْلَهَا، وهيَ قولُهُ تَعَالَى: {قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلاَ يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ وَلاَ تَحْوِيلاً} [الإسراء: 56].
-قَالَ ابْنُ كَثِيرٍ: (يَقُولُ تَعَالَى:{قَلْ} يَا مُحَمَّدُ للمُشْرِكِينَ الذينَ عَبَدُوا غَيْرَ اللهِ:{ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ} مِن الأَصْنَامِ والأَنْدَادِ وارْغَبُوا إِلَيْهِم، فَإِنَّهُم لاَ يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُم؛ أيْ: بالكُلِّيَّةِ، {وَلاَ تَحْوِيلاً} أيْ: وَلاَ أَنْ يُحَوِّلُوهُ إلى غَيْرِكُم. فإنَّ الذي يَقْدِرُ عَلَى ذَلِكَ هوَ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، الذي لَهُ الخَلْقُ والأَمْرُ).
متعلق الضمير فى(الَّذِينَ يَدْعُونَ )
- عن ابنِ عَبَّاسٍ: كَانَ أَهْلُ الشِّرْكِ يَقُولُونَ: نَعْبُدُ المَلاَئِكَةَ والمَسِيحَ وعُزَيْرا وكذلك قال مجاهد
-عن ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: (نَاسٌ مِن الجِنِّ كَانُوا يُعْبَدُونَ فَأَسْلَمُوا).
-وقَالَ السُّدِّيُّ: عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَن ابْنِ عَبَّاسٍ في الآيَةِ قَالَ: (عِيسَى وَأَمُّهُ وعُزَيْرٌ).
-وقَالَ مُغِيرَةُ، عنْ إِبْرَاهِيمَ: كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ: (هُمْ عِيسَى وَعُزَيْرٌ، والشَّمْسُ والقَمَرُ).
--قَالَ شَيْخُ الإِسْلاَمِ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى في هذهِ الآيَةِ لَمَّا ذَكَرَ أَقْوَالَ المُفَسِّرِينَ: (وهذهِ الأَقْوالُ كُلُّهَا حَقٌّ؛ فَإِنَّ الآيَةَ تَعُمُّ مَنْ كَانَ مَعْبُودُهُ عَابِدًا للهِ.....)
المقصود بالوسيلة
-وقَوْلُ ابْنِ مَسْعُودٍ هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الوَسِيلَةَ هيَ الإِسْلاَم.
قَوْلُهُ: {ويَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ} لاَ تَتِمُّ العِبَادَةُ إِلاَّ بالخَوْفِ والرَّجَاءِ
شمول الآية لثلاث مقامات .
قَالَ العَلاَّمَةُ ابنُ القَيِّمِ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: (:
1-الحُبُّ - وهوَ ابْتِغَاءُ التَّقَرُّبِ إِلَيْهِ
2-والتَّوَسُّلِ إِلَيْهِ بالأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ
3-والرَّجَاءُ والخَوْفُ، وهَذَا هوَ حَقِيقَةُ التَّوْحِيدِ
حَقِيقَةُ دِينِ الإِسْلاَمِ
- في (المُسْنَدِ)، عنْ بَهْزِ بنِ حَكِيمٍ، عنْ أَبِيهِ، عنْ جَدِّهِ، أَنَّهُ قَالَ للنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:(وَاللهِ يَا رَسُولَ اللهِ مَا أَتَيْتُكَ إِلاَّ بَعْدَ ما حَلَفْتُ عَدَدَ أَصَابِعِي هَذِهِ أنْ لاَ آتِيَكَ، فَبِالَّذِي بَعَثَكَ بِالحَقِّ، مَا بَعَثَكَ بِهِ؟
قَالَ: ((الإِسْلاَمُ)).
قَالَ: وَمَا الإِسْلاَمُ؟
قَالَ: ((أَنْ تُسْلِمَ قَلْبَكَ، وَأَنْ تُوَجِّهَ وَجْهَكَ إِلى اللهِ، وَأَنْ تُصَلِّيَ الصَّلَوَاتِ المَكْتُوبَةَ، وَتُؤدِّيَ الزَّكَاةَ المَفْرُوضَةَ)).
- عنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((إِنَّ لِلإِسْلاَمِ صُوًى وَمَنَارًا كَمَنَارِ الطَّرِيقِ، مِنْ ذَلِكَ أَنْ تَعْبُدَ اللهَ وَلاَ تُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا، وَتُقيمَ الصَّلاَةَ، وَتُؤْتِيَ الزَّكَاةَ، وَتَصُومَ رَمَضَانَ، وَالأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ، وَالنَّهْيُ عَنِ الْمُنْكَرِ)).
وهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى وَإِلَى اللهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ} [لُقْمَان:22].
مناسبة الآية للباب
-فى الآية تفسير لتوحيد الإلهية-وهو إفراد الله بالعبادة- بالثناء على خاصة عباد الله بأنهم وحَّدوا الله بالإلهية.
- بقوله: {أُولَـئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ} و(يدعون) بمعنى يعبدون؛ لأن الدعاء هو العبادة.
والدعاء نوعان
-دعاء مسألة.
- ودعاء عبادة.
معنى( الْوَسِيلَة)
-القصد والحاجة
الدليل:
- سئل ابن عباس رَضِيَ اللهُ عَنْهما عن قوله: {الوسيلة} في قوله: {وَابْتَغُواْ إِلَيهِ الْوَسِيلَةَ} المائدة .قال: (الوسيلة: الحاجة) فقال له: وهل تعرف العرب ذلك؟
قال: (نعم، ألم تسمعا إلى قول عنترةيخاطب امرأة
إن الـرجال لـهم إلـيك وسيلـةٌ =أن يأخذوك تكحّلي وتخضبي
لهم إليك وسيلة)يعني: لهم إليك حاجة.
المقصود ب( يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ(
- أن حاجاتهم يبتغونها إلى ربهم ذي الربوبية الذي يملك الإجابة.
دلالة القرآن على معنى الوسيلة
في سورة المائدة:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنواْ اتَّقُواْ اللَّهَ وَابْتَغُواْ إِلَيهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُواْ فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ
-تقدّيم الجار والمجرور على لفظ الوسيلة-وحقه التأخير- يفيد الحصر والقصر، وعند عدد من علماء المعاني يفيد الاختصاص.فالحاجات إنما تبتغى عند الله، وكذلك المعنى فى آية الإسراء.
الحكمة من قوله سبحانه( إِلَى رَبِّهِمُ )وليس إلى الله
لأن ربوبية الله على خلقه تقتضي أن يجيب دعاءهم، وأن يعطيهم سؤلهم؛ لأن ذاك من أفراد الربوبية.
دلالة قوله: {يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ
- فيها تفسير التوحيد، وهو أن كل حاجة من الحاجات إنما تنـزلها بالله جل وعلا.{
- يدعون}يعبدون، وهم إنما يطلبون حاجاتهم من الله جل وعلا، فلا يعبدون بنوع من العبادات ويتوجهون به لغير الله سواء كانت تلك العبادة نحرا أو صلاة أو استغاثة
مناسبة الآية: {أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ} للباب
-بالثناءعلى حال خاصة عباد الله أنهم توجهوا إليه وحده دونما سواه؛ فأنزلوا الخوف، والمحبة، والدعاء، والرغب، والرجاء في الله -جل وعلا- وحده دون ما سواه، وهذا هو تفسير التوحيد.
__________________________________________________________
(3) وقَوْلُهُ تَعَالَى: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأَِبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ (26) إِلاَّ الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ (27) وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ} [الزُّخْرُف:26-28]؛
مناسبة هذه الآية للباب
:أن قوله: {إِنَّنِي بَرَاءٌ مِّمَّا تَعْبُدُونَ إِلاَّ الَّذِي فَطَرَنِي}
اشتملت على نفي وإثبات، فهي مساوية لكلمة التوحيد، بل هي دلالة كلمة التوحيد :
-: {إِنَّنِي بَرَاءٌ مِّمَّا تَعْبُدُونَ} هذا فيه النفي الذي نعلمه من قوله: (لا إله
-إلا الله)معناها: {إلا الذي فطرني}.
وجه الاستدلال :
قال بعض أهل العلم:تبَرَّأَ من العبادة ومن المعبودين قبل أن يَتَبَرَّأَ من العابدين؛ لأنه قد بلغ به والكراهة، والبغضاء، والكفر بتلك العبادة مبلغها الأعظم؛ وقد جاء تفصيل ذلك في آية الممتحنة كما هو معلوم.(قد كانت لكم أسوة حسنة فى إبراهيم والذين معه إذ قالوا لقومهم إنا برآء منكم.....)رضا
الحكمة من ذكر الله عبده إبراهيم
-عَبْدِهِ ورَسُولِهِ وخَلِيلِهِ إِمَامِ الحُنَفَاءِ، ووَالِدِ مَنْ بُعِثَ بَعْدَهُ مِن الأَنْبِيَاءِ.
- الذي تَنْتَسِبُ إِلَيْهِ قُرَيْشٌ في نَسَبِهَا ومَذْهَبِهَا:
المقصود بالبراءة
-البراءة:هي أن يكون مبغضاً لعبادة غير الله، كافراً بعبادة غير الله، معادياً لعبادة غير الله.
-لا يصح إسلام أحد حتى تقوم هذه البراءة في قلبه؛ فلا يكون موحداً بدونها .
- أما البراءة من العابدين: فإنها من اللوازم، وليست من أصل كلمة التوحيد، فقد يعادي وقد لا يعادي
مقامات البراءة من العابدين:
-منها ما هو مُكَفر،
-ومنها ما هو نوع موالاة ولا يصل بصاحبه إلى الكفر.
(فطرني) الحكمة من ذكر الفطر دون غيره
- لأن في ذلك التذكير بأنه إنما يستحق العبادة من فَطَرَ، أما من لم يَفْطِرْ ولم يخلق شيئاً فإنه لا يستحق شيئاً من العبادة
المقصود بالكلمة الباقية:
-ابن كثير :وهيَ عِبَادَةُ اللهِ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وخَلْعُ مَا سِوَاهُ مِن الأَوْثَانِ، وهيَ: (لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ) جَعَلَهَا في ذُرِّيَّتِهِ يَقْتَدِي بِهِ فِيهَا مَنْ هَدَاهُ اللهُ مِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ {لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} أيْ: إِلَيْهَا.
-وهو حاصل قول عِكْرِمَةُ، وَمُجَاهِدٌ، والضَّحَّاكُ، وقَتَادَةُ، والسُّدِّيُّ، وغَيْرُهُم
- قَتَادَةَ: {إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ إِلاَّ الَّذِي فَطَرَنِي} قَالَ: (إنَّهم يَقُولُونَ: إنَّ اللهَ رَبُّنَا {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللهُ} [الزُّخْرُف:87] فَلَمْ يَبْرَأْ مِنْ رَبِّهِ)
- عنْ قَتَادَةَ: { أيضا : قَالَ: (الإِخْلاَصُ والتَّوْحِيدُ لاَ يَزَالُ في ذُرِّيَّتِهِ مَنْ يَعْبُدُ اللهَ ويُوَحِّدُهُ).
-وحاصل الأقوال: مَعْنَى (لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ) تَوْحِيدُ اللهِ بإِخْلاَصِ العِبَادِ لهُ، والبَرَاءَةِ مِنْ كُلِّ مَا سِوَاهُ.
الأدلة على بطلان عبادة ما يعبد من دون الله
- قَالَ تَعَالَى: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ}
-قَالَ تَعَالَى: {ثُمَّ قِيلَ لَهُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ تُشْرِكُونَ مِنْ دُونِ اللهِ قَـالُوا ضَـلُّوا عَنَّا بَلْ لَمْ نَكُنْ نَدْعُو مِنْ قَبْلُ شَيْئًا كَذَلِكَ يُضِلُّ اللهُ الْكَافِرِينَ}.
_____________________________________________________
(4) وقَوْلُهُ تَعَالَى: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ}.
تفسير الآية من القرآن
- سَمَّى اللهُ تَعَالَى طَاعَتَهُم عِبَادَةً لَهُم، وَسَمَّاهُم أَرْبَابًا
-كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَلاَ يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلاَئِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَابًا} أيْ: شُرَكَاءَ للهِ تَعَالَى في العِبَادَة.
{أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمرانَ:80] ، وَكُلُّ مُطاعٍ وَمُتَّبَعٍ عَلَى غَيْرِ مَا شَرَعَهُ اللهُ ورَسُولُهُ فَقَد اتَّخَذَهُ المُطِيعُ رَبًّا ومَعْبُودًا؛
-كَمَا قَالَ تَعَالَى في آيَةِ الأَنْعَامِ: {وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ} [الأنعام:121] وَهَذَا هوَ وَجْهُ مُطَابَقَةِ الآيَةِ للتَّرْجَمَةِ.
-قَالَ تَعَالَى: {وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا إِلَـهًا وَاحِدًا لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ}[التوبة:31] فَإِنَّ الحَلاَلَ مَا أَحَلَّهُ اللهُ، والحَرَامَ مَا حَرَّمَهُ اللهُ، والدِّينَ مَا شَرَعَهُ اللهُ).
-وَيُشْبِهُ هَذِهِ الآيَةَ في المَعْنَى قَوْلُ اللهِ تَعَالَى: {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللهُ} [الشُّورَى:21]، تفسير الآية من السنة
-في الحَدِيثِ الصَّحِيحِ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَلاَ هَذِهِ الآيَةَ عَلَى عَدِيِّ بنِ حَاتِمٍ الطَّائِيِّ، فَقَالَ: (يَا رَسُولَ اللهِ، لَسْنَا نَعْبُدُهُمْ)،
قالَ: ((أَلَيْسَ يُحِلُّونَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ اللهُ فَتُحِلُّونَهُ، وَيُحَرِّمُونَ مَا أَحَلَّ اللهُ فَتُحَرِّمُونَهُ؟)).
قَالَ: (بَلَى)،
قَالَ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((فَتِلْكَ عِبَادَتُهُمْ)).
المقصود بالأحبار والرهبان
-الأَحْبَارُ: هم العُلَمَاءُ.
-والرُّهْبَانُ: هم العُبَّادُ.
دلالة الحديث والآية
- فَصَارَتْ طَاعَتُهُمْ في المَعْصِيَةِ عِبَادَةً لغَيْرِ اللهِ، وَبِهَا اتَّخَذُوهُم أَرْبَابًا، كَمَا هوَ الوَاقِعُ في هَذِهِ الأُمَّةِ. وهَذَا مِن الشِّرْكِ الأَكْبَرِ المُنَافِي للتَّوْحِيدِ الذي هوَ مَدْلُولُ شَهَادَةِ: (لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ).
-قَالَ السُّدِّيُّ: (اسْتَنْصَحُوا الرِّجَالَ وَنَبَذُوا كِتَابَ اللهِ وَرَاءَ ظُهُورِهِم؛
{-من دون الله} يعني: مع الله .ذكره صالح آل الشيخ
.فهذه الآية فيها ذكر أحد أفراد التوحيد، أحد أفراد العبادة، وهو الطاعة.
أوجه الطاعة في تَحْلِيلِ مَا حَرَّمَ اللهُ، وتَحْرِيمِ مَا أَحَلَّ اللهُ وحكمها(شيخ الإسلام)
أَحَدُهُمَا: أَنْ يَعْلَمُوا أَنَّهُم بَدَّلُوا دِينَ اللهِ فَيَتَّبِعُونَهُم عَلَى التَّبْدِيلِ، فَيَعْتَقِدُونَ تَحْلِيلَ مَا حَرَّمَ اللهُ، وتَحْرِيمَ مَا أَحَلَّ اللهُ؛ اتِّباعًا لرُؤَسَائِهِم، مَعَ عِلْمِهِم أَنَّهُم خَالَفُوا دِينَ الرُّسُلِ، فَهَذَا كُفْرٌ، وَقَدْ جَعَلَهُ اللهُ ورَسُولُهُ شِرْكًا، وَإِنْ لَمْ يَكُونُوا يُصَلُّونَ لَهُم ويَسْجُدُونَ لَهُم. فَكَانَ مَن اتَّبَعَ غَيْرَهُ في خِلاَفِ الدِّينِ -مَعَ عِلْمِهِ أَنَّهُ خِلاَفٌ للدِّينِ، واعْتَقَدَ مَا قَالَهُ ذَلِكَ دُونَ مَا قَالَهُ اللهُ ورَسُولُهُ- مُشْرِكًا مِثْلَ هؤلاءِ.
الثاني: أَنْ يَكُونَ اعْتِقَادُهُم وإِيمَانُهُم بِتَحْرِيمِ الحَرَامِ وتَحْلِيلِ الحَلاَلِ ثَابِتًا، لَكِنَّهُم أَطَاعُوهُم في مَعْصِيَةِ اللهِ، كَمَا يَفْعَلُ المُسْلِمُ مَا يَفْعَلُهُ مِن المَعَاصِي التي يَعْتَقِدُ أَنَّهَا مَعَاصٍ. فهؤلاءِ لَهُم حُكْمُ أَمْثَالِهِم مِنْ أَهْلِ الذُّنُوبِ، كَمَا قَدْ ثَبَتَ عَن النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: ((إِنَّمَا الطَّاعَةُ فِي الْمَعْرُوفِ)).
3-المُحَرِّمُ للحَلاَلِ، وَالمُحَلِّلُ للحَرَامِ إِنْ كَانَ مُجْتَهِدًا،
قَصْدُهُ اتِّبَاعُ الرُّسُلِ، لَكِنْ خَفِيَ عَلَيْهِ الحَقُّ في نَفْسِ الأَمْرِ وَقَد اتَّقَى اللهَ مَا اسْتَطَاعَ؛ فَهَذَا لاَ يُؤَاخِذُهُ بِخَطَئِهِ، بلْ يُثِيبُهُ عَلَى اجْتِهَادِهِ الذي أَطَاعَ بِهِ رَبَّهُ. ولَكِنْ مَنْ عَلِمَ أَنَّ هَذَا أَخْطَأَ فِيمَا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ، ثُمَّ اتَّبَعَهُ عَلَى خَطَئِهِ، وَعَدَلَ عنْ قَوْلِ الرَّسُولِ، فَهَذَا لَهُ نَصِيبٌ مِنْ هَذَا الشِّرْكِ الذي ذَمَّهُ اللهُ، لاَ سِيَّمَا إِن اتَّبَعَ في ذلكَ هَوَاهُ، ونَصَرَهُ باليَدِ واللِّسَانِ، مَعَ عِلْمِهِ أَنَّهُ مُخَالِفٌ للرَّسُولِ، فَهَذَا شِرْكٌ يَسْتَحِقُّ صَاحِبُهُ العُقُوبَةَ عَلَيْهِ.
حالات المقلد
قاعدة :-واتَّفَقَ العُلَمَاءُ عَلَى أَنَّهُ إِذَا عُرِفَ الحَقُّ لاَ يَجُوزُ تَقْلِيدُ أَحَدٍ في خِلاَفِهِ.
-من عجز عنْ إِظْهَارِ الحَقِّ الذي يَعَلَمُهُ :
مثال: كَمَنْ عَرَفَ أَنَّ دِينَ الإِسْلاَمِ حَقٌّ وهوَ بَيْنَ النَّصَارَى، فَإِذَا فَعَلَ مَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ مِن الحَقِّ لاَ يُؤَاخَذُ بِمَا عَجِزَ عنهُ، وهَؤُلاَءِ كالنَّجَاشِي وغَيْرِهِ.
الأدلة:
- كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ}[آل عمرانَ:199].
-وقَوْلِهِ: {وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ}[المائدة:83].
- وقَوْلِهِ:{وَمِنْ قَوْمِ مُوسَى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ}[الأعراف:159].
-من عجز عنْ مَعْرِفَةِ الحَقِّ عَلَى التَّفْصِيلِ :وَقَدْ فَعَلَ مَا قَدَرَ عَلَيْهِ مِثْلُهُ مِن الاجْتِهَادِ في التَّقْلِيدِ،
حكمه فَهَذَا لاَ يُؤَاخَذُ إِنْ أَخْطَأَ
مثال كَمَا في القِبْلَةِ.
-من قَلَّدَ شَخْصًا دونَ نَظِيرِهِ بِمُجَرَّدِ هَوَاهُ، ونَصَرَهُ بِيَدِهِ ولِسَانِهِ مِنْ غَيْرِ عِلْمِ أَنَّ مَعَهُ الحَقَّ،
حكمه فَهَذَا مِنْ أَهْلِ الجَاهِلِيَّةِ. وَإِنْ كَانَ مَتْبُوعُهُ مُصِيبًا لَمْ يَكُنْ عَمَلُهُ صَالِحًا، وَإِنْ كَانَ مَتْبُوعُهُ مُخْطِئًا كَانَ آثِمًا،
مثال
-كَمَنْ قَالَ في القُرْآنِ بِرَأْيِهِ، فَإِنْ أَصَابَ فَقَدْ أَخْطَأَ، وَإِنْ أَخْطَأَ فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِن النَّارِ.
-وَهَؤُلاَءِ مِنْ جِنْسِ مَانِعِ الزَّكَاةِ ، وَمِنْ جِنْسِ عَبْدِ الدِّينَارِ والدِّرْهَمِ، والقَطِيفَةِ والخَمِيصَةِ؛ فَإِنَّ ذَلِكَ لَمَّا أَحَبَّ المَالَ مَنَعَهُ عنْ عِبَادَةِ اللهِ وطَاعَتِهِ، صَارَ عَبْدًا لهُ.
وكَذَلِكَ: هَؤُلاَءِ فَيُكُونُ فِيهِ شِرْكٌ أَصْغَرُ، وَلَهُم مِن الوَعِيدِ بِحَسَبِ ذَلِكَ، وَفِي الحَدِيثِ: ((إِنَّ يَسِيرَ الرِّيَاءِ شِرْكٌ)).
وَهَذَا مَبْسُوطٌ عن النُّصُوصِ الَّتِي فِيهَا إِطْلاَقُ الكُفْرِ والشِّرْكِ عَلَى كَثِيرٍ مِن الذُّنُوبِ)
انْتَهَى.
وقَوْلُهُ تَعَالَى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللهِ}.
تفسير الآية
-قَالَ العِمَادُ ابْنُ كَثِيرٍ رَحِمَهُ اللهُ تعالَى: (يَذْكُرُ تعالَى حَالَ المُشْرِكِينَ بِهِ في الدُّنْيَا، وَمَآلَهُم في الدَّارِ الآخِرَةِ؛ حَيْثُ جَعَلُوا للهِ أَنْدَادًا؛ أَيْ: أَمْثَالاً ونُظَرَاءَ يَعْبُدُونَهُم مَعَهُ ويُحِبُّونَهُم كَحُبِّهِ، وهوَ اللهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هوَ، وَلاَ ضِدَّ لهُ، وَلاَ نِدَّ لهُ، وَلاَ شَرِيكَ مَعَهُ).
-(ابن القيم ): أَنَّ الذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا للهِ مِنْ أَهْلِ الأَنْدَادِ لأَِنْدَادِهِم.كَمَا تَقَدَّمَ أَنَّ مَحَبَّةَ المُؤْمِنِينَ لِرَبِّهِم لاَ يُمَاثِلُهَا مَحَبَّةُ مَخْلُوقٍ أَصْلاً، كَمَا لاَ يُمَاثِلُ مَحْبُوبَهُم غَيْرُهُ، وَكُلُّ أَذًى في مَحَبَّةِ غَيْرِهِ فهوَ نَعِيمٌ في مَحَبَّتِهِ، وكُلُّ مَكْرُوهٍ في مَحَبَّةِ غَيْرِهِ فهوَ قُرَّةُ عَيْنٍ في مَحَبَّتِهِ
الشرك أعظم الذنب
-وَفِي(الصَّحِيحَيْنِ) عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قُلْتُ: (يَا رَسُولَ اللهِ، أَيُّ الذَّنْبِ أَعْظَمُ؟قَالَ: ((أَنْ تَجْعَلَ للهِ نِدًّا وَهُوَ خَلقَكَ)).
معنى اتخاذ الند
- قَالَ أَبُو جَعْفَرِ بنُ جَرِيرٍ رَحِمَهُ اللهُ تعالَى في مَعْنَى قَوْلِ اللهِ تَعَالَى: {وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْدَادًا}[فُصِّلتْ:9](أيْ: وَتَجْعَلُونَ لِمَنْ خَلَقَ ذَلِكَ الأندادَ؛ وَهُم الأَكْفَاءُ مِن الرِّجَالِ تُطِيعُونَهُم في مَعَاصِي اللهِ) انْتَهَى.
قُلْتُ:كَمَا هوَ الوَاقِعُ مِنْ كَثِيرٍ مِنْ عُبَّادِ القُبُورِ.
الأقوال فى تفسير: {كحب الله
-المفسرون من السلف فمن بعدهم هنا على قولين:
1-منهم من يقول:هي كلها في الذين اتخذوا أنداداً، يعني: يحبون أندادهم كحبهم لله.
2- يحبونهم كحب المؤمنين لله، فالكاف بمعنى (مِثْل) هنا؛
كقوله: {ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِّن بَعْدِ ذلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً}، {كالحجارة}: الكاف هنا اسم بمعنى مثل؛ لأنه عطف عليه اسماً آخر، قال: {أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً}. {يحبونهم كحب الله}
والمعنى: أنهم يحبون الله حبّاً عظيماً ولكنهم يحبّون تلك الآلهة أيضاً حبّاً عظيماً، وهذا التساوي هو الشرك، والتسوية هذه هي التي جعلتهم من أهل النار؛ كما قال -جل وعلا- في سورة الشعراء مخبراً عن قول أهل النار: {تَاللَّهِ إِن كُنَّا لَفِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ} ومعلوم أنهم ما سوَّوا تلك الآلهة برب العالمين في الخلق والرزق ومفردات الربوبية، وإنما سووهم برب العالمين في المحبة والعبادة.
-وهذا الوجه أرجح من الوجه الأول(صالح آل الشيخ)
وجه الاستدلال من الآية ومناسبتها للباب
- في أن التشريك في المحبة منافٍ للتوحيد من أصله، بل حكم الله عليهم بأنهم اتخذوا أنداداً من دون الله، ووصفهم بأنهم اتخذوا الأنداد في المحبة، والمحبة محركة، وهي التي تبعث على التصرفات.
- والمحبة نوع من أنواع العبادة،ولما لم يفردوا الله بهذه العبادة صاروا متخذين أنداداً من دون الله، وهذا معنى التوحيد، ومعنى شهادة أن لا إله إلا الله
- ذَكَرَ أَنَّهُم يُحِبُّونَ أَنْدَادَهُم كَحُبِّ اللهِ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُم يُحِبُّونَ اللهَ حُبًّا عَظِيمًا فَلَمْ يُدْخِلْهُم في الإِسْلاَمِ، فَكَيْفَ بِمَنْ أَحَبَّ النِّدَّ أَكْبَرَ مِنْ حُبِّ اللهِ؟ فَكَيْفَ بِمَنْ لَمْ يُحِبَّ إِلاَّ النِّدَّ وَحْدَهُ؟) انتهى.
ففي الآيَةِ بَيَانُ أَنَّ مَنْ أَشْرَكَ مَعَ اللهِ في المَحَبَّةِ فَقَدْ جَعَلَهُ شَرِيكًا للهِ في العِبَادَةِ، واتَّخَذَهُ نِدًّا مِنْ دونِ اللهِ، وَأَنَّ ذَلِكَ هوَ الشِّرْكُ الذي لا يَغْفِرُهُ اللهُ، كَمَا قَالَ تَعَالَى في أُولَئِكَ: {وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ}
بيان أن المقصود بالظلم فى قَوْلِهِ: {وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ} الشِّرْكُ
- كَقَوْلِهِ: {وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ}[الأنعام:82]
شرك المحبة
فَكُلُّ مَن اتَّخَذَ نِدًّا للهِ، يَدْعُوهُ مِنْ دونِ اللهِ، وَيَرْغَبُ إِلَيْهِ وَيَرْجُوهُ لِمَا يُؤَمِّلُهُ منْهُم؛ مِنْ قَضَاءِ حَاجَاتِهِ وتَفْرِيجِ كُرُبَاتِهِ، كَحَالِ عُبَّادِ القُبُورِ والطَّوَاغِيتِ والأَصْنَامِ، فَلاَ بُدَّ أَنْ يُعَظِّمُوهُم ويُحِبُّوهُم؛ وإِنْ كَانُوا يُحِبُّونَ اللهَ تَعَالَى، ويَقُولُونَ: (لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ) وَيُصَلُّونَ ويَصُومُونَ، فَقَدْ أَشْرَكُوا باللهِ في المَحَبَّةِ بِمَحَبَّةِ غَيْرِهِ وعِبَادَةِ غَيْرِهِ.
عاقبة شرك المحبة
-يُبْطِلُ كُلَّ قَوْلٍ يَقُولُونَهُ، وَكُلُّ عَمَلٍ يَعْمَلُونَهُ؛ لأَِنَّ المُشْرِكَ لاَ يُقْبَلُ مِنْهُ عَمَلٌ، وَلاَ يَصِحُّ مِنْهُ.
وهؤلاءِ وإِنْ قَالُوا: (لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ) فَقَدْ تَرَكُوا كُلَّ قَيْدٍ قُيِّدَتْ بِهِ هَذِهِ الكَلِمَةُ العَظِيمَةُ؛ مِن العِلْمِ بِمَدْلُولِهَا؛ لأَِنَّ المُشْرِكَ
..جَاهِلٌ بِمَعْنَاهَا، وَمِنْ جَهْلِهِ بِمَعْنَاهَا جَعَلَ للهِ شَرِيكًا في المَحَبَّةِ وغَيْرِهَا، وَهَذَا هوَ الجَهْلُ المُنَافِي للعِلْمِ بِمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ مِن الإِخْلاَصِ،
..وَلَمْ يَكُنْ صَادِقًا في قَوْلِهَا؛ لأَِنَّهُ لَمْ يَنْفِ مَا نَفَتْهُ مِن الشِّرْكِ، وَلَمْ يُثْبِتْ مَا أَثْبَتَتْهُ مِن الإِخْلاَصِ،
..وتَرَكَ اليَقِينَ أَيْضًا؛ لأَِنَّهُ لَوْ عَرَفَ مَعْنَاهَا وَمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ لأََنْكَرَهُ، أَوْ شَكَّ فِيهِ وَلَمْ يَقْبَلْهُ، وهوَ الحَقُّ، وَلَمْ يَكْفُرْ بِمَا يُعْبَدُ مِنْ دونِ اللهِ، كَمَا في الحَدِيثِ.
- تَوَعَّدَ الله تَعَالَى المُشْرِكِينَ الظَّالِمِينَ لأَِنْفُسِهِم فَقَالَ: {وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ للهِ جَمِيعًا}. وَأَنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ لَوْ عَلِمُوا مَا يُعَانُونَ هناكَ وَمَا يَحُلُّ بِهِم مِن الأَمْرِ الفَظِيعِ المُنْكَرِ الهَائِلِ عَلَى شِرْكِهِم وكُفْرِهِم لاَنْتَهَوْا عَمَّا هُم فِيهِ مِن الضَّلاَلِ.
- تَبَرُّؤِ المَتْبُوعِينَ مِن التَّابِعِينَ فى الآخرة.
الأدلة على تَبَرُّؤِ المَتْبُوعِينَ مِن التَّابِعِينَ،
-:{إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا}[البقرة:166] تَبَرَّأَتْ منهم المَلاَئِكَةُ الذينَ كَانُوا يَزْعُمُونَ أَنَّهُم كانوا يَعْبُدُونَهُم في الدُّنْيَا،
-فَتَقُولُ المَلاَئِكَةُ: {تَبَرَّأْنَا إِلَيْكَ مَا كَانُوا إِيَّانَا يَعْبُدُونَ}[القصص:63]، ويَقُولُونَ: {سُبْحَانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنَا مِنْ دُونِهِمْ بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْـثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ}[سبأ:41]،
-والجِنُّ أَيْضًا يَتَبَرَّؤُونَ مِنْهُم ويَتَنَصَّلُونَ مِنْ عِبَادَتِهِم لَهُم، كَمَا قَالَ تَعَالَى:{وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللهِ مَنْ لاَ يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ (5) وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ}[الأحقاف:5،6])
حال المؤمنين
-وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا للهِ}؛ لأَِنَّهُم أَخْلَصُوا لهُ الحُبَّ فَلَمْ يُحِبُّوا إِلاَّ إِيَّاهُ، ويُحِبُّونَ مَنْ أَحَبَّ، ويُخْلِصُونَ أَعْمَالَهُم جَمِيعًا للهِ، ويَكْفُرُونَ بِمَا عُبِدَ مِنْ دونِ اللهِ. ويَتَوَكَّلُونَ عَلَيْهِ، ويَلْجَؤُونَ في جَمِيعِ أُمُورِهِم إِلَيْهِ.
حالات حب الله وحب غيره
-فَمَنْ أَحَبَّ اللهَ وَحْدَهُ، وأَحَبَّ فِيهِ وَلَهُ، فهوَ مُخْلِصٌ.
-وَمَنْ أَحَبَّهُ وَأَحَبَّ مَعَهُ غَيْرَهُ، فهوَ مُشْرِكٌ، كَمَا قَالَ تَعَالَى:{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ فَلاَ تَجْعَلُوا للهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ}[البقرة:21،22].
علاقة المحبة بالعبادة
-قَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُ أَنَّ الإِلَهَ هوَ المَأْلُوهُ الذي تَأْلَهُهُ القُلُوبُ بالْمَحَبَّةِ أوْ غَيْرِهَا مِنْ أَنْوَاعِ العِبَادَةِ.
-قَالَ شَيْخُ الإِسْلاَمِ مَا مَعْنَاهُ: (فَمَنْ رَغِبَ إِلَى غَيْرِ اللهِ في قَضَاءِ حَاجَةٍ أوْ تَفْرِيجِ كُرْبَةٍ، لَزِمَ أَنْ يَكُونَ مُحِبًّا لهُ،
فكَلِمَةُ الإِخْلاَصِ:(لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ) تَنْفِي كُلَّ شِرْكٍ في أيِّ نَوْعٍ كَانَ مِنْ أَنْوَاعِ العِبَادَةِ، وتُثْبِتُ العِبَادَةَ بِجَمِيعِ أَفْرَادِهَا للهِ تَعَالَى.
توحيد الحب والمحبوب (ابن القيم)
-فَتَوْحِيدُ المَحْبُوبِ أَنْ لاَ يَتَعَدَّدَ مَحْبُوبُهُ؛ أيْ: مَعَ اللهِ تَعَالَى بعِبَادَتِهِ لهُ،
وتَوْحِيدُ الحُبِّ: أَنْ لاَ يَبْقَى في قَلْبِهِ بَقِيَّةُ حُبٍّ حَتَّى يَبْذُلَهَا لَهُ؛
فَهَذَا الحُبُّ - وَإِنْ سُمِّيَ عِشْقًا - فهوَ غَايَةُ صَلاَحِ العَبْدِ ونَعِيمِهِ وقُرَّةُ عَيْنِهِ، ولَيْسَ لِقَلْبِهِ صَلاَحٌ ولاَ نَعِيمٌ إِلاَّ بِأَنْ يَكُونَ اللهُ ورَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ كُلِّ مَا سِوَاهُمَا، وَأَنْ يَكُونَ مَحَبَّتُهُ لِغَيْرِ اللهِ تَابِعَةً لِمَحَبَّةِ اللهِ تَعَالَى، فَلاَ يُحِبُّ إِلاَّ اللهَ، كَمَا في الحَدِيثِ الصَّحِيحِ:((ثَلاَثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ)) الحَدِيثَ
من محبة الله(ابن القيم)
-وَمَحَبَّةُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هيَ مِنْ مَحَبَّتِهِ؛
-وَمَحَبَّةُ المَرْءِ إِنْ كَانَتْ للهِ فهيَ مِنْ مَحَبَّتِهِ، وإِنْ كَانَتْ لِغَيْرِ اللهِ فَهِيَ مُنْقِصَةٌ لِمَحبَّةِ اللهِ مُضْعِفَةٌ لَهَا
- ويُصَدِّقُ هذه المَحَبَّةَ بأَنْ تَكُونَ كَرَاهِيَتُهُ لأِبْغَضِ الأَشْيَاءِ إِلَى مَحْبُوبِهِ - وهوَ الكُفْرُ - بِمَنْـزِلَةِ كَرَاهَتِهِ لإلْقَائِهِ في النَّارِ أوْ أَشَدَّ، وَلاَ رَيْبَ أَنَّ هَذَا مِنْ أَعْظَمِ المَحَبَّةِ، فَإِنَّ الإِنْسَانَ لاَ يُقَدِّمُ عَلَى مَحَبَّةِ نَفْسِهِ شَيْئًا، فَإِذَا قَدَّمَ مَحَبَّةَ الإِيمَانِ باللهِ عَلَى نَفْسِهِ - بِحَيْثُ لوْ خُيِّرَ بَيْنَ الكُفْرِ وَإِلْقَائِهِ في النَّارِ لاخْتَارَ أَنْ يُلْقَى في النَّارِ وَلاَ يَكْفُرُ - كَانَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ نَفْسِهِ،.
(7) قالَ المُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللهُ تعالَى: (في الصَّحِيحِ -مسلم - عنْ أَبِي مَالِكٍ الأَشْجَعِيِّ عَن النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: ((مَنْ قَالَ: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ، وَكَفَرَ بِما يُعْبَدُ مِنْ دونِ اللهِ، حَرُمَ مالُهُ وَدَمُهُ، وحِسابُهُ عَلَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ
تعَلَّقَ عِصْمَةَ المَالِ والدَّمِ في هَذَا الحَدِيثِ بِأَمْرَيْنِ:
الأَوَّلُ:قَوْلُ: (لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ) عِن عِلْمٍ وَيَقِينٍ، كَمَا هوَ مُقَيَّدٌ في قَوْلِهَا في غَيْرِ مَا حَدِيثٍ كَمَا تَقَدَّمَ.
والثَّانِي:الكُفْرُ بِمَا يُعْبَدُ مِنْ دُونِ اللهِ، فَلَمْ يَكْتَفِ باللَّفْظِ المُجَرَّدِ عن المَعْنَى، بلْ لاَ بُدَّ مِنْ قَوْلِهَا والعَمَلِ بِهَا.
-ويجمعهما قوله تعالى: {فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لاَ انفِصَامَ لَهَا}[البقرة:256]. (8)
الشَّرْطُ المُصَحِّحُ لِقَوْلِ: (لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ
فَلاَ يَصِحُّ قَوْلُهَا بدونِ هَذِهِ الخَمْسِ الَّتِي ذَكَرَهَا المُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللهُ تعالَى
1-التَّلَفُّظَ بِهَا
2-مَعْرِفَةَ مَعْنَاهَا مَعَ لَفْظِهَا،
3-و الإِقْرَارَ بذلكَ
4-وَلاَ يَدْعُو إِلاَّ اللهَ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ
5-يُضِيفَ إِلَى ذَلِكَ الكُفْرَ بِمَا يُعْبَدُ مِنْ دُونِ اللهِ،
-ولا يَتِمُّ ذلك؛ إلا بِمحَبَّةِ القائمينَ بتوحيدِ اللهِ، وموالاتِهم ونُصْرَتِهم، وبغضِ أهلِ الكفرِ والشركِ ومعاداتِهم، لا تُغْنِي في هذا المقامِ الألفاظُ المجردةُ ولا الدعاوَى الخاليةُ من الحقيقةِ، بلْ لا بدَّ أنْ يَتَطابقَ العلمُ والاعتقادُ والقولُ والعملُ، فإنَّ هذِه الأشياءَ متلازمةٌ، مَتَى تَخَلَّفَ واحدٌ مِنْها تَخَلَّفَتِ البَقِيَّةُ.(السعدى)
-فَإِنْ شَكَّ أوْ تَوَقَّفْ لَمْ يَحْرُمْ مَالُهُ ودَمُهُ
الأدلة من القرآن والسنة والإجماع على هذه الشروط:
-قَالَ تَعَالَى: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ للهِ}[الأنفال:39]
-وَقَالَ:{فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِن تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاَةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ}[التوبة:5] أَمَرَ بِقِتَالِهِم حَتَّى يَتُوبُوا مِن الشِّرْكِ ويُخْلِصُوا أَعْمَالَهُم للهِ تَعَالَى؛ ويُقِيمُوا الصَّلاَةَ، ويُؤْتُوا الزَّكَاةَ، فَإِنْ أَبَوْا عنْ ذلكَ أوْ بَعْضِهِ قُوتِلُوا إِجْمَاعًا. ويفسر الآيتين الحديثان التاليان
-في (صَحِيحِ مُسْلِمٍ) عنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا: ((أُمِرْتُ أَنْ أُقاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهدُوا أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ، وَيُؤْمِنوا بي وَبِمَا جِئْتُ بِهِ؛ فَإذا فَعَلُوا ذَلِكَ عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إِلاَّ بِحَقِّهَا، وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللهِ)).
-وفي (الصَّحِيحَيْنِ) عن ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:((أُمِرْتُ أَنْ أُقاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهدُوا أنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ، وَيُقِيمُوا الصَّلاَةَ، وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ، فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَموالَهُم إِلاَّ بِحَقِّها، وَحِسَابُهُم عَلَى اللهِ))
- عنْ جَابِرِ بنِ عبدِ اللهِ، عن النبيِّ صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى} قَالَ: ((مَنْ شَهِدَ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ، وَخَلَعَ الأَنْدَادَ، وَشَهِدَ أَنِّي رَسُولُ اللهِ)) الحديثَ.
-الإجماع
عَلَى أَنَّ مَنْ قَالَ: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ، وَلَمْ يَعْتَقِدْ مَعْنَاهَا، وَلَمْ يَعْمَلْ بِمُقْتَضَاهَا، أَنَّهُ يُقَاتَلُ حَتَّى يَعْمَلَ بِمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ مِن النَّفْيِ والإِثْبَاتِ.
وهو حاصل قول أَبُو سُلَيْمَانَ الخَطَّابِيُّ والقَاضِي عِياض و النَّوَوِيُّ:
كلام شيخ الإسلام عن الطائفة الممتنعة
-وقَالَ شَيْخُ الإِسْلاَمِ، لَمَّا سُئِلَ عنْ قِتَالِ التَّتَارِ فَقَالَ: (كُلُّ طَائِفَةٍ مُمْتَنِعَةٍ عن الْتِزَامِ شَرَائِعِ الإِسْلاَمِ الظَّاهِرَةِ منْ هؤلاء القَوْمِ أوْ غَيْرِهم؛ فَإِنَّهُ يَجِبُ قِتَالُهُم حَتَّى يَلْتَزِمُوا شَرَائِعَهُ، وإِنْ كَانُوا مَعَ ذَلِكَ نَاطِقِينَ بالشَّهَادَتَيْنِ ومُلْتَزِمِينَ بَعْضَ شَرَائِعِهِ. كَمَا قَاتَلَ أَبُو بَكْرٍ والصَّحَابَةُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُم مَانِعِي الزَّكَاةِ، وعَلَى هَذَا اتَّفَقَ الفُقَهَاءُ بَعْدَهُم).قَالَ: (فَأَيُّمَا طَائِفَةٍ امْتَنَعَتْ عنْ بَعْضِ الصَّلَوَاتِ المَفْرُوضَاتِ، أو الصِّيامِ؛ أو الحَجِّ، أوْ عن الْتِزَامِ تَحْرِيمِ الدِّمَاءِ، أو الأَمْوالِ، أو الخَمْرِ، أو المَيْسِرِ، أوْ نِكَاحِ ذَوَاتِ المَحَارِمِ، أوْ عن الْتِزَامِ جِهَادِ الكُفَّارِ؛ أوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِن الْتِزَامِ وَاجِبَاتِ الدِّينِ ومُحَرَّمَاتِهِ التي لاَ عُذْرَ لأَِحَدٍ في جُحُودِهَا أوْ تَرْكِهَا، التي يَكْفُرُ الوَاحِدُ بِجُحُودِهَا؛ فَإِنَّ الطَّائِفَةَ المُمْتَنِعَةَ تُقَاتَلُ عَلَيْهَا وَإِنْ كَانَتْ مُقِرَّةً بِهَا، وَهَذَا مِمَّا لاَ أَعْلَمُ فِيهِ خِلاَفًا بَيْنَ العُلَمَاءِ. قَالَ: وهؤلاء عِنْدَ المُحَقِّقِينَ لَيْسُوا بُغَاةً، بلْ هُمْ خَارِجُونَ عن الإِسْلاَمِ)انْتَهَى.
معنى قَوْلُهُ: ((وَحِسابُهُ عَلَى اللهِ
-أي: اللهُ تَبَارَكَ وتَعَالَى هوَ الذي يَتَوَلَّى حِسَابَهُ، فَإِنْ كَانَ صَادِقًا جَازَاهُ بِجِنَّاتِ النَّعِيمِ، وإِنْ كَانَ مُنَافِقًا عَذَّبَهُ العَذَابَ الأَلِيمَ.
-في الدُّنْيا الحُكْمُ عَلَى الظَّاهِرِ،فَمَنْ أَتَى بالتَّوْحِيدِ ولَمْ يَأْتِ بِمَا يُنَافِيهِ ظَاهِرًا، والْتَزَمَ شَرَائِعَ الإِسْلاَمِ، وَجَبَ الكَفُّ عنه.
الواو فى قوله :وَكَفَرَ بِمَا يُعْبَدُ مِنْ دُونِ اللهِ
1- الواو هنا تعطف، ويكون ما بعدها غير ما قبلها؛ لأن الأصل في العطف المغايرة، ويكون((كفر بما يعبد من دون الله)):هذه زيادة على مجرد القول، فيكون قال: لا إله إلا الله، ومع قوله كفر بما يعبد من دون الله، يعني: تبرأ مما يعبد من دون الله.
2- :أن الواو هنا ليست عاطفة عطف مغايرة شيء عن شيء أصلاً،وإنما هي من باب عطف التفسير، يعني: يكون ما بعدها بعض ما قبلها؛
مثال كقوله جل وعلا:{مَنْ كَانَ عَدُوّاً لله وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْريلَ وَميكالَ} جبريل وميكال: بعض الملائكة؛ فعطفهم، وخصهم بالذكر؛ وأظهر اسم جبريل وميكال لبيان أهمية هذين الاسمين، وأهمية الملكين؛ لأن أولئك اليهود لهم كلام في جبريل وميكال.
فيكون إذاً: لا إله إلا الله -على هذا القول الثاني- متضمنة للكفر بما يعبد من دون الله، وهذا هو الذي ذكرته لك في معنى البراءة في آية الزخرف:{إِنَّنِي بَرَاءٌ مِّمَّا تَعْبُدُونَ إِلاَّ الَّذِي فَطَرَنِي} قلنا: البراءة تتضمن البغض، والكفر، والمعاداة؛ الكفر بما يعبد من دون الله، وهذا تفسير ظاهر لكلمة التوحيد.
الترجيح الوجه الثاني هو الأظهر والأنسب لسياق الشيخ رحمه الله تعالى، بل هو الذي يتوافق مع ما قبله من الأدلة(صالح آل الشيخ)
*هذا وما كان من توفيق فمن الله ...وما كان من خطأ أو سهو أو زلل أو نسيان فمنى ومن الشيطان ...والله ورسوله منه براء
*والباب مفتوح لإبداء أى ملاحظات

وصل اللهم على سيدنا محمد والحمد لله رب العالمين

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 8 جمادى الأولى 1437هـ/16-02-2016م, 01:00 AM
صفاء الكنيدري صفاء الكنيدري غير متواجد حالياً
برنامج الإعداد العلمي - المستوى الثامن
 
تاريخ التسجيل: Aug 2014
المشاركات: 728
افتراضي

-وجه الدلالة في الآية
قوله {بظلم} نكرة في سياق{لم يلبسوا} وهذا يدل على عموم أنواع الظلم، لأن النكرة في سياق النفي أو النهي تدل على العموم، ولكن المراد بالعموم هنا العموم الذي يراد به الخصوص وهو أن يكون لفظه عام، لكن يراد به الخصوص، ولذلك كان المراد بالظلم نوع خاص وهو الشرك بأنواعه، وليس المراد أنواع الظلم كلها.
وبذلك يكون وجه الاستدلال ظاهر والمعنى: الذين آمنوا ولم يلبسوا توحيدهم بأي نوع من أنواع الشرك ، فأولئك هم الآمنون المهتدون في الدنيا والآخرة.

تكميلاً لما نقص في التلخيص.

رد مع اقتباس
  #7  
قديم 8 جمادى الأولى 1437هـ/16-02-2016م, 09:50 PM
سعد بن فريح المشفي سعد بن فريح المشفي غير متواجد حالياً
برنامج الإعداد العلمي - المستوى الخامس
 
تاريخ التسجيل: Feb 2015
المشاركات: 376
افتراضي

تلخيص الدرس الرابع من كتاب التوحيد
باب الخوف من الشرك
عناصر الدرس:
* شرح التبويب.
- معنى الخوف.
- تعريف الشرك.
- أنواع الشرك.
- ثمرات الخوف من الشرك.
- معنى قوله ( باب الخوف من الشرك).
* شرح قوله تعالى:( إن الله لا يغفر أن يشرك به ... ).
- معنى المغفرة.
- معنى قوله:( لا يغفر أن يشرك به ).
- معنى قوله:( ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء).
- هل يدخل الشرك الأصغر تحت المشيئة أم أنه لا يغفر؟
- بيان أسباب عدم غفران الله للشرك.
- التائب من الشرك مغفور له.
- مناسبة الآية للباب.
* شرح قوله تعالى: ( واجنبني وبني أن نعبد الأصنام ).
- معنى الصنم.
- معنى الوثن.
- الفرق بين الصنم والوثن.
- معنى الآية.
- سبب خوف إبراهيم عليه السلام من عبادة الأصنام.
- مناسبة الآية للباب.
* شرح حديث ( أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر..).
- معنى الرياء.
- أقسام الرياء.
- حكم العمل الذي اختلط بالرياء.
- معنى قوله:( أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر).
- بيان سبب خوف النبي صلى الله عليه وسلم من الشرك الأصغر.
* شرح حديث:( من مات وهو يدعو من دون الله نداً دخل النار).
- معنى الند.
- اتخاذ الند على قسمين.
- حكم دعاء غير الله.
- المراد بلفظ (من دون الله).
- معنى قوله (دخل النار).
- معنى الحديث.
* شرح حديث: (من لقي الله لايشرك به شيئاً دخل الجنة، ومن لقيه يشرك به شيئاً دخل النار).
- معنى قوله: ( من لقي الله لايشرك به شيئا).
- معنى قوله: (دخل الجنة).
- بيان حال أصحاب الذنوب من أهل التوحيد.
- معنى قوله: ( ومن لقيه يشرك به شيئاً دخل النار).
- بيان حال الكافر في دخوله النار.
- هل يدخل الشرك الأصغر في موازنة الحسنات والسيئات؟
- الفرق بين الشرك الأصغر مع العلم ومع الجهل.

تفصيل العناصر:
* شرح التبويب:
- معنى الخوف:
هو فزع القلب وهلعه.
- تعريف الشرك:
هو إشراك غير الله معه في أي نوع من أنواع العبادة.
- أنواع الشرك:
1) شرك أكبر جلي: وهو أن يجعل لله نداً يدعوه كما يدعو الله، أو يصرف له نوعاً من أنواع العبادة.
2) شرك أصغر خفي: هو جميع الأقوال والأفعال التييتوسل بها إلى الشرك، كالحلف بغير الله ويسير الرياء.
- ثمرات الخوف من الشرك:
1) أن يكون الخائف عالماً بالشرك وأنواعه، حتى لا يقع فيه.
2) أن يكون متعلماً للتوحيد بأنواعه، حتى يقوم في قلبه الخوف من الشرك ويعظم ويستمر عليه.
3) أن يكون دائم الاستقامة على طاعة الله ودائم الاستغفار عند غفلته.
4) أن يسعى بالفرار من الشرك ووسائله وطرقه وأسبابه.
5) أن يجتهد في تنمية الإخلاص في قلبه وتقويته، وذلك بكمال التعلق بالله تألهاً.
6) أن يسأل الله العافية منه.
- مناسبة الباب لما قبله:
أن تحقيق التوحيد لا بد أن يقترن معه الخوف من الشرك. فكل محقق للتوحيد راغب فيه يخاف من الشرك فالخوف هو الذي يجعله حريصاً على البعد عنه.
- معنى قوله ( باب الخوف من الشرك):
كأن المصنف يقول لك: إذا كنت تخاف من الشرك وعرفت ماتوعد به أهل الشرك بعدم المغفرة لهم، فينبغي لك أن تتعلم التوحيد وأن تخاف من الشرك وتبتعد عنه، فكل مافي هذا الكتاب بعد هذين البابين هو تفصيل لهما.

* شرح قوله تعالى:( إن الله لا يغفر أن يشرك به ... ):
- معنى المغفرة:
لغة: غفر إذا ستر، ومنه سمي مايوضع على الرأس مغفراً.
والمغفرة: هي الستر لما يخاف وقوع أثره.
- معنى قوله:( لا يغفر أن يشرك به ):
أي لا يغفر أبداً لعبد لقيه وهو مشرك.
- معنى قوله:( ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء):
أي أن الله يغفر ما دون الشرك من الذنوب لمن يشاء من عباده.
- هل يدخل الشرك الأصغر تحت المشيئة أم أنه لا يغفر؟
الجواب: اختلف العلماء في ذلك على قولين:
1) أن الشرك الأصغر يدخل في عموم قوله تعالى:( إن الله لا يغفر أن يشرك به)، وعليه فلا يدخل تحت المغفرة، ولا يغفر إلا بالتوبة، ومن مات ولم يتب فلا يغفر له ما فعل من الشرك. وهذا اختيار ابن تيمية وابن القيم والشيخ محمد بن عبدالوهاب وأكثر علماء الدعوة.
2) وقال آخرون من أهل العلم:
أن الآية دالة على العموم، ولكنه عموم يراد به خصوص الشرك الأكبر، لأنه غالباً مايرد في القرآن قوله: ( أن يشرك به)، ويراد به الشرك الأكبر دون الأصغر، ومن شواهد ذلك:
قوله تعالى: ( وقال المسيح يابني إسرائيل اعبدوا الله ربي وربكم إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار)، فقوله ( يشرك) لا يدخل فيه الشرك الأصغر بالإجماع.
وقوله تعالى: ( ومن يشرك بالله فكأنما خر من السماء ..) ويراد به الشرك الأكبر.
- بيان أسباب عدم غفران الله للشرك:
1) أن فيه تنقص لرب العالمين، وصرف خالص حقه لغيره، وعدل غيره به، كما قال تعالى:( ثم الذين كفروا بربهم يعدلون).
2) أن فيه غاية المعاندة لرب العالمين، والاستكبار عن طاعته، والذل له، وهذا مناقض للمقصود بالخلق والأمر.
3) أن فيه تشبيه للمخلوق بالخالق في خصائصه الإلهية من الخلق والعطاء والمنع والنفع والضر.
4) أن من خصائص الإلهية الكمال المطلق من جميع الوجوه، وهذا يوجب عقلاً وشرعاً وفطرة أن تكون العبادة لله وحده، ويمتنع أن تكون لغيره.
- التائب من الشرك مغفور له:
فلا يحمل قوله تعالى: ( ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ) على التائب، لأن التائب من الشرك مغفور له، كما قال تعالى: ( قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله)، فهنا عم وأطلق، لأن المراد به التائب، وهناك خص وعلق لأن المراد به من لم يتب.
- مناسبة الآية للباب:
لما كان اختيار إمام الدعوة أن العموم شامل لأنواع الشرك الأكبر والأصغر والخفي ، كان الاستدلال صحيحاً، لأنه إذا كان الشرك بأنواعه لا يغفر فهذا يوجب الخوف منه أعظم الخوف.

* شرح قوله تعالى: ( واجنبني وبني أن نعبد الأصنام ):
- معنى الصنم:
هو ما جعل على صورة مما يعبد من دون الله، كشكل وجه رجل، أو جسم حيوان.
- معنى الوثن:
هو ما عبد من دون الله، مما ليس على هيئة صورة، كالقبر.
- الفرق بين الصنم والوثن:
الوثن أعم من الصنم، ولذلك يطلق الوثن على الأصنام، كقوله تعالى:( إنما تعبدون من دون الله أوثاناً وتخلقون إفكا).
- معنى الآية:
أي اجعلني وبني في جانب عن عبادة الأصنام، وباعد بيننا وبينها. وقد استجاب الله دعاءه وجعل بنيه أنبياء وجنبهم عبادة الأصنام.
- سبب خوف إبراهيم عليه السلام من عبادة الأصنام:
قد بين مايوجب الخوف بقوله:( رب إنهن أضللن كثيراً من الناس)، فوقوع كثير من الناس في الشرك الأكبر، أوجب ذلك خوفه من أن يقع فيما وقع فيه الكثير من الشرك الذي لا يغفره الله.
- مناسبة الآية للباب:
أن الذي دعا بهذه الدعوة هو إبراهيم عليه السلام، الذي حقق التوحيد ووصفه الله بأنه كان أمة قانتا لله حنيفا ولم يك من المشركين، فكيف يأمن من الشرك من هو دونه في الفضل.

* شرح حديث ( أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر..):
- معنى الرياء:
مشتق من الرؤية، فجهته الرؤية.
- أقسام الرياء:
قسمين:
1) رياء المنافق: وهو رياء في أصل الدين، بمعنى: أنه راءى بإظهار الإسلام وإبطان الكفر، قال تعالى:( يراءون الناس ولا يذكرون الله إلا قليلا)
2) رياء المسلم: وهو أن يحسن صلاته من أجل الناس.
- حكم العمل الذي اختلط بالرياء:
العمل مع الرياء له حالتان:
1) إذا ابتدأ نية العمل بالرياء، كمن يصلي لأجل الناس، وليس له رغبة في الصلاة، فصلاته باطلة وليس له فيها ثواب.
2) أن يعرض له الرياء أثناء العبادة، فيكون ما زاده لأجل الرؤية باطلاً، لحديث: ( أن أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملاً أشرك فيه معي غيري تركته وشركه).
- معنى قوله:( أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر):
أي هو أخوف الذنوب التي خافها رسول الله صلى الله عليه وسلم على أهل التوحيد، لأنهم ما داموا أهل توحيد فإنهم ليسوا من أهل الشرك الأكبر، فيكون أشد ما يُخاف عليهم الشرك الأصغر.
- بيان سبب خوف النبي صلى الله عليه وسلم من الشرك الأصغر:
لأن أثره عظيم، وهو أنه لا يغفر، والناس قد يغفلون عنه، والشيطان حريص على إيقاع أهل التوحيد فيه، ووصمهم بالرياء في الأقوال والأعمال والنيات، وفرحه به أعظم من فرحه بغيره من الذنوب.

* شرح حديث:( من مات وهو يدعو من دون الله نداً دخل النار):
- معنى الند:
قال ابن القيم: الند هو الشبيه، يقال: فلان ند فلان ونديده أي شبيهه.
- اتخاذ الند على قسمين:
1) أن يجعله شريكا مع لله في أنواع العبادة أو بعضها، وهذا شرك أكبر لقوله تعالى: (فلا تجعلوا لله أنداداً وأنتم تعلمون).
2) ماكان من نوع الشرك الأصغر، كقول الرجل: ماشاء الله وشئت، ولولا الله وأنت.فقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم لما قال له الرجل: ماشاء الله وشئت، قال: أجعلتني لله نداً. رواه أحمد
- حكم دعاء غير الله:
الدعاء عبادة، وهو أعظم العبادات، للحديث الصحيح: (الدعاء هو العبادة)، فمن مات وهو يصرف هذه العبادة أو شيئاً منها لغير الله فقد وقع في الشرك الأكبر واستوجب النار.
- المراد بلفظ (من دون الله):
يراد به عند علماء التفسير وأهل التحقيق شيئان:
1) أن تأتي بمعنى (مع)، فيكون المعنى: مع الله، وعبر عن المعية بهذا اللفظ لأن كل من دعي مع الله فهو دونه جل وعلا، فهذا دليل على بشاعة عملهم.
2) أن تأتي بمعنى (غير)، فيكون المعنى: يدعو إلهاً مع الله، أي أنه لم يعبد الله وأشرك معه غيره، بل دعا غيره استقلالاً.
فشملت (من دون الله) الحالين: من دعا الله ودعا غيره معه، ومن دعا غير الله وتوجه إليه استقلالاً.
- معنى قوله (دخل النار):
أي خالداً فيها كحال الكفار، لأن المسلم إذا وقع منه الشرك الأكبر فإنه بذلك يحبط عمله ولو كان أصلح الصالحين، لقوله تعالى لنبيه : ( ولقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين، بل الله فاعبد وكن من الشاكرين).
- معنى الآية:
أي من مات وهو يجعل لله نداً في العبادة يدعوه ويسأله ويستغيث به دخل النار خالداً مخلداً فيها.

* شرح حديث: (من لقي الله لايشرك به شيئاً دخل الجنة، ومن لقيه يشرك به شيئاً دخل النار):
- معنى قوله: ( من لقي الله لايشرك به شيئا):
فيها عمومان:
1) عموم في أنواع الشرك، لوقوع النكرة في سياق النفي (لايشرك).
2) عموم في المشرَك بهم، لأنه أيضاً نكرة في سياق النفي (شيئا).
فيكون المعنى: نفي لجميع أنواع الشرك، ونفي لجميع أنواع المعبودات لا لملك ولا لنبي ولا لشجر ولا لقبر.
- معنى قوله: (دخل الجنة):
أي أن من لم يشرك بالله شيئاً فهو موعود بدخول الجنة برحمته سبحانهوتفضله وبوعده الصادق.
- بيان حال أصحاب الذنوب من أهل التوحيد:
من مات من أهل التوحيد ولم يكن من أهل الكبائر المصرين عليهافهو يدخل الجنة أولاً، وأما من مات وهو مصر على كبيرة فهو تحت المشيئة، فإن عفى الله عنه دخل الجنة أولاً وإلا عذب بالنار ثم يخرج منها ويدخل الجنة.
- معنى قوله: ( ومن لقيه يشرك به شيئاً دخل النار):
أي أن كل مشرك موعود بالنار، لأن من لقي الله وهو على شيء من الشرك فإنه سينال العقوبة والعذاب في النار والعياذبالله.
- بيان حال الكافر في دخوله النار:
لا فرق بين الكتابي وعبدة الأوثان وسائر الكفرة فيدخلونها ويخلدون فيها.
- هل يدخل الشرك الأصغر في موازنة الحسنات والسيئات؟
الجواب: نعم، الشرك الأصغر يدخل في الموازنة، فإذا رجحت حسناته على سيئاته فإنه لا يعذب على الشرك الأصغر. لكن هذا ليس في حق كل أحد من الخلق، فإن منهم من يعذب على الشرك الأصغر لأن الموازنة لا تشمل كل الخلق ولا كل الذنوب، بل قد يكون من الذنوب ما يستوجب دخول النار ولو رجحت حسناته على سيئاته.
- الفرق بين الشرك الأصغر مع العلم ومع الجهل:
في حديث أبي الصديق: (اللهم إني أعوذ بك أن أشرك بك شيئاً أعلمه، وأستغفرك لما لا أعلمه) فيه دليل على أن الشرك الأصغر مع العلم أخطر من الشرك الأصغر مع الجهل، فيجب على المسلم أن يستعيذ من الشرك الأصغر ولا يتهاون به.

رد مع اقتباس
  #8  
قديم 8 جمادى الأولى 1437هـ/16-02-2016م, 09:54 PM
صفاء الكنيدري صفاء الكنيدري غير متواجد حالياً
برنامج الإعداد العلمي - المستوى الثامن
 
تاريخ التسجيل: Aug 2014
المشاركات: 728
افتراضي

-المراد بالأمن في الآية
هو الأمن التام في الدنيا، والمراد به أمن القلب وعدم حزنه على غير الله عز وجل.
زيادة في البيان:
الأمن التام لا يقتصر على الدنيا، بل يشمل الدنيا والآخرة، وهذا في حق من كمل التوحيد وحققه بجميع شروطه ولوازمه، كما قال تعالى: {أولئك لهم الأمن وهم مهتدون}

رد مع اقتباس
  #9  
قديم 9 جمادى الأولى 1437هـ/17-02-2016م, 01:21 AM
الصورة الرمزية جٓنّات محمّد الطيِّب
جٓنّات محمّد الطيِّب جٓنّات محمّد الطيِّب غير متواجد حالياً
برنامج الإعداد العلمي - المستوى الثامن
 
تاريخ التسجيل: May 2013
الدولة: في دار الكبَد
المشاركات: 1,584
افتراضي

{ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا}

أخطاء وقعت سهوا:

في العناصر
{وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون}

بيان إقرار المشركين الأولين بتوحيد الربوبية
{قُل لمن الأرض ومن فيها إن كنتم تعلمون}
{وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون}


في موقف المشركين من توحيد الألوهية
{أم اتخذوا من دون الله شفعاء}

رد مع اقتباس
  #10  
قديم 12 جمادى الأولى 1437هـ/20-02-2016م, 04:01 AM
الصورة الرمزية جٓنّات محمّد الطيِّب
جٓنّات محمّد الطيِّب جٓنّات محمّد الطيِّب غير متواجد حالياً
برنامج الإعداد العلمي - المستوى الثامن
 
تاريخ التسجيل: May 2013
الدولة: في دار الكبَد
المشاركات: 1,584
Post

تلخيص درس :بابُ مِنَ الشِّرْكِ لُبْسُ الْحَلْقَةِ وَالْخَيْطِ وَنَحْوِهِمَا لِرَفْعِ الْبَلاَءِ أَوْ دَفْعِهِ


العناصر:

مناسبة بداية الشيخ بتفصيل الشرك الأصغر قبل الأكبر
تفسير الآية من سورة الزمر
المعنى الإجمالي
مناسبة الآية للباب
ما يتميز به التوحيد
ما يضاد التوحيد
لماذا استدل الشيخ بالآية وهي في الشرك الأكبر؟

شرح حديث عمران بن حصين
معنى قوله: باب من الشرك لبس الحلقة والخيط ونحوها
معنى الحديث
الفلاح المنتفي في الحديث
دلالة الحديث على أنّ الشرك الأصغر أكبر من الكبائر
اعتقادات العرب في الحلقة والخيط والتمائم
وجه كون تعلق هذه الأشياء شركا أصغر
أنواع الأسباب المؤثرة
القاعدة في إثبات الأسباب
صور عن الشرك الأصغر
هل يمكن أن يتحول هذا النوع من الشرك إلى شرك أكبر؟

شرح حديث عقبة بن عامر
المفردات
المعنى

شرح الآية:{وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون}
المعنى
دلالة استشهاد حذيفة بهذه الآية

خلاصة الباب: معرفة أحكام الأسباب
فوائد

________________________________________

التفصيل


مناسبة بداية الشيخ بتفصيل الشرك الأصغر قبل الأكبر
شرع الشيخ في هذا الباب في تفصيل ما سبق،وبدأ بالشرك الأصغر قبل الأكبر لما يلي :
-انتقالا من الأدنى إلى الأعلى.
- لأن الشرك الأكبر شبهته واضحة، أمّا الشبهة في الأصغر فضعيفة وتحتاج إلى توضيح:
فالمتعلق بالتميمة مثلا قد لا يظهر له أنّه متعلق بغير الله ،فإن هو وعى واقتنع به وأدرك قبحه،كان من السهولة بمكان إقناعه بكون التعلق بالأولياء والصالحين شرك أكبر،ومدى قبح هذا الأخير.


تفسير الآية من سورة الزمر

اقتباس:
قال تعالى:{قُلْ أَفَرَأَيْتُم مَّا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أوْ أرَادَنِي بِرَحمَةٍ هلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِيَ اللهُ عَلَيهِ يَتوكَّلُ المُتَوكِّلُونَ} [الزُّمَر:38].
يعبدون : أي يدعون لأن الدعاء هو العبادة ،و يكون إمّا دعاء مسألة أو دعاء عبادة.
ما يعبدون؟:يدخل في الآية كل ما عبد من دون الله ،سواء كان نبيا أو ملكا أو صالحا أو كوكبا أو شجرا أو حجرا...

المعنى الإجمالي
لمّا سأل النبيّ صلى الله عليه وسلّم كفار قريش ،عن مدى استطاعة الآلهة التي يعبدونها من دون الله في كشف الضر أو إمساك الخير، لعلمهم عن عجز آلهتهم عن ذلك كلّه ، لأنّهم لا يعتقدون فيها ذلك،وإنّما اتخذوها وسائط وشفعاء عند الله، لعلمهم أنّ هذه الأفعال ، هي من أفراد الربوبية التي لا يقدر عليها إلاّ الله جلّ في علاه.
قال تعالى :{ثمّ إذا مسكم الضرّ فإليه تجأرون} الآية.

مناسبة الآية للباب
في الآية إبطال تعلق القلب بغير الله في جلب النفع أو دفع الضر أو رفعه ،وأنّ ذلك من الشرك الأكبرالذي هو ضد التوحيد.

ما يتميز به التوحيد
يتميز التوحيد ويعرف حسنه بمعرفة قبح الشرك:
-بمعرفته معناه في نفسه.
-بمعرفة أفراده.
-بمعرفة ضده وهو الشرك.

ما يضاد التوحيد
يضاد التوحيد الشرك الأكبر والأصغر والخفيّ و(نوع الشرك)،وبيان ذلك :
-ما يضاد التوحيد في أصله :وهو الشرك الأكبر.
-ما يضاد التوحيد في كماله : وهو الشرك الأصغر والخفيّ وما يسميه العلماء (نوعٌ الشرك).
مثال عن( نوع الشرك)أو التشريك: إنكار نعمة الله ،كما في قوله تعالى: {يعرفون نعمة الله ثم بنكرونها}.


لماذا استدل الشيخ بالآية وهي في الشرك الأكبر؟
قال العلماء هذه الآية في الشرك الأكبر ،واستدل بها الشيخ على الشرك الأصغر لوجهين:

الوجه الأول:
الآيات الواردة في الشرك الأكبر تورد في إبطال الشرك الأصغر لأن كليهما فيه تعلق بغير الله ،فإذا بطل في الأعظم بطل فيما هو دونه.

الوجه الثاني:
في الآية نفي الإضرار والنفع إلا عن الله تعالى، وهذه أفراد تعلق المشركين شركا أصغر بالحلقة والخيط ونحوها؛
فإذا انتفت هذه الأفراد عمّن هو أعظم كالملائكة والأنبياء ،كان من باب أولى انتفاؤها عن هذه الأشياء المهينة.


شرح حديث عمران بن حصين

اقتباس:
عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم رَأَى رَجُلاً فِي يَدِهِ حَلْقَةٌ مِنْ صُفْرٍ، فَقَالَ: ((مَا هَذِهِ؟)).
قَالَ: مِنَ الْوَاهِنَةِ. فَقَالَ: ((انْزِعْهَا؛ فَإِنَّهَا لاَ تَزِيدُكَ إِلاَّ وَهْنًا، فَإِنَّكَ لَوْ مُتَّ وَهِيَ عَلَيْكَ مَا أَفْلَحْتَ أَبَدًا)) رَوَاهُ أَحْمَدُ بِسَنَدٍ لاَ بَأْسَ بِهِ.
معنى قوله: باب من الشرك لبس الحلقة والخيط ونحوها..
أي أنّ لبس الحلقة والخيط هو بعض أنواع الشرك وأفراده.
نحو الحلقة والخيط: كالخرز ومما يلبس من الحديد أو يعلق في السيارات أو على الصغار.


معنى الحديث
ما هذه؟ للإنكار -لا للاستفسار- عن سبب لبسها، ولم يعذر الرجل جهله .
الواهنة: مرض يأخذ في عضد الرجل دون المرأة ،أو عرق بأخذ من المنكب إلى اليد كلها.
انزعها: أي بقوة ،فهي لا تنفع بل تضره وتزيده وهنا وضعفا،جزاء لتعلقه بغير الله.
وهذا حال كل أمر منهي عنه فهو أن لم يكن ضارا بالكلية كان ضره أكبر من نفعه .
ما أفلحت أبدا: أي خسرت لأنها شرك والله لايغفر الشرك.

الفلاح المنفي في الحديث
الفلاح المقصود في الحديث إمّا أن يكون*:
الفلاح المطلق:
هوالفلاح الكامل؛ أي: دخول الجنة والنجاة من النار ، وهو الفلاح المنتفي عن الرجل ،إذا كان تعلقه بنفس الحلقةلأنّ عندها يكون شركا أكبرا (كما سيأتي تفصيله في أحكام الاسباب).

مطلق الفلاح
هو الفلاح الخاص أي درجة من الفلاح، فلا يلزم الرجل الخلود في النار إن مات وهي بيده ، إن كان تعلق بالحلقة معتقدا فيها أنها واسطة ووسيلة لرفع الواهنة لأن هذا من الشرك الأصغر.


دلالة الحديث على أنّ الشرك الأصغر أكبر من الكبائر
في هذا الحديث شاهد على كلام الصحابة أنّ الشرك الأصغر أكبر من الكبائر ،لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قد أخبر الرجل بانتفاء الفلاح عنه إن مات وهي بيده، سواء قصد مطلق الفلاح أو الفلاح المطلق، كون الله سبحان الله وتعالى لا يغفر الشرك ويغفر ما دون ذلك، والكبائر دون الشرك إذ أنها تحت المشيئة ،إن شاء عذب مرتكبها وإن شاء غفر له.


اعتقادات العرب في الحلقة والخيط والتمائم
كان العرب يعتقدون أنّ تعليق مثل هذه الأشياء يؤثر في متعلقها ، قبل أن يأتي البلاء أو بعد وقوعه ،
والأول أطمّ لأنّ فيه اعتقاد أنّ هذه الأشياء الوضيعة لها القدرة على دفع أقدار الله تعالى.


وجه كون هذه الأشياء شركا أصغر
تعليق التمائم والحلق وما شابة شرك أصغر لتعلق القلب بها وجعلها سببا في رفع البلاء أودفعه وهي ليست كذلك.


أنواع الأسباب المؤثرة
لا يسمى سببا مشروعا إلا ما كان:
سببا شرعيا:أي؛ ما أثبت الشرع كونه سببا.
مثاله:قال تعالى: {يخرج من بطونها شراب مختلف ألوانه فيه شفاء للناس}.

سببا قدريا:ما كان مثبتا بالتجربة الواقعةو تأثيره ظاهر غير خفيّ.
مثاله: التداوي بالأعشاب أو بالأدوية التي يصفها الطبيب.

القاعدة في إثبات الأسباب
إثبات أسباب مؤثرة لم يثبتها الشرع غير جائز ، فمن أثبت سببا لم يجعله الله سببا لا شرعا ولا قدرا فقد أشرك.

صور عن الشرك الأصغر
-لبس الحلق و الخيط.
-تعليق التمائم.
-الحلف بغير الله.
-قول"ما شاء الله و شئت.
-قول لولا الله وفلان ما حدث كذا وكذا.


هل يمكن أن يتحول هذا النوع من الشرك إلى شرك أكبر؟
قد يكون هذا النوع من الشرك أكبرا بحسب حال المعتقد فيها:
-إذا اعتقد في هذه الأشياء أنها تنفع وتضر في نفسها وليست سببا، فقد أشرك شركا أكبر لأنها تعلق بغير الله.
-إذا اعتقد أنها سببا مؤثر أو واسطة فقد أشرك شركا أصغر لأنه اتخذ ما لم يجله الله سببا سببا.


شرح حديث عقبة بن عامر

اقتباس:
وَلَهُ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ مَرْفُوعًا: ((مَنْ تَعَلَّقَ تَمِيمَةً فَلاَ أَتَمَّ اللهُ لَهُ، وَمَنْ تَعَلَّقَ وَدَعَةً فَلاَ وَدَعَ اللهُ لَهُ)). وَفِي رِوَايَةٍ: ((مَنْ تَعَلَّق تَمِيمَةً فَقَدْ أَشْرَكَ)).
المفردات
تعلق: علّق فهو لبسها وقلبه تعلق بما لبس.
التميمة:نوع خرزات توضع على صدور الصغار والكبار لأجل دفع العين أو الحسد أو الضرر.
الودعة: نوع صدف أو خرز يوضع لنفس الغرض من تعليق التميمة.

المعنى
دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم على معلق التميمة والودعة لأن في ذلك تعلق بغير الله وهو شرك.
و( التميمة) من (التمام) لاعتقادهم بأن الأمر يتم بها.
و(الودعة) من( الدعة) لاعتقادهم أن تجلب الدعة والراحة؛
لذا دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم على من لبسهما بعدم تمام الأمر له وبعدم الراحة والسكون.


شرح الآية:{وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون}

المعنى
أي أنهم يؤمنون بتوحيد الربوبية ويشركون غير الله جل وعلا في العبادة ،فهم مشركون في توحيد الألوهية وهذا حال سواد الناس والله المستعان.

دلالة استشهاد حذيفة بهذه الآية
-هذه الآية دليل في الشرك الأكبر، وفيه استدلال الصحابة بما ورد في الشرك الأكبر على الأصغر كما سبق.
-الإنكار على من علق الخيط دون عذره بجهل لأنه اعتقد سببية ما ليس بسب لا شرعي ولا قدري وهذا الشرك الأصغر.


خلاصة الباب: معرفة أحكام الأسباب

السبب هو ما جعله الله سببا شرعا أو قدرا.
-عدم الاعتماد على الأسباب بل على مسببها ومقدرها مع الحرص على المشروع والنافع منها.
-الأسباب مهما قويت مرتبطة بقضاء الله لا خروج لها عنه.
-اعتقاد أنّ الأسباب هي النافعة الدافعة المانعة في نفسها شرك أكبر.
-اعتقاد أنها لا تنفع في نفسها ولكن يستعان بها في الدفع والرفع والمنع شرك أصغر ووسيلة للأكبر.
-الشرع مبني على تكميل الدين بنبذ التعلق بغير الله ونبذ الوثنيات ،وتكميل العقل بنبذ الخزعبلات والجد في الأمور النافعة التى فيها إصلاح لأمور الدين والدنيا ورقي العقول.
-اتخاذ الأسباب يجب فيه سلوك المسلك الوسط دون تفريط بإنكارها جملة -كما فعل الجهمية-،ولا إفراط حتى الوصول إلى الشرك الأكبر والعياذ بالله، كما فعل بعض غلاة الصوفية بدعاء الموتى ظنا منهم أن ذلك أقرب فرجا.

فوائد

-يجوز الاستدلال بالآيات الواردة في الشرك الأكبر على الأصغر، وهذا منهج الصحابة.
-الشرك الأصغر وسيلة للأكبر بحسب اعتقاد فاعله في الأسباب.
-خطر الشرك الأصغر كون شبهته ضعيفة،كونه متفش بين المسلمين لعدم ظهوره على أنه تعلق بغير الله ، وكونه ناف للفلاح إذا مات العبد دون أن يتوب منه.
-فقه أحكام الأسباب يحمي المؤمن من الوقوع في الشرك، لذا كان من الأهمية بمكان تعليمها للعامة حتى يحذروا منه وينبذوه.

رد مع اقتباس
  #11  
قديم 12 جمادى الأولى 1437هـ/20-02-2016م, 05:17 AM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,453
افتراضي

شكر الله لك هذا الجهد المتميز ، وأعقّب على قولك:

اقتباس:
-اعتقاد أنها لا تنفع في نفسها ولكن يستعان بها في الدفع والرفع والمنع شرك أصغر ووسيلة للأكبر.
الحكم بالشرك الأصغر هنا إنما هو بسبب التعلق القلبي بها وغفلة القلب عن التوكّل على الله، والعبارة ليس فيها ما يوضح ذلك، وأما الاستعانة بالأسباب الصحيحة سواء أكانت شرعية أو قدرية فليست من الشرك.
وأوصي بمراجعة قاعدة الأسباب التي سبق توضيحها ( هنا )

رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
تلخيصات, كتاب

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
إبحث في الموضوع:

البحث المتقدم
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 11:29 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir