دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > برنامج إعداد المفسر > مجموعة المتابعة الذاتية > منتدى المستوى السابع (المجموعة الثانية)

 
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #16  
قديم 18 صفر 1442هـ/5-10-2020م, 10:06 PM
هيئة التصحيح 11 هيئة التصحيح 11 غير متواجد حالياً
هيئة التصحيح
 
تاريخ التسجيل: Jan 2016
المشاركات: 2,525
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة منى حامد مشاهدة المشاركة
الإجابة:
3. إعراب {إن هذان لساحران}
مقدمة:
هذه المسألة تفسيرية لغوية تتعلق ببيان إعراب "إن هاذان لساحران" في سورة طه آية 63.
البحث في التفاسير من أقوال السلف : (المصدر جمهرة التفاسير) والباحث القرآني

قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : ({
وقد اختلفت القرّاء في قراءة قوله: {إن هذان لساحران} فقرأته عامّة قرّاء الأمصار: ( إنّ هذان ) بتشديد إنّ وبالألف في هذان، وقالوا: قرأنا ذلك كذلك اتباعا لخط المصحف.
واختلف أهل العربية في وجه ذلك إذا قرئ كذلك فكان بعض أهل العربيّة من أهل البصرة يقول: " إن " خفيفةٌ في معنى ثقيلةٍ، وهي لغة لقومٍ يرفعون بها، ويدخلون اللاّم ليفرّقوا بينها وبين الّتي تكون في معنى ما.
وقال بعض نحويّي الكوفة: ذلك على وجهين: أحدهما على لغة بني الحارث بن كعبٍ ومن جاورهم، يجعلون الاثنين في رفعهما ونصبهما وخفضهما بالألف. وقال: أنشدني رجلٌ من الأسد عن بعض بني الحارث بن كعبٍ:
فأطرق إطراق الشّجاع ولو يرى = مساغًا لناباه الشّجاع لصّمما
قال: وحكي عنه أيضًا: هذا خطّ يدا أخي أعرفه، قال: وذلك وإن كان قليلاً أقيس، لأنّ العرب قالوا: مسلمون، فجعلوا الواو تابعةً للضّمّة، لأنّها لا تعرب، ثمّ قالوا رأيت المسلمين، فجعلوا الياء تابعةً لكسرة الميم، قالوا: فلمّا رأوا الياء من الاثنين لا يمكنهم كسر ما قبلها، وثبت مفتوحًا، تركوا الألف تتبعه، فقالوا: رجلان في كلّ حالٍ. قال: وقد اجتمعت العرب على إثبات الألف في كلا الرّجلين، في الرّفع والنّصب والخفض، وهما اثنان، إلاّ بني كنانة، فإنّهم يقولون: رأيت كلي الرّجلين، ومررت بكلي الرّجلين، وهي قبيحة قليلة مضوا على القياس.
قال: والوجه الآخر أن تقول: وجدت الألف من هذا دعامةً، وليست بلام " فعلى " فلمّا بنيت زدت عليها نونًا، ثمّ تركت الألف ثابتةً على حالها لا تزول فى كلّ حالٍ، كما قالت العرب الّذي، ثمّ زادوا نونًا تدلّ على الجمع، فقالوا: الّذين في رفعهم ونصبهم وخفضهم، كما تركوا هذان في رفعه ونصبه وخفضه. قال: وكنانه يقولوا: الذّون.
وقال آخر منهم: ذلك من الجزم المرسل، ولو نصب لخرج إلى الانبساط.
-
وحدّثت عن أبي عبيدة معمر بن المثنّى، قال: قال أبو عمرٍو وعيسى بن عمر ويونس، إن هذين لساحران في اللّفظ، وكتب " هذان " كما يزيدون وينقصون فى الكتاب، واللّفظ صوابٌ
قال: وزعم أبو الخطّاب أنّه سمع قومًا من بني كنانة وغيرهم، يرفعون الاثنين في موضع الجرّ والنّصب قال: وقال بشر بن هلالٍ: إن بمعنى الابتداء والإيجاب. ألا ترى أنّها تعمل فيما يليها، ولا تعمل فيما بعد الّذي بعدها، فترفع الخبر ولا تنصبه، كما تنصب الاسم، فكان مجاز " إن هذان لساحران " مجاز كلامين، مخرجه: إنّه: إي نعم، ثمّ قلت: هذان ساحران، ألا ترى أنّهم يرفعون المشترك كقول ضابئٍ:
فمن يك أمسى بالمدينة رحله = فإنّي وقيّارٌ بها لغريب
وقوله:
إنّ السّيوف غدوّها ورواحها = تركت هوازن مثل قرن الأعضب
قال: ويقول بعضهم: إنّ اللّه وملائكته يصلّون على النّبيّ، فيرفعون على شركة الابتداء، ولا يعملون فيه إنّ. قال: وقد سمعت الفصحاء من المحرمين يقولون: إنّ الحمد والنّعمة لك والملك، لا شريك لك. قال: وقرأها قومٌ على تخفيف نون إنّ وإسكانها. قال: ويجوز، لأنّهم قد أدخلوا اللاّم في الابتداء وهي فصلٌ، قال:
أمّ الحليس لعجوزٌ شهربه
قال: وزعم قومٌ أنّه لا يجوز، لأنّه إذا خفّف نون " إنّ " فلا بدّ له من أن يدخل " إلاّ " فيقول: إن هذا إلاّ ساحران.
قال أبو جعفرٍ: والصّواب من القراءة في ذلك عندنا: " إنّ " بتشديد نونها، وهذان بالألف لإجماع الحجّة من القرّاء عليه، وأنّه كذلك هو في خطّ المصحف. ووجهه إذا قرئ كذلك مشابهته الّذين إذ زادوا على الّذي النّون، وأقرّ في جميع أحوال الإعراب على حالةٍ واحدةٍ، فكذلك {إن هذان} زيدت على هذا نونٌ وأقرّ في جميع أحوال الإعراب على حالٍ واحدةٍ، وهي لغة الحارث بن كعبٍ، وخثعمٍ، وزبيدٍ، ومن وليهم من قبائل اليمن.(جامع البيان: 16/97-104)

معالم التنزيل — البغوي (٥١٦ هـ)
ثُمَّ ﴿قَالَوا﴾ وَأَسَرَّ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ يَتَنَاجَوْنَ: ﴿إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ﴾ يَعْنِي مُوسَى وَهَارُونَ.
قَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ وَحَفْصٌ: ﴿إِنْ﴾ بِتَخْفِيفِ النُّونِ، ﴿هَذَانِ﴾ أَيْ مَا هَذَانِ إِلَّا سَاحِرَانِ، كَقَوْلِهِ: "إن نَظُنُّكَ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ" (الشُّعَرَاءِ: ١٨٦) ، أَيْ مَا نَظُنُّكَ إِلَّا مِنَ الْكَاذِبِينَ، وَيُشَدِّدُ ابْنُ كَثِيرٍ النُّونَ مِنْ "هَذَانِ".
وَقَرَأَ أَبُو عَمْرٍو "إِنَّ " بِتَشْدِيدِ النُّونِ " هَذَيْنِ " بِالْيَاءِ عَلَى الْأَصْلِ.
وَقَرَأَ الْآخَرُونَ: "إِنَّ " بِتَشْدِيدِ النُّونِ، " هَذَانِ " بِالْأَلِفِ، وَاخْتَلَفُوا فِيهِ: فَرَوَى هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عائشة: أنه خطأ مِنَ الْكَاتِبِ(٢) .
وَقَالَ قَوْمُّ: هَذِهِ لُغَةُ الْحَارِثِ بْنِ كَعْبٍ، وَخَثْعَمَ، وَكِنَانَةَ، فَإِنَّهُمْ يَجْعَلُونَ الِاثْنَيْنِ فِي الرَّفْعِ وَالنَّصْبِ وَالْخَفْضِ بِالْأَلِفِ، يَقُولُونَ: أَتَانِي الزَّيْدَانِ [وَرَأَيْتُ الزَّيْدَانِ](٣) وَمَرَرْتُ بالزَّيْدَانِ، [فَلَا يَتْرُكُونَ](٤) أَلِفَ التَّثْنِيَةِ فِي شَيْءٍ مِنْهَا(٥) وَكَذَلِكَ يَجْعَلُونَ كُلَّ يَاءٍ سَاكِنَةٍ انْفَتَحَ مَا قَبْلَهَا أَلِفًا، كَمَا فِي التَّثْنِيَةِ، يَقُولُونَ: كَسَرْتُ يَدَاهُ وَرَكِبْتُ عَلَاهُ، يَعْنِي يَدَيْهِ وَعَلَيْهِ. وَقَالَ شَاعِرُهُمْ(٦) تَزَوَّدَ مِنِّي بَيْنَ أُذْنَاهُ ضَرَبَةً ... دَعَتْهُ إِلَى هَابِي التُّرَابِ عَقِيمُ
يُرِيدُ بَيْنَ أُذُنَيْهِ.
وَقَالَ آخَرُ(٧) إِنَّ أَبَاهَا وَأَبَا أَبَاهَا ... قَدْ بَلَغَا فِي الْمَجِدِ غَايَتَاهَا وَقِيلَ: تَقْدِيرُ الْآيَةِ: إِنَّهُ هَذَانِ، فَحَذَفَ الْهَاءَ(٨) .
وَذَهَبَ جَمَاعَةٌ إِلَى أَنَّ حَرْفَ "إِنَّ" هَاهُنَا، بِمَعْنَى نَعَمْ، أَيْ نَعَمْ هَذَانِ(٩) رُوِيَ أَنَّ أَعْرَابِيًّا سَأَلَ ابْنَ الزُّبَيْرِ شَيْئًا فَحَرَّمَهُ، فَقَالَ: لَعَنَ اللَّهُ نَاقَةً حَمَلَتْنِي إِلَيْكَ، فَقَالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ: إِنَّ وَصَاحِبَهَا، أَيْ نَعَمْ.
وَقَالَ الشَّاعِرُ(١٠) بَكَرَتْ عَلَيَّ عَوَاذِلِي ... يَلْحِينَنِي وَأَلُومُهُنَّهْ
وَيقُلْنَ شَيبٌ قَدْ عَلَا ... كَ وَقَدْ كَبُرْتَ فَقُلْتُ إَنَّهْ
أَيْ: نَعَمْ.
(٢) قال شيخ الإسلام ابن تيمية في "مجموع الفتاوى": ١٥ / ٢٥٢ - ٢٥٦: " وهذا الكلام ممتنع لوجوه: منها: تعدد المصاحف واجتماع جماعة على كل مصحف، ثم وصول كل مصحف إلى بلد كبير فيه كثير من الصحابة والتابعين +يقرءون القرآن، ويعتبرون ذلك بحفظهم، والإنسان إذا نسخ مصحفا غلط في بعضه عرف غلطه بمخالفة حفظة القرآن وسائر المصاحف، فلو قدر أنه كتب كاتب مصحفا ثم نسخ سائر الناس منه من غير اعتبار للأول والثاني أمكن وقوع +الغلظ في هذا، وهنا كل مصحف إنما كتبه جماعة، ووقف عليه خلق عظيم ممن يحصل التواتر بأقل منهم، ولو قدر أن الصحيفة كان فيها لحن فقد كتب منها جماعة لا يكتبون إلا بلسان قريش، ولم يكن لحنا، فامتنعوا أن يكتبوه بلسان قريش، فكيف يتفقون كلهم على أن يكتبوا: "إن هذان" وهم يعلمون أن ذلك لحن لا يجوز في شيء من لغاتهم، كما زعم بعضهم؟! ... وأيضا: فإن القراء إنما قرأوا بما سمعوه من غيرهم، والمسلمون كانوا +يقرءون سورة "طه" على عهد رسول الله ﷺ وأبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وهي من أول ما نزل من القرآن، وهي مكية باتفاق الناس. . فالصحابة لابد أن +قرءوا هذا الحرف، ومن الممتنع أن يكونوا كلهم +قرءوه بالياء كأبي عمرو، فإنه لو كان كذلك لم يقرأها أحد إلا بالياء فعلم أنهم أو غالبهم كانوا +يقرءونها بالألف كما قرأها الجمهور. . . فهذا مما يعلم به قطعا أن عامة الصحابة إنما +قرءوها بالألف كما قرأ الجمهور، وكما هو مكتوب. . . ". وانظر فيما سبق تعليقا: ٢ / ٣٠٩ - ٣١٠ والمراجع المشار إليها هناك، وراجع: زاد المسير: ٥ / ٢٥١ - ٢٥٢.
(٣) ما بين القوسين ساقط من "ب".
(٤) ساقط من: "أ".
(٥) وهذه اللغة وافقتها لغة قريش. وانظر بالتفصيل والشواهد الشعرية في: تفسير الطبري: ١٦ / ١٨٠ - ١٨١، والبحر المحيط: ٦ / ٢٥٥، زاد المسير لابن الجوزي: ٥ / ٢٩٨، التبيان في إعراب القرآن للعكبري: ٢ / ٨٩٥، شرح الكافية الشافية لابن مالك الطائي: ١ / ١٨٨ - ١٩٠.
(٦) تفسير القرطبي: ١١ / ٢١٧.
(٧) ينسب هذا الرجز إلى أبي النجم العجلي (الفضل بن قدامة) كما ينسب إلى رؤية بن العجاج، وأنشده أبو زيد في "نوادر اللغة". عن المفضل الضبي قال: أنشدني أبو الغول لبعض أهل اليمن. . . انظر: شرح الكافية الشافية، لابن مالك: ١ / ١٨٤ مع التعليق.
(٨) انظر: التبيان في إعراب القرآن، للعكبري: ٢ / ٨٩٥، البحر المحيط، ٦ / ٢٥٥.
(٩) قال أبو حيان: (٦ / ٢٥٥) : ثبت ذلك في اللغة، فتحمل الآية عليه، و"هذان لساحران" مبتدأ وخبر وانظر زاد المسير: ٥ / ٣٩٩.
مفاتيح الغيب — فخر الدين الرازي (٦٠٦ هـ)

المَسْألَةُ الأُولى: القِراءَةُ المَشْهُورَةُ: ﴿إنْ هَذانِ لَساحِرانِ﴾ ومِنهم مَن تَرَكَ هَذِهِ القِراءَةَ وذَكَرُوا وُجُوهًا أُخَرَ:
أحَدُها: قَرَأ أبُو عَمْرٍو وعِيسى بْنُ عُمَرَ: ”إنَّ هَذَيْنِ لَساحِرانِ“ قالُوا: هي قِراءَةُ عُثْمانَ وعائِشَةَ وابْنِ الزُّبَيْرِ وسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ والحَسَنِ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهم واحْتَجَّ أبُو عَمْرٍو وعِيسى عَلى ذَلِكَ بِما رَوى هِشامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ أبِيهِ عَنْ عائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْها أنَّها سُئِلَتْ عَنْ قَوْلِهِ: ﴿إنْ هَذانِ لَساحِرانِ﴾ وعَنْ قَوْلِهِ: ﴿إنَّ الَّذِينَ آمَنُوا والَّذِينَ هادُوا والصّابِئُونَ والنَّصارى﴾ [المائدة: ٦٩] في المائِدَةِ، وعَنْ قَوْلِهِ: ﴿لَكِنِ الرّاسِخُونَ في العِلْمِ مِنهُمْ﴾ إلى قَوْلِهِ ﴿والمُقِيمِينَ الصَّلاةَ والمُؤْتُونَ الزَّكاةَ﴾ [النساء: ١٦٢] فَقالَتْ: يا ابْنَ أخِي هَذا خَطَأٌ مِنَ الكاتِبِ، ورُوِيَ عَنْ عُثْمانَ أنَّهُ نَظَرَ في المُصْحَفِ فَقالَ: أرى فِيهِ لَحْنًا وسَتُقِيمُهُ العَرَبُ بِألْسِنَتِها، وعَنْ أبِي عَمْرٍو أنَّهُ قالَ: إنِّي لَأسْتَحْيِي أنْ أقْرَأ: ﴿إنْ هَذانِ لَساحِرانِ﴾ .
وثانِيها: قَرَأ ابْنُ كَثِيرٍ: ”إنْ هَذانِّ“ بِتَخْفِيفِ ”إنَّ“ وتَشْدِيدِ نُونِ ”هَذانِ“ .
وثالِثُها: قَرَأ حَفْصٌ عَنْ عاصِمٍ ”إنْ هَذانِ“ بِتَخْفِيفِ النُّونَيْنِ.
ورابِعُها: قَرَأ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ: (وأسَرُّوا النَّجْوى، أنْ هَذانِ ساحِرانِ) بِفَتْحِ الألِفِ وجَزْمِ نُونِهِ [ و] ساحِرانِ بِغَيْرِ لامٍ.
وخامِسُها: عَنِ الأخْفَشِ: ﴿إنْ هَذانِ لَساحِرانِ﴾ خَفِيفَةٌ في مَعْنى ثَقِيلَةٍ وهي لُغَةُ قَوْمٍ يَرْفَعُونَ بِها ويُدْخِلُونَ اللّامَ لِيُفَرِّقُوا بَيْنَها وبَيْنَ الَّتِي تَكُونُ في مَعْنى ما.
وسادِسُها: رُوِيَ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ: ”ما هَذانِ إلّا ساحِرانِ“، ورُوِيَ عَنْهُ أيْضًا: [ إنْ هَذانِ لَساحِرانِ ] وعَنِ الخَلِيلِ مِثْلُ ذَلِكَ، وعَنْ أُبَيِّ أيْضًا: [ إنْ ذانِ لَساحِرانِ ] فَهَذِهِ هي القِراءاتُ الشّاذَّةُ المَذْكُورَةُ في هَذِهِ الآيَةِ، واعْلَمْ أنَّ المُحَقِّقِينَ قالُوا: هَذِهِ القِراءاتُ لا يَجُوزُ تَصْحِيحُها لِأنَّها مَنقُولَةٌ بِطَرِيقِ الآحادِ، والقُرْآنُ يَجِبُ أنْ يَكُونَ مَنقُولًا بِالتَّواتُرِ إذْ لَوْ جَوَّزْنا إثْباتَ زِيادَةٍ في القُرْآنِ بِطَرِيقِ الآحادِ لَما أمْكَنَنا القَطْعُ بِأنَّ هَذا الَّذِي هو عِنْدَنا كُلُّ القُرْآنِ لِأنَّهُ لَمّا جازَ في هَذِهِ القِراءاتِ أنَّها مَعَ كَوْنِها مِنَ القُرْآنِ ما نُقِلَتْ بِالتَّواتُرِ جازَ في غَيْرِها ذَلِكَ، فَثَبَتَ أنَّ تَجْوِيزَ كَوْنِ هَذِهِ القِراءاتِ مِنَ القُرْآنِ يَطْرُقُ جَوازَ الزِّيادَةِ والنُّقْصانِ والتَّغْيِيرِ إلى القُرْآنِ وذَلِكَ يُخْرِجُ القُرْآنَ عَنْ كَوْنِهِ حُجَّةً ولَمّا كانَ ذَلِكَ باطِلًا فَكَذَلِكَ ما أدّى إلَيْهِ، وأمّا الطَّعْنُ في القِراءَةِ المَشْهُورَةِ فَهو أسْوَأُ مِمّا تَقَدَّمَ مِن وُجُوهٍ:
أحَدُها: أنَّهُ لَمّا كانَ نَقْلُ هَذِهِ القِراءَةِ في الشُّهْرَةِ كَنَقْلِ جَمِيعِ القُرْآنِ فَلَوْ حَكَمْنا بِبُطْلانِها جازَ مِثْلُهُ في جَمِيعِ القُرْآنِ وذَلِكَ يُفْضِي إلى القَدْحِ في التَّواتُرِ وإلى القَدْحِ في كُلِّ القُرْآنِ وأنَّهُ باطِلٌ، وإذا ثَبَتَ ذَلِكَ امْتَنَعَ صَيْرُورَتُهُ مُعارِضًا بِخَبَرِ الواحِدِ المَنقُولِ عَنْ بَعْضِ الصَّحابَةِ.
وثانِيها: أنَّ المُسْلِمِينَ أجْمَعُوا عَلى أنَّ ما بَيْنَ الدَّفَّتَيْنِ كَلامُ اللَّهِ تَعالى وكَلامُ اللَّهِ تَعالى لا يَجُوزُ أنْ يَكُونَ لَحْنًا وغَلَطًا فَثَبَتَ فَسادُ ما نُقِلَ عَنْ عُثْمانَ وعائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما أنَّ فِيهِ لَحْنًا وغَلَطًا.
وثالِثُها: قالَ ابْنُ الأنْبارِيِّ: إنَّ الصَّحابَةَ هُمُ الأئِمَّةُ والقُدْوَةُ فَلَوْ وجَدُوا في المُصْحَفِ لَحْنًا لَما فَوَّضُوا إصْلاحَهُ إلى غَيْرِهِمْ مِن بَعْدِهِمْ مَعَ تَحْذِيرِهِمْ مِنَ الِابْتِداعِ وتَرْغِيبِهِمْ في الِاتِّباعِ، حَتّى قالَ بَعْضُهُمُ: اتَّبِعُوا ولا تَبْتَدِعُوا فَقَدْ كُفِيتُمْ. فَثَبَتَ أنَّهُ لا بُدَّ مِن تَصْحِيحِ القِراءَةِ المَشْهُورَةِ. واخْتَلَفَ النَّحْوِيُّونَ فِيهِ وذَكَرُوا وُجُوهًا:
الوَجْهُ الأوَّلُ: وهو الأقْوى أنَّ هَذِهِ لُغَةٌ لِبَعْضِ العَرَبِ وقالَ بَعْضُهم هي لُغَةُ بَلْحارِثِ بْنِ كَعْبٍ، والزَّجّاجُ نَسَبَها إلى كِنانَةَ، وقُطْرُبٌ نَسَبَها إلى بَلْحارِثِ بْنِ كَعْبٍ ومُرادٍ وخَثْعَمَ وبَعْضِ بَنِي عُذْرَةَ، ونَسَبَها ابْنُ جِنِّي إلى بَعْضِ بَنِي رَبِيعَةَ أيْضًا وأنْشَدَ الفَرّاءُ عَلى هَذِهِ اللُّغَةِ:
فَأطْرَقَ إطْراقَ الشُّجاعِ ولَوْ يَرى مَساغًا لِناباهُ الشُّجاعُ لَصَمَّما
وأنْشَدَ غَيْرُهُ:
تَزَوُّدَ مِنّا بَيْنَ أُذُناهُ ضَرْبَةً ∗∗∗دَعَتْهُإلىهابِيالتُّرابِعَقِيمِ
قالَ الفَرّاءُ: وحَكى بَعْضُ بَنِي أسَدٍ أنَّهُ قالَ هَذا خَطُّ يَدا أخِي أعْرِفُهُ. وقالَ قُطْرُبٌ هَؤُلاءِ يَقُولُونَ: رَأيْتُ رَجُلانِ واشْتَرَيْتُ ثَوْبانِ، قالَ رَجُلٌ مِن بَنِي ضَبَّةَ جاهِلِيٌّ:
أعْرِفُ مِنها الجِيدَ والعَيْنانا ∗∗∗ومَنخِرَيْنِأشْبَهاظَبْيانا
وقَوْلُهُ: ومَنخِرَيْنِ عَلى اللُّغَةِ الفاشِيَةِ، وما وراءَ ذَلِكَ عَلى لُغَةِ هَؤُلاءِ.
وقالَ آخَرُ:
طارُوا عَلاهُنَّ فَطِرْ عَلاها ∗∗∗واشْدُدْبِمَثْنىحَقَبٍ حَقْواها
وقالَ آخَرُ:
كَأنَّ صَرِيفَ ناباهُ إذا ما ∗∗∗أمَرَّهُماصَرِيرَالأخْطَبانِ
قالَ بَعْضُهُمُ: الأخْطَبانِ ذَكَرُ الصِّرْدانِ، فَصَيَّرَهُما واحِدًا فَبَقِيَ الِاسْتِدْلالُ بِقَوْلِهِ: صَرِيفُ ناباهُ، قالَ: وأنْشَدَنِي يُونُسُ لِبَعْضِ بَنِي الحارِثِ:
كَأنَّ يَمِينا سَحْبَلٍ ومَصِيفَهُ ∗∗∗مُراقُدَمٍلَنْيَبْرَحَالدَّهْرُثاوِيا
وأنْشَدُوا أيْضًا:
إنَّ أباها وأبا أباها ∗∗∗قَدْبَلَغافيالمَجْدِغايَتاها
وقالَ ابْنُ جِنِّي رَوَيْنا عَنْ قُطْرُبٍ:
هُناكَ أنْ تَبْكِي بِشَعْشَعانِ ∗∗∗رَحْبِ الفُؤادِ طائِلِ اليَدانِ
ثُمَّ قالَ الفَرّاءُ وذَلِكَ وإنْ كانَ قَلِيلًا أقْيَسُ لِأنَّ ما قَبْلَ حَرْفِ التَّثْنِيَةِ مَفْتُوحٌ، فَيَنْبَغِي أنْ يَكُونَ ما بَعْدَهُ ألِفًا، ولَوْ كانَ ما بَعْدَهُ ياءً يَنْبَغِي أنْ تَنْقَلِبَ ألِفًا لِانْفِتاحِ ما قَبْلَها، وقُطْرُبٌ ذَكَرَ أنَّهم يَفْعَلُونَ ذَلِكَ فِرارًا إلى الألِفِ الَّتِي هي أخَفُّ حُرُوفِ المَدِّ. هَذا أقْوى الوُجُوهِ في هَذِهِ الآيَةِ ويُمْكِنُ أنْ يُقالَ أيْضًا: الألِفُ في هَذا مِن جَوْهَرِ الكَلِمَةِ، والحَرْفُ الَّذِي يَكُونُ مِن جَوْهَرِ الكَلِمَةِ لا يَجُوزُ تَغْيِيرُهُ بِسَبَبِ التَّثْنِيَةِ والجَمْعِ؛ لِأنَّ ما بِالذّاتِ لا يَزُولُ بِالعَرَضِ فَهَذا الدَّلِيلُ يَقْتَضِي أنْ لا يَجُوزَ أنْ يُقالَ: ”إنَّ هَذَيْنِ“ فَلَمّا جَوَّزْناهُ فَلا أقَلَّ مِن أنْ يُجَوَّزَ مَعَهُ أنْ يُقالَ: إنْ هَذانِ.
الوَجْهُ الثّانِي في الجَوابِ أنْ يُقالَ: إنْ هَهُنا بِمَعْنى نَعَمْ، قالَ الشّاعِرُ:
ويَقُلْنَ شَيْبٌ قَدْ عَلا ∗∗∗كَوقَدْكَبِرْتَفَقُلْتُإنْهُ
أيْ فَقُلْتُ: نَعَمْ، فالهاءُ في ”إنْهُ“ هاءُ السَّكْتِ كَما في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿هَلَكَ عَنِّي سُلْطانِيَهْ﴾ [الحاقة: ٢٩] وقالَ أبُو ذُؤَيْبٍ:
شابَ المَفارِقُ إنْ إنَّ مِنَ البِلى ∗∗∗شَيْبُالقَذالِمَعَالعِذارِالواصِلِ
أيْ نَعَمْ إنَّ مِنَ البِلى، فَصارَ ”إنْ“ كَأنَّهُ قالَ: نَعَمْ هَذانِ لَساحِرانِ، واعْتَرَضُوا عَلَيْهِ فَقالُوا: اللّامُ لا تَدْخُلُ في الخَبَرِ عَلى الِاسْتِحْسانِ إلّا إذا كانَتْ ”إنَّ“ داخِلَةً في المُبْتَدَأِ، فَأمّا إذا لَمْ تَدْخُلْ ”إنَّ“ عَلى المُبْتَدَأِ فَمَحَلُّ اللّامِ المُبْتَدَأُ إذْ يُقالُ: لَزَيْدٌ أعْلَمُ مِن عَمْرٍو، ولا يُقالُ: زَيْدٌ لَأعْلَمُ مِن عَمْرٍو، وأجابُوا عَنْ هَذا الِاعْتِراضِ مِن وجْهَيْنِ:
الأوَّلُ: لا نُسَلِّمُ أنَّ اللّامَ لا يَحْسُنُ دُخُولُها عَلى الخَبَرِ والدَّلِيلُ عَلَيْهِ قَوْلُهُ:
أمُّ الحُلَيْسِ لَعَجُوزٌ شَهْرَبَهْ ∗∗∗تَرْضىمِنَاللَّحْمِبِعَظْمِالرَّقَبَهْ
وقالَ آخَرُ:
خالِي لَأنْتَ ومَن جَرِيرٌ خالُهُ ∗∗∗يَنَلِالعَلاءَويُكْرَمُالأخْوالا
وأنْشَدَ قُطْرُبٌ:
ألَمْ تَكُنْ حَلَفْتَ بِاللَّهِ العَلِيِّ ∗∗∗ أنَّ مَطاياكَ لَمِن خَيْرِ المَطِيِّ
وإنْ رُوِيَتْ ”إنَّ“ بِالكَسْرِ لَمْ يَبْقَ الِاسْتِدْلالُ إلّا أنَّ قُطْرُبًا قالَ: سَمِعْناهُ مَفْتُوحَ الهَمْزَةِ وأيْضًا فَقَدْ أُدْخِلَتِ اللّامُ في خَبَرِ أمْسى، قالَ ابْنُ جِنِّي أنْشَدَنا أبُو عَلِيٍّ:
مَرُّوا عُجالى فَقالُوا كَيْفَ صاحِبُكم ∗∗∗فَقالَمَنسُئِلُواأمْسىلَمَجْهُودا
وقالَ قُطْرُبٌ وسَمِعْنا بَعْضَ العَرَبِ يَقُولُ: أُراكَ المُسالِمِيَّ وإنِّي رَأيْتُهُ لَشَيْخًا وزَيْدٌ واللَّهِ لَواثِقٌ بِكَ وقالَ كُثَيِّرٌ:
وما زِلْتُ مِن لَيْلى لَدُنْ أنْ عَرَفْتُها ∗∗∗لَكالهائِمِالمُقْصىبِكُلِّبِلادِ
وقالَ آخَرُ:
ولَكِنَّنِي مِن حُبِّها لَعَمِيدُ
وقالَ المُعْتَرِضُ: هَذِهِ الأشْعارُ مِنَ الشَّواذِّ وإنَّما جاءَتْ كَذا لِضَرُورَةِ الشِّعْرِ وجَلَّ كَلامُ اللَّهِ تَعالى عَنِ الضَّرُورَةِ، وإنَّما تَقَرَّرَ هَذا الكَلامُ إذا بَيَّنّا أنَّ المُبْتَدَأ إذا لَمْ يَدْخُلْ عَلَيْهِ إنْ وجَبَ إدْخالُ اللّامِ عَلَيْهِ لا عَلى الخَبَرِ، وتَحْقِيقُهُ أنَّ اللّامَ تُفِيدُ تَأْكِيدَ مَوْصُوفِيَّةِ المُبْتَدَأِ بِالخَبَرِ، واللّامُ تَدُلُّ عَلى حالَةٍ مِن حالاتِ المُبْتَدَأِ وصِفَةٍ مِن صِفاتِهِ فَوَجَبَ دُخُولُها عَلى المُبْتَدَأِ لِأنَّ العِلَّةَ المُوجِبَةَ لِحُكْمٍ في مَحَلٍّ لا بُدَّ وأنْ تَكُونَ مُخْتَصَّةً بِذَلِكَ المَحَلِّ، لا يُقالُ: هَذا مُشْكِلٌ بِما إذا دَخَلَتْ ”إنَّ“ عَلى المُبْتَدَأِ فَإنَّ هَهُنا يَجِبُ إدْخالُ اللّامِ عَلى الخَبَرِ مَعَ أنَّ ما ذَكَرْتُمُوهُ حاصِلٌ فِيهِ لِأنّا نَقُولُ ذَلِكَ لِأجْلِ الضَّرُورَةِ، وذَلِكَ لِأنَّ كَلِمَةَ ”إنَّ“ لِلتَّأْكِيدِ واللّامَ لِلتَّأْكِيدِ، فَلَوْ قُلْنا: إنَّ لَزَيْدًا قائِمٌ لَكُنّا قَدْ أدْخَلْنا حَرْفَ التَّأْكِيدِ عَلى حَرْفِ التَّأْكِيدِ وذَلِكَ مُمْتَنِعٌ، فَلَمّا تَعَذَّرَ إدْخالُها عَلى المُبْتَدَأِ لا جَرَمَ أدْخَلْناها عَلى الخَبَرِ لِهَذِهِ الضَّرُورَةِ، وأمّا إذا لَمْ يَدْخُلْ حَرْفُ إنَّ عَلى المُبْتَدَأِ كانَتْ هَذِهِ الضَّرُورَةُ زائِلَةً فَوَجَبَ إدْخالُ اللّامِ عَلى المُبْتَدَأِ لا يُقالُ: إذا جازَ إدْخالُ حَرْفِ النَّفْيِ عَلى حَرْفِ النَّفْيِ في قَوْلِهِ:
ما إنْ رَأيْتُ ولا سَمِعْتُ بِهِ ∗∗∗كاليَوْمِطالَبَنِيأنِيقٌأجْرَبُ
والغَرَضُ بِهِ تَأْكِيدُ النَّفْيِ فَلِمَ لا يَجُوزُ إدْخالُ حَرْفِ التَّأْكِيدِ عَلى حَرْفِ التَّأْكِيدِ، والغَرَضُ بِهِ تَأْكِيدُ الإثْباتِ لِأنّا نَقُولُ: الفَرْقُ بَيْنَ البابَيْنِ أنَّ قَوْلَكَ: زَيْدٌ قائِمٌ يَدُلُّ عَلى الحُكْمِ بِمَوْصُوفِيَّةِ زَيْدٍ بِالقِيامِ، فَإذا قُلْتَ: إنَّ زَيْدًا قائِمٌ، فَكَلِمَةُ ”إنَّ“ تُفِيدُ تَأْكِيدَ ذَلِكَ الحُكْمِ، فَلَوْ ذَكَرْتَ مُؤَكِّدًا آخَرَ مَعَ كَلِمَةِ ”إنَّ“ صارَ عَبَثًا، أمّا لَوْ قُلْتَ: رَأيْتُ فُلانًا، فَهَذا لِلثُّبُوتِ، فَإذا أدْخَلْتَ عَلَيْهِ حَرْفَ النَّفْيِ أفادَ حَرْفُ النَّفْيِ مَعْنى النَّفْيِ ولا يُفِيدُ التَّأْكِيدَ لِأنَّهُ مُسْتَقِلٌّ بِإفادَةِ الأصْلِ، فَكَيْفَ يُفِيدُ الزِّيادَةَ، فَإذا ضَمَمْتَ إلَيْهِ حَرْفَ نَفْيٍ آخَرَ صارَ الحَرْفُ الثّانِي مُؤَكِّدًا لِلْأوَّلِ فَلا يَكُونُ عَبَثًا، فَهَذا هو الفَرْقُ بَيْنَ البابَيْنِ، فَهَذا مُنْتَهى تَقْرِيرِ هَذا الِاعْتِراضِ وهو عِنْدِي ضَعِيفٌ، لِأنَّ الكُلَّ اتَّفَقُوا عَلى أنَّهُ إذا اجْتَمَعَ النَّقْلُ والقِياسُ فالنَّقْلُ أوْلى، ولِأنَّ هَذِهِ العِلَلَ في نِهايَةِ الضَّعْفِ فَكَيْفَ يُدْفَعُ بِها النَّقْلُ الظّاهِرُ.
الوَجْهُ الثّانِي: في الجَوابِ عَنْ قَوْلِهِمُ: اللّامُ لا يَحْسُنُ دُخُولُها عَلى الخَبَرِ إلّا إذا دَخَلَتْ كَلِمَةُ ”إنَّ“ عَلى المُبْتَدَأِ كَما ذَكَرَهُ الزَّجّاجُ فَقالَ: إنْ وقَعَتْ مَوْقِعَ نَعَمْ واللّامُ في مَوْقِعِها، والتَّقْدِيرُ نَعَمْ هَذانِ لَهُما ساحِرانِ، فَكانَتِ اللّامُ داخِلَةً عَلى المُبْتَدَأِ لا عَلى الخَبَرِ. قالَ: وعَرَضْتُ هَذا القَوْلَ عَلى مُحَمَّدِ بْنِ يَزِيدَ وعَلى إسْماعِيلَ بْنِ إسْحاقَ فارْتَضَياهُ، وذَكَرا أنَّهُ أجْوَدُ ما سَمِعْناهُ في هَذا. قالَ ابْنُ جِنِّي: هَذا القَوْلُ غَيْرُ صَحِيحٍ لِوُجُوهٍ:
الوَجْهُ الأوَّلُ: أنَّ الأصْلَ أنَّ المُبْتَدَأ إنَّما يَجُوزُ حَذْفُهُ لَوْ كانَ أمْرًا مَعْلُومًا جَلِيًّا ولَوْلا ذَلِكَ لَكانَ في حَذْفِهِ مَعَ الجَهْلِ بِهِ ضَرْبٌ مِن تَكْلِيفِ عِلْمِ الغَيْبِ لِلْمُخاطَبِ، وإذا كانَ مَعْرُوفًا فَقَدِ اسْتَغْنى بِمَعْرِفَتِهِ عَنْ تَأْكِيدِهِ بِاللّامِ لِأنَّ التَّأْكِيدَ إنَّما يَحْتاجُ إلَيْهِ حَيْثُ لَمْ يَكُنِ العِلْمُ بِهِ حاصِلًا.
الوَجْهُ الثّانِي: أنَّ الحَذْفَ مِن بابِ الِاخْتِصارِ، والتَّأْكِيدَ مِن بابِ الإطْنابِ، فالجَمْعُ بَيْنَهُما غَيْرُ جائِزٍ، ولِأنَّ ذِكْرَ المُؤَكَّدِ وحَذْفَ التَّأْكِيدِ أحْسَنُ في العُقُولِ مِنَ العَكْسِ.
الوَجْهُ الثّالِثُ: امْتِناعُ أصْحابِنا البَصْرِيِّينَ مِن تَأْكِيدِ الضَّمِيرِ المَحْذُوفِ العائِدِ عَلى المُبْتَدَأِ في نَحْوِ قَوْلِكَ: زَيْدٌ ضَرَبْتُ فَلا يُجِيزُونَ: زَيْدٌ ضَرَبْتُ نَفْسَهُ، عَلى أنْ يُجْعَلَ النَّفْسُ تَوْكِيدًا لِلْهاءِ المُؤَكِّدَةِ المُقَدَّرَةِ في ”ضَرَبْتُ“ أيْ ضَرَبْتُهُ؛ لِأنَّ الحَذْفَ لا يَكُونُ إلّا بَعْدَ التَّحْقِيقِ والعِلْمِ بِهِ، وإذا كانَ كَذَلِكَ فَقَدِ اسْتَغْنى عَنْ تَأْكِيدِهِ فَكَذا هَهُنا.
الوَجْهُ الرّابِعُ: أنَّ جَمِيعَ النَّحْوِيِّينَ حَمَلُوا قَوْلَ الشّاعِرِ:
أمُّ الحُلَيْسِ لَعَجُوزٌ شَهْرَبَهْ
عَلى أنَّ الشّاعِرَ أدْخَلَ اللّامَ عَلى الخَبَرِ ضَرُورَةً ولَوْ كانَ ما ذَهَبَ إلَيْهِ الزَّجّاجُ جائِزًا لَما عَدَلَ عَنْهُ النَّحْوِيُّونَ، ولَما حَمَلُوا الكَلامَ عَلَيْهِ عَلى الِاضْطِرارِ إذا وجَدُوا لَهُ وجْهًا ظاهِرًا، ويُمْكِنُ الجَوابُ عَنِ اعْتِراضِ ابْنِ جِنِّي بِأنَّهُ إنَّما حَسُنَ حَذْفُ المُبْتَدَأِ لِأنَّ في اللَّفْظِ ما يَدُلُّ عَلَيْهِ وهو قَوْلُهُ: ”هَذانِ“ أمّا لَوْ حُذِفَ التَّأْكِيدُ فَلَيْسَ في اللَّفْظِ ما يَدُلُّ عَلَيْهِ، فَلا جَرَمَ كانَ حَذْفُ المُبْتَدَأِ أوْلى مِن حَذْفِ التَّأْكِيدِ، وأمّا امْتِناعُهم مِن تَأْكِيدِ الضَّمِيرِ في قَوْلِهِمْ: زَيْدٌ ضَرَبْتُ نَفْسَهُ، فَذاكَ إنَّما كانَ لِأنَّ إسْنادَ الفِعْلِ إلى المُظْهَرِ أوْلى مِن إسْنادِهِ إلى المُضْمَرِ، فَإذا قالَ: زَيْدٌ ضَرَبْتُ نَفْسَهُ كانَ قَوْلُهُ: ”نَفْسَهُ“ مَفْعُولًا، فَلا يُمْكِنُ جَعْلُهُ تَأْكِيدًا لِلضَّمِيرِ، فَتَأْكِيدُ المَحْذُوفِ إنَّما امْتَنَعَ هَهُنا لِهَذِهِ العِلَّةِ، لا لِأنَّ تَأْكِيدَ المَحْذُوفِ مُطْلَقًا مُمْتَنِعٌ، وأمّا قَوْلُهُ: النَّحْوِيُّونَ حَمَلُوا قَوْلَ الشّاعِرِ:
أمُّ الحُلَيْسِ لَعَجُوزٌ شَهْرَبَهْ
عَلى أنَّ الشّاعِرَ أدْخَلَ اللّامَ عَلى الخَبَرِ ضَرُورَةً، فَلَوْ جازَ ما قالَهُ الزَّجّاجُ لَما عَدَلَ عَنْهُ النَّحْوِيُّونَ، فَهَذا اعْتِراضٌ في نِهايَةِ السُّقُوطِ؛ لِأنَّ ذُهُولَ المُتَقَدِّمِينَ عَنْ هَذا الوَجْهِ لا يَقْتَضِي كَوْنَهُ باطِلًا، فَما أكْثَرَ ما ذَهَلَ المُتَقَدِّمُ عَنْهُ وأدْرَكَهُ المُتَأخِّرُ فَهَذا تَمامُ الكَلامِ في شَرْحِ هَذا.
الوَجْهُ الثّالِثُ: في الجَوابِ أنَّ كَلِمَةَ ”إنَّ“ ضَعِيفَةٌ في العَمَلِ لِأنَّها تَعْمَلُ بِسَبَبِ مُشابَهَةِ الفِعْلِ فَوَجَبَ كَوْنُها ضَعِيفَةً في العَمَلِ، وإذا ضَعُفَتْ جازَ بَقاءُ المُبْتَدَأِ عَلى إعْرابِهِ الأصْلِيِّ وهو الرَّفْعُ.
المُقَدِّمَةُ الأُولى: أنَّها تُشْبِهُ الفِعْلَ، وهَذِهِ المُشابَهَةُ حاصِلَةٌ في اللَّفْظِ والمَعْنى. أمّا اللَّفْظُ فَلِأنَّها تَرَكَّبَتْ مِن ثَلاثَةِ أحْرُفٍ وانْفَتَحَ آخِرُها ولَزِمَتِ الأسْماءَ كالأفْعالِ، وأمّا المَعْنى فَلِأنَّها تُفِيدُ حُصُولَ مَعْنًى في الِاسْمِ وهو تَأْكِيدُ مَوْصُوفِيَّتِهِ بِالخَبَرِ كَما أنَّكَ إذا قُلْتَ: قامَ زَيْدٌ، فَقَوْلُكَ قامَ أفادَ حُصُولَ مَعْنًى في الِاسْمِ.
المُقَدِّمَةُ الثّانِيَةُ: أنَّها لَمّا أشْبَهَتِ الأفْعالَ وجَبَ أنْ تُشْبِهَها في العَمَلِ فَذَلِكَ ظاهِرٌ بِناءً عَلى الدَّوَرانِ.
المُقَدِّمَةُ الثّالِثَةُ: أنَّها لَمْ تَنْصِبِ الِاسْمَ وتَرْفَعِ الخَبَرَ، فَتَقْرِيرُهُ أنْ يُقالَ: إنَّها لَمّا صارَتْ عامِلَةً فَإمّا أنْ تَرْفَعَ المُبْتَدَأ والخَبَرَ مَعًا، أوْ تَنْصِبَهُما مَعًا، أوْ تَرْفَعَ المُبْتَدَأ وتَنْصِبَ الخَبَرَ، أوْ بِالعَكْسِ، والأوَّلُ باطِلٌ لِأنَّ المُبْتَدَأ والخَبَرَ كانا قَبْلَ دُخُولِ إنَّ عَلَيْهِما مَرْفُوعَيْنِ فَلَوْ بَقِيا كَذَلِكَ بَعْدَ دُخُولِها عَلَيْهِما لَما ظَهَرَ لَهُ أثَرٌ البَتَّةَ، ولِأنَّها أُعْطِيَتْ عَمَلَ الفِعْلِ، والفِعْلُ لا يَرْفَعُ الِاسْمَيْنِ فَلا مَعْنى لِلِاشْتِراكِ.
والقِسْمُ الثّانِي: أيْضًا باطِلٌ لِأنَّ هَذا أيْضًا مُخالِفٌ لِعَمَلِ الفِعْلِ؛ لِأنَّ الفِعْلَ لا يَنْصِبُ شَيْئًا مَعَ خُلُوِّهِ عَمّا يَرْفَعُهُ.
والقِسْمُ الثّالِثُ: أيْضًا باطِلٌ لِأنَّهُ يُؤَدِّي إلى التَّسْوِيَةِ بَيْنَ الأصْلِ والفَرْعِ. فَإنَّ الفِعْلَ يَكُونُ عَمَلُهُ في الفاعِلِ أوَّلًا بِالرَّفْعِ وفي المَفْعُولِ بِالنَّصْبِ فَلَوْ جُعِلَ النَّصْبُ هَهُنا كَذَلِكَ لَحَصَلَتِ التَّسْوِيَةُ بَيْنَ الأصْلِ والفَرْعِ، ولَمّا بَطَلَتِ الأقْسامُ الثَّلاثَةُ تَعَيَّنَ القِسْمُ الرّابِعُ: وهو أنَّها تَنْصِبُ الِاسْمَ وتَرْفَعُ الخَبَرَ، وهَذا مِمّا يُنَبِّهُ عَلى أنَّ هَذِهِ الحُرُوفَ دَخِيلَةٌ في العَمَلِ لا أصِيلَةٌ لِأنَّ تَقْدِيمَ المَنصُوبِ عَلى المَرْفُوعِ في بابِ العَمَلِ عُدُولٌ عَنِ الأصْلِ فَذَلِكَ يَدُلُّ عَلى أنَّ العَمَلَ بِهَذِهِ الحُرُوفِ لَيْسَ بِثابِتٍ بِطَرِيقِ الأصالَةِ بَلْ بِطَرِيقٍ عارِضٍ.
المُقَدِّمَةُ الرّابِعَةُ: لَمّا ثَبَتَ أنَّ تَأْثِيرَها في نَصْبِ الِاسْمِ بِسَبَبِ هَذِهِ المُشابَهَةِ وجَبَ جَوازُ الرَّفْعِ أيْضًا، وذَلِكَ لِأنَّ كَوْنَ الِاسْمِ مُبْتَدَأً يَقْتَضِي الرَّفْعَ، ودُخُولُ ”إنَّ“ عَلى المُبْتَدَأِ لا يُزِيلُ عَنْهُ وصْفَ كَوْنِهِ مُبْتَدَأً لِأنَّهُ يُفِيدُ تَأْكِيدَ ما كانَ لا زَوالَ ما كانَ، إذا ثَبَتَ هَذا فَنَقُولُ: وصْفُ كَوْنِهِ مُبْتَدَأً يَقْتَضِي الرَّفْعَ، وحَرْفُ ”إنَّ“ يَقْتَضِي النَّصْبَ، ولَكِنَّ المُقْتَضى الأوَّلَ أوْلى بِالِاقْتِضاءِ مِن وجْهَيْنِ:
أحَدُهُما: أنَّ وصْفَ كَوْنِهِ مُبْتَدَأً صِفَةٌ أصْلِيَّةٌ لِلْمُبْتَدَأِ، ودُخُولَ إنَّ عَلَيْهِ صِفَةٌ عَرَضِيَّةٌ، والأصْلُ راجِحٌ عَلى العارِضِ.
والثّانِي: أنَّ اقْتِضاءَ وصْفِ المُبْتَدَأِ لِلرَّفْعِ أصْلِيٌّ واقْتِضاءَ حَرْفِ ”إنَّ“ لِلنَّصْبِ صِفَةٌ عارِضَةٌ بِسَبَبِ مُشابَهَتِها بِالفِعْلِ، فَيَكُونُ الأوَّلُ أوْلى فَثَبَتَ بِمَجْمُوعِ ما قَرَّرْنا أنَّ الرَّفْعَ أوْلى مِنَ النَّصْبِ فَإنْ لَمْ تَحْصُلِ الأوْلَوِيَّةُ فَلا أقَلَّ مِن أصْلِ الجَوازِ؛ ولِهَذا السَّبَبِ إذا جِئْتَ بِخَبَرِ ”إنَّ“ ثُمَّ عَطَفْتَ عَلى الِاسْمِ اسْمًا آخَرَ جازَ فِيهِ الرَّفْعُ والنَّصْبُ مَعًا.
الوَجْهُ الرّابِعُ: في الجَوابِ قالَ الفَرّاءُ: هَذا أصْلُهُ ”ذا“ زِيدَتِ الهاءُ لِأنَّ ”ذا“ كَلِمَةٌ مَنقُوصَةٌ فَكُمِّلَتْ بِالهاءِ عِنْدَ التَّنْبِيهِ، وزِيدَتْ ألِفًا لِلتَّثْنِيَةِ فَصارَتْ هَذاانِ فاجْتَمَعَ ساكِنانِ مِن جِنْسٍ واحِدٍ فاحْتِيجَ إلى حَذْفِ واحِدٍ، ولا يُمْكِنُ حَذْفُ ألِفِ الأصْلِ لِأنَّ أصْلَ الكَلِمَةِ مَنقُوصَةٌ فَلا تُجْعَلُ أنْقَصَ فَحُذِفَ ألِفُ التَّثْنِيَةِ؛ لِأنَّ النُّونَ يَدُلُّ عَلَيْهِ فَلا جَرَمَ لَمْ تَعْمَلْ ”إنَّ“ لِأنَّ عَمَلَها في ألِفِ التَّثْنِيَةِ، وقالَ آخَرُونَ: الألِفُ الباقِي إمّا ألِفُ الأصْلِ أوْ ألِفُ التَّثْنِيَةِ. فَإنْ كانَ الباقِي ألِفَ الأصْلِ لَمْ يَجُزْ حَذْفُها لِأنَّ العامِلَ الخارِجِيَّ لا يَتَصَرَّفُ في ذاتِ الكَلِمَةِ، وإنْ كانَ الباقِي ألِفَ التَّثْنِيَةِ فَلا شَكَّ أنَّهم أنابُوها مَنابَ ألِفِ الأصْلِ، وعِوَضُ الأصْلِ أصْلٌ لا مَحالَةَ، فَهَذا الألِفُ أصْلٌ فَلا يَجُوزُ حَذْفُهُ ويَرْجِعُ حاصِلُ هَذا إلى الجَوابِ الأوَّلِ.
الوَجْهُ الخامِسُ: في الجَوابِ حَكى الزَّجّاجُ عَنْ قُدَماءِ النَّحْوِيِّينَ أنَّ الهاءَ هَهُنا مُضْمَرَةٌ، والتَّقْدِيرُ ”إنَّهُ هَذانِ لَساحِرانِ“، وهَذِهِ الهاءُ كِنايَةٌ عَنِ الأمْرِ والشَّأْنِ، فَهَذا ما قِيلَ في هَذا المَوْضِعِ، فَأمّا مَن خَفَّفَ فَقَرَأ ”إنْ هَذانِ لَساحِرانِ“ فَهو حَسَنٌ، فَإنَّ ما بَعْدَ الخَفِيفَةِ رَفْعٌ واللّامُ بَعْدَها في الخَبَرِ لازِمَةٌ واجِبَةٌ، وإنْ كانَتْ في ”إنَّ“ الثَّقِيلَةِ جائِزَةً لِيَظْهَرَ الفَرْقُ بَيْنَ ”إنَّ“ المُؤَكِّدَةِ و”إنْ“ النّافِيَةِ. قالَ الشّاعِرُ:
وإنْ مالِكٌ لَلْمُرْتَجى إنْ تَضَعْضَعَتْ ∗∗∗رَحاالحَرْبِأوْدارَتْعَلَيَّ خُطُوبُ
وقالَ آخَرُ:
إنَّ القَوْمَ والحَيَّ الَّذِي أنا مِنهم ∗∗∗لَأهْلُمَقاماتٍوشاءٍوجامِلِ
الجامِلُ جَمْعُ جَمَلٍ، ثُمَّ مِنَ العَرَبِ مَن يُعْمِلُ ”إنْ“ ناقِصَةً كَما يُعْمِلُها تامَّةً اعْتِبارًا بَكانَ فَإنَّها تَعْمَلُ، وإنْ نَقَصَتْ في قَوْلِكَ: لَمْ يَكُنْ لِبَقاءِ مَعْنى التَّأْكِيدِ، وإنْ زالَ الشَّبَهُ اللَّفْظِيُّ بِالفِعْلِ لِأنَّ العِبْرَةَ لِلْمَعْنى، وهَذِهِ اللُّغَةُ تَدُلُّ عَلى أنَّ العِبْرَةَ في بابِ الإعْمالِ الشَّبَهُ المَعْنَوِيُّ بِالفِعْلِ وهو إثْباتُ التَّوْكِيدِ دُونَ الشَّبَهِ اللَّفْظِيِّ، كَما أنَّ التَّعْوِيلَ في بابِ ”كانَ“ عَلى المَعْنى دُونَ اللَّفْظِ لِكَوْنِهِ فِعْلًا مَحْضًا، وأمّا اللُّغَةُ الظّاهِرَةُ وهي تَرْكُ إعْمالِ ”إنِ“ الخَفِيفَةِ دالَّةٌ عَلى أنَّ الشَّبَهَ اللَّفْظِيَّ في ”إنَّ“ الثَّقِيلَةِ أحَدُ جُزْأيِ العِلَّةِ في حَقِّ عَمَلِها وعِنْدَ الخِفَّةِ زالَ الشَّبَهُ فَلَمْ تَعْمَلْ بِخِلافِ السُّكُونِ فَإنَّهُ عامِلٌ بِمَعْناهُ لِكَوْنِهِ فِعْلًا مَحْضًا ولا عِبْرَةَ لِلَفْظِهِ.
الجامع لأحكام القرآن — القرطبي (٦٧١ هـ)

قوله تعالى: (إِنْ هذانِ لَساحِرانِ) [٢٠: ٦٣] قرأ أبو عمرو "إِنَّ هَذَيْنَ لَسَاحِرَانِ". وَرُوِيَتْ عَنْ عُثْمَانَ وَعَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَغَيْرِهِمَا مِنَ الصَّحَابَةِ، وَكَذَلِكَ قَرَأَ الْحَسَنُ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَإِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ وَغَيْرُهُمْ مِنَ التَّابِعِينَ، وَمِنَ الْقُرَّاءِ عِيسَى بْنُ عُمَرَ وَعَاصِمُ الْجَحْدَرِيُّ، فِيمَا ذَكَرَ النَّحَّاسُ. وَهَذِهِ الْقِرَاءَةُ مُوَافِقَةٌ لِلْإِعْرَابِ مُخَالِفَةٌ لِلْمُصْحَفِ. وَقَرَأَ الزُّهْرِيُّ وَالْخَلِيلُ بْنُ أَحْمَدَ وَالْمُفَضَّلُ وَأَبَانٌ وَابْنُ مُحَيْصِنٍ وَابْنُ كَثِيرٍ وَعَاصِمٌ: فِي رِوَايَةِ حَفْصٍ عَنْهُ" إِنْ هذانِ [٢٠: ٦٣] "بِتَخْفِيفِ" إِنْ" "لَساحِرانِ" وَابْنُ كَثِيرٍ يُشَدِّدُ نُونَ "هَذَانَ". وَهَذِهِ الْقِرَاءَةُ سَلِمَتْ مِنْ مُخَالَفَةِ الْمُصْحَفِ وَمِنْ فَسَادِ الْإِعْرَابِ، وَيَكُونُ مَعْنَاهَا مَا هَذَانَ إِلَّا سَاحِرَانِ. وَقَرَأَ الْمَدَنِيُّونَ وَالْكُوفِيُّونَ: "إِنَّ هَذَانِ" بِتَشْدِيدِ "إِنَّ"" لَساحِرانِ [٢٠: ٦٣] "فَوَافَقُوا الْمُصْحَفَ وَخَالَفُوا الْإِعْرَابَ. قَالَ النَّحَّاسُ: فَهَذِهِ ثَلَاثُ قِرَاءَاتٍ قَدْ رَوَاهَا الْجَمَاعَةُ عَنِ الْأَئِمَّةِ، وَرُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ قَرَأَ" إِنْ هَذَانِ إِلَّا سَاحِرَانِ "وَقَالَ الْكِسَائِيُّ فِي قِرَاءَةِ عَبْدِ اللَّهِ:" إِنْ هَذَانِ سَاحِرَانِ "بِغَيْرِ لَامٍ، وَقَالَ الْفَرَّاءُ فِي حَرْفِ أُبَيٍّ" إِنْ ذَانِ إِلَّا سَاحِرَانِ" فَهَذِهِ ثَلَاثُ قِرَاءَاتٍ أُخْرَى تُحْمَلُ عَلَى التَّفْسِيرِ لَا أَنَّهَا جَائِزٌ أَنْ يُقْرَأَ بِهَا لِمُخَالَفَتِهَا الْمُصْحَفَ. قُلْتُ: وَلِلْعُلَمَاءِ فِي قِرَاءَةِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَالْكُوفَةِ سِتَّةُ أَقْوَالٍ ذَكَرَهَا ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ فِي آخِرِ كِتَابِ الرَّدِّ لَهُ، وَالنَّحَّاسُ فِي إِعْرَابِهِ، وَالْمَهْدَوِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ، وَغَيْرُهُمْ أَدْخَلَ كَلَامَ بَعْضِهِمْ فِي بَعْضٍ. وَقَدْ خَطَّأَهَا قَوْمٌ حَتَّى قَالَ أَبُو عَمْرٍو: إِنِّي لَأَسْتَحِي مِنَ الله [تعالى(٢)أَنْ أَقْرَأَ" إِنْ هذانِ [٢٠: ٦٣]". وَرَوَى عُرْوَةُ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّهَا سُئِلَتْ عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى "لكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ"(٣)ثُمَّ قَالَ: "وَالْمُقِيمِينَ"(٤)وَفِي "الْمَائِدَةِ" ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا وَالصَّابِئُونَ﴾(٥)[المائدة: ٦٩]وَ" إِنْ هذانِ لَساحِرانِ [٢٠: ٦٣] "فَقَالَتْ: يَا ابْنَ أُخْتِي! هَذَا خَطَأٌ مِنَ الْكَاتِبِ. وَقَالَ عُثْمَانُ ابن عَفَّانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: فِي الْمُصْحَفِ لَحْنٌ وَسَتُقِيمُهُ الْعَرَبُ بِأَلْسِنَتِهِمْ. وَقَالَ أَبَانُ بْنُ عُثْمَانَ: قَرَأْتُ هَذِهِ الْآيَةَ عِنْدَ أَبِي عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ، فَقَالَ: لَحْنٌ وَخَطَأٌ، فَقَالَ لَهُ قَائِلٌ: أَلَا تُغَيِّرُوهُ؟ فَقَالَ: دَعُوهُ فَإِنَّهُ لَا يُحَرِّمُ حلالا ولا يحلل حرما. الْقَوْلُ الْأَوَّلُ مِنَ الْأَقْوَالِ السِّتَّةِ: أَنَّهَا لُغَةُ بنى الحرث بْنِ كَعْبٍ وَزُبَيْدٍ وَخَثْعَمَ. وَكِنَانَةَ بْنِ زَيْدٍ يجعلون رفع الاثنين ونصبه وخفضه بالألف، يَقُولُونَ: جَاءَ الزَّيْدَانِ وَرَأَيْتُ الزَّيْدَانِ وَمَرَرْتُ بِالزَّيْدَانِ، ومنه قوله تعالى:" وَلا أَدْراكُمْ بِهِ [١٠: ١٦]" [يونس: ١٦]عَلَى مَا تَقَدَّمَ(٦). وَأَنْشَدَ الْفَرَّاءُ لِرَجُلٍ مِنْ بَنِي أَسَدٍ(٧) - قَالَ: وَمَا رَأَيْتُ أَفْصَحَ مِنْهُ:
فَأَطْرَقَ إِطْرَاقَ الشُّجَاعِ وَلَوْ يَرَى ... مَسَاغًا لِنَابَاهُ الشُّجَاعُ لَصَمَّمَا(٨)
وَيَقُولُونَ: كَسَرْتُ يَدَاهُ وَرَكِبْتُ عَلَاهُ، بمعنى يديه وعليه، قال شاعرهم:(٩)
تَزَوَّدَ مِنَّا بَيْنَ أُذْنَاهُ ضَرْبَةً ... دَعَتْهُ إِلَى هابي التراب عقيم
وَقَالَ آخَرُ:(١٠)
طَارُوا عَلَاهُنَّ فَطِرْ عَلَاهَا
أَيْ عَلَيْهِنَّ وَعَلَيْهَا. وَقَالَ آخَرُ:(١١)
إِنَّ أَبَاهَا وَأَبَا أَبَاهَا ... قَدْ بَلَغَا فِي الْمَجْدِ غَايَتَاهَا
أَيْ إن أبا أبيها وغايتها. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ النَّحَّاسُ: وَهَذَا الْقَوْلُ مِنْ أَحْسَنِ مَا حُمِلَتْ عَلَيْهِ الْآيَةُ، إِذْ كَانَتْ هَذِهِ اللُّغَةُ مَعْرُوفَةً، وَقَدْ حَكَاهَا مَنْ يُرْتَضَى بِعِلْمِهِ وَأَمَانَتِهِ، مِنْهُمْ أَبُو زَيْدٍ الْأَنْصَارِيُّ، وَهُوَ الَّذِي يَقُولُ: إِذَا قَالَ سِيبَوَيْهِ حَدَّثَنِي مَنْ أَثِقُ بِهِ فَإِنَّمَا يَعْنِينِي، وَأَبُو الْخَطَّابِ الْأَخْفَشُ وَهُوَ رَئِيسٌ مِنْ رُؤَسَاءِ اللُّغَةِ، وَالْكِسَائِيُّ وَالْفَرَّاءُ كلهم قالوا هذا على لغة بني الحرث بْنِ كَعْبٍ. وَحَكَى أَبُو عُبَيْدَةَ عَنْ أَبِي الْخَطَّابِ أَنَّ هَذِهِ لُغَةُ بَنِي كِنَانَةَ. الْمَهْدَوِيُّ: وَحَكَى غَيْرُهُ أَنَّهَا لُغَةٌ لِخَثْعَمَ. قَالَ النَّحَّاسُ وَمِنْ أَبْيَنِ مَا فِي هَذَا قَوْلُ سِيبَوَيْهِ: وَاعْلَمْ أَنَّكَ إِذَا ثَنَّيْتَ الْوَاحِدَ زِدْتَ عَلَيْهِ زَائِدَتَيْنِ، الْأُولَى مِنْهُمَا حَرْفُ مَدٍّ وَلِينٍ وَهُوَ حَرْفُ الْإِعْرَابِ، قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ فَقَوْلُ سِيبَوَيْهِ: وَهُوَ حَرْفُ الْإِعْرَابِ، يُوجِبُ أَنَّ الْأَصْلَ أَلَّا يتغير، فيكون "إن هذان" جاء عَلَى أَصْلِهِ لِيُعْلَمَ ذَلِكَ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى ﴿اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطانُ﴾(١٢)[المجادلة: ١٩]وَلَمْ يَقُلِ اسْتَحَاذَ، فَجَاءَ هَذَا لِيَدُلَّ عَلَى الْأَصْلِ، وَكَذَلِكَ "إِنْ هَذَانِ" وَلَا يُفَكَّرُ فِي إنكار من أنكر هذه اللغة إذ كَانَ الْأَئِمَّةُ قَدْ رَوَوْهَا. الْقَوْلُ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ "إِنْ" بِمَعْنَى نَعَمْ، كَمَا حَكَى الْكِسَائِيُّ عَنْ عَاصِمٍ قَالَ: الْعَرَبُ تَأْتِي بِ"- إِنْ "بِمَعْنَى نَعَمْ، وَحَكَى سِيبَوَيْهِ أَنَّ" إِنْ" تَأْتِي بِمَعْنَى أَجَلْ، وَإِلَى هَذَا الْقَوْلِ كَانَ مُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ الْقَاضِي يَذْهَبَانِ، قَالَ النَّحَّاسُ: وَرَأَيْتُ أَبَا إِسْحَاقَ الزَّجَّاجَ وَعَلِيَّ بْنَ سُلَيْمَانَ يَذْهَبَانِ إِلَيْهِ. الزَّمَخْشَرِيُّ: وَقَدْ أُعْجِبَ بِهِ أَبُو إِسْحَاقَ. النَّحَّاسُ: وَحَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ السَّلَامِ النَّيْسَابُورِيُّ، ثُمَّ لَقِيتُ عَبْدَ الله بن أحمد [هذا(١٣)فَحَدَّثَنِي، قَالَ حَدَّثَنِي عُمَيْرُ بْنُ الْمُتَوَكِّلِ، قَالَ حدثنا محمد ابن موسى النوفلي من ولد حرث بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، قَالَ حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ جميع الكوفي عن جعفر ابن مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَلِيٍّ- وَهُوَ ابْنُ الْحُسَيْنِ- عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ، قَالَ: لَا أُحْصِي كَمْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ عَلَى مِنْبَرِهِ: "إِنَّ الْحَمْدُ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ" ثُمَّ يَقُولُ: "أَنَا أَفْصَحُ قريش كلها وأفصحها بعدي أبان ابن سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ" قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ الْخَفَّافُ قَالَ عُمَيْرٌ: إِعْرَابُهُ عِنْدَ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ وَالنَّحْوِ "إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ" بِالنَّصْبِ إِلَّا أَنَّ الْعَرَبَ تَجْعَلُ "إِنَّ" فِي مَعْنَى نَعَمْ كَأَنَّهُ أَرَادَ ﷺ نَعَمِ الْحَمْدُ لِلَّهِ، وذلك أن خطباء الجاهلية كانت تفتتح [في(١٤)خُطَبَهَا بِنَعَمْ. وَقَالَ الشَّاعِرُ فِي مَعْنَى نَعَمْ:
قَالُوا غَدَرْتَ فَقُلْتُ إِنَّ وَرُبَّمَا ... نَالَ الْعُلَا وَشَفَى الْغَلِيلَ الْغَادِرُ
وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ قَيْسُ الرُّقَيَّاتِ:
بَكَرَ الْعَوَاذِلُ فِي الصَّبَا ... حَ يَلُمْنَنِي وَأَلُومُهُنَّهْ
وَيَقُلْنَ شَيْبٌ قَدْ عَلَا ... كَ وَقَدْ كَبِرْتَ فَقُلْتُ إِنَّهْ
فَعَلَى هَذَا جَائِزٌ أَنْ يَكُونَ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: "إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ" بِمَعْنَى نَعَمْ وَلَا تُنْصَبُ. قَالَ النَّحَّاسُ: أَنْشَدَنِي دَاوُدُ بْنُ الْهَيْثَمِ، قَالَ أَنْشَدَنِي ثَعْلَبٌ:
لَيْتَ شِعْرِي هَلْ لِلْمُحِبِّ شِفَاءٌ ... مِنْ جوى حبهن إن اللقاء
قَالَ النَّحَّاسُ: وَهَذَا قَوْلٌ حَسَنٌ إِلَّا أَنَّ فِيهِ شَيْئًا لِأَنَّهُ إِنَّمَا يُقَالُ: نَعَمْ زَيْدٌ خارج، ولا تكاد تقع اللام ها هنا، وَإِنْ كَانَ النَّحْوِيُّونَ قَدْ تَكَلَّمُوا فِي ذَلِكَ فَقَالُوا: اللَّامُ يُنْوَى بِهَا التَّقْدِيمُ، كَمَا قَالَ:
خَالِي لَأَنْتَ وَمَنْ جَرِيرٌ خَالُهُ ... يَنَلِ الْعَلَاءَ وَيُكْرِمِ الْأَخْوَالَا
آخَرُ:
أُمُّ الْحُلَيْسِ لَعَجُوزٌ شَهْرَبَهْ ... تَرْضَى مِنَ الشَّاةِ بِعَظْمِ الرَّقَبَهْ
أَيْ لَخَالِي وَلَأُمِّ الْحُلَيْسِ، وَقَالَ الزَّجَّاجُ: وَالْمَعْنَى فِي الْآيَةِ إِنَّ هَذَانِ لَهُمَا سَاحِرَانِ ثُمَّ حَذَفَ الْمُبْتَدَأَ. الْمَهْدَوِيُّ: وَأَنْكَرَهُ أَبُو عَلِيٍّ وَأَبُو الْفَتْحِ بْنُ جِنِّيٍّ. قَالَ أَبُو الْفَتْحِ: "هُمَا" الْمَحْذُوفُ لَمْ يُحْذَفْ إِلَّا بَعْدَ أَنْ عُرِفَ، وَإِذَا كَانَ مَعْرُوفًا فَقَدِ اسْتُغْنِيَ بِمَعْرِفَتِهِ عَنْ تَأْكِيدِهِ بِاللَّامِ، وَيَقْبُحُ أَنْ تَحْذِفَ الْمُؤَكَّدَ وَتَتْرُكَ الْمُؤَكِّدَ. الْقَوْلُ الثالث: قاله الفراء أيضا [قال(١٥): وَجَدْتُ الْأَلِفَ دِعَامَةً لَيْسَتْ بِلَامِ الْفِعْلِ فَزِدْتُ عَلَيْهَا نُونًا وَلَمْ أُغَيِّرْهَا كَمَا قُلْتُ: "الَّذِي" ثُمَّ زِدْتُ عَلَيْهِ نُونًا فَقُلْتُ: جَاءَنِي الَّذِينَ عِنْدَكَ، وَرَأَيْتُ الَّذِينَ عِنْدَكَ، وَمَرَرْتُ بِالَّذِينَ عِنْدَكَ. الْقَوْلُ الرَّابِعُ: قَالَهُ بَعْضُ الْكُوفِيِّينَ قَالَ الْأَلِفُ فِي "هَذَانَ" مُشَبَّهَةٌ بِالْأَلِفِ فِي يَفْعَلَانِ فَلَمْ تُغَيَّرْ. الْقَوْلُ الْخَامِسُ: قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ: النَّحْوِيُّونَ القدماء يقولون الهاء ها هنا مُضْمَرَةٌ، وَالْمَعْنَى إِنَّهُ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ، قَالَ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ: فَأُضْمِرَتِ الْهَاءُ الَّتِي هِيَ مَنْصُوبُ "إِنْ" وَ" هذانِ [٢٠: ٦٣] "خَبَرُ" إِنْ "وَ" سَاحِرَانِ "يَرْفَعُهَا" هُمَا" الْمُضْمَرُ [وَالتَّقْدِيرُ(١٦)إِنَّهُ هَذَانَ لَهُمَا سَاحِرَانِ. وَالْأَشْبَهُ(١٧)عِنْدَ أَصْحَابِ أَهْلِ هَذَا الْجَوَابِ أَنَّ الْهَاءَ اسْمُ "إِنْ" وَ "هذانِ" رُفِعَ بِالِابْتِدَاءِ وَمَا بَعْدَهُ خَبَرُ الِابْتِدَاءِ. الْقَوْلُ السَّادِسُ: قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ النَّحَّاسُ وَسَأَلْتُ أَبَا الْحَسَنِ بْنَ كَيْسَانَ عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ، فَقَالَ: إِنْ شِئْتَ أَجَبْتُكَ بِجَوَابِ النَّحْوِيِّينَ، وَإِنْ شِئْتَ أَجَبْتُكَ بِقَوْلِي، فَقُلْتُ: بِقَوْلِكَ، فَقَالَ: سَأَلَنِي إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ عَنْهَا فَقُلْتُ: الْقَوْلُ عِنْدِي أَنَّهُ لَمَّا كَانَ يُقَالُ: "هَذَا" فِي مَوْضِعِ الرَّفْعِ وَالنَّصْبِ وَالْخَفْضِ عَلَى حَالٍ وَاحِدَةٍ، وَكَانَتِ التَّثْنِيَةُ يَجِبُ أَلَّا يغير لها الواحد أجريت التثنية مجرى الواحد فَقَالَ: مَا أَحْسَنَ هَذَا لَوْ تَقَدَّمَكَ أَحَدٌ بِالْقَوْلِ بِهِ حَتَّى يُؤْنَسَ بِهِ، قَالَ ابْنُ كَيْسَانَ: فَقُلْتُ لَهُ: فَيَقُولُ الْقَاضِي بِهِ حَتَّى يؤنس به، فتبسم.
الجواهر الحسان — الثعالبي (٨٧٥ هـ)

إِنْ هذانِ لَساحِرانِ قرأ نافعٌ، وابنُ عامرٍ، وحمزةُ والكسائيُّ(٢) : «إِنْ هذانِ لَساحِرانِ» فقالت فرقةٌ: قوله: «إِن» بمعنى: نعم كما قال ﷺ إن الحمدُ للَّه، برفع الحمد.
وقالت فرقةٌ: إنّ هذه القراءةَ على لغةِ بَلْحَارِث بن كعْب، وهي إبقاء ألف التثنية في حال النَّصْبِ، والخِفْضِ، وتعزى هذه اللغة لكِنَانةَ، وتُعْزى لخثْعَم.
وقال الزجاج(٣) : في الكلام ضميرٌ تقديره: إنه هذان لساحران وقرأ أبو عَمْرو وَحْدَه: «إنَّ هَذَيْنِ لَسَاحِرَانِ» .
[وقرأ ابنُ كثيرٍ: «إنْ هَذَانِّ لسَاحِرَانِّ» بتخفيف إنَّ، وتشديد نون هذان لساحران] .(٤) .
وقرأ حفصٌ عن عاصِمٍ: «إنْ» بالتخفيف «هَذَانِ» خفيفة أَيْضاً «لَسَاحِرَانِ» .
تعليق:
- الكتب التي وجدت فيها:
- تفسير الطبري
- تفسير البغوي
- تفسير الرازي
- تفسير القرطبي
- تفسير الثعالبي

- الكتب التي بحثت ولم تجد فيها:
- تفسير عبد الرازق الصنعاني
- تفسير الثوري
- صحيح البخاري
- عمدة القاري
- تفسير إرشاد الساري
- تفسير مجاهد
- تفسير الدر المنثور

- الكتب التي تعذر عليك الوصول إليها:
- تفسير بن أبي حاتم

البحث في مراتب المصادر اللغوية:
المرتبة الأولى:
يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {إن هذان لساحران...}
قد اختلف فيه القراء فقال بعضهم: هو لحن ولكنا نمضي عليه لئلاّ نخالف الكتاب. ... حدثني أبو معاوية الضرير،
عن هاشم بن عروة بن الزبير، عن أبيه، عن عائشة أنها سئلت عن قوله في النساء {لكن الراسخون في العلم منهم .... والمقيمين الصلاة} وعن قوله في المائدة {إن الذين آمنوا والّذين هادوا والصّابئون} وعن قوله: {إنّ هذان لساحران} فقالت: يا بن أخي هذا كان خطأ من الكاتب. وقرأ أبو عمرو {إنّ هذين لساحران} واحتجّ أنه بلغه عن بعض أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم أنه قال: إن في المصحف لحناً وستقيمه العرب.
... ولست أشتهي على (أن أخالف الكتاب وقرأ بعضهم {إن هذان لساحران}
خفيفة وفي قراءة عبد الله: (وأسروا النجوى أن هذان ساحران) وفي قراءة أبيّ (إن ذان إلاّ ساحران) فقراءتنا بتشديد (إنّ) وبالألف على جهتين.
إحداهما على لغة بني الحارث بن كعب: يجعلون الاثنين في رفعهما ونصبهما وخفضهما بالألف وأنشدني رجل من الأسد عنهم. يريد بني الحارث:
فأطرق إطراق الشجاع ولو يرىمـسـاغـاً لـنـابـاه الـشـجـاع لصـمّـمـا
قال: وما رأيت أفصح من هذا الأسديّ وحكى هذا الرجل عنهم: هذا خطّ يدا أخي بعينه. وذلك - وإن كان قليلاً - أقيس؛ لأنّ العرب قالوا: مسلمون فجعلوا الواو تابعة للضمّة (لأن الواو لا تعرب) ثم قالوا: رأيت المسلمين فجعلوا الياء تابعة لكسرة الميم. فلمّا رأوا أن الياء من الاثنين لا يمكنهم كسر ما قبلها، وثبت مفتوحاً: تركوا الألف تتبعه،
فقالوا: رجلان في كل حال. وقد اجتمعت العرب على إثبات الألف في كلا الرجلين في الرفع والنصب والخفض وهما اثنان، إلاّ بني كنانة فإنهم يقولون: رأيت كلى الرجلين ومررت بكلى الرجلين. وهي قبيحة قليلة، مضوا على القياس.
والوجه الآخر أن تقول: وجدت الألف (من هذا دعامة وليست بلام فعل، فلمّا ثنيت زدت عليها نوناً ثم تركت الألف) ثابتة على حالها لا تزول على كلّ حال؛ كما قالت العرب (الذي) ثم زادوا نوناً تدلّ على الجماع، فقالوا: الذين في رفعهم ونصبهم وخفضهم كما تركوا (هذان) في رفعه ونصبه وخفضه. وكنانة يقولون (اللّذون) ). [معاني القرآن: 2/184،183]
أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {إنّ هذان لساحران} قال أبو عمرو وعيسى ويونس " إنّ هذين لساحران " في اللفظ وكتب " هذان " كما يزيدون وينقصون في الكتاب واللفظ صواب، وزعم أبو الخطاب أنه سمع قوماً من بني كنانة وغيرهم يرفعون الاثنين في موضع الجر والنصب، قال بشر بن هلال " إنّ " بمعنى الابتداء والإيجاب، ألا ترى أنها تعمل فيما يليها ولا تعمل فيما بعد الذي بعدها فترفع الخبر ولا تنصبه كما تنصب الاسم فكان مجازه " إنّ [مجاز القرآن: 2/21]
{هذان لساحران} مجاز كلامين، مخرجه: إنه أي نعم، ثم قلت: هذان ساحران، ألا ترى أنهم يرفعون المشرك كقوله:
فمن يك أمسى بالمدينة رحلهفــــإنـــــيّ وقــــيّـــــارٌ بــــهـــــا لـــغـــريـــب
وقوله:
إنّ شرخ الشّباب والشّعر الأسودمـــــــــا لـــــــــم يــــعـــــاص كـــــــــان جـــنـــونـــا
وقوله:
إنّ الـســيــوف غــدوّهـــا ورواحـــهـــاتركت هوزان مثل قرن الأعضب
ويقول بعضهم " إنّ الله وملائكته يصلون على النّبي " فيرفعون ملائكته على شركة الابتداء ولا يعملون فيها " إن "، وقال سمعت الفصحاء من المحرمين يقولون: إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك له.
وقرأها قومٌ على تخفيف نون " إن " وإسكانها وهو يجوز لأنهم قد أدخلوا اللام في الابتداء وهي فضل، قال:
أم الحليس لعجوزٌ شهربه وزعم قومٌ أنه لا يجوز لأنه إذا خفف نون " إن " فلا بد له من أن يدخل إلا فيقول: إن هذان إلا ساحران). [مجاز القرآن: 2/23،22]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ( {قالوا إن هذان لساحران يريدان أن يخرجاكم مّن أرضكم بسحرهما ويذهبا بطريقتكم المثلى}
وقال: {إن هذان لساحران} خفيفة في معنى ثقيلة. وهي لغة لقوم يرفعون ويدخلون اللام ليفرقوا بينها وبين التي تكون في معنى "ما" ونقرؤها ثقيلة وهي لغة لبني الحارث بن كعب.
وقال: {المثلى} تأنيث "الأمثل" مثل: "القصوى" و"ألأقصى"). [معاني القرآن: 3/5،4]
عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (باب ما ادّعي على القرآن من اللحن، وأما ما تعلَّقوا به من حديث عائشة رضي الله عنها في غَلَطِ الكاتب، وحديث عثمان رضي الله عنه: أرى فيه لَحْناً- فقد تكلم النحويون في هذه الحروف، واعتلُّوا لكلِّ حرف منها، واستشهدوا الشعرَ: فقالوا: في قوله سبحانه: {إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ} وهي لغة بلحرث بن كعب يقولون: مررت برجلان، وقبضت منه درهمان، وجلست بين يداه، وركبت علاه. وأنشدوا:
تــزوّد مـنَّـا بـيــن أذنـــاه ضـربــةدعته إلى هابي التراب عقيم
أي موضع كثير التراب لا ينبت.
وأنشدوا:
أيَّ قـلــوصِ راكـــبِ تـراهــاطارُوا علاهنَّ فَطِرْ عَلاها
على أنَّ القراءَ قد اختلفوا في قراءة هذا الحرف: فقرأه أبو عمرو بن العلاء، وعيسى بن عمر: «إنّ هذين لساحران» وذهبا إلى أنه غلط من الكاتب كما قالت عائشة.
وكان عاصم الجحدريّ يكتب هذه الأحرف الثلاثة في مصحفه على مثالها في الإمام، فإذا قرأها، قرأ: «إنَّ هذين لساحران»، وقرأ {المقيمون الصلاة}،
وقرأ {إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ}.
وكان يقرأ أيضا في سورة البقرة: {والصابرون فى البأساء والضراء} ويكتبها: الصابرين.
وإنما فرق بين القراءة والكتاب لقول عثمان رحمة الله: أرى فيه لحنا وستقيمه العرب بألسنتها فأقامه بلسانه، وترك الرسم على حاله.
وكان الحجَّاجُ وكَّلَ عاصماً وناجِيَةَ بنَ رُمْحٍ وعليَّ بنَ أصمعَ بتَتَبُّعِ المصاحفِ، وأمرهم أن يقطعوا كل مصحف وجدوه مخالفاً لمصحف عثمان، ويعطوا صاحبه ستين درهماً.
خبّرني بذلك أبو حاتم عن الأصمعيِّ قال: وفي ذلك يقول الشاعر:
وإلا رســـومُ الـــدّار قــفــراً كـأنّـهــاكتابٌ مَحَاهُ البَاهليُّ بنُ أَصْمَعَا
وقرأ بعضهم: {إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ} اعتباراً بقراءة أُبيّ لأنها في مصحفه: «إن ذان إلا ساحران» وفي مصحف عبد الله: (وأسرّوا النّجوى أن هذان ساحران) منصوبة بالألف يجعل (أن هذان) تبيينا للنجوى). [تأويل مشكل القرآن: 50-52]
تعليق
المرتبة الأولى:
- الكتب التي وجدت فيها:
-ومجاز القرآن لأبي عبيدة معمر بن المثنى
-
ومعاني القرآن، لأبي زكريا الفراء
- ومعاني القرآن، للأخفش الأوسط.
- وتأويل مشكل القرآن، لابن قتيبة
- الكتب التي بحثت ولم تجد فيها:
- ومعاني القرآن وإعرابه، لأبي إسحاق الزجاج.
- تفسير القرآن ليحيى بن سلام البصري.
-
ومعاني القرآن، لأبي جعفر النحاس
- الكتب التي تعذر عليك الوصول إليها:
لا يوجد
المرتبة الثانية
المرتبة الثانية:
- الكتب التي وجدت فيها:
لا يوجد
- الكتب التي بحثت ولم تجد فيها:
- تفسير غريب القرآن، لابن قتيبة
-نزهة القلوب، لابن عزيز السجستاني
- الكتب التي تعذر عليك الوصول إليها:
- وغريب القرآن وتفسيره، لليزيدي
- وياقوتة الصراط، لأبي عمر الزاهد
-
وتفسير المشكل من غريب القرآن، لمكي بن أبي طالب
-
والعمدة في غريب القرآن
المرتبة الثالثة:
كتاب معاني القرآن للفراء [الفراء، يحيى بن زياد]
وقوله: إِنْ هذانِ لَساحِرانِ [83] قد اختلف فِيهِ القراء فقال بعضهم: هُوَ لحن ولكنا نمضي عَلَيْهِ لئلا نُخالف الكتاب. حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو مُعَاوِيَةَ الضَّرِيرُ «2» عَنْ هَاشِمِ بْنِ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا سُئِلَتْ عَنْ قوله فِي النِّسَاءِ (لكِنِ «3» الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ.... وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاةَ) وَعَنْ قوله فِي الْمَائِدَةِ (إِنَّ الَّذِينَ «4» آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا وَالصَّابِئُونَ) وعن قوله ( «5» إِنْ هذانِ لَساحِرانِ) فقالت: يا ابن أَخِي هَذَا كَانَ «6» خَطَأً مِنَ الْكَاتِبِ. وقرأ أَبُو عمرو (إِنَّ هَذَيْنِ لساحران) واحتج أَنَّهُ بلغه عَن «7» بعض أصحاب مُحَمَّد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: إن فِي المصحف لحنًا وستقيمه العرب.
قَالَ الفراء: ولست أشتهي عَلَى (أن أخالف «8» الكتاب وقرأ بعضهم «9» (إِنْ هذان لساحران)ص183 - كتاب معاني القرآن للفراء - سورة طه الآيات إلى - المكتبة الشاملة الحديثة
كتاب معاني القراءات للأزهري
وأما قراءة العامّة (إِنَّ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ) ففى صحته في العربية وجوه كُلهَا
حجة، منها: أن الأخفش الكبير وغيره من قدماء النحويين قالوا: هى لغة
لِكِنَانة، يجعلون ألف الاثنين في الرفع والخفض على لفظ واحد، كقولك:
أتاني الزيدانِ، ورأيت الزيدان، وَمررت بالزيدانِ،
وقد أنشد الفراء بيتًا للمتلمِّس حجة لهذه اللغة:
فأَطْرَق إطْراقَ الشُّجاعِ ولو يرى ... مَسَاغاً لِناباه الشُّجاعُ لصَمَّما
وقال أبو عبيد: ويروي للكسائي يقول: هي لغة لِبَلْحارِث بن كعب،
وأنشد
تَزوَّدَ منَّا بَيْنَ أذناهُ ضَربةً ... دَعَتْهُ إلى هَابِي الترابِ عَقيم
وقال بعض النحويين في قوله (إِنَّ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ)
ها هنا هاء مضمرة، المعنى: إنَّهُ هذَانِ لَسَاحِرَانِ. ص150 - كتاب معاني القراءات للأزهري - إن هذان لساحران - المكتبة الشاملة الحديثة
كتاب فضائل القرآن للقاسم بن سلام [أبو عُبيد القاسم بن سلاّم]
حَدَّثَنَا أَبُو عُبَيْدٍ حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: سَأَلْتُ عَائِشَةَ عَنْ لَحْنِ الْقُرْآنِ: عَنْ قَوْلِهِ {إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ} [طه: 63] ، وَعَنْ قَوْلِهِ {وَالْمُقِيمِينَ الصَّلَاةَ وَالْمُؤْتُونَ الزَّكَاةَ} [النساء: 162] وَعَنْ قَوْلِهِ {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ} فَقَالَتْ: «يَا ابْنَ أُخْتِي، §هَذَا عَمَلُ الْكُتَّابِ أَخْطَئُوا فِي الْكِتَابِ». ص287 - كتاب فضائل القرآن للقاسم بن سلام - باب تأليف القرآن وجمعه ومواضع حروفه وسوره - المكتبة الشاملة الحديثة
كتاب فيه لغات القرآن [الفراء، يحيى بن زياد]
حدَّثني محمدٌ، قال: حدَّثنا الفرَّاءُ، قال: وحدَّثني أبو مُعَاوِيَةَ، عن هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ، عن أَبِيه، عن عَائِشَةَ، أنها سُئِلَتْ عن قولِه: {إِنَّ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ}، و {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ}، وعن قولِه: {لَكِنِ الرَّاسِخُونَ
--------
ص94 - كتاب فيه لغات القرآن - ومن سورة طه - المكتبة الشاملة الحديثة
كتاب مجاز القرآن [أبو عبيدة معمر بن المثنى]
«إِنْ هذانِ لَساحِرانِ» (63) قال أبو عمرو وعيسى ويونس «إنّ هذين لساحران» فى اللفظ وكتب «هذان» كما يزيدون وينقصون فى الكتاب واللفظ صواب. وزعم أبو الخطّاب أنه سمع قوما من بنى كنانة وغيرهم يرفعون الاثنين فى موضع الجر والنصب، قال بشر بن هلال «إِنْ» بمعنى الابتداء والإيجاب، ألا ترى أنها تعمل فيما يليها ولا تعمل فيما بعد الذي بعدها فترفع الخبر ولا تنصبه كما تنصب الاسم فكان مجاز
--------
ص21 - كتاب مجاز القرآن - سورة طه آية - المكتبة الشاملة الحديثة
معانى القرآن للأخفش [الأخفش الأوسط]
وقال {إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ} خفيفة في معنى ثقيلة. وهي لغة لقوم يرفعون ويدخلون اللام ليفرقوا
--------
ص443 - معانى القرآن للأخفش - سورة طه - المكتبة الشاملة الحديثة

المرتبة الثالثة:
- الكتب التي وجدت فيها:
الفراء
أبي عبيد القاسم بن سلام
أبي عبيدة
الأخفش
ابن قتيبة
- الكتب التي بحثت ولم تجد فيها:
والكسائي
ومؤرّج السدوسي
وسيبويه
قطرب
أبي عمرو الشيباني
الأصمعي
ابن السكيت
أبي حاتم السجستاني
- الكتب التي تعذر عليك الوصول إليها:
الخليل بن أحمد
أبي زيد الأنصاري
أبي سعيد السكري
إبراهيم الحربي
المبرّد
ابن الأنباري
أبي منصور الأزهري

المرتبة الرابعة:
فتوح الغيب في الكشف عن قناع الريب (حاشية الطيبي على الكشاف) [الطيبي]
والظاهر أنهم تشاوروا في السر وتجاذبوا أهداب القول، ثم قالوا: إن هذان لساحران. فكانت نجواهم في تلفيق هذا الكلام وتزويره، خوفا من غلبتهما. وتثبيطا للناس عن اتباعهما. قرأ أبو عمرو (إِنْ هذانِ لَساحِرانِ) على الجهة الظاهرة المكشوفة. وابن كثير وحفص: (إن هذان لساحران)، على قولك: إن زيد لمنطلق. واللام هي الفارقة بين (إن) النافية والمخففة من الثقيلة.
--------
ص197 - فتوح الغيب في الكشف عن قناع الريب حاشية الطيبي على الكشاف - سورة طه - المكتبة الشاملة الحديثة
تفسير الزمخشري = الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل [الزمخشري]
م قالوا:إن هذان لساحران. فكانت نجواهم في تلفيق هذا الكلام وتزويره، خوفا من غلبتهما. وتثبيطا للناس عن اتباعهما. قرأ أبو عمرو إِنْ هذانِ لَساحِرانِ على الجهة الظاهرة المكشوفة.وابن كثير وحفص:إن هذان لساحران، على قولك:إن زيد لمنطلق. واللام هي الفارقة بين إن النافية والمخففة من الثقيلة.
وقرأ أبىّ:إن ذان إلا ساحران.وقرأ ابن مسعود:أن هذان ساحران: بفتح أن وبغير لام، بدل من النجوى. وقيل في القراءة المشهورة إِنْ هذانِ لَساحِرانِ هي لغة بلحرث بن كعب، جعلوا الاسم المثنى نحو الأسماء التي آخرها ألف، كعصا وسعدى، فلم يقلبوها ياء في الجر والنصب.وقال بعضهم:إِنْ بمعنى نعم. ولَساحِرانِ خبر مبتدأ محذوف، واللام داخلة على الجملة تقديره:لهما ساحران. وقد أعجب به أبو إسحاق. سموا مذهبهم الطريقة الْمُثْلى والسنة الفضلى، وكل حزب بما لديهم فرحون.وقيل:أرادوا أهل طريقتهم المثلى، وهم بنو إسرائيل، لقول موسى فَأَرْسِلْ مَعَنا بَنِي إِسْرائِيلَ وقيل «الطريقة»اسم لوجوه الناس وأشرافهم الذين هم قدوة لغيرهم.يقال:هم طريقة قومهم.ويقال للواحد أيضا:هو طريقة قومه فَأَجْمِعُوا كَيْدَكُمْ يعضده قوله فَجَمَعَ كَيْدَهُ وقرئ فَأَجْمِعُوا كَيْدَكُمْ أى أزمعوه واجعلوه مجمعا عليه، حتى لا تختلفوا ولا يخلف عنه واحد منكم، كالمسألة المجمع عليها. أمروا بأن يأتوا . ص72 - تفسير الزمخشري الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل - سورة طه الآيات إلى - المكتبة الشاملة الحديثة
البحر المحيط في التفسير [أبو حيّان الأندلسي]
إِسْرَائِيلَ قَالَ لَهُمْ مُوسَى وَيْلَكُمْ لَا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِباً وَتَقَدَّمُ تَفْسِيرُ وَيْلٍ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ، خَاطَبَهُمْ خِطَابَ مُحَذِّرٍ وَنَدَبَهُمْ إِلَى قَوْلِ الْحَقِّ إِذَا رَأَوْهُ وَأَنْ لَا يُبَاهِتُوا بِكَذِبٍ. وَعَنْ وَهْبٍ لَمَّا قَالَ لِلسَّحَرَةِ وَيْلَكُمْ قَالُوا مَا هَذَا بِقَوْلِ سَاحِرٍ فَيُسْحِتَكُمْ يُهْلِكَكُمْ وَيَسْتَأْصِلَكُمْ، وَفِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى عِظَمِ الِافْتِرَاءِ وَأَنَّهُ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ هَلَاكُ الِاسْتِئْصَالِ، ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّهُ لَا يَظْفَرُ بِالْبُغْيَةِ وَلَا يَنْجَحُ طَلَبُهُ مَنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ.
وَلَمَّا سَمِعَ السَّحَرَةُ مِنْهُ هَذِهِ الْمَقَالَةَ هَالَهُمْ ذَلِكَ وَوَقَعَتْ فِي نُفُوسِهِمْ مَهَابَتُهُ فَتَنازَعُوا أَمْرَهُمْ أَيْ تَجَاذَبُوهُ وَالتَّنَازُعُ يَقْتَضِي الِاخْتِلَافَ. وَقَرَأَ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ وَحَفْصٌ والأعمش وطلحة وَابْنُ جَرِيرٍ فَيُسْحِتَكُمْ بِضَمِّ الْيَاءِ وَكَسْرِ الْحَاءِ من أَسْحَتَ رُبَاعِيًّا. وَقَرَأَ بَاقِي السبعة ورويس وابن عباعي بِفَتْحِهِمَا مِنْ سَحَتَ ثُلَاثِيًّا. وَإِسْرَارُهُمُ النَّجْوَى خِيفَةً مِنْ فِرْعَوْنَ أَنْ يَتَبَيَّنَ فِيهِمْ ضَعْفًا لِأَنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا مُصَمِّمِينَ عَلَى غَلَبَةِ مُوسَى بَلْ كَانَ ظَنًّا مِنْ بَعْضِهِمْ.
وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ نَجْوَاهُمْ إِنْ غَلَبَنَا مُوسَى اتَّبَعْنَاهُ، وَعَنْ قَتَادَةَ إِنْ كَانَ سَاحِرًا فَسَنَغْلِبُهُ، وَإِنْ كَانَ مِنَ السَّمَاءِ فَلَهُ أَمْرٌ.
وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ:وَالظَّاهِرُ أَنَّهُمْ تَشَاوَرُوا فِي السِّرِّ وَتَجَاذَبُوا أَهْدَابَ الْقَوْلِ، ثُمَّ قالُوا إِنْ هذانِ لَساحِرانِ فَكَانَتْ نَجْوَاهُمْ فِي تَلْفِيقِ هَذَا الْكَلَامِ وَتَزْوِيرِهِ خَوْفًا مِنْ غَلَبَتِهِمَا وَتَثْبِيطًا لِلنَّاسِ مِنِ اتِّبَاعِهِمَا انْتَهَى.وَحَكَى ابْنُ عَطِيَّةَ قَرِيبًا مِنْ هَذَا الْقَوْلِ عَنْ فِرْقَةٍ قَالُوا:إِنَّمَا كَانَ تَنَاجِيهِمْ بِالْآيَةِ الَّتِي بَعْدَ هَذَا إِنْ هذانِ لَساحِرانِ وَالْأَظْهَرُ أَنَّ تِلْكَ قِيلَتْ عَلَانِيَةً، وَلَوْ كَانَ تَنَاجِيهِمْ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ ثَمَّ تَنَازُعٌ. وَقَرَأَ أَبُو جَعْفَرٍ وَالْحَسَنُ وَشَيْبَةُ وَالْأَعْمَشُ وَطَلْحَةُ وَحُمَيْدٌ وَأَيُّوبُ وَخَلَفٌ فِي اخْتِيَارِهِ وَأَبُو عُبَيْدٍ وَأَبُو حَاتِمٍ وَابْنُ عِيسَى الْأَصْبَهَانِيُّ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ جُبَيْرٍ الْأَنْطَاكِيُّ وَالْأَخَوَانِ وَالصَّاحِبَانِ مِنَ السَّبْعَةِ إِنَّ بِتَشْدِيدِ النُّونِ هذانِ بِأَلِفٍ وَنُونٍ خَفِيفَةٍ لَساحِرانِ وَاخْتُلِفَ فِي تَخْرِيجِ هَذِهِ الْقِرَاءَةِ. فَقَالَ الْقُدَمَاءُ مِنَ النُّحَاةِ إِنَّهُ عَلَى حَذْفِ ضَمِيرِ الشَّأْنِ وَالتَّقْدِيرُ إِنَّهُ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ، وَخَبَرُ إِنْ الْجُمْلَةَ مِنْ قَوْلِهِ هذانِ لَساحِرانِ وَاللَّامُ فِي لَساحِرانِ دَاخِلَةٌ عَلَى خَبَرِ الْمُبْتَدَأِ، وَضَعُفَ هَذَا الْقَوْلِ بِأَنَّ حَذْفَ هَذَا الضَّمِيرِ لَا يَجِيءُ إِلَّا فِي الشِّعْرِ وَبِأَنَّ دُخُولَ اللَّامِ فِي الْخَبَرِ شَاذٌّ.
وَقَالَ الزَّجَّاجُ:اللَّامُ لَمْ تَدْخُلْ عَلَى الْخَبَرِ بَلِ التَّقْدِيرُ لَهُمَا سَاحِرَانِ فَدَخَلَتْ عَلَى الْمُبْتَدَأِ الْمَحْذُوفِ، وَاسْتَحْسَنَ هَذَا الْقَوْلَ شَيْخُهُ أَبُو الْعَبَّاسِ الْمُبَرِّدُ وَالْقَاضِي إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ.وَقِيلَ:هَا ضَمِيرُ الْقِصَّةِ وَلَيْسَ مَحْذُوفًا، وَكَانَ يُنَاسِبُ عَلَى هَذَا أَنْ تَكُونَ مُتَّصِلَةً فِي الْخَطِّ فَكَانَتْ كِتَابَتُهَا إِنْ هذانِ لَساحِرانِ وَضُعِّفَ ذَلِكَ مِنْ جِهَةِ
الدر المصون في علوم الكتاب المكنون [السمين الحلبي]
الوجه الثاني: أن «إنَّ» بمعنى نعم فهي حرفُ جوابٍ، ولا محلَّ لها حينئذ، وعلى هذا فما بعدها مرفوعُ المحلِّ على الابتداء، وما بعده معطوفٌ عليه بالرفع، وخبرُ الجميع قوله: {مَنْ آمَنَ} إلى آخره، وكونُها بمعنى «نعم» قولٌ مرجوح، قال به بعضُ النحويين، وجَعَل من ذلك قول تعالى: {إِنْ هذان لَسَاحِرَانِ} [طه: 63] في قراءةِ مَنْ قرأه بالألف، وفي الآية كلامٌ طويل يأتي إنْ شاء الله تعالى في موضعِه، وجعل منه أيضاً قولَ عبد الله بن الزبير: «إنَّ وصاحبُها» جواباً لمن قال له: «لَعَن الله ناقة حملتني إليك» أي: نعم وصاحبُها، وجَعَلَ منه قولَ الآخر:
--------
ص355 - الدر المصون في علوم الكتاب المكنون - - المكتبة الشاملة الحديثة

المرتبة الرابعة:
- الكتب التي وجدت فيها:
حاشية الطيبي على الكشّاف
الكشّاف للزمخشري
البحر المحيط لأبي حيّان
الدرّ المصون للسمين الحلبي
- الكتب التي بحثت ولم تجد فيها:
تفسير ابن القيّم رحمه الله.
- الكتب التي تعذر عليك الوصول إليها:
التحرير والتنوير لابن عاشور

المرتبة الخامسة:
كتاب شرح شذور الذهب لابن هشام [جمال الدين ابن هشام]

وَقد اجْتمع النصب بِالْيَاءِ وَالرَّفْع بِالْألف فِي قَوْله تَعَالَى {إِن هَذَانِ لساحران}

--------

ص60 - كتاب شرح شذور الذهب لابن هشام - الإعراب - المكتبة الشاملة الحديثة

3 - الثَّالِث أَلا يكون مؤكدا وَهَذَا الشَّرْط أول من ذكره الْأَخْفَش منع فِي نَحْو الَّذِي رَأَيْت زيد أَن يُؤَكد الْعَائِد الْمَحْذُوف بِقَوْلِك نَفسه لِأَن الْمُؤَكّد مُرِيد للطول والحاذف مُرِيد للاختصار وَتَبعهُ الْفَارِسِي فَرد فِي كتاب الأغفال قَول الزّجاج فِي {إِن هَذَانِ لساحران} أَن التَّقْدِير إِن هَذَانِ لَهما ساحران فَقَالَ الْحَذف والتوكيد بِاللَّامِ متنافيان وَتبع أَبَا عَليّ أَبُو الْفَتْح فَقَالَ فِي الخصائص لَا يجوز الَّذِي ضربت نَفسه زيد كَمَا لَا يجوز إدغام نَحْو اقعنسس لما فيهمَا جَمِيعًا من نقض الْغَرَض وتبعهم ابْن مَالك فَقَالَ لَا يجوز حذف عَامل الْمصدر الْمُؤَكّد ك ضربت ضربا لِأَن الْمَقْصُود بِهِ تَقْوِيَة عَامله وَتَقْرِير مَعْنَاهُ والحذف منَاف لذَلِك وَهَؤُلَاء كلهم مخالفون للخليل وسيبويه أَيْضا فَإِن سِيبَوَيْهٍ سَأَلَ الْخَلِيل عَن نَحْو مَرَرْت بزيد وأتاني أَخُوهُ أَنفسهمَا كَيفَ ينْطق بالتوكيد فَأَجَابَهُ بِأَنَّهُ يرفع بِتَقْدِير هما صَاحِبَايَ أَنفسهمَا وَينصب بِتَقْدِير أعنيهما أَنفسهمَا وَوَافَقَهُمَا على ذَلِك جمَاعَة وَاسْتَدَلُّوا بقول الْعَرَب
--------
ص793 - كتاب مغني اللبيب عن كتب الأعاريب - في خروج إذا عن الشرطية - المكتبة الشاملة الحديثة
كتاب اللمحة في شرح الملحة[ابن الصَّائغ]

وَنَصْبُهُ وَجَرُّهُ بِالْيَاءِ ... عِنْدَ جَمِيْعِ الْعَرَبِ الْعَرْبَاءِ

تَقُولُ: حَيَّ النَّازِلِيْنَ فِي مِنَى ... وَسَلْ عَنِ الزَّيْدِينَ هَلْ كَانُوا هُنَا

قوله:"عند جميع العرب"أي: إنَّ إعرابه على هذا الحكم لم يقع فيه خُلْفٌ كما اختُلِفَ في إعراب المثنّى؛ فجعله بعضُهم1بالألِف في جميع أحواله، وعليه حمل بعضُهم قوله تعالى: {إِنَّ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ} 2، ومنه [22/ ب] قول المُتَلَمِّس3:

فَأَطْرَقَ إطْرَاقَ الشُّجَاعِ وَلَوْ رَأى ... مَسَاغًا لِنَابَاهُ الشُّجَاعُ لَصَمَّمَا4

--------

ص194 - كتاب اللمحة في شرح الملحة - باب التثنية - المكتبة الشاملة الحديثة

كتاب المقاصد النحوية في شرح شواهد شروح الألفية [بدر الدين العيني]



في الذخائر (1): "والتقدير: أشبها منخري ظبيين" فجعله تثنية ظبي، وليس هذا بصحيح، بل الظبيان اسم رجل كما ذكرنا، والتقدير: ومنخرين أشبها منخري ظبيانا.
وفيه استشهاد آخر وهو إجراء المثني بالألف في حال النصب كما في قوله: "والعينانا" تثنية عين، والقياس: والعينين، وليس هذا بضرورة، بل هي لغة بني الحارث بن كعب، ونسبها بعضهم إلى بني العنبر وبني الهجيم"، وبهذه اللغة قرأ نافع وابن عامر (2) والكوفيون إلَّا حفصًا (3) قوله تعالى: {إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ} [طه: 63] فإن هؤلاء يجرون المثني مجرى المقصور، فيجعلونه بالألف في كل حال (4)، وقال ابن كيسان: من فتح نون الاثنين في النصب والخفض استخف الفتحة بعد الياء فأجراها مُجرى أين وكيف، ولا يجوز عند أحد من الحُذّاق علمته فتحها مع الألف، وإنشادهم:
أعرف منها الأنف والعينانا ... ...................................
لا يلتفت إليه؛ لأنَّه لا يعرف قائله ولا له وجه. انتهى.
ولو ثبت أنَّه من لسان العرب لكان له وجه من القياس؛ لأنها ألف ثابت عن الياء؛ لأنها ليست للرفع، بل الكلمة منصوبة، وكان القياس أن يقول: والعينين، فلما ثابت عن الياء اضطر إلى ذلك؛ لأنَّ ما قبله من النظم مفتوح الآخر عَامَل هذه الألف معاملة الياء بخلاف قولك: قام الزيدان، فالألف لم تنُبْ عن الياء؛ لأنَّ الاسم مرفوع.
الشاهد الثاني والثلاثون (5)
عَرِينٌ مِنْ عُرَيْنة ليس منا ... بَرِئتُ إِلى عُرَيْنَةَ مِنْ عَرِينٍ
عَرَفْنَا جَعْفَرًا وَبَنِي أَبِيهِ ... وَأَنْكَرْنَا زَعَانِفَ آخَرِينِ
أقول: قائله هو جرير بن عطية بن الخطفي، وهما من قصيدة نونية، وأولها (6)
ص227 - كتاب المقاصد النحوية في شرح شواهد شروح الألفية - الشاهد الثاني والثلاثون - المكتبة الشاملة الحديثة
كتاب شرح الآجرومية - عبد الكريم الخضير [عبد الكريم الخضير]

نعم المثنى يرفع بالألف، وينصب ويجر بالياء، (جاء الزيدان) و (رأيت الزيدين)، و (مررت بالزيدين)، فالمفتوح ما قبلها المكسور ما بعدها، وبعضهم يلزم المثنى الألف، يعني باستمرار على الألف، بعض العرب يلزم المثنى الألف، وعليه قراءة: {إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ} [(63) سورة طه] ((لا وتران في ليلة)) لعل من لغة من يلزم المثنى الألف؛ لكن على قراءة التخفيف: (إن هذان) إيش يصير؟ لأن (إن) مخففة من الثقيلة، وإذا خففت (إن) ماذا يكون لها؟ يقل العمل، قد تعمل؛ لكنه على قلة.

وخففت (إنّ) فقل العملُ ... . . . . . . . . .

فهو من الكثير لما خففت ما عملت، وقد تعمل، (رأيت الزيدين)، و (مررت بالزيدين)، إعرابها كما مرّ، وجمع المذكر السالم (جاء المسلمون) و (رأيت المسلمين)، و (مررت بالمسلمين) فرفعها بالواو، ونصبها وجرها بالياء كالتثنية؛ لكن الفرق بين التثنية والجمع أن النون في التثنية مكسورة، والنون في الجمع مفتوحة.

ونون مجموعٍ وما به التحق ... فافتح وقلّ من بكسره نطق

. . . . . . . . . ... وقد جاوزت حد الأربعينِ

ونون ما ثنّي والملحق به ... بعكس ذاك استعملوه فانتبه

"وأما الأسماء الخمسة فترفع بالواو، وتنصب بالألف، وتخفض. . . . . . . . . "

إيش الثالث؟ الثالث قضينا من المثنى والجمع، الثالث الأسماء الخمسة.

"وأما الأسماء الخمسة فترفع بالواو وتنصف بالألف وتخفض بالياء".

هذا إعرابها بالحروف، ترفع بالواو، (جاء أبوك وأخوك وحموك وفوك وذو مال) وتنصب بالألف، (رأيت أباك وأخاك وحماك) وتجر بالياء، (مررت بأخيك وأبيك) .. الخ، وتجزم بأي شيء؟ يعني هنا ما في جزم؛ لأنها أسماء، صحيح، وعرفنا سابقاً أن هذه الأسماء الخمسة بعضهم يلزمها الألف:

إن أباها وأبا أباها ... . . . . . . . . .

ومنهم من يعربها بالنقص:

بأبه اقتدى عديّ في الكرم ... . . . . . . . . .

"وأما الأفعال الخمسة فترفع بالنون، وتنصب وتجزم بحذفها".

كتاب أصول النحو 1 - جامعة المدينة [جامعة المدينة العالمية]

المروي عن عائشة -رضي الله عنها- فيمكن أن يجاب عن إنكارها بأنه قد حصل قبل أن يبلغها التواتر، وليس كل صاحبيٍّ كان حافظًا لروايات القرآن الكريم.



وأما خلاصة التوجيهات النحوية للآيات القرآنية الثلاث التي سُئلت عنها عائشة -رضي الله عنها- فنوجزها فيما يلي: أما قراءة قوله تعالى: {إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ} (طه: 63) فأقوى توجيهاتها أنها جاءت على لغة بلحرث بن كعب، وقبائل أُخر، وهم الذين يُلزمون المثنى الألف كالمقصور في أحواله الثلاث، ويقدرون إعرابه بالحركات وهي لغة مشهورة، أو أن يقال: اسم إن ضمير الشأن محذوفًا، والجملة من المبتدأ والخبر بعده في محل رفع خبرًا لإن، والتقدير: إن الأمر والشأن هذان لهما ساحران.



وأما قوله تعالى: {وَالْمُقِيمِينَ الصَّلَاةَ وَالْمُؤْتُونَ الزَّكَاةَ} من قوله -عز وجل-: {لَكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ وَالْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَالْمُقِيمِينَ الصَّلَاةَ وَالْمُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالْمُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أُولَئِكَ سَنُؤْتِيهِمْ أَجْرًا عَظِيمًا} (النساء: 162) وهي قراءة الجمهور، فأحسن ما قيل في توجيهها: أن {الْمُقِيمِ ينَ} منصوب على القطع المفيد للمدح؛ لبيان فضل الصلاة، فهو مفعول به لفعل محذوف تقديره: أمدح المقيمين الصلاة. وعليه يكون قوله: {الرَّاس ِخُونَ} مبتدأ خبره جملة: {يُؤْمِنُون} ومتعلقاتها حتى يكون القطع بعد تمام الجملة الأولى. وأما قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصَارَى مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} (المائدة: 69) فقوله {وَال صَّابِئُونَ} بالرفع هي قراءة الجمهور أيضًا، وأظهر ما قيل في توجيهها: أنه مرفوع بالابتداء وخبره محذوف لدلالة خبر إن عليه، والنية به التأخير عما في حيز إن من اسمها وخبرها، والتقدير: إن الذين


المرتبة الخامسة:
- الكتب التي وجدت فيها:


كتاب شرح شذور الذهب لابن هشام [جمال الدين ابن هشام]
كتاب اللمحة في شرح الملحة [ابن الصَّائغ
كتاب المقاصد النحوية في شرح شواهد شروح الألفية [بدر الدين العيني]
كتاب شرح الآجرومية - عبد الكريم الخضير [عبد الكريم الخضير]

كتاب أصول النحو 1 - جامعة المدينة [جامعة المدينة العالمية]
- الكتب التي بحثت ولم تجد فيها:
- إعراب القرآن لأبي جعفر النحاس.
- وإعراب ثلاثين سورة لابن خالويه
- وإعراب القراءات السبع وعللها.
- ومشكل إعراب القرآن لمكي بن أبي طالب.
- الكتب التي تعذر عليك الوصول إليها:
- والبيان في غريب إعراب القرآن لابن الأنباري
- والملخص في إعراب القرآن، للخطيب التبريزي
- وكشف المشكلات وإيضاح المعضلات، للباقولي
- وإملاء ما منّ به الرحمن من جوه الإعراب والقراءات في جميع القرآن لأبي البقاء العكبري
- وإعراب القراءات الشواذ.


عذرا على التقصير

جزاكم الله خير

بارك الله فيكِ أختي الفاضلة ونفع بكِ.
هذه المسألة من المسائل الممتعة في بحثها، لكنها تحتاج منكِ مجهودًا لاستيعاب الأقوال وحسن تحريرها
وحتى نصل لهذه المرحلة ينبغي الاعتناء بهذا التطبيق جيدًا
وقد أحسنتِ فيما قدمتِ، لكن أشير عليكِ بما يثري بحثكِ أكثر ويفيدكِ عند التحرير بإذن الله:
أولا: العرض:
- وأبدأ بآخر (معيار) من معايير التقويم، لأهميته هنا.
حسن تنسيقك للنقول، ومحاكاتك لطريقة عمل (جمهرة التفاسير) يجعل النقول سهلة القراءة، فيسهل عليكِ تحديد الأقوال، وحججها والمآخذ عليها ومن ثمّ الوصول للقول الراجح.
- عرضكِ للمراتب وما وجدتيه وما لم تجديه، يكون في نهاية التطبيق وليس كل مرتبة على حدة.
- كل نقول أهل اللغة تعامل كوحدة واحدة، وترتب ترتيبًا تاريخيًا، بغض النظر عن كونها في أي مرتبة.

ثانيًا: المصادر:
- المرتبة الثالثة تعتني بكتب اللغة في غير علوم القرآن، ويمكنني القول بأن الكتب التي وضعتيها في المرتبة الخامسة حقها أن تكون في المرتبة الثالثة.
- المرتبة الخامسة (بالنسبة لمسألتك) ستكون في كتب إعراب القرآن، وكتب توجيه القراءات
لأن المسألة في الأساس هي في توجيه إحدى القراءات من ناحية الإعراب.
- لابن تيمية رسالة قيمة جدًا في مجموع الفتاوى بخصوص هذه المسألة، ستفيدكِ جدًا بإذن الله وتثري بحثك، بعنوان (رسالة في إعراب {إن هذان لساحران} لابن تيمية)

التقويم: ج
وفقكِ الله وسددكِ ونفع بكِ.

رد مع اقتباس
 

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
مجلس, أداء

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 10:38 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir