المتن:
(وقوله سبحانه وتعالى: { بل يداه مبسوطتان })
الشرح:
هذه الآية فيها إثبات صفة اليدين لله جل وعلا: { وقالت اليهود يد الله مغلولة } , يصفون الله بالبخل، سبحانه وتعالى , قال تعالى: { غلت أيديهم } , فاليهود هم أبخل الناس , البخل وصف اليهود , فهم أبخل الناس بالمال , وأحرص الناس على جمع المال؛ ولذا يجمعونه من كل صوب، من حلال ومن حرام , ومن خبث , عندهم جمع المال لا يتوقف على حلال وحرام , استباحوا الربا , واستباحوا الميسر , واستباحوا البغاء , وأجرة البغي , وفتح دور البغاء للاستثمار , هذه صفة اليهود، يجمعون من كل ما هب ودب , ولكن لا ينفقون , فهم أبخل الناس، فهذا وصف ينطبق عليهم، { غلت أيديهم } بمعنى أنهم ضربوا بالبخل , وليس معناه أن أيديهم معلقة في أعناقهم، لا , المقصود به البخل كما قال تعالى: { ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك } يعني: بالبخل، { ولا تبسطها كل البسط } يعني: بالإسراف، فالإمساك عن النفقة هذا بخل وغل لليد , والبسط في النفقة هذا إسراف.
{ ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط فتقعد ملوماً محسورا }، { الذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما } فغلت أيديهم يعني ضربوا بالبخل.
{ ولعنوا بما قالوا } لعنهم الله بما تنقصوا الله سبحانه وتعالى , واللعن هو الطرد والإبعاد عن رحمة الله سبحانه وتعالى , فدل على شناعة هذه المقالة والعياذ بالله.
ثم قال جل وعلا: { بل يداه مبسوطتان } , يداه تثنية يد { مبسوطتان ينفق كيف يشاء } , فكل الخلائق تعيش على فضله سبحانه , وعلى رزقه , كل الخلائق من الآدميين والبهائم والحشرات , وكل المخلوقات , كلها تعيش على رزق الله سبحانه وتعالى , هل هذا بخيل؟! تعالى الله عن ذلك، يده سحاء الليل والنهار سبحانه وتعالى { ولله خزائن السماوات والأرض } فكل ما يقتات به المخلوقات فإنه من رزقه، ومن فضله { أمن هذا الذي يرزقكم إن أمسك رزقه } فكل الخلائق تعيش على رزقه سبحانه , حتى الكفار أعداء الله يعيشون على رزق الله سبحانه وتعالى: { بل يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء } , فوصف نفسه بأن له يدين , وأنه ينفق سبحانه كيف يشاء , لا أحد يعترض عليه ولا يمنعه , ولا يمنع فضله سبحانه وتعالى.
الشاهد من الآية:
{ بل يداه } وصف نفسه بأن له يدين , كما في الآية الأخرى: { ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي } خلق آدم بيديه سبحانه وتعالى , وأما بقية الخلائق فإنه يخلقها بأمره، يقول للشيء: كن فيكون , تتكون الأشياء بأمره سبحانه وتعالى , أما آدم فإن الله خلقه بيده سبحانه , هذا تشريف لآدم عليه الصلاة والسلام من بين سائر الخلق , أن الله خلقه بيده جل وعلا { لما خلقت بيدي } , قال: { خلقت } , ثم قال: { بيدي } هذا صريح في إثبات اليدين لله سبحانه.
أهل الضلال يقولون المراد بيد الله: قدرته , خلقته بقدرتي، فيرد عليهم بأنه لو كان كذلك لم يكن لآدم مزية على غيره من المخلوقات، كل المخلوقات خلقت بقدرة الله سبحانه وتعالى.
ثانياً: أنه قال: { بيدي }، هل يقال: بقدرتي , هل لله قدرتان , أو قدرة واحدة؟
له قدرة واحدة، فدل على أن قوله: { بيدي } اليد الحقيقية , تثنية يد حقيقية , كما يفهم هذا من المعنى اللغوي والمعروف بالحس، لكن له يدان سبحانه وتعالى تختصان به , لا تشبه يدي المخلوق، فيداه تليق به جل وعلا , ولا يعلم كيفيتهما إلا الله , وليستا كيدي المخلوقين، فهم ينفون عن الله اليدين؛ خشية من التشبيه بزعمهم.
فنقول: لا تشبيه أبدا , لا تشابه بين يدي الله وبين يدي المخلوق , حاشا وكلا، وإنما يقع التشابه عند من لا يعقل ولا يفهم كلام الله، وأما أهل العلم فلا يشكل هذا عليهم.